الخميس، 29 سبتمبر 2016

في معرض طبيعة عراقية لا خيار لنا سوى الجمال!-عادل كامل*
















في معرض طبيعة عراقية
لا خيار لنا سوى الجمال!


ـ فائق حسن حاضرا ً
ـ جذور تنسج حداثتها
ـ المرئيات وملغزاتها النائية

عادل كامل*
[1]   إشارة
   إذا كانت ثورة الاتصالات الحديثة، التي عملت على محو الحدود ما بين القارات، والدول، وجعلت من عالمنا قرية صغيرة، أو سوقا ً حرة، غير منشغلة إلا بمتابعة الأحداث، المولدة لأخرى، عبر تدفق لا محدود لها،  فان ما لا يمكن قهره، أو إغفاله، لا يقع في (الحركة) وفي متغيراتها، أو في مواكبتها لمرور ما لا يحصى من الأطياف، والأشباح، في عالمنا المعاصر، بل في  المكونات القائمة على قوانين صياغة  مبادئ الحركة، والأحداث، وأسسها العميقة، ألا وهي: الطبيعة ـ الآلهة الأم، أو الأم الكبرى، بوصفها ـ جميعا ًـ تمثل مقومات التنمية، النمو، والتشبث بما بعد الحاضر.
   صحيح أن الطبيعة، بحد ذاتها، تعد حدثا ً، ذات قدرات ملغزة على التجدد، ودحض الثابت، إلا إنها، مقارنة بالزمن الكامن في التحولات، وفي المتغيرات، تمتلك قوانينها الأكثر إثارة للدهشة، التأمل، والقراءة.
    فالمفارقة تأخذ نسق المقارنة، مثلما الأخيرة لا تفرط كثيرا ً بالأعراف، ومنها: الذائقة الجمالية، ومفاهيم الجلال، والجميل.
   فإذا كان القرن العشرين، مقارنة بالعشرة آلاف عام الماضية،  أكثر صخبا ً، وأكثر استحداثا ً للعنف، والتطرف،  إلا انه يبقى غير قادر على زحزحة تلك الأصول البكر لعوامل نشوء الحياة ـ وتطورها العنيد.
    فحتى التيارات الراديكالية، تطرفا ً أو تجذرا ً، لم تستطع أن تلغي الأسس والعناصر التي انبثقت منها التجارب الفنية، مادامت قائمة على ذات القواعد التي استند إليها الرسام الأول، رسام المغارات: الألوان، الخطوط، المساحات، الملامس ..الخ لتمثل حقيقة أن (الأحداث/ الوقائع) لا تجري خارج مسرحها ـ وهو الحياة بكل ما تحمله من الغاز، مشفرات، وطرق لا محدودة لا تسمح للتقدم أن  ينتهي بكارثة، كالتي حصلت لانقراض الديناصورات، على سبيل المثال. لأن المكان ـ بحد ذاته ـ ليس زمنا ً متجمدا ً، كما قال أرسطو، بل وعدا ً بحياة اقل صخبا ً، واقل عشوائية.
   ولأن المتلقي العام، في الوطن العربي، محكوم بثقافة الدقائق الست التي يمضيها في القراءة على مدى أيام السنة، أي قراءة نصف صفحة ـ فان إعادة قراءة البديهات، الأكثر عمقا ً وذات التاريخ السحيق، تغدو دافعا ً لحب الحكمة: الفلسفة، أو الحياة بوصفها لغزا ً. لكن الفجوة ـ هنا ـ ستتسع، ولن تردم. فالمتلقي المنشغل، والمشغول، بالصدمات اليومية، وباللا متوقع، من دمار، تشتت، إذلال، يجد أن الحديث عن (الطبيعة) وجمالياتها، ترفا ً، بذخا ً، أو وهما ً أو قطيعة مع الواقع.  إلا أن الحياة، رغم خسائرها، تمتلك قدرات تحد من الإسراف في تيار من تياراتها، ولا تسمح للأحادية، إلا أن تروض، ضمن مبدأ: قهر عوامل القهر.
     بهذا الدافع يأتي معرض [تضاريس ملونة ـ طبيعة عراقية] بمشاركة 75 فنانا ً، وبأكثر من 90 لوحة فنية، الذي أقامته جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين أيلول/2016 ـ تأكيدا ً لـ ـ وبحسب كلمة للفنان قاسم سبتي رئيس الجمعية ـ "انه لا خيار لنا سوى الإصرار على الجمال"، كاختيار في زمن غدا فيه الاختيار، إشكالية، أو استحالة.
    ومع إن (الجمال) شبيه بأي مصطلح أو مفهوم، يتميز بالتنوع، والاختلاف، بل وبالتناقض، إلا أن القصد منه، وسط وطن "ينام الموت في حناياه الخبيئة" يغدو هو  التشبث بكل ما يعيد للإرادة ديناميتها، عفويتها، صدقها، براءتها، وقبل هذا كله: حياتها.



[2] الطبيعة: جذور الأم الكبرى
    مع أن رواد الفن (الحديث) في التشكيل العالمي ـ قبل أن تتخذ الحداثة مفهومها المتداول في أوربا ـ خرجوا من الطبيعة: تيرنر/ مانيه/ مونيه/ جوجان/ فان كوخ/ سوراه ...الخ، كل وفق رؤيته، بمعنى: أسلوبه في رؤيا الحداثة، والابتكار.
   على أن جذور (الطبيعة) تذهب عميقا ً في نشأة الرسم، وفي بلورة أبعاده التقنية، والجمالية. والأمر لا يتعلق بالجانب البصري، وما يمثله الضوء من دور في الحياة حسب، بل لأن الطبيعة ذاتها هي اللغز الذي نشأت فيه بذور الخلق، والذي يرجع إلى الآلهة الأم ـ  أو الأم الكبرى ـ لدى مختلف الشعوب.
   فالطبيعة بواقعيتها تضمنت  قدرتها على: التوليد ـ فهي التي مهدت لنشوء العنصر المولد ـ الأم الكبرى ـ  والذي مكث يرعاها، حتى بعد أن آلت سلطتها إلى الظل، بانتصار الذكر. ولعل واقعة الحرب المروعة التي انتهت بانتصار (مردوخ) ضد (تيامة) ـ الآلهة الأم التي تمثل المياه غير العذبة أو المالحة ـ إشارة لحداثة  اقترنت بالعنصر الأخير. انه تاريخ قديم لصراع برمجت آلياته عبر أحداثه، وما دونته عبر الأسفار.
   ففي معرض [طبيعة عراقية ـ تضاريس ملونة] قبل أن نلفت النظر إلى واقعيته اللاشعورية باستعادة أمان مفقود ـ نجد التجربة العالمية رافدا ً صريحا ً في اختيار المكان مسرحا ً لدينامية التحولات، ومظاهرها. فمن الصعب إغفال تأثيرات: كوربيه، أو المدرسة الروسية الواقعية، أو إغفال التعبيرية وتنويعاتها، فهناك كونستابل، تيرنر، مثلما هناك مانيه ومونيه وباقي الاتجاهات التي لم تدمرها الحداثة.
   وعند قراءة تاريخ الرسم الحديث في العراق، فان الرعيل الأول، بحسب الفنان والكاتب نزار سليم، الذي نشأ في استانبول، وعاد إلى بغداد، بعد الحرب العالمية الأولى، أولى الطبيعة أهمية كبرى، متخذين من خبرتهم الأوربية، غالبا ً، برنامجا ً للاحتفاء ببيئتهم المحلية. فرسومات عبد القادر الرسام ورفاقه، اقترنت بمحاكاة الطبيعة في أدق تفاصيلها: ضفاف دجلة وبساتينها، شخصيات ذلك العهد، وكل ما يخص معالم بغداد...، مما مهد ، وبعد عودة الذين أرسلوا للدراسة في أوربا ـ لظهور اتجاهات فنية حملت تأثيرات المدارس الفنية، بتنوعها بين القديم والحديث، ومحاولة العثور على معادل بين الأصول والاستحداث، الذي تبلور عبر معادلة (التراث ـ المعاصرة).
    وليس عبثا ً أن تشكلت ثلاث جماعات فنية أساسية في خمسينيات القرن الماضي: الجماعة البدائية التي ترأسها أستاذ الرسم فائق حسن، وحملت عنوان (الرواد)، وجماعة بغداد للفن الحديث، بزعامة جواد سليم، من ثم الجماعة التي أولت الطبيعة مشروعا ً لبلورة الهوية ـ وخصائصها الايكولوجية ـ برعاية الأستاذ حافظ ألدروبي.
   لم تغب الطبيعة، لا عن تجارب أكرم شكري، أو عطا صبري، أو رسول علوان، أو الشيخلي، ولا عن معارض الجماعات الثلاث، إلا أن الانطباعيين ـ رغم تباين تجاربهم قربا ً وبعدا ً عن الانطباعية، عملوا على بناء ذاكرة بصرية تستمد أصولها من المكان ـ والضوء.
     وسنجد تأثيرات الانطباعية، العفوي، والذي غدا تقليدا ً، صريحا ً في معظم التجارب الفنية، فيذكر الفنان حافظ ألدروبي ملاحظة لرسام بولوني كان يعيش في بغداد ـ مع منفي الحرب ـ انتقد فيها التأثيرات الأوربية في الرسم العراقي، وقال للدروبي، بالنص: انظروا بعيونكم! كما قال لي الأستاذ حافظ ألدروبي.
    إن مغزى هذه الإشارة غير قابل للتأويل. فهي تقصد (الهوية) وكل ما يتعلق برؤية الفنان ـ وليس النظر بعيون مستعارة أو مستأجرة ـ مثلما نلفت الانتباه إلى العلاقة الجدلية بين الفنان وبيئته، بكل ما تحمله من علامات، رموز، ومؤثرات تمنح الطبيعة خصائصها الأسلوبية، بالاستناد إلى الشخصية، ومكوناتها المعرفية، والثقافية الفنية.
    ففي هذا المعرض، رغم العنف وما تركه من تفكيك للجماعات والمؤسسات والأفراد، يعلن اللاشعور، بجلاء، عن الموقف الوحيد المستند إلى: الأرض ـ بما تمثله من مصادر للعمل، التنمية، والتطور.
   لا أقول إنني ـ للمرة الأولى خلال العقد الأخير ـ أحسست إني استعيد كل ما كدت افقده من اطمئنان، بل أني أحسست أني احتمي بكل ما يحمله تاريخ الأم ـ الطبيعة ـ من مشاعر كادت تخرب، وتغدو مجهولة عنا.
    ولو اتسعت قاعات جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، لعدد اكبر، فإنها ستضم تجارب أخرى ليس لفنانين هجروا الواقعية ـ والطبيعة، بل لتضم تجارب لا تحصى من الفنانين العرب الذين يعيشون مآزق الحروب، والنكبات.
     فهذا المعرض (طبيعة عراقية) تضمن الإفصاح عن دعوة، مباشرة، وغير مباشرة، لاختيار عمق (الهوية) اللا شعورية ليس للمكان، وتاريخه، فحسب، بل لإعادة بناء الهوية القائمة على أصول البناء ـ والتنمية، لأنها أولت الجمال ـ كما ذكر الفنان قاسم سبتي رئيس جمعية الفنانين التشكيليين ـ نسقا ً يتجاوز (المحلية) نحو أصول فنية مشتركة لدى الجميع. وهي إشارة أكدتها الدراسات الأسلوبية، على صعيد الأدب، الفلسفات، والفنون، بما لا يسمح للفوضى أن تؤدي إلى اختراع أساليب متماثلة، أو ذات علاقة مباشرة بالسوق. فقراءة البصريات، بحدود الطبيعة، لا تتضمن دعوة للانفصال عن التجارب الأكثر تقدما ً، بل لقراءتها قراءة تتضافر فيها عوامل المعرفة بحدود توفر عامل الصدق.
   لكن هذا لا يمثل إشارة أو دعوة لتجنب تيارات الحداثة ـ وما بعدها ـ بل دعوة لقراءة: الأصول الأعمق، مع المتلقي، وخياله الأبعد، بالدرجة الأولى، كي تأتي (البنية) الفنية لأي نص من النصوص الفنية، بالعمق المتحقق فيها، مع المتلقي. وهي إشارة تمنح القراءة معرفة لدراسة البصريات، وما تشكله  من امتدادات نحو (الصدق)، الذي لا معنى له، من غير خبرة، موهبة، وأصول فلسفية جمالية.


[3] الجمال: وحدة التنوع
    مع ان العنوان (تضاريس ملونة)، ليس بحاجة إلى التفسير، أو التأويل، إلا أن المعرض أعلن عن نزعة (جمعية) منح فيها الخصائص الفردية حريتها في اختيار (الموضوع) وحرية اكبر في اختيار الأسلوب.
   فعلى خلاف المعارض الجماعية، أو معارض الجماعات الفنية المشتركة، لا توجد مشتركات محددة إلا بحدود لفت النظر للتجربة الفنية ذاتها، وربما لم تغب عبارة سقراط الشهيرة: لا جديد تحت الشمس، التي برهنت، بالنفي، بان الجديد ليس المستحدث، أو المبتكر، لصالح التقدم فحسب، بل (اللا جديد) هو ذلك الذي تتأسس عليه الأصول، لتحافظ عليه.
     إن تجاوب وتضافر الجهد (النظري) ـ الفلسفي أو الأدبي أو الجمالي أو التقني الخالص ..الخ، مع (الجديد) يسمح بقراءة متجددة لمقولة تبدو إنها شبيهة بقصة عميان أفلاطون، في جمهوريته، فالحوار يدور حول سؤال: هل يمشي العميان من النهار إلى الليل، أم من الليل إلى النهار؟ فهي لا تسمح للأمل ان يذهب ابعد من انغلاقه.
   فهل معرض أو مهرجان (تضاريس ملونة) يأتي ليرسخ أم ليدحض عبارة سقراط: لا جديد تحت الشمس؟
    ربما ـ منذ نصف قرن أو أكثر ـ لم نر هذا العدد الكبير من الفنانين، لا تجمعهم (الحداثة) أو محاكاتها، ولا تجمعهم اختلافاتهم الفكرية، أو الأسلوبية، بل، على العكس: لا يعربون إلا عن امتنان استثنائي في حقبة كادت تحول اصلب التقاليد إلى رماد ـ والى عشوائيات ـ والى ما هو ابعد من الصخب واستحداث الفوضى.
   ثمة نزعة لا شعورية برهنت إنها قلبت اللا جديد، إلى ضرب من (النشوة) الآمنة، والى إعادة قراءة كل ما تمت قراءته، على مر العصور، وفي شتى مدن العالم.
   فعندما لم يحصل ان توحد هذا الاختلاف، من غير مكر ومكائد، إزاء تجارب فنية تتجاور فيها إبداعات (المكان)، فان الحياة ذاتها تبقى تمتلك تحقيق برنامجها إزاء غياب الفن أصلا ً...، فالمعرض برهن انه ليس للمباهاة، أو الدعاية، بل ان (الجديد) فيه سلك المسار الذي رسخ الواقعية، في بلدان العالم، رغم اختلاف فلسفاتها، وأيديولوجيتها، حيث (الجمال) لا ينتمي إلى المغامرة، أو للتحديق في المجهول، وإنما في إرساء القواعد ذاتها للتجمعات الحضارية، المتمدنة، منذ عصر الكهوف، إلى عصر ما بعد الموجة الثالثة، حيث الشغف بالمرئيات أكد انه مسار بالغ الثراء في دراسة وتأمل الظواهر، بوصفها تتضمن ما يوحدها، كمشترك حر، ومن غير قيود.
    فالواقعية ـ بمعناها المتجدد ـ لا يُستحدث من العدم، عالمها الافتراضي، من اجل الدهشة، والتفرد، بل تؤكد ان الجديد يجعل من (السلام) شرطا ً يذهب ابعد من التأويل، ليس بفعل الإجماع حسب، بل لأن نزعة التحرر جعلت من الجمال مرتكزا ً لهوية لم تعلن عن خصائصها، إلا بردم المسافة مع تجارب الرواد.
    فثمة غنائية سمحت للأصوات النائية ان تتشكل بالموجات اللونية ـ غير المرئية ـ تحت الحمراء أو الرمزية، داخل كل عمل، مهما بدا اقل مهارة في التنفيذ.. مع ان المشترك لا يقلل أبدا ً من النوايا، فان السيمفونية اللونية لهذا العدد الكبير من الرسامين، يفند، المشهد المروع الحاصل في الواقع، في بلدنا، أو في البلدان التي شملها الخراب. ولهذا فان حكمة الفنان قاسم سبتي "يبدو ان لا خيار لنا سوى الإصرار على الجمال، ويا له من خيار!" تعيد قراءة: لا جديد تحت الشمس، بمنح الجمال رسالته برؤية ما يحدث تحت الشمس، وابعد، برؤية الشمس وهي تعيد نسج الطبيعة جماليا ً، بهذا التوحد، المجاور للرؤى الروحية، وقد استبعدت انغلاق السبل، أو المرارات.

   ولقد أعربت ـ من غير حذر أو تردد ـ لفنان سألني عن تقييمي للمهرجان اللوني، فقلت: للمرة الأولى، منذ عقود، شعرت أني أتجول في غابة خالية من المفترسات! بل وقلت له: هذا المعرض يستبعد وجود الأعداء!
    ربما لا معنى لهذا الحكم...ن لو لم نعد قراءة الدخان، والرماد الذي عمل ـ ومازال ـ يعمل على استبدال الشمس بالظلمات، والأرض بالفراغ، والإنسان بالصفر.
    فالجديد ـ هنا ـ هو ان ثمة نزعة جمالية مازال الفنان ـ العراقي وفي الوطن العربي أيضا ً ـ يمتلكها بسكنها في الإرادة التي شيدت الصروح الحضارية، ورموزها الجمالية.
    ومع ان الإعلام ـ عامة ـ يتجنب الإعلان عن هذا الشغف بالجمال، في أصوله البكر، والمتجددة أبدا ً، إلا ان النزعة الواقعية للفنانين وحدها تمتلك (جديدها) في دحض مظاهر التطرف، والعنف، لإرساء مسارات تمنح الجديد قدراته المخبأة في اكتشاف نزعة البناء، وليس العكس.
    وأنا لا أتحدث عن افتراضات، أو عالم لا وجود له...، فالأعمال الفنية التي صورت الاهوار (أيمن زويد/ جاسم الفضل/ صاحب جاسم/ عماد قدوري/ على مظلوم/ قاسم سبتي/ قاسم محسن/ محمد مسير/ مهند ناطق ..الخ) تجاور النصوص الفنية التي استلهمت الوديان والجبال (وضاح مهدي/ نبيل علي/ حسام عبد المحسن/ مراد إبراهيم/ عباس الزهاوي/ صباح محي الدين/ سلام جبار/ زيد الزيدي ...الخ) والأخرى التي استلهمت بساتين النخيل (اسعد أزاد/ احمد حيدر/ اياد بلادي/ أنوار الماشطة/ حيد صبار/ رائد عبد الأمير/ زياد طارق/ زهراء هادي/ عامر حسن/ عاصم عبد الأمير/ صلاح هادي/ عبد الأمير طعمة/ عدنان عباس/ علي الطائي/ علي هاشم/ فلاح الأنصاري/ مؤيد محسن ...الخ) إلى جانب المشاهد  التي تصوّر الهضاب، السهول، وحافات المدن (محمد شوقي/ قيس احمد/ محمد الكناني/ فاضل عباس/ كاظم علي/ زاهد ألساعدي/ سعد الطائي/ رائد حسن/ بسام زكي/ حذام علي/ ثمينة الخزرجى/ حسن عطوان ...الخ) أقول إن هذا الاحتفاء بالمكان ـ الوطن ـ يعلن عن رؤيا ترسخ مدى إيمانهم بان ما تم استحداثه من (ألوان)، يمتلك قدرات لا محدودة لاستبعاد  الدخان الذي كاد يصبح شبيها ً بظلمات كهف أفلاطون. حتى لو ان زائرا ً من كوكب آخر شاهد المهرجان لظن انه عثر على الفردوس المفقود! ولكن ليس فردوس الشاعر ملتن، بل جنة عدن التي تخيلها أبناء سومر، عند فجر السلالات!
   وهذه ليست مبالغة، ليس بوجود النصوص الفنية، أو هذا العدد الكبير منها حسب، بل بقراءة النزعة الجمالية الكامنة بمنح الواقعية ما حاولت الاتجاهات الحديثة ان تحققه: الفردوس!  فألانا لم تطغ بنزعتها الاستحواذية، أو إغفالها للنزعة (البدائية) التي شيّد بها الأستاذ فائق حسن تدشينات الرسم الحديث في العراق، بل عملت على إرساء حتمية ان التنوع وحده يجعل من الجمال حياة لم تخلق فائضة، أو قابلة للتدمير ـ والمحو.

[4] فائق حسن حاضرا ً
  مازالت الجولات التي كان يقوم بها الفنان فائق حسن، في نهاية أربعينات القرن الماضي وخمسينياته، برفقة عدد من أعضاء الجماعة البدائية التي أسسها، ومنهم عيسى حنا، الشيخلي، نوري مصطفى بهجت، خالد القصاب ..الخ، إلى بساتين بغداد، سجلا ً فنيا ً لنشوء الرسم (الواقعي) في العراق. مؤكدا ً أن هذا (المشروع) كان بمثابة الجسر بين تجارب فناني أول القرن، وتمهيدا ً نحو نهايته.
    إن فائق حسن الذي تلقى تعليمه في البوزار، بامتياز، عاد ليختار التلقائية ـ البدائية ـ بالتحرر من الأساليب التي درسها، لكن، ليستثمرها بقراءة بررت مفهومه للرسم الحديث. فأستاذ الرسم، بلا آخر يضاهيه، براعة في التلوين، لم يهمل دوره التربوي معلما ً للرسم في معهد الفنون الجميلة، وفي أكاديمية الفنون أيضا ً، ومدى تأثيره ببلورة خصائص اللوحة الفنية، في بلد غدا مستقبلا ً للتيارات الفنية الأجنبية، وأساليبها، كي يعترف الأستاذ فائق حسن نفسه، عندما نفذ سلسلة من التجارب التجريدية، في ستينيات القرن العشرين، بأنها (تلويص)!، مع إنها ـ واقعيا ً ـ شذرات لونية أكدت رهافته، وقدراته على بناء واقعية لونية لا يمكن فصلها عن الطبيعة، حتى لو كانت مشهدا ً من الرمال ـ والغبار.
    إن عددا ً من طلابه المشاركين في هذا المهرجان ـ قاسم سبتي/ عاصم عبد الأمير/ حسام عبد المحسن ..الخ ـ يتذكرون أن بدائية فائق حسن، مغايرة لفطرية منعم فرات، في النحت، لكنها تمضي بعيدا ً في الحفاظ على أسرارها، ونسيجها، مرة ثانية، بجماليات لا تكاد تراها العين، عدا التي تتمتع بعفوية ورهافة، لم تدمرها الحرفة، بل شذبتها، وسمحت لها أن تدوّن ما يماثل المقامات، لكن برموز مستمدة من: الطبيعة، وبتجريد يحافظ على موسيقاه، ودلالاته المحورة.
     على أن هذا المهرجان اللوني، بحضور واقعية فائق حسن، يدحض محاكاته، أو استنساخه، لأن هذا الحضور (الرمزي) المتحقق عمليا ً، يسمح بتأمل تاريخ ترسخ بردم القطيعة مع الطبيعة، بتنويعاتها، واختلافاتها، بتحقيق كل ما مهد له جيل الرواد، من علاقات غير مستعارة، وغير زائفة، بدواعي الحداثة، أو الانشغال بمظاهر المدارس الطليعية، مع الواقع.
    انه ليس شرطا ً مدرسيا ً، يتلقاه الطالب، بل هو جزء من تربية (جمالية) تمهد للوعي بفهم أعمق للـ (الايكولوجيا) التي لا يمكن عزلها عن مجالها الثقافي/ الشعبي/ والحضاري في الأخير.
    وبقراءة عامة للرسم في الوطن العربي، فان عقود الثلاثينات وصولا ً إلى الخمسينيات، في مصر أو في المغرب العربي، في بلاد الشام أو في العراق، تكون قد عملت استعادة (البصر)، بمعنى، الحفر في الشخصية، كي يأتي الإبداع وقد استوفى أدواته، لا في محاكاة الأساليب السائدة في حداثات العالم، بل تدشينا ً لمسار يبدأ بعادة دراسة الجدلية القائمة بين السماء والأرض. فإذا كانت حداثات أوربا، قد خرجت من (المصنع) ـ معه أو ضده ـ وبتقنيات متقدمة تمتلك تاريخها الطويل في الرسم، فان الفن الشرقي، وفي الوطن العربي تحديدا ً، لديه الكثير الذي يكمل المشهد (العالمي)، بالحفاظ على هويته اللا شعورية، العميقة، الرمزية، والواقعية، بدل أن يبقى مكتويا ً بالفصام، وعقدة تقدم أوربا، بوصفها رائدة للحداثة، والابتكار.
     هذا الحضور لرسام كبير، كفائق حسن، لا يخص بنية الرسم، والمهارات ذات الخبرة، والرهافة، ولا يتجلى ببلورة جماليات الطبيعة، وقسوتها، حد تحولها إلى سيمفونيات صاخبة، تعبيرية، ورسومات سوريالية فحسب، بل في مدى تجذر مساحة الانشغال بكتابة واقعية حافظت على اتساع ضفافها، وليس على انغلاقها. فالتنوع الأسلوبي، هنا، منح (الهوية) بعدا ً مضافا ً لواقعية الرسم الحديث، بالتوحد نحو الداخل، ومعه، وليس الانفصال عنه، أو إغفاله، أو السفر بعيدا ً عنه. فالخيال يأخذ الدور ذاته لمنجزات حضارة بلاد وادي الرافدين، رائدة بإرساء برامجها في الديمومة، والابتكار.

[5] إشارة أخيرة
   بعد تتبع النشاطات المشتركة، والمعارض الشخصية، لأكثر من نصف قرن، اثبت ملاحظة مفادها أن هناك، في الرسم كما في الشعر، في المسرح كما في الثقافة العامة، النخب التي لديها ما يؤهلها لمناقشة المجالات التخصصية، إلا إنها، بحكم واقعها أصبحت أكثر عزلة عما يتطلب فتح مجالات اكبر لاستثمار الفنون في الحياة الافتراضية ـ والواقعية معا ً. وكي لا نخترع وهما بإمكان المتلقي ـ في أي عالم غير مصاب بظلمات الأزمنة الغابرة، وبملوثات المجتمعات ما قبل الحديثة ـ أن نجري مقارنة بين انجازات (النخب) والجمهور العام. إننا سنصدم بوجود فجوة بينهما، اعتقد إنها أفضت بهجرة مؤلمة لأكثر المواهب الفنية قدرة على منح الجمال مجاله التربوي ـ الأخلاقي، والحضاري في الأخير.
   على أن البديل أو التعويض سيسهم في حتمية تجدد الإرادة المتحضرة في البناء الإبداعي بعيدا ً عن الإسراف في التدمير...، ليلخص: هل بإمكان الفن ـ وجمالياته ـ  العمل على ردم الفجوات، واستئناف الحوار الأعمق بين بناة المجتمعات، وبين من يعمل على هدمها، أو إعادتها إلى الماضي؟
   ربما المتلقي ما قبل عصر (كافكا) يدرك لماذا ظهرت تيارات عملت على هدم الفن، المجتمع، والأعراف، للبحث عن عقار آخر لعلل بات من الصعب تلافي ازدهارها، كي يصبح عالمنا ـ ومنه المتقدم بتقنيات الحداثة وما بعدها ـ إنما أيضا ً أصبحت محدودة التأثير، ضمن نخبها، وليس على صعيد الوعي العام.
   فمع تدشينات الفن الحديث، في الوطن العربي، بعد الحرب العالمية الأولى ـ ومن غير التقليل من الاستثناءات الأسبق ـ انبثقت ملامح سرعان ما عملت لتشكيل علامات حضارية لم يكن لحضورها ما يذكر. بل ظهرت تجارب فنية سرعان ما دخلت في المهرجانات الدولية، رافدا ً لليباب ـ بل للعقم ـ الذي واجهة حضارة العصر، في عزلتها، انخلاعها، اغترابها، وما واجهته من استلاب يخص حياتها اليومية، كالهواء للتنفس، أو الحصول على الماء الصالح للاستخدام البشري، وليس التعرض لصدمات مروعة، مبنية على استحداث اختلافات لا سبيل لمعالجتها إلا بالمزيد من الدخان، والمزيد من انتهاك حقوق الطفل، المرأة، البيئة، والحياة عامة.
   اعترف بان هذه الإشارة لا علاقة لها بأجيال حلمت بإبداعات مغايرة للوضع الذي حول الكثير من المدن إلى متاهات، والى أزقة للموت، حتى كاد الفن أن يكون من الماضي، ولا اثر له، بين المجتمعات، وهي توغل ببناء دولة (الدخان) و (الخراب)، وما بعد الموت.
   ولا مجال للحديث عن أسباب انسحاب (النخب) الثقافية/ الفنية، أما بدورها المحدود، أو بهجرتها بحثا ً عن عالم آخر، أو القنوط والقبول بالهزيمة. فكما ثمة ما لا يحصى من العوامل قامت عليها حداثات العالم، فان ما لا يحصى من العوامل ـ اليوم ـ تعمل على بناء عالم من غير فن.
   وكي تستعاد المخبآت الروحية للإنسان ـ ولا اعرف كيف! ـ اضطر للحديث عن أقدم العلامات الفنية، مع اكتشاف النار، والكهف، والأدوات البدائية. تلك الفنون المبكرة بوصفها نشأت للعبور من عصر (الغاب) نحو (المدينة)، بينما نصدم اليوم ليس بموت (الفن) أو موت (الإنسان)، بل بما تحدث عنه اينشتاين نفسه: عصر الحرب بالحجارة وأغصان الأشجار! بعد فشل الجميع بالحفاظ على ما شكل عبقرية الإنسان، عبر آلاف السنين.
    ومع إن الخسائر المادية باهظة، ومع إن الخسائر بالأرواح بلا حدود، إلا أن لدى الفنانين ـ أو ما تبقى منهم ـ ما يتمسكون به: العودة إلى الماء، إلى السماء، إلى التراب، بإيجاز: بعث اللا وعي ـ واللا شعور أيضا ً ـ ومنحه لغز الآلهة الأم ـ إنانا وكل الأسماء التي مثلت دور الأم الكبرى ـ التي كونتها الأزمنة، لصياغة علامات تحتمي بها، كأنها تمارس لغز الطيور وهي تبني أعشاشها بحجم قلوبها، يعمل الفنان ببناء علاماته بحجم أحلامه، وهو يراها تتلاشى أحيانا ً، وفي الغالب، تبقى تحمل نقيض الموت.
* عضو رابطة نقاد الفن [الايكا]
22/9/2016
Az4445363@gmail.com




 

وثائق البنتاغون- كيف خططت أميركا لتدمير شبكة مياه الشرب العراقية وما الهدف النهائي؟-صائب خليل

وثائق البنتاغون- كيف خططت أميركا لتدمير شبكة مياه الشرب العراقية وما الهدف النهائي؟
صائب خليل
20 أيلول 2016
أعلنت الولايات المتحدة امس أنها قصفت 50 هدفا في موقع كيمياوي لداعش في الموصل.(1) وقالت ان الأهداف كانت مراكز تستخدمها داعش لإنتاج مواد مميتة مثل غازي الكلور والخردل.

لم يشر البيان الذي أعلنته القوات الأمريكية أعلاه إلى ان تلك "المواقع" هي معمل الموصل للأدوية! واتبعت أكثر وسائل الإعلام “العراقية” ومنها "المدى"، ذات الخط، ولم تشر إلى تلك الحقيقة ايضاً، كما أشار الزميل علاء اللامي في مقالة له. وللعلم فأن المعمل كانت وزارة الصناعة قد اهلته بعقد مع شركة أردينة عام 2012(2)
.
ولكن هل تم تحويل المعمل إلى معمل للأسلحة الكيميائية حقاً لتقصفه اميركا؟ إن بعض الأكاذيب لا يحتاج كشفها أكثر من طرح السؤال المناسب، والسؤال المناسب هنا: إن كان مصنعاً للأسلحة الكيمياوية، فكيف تقصفوه؟ كيف تفجرون موقعا ومخازناً داخل  المدينة، تعتقدون انها تحتوي غازات الكلور والخردل الشديدة السمية؟ الا تخشون انتشارها بين الناس الذين تدّعون انكم جئتم لإنقاذهم؟ إن وسائل إعلامنا لم ولن تطرح مثل هذا السؤال طبعاً.

لكن السؤال نفسه تم توجيهه لأميركا حين قصفت عام 1998، معمل الشفاء السوداني للأدوية، وبنفس الحجة. وقبل سبعة سنوات من ذلك نجد قصة وحجج مشابهة في قصف اميركا لمعمل حليب أطفال في العراق عام 1991 في منطقة أبو غريب، بحجة أن المعمل كان مصنعاً للأسلحة البيولوجية. (3)

أميركا تعلم أن متطلبات مصنع الأسلحة الكيمياوية شيء مختلف تماما عن صناعة الأدوية. إنه يتطلب إجراءات امنية خاصة وأبنية خاصة. أبواب خاصة وشبابيك خاصة وحاويات خاصة وانابيب خاصة وعمال مدربين بشكل خاص، وهذه كلها تجعل معمل الأدوية غير مناسب، حتى إن افترضنا انه كان يحتوي المواد الكيمياوية اللازمة. وكشف الشهود ومن بينهم البريطاني "توم كارنافن" (Tom Carnaffin) والذي عمل كمدير تقني للمعمل في الفترة من 1992 إلى 1996 أن المعمل لم يكن صالحا لإنتاج الغازات السامة، وأنه لم يكن هناك اية إجراءات امنية فيه وكان بإمكانه ان يدخل في اية غرفة في المعمل، رغم التشدد الأمني في السودان في تلك الفترة. (4)

لم تنتشر بعد القصف أية غازات سامة او جرثومية في الموصل أو السودان، أو أبو غريب. لأنه كما يبدو، لم تكن هناك مثل تلك الغازات أو الأسلحة الجرثومية أصلا. ولابد ان الولايات المتحدة تعلم ذلك جيداً، ولهذا بالذات فقد قصفت المعمل، وإلا لكانت الكارثة قد فضحت القصد الأمريكي بتدمير شعوب المنطقة. لكن الأذى قد حصل في السودان وفي العراق. فحسب «ذي إنترسبت» فأن المصنع السوداني كان يلبي 90 في المئة من احتياجات السودان في الأدوية، وأدى تدميره إلى وفاة عشرات الآلاف من المرضى، بينهم مصابون بالملاريا والسل، إضافة إلى التدمير الصحي للباقين.

إننا حين نقول ان اميركا كانت كاذبة وإنها تعلم ان المصانع خالية من أسلحة الدمار الشامل، إنما نأخذ الجانب الأنسب لأميركا. فلو كانت اميركا صادقة في ادعائها فأن مثل هذا القصف سيكون حرب إبادة كيمياوية على الشعب العراقي والسوداني! ومع ذلك يبقى السؤال محيرا وصعباً: لماذا يفعلون ذلك؟

ربما يساعدنا على الجواب ان نلق الضوء على الحادثة التالية.
في عام 1991 خلال حرب الخليج، لم تكتف اميركا بتحطيم الجيش العراقي، بل قصف سلاح الجو الأمريكي عن عمد، منشآت ماء الشرب العراقية ودمرها. وبعد الحرب فرضت الولايات المتحدة حظراً يمنع استيراد المواد اللازمة لتنقية مياه الشرب. ونتجت عن ذلك وفاة عشرات الآلاف من العراقيين الكثير منهم من الأطفال. وبينت الوثائق التي تم نشرها من "وكالة استخبارات الدفاع" (Defense Intelligence Agency) أو (DIA) أن وزرارة الدفاع الامريكية كانت على علم مسبق بنتائج ذلك القصف وقرارات الحظر على الشعب العراقي، ومن ضمنها دراسة بعنوان: "نقاط اختراق نظام تنقية المياه العراقية" (" Iraq Water Treatment Vulnerabilities."). (5)



وقد وجدت إحدى تلك الوثائق(6) وفيها تقييم مصادر المياه في العراق، والتأكيد أنه لا يستطيع الاعتماد على الأمطار وأن المحتوى الكيميائي لتربته يحد من إمكانية حفر الآبار وأن مياهه الجوفية ملوثة بمياه المجاري. وكتبت الدراسة أن "العراق سيعاني أكثر وأكثر من نقص المياه الصالحة للشرب بسبب نقص المواد الكيميائية والمرشحات اللازمة لها. وأن ذلك سيجعل من المحتمل "حدوث الأمراض وانتشار الأوبئة" وذكرت بان الأطعمة المحلية يمكن ان تصاب بالتلوث، وبأن العراق سيجبر على إغلاق محطات التصفية تدريجيا، وكذلك الصناعات التي تحتاج إلى الماء الصافي. ويشير التقرير إلى عدم امتلاك البلاد للاحتياطي من مواد التصفية والمرشحات الصالحة وان المياه النقية المحدودة "ستحول إلى المناطق ذات الأولوية الأكبر"، مؤكدة أن "الانهيار الكامل لمنظومة مياه الشرب العراقية قد يحتاج إلى ما لا يقل عن ستة أشهر"!

وتشير الوثائق الخمسة الأخرى إلى ان التأثير سيصيب الأطفال "بشكل خاص" وتحدثت عن تفاصيل ذلك. وتحدثت الوثيقة الأخيرة عن انسب الطرق الإعلامية لإلقاء اللوم في الكوارث المنتظرة على صدام حسين. (7)

نلاحظ أولاً، أن أميركا تفهم جيداً ان ما سيبقى للعراق من مواد واجهزة تنقية، وما سيتمكن من تهريبه منها مستقبلا، سيتم تحويلها إلى "المناطق ذات الأولوية"، اي إلى صدام حسين وحاشيته وربما ما يهمه من معامل. أي أنها تعي جيدا أن المتضرر من هذا الحظر والتدمير هو الشعب العراقي وحده، ورغم ذلك فهي تمضي بخطتها واعية بشكل كامل لنتائجها!

الهدف إذن واضح، وأميركا لم تقصف اليوم موقعا كيمياويا لداعش، لأن داعش فرقة إرهاب إسرائيلية تدعمها اميركا كما بينت احداث عديدة في سوريا والعراق، ولأنه لو كان معمل أسلحة كيميائية لرأينا آثاره واضحة بعد التفجير بشكل حرب كيمياوية على الموصل. لكن لا شيء هناك! لا أسلحة كيميائية ولا بيولوجية، وإنما كان الهدف إيجاد حجة لتدمير معمل الأدوية كخطوة أخرى في خطة تدمير الشعب العراقي.

إنها خطة شيطانية وحشية أن تقوم دولة بحجم الولايات المتحدة بقتل الشعب العراقي البسيط والصغير، مع سبق الإصرار والترصد والتخطيط الدقيق! ويعود السؤال: ما الذي تستفيده أميركا من قصف معامل أدوية في السودان والعراق؟
لا شيء، إلا إذا كانت مكلفة بها من جهة تستفيد منها وكان تدمير هذين الشعبين وبقية الشعوب العربية، من ضمن أهدافها! إننا نعرف جميعا قصة النصف مليون طفل عراقي الذين قالت مادلين اولبرايت صراحة ان قتلهم ليس ثمنا كبيراً لتحقيق الأهداف الأمريكية، وهي ماضية في طريقها لتحقيقها!

 إن اميركا لن تؤدي مهمتها بضرب الشعب العراقي بأسلحة الدمار الشامل مباشرة، فما زالت لعنة هيروشيما تلاحقها، لذلك فهي تجد بدائل تؤدي إلى نفس النتيجة، ولكن بضجيج أقل: بتدمير بيئته باليورانيوم المنضّب وخنق حاجاته الحياتية بالحصار وسوء التغذية وسلبه الأمان وحرمانه وسائل الدفاع عن نفسه امام العوامل الطبيعية والجرثومية بتدمير معامل الأدوية، وهكذا وبدون ان تتحمل اية مسؤولية، تمضي ضحيتها لتموت ببطء وهدوء!

(1) الولايات المتحدة تعلن تدميرها 50 هدفا في موقع كيمياوي لداعش شمال الموصل
 http://www.basnews.com/index.php/ar/news/iraq/299052
(2) المستلزمات الطبية في نينوى تبرم عقداً استثمارياً مع شركة أردنية
 http://www.dananernews.com/News_Print.php?ID=2562
(3)  Sudanese factory destroyed by US now a shrine - CSMonitor.com
 http://www.csmonitor.com/World/Africa/2012/0807/Sudanese-factory-destroyed-by-US-now-a-shrine
(4) Was the plant in Khartoum a weapons factory?
http://www.whatreallyhappened.com/RANCHO/POLITICS/SUDAN/sudan.html
(5) الولايات المتحدة دمرت منظومة الماء في العراق عمداً
http://projectcensored.org/5-us-intentionally-destroyed-iraqs-water-system/
(6)  IRAQ WATER TREATMMENT VULNERABILITIES (U)
 http://www.gulflink.osd.mil/declassdocs/dia/19950901/950901_511rept_91.html
(7) six documents partially declassified on the Pentagon’s web site
 http://www.gulflink.osd.mil
(*) جرائم اخرى: القصف الأميركي لمستشفى قندوز... التبريرات أفدح من الجريمة
 http://www.al-akhbar.com/node/243677

السبت، 24 سبتمبر 2016

عطر وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل



عطر وقصص قصيرة أخرى


                                                          [ لا السلاح يقضي على جرثومة الحياة ولا النار تحرقها ولا المياه تغرقها ولا الرياح السافية تذويها. إن جرثومة الحياة هي الروح الأولي الذي لا يتوصل إليه ولا يقتحم ولا يلمس ولا يفنى ولا يبلغه النظر ولا تنبس به الشفتان ولا تحيط بمكنونه ألفاظ أو فكر"]
من أقوال الهندوسية/ كتاب العقائد






عادل كامل
 [1] عطر
ـ ما الذي تجنيه ..، وأنت تبيع الورود...؟
ـ وهل كنت أفكر بالربح والخسارة...؟
ـ بماذا كنت تفكر...؟
ـ لا أفكر ...، من قال لك أني كنت أفكر، بل ولا أفكر حتى بالجمال!
ـ بماذا تفكر إذا ً...؟
ـ قلت لك: أنا لا أفكر...، أنا امضي جّل زمني في زراعة صنوف الورود، والزهور البرية...، وتلك التي اعمل على استحداثها بالتزاوج بينهما...
ـ أعود وأسألك: ما الذي تجنيه أو تكسبه أو تربحه...،  وقد استبعدت وسائل الربح الأخرى ..؟
ـ أنا ربحت الحقيقة الوحيدة، يا صديقي، وهي التي تذهب ابعد من كل الخسارات! عطر هذه الكائنات الذي لم يعد يغادر حياتي، حتى وأنا أقدمه هدايا للعابرين!


[2] السر
ـ بوصفك أمضيت حياتك تحفر في الظلمات، والمناطق النائية، وتتجول في منحنياتها القصية...، فهل حقا ً حصلت على السر الذي لا يحق لك أن تبوح به...؟
ـ نعم! فلو بحت به، لم يعد لدي ّ ما اكتمه!
ـ وهل يحق لك أن تدفنه معك، بعد رحيلك؟
ـ لا! لأنه ـ يا صديقي ـ هو الذي سيدفنني، وهو الذي لن يترك أثرا ً لي، لأنه، في الأصل، وجد بمعزل عنا!
ـ آ ...، لِم َ أغويتنا إذا ً...، وأنت تعرف باستحالة وجود السر من غير حامله...؟
ـ أنا لم اغو أحدا ً...، يا صديقي، فمن أنا كي افعل هذا الفعل....، وأنت تعرف إنني أمضيت حياتي كلها اسأل السؤال نفسه، فلم أجد جوابا ً، إلا وأنا أراه تلاشى في البعيد!


[3] في الطريق
ـ الغريب أني رأيت، في طريقي إليك، بصيرا ً يمشي بسلاسة، بل باستقامة، وآخر لم يفقد بصره منشغلا ً بالعثرات...، فسألت الأول: كيف تمشي من غير أن تتعثر؟ ابتسم البصير، وقال لي: وإن كنت أجهلك، واجهل مغزى سؤالك...، أسألك: هل ستخفي السر لو بحت به إليك؟ أجبت بنعم. فقال: لقد أخبرتك به! ومضى فاقد البصر يمشي بسلاسة كأن احدهم يقوده كي لا يصطدم، يتعثر، ويقع. فذهبت إلى الآخر الذي يرى، وسألته:  هل رأيت ذاك الأعمى...، لا يكترث للعثرات، مثلما أنت أصبحت منشغلا ً بها، وأنت ترى الدرب بعلاماته الواضحة؟ أجاب مبتسما ً أيضا ً: حقا ً لقد شغلني وجود هذا العدد الكبير من العثرات، في الدرب، فرحت أحصي عددها، وأنا اسأل نفسي: هل الدرب منح البصير الاستقامة، وأنا منحني هذا الانشغال، أم هو وأنا، كلانا، كان عليه أن ينشغل بسؤال أضاع عليك دربك، أنت، أيها المتسائل الغريب؟!

[4] نهاية مؤجلة
 سأل الحمل أمه:
ـ يا أمي، أراك غير مكترثة، بينما الذئاب تحاصرنا من الجهات كافة...؟
ـ هذه هي المعضلة: عندما يجد الأعداء صيدا ً بريئا ً يظنون إنهم أحرزوا نصرا ً مؤزرا ً عليه...، ولكن، يا حملي الوديع، اذهب وأسألهم: أين هي الديناصورات، والخراتيت العملاقة؟
ـ يا أمي...، هذه الذئاب انحدرت عن تلك الديناصورات والخراتيت المنقرضة، لكنها ستخلف أعداء ً أكثر شراسة، وأكثر مكرا ً، وعدوانية ...، أما نحن، الخراف والغزلان والأرانب، فمكثنا لا نمتلك أنيابهم، ولا مخالبهم، ولا مكائدهم في الغدر...؟
ـ هذه هي المعضلة التي لا حل لها! فنحن نسد النقص الحاصل في قطيعنا بالمزيد من المواليد...، وهم يزدادون طغيانا ً ببناء أمجادهم الواهية بالانتصار علينا!
ـ هذه ـ يا أمي ـ ليست معضلة، هذه هي النكبة؟
  قربت الأم رأسها من وليدها:
ـ وهل نحن اخترنا أن نصبح ضحايا ...؟
ـ آ ...، وستقولين أيضا ً: وهل هناك شرير اختار الشر كي يذهب إلى جهنم ويطلب منها إنزال العقوبة به؟
ـ هذا هو ظل المعضلة! فمادامت المعضلة غير قابلة للتسوية، التعديل، أو الحل، فان الموت وحده يغدو رحمة لنا، ولهم أيضا ً!
ـ آ ...، يا لها من هزيمة؟
ـ بل قل: تبا ً لنصر لا يتحقق إلا بسحق هذه الكائنات الوديعة، التي لا تمتلك أنيابهم، ولا مخالبهم، ولا مكرهم!


[5] ظلال
ـ أكاد اجن...
ـ ما الذي حصل لك يا صديقي الحكيم؟
ـ كلما ظننت أني فهمت الحكمة، أجد أني لم افهم إلا ظلها! وكلما حسبت أني بلغت الجوهر لا أجد سوى القشور...؟
ـ آ   ....، أتعرف لماذا لم افقد عقلي؟
ـ لا!
ـ لأنني تخليت عنه!
ـ وتخليت عن الحقيقة، وتخليت عن الجوهر؟
ـ بل تخليت عن الحقيقة التي لا تترك إلا ظلها، وعن الجوهر الذي لا يترك إلا قشوره!
ـ وماذا عن الحقيقة، وماذا عن الجوهر...؟
ـ لو كنت اعرفهما، لاستعدت عقلي، لأنني رأيت الحكماء، في هذه الحديقة، من أكثر المخلوقات انشغالا ً بالظلال، وبالقشور...!
ـ لم افهم قصدك...؟
ـ اذهب وأسأل سقراط: من قتلك؟
ـ ماذا تقول أنت..؟
ـ أنا أقول: العدالة التي لا تحرسها السيوف تصبح مثل التماثيل في الحدائق مقرا ً للغربان!
ـ اخبرني إذا ً: من أنت؟
ـ  أنا السم القاتل الذي إن لم تحصل عليه، فانك ستضطر للبحث عنه، لتقتله!
ـ اعتقد أنني فقدت عقلي تماما ً!
ـ يا صديقي، وهل كان لك عقل كي تفقده؟
ـ ماذا كان لدي ّ...؟
ـ  عندما تصل إلى الحقيقة، ستدرك إنها وحدها منحتك قدرة أن تبحث عنها!


[6] هل من مزيد؟
   نظر الغزال إلى محياه في الماء، فقال متندرا ً:
ـ  حتى الماء يود أن يفترسني!
قال الماء:
ـ  كيف  تقول هذا وأنت تعتدي علي ً؟
ـ أنا ارتوي منك...!
ـ وأنا لا امتلك حتى قدرة الدفاع عن نفسي!
ـ آ....، عدنا إلى حكاية الذئب، كلما تاب عن افتراس الخراف قال: وأنت ِ أيتها المعدة من يسد جوعك؟
أجاب الماء:
ـ ارتو مني...، لكن، برفق، بهدوء، وبرؤية، ومن غير إيذاء وكأن لك معي ثأر ابدي!
فقال الغزال:
ـ ولكن من ذا يقول لجهنم: لِم َ لا تغلقين فمك، فكلما ألقموها بشرا ً وحجرا ً قالت: هل من مزيد؟!


[7] رفاهية
   للمرة الثالثة، كلما طلب من الذئب مغادرة قفصه، ليطلق سراحه، يمتنع، حتى غضب الموظف في إدارة الحديقة، وصاح في وجه الذئب:
ـ  كلما اطلب منك العودة إلى البرية، تمتنع، لتمكث في سجنك!
   هز الذئب رأسه، من وراء القضبان:
ـ وهل أبقيتم لنا رغبة بالتحرر، والانعتاق؟
فصرخ الموظف غاضبا ً:
ـ لست أنا المسؤول عن أسركم، وحجزكم!
قال الذئب بمرح:
ـ بالعكس، يا سيدي، أنا لا أتحدث عن الأسر...، بل عن الرفاهية! ففي أية صحراء أو برية تتوفر لنا هذه النعم؟
ـ أفصح، أرجوك، لا تلغز كلماتك!
ـ إنكم، يا سيدي، اخترعتم لنا الجنة التي طالما كانت لا ترد حتى على البال!
ـ ها أنت تشتمنا...؟
ـ حرت معك، أيها الموظف ...، أقول لك الحقيقة، فلا تصدق...، فهل ترغب أن احصل على الحرية كي أموت في البادية وأصبح فريسة للضواري؟ فأرجوك، دع الرفاهية تقضي علي ّ، مع أفراد عشيرتي أيضا ً، ولا تُهجّرنا، عنوة! ثم لماذا ترسلني إلى بلاد اجهل فيها مصيري، بعد أن سرقوها منا، وحولوها إلى ساحة حرب، لا تعرف من ينتصر فيها، بعد أن أصبحت الهزيمة نهاية للجميع!

[8] واحد من...
ـ لِم َ تؤذ نفسك، تعاقبها، ولا ترحمها؟
   بهدوء، رفع رأسه، وبصوت غير مسموع، تمتم كأنه لا يخاطب أحدا ً آخر، حتى ولا نفسه:
ـ لو لم ْ تتح لي الفرص بمعاقبة كل من آذاني، وكل من شهر بي، وأفرط في قسوته....، لقلت: يا لي من دابة لم تترك، في وجودها، حتى أثرا ً لدبيبها! ولكني طالما امتنعت، ليس بدافع الرحمة، بل بدافع الخجل!
ـ يا لك من مخلوق غريب؟
ـ كلا! فانا أعاقب نفسي، لأنها، هي جزء لا يمكن عزله عن هؤلاء الذين لا عملهم لديهم إلا ارتكاب الذنوب، وإنزال الشر في الآخرين! لهذا تجدني اختبر طاقتي على تحمل الأذى....، لكن الذي افعله أنا في هذا الذي هو واحد من هؤلاء! وليس محض دابة ولدت كي تبقى من غير آثام، وخطايا!

[9] استعداد
ـ تقول ـ في عزلتك ـ انك غير مضطر للبقاء حيا ً إلا بتنفس الهواء، بما فيه من ماء وغذاء لم يلوث؟
ـ سيدي، حتى هذا الهواء القليل الذي مازال يبقيني على قيد الحياة، يذكرني بالأسباب التي لم تبلغ ذروتها بعد. لهذا تراني  على استعداد للتخلي عن حياتي عدا  الاستغناء عن هذا الهواء الذي لم يخمد أنفاسي بعد!

[10] طنين
   سألت الذبابة الفيل:
ـ هل كنت تود لو خلقت غزالا ً أو سبعا ً أو بلبلا ً...؟
ـ سيدتي! لو كنت امتلك قدرة ما لتخلصت منك، كي انشغل بسماع طنينك على مدار الزمن!

[11] طائر الحرية
فتح القط باب القفص الحديدي، وقال لطائر الحب:
ـ أنت طليق، أنت حر!
   ضحك الطائر:
ـ آ ...، لو كنت تعرف أني لم أتذوق نشوة الحرية، إلا وأنا داخل قضبان هذا القفص!
   وراح الطائر يحافظ على الباب منغلقا ً بكل ما كان يمتلك من إصرار، وعزم، ثم قال للقط:
ـ  أنا لم أكن أخشى أن تفترسني، بل لأنني عندما أكون في الفضاء الكبير، أدرك فداحة أن أعيش وأنا لا استطيع رؤية أعدائي!

[12] الحقيقة
ـ سيدي، رأيناه يفكر!
أومأ الزعيم بإشارة لإرساله إلى الجحيم.
فصاح الغراب:
ـ سيدي، إنها فرية، فهم يكذبون عليك.
رد الزعيم عليه:
ـ ها أنت نفسك تعترف بارتكاب ما هو أبشع من التفكير!
ـ سيدي، دعني اعترف بما حدث...
ـ أيها الغراب، انك لو فكرت فأنت أصبحت ضدنا، وإن لم تفكر فلا جدوى من وجودك معنا!
ـ سيدي، أرجوك، دعني أدافع عن نفسي.
ـ لا ضرورة لذلك...، فنحن نمتلك  الأدلة والوثائق والشهود على فعله أحفادك...، فلا معنى للاعتراف بما فعله أسلافك!
   تمتم الغراب مع نفسه بصمت تام: الزعيم على صواب..، وأنا لم اخدعه أيضا ً..، وهذه هي الحقيقة!
    صاح الزعيم به، قبل أن يتوارى:
ـ اعتقد انك حصلت على الغفران!


[13] اعتراف
ـ سيدي، جئت اعترف بالجرائم التي ارتكبها أسلافي..؟
   ضحك الجلاد، وخاطبه بمرح:
ـ نحن نمتلك أدلة دامغة بالجرائم التي سيرتكبها أحفادك!
ـ أنا أيضا ً اعرف ذلك...، ولهذا اعترف باني غير مسؤول عن الجرائم التي ستركب بعدي، لكن الجرائم الأولى، يا سيدي الجلاد، لا تسمح لي بالتستر عليها!



[14] قسوة
  خرج الذئب الأب من المغارة بحثا ً عن غزال أو حمل ....، فلم يعد، فخرجت الأم لعلها تجد صيدا ً تأتي به لصغارها وهم يوشكون على الهلاك جوعا ً...، فخرجت ولم تعد.
   لم يبق إلا الصغار داخل المغارة، لا يعرفون ماذا يفعلون...، فقال أكبرهم:
ـ إن خرجنا فلا مناص فإننا سنهلك...، وإن مكثنا، هنا، فالموت يتربص بنا.
قبل أن يكمل عبارته هجم على أخوه الأصغر، فعوى الأخير:
ـ ماذا تفعل؟
ـ أما أن افترسك وأعيش، وأما أن تفترسني كي تبقى على قيد الحياة!
ـ آ .....، الآن عرفت لماذا لم ننقرض!
ـ اسكت يا أحمق، لا وقت للكلام، والفلسفة، فلو كان أجدادنا اقل قسوة، لكنا تحولنا إلى خراف! فان لم تجد القتل، ستُقتل، وإن كنت رحيما ً فلا احد يدعك تبقى حيا ً!

[15] الخاتمة بلا مقدمات
ـ من ـ في تصورك ـ أكثر سعادة...؛ الأكثر ذكاء ً، وعلما ً، أم الأشد بلادة، وجهلا ً...؟
ـ يا صديقي، لا هذا ولا ذاك! لأن كل منهما لم يساوره الشك بمحق الآخر، ومحوه من الوجود!
ـ ها أنت تغلق علينا أي أمل بيوم ما يأتي لا مكر، شر، وقسوة فيه؟
ـ آ ...، إن جاء ذلك اليوم، يا صديقي، فستكون القصة قد بلغت ذروتها، فلا تجد هناك من يحفر في أصولها! فلا معنى للسؤال إن كان الأغبياء هم من محقوا الأكثر حكمة وفطنة، أم إن الأكثر مكرا ً ودهاء ً هم من وضعوا خاتمة لهذه الحكاية!
11/9/2016
Az4445363@gmail.com


شذرات- فرنسيس بيكن F . Becon(1909 - 1992)- ترجمة واعداد: عدنان المبارك

شذرات- فرنسيس بيكن F . Becon(1909 - 1992)


  
ترجمة واعداد: عدنان المبارك   
 
- التصوير أزدواجية. والتصوير التجريدي هو شيء أستيتيكي بالكامل. يبقى هو دائما على مستو واحد. انه معن فعلا بجمال نماذجه الأستيتيكية.
- في حالتي يكون التصوير
painting كله... مجرد حدث. أنا أتوقعه لكن من الصعب نقله وفق ما توقعته. انه تحويل في التصوير الحالي. في الحقيقة غالبما لا أعرف ما سيعنيه التصوير، وقد يعني أشياء كثيرة هي أحسن بكثير مما قدرت على عمله.
- التصوير كله هو حادث لكنه أيضا ليس بحادث، فعلى الفنان اختيار أيّ جزء من أجزاء الحادث عليه أن يحتفظ به.
- أنت تريد الدقة و ليس التمثيل. اذا عرفت كيف تعمل التشكيل
figuration فأنت تفشل هنا. لأن كل شيء تعمله تؤديه بالمصادفة. في أثناء التصوير عليك أن تعرف ما تعمله وليس كيف تعمله.
- أنا أريد للغاية الصورة المطلوبة لكني أريد أن تأتي بالمصادفة.
- أنت ترى كيف أصبح التصوير أو الفن بكامله الآن لعبة تشوّش الانسان. وما هو الأخاذ حاليا صيرورة اللعبة أصعب فأصعب على الفنان.
- أنا مؤمن بالفوضى المطلوبة عميقا، ففي الظلام تكون كل الألوان على اتفاق.
- بعض الصور يأتي مباشرة الى الجهاز العصبي، والأخرى تروي لك القصة كخطبة لاذعة عبر الدماغ.
- أذا كنت قادرا على الكلام عن هذا الأمر فلماذا تصوّره؟
- أمر ميؤوس منه على الداوم الكلام عن التصوير، فالمرء لا يفعل شيئا سوى الدوران حوله.
- الفن الكبير هو دائما للتركيز واعادة اختراع لما يسمى بالحقيقة، لما تعرفه كينونتنا - اعادة تركيز... واتلاف ما اكتسبته الحقيقة عبر الزمن.
- التصوير هو اليوم حدس واغلاق وكسب ما يحدث حين تقوم بقذف الأشياء الى أسفل.
- عملية الخلق هي مزيج من الغريزة والمهارة والثقافة وحمّى ابداع مرتفعة، وهي شبيهة بالعقار. وهي تلك الحالة الخاصة عندما يحصل كل شيء بسرعة بالغة - المزيج من الوعي واللاوعي، من الخوف والغبطة، انه مزيج صغير كما ممارسة الحب أي الفعل الفيزيقي للحب.
- لا يمكنك نقل الحقيقة الا عبر التشويه. عليك أن تشوّه كي تقوم بتحويل ما يسمى ظهورا في الصورة.
- الشعور باليأس والشقاء هو أكثر نفعا للفنان من الشعور بالرضا. فاليأس والشقاء يطيلان من حسّاسيتك كلها.
- حين أجلس ويأتيني حلم النهار تتحرك الصورة كما شرائح ملوّنة لما أعقب الحلم.
- كل أعمالنا تأخذ طيفها اللوني من تعقيدات القلب كما المشاهد الطبيعية التي تأخذ تنوّعها من الضوء.
- قلائل جدا يملكون شعورا طبيعيا بالتصوير، أكيد أنهم يفكرون بصورة طبيعية: التصوير هو تعبير عن مزاج الفنان. ولكونه هكذا كثيرا ما يكون هو في حالة يأس عظيم، وتأتي أسعد لوحاته حين يعمل بالألوان.
- قبل أن أبدأ العمل أملك شعورا غامضا قليلا: السعادة هي اثارة من نوع خاص، ولأن بمكنة الشقاء أن يأتي دائما بعدها ببرهة.
- الشهرة الطيبة مثل النار. حين تشعلها يسهل الحفاظ عليها لكن حين تطفئها يكون من الصعب اشعالها ثانية.
- هي حالة يائسة للعقل عندما يرغب في امتلاك أشياء قليلة وأخرى كثيرة للخوف.
- شكل المصوّر
ilustrational يخبرك فورا من خلال العقل عن أيّ شيء يتكلم الشكل بينما غير المصوّر يؤثر أولا على الاحساس وبعدها يتسرب بطء في الحقيقة .
- المشخص
figure الجذّاب والمسرّ هو رسالة دائمة للتوصية.
- الصورة تعينني أيضا في العثور على الأفكار وتحقيقها. أنا أنظر الى مئات من مختلف الأشياء، من الصور المتعارضة وأقنص التفاصيل كما الناس الذين يأكلون من صحون الآخرين.
- يمكنك القول أني بلا الهام ولا أملك شيئا عدا الحاجة الى التصوير.
- أطمح في أن تقوم غرائزي بالعمل الصحيح، فانا أعجز عن محو ما عملته. واذا كنت قد رسمت شيئا في البدء فسيكون فنّي مجرد تصويرات
illustrations لرسومات drawings .
- ما مكسبي من عمل لا أحبه ؟
- لكل واحد تفسيره للتصوير الذي يشاهده.
- اريد أن أعمل بورتريهات وصور. لا أعرف كيف. فخارج اليأس لا أرى شيئا عدا التصوير في كل الأحوال. وفجأة تتخثر الأشياء التي تعملها وتأخذ الشكل الذي أقصده. اجمالا هي العلامات الدقيقة التي تكون خارج الأخرى القائمة بالتقديم .
- أنا لا أؤمن بأن الفن متاح وذو فائدة، انه نادر وفضولي، وينبغي أن يكون معزولا. قد يكون هناك من يدرك سحره لكن أكثره معزول.
- بيكاسو هو سبب تصويري. هو الشخص الأب الذي منحني الرغبة في أن ألوّن.
- عثر فيلاسكيز على التوازن بين التصوير
illustration النموذجي الذي طلبه كي ينتج وبين العطفة الساحقة التي أثارها في المتفرج.
- أنا أستخدم في عملي كل أنواع الأشياء: مكانس قديمة، بلوزات قديمة، كل أنواع الأدوات والمواد. أنا ألوّن كي أثير نفسي وأعمل شيئا لنفسي أيضا.
- منح التصوير حياتي المعنى الذي من دونه لما ملكته.
- بعض الفنانين يترك أشياء ملحوظة ستكون من دونها أعمالا فاشلة بعد مائة عام. أنا تركت مثل هذه الأمور، فأعمالي معلقة في المتاحف لكن في يوما قد ينفيني (تيت غاليري) وبقية المتاحف الى القبو... لا أحد يعرف أبدا.
- عمل الفنان هو على الدوام تعميق السرّ.
-السرّ يكمن في اللامعقول الذي تقوم أنت باظهاره. واذا كنت تعمل تصويرا
illustration فسوف لن يكن ذلك أمرا لامعقولا.
- الفن العظيم منظّم بكل عمق وحتى لو كان هذا النظام أشياء كثيرة وغرزية وصدفية تخرج على الرغبة في النظام واعادة الواقعة الى النظام العصبي بأسلوب أكثر عنفا.
- نحن لا نمل في التصوير سوى جهازنا العصبي .
- أنا أعمل تصويرا لنفسي. لا أعرف كيف هو عمل شيء آخر. كما أن عليّ أن أكسب حياتي وأحتلّ نفسي.
- التصوير هو النموذج لنظامي العصبي والمنقول الى القماشة.
- أحاول أن أجعل الصور أدق ما يمكن لجهازي العصبي.
- كانت عندي صور فوتوغرافية لتصويرها، فانا أفضل العمل وفقها على التصوير وفق موديل حيّ مثلا...
- أنا أبغض وجهي، وعملت بورتريهاتي اذ لم يكن هناك أيّ أحد كي أعمل له بورتريها.
- اذا كانت نماذجي في معالجات مروّعة لم أكن قادرا على ابعادها عن المعضلة التقنية.
- الفنانون كلهم غرور ولا ينتبهون بسرعة الى أن يبقوا شيئا للأجيال القادمة. هم يريدون أن يكونوا محبوبين وأحرارا في الوقت نفسه. لكن لا أحد حرّا.
- على الصورة أن يعاد خلقها من البحث وليس من صورة الشيء، لكن ليس هناك من توتر في اللوحة طالما ليس هناك من عراك مع الشيء.   
 


جون كيتس.. مدمن أفيون! سيرة ذاتية مثيرة للجدل -ترجمة: أحمد فاضل

   ترجمة
جون كيتس.. مدمن أفيون!



   
سيرة ذاتية مثيرة للجدل

ترجمة: أحمد فاضل    
 
مثل غموض سوناتات شكسبير، وابتسامة الموناليزا، وأبو الهول ، يبقى الشاعر جون كيتس بسيرة حياته وقصائده أشد غموضا ، وقد بقي صامتا عن العديد من الحوادث التي مرت من خلال حياته الشخصية ، وكان يحتقر وبتصميم غير محسوس في قصائده حقائق الحياة ، ولم يكن عاطفيا على الاطلاق ، هكذا يحاول نيكولاس رو أن يثبت كل ذلك وأكثر في كتابه " جون كيتس " الصادر حديثا من جامعة بيل الأمريكية ، مع أنه على العكس من ذلك ، كان كيتس شابا يعشق الحياة ويذوب عاطفة أمام كل ما هو جميل كما في قصائده قبل أن يسقط ضحية مرض السل القاتل ، فإنه من المستحيل أن نصدق أن كيتس وهو الشاعر الذي يكتشف الجمال وسط خرائب القبح ، أن يدمن على الأفيون لينسى الآلام والأحزان التي كانت تداهمه في حياته كما يحكي رو ، فالخيال والجمال والحب كان لهم التأثير الكبير على شعره فكان أكثر موضوعية بين شعراء الرومانسية واستطاع تجاوز همومه الشخصية في العديد من قصائده وهي حالة نادرة جدا لم يعشها غيره من الشعراء على المستوى الشخصي في حياتهم .
نيكولاس رو في سيرته عن كيتس التي نشرت مؤخرا تحدى فيها بعض الأفكار التقليدية التي عرفت عنه وقد صب جل اهتمامه لشعره محاولا اكتشاف كيف كان يصنعه داخل عقله بدلا من عواطفه وهي إشارة خبيثة يكاد يقولها " بعقله المسكون بالأفيون " ، ومع ذلك تبقى طروحاته هذه محل نقاش بخلاف السيرة التي أطلقها الكاتب الإنكليزي أندرو موشن عام 1999 عنه والذي لم يشر فيها على أنه كان يكتب قصائده تحت تأثير الأفيون بل ركزت على قوة شخصيته وشعره وكيف كان يتحدى مرضه بكتابة الشعر .
الشيئ المحبط في سيرة رو هو أنه حاول ان يقدم كليشيهات مشوشة عن كيتس كإدمانه على الأفيون وهي حجة تحتاج إلى دليل ولربما هي من تخميناته لأن خطابات كيتس كانت تخلو من هذا الأمر ، ومع ذلك فإنه لايزال يتعين علينا التأكد من أنه كان مدمنا عليه أم لا ؟ ، ووفقا لنيكولاس رو فقد يكون لوفاة شقيقه توم الأثر القوي في تناوله الأفيون ، وحتى لو كانت قصيدته " إلى العندليب " التي يشير إليها رو كدليل على تعاطيه ذلك المخدر، فإننا لو قمنا بتحليل القصيدة لعرفنا كيف كان كيتس يحتقر كل ما يمت بصلة لتلك السموم :
أوجاع قلبي
وآلام خدر النعاس
جسدي المعنى
كما لوكان لي من الشوكران حالة سكر
أو بعضا من الأفيون
ومع أنه أشار إلى سم السموم الشوكران والأفيون والخمرة في هذه القصيدة فمن الصعب جدا أن نصدق أن كيتس كان مدمنا بدليل استخدامه كلمة " لو " التي تظهر بوضوح وهو ما كان يتمناه عقله الباطن لتكون تلك السموم مهدءا لأوجاعه ليس إلا ، رو وبعد قراءتنا لهذه الأبيات نجزم أنه ظلم كيتس الذي يقول عنه كولردج وهو من أبرز الوجوه الثقافية في إنكلترا زمن الحقبة الإبداعية :
- كان كيتس هو الأكثر استقرارا بين شعراء المدرسة الرومانسية واستند في خياله على الأساطير اليونانية الهيلينية في تكوين بعض أجواء قصائده الجميلة والساحرة .
ما يطرحه رو من إدمان كيتس للأفيون يحتاج إلى إعادة نظر لأنه قد يوصل رسالة خاطئة للقارئ واستنتاجات قاسية عن عبقرية كبيرة من دون دليل ملموس ، وقد يخلق انطباعا خاطئا عنه سيما وأنه كان يستخدم الخيال كأحد ابداعاته التي عرف بها داخل قصائده ، فهناك فرق أساسي بين طبيعة خيال الشعراء نشعر به وهم يعيشون معاناتهم في الفقر أو الموت المبكر ولكل منهم موهبته في توظيف هذا الخيال .
أما قصة حبه مع فاني براون التي لم يستطع الزواج منها والتي تمثل له خسارة عاطفية ومأساوية ، لكنها أعطت لشعره جمالية على مر السنين ، ولا يمكن لرو ولغيره إعادتها إلى كومة متربة من التفكير لأنها زقزقة مشبعة بالعاطفة من المبدع كيتس .
كتابة / راتان بهاتا شارجي وهو كاتب هندي له عدة مؤلفات عن الأدب الإنكليزي والأمريكي يعمل أستاذا مشاركا في قسم الدراسات العليا في اللغة الإنكليزية بجامعة كولكاتا بالهند ويرأس حاليا مجلة صوت الكتاب .
عن /
BOLOJI 23 سبتمبر أيلول 2012





الجمعة، 23 سبتمبر 2016

إكتشاف مقبرة أميرة فرعونية جديدة في جنوب الجيزة!-صلاح سليمان

آثار

إكتشاف مقبرة أميرة فرعونية جديدة في جنوب الجيزة!
صلاح سليمان
مقبرة اميرة فرعونية

   أعلنت وزارة الآثار المصرية  عن اكتشاف مقبرة لأميرة فرعونية تدعى «شرت نبتي» تعود إلى عصر بناة الأهرامات في منطقة أبوصير الأثرية (جنوب القاهرة) يتوسطها 4 أعمدة من الحجر الجيري، وحملت على وجهها الجنوبي نقوشًا هيروغليفية لألقاب واسم الأميرة، التي من بينها: «ابنة الملك من صلبه، حبيبته، المبجلة أمام الإله العظيم – شرت نبتي». وتنتمي للنصف الثاني من الأسرة الخامسة من الدولة القديمة الفرعونية (2500 ق. م) فضلا عن اكتشاف بقايا باب وهمي يحمل أجزاء من ألقاب الأميرة هذا وفق ما صرح به وزير الآثار المصرسي الدكتور محمد ابراهيم.
من المعروف ان منطقة سقارة وابو صير تخضع للتنقيب من قبل البعثات التشيكية ومعهد الآثار التشيكي في القاهرة، وفي هذا الصدد ذكر وزير الآثار المصري أن الكشف الأثري، الذي قامت به بعثة المعهد التشيكي للآثار المصرية التابع لجامعة تشارلز ببراغ، سوف يفتح فصلا جديدا من تاريخ جبانات أبوصير وسقارة، حيث إن فناء المقبرة كشف في الجزء الجنوبي منها على مقابر لموظفين لا ينتمون إلى العائلة الملكية بمنطقة جنوب أبوصير، ومن المعروف ان جبانات الأفراد التي تخص الأسرة الخامسة الملكية تقع على بعد 2 كيلو متر شمال المقابر الملكية.
أظهر الإكتشاف أيضا أن هناك  ممر يمتد من الزاوية الجنوبية الشرقية من الفناء ويتجه شرقا، ويحتوي هذا الممر والجدار الجنوبي للفناء على 4 مداخل لمقابر منحوتة في الصخر، حيث تم الكشف حتى الآن عن المقبرتين اللتين تقعان بالجدار الجنوبي للفناء، وهما لموظفين كبيرين أحدهما يحمل لقب (كبير العدالة في البيت الكبير، شبس بوبتاح) والآخر (مفتش خدم القصر، دوا بتاح).
من جهته صرح  مدير البعثة التشيكية الدكتور ميروسلاف بارتا للصحافة العالمية ، إن «المقبرتين الأخريين اللتين تقعان بالممر، لاتزالان تخضعان لأعمال الكشف،وإحداهما لموظف يدعى نفر، الذي يحمل لقب المشرف على كتبة الفرقة، وعثر بداخل مقبرته على بابه الوهمي، و3 تماثيل له من الحجر الجيري تمثله في هيئة الكاتب، كما عثر على تمثال رابع مزدوج له ولزوجته (حتحور نفرت)، أما المقبرة الأخرى بالممر فلاتزال أعمال الكشف عنها مستمرة ، وأضاف في هذا الصدد إنه تم العثور أيضا على 4 نواويس كبيرة من الحجر الجيري تحمل بقايا ألوان بسيطة وضعت تلك النواويس بين مداخل المقابر، وتتضمن تمثالا لرجل وتماثيل رجل بمصاحبة ابنه وتماثيل لرجلين مع سيدة، وتظهر جميع التماثيل مهارة النحت في الفن المصري القديم .
تقع منطقة أبوصير الأثرية جنوب الجيزة وشمال سقارة بنحو 4,5 كيلومترات، وكان قد اشتق اسم أبوصير من الاسم المصري القديم (بر أوزير)التي تعنى مقر الإله أوزير. وتضم منطقة أبوصير مقابر ملوك الأسرة الخامسة ومنها هرم الملك ساحورع وهرم الملك نفر-إير-كارع (كاكاى) وهرم الملك نفر-اف-رع وهرم الملك نى-أوسر-رع وذلك بالإضافة إلى معابد الشمس حيث تضم معبد الشمس للملك أوسركاف ومعبد الشمس للملك نى-وسر-رع بالإضافة إلى معبد الشمس للملك ساحورع الذي يقع على بعد 1 ميل تقريباً شمال أبوصير. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأهرامات قد تهدمت بشكل شبه كامل بينما المعابد لا زالت قائمة بسبب تشيدها من الأحجاروالمنطقة تشهد زيارت سياحية مكثفة .
كان الملك ساحورع قد شيد هرمه في منطقة أبوصير ويبلغ ارتفاعه حوالى 48 متراً وطول ضلع قاعدته 78 متراً وزاويته 50ْ36،  وذلك وفق كتاب آثار مصر الفرعونية للدكتورتامر سعد الله وقد تهدم الهرم تهدماً بالغاً ولم يبق من كسوته الأصلية التي كانت من أحجار طره الجيرية إلا بعض القطع. ويقع مدخل الهرم كما هو معتاد في أهرامات الدولة القديمة في الناحية الشمالية وفى مستوى سطح الأرض ويقودنا المدخل إلى ممر طوله 8 متر وسد الممر بمتراس من الجرانيت ثم ممر صاعد بانحدار تدريجى بسيط طوله 25 متراً حتى يؤدى إلى حجرة الدفن التي تأخد شكل المستطيل وسقف الحجرة جمالونى الشكل من ثلاث طبقات فوق بعضها وبنيت حجرة الدفن كلها من أحجار طره المحلية.
أما المعبد  الجنائزى للملك ساحورع فهو مخرب تماماً ،ويلى مدخل المعبد  الفناء المكشوف وارضيته من البازلت وجدرانه من الحجر الجيرى التي كانت مزينه بالنقوش التي تمثل الملك ينتصر على أعدائه وأبدع الفنان المصري القديم في ترتيب الأعداء فالآسيوين وضعهم في الجانب الشمالى وذلك حسب موقعهم الجغرافى والليبيون على الجانب الجنوبى ومن النقوش الهامه المحفوظه الآن في المتحف المصري بالقاهرة مايمثل الملك ساحورع وهو يقتل زعيماً ليبياً بدبوس القتال وإلى جوار الزعيم الليبى زوجته وإثنان من الاطفال يرفعون أذراعهم طالبين الرحمه، ويحيط بالفناء المكشوف أعمدة جرانيتيه من الطراز النخيلى عددها 16 عمود وزين السقف بالنجوم. وهناك ممر عريض يحيط بالفناء وهو مبلط أيضاً بالبازلت ومزين بالنقوش التي تمثل الملك وهويصطاد الطيور والاسماك ومناظر اصطياد الحيوانات البرية، وفى الجهه الغربية من بهو الأعمدة يوجد توجد عشرة مخازن موزعة على صفين متقابلين كل صف يحتوى على 5 مخازن وإلى الجنوب يوجد 17 مخزن وبنيت المخازن كلها في مجموعات من طابقتين، ولكل مجموعة سلمها الخاص وكل مخزن عبارة عن حجرة واحدة ومن المحتمل ان هذه المخازن لتخزين الأوانى المزخرفة والتماثيل المذهبة. وفى وسط الممر على الجانب الغربي يوجد ممر يعقبه بضع درجات تؤدى إلى حجرة صغيرة فيها النيشات الخمس للتماثيل وفى الجدار الجنوبى لهذه الحجرات باب وهو الطريق الوحيد المؤدى إلى الهيكل وخمس حجرات خلفه، ويحتمل أن تكون أرضيه الهيكل قد غطيت بالمرمر وفى نهايه الهيكل يوجد باب وهمى من الجرانيت وأمامه مائده قرابين من المرمر. ومن أهم معالم مجموعه الملك ساحورع ذلك النظام الدقيق لتصريف المياه التي كانت تسقط على السقف فتنصرف في مزاريب على هيئه رؤوس الأسود تبرز من أعلى الجدران الخارجية. أما في الاجزاء المكشوفة فإن ماء المطر الذي يسقط فينصرف من فتحة عند أسفل الجدران الخارجية بعد أن يصل إليها عن طريق فنوات محفورة في أحجار بلاط الأرضية. وكانت هناك طريقه أخرى لتصريف المياه حيث كانت توجد في داخل مبانى المعبد خمسه احواض مبطنه من الداخل بصفائح النحاس وسدادتها من الرصاص تحكم غلق فتحاتها أثنان منها في الحجرات القريبة من الهيكل وواحد في الهيكل نفسه وواحد في الممر المؤدى إلى الهيكل والخامس يوجد في مجموعه المخازن العشرة ووظيفتها تصريف المياه التي تستخدم في طقوس العبادة وذلك لاعتبار أن هذه المياه نجسه ومن الخطر لمسها. وكان يخرج من تلك الاحواض مواسير نحاسية تسير تحت أرضية المعبد وتستمر في الطريق الصاعد إلى أن تفرغ مياها في الناحية الجنوبية منه.