الأحد، 3 أبريل 2016

قصة قصيرة- بقع سوداء فوق أثير ابيض!- عادل كامل

 قصة قصيرة


بقع سوداء فوق أثير ابيض!



عادل كامل
    لم ْ تعد أسباب نشوب الاضطرابات، وتحولها إلى حرب مستعرة، تدور ببال احد؛ لا كيف تحولت الفتنة إلى صراع، ولا متى اتسعت المواجهات لتشمل الجميع، بعد أن  اكتسبت مظهرا ً منح الطرفين قدرات نادرة على رفض أية تسوية، أو مصالحة، بعد أن صارت الأسئلة متداخلة بنتائجها، حد استحالة وضع مسافة بين لماذا وكيف، مما أضفى على المشهد غموضا ً بهيا ً سرعان ما اكسبه علامات البسالة، الفخار، والمجد.
    لم يدر بخلد فصيل الأرانب ذات اللون الأسود المرقط بالبقع البيضاء، انه يمتلك أحقية بالهيمنة، والنفوذ، مادام فصيل الأرانب البيضاء المرقطة بالبقع السوداء قد ازداد حنكة، صلابة، وتجلدا ً في مواجهة ادعاءات لم تدحض، وغير قابلة للردم، بالوسائل المتعارف عليها، بينهما، رغم إنها جمعت طرفي النزاع، على مدى قرون طويلة من الزمن، في مساحة من الأرض شملت باقي الفصائل، والأنواع، وفي الحديقة ذاتها ومن غير تغيرات تذكر، لا في حدودها، ولا في تضاريسها أيضا ً. فالطرف الأول وجد مصيره مربكا ً ومشوشا ً بظهور زعامات ادعت أن اللون الأسود يمتلك أحقية بالسيادة، النفوذ، والسيطرة، بعد سيادة الأرانب ذات اللون الأبيض بالبقع السوداء، بينما فند الفصيل الآخر بتبني نظرية تزعم إن الأصل لم ينشأ إلا طليقا ً، خاليا ً من الشوائب،  فرد زعيم الطرف الأول قائلا ً إن فصيله لم يختلط قط بالفصيل الآخر بعد مضي قرون من العزلة، رغم تداخل الممرات، الحفر، الشقوق، بينهما، فرد زعيم الأرانب ذات اللون الأسود المرقط باللون الأبيض إنها محض افتراءات، وتهم باطلة، لا أساس لها من الصحة، لأن الاختلاط لم يجر إلا وفق مصالحة واهية، هشة، وآن لها أن تسوى باسترداد الحقوق، وعدم التنازل عنها، فرد الطرف الآخر مؤكدا ً إن الموت ليس إلا ثمنا ً بخسا ًويسيرا ً لتعزيز كل ما يدحض خلط الأزمنة بالمساحات المستلبة بقوة السلاح، من المياه والفضاء والسهول....، من الشقوق والكهوف وباقي الأجزاء...، الأمر الذي دفع بالاختلاف إلى خلاف، والخلاف إلى جدل، والجدل إلى عراك، والعراك إلى مذابح، مما سمح لكافة القوى المستترة، المخبأة، والمدفونة، الخاملة،  بالبزوغ والظهور عبر هجمات كانت تجري إبان اشتداد العواصف، وأثناء هطول الأمطار الغزيرة...، فكانت المعارك تخلف المزيد من الجرحى، والمعاقين، والضحايا، سرعان ما تم تجاهلها، حد إغفالها، بتجديد عزائم الطرفين، وهممهم، وفي وضح النهار، فكادت الأرانب البيضاء المرقطة بالبقع السوداء أن توشك على حسم واحدة من أكبر المعارك شراسة، لولا إن زعيم الأرانب السوداء المرقطة بالبقع البيضاء استنجد بأطراف خارجية لم يحسب الآخر حسابا ً لها، إلا بعد أن استنجد ـ هو الآخر ـ بالجرذان ذات  المخالب الفولاذية، مع أجانب آخرين  يلذ لهم التطوع  بإبقاء الصراع  أبديا ً، حتى لم يعد لدى ـ كل من الطرفين ـ التفكير أو الرغبة  بإجراء هدنة، حتى من اجل استرداد الأنفاس، أو الاستراحة، فقد سادت قناعة راسخة، لدي كل منهما، بان النصر قاب قوسين أو أدنى، فيرد الآخر بنشوة الفخار بهجمات  اشد ضراوة، بتجنيد كل من يقدر على  حمل السلاح، زاعما ً انه أبلى بلاء ً سيتكلل بالظفر، والعزة، وحسم المعارك لفصيلة الذي عانى من الويلات، والهزائم...، على مدى آلاف السنين...،على إنهما، مع تزايد الخسائر، وثقل سنوات المواجهات، وما أنزلته من نكبات، لم يفقدا حثهما على تجنيد الشيوخ، والإناث، وصغار السن، في إدامة زخم نيران الحرب، وتوهج لهبها، وقد أعلنا عن شجبهما المتكرر بتدخل أية جهة لفك النزاع، أو السماح لأحد، أو حتى للعقلاء بوضع حد للانتهاكات،  والمذابح غير القانونية، المروعة، باستخدام أسلحة تم استحداثها، أكثر فتكا ً من الأسلحة الإشعاعية، التي طالما صهرت اصلب المعادن وحولتها إلى أثير، والى فراغات، وقد أدت بكل فصيل، عبر وسائل الدعاية، وقنوات الاتصال، ومواقع التخاطر، والمؤثرات اللاشعورية، ووسائل البرمجة الأكثر حداثة ذات الصلة ببرمجة الضمائر، والقلوب، والعقول، للتشهير، والتنكيل بالآخر، فالأرانب ذات اللون الأسود عملت ـ وفق خطة مبتكرة ـ على انتزاع البقع البيضاء، منها، وفي الوقت نفسه، صدرت الأوامر لدى الفصيل الآخر صاحب اللون الأبيض، بالتطهر من البقع السوداء...، مما منح المواجهات، والمعارك الجديدة، صفحات أكثر سخونة، وإشراقا ً، فقد صار كل فصيل، يرى في الآخر، بوضوح تام، من غير خلط أو توهم بالألوان، فالأسود بدا عدوا ً أبديا ً للأبيض، والأرانب البيضاء، رسخت في بياناتها اليومية، استحالة الجلوس إلى مائدة واحدة، مهما كان الثمن، فالحدود لا ترسم إلا بمن يقدم أكثر عددا ً من الأنفس، والأرواح، حتى تستعاد الحقوق، وتسترد الأراضي، والحفر، والشقوق، ومنابع المياه، وترجع إلى أصحابها الشرعيين، وان ذلك لن يحصل إلا بعد مزجها بأنهار من الشعارات، منقعة بالدماء...، لكن أحدا ً منهما لم يكترث للخسائر، ولا للنزف، ولا للخراب...، فقد كانت الأرانب ذات اللون الأسود الخالي من البقع البيضاء، ترى دمها شفافا ً، وكانت الأرانب البيضاء تماما ً بعد محو البقع السوداء ترى دمها بلون  الفضة قبل أن يلامسه الهواء ...، مع إن كبار السن، مع عدد من العلماء، والخبراء، أكدوا لأنفسهم، إن لون الدم ليس سببا ً، وليس نتيجة، فقد فقد حدته، وصار ممتزجا ً بغبار الأسفار، والأناشيد، مثلما اختلطت جثامين الطرفين، في الكثير من الخنادق، والحفر، والشقوق، بألوان حجبتها نتانات الجثث ومنعت الفرق الطبية، وفرق الإنقاذ، وفرق انتشال الموتى من أداء دورها ...، فظن البعض إن الحرب اقتربت من نهايتها، بعد أن تم إقحام الجرحى، المعاقين، العور، العرج، والعميان فيها، لولا إن كل فصيل نجح بعقد أحلاف مع أطراف أخرى، حتى اتسعت رقعة الحرب، وشملت مساحات إضافية،  لم يدر ببال احد إنها ستتحول إلى مقبرة كبيرة تضم رفات الجميع، من الطرفين، ومن القوى المتحالفة معهما، بعد استحالة إعادة الضحايا، والاحتفاء ببسالتهم في المعارك، إلى مدافنهم في الحديقة.
     وبعد مضي سنين طويلة، وأخرى  مضافة...، أفاق زعيم الأرانب ذات اللون الأسود، ليصدر أمرا ً بإعادة البقع البيضاء إلى أبدان فصائلة البطلة، فرد زعيم الأرانب البيضاء، بإعادة البقع السوداء، محفزا ً المواليد الجديدة، بان الحسم غدا مؤكدا ً، ليقابله الطرف الآخر، باستخدام المواليد الأحدث، بغية الإقرار بحتمية النصر...، فتجددت الصولات، والغارات، باستخدام العصي، والحجارة، والأشواك، وأدوات المطابخ، والمكانس، والبساطيل، بعد  نفاد الأسلحة، واستهلاكها، من ثم اشتدت المعارك، بالمخالب، والأسنان، والأبدان، باستخدام كل وسيلة لم تستخدم من قبل. لكن أحدا ً لم يتذمر، ولم يدر بخلده إن الليل سيمتد إلى ما لانهاية، كما قال زعيم الأرانب السوداء المرقطة بالبقع البيضاء، فرد الآخر قائلا ً  إن ما من نهار سيتوقف عن حافة من حافاته ، فاشتدت الاتهامات والمواجهات حتى اختلطت الأسباب بما قبلها، فلم يعد لدى أي منهما نية التنازل عن شبر واحد من التراب، أو مساحة من الهواء،  ولم تعد لدى أي منهما الرغبة بتدخل الحكماء في وضع حد للحرب، بعد أن لم يعد لدى أي منهما، ما يخسره.
    فأعلن زعيم الأرانب السواء ذات البقع البيضاء انه لم يخسر إلا ما كان يعزز مجد الليل وسلطته، فيرد الآخر بان خسائره ليست إلا نذورا ً للنهار ...، مما سمح بتجدد غير متوقع للمعارك شاركت فيها جهات بزج البراعم في اتونها، داخل الحفر، وفي المستنقعات، حيث لم تعد الأرض إلا وقد تلونت بالسواد المرقط بالبقع البيضاء، ممتزجة بالأجساد البيضاء المرقطة بالبقع السوداء...، حتى وجد الزعيم الأعظم للأرانب السوداء، وجها ً لوجه، انه يحدق في محيا الزعيم الأعظم للأرانب البيضاء.....، فلم يصدر صوتا ً، أو إشارة، أو ينطق بكلمة...، لأنه لم يجد لديه قدرة على سؤال الآخر، لا عن الأسباب، ولا عن النتائج، وكان الآخر، في الوقت نفسه، يبادله اللامبالاة ذاتها، مما دفع بهما، في تلك اللحظات النادرة المكللة بآيات الجلال، والرفعة، والمجد، للابتعاد عن الآخر....، فلمح الزعيم الأول إن عدوه صار ابيض مثل سراب يمتد بامتداد الأفق، بينما لمح الآخر عدوه اقل بياضا ً، ولم يعد مرقطا ً، وهو يتلاشى تاركا ً فراغات من غير لون...، تتسع، مما جعله يبحث  عن مساعديه، فلا يجدهم، بينما كان الآخر، يترنح، من غير حرسه الخاص، غير مكترث إن كان انتصر أم ذهب ابعد من كل انتصار، مادام عدوه، صار فراغا ً  تتخلله دوامات من الغبار، والأثير.
30/3/2016
 Az4445363@gmail.com


ليست هناك تعليقات: