الخميس، 12 مايو 2011

شخبطة على الحائط-نكبة البرامكة في تاريخ بغداد العباسية



شخبطة على الحائط
نكبة البرامكة في تاريخ بغداد العباسية صعود الى القمة ثم هبوط الى الجحيم
البرامكة عائلة فارسية مجوسية عريقة الاصل في التاريخ الفارسي، كان عميدهم احد سدنة بيت النار وخدامه الكبار، ساهمت في مقارعة الامويين وفي قيام الدولة العباسية، كانت لهم مآثر وفضائل في الدعوة العباسية ثم تاسيس الدولة العباسية، وبعد نجاحهم في الدعوة جعلوا اسماهم عربية وقد على نجمهم أيام الرشيد؛ فالأب يحيى بن خالد البرمكي كان المسؤول عن تربية الرشيد، وزوجته أرضعت هارون الرشيد، وهو الذي حافظ لهارون على ولاية العهد عندما هم الخليفة الهادي بخلع أخيه الرشيد، خدم الرشيد في الوزارة أفضل قيام حتى فوضه الخليفة الرشيد كل الأمور، أما ابنه الفضل البرمكي، وكان أكبر ألاخوة، كان أخو الرشيد في الرضاعة والمسؤول عن تربية الأمين ابن الرشيد، واستطاع أن يقضي على فتنة يحيى بن عبد الله في بلاد الديلم، وولي خراسان وغيرها، واتخذ من جندها جيشًا كبيرًا تعداده 50 ألف جندي، جعل ولاءهم له مباشرة، وسماهم (العباسية). يرجع أصل أسرة البرامكة إلى جدهم الأول برمك المجوسي، كان من سدنة بيت النار ولم يتخذ الاسلام دينا، وكانت بغداد تضم مجاميع كبيرة من الفرس الذين ساهموا مساهمة لا نضير لها في قيام الدولة العباسية، بعضهم اتخذ الاسلام وبعضهم تظاهر بالاسلام ظاهرا وبقي مجوسيا باطنا ومنهم الشاعر بشار بن برد. اما الشاعر ابو نؤاس فقد كان فارسي الاصل من انصار (الشعوبية) وهي معادات التراث العربي اذ كان يعيب على الشعراء العرب البكاء على الاطلال كما قال امرؤ القيس في معلقته (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل) فيعيب ابو نؤاس ذلك قائلا (قل لمن يبكي على رسم درس واقفا ما ضر لو كان جلس) (اترك الربع وسلمى جانبا واحتسي كرخية مثل القبس) الا ان ابو نؤاس بقي على اسلامه اذ قال قبل موته (عفوك ثم اني مسلم).

قيل ان جعفر البرمكي كان سبب نكبة البرامكة فهو نديم الرشيد وخليله في المجالس، وله من الأعمال الكبيرة أيضًا؛ فهو الذي قضى على العصبية القبلية في الشام، ثم جعل له ولاية خراسان والشام ومصر، وجعله مسئولاً عن تربية ابنه المأمون. أما موسى الأخ الثالث فكان كل همه القتال والغزو بحكم شجاعته الفائقة، وتولى أمر الشام سنة وكانت هذه الشجاعة أحد أسباب نكبتهم؛ حيث غار منه بعض القواد الآخرين وسعوا فيه عند الرشيد. أما محمد الأخ الرابع فليس له ذكر في التاريخ، إلا أنه كان بعيد الهمة، ودوره في هذه الفترة يحيطه الغموض. اختلف المؤرخون فيما بينهم في السبب الذي دفع الرشيد الى افناء الأسرة البرمكية بكاملها على الرغم من أعمالهم العظيمة، واختلقت روايات كثيرة اهمها ان العباسة أخت الرشيد كان لها علاقات غرامية مع جعفر البرمكي، الا ان الكتبة العرب والمسلمين يرفضون هذه القصة والامر معهم معروف فالعباسة أخت الرشيد عربية قريشية النسب وجعفر البرمكي فارسي النسب وربما كان الامر انه كان يختلي بها سرا فشاع امرهما بين الناس مما اثار حفيظة الخليفة العباسي الرشيد، وبعضهم يعزو الامر الى حادثة يحيى بن عبد الله الطالبي الذي خرج إلى بلاد الديلم واعلن الملك لنفسه هناك، وبايعه كثير من الناس، ومن ثم قويت شوكته، عام 176 هـ، فأرسل إليه الرشيد الفضل بن يحيى البرمكي، واستطاع الفضل أن يستنزل يحيى بالسلام على أمان له عند الرشيد، وذلك من غير اهراق دم، وعد ذلك من أفضل أعمال الفضل البرمكي، وبعد فترة ظهر من يحيى البرمكي ما أوجب عند الرشيد نقض الأمان، فأمر بحبسه عند جعفر بن يحيى البرمكي، وفي ليلة اجتمع يحيى مع جعفر البرمكي، وما زال به حتى أطلقه جعفر وزوده بالمال اللازم لخروجه من بغداد، فوصل الخبر للرشيد، واعتبر ذلك خيانة عظمى عند العباسيين لشدة خوفهم من الطالبيين، فخاف الرشيد من تآمر آل برمك مع الطالبيين من أجل إقصاء العباسيين، فأمر بقتل جعفر البرمكي وحبس جميع البرامكة.

اما السبب الآخر لغيض الخليفة الرشيد من البرامكة فهو انهم كانوا يعيشون في ترف لامثيل له رغم ان الترف مارسه كافة القادة الذين غزوا وسبوا البلدان وكان الخليفة الرشيد واحدا ممن استلموا ملكا كله نتيجة غزوا وسبي. كان البرامكة يعيشون ترفا ليس به ضريب، فقد كانوا يبنون قصورهم مزوقة فيها الحوائط والارض بالذهب والفضة، وبنى جعفر البرمكي بيتًا كلفه عشرين مليون درهم، كان الخليفة الرشيد في سفر ذات يوم، فوجد في كل إقليم وقرية قصورا قال له الناس هذا لجعفر البرمكي، وعندما عاد الفضل جعفر البرمكي من حربه في الديلم أطلق لمادحيه ثلاثة ملايين درهم. كل ذلك جعل الرشيد يتابعهم في الدواوين والكتابات، فأكتشف خللا كبيرا في مصاريف الدولة. ومن الروايات الاخري عن نكبة البرامكة فقد كان الفضل بن الربيع وهو من موالي العباسيين، وكان شديد العداء للبرامكة، ويقال أنه هو الذي سعى بهم عند الرشيد, وأظهر عيوبهم فعين الخليفة الرشيد الجواسيس حولهم، حتى استطاع أن يرصد حادثة هروب يحيى الطالبي عند جعفر البرمكي، فأخبر بها الرشيد، وزين له أن البرامكة يريدون الخلافة للطالبيين.

وقيل ان السبب الآخر في نكبة البرامكة هو الشكوك في اعتناقهم الاسلام، ذكر بعض المؤرخين ان البرامكة لم يتخلوا من مجوسيتهم، بل حاولوا إعادة المجوسية، وأنهم أدخلوا النار في الكعبة حتى تعبد هناك، والذي ساعد على ترويج هذه الفكرة مصاحبة جعفر بن يحيى البرمكي لبعض الزنادقة ومنهم أنس بن أبي شيخ الذي قتله هارون الرشيد بيده، وكان الكثير من اصحاب الاصول المجوسية يتظاهرون الاسلام لكنهم كانوا مجوسا في دواخلهم.

ولعل المهم من جملة اسباب نقمة الخليفة الرشيد على البرامكة هو انشائهم جيش البرامكة وأصل هذا الجيش كان جيش الفضل بن يحيى من جند خراسان المعروفة بولائها للعباسيين، وكان ميلهم أكثر نحو الطالبيين اي آل البيت، وكان عدد جنده خمسين ألفًا بدل موالائهم للبرامكة مباشرة دون غيره، ثم استقدم منهم عشرين ألفًا لبغداد وسماهم (الكرنبية) مما اثار هواجس الرشيد، غير أنه لم يتحرك حتى جاءه خبر من والي خراسان علي بن عيسى بن ماهان أن السبب في اضطراب خراسان هو موسى بن يحيى من بغداد، فتحقق الظن عند الرشيد، لهذا قرر الرشيد عند رجوعه من الحج، وفي آخر ليلة من المحرم سنة 187 هـ بالإيقاع بالبرامكة، فأمر بقتل جعفر وصلبه على جسر بغداد، وحبس باقي البرامكة في السجون، والاستيلاء على أموالهم وقصورهم وكل ما لديهم وساموهم في السجن سوء العذاب، وتبدل نعيمهم بؤسًا، وماتوا واحدًا تلو الآخر في السجون ولقد ظهر من يحيى بن خالد كما قيل صبر عظيم ورضا بقضاء الله وقدره، ومن عجيب ما يذكر في أسباب هذه الحادثة أن يحيى بن خالد كان يحج ذات مرة، فوقف عند باب الكعبة, ودعا قائلاً: (الهم إن كان يرضيك عني سلب جميع مالي وولدي وأهلي فافعل ذلك) فكان الأمر كما دعا هو بنفسه، والله أعلم بالعاقبة وتلك رواية يرويها الكتبة في عهود متأخرة ولا يعلم صحتها او بطلانها. وربما قتل البرامكة ذبحا وهذا ما حدث في التاريخ فالاميون ابادوا بني هاشم احفاد النبي ولم يسلم واحدا منهم. ثم جاء ابو عبدالله السفاح فاباد جميع امراء بني امية في عشاء اعد لهم ثم ذبحهم ذبح النعاج ثم تعشى هو، الا ان واحدا منهم هرب وانشأ الخلافة الاموية في الاندس ثم ابادهم المرابطون في الاندلس ثم ابيد العباسيون للظلم الذي اقترفوه والجدير بالذكر ان بني هاشم وبني امية وبني العباس ابناء عمومة من قريش وكل واحد انتقم من الآخر، واذا كان ابناء العم من قريش يحمل كل فرع منهم الحقد على ابن العم الآخر فما شأنهم في البلاد التي سبوها واستباحوا نسائها.
توما شماني – تورونتو عضو اتحاد المؤرخين العرب

ليست هناك تعليقات: