من التراث الشعبي ...
حكاية ( دارمي ) !!!
( أنهض وأكع للكاع وأتوجه وأنهض ... )
( الدارمي ) فن من فنون الشعر
الشعبي وقد يسميه الكثيرون ( شعر البنات ) أو غزل البنات ، لا أريد الخوض في
الميزان العروضي ل ( الدارمي ) لأن أغلب القراء غير مهتمين إلا بمنطوق ( الدارمي )
، هناك ملاحظة مهمة وهي أن الذائقة الناقلة للشعر عموما قد تضيف من عندها الكثير
لترغيب الناس على متابعة ذلك البيت من الشعر ، وبعض الأحيان يحورون ويستبدلون بعض
المفردات لتتلاءم مع منطوق ما حوروه أو استبدلوه .
يحكى أن فتاتين تربطهما علاقة
صداقة وكانتا كثيرا ما تستودع صديقتها وتستأمنها على أسرارها ، وكانتا كل واحدة
منهما تعشق شابا من أقرانهما ، و تقدم أحد أقارب واحدة منهن وخطبها لنفسه ووافق
الأب على زواجها وحرمت الزواج ممن أحبها وأحبته ، والمفارقة أن هذا الزوج لا يسكن
بنفس قرية أو مدينة الحبيبة ، وهكذا أبعدها الزواج عمن أحبته ، وضاع عليها أخبار
حبيبها وأخبار صديقتها بل حتى أخبار أغلب معارفها وأقربائها .
الصديقة الثانية تقدم حبيبها لخطبتها فرفض أهلها
تزويجها متعللين بأسباب واهية كثيرة ، وتقدم ثانية فرفض ، وثالثة فرفض حتى أشيع
بين أهل القرية حكايات نسجوها زورا وبهتانا عنهما ، لذا أحجم الكثير من الشباب ممن سمع بالروايات
الموهومة عن التقدم لخطبتها ، وتزوج حبيبها من امرأة غيرها وبقيت تحتفظ بصدرها
حكاية عشق أطفأت للأسباب التي ذكرت ، بعد
مضي سنين طوال وفي أحد المآتم في قريتها وكانت بمحض الصدفة حاضرة له الصديقة
المتزوجة بعيدا عن بلدتها وأهلها ، ووجدت صديقتها جالسة مع النسوة المعزيات فجلست
بجوارها وقد أخذ الزمان منها ومن صديقتها مأخذه ، وقالت المتزوجة لصديقتها ( شلونج
ديه ) ، و( ديه ) تعني ( خيه ) و هذا التحوير أستخدمه الكثير من الشعراء الشعبيين
ب(أبو ذياتهم ودارمياتهم ) ويقال أن سبب ذلك يئول لرغبتهم بإطلاق مفردة ( ديه )
لأنها تعني اليدين ، واليدان لا يستغني عنهما الإنسان لتأدية أي عمل يناط به ،
لذلك أشتقه الشعراء من هذا الباب فالأخ والأخت هما اليدان اللتان تعينان على إتمام
كل المهام ، وحين سمعت الصديقة هذا السؤال من صديقتها المتزوجة أطرقت الى الأرض
وأغمضت عيناها وبعد هنيئة رفعت رأسها صوب صديقتها ، وعيناها تحبسان دمعة ترقرقت
بمحاجرها وأنشدت تقول ،
( أنهض وكع للكاع وأتوجه وأنهض /
ما خله عظم صحيح رضني العشك رض ) ،
ووجدت هذا ( الدارمي ) متناقلا بين الشعراء وحفاظ التراث الشعبي بتحوير
مفردة واحدة وهي ( العشك ) ، الأصل كما يروى ( رضني الدهر رض ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق