الثلاثاء، 17 مايو 2011
ميناء كويتي في بلعوم الفاو -كاظم فنجان الحمامي
ميناء كويتي في بلعوم الفاو
كاظم فنجان الحمامي
طالعتنا صحيفة السياسة الكويتية قبل مدة بإحدى عناوينها الاستفزازية, وكانت تحمل عنوان: ((قواتنا مستعدة لصد أي هجوم)), وورد في الخبر إن القوات المسلحة الكويتية صارت جاهزة أكثر من أي وقت مضى, وبات باستطاعتها صد أي هجوم, وسيتم إظهار تلك الجاهزية وتأكيدها من خلال تمرين تعبوي كبير تشارك فيه جميع تشكيلات القوات الكويتية المسلحة في جزيرة بوبيان, حيث ستعبر الدبابات خور الصبية باتجاه جزيرة بوبيان, كما لو كانت الكويت على وشك الدخول في حرب ضارية, تخوض غمارها عند مقتربات خور عبد الله المحاذية لسواحل الفاو, أو كأنها تريد إخافة العراق كله بهذه الطريقة الاستفزازية الكارتونية عبر مناوراتها الحربية المضحكة, في منطقة اقرب ما تكون إلى الفاو منها إلى الكويت, ولم تمض بضعة شهور على هذا التصريح الإمبراطوري الكويتي, حتى بادرت بوضع الحجر الأساس لبناء اكبر مشاريعها المينائية الاستفزازية في جزيرة (بوبيان) نفسها, وتخطو أولى خطواتها التحرشية في هذه المنطقة المعزولة لتتجاوز على محرمات خط الثالوك, وتعترض مسارات السفن التجارية المتوجهة إلى موانئنا المحصورة في أطراف الزاوية الشمالية الغربية البعيدة, الواقعة خلف جزيرة (بوبيان), وخلف خلف جزيرة (وربة), وسعت الكويت منذ ذلك الحين إلى بناء ومد أطول السداد الحجرية, المدعمة بالركائز الفولاذية والصفائح المعدنية, وكأنها تريد قطع الشريان الملاحي الوحيد, الذي تتنفس منه الموانئ العراقية, والذي تطل من خلاله على بحار الله الواسعة, وبالتالي حرمان العراق من حقوقه الشرعية في ممارسة الصيد والملاحة, ومنع الموانئ العراقية من مزاولة نشاطاتها التجارية المعتادة, والاستيلاء على آخر المنافذ البحرية العراقية, وإجهاض مشروع ميناء الفاو الكبير, والالتفاف على مدخل شط العرب من جهة رأس البيشة, والاقتراب منه بمسافة لا تزيد على (18) ميلا بحريا, والطامة الكبرى أن القناة الملاحية المصممة لاستقبال السفن المتوجهة إلى ميناء مبارك الكويتي الجديد ستكون قناة مشتركة بين السفن العراقية والكويتية, بمعنى أن السفن الكويتية المتوجهة إلى ميناء مبارك في (بوبيان) ستحتك مباشرة بالسفن العراقية (خشم بخشم), وستسلك المسار نفسه في الذهاب والإياب, وربما تتحرش بالسفن العراقية المتوجهة إلى ميناء أم قصر, وقد تلجأ إلى مضايقتها أثناء قيامها بالتحرك والمناورة في هذا الممر الملاحي الضيق, الذي دأبت السفن العراقية على استخدامه قبل ولادة دولة الكويت على سطح كوكب الأرض, ومازالت تستخدمه حتى يومنا هذا.
والمثير للغرابة أن الكويت تعمدت إرساء قواعد هذا المشروع الاستفزازي في الجانب الضحل من جزيرة (بوبيان), في منطقة نائية, معزولة, رخوة, قاحلة, متروكة, غير مأهولة بالسكان, تغطيها الأملاح, وتكتسحها موجات المد البحري بمعدل مرتين باليوم, ولا تعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد البحري الكويتي, الذي يرتكز على أفضل الموانئ التجارية والنفطية في حوض الخليج العربي, والتي تتمثل بموانئ الدوحة والشعيبة والكويت والأحمدي وغيرها من المراسي والمرافئ الثانوية المنتشرة على طول الساحل البحري الكويتي العميق, والذي يمتد لأكثر من (500) كيلومترا, لكنها اختارت أن تنفذ مشروعها المينائي الاستفزازي في هذا المكان بالذات مع سبق الإصرار والترصد لإغاظة الشعب العراقي, والتحرش بسفنه, وخنق موانئه, وغلق منافذه المائية, وحرمانه من ابسط حقوقه الملاحية الموروثة, وتدمير مشاريعه المستقبلية, وان من تسنح له فرصة الاطلاع على ما يجري الآن على أرض الواقع من تجاوزات وانتهاكات وأعمال استفزازية سيصاب بالذعر الشديد لمنظر السداد الكونكريتية والحواجز الخرسانية, التي أقامتها الكويت هناك, والتي أخذت تقترب شيئا فشيئا من شغاف الرمق الملاحي العراقي الوحيد. .
يجري هذا كله في الوقت الذي يلوذ فيه معظم رجال السياسة في العراق والكويت بالصمت المطبق, مفضلين الابتعاد عن الأضواء, ومتجنبين التصريح والتوضيح والتلميح عن ملابسات هذا المشروع, اما الفضائيات العراقية, وبخاصة تلك التي دأبت على التظاهر بالوطنية المصطنعة, والتي لطالما تشدقت بالخطب الرنانة والبيانات الطنانة, فقد انزوت هي الأخرى في الظلام, ولم تنبس ببنت شفة, ودست رأسها في رماد التواطؤ والتخاذل, بينما راحت مسطحاتنا المائية تخضع للانكماش والتقلص والتقزم والتراجع تحت وطأة الزحف الذي جاءنا هذه المرة من جهة الأشقاء. .
ختاما نقول: أن هذا النوع المريض من التفكير الكويتي لن يبني علاقات متوازنة قائمة على مبادئ الأخوة وحسن الجوار قدر ما يوتر الأمور ويعقدها, ونحن نجزم من دون تردد أن في الكويت من الشيوخ والحكماء من هو أكثر تعقلا وحكمة من تلك الأصوات الممتلئة بالحقد والكراهية, وان صوت العقل والحكمة سيكون أعلى وأقوى من أصوات الذين أعمى الحقد بصرهم وبصيرتهم, ولابد من الرجوع إلى التشريعات الدولية النافذة, والاحتكام إلى العقل والمنطق, والاستئناس بأبسط قواعد العدالة والإنصاف في تثبيت الحدود بين البلدين الجارين الشقيقين, والسعي لبناء مناخ سياسي يؤكد خيار التعايش السلمي الدائم, وبما يبعد عن المنطقة شبح العلاقات المتوترة والأزمات العقيمة المتفاقمة. .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق