بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 17 أغسطس 2012

قصة قصيرة- ضفـاف-عادل كامل


قصة قصيرة ضفـاف
( هذه المرة، فقط، أمتلك قدرة خلع الكلمات كي أجتاز الصحراء، نحوك تحديدا، في الزمن غير المناسب) متوقفا عن الكتابة، متأملا خيوط الشمس، فوق أصابعه النحيلة، الشاحبة، وهي تمسك بقلم الرصاص، من ثم، رفع نظره وحدق في أشجارا لحديقة، بزمنها القديم، قبل نصف قرن. ثمة بياض لا صفات له داعب خياله الفسيح، وجعله يواصل الكتابة( بالإمكان تماما الامتنان لسعادات نادرة يحسم فيها المرء إشكالات العمر كالاعتراف باستحالة الرحيل من غير هذا الاعتراف) وقال من غير تدوين ( إنها لا تميز أيضا أي رجل قاوم الموت كي لا يرحل إلا بخجله الخفي. ماذا قلت؟) ودوّن( لكن القلب يصدم انه لم يكن لينا أو رخوا بما كان عليه القلب من اتزان وطيش معا. أنت الآن تستعين بلمحة البرق تلك التي امتدت بعيدا بين كائنين منفصلين متصلين بحلم الاستحالة.كان عليّ، مثل الأيام، احمل الهدف وامضي قلت لك مرات ومرات بدون اجتياز أول المسافة) ورفع صوته: ما أبهى هذا الصباح الصيفي بلذة هواء بارد! ربما هو..هو. وكتب على عجل ( الحب الذي غدا يطرق بأعتى صمته معلنا ان الحياة لم تكن إلا في هذا المكان) وحدق في الجدار المزين بعشرات الصور، في الفراغ المشحون بالفضاءات (دوّن) ( كان من المستحيل لنا ان نعمل بخيال ابعد.. قلت لك ذلك قبل ربع قرن: اتذكر كلماتك: تقدم.. وكان عليّ ان افكر طوال هذا الزمن.. الم اقل ان الموت، الموت ذاته، ليس نهاية قلت لي النسر معا. قلت : لنفكر معا) ورغب لو اتصل بها ، هاتفيا. وطلب منها ان تشهد امتنانه السعيد لكلمات لاتحدث الا في لحظات لم تعاد مرة أخرى. لقد ماتت زوجه بحادث إنفجار قذيفه، بفعل الحرب،ومنذ غادر ابنه البلد بعيدا منقطعا عنه، ومنذ تزوجت إبنته، صار يؤدي واجبه كأنه في فضاء أبدي( فأنا لم يعد باستطاعتي سماع دقات الساعة ، أو الذهاب إلا الى البعيد، بأجنحة من هواء ، الحرب هي إذا ً التي سرقت المرأة التي قط لم تكن إلا ذروة الغموض ، الظلم لم ابح بفرحي ولم احزن لرحيها . كل مافعلته هو انتظار لا أحد ، لم تعد الكتب تمتلك سحر فضاء الزمن ، ولا الانشغال برسومات غامضة فوق الورق.. قلبي لم يفرغ من الامل، ولم تزحزحه المرارات ، كنت مندفعا في المتاهة كشمس في اندثارها . فان هذا الضياء وهذا الظلام .. أنا قط لم امسك بأبديتي ، تلك– قلت لك- محنتي . قلت لي: بالإمكان البدء ، مرة بعد مرة ، ولم تكن لكلماتك الا كمرور البرق في فجر مبهم الألوان . اتساءل : هل حدث هذا فعلا . هل كنت على يقين ان الوهم بلغ ذراه . وصارت – تلك الفتاة – امبراطورية اضطراب شفافة ليت لي قوة الاصغاء لصدى روحي، وليت لي ، ياوردة ليل المتاهة ، ان امنحك هذا الاثر ، حياتي بهذا الفضاء، بهذه الكلمات.. وكأني عقدت العزم كله، بعد استئذان الماضي .. لتبادل..) وتوقف عن الكتابة . نهض . مصغيا لدقات الساعة العاشرة ، نحو النافذة : اضطرابات مقدسة !أكان عليّ – كذلك دار بخلده – ان ادفن البرق بالجدران .. لم يكن يفكر في صوتها الغامض .. في شيء ما مضى .. لكنه ، رفع صوته ورأسه الى الأعلى ، قليلاً ، فوجد ان شيئا ما – فيها – لايريد ان يذهب (اشياء كثيرة تندرج في المحو .. تذهب بكل صلابتها وقوتها وتغدو مندمجة بفضاء لا حدود له) فكرت ، (وانا اصغي اليك : الايام .. هي .. الا نتركها تذهب بعيدا عنا..) وكتب مواصلا:ـ تلك الكلمات ، الان ، تبدو كضوء النهار ، فوق جسد واهن، انفجرت فيه رغبات خاطفة ، كلمات لها مذاق لون المسرة! ادرك ، حالا، لا معنى لاستعادة المحو . لقد اصبحت وحيدا وحدة الوهم بين الاوهام .. لاتوجد ) ويرفع رأسه، وهو يكتب، بعد ان تنفس سيكاره المر.. ( اية عزلة .. وكل عناصر الكون في وحدة .. وهم .. فأنا كنت اعيش معك طوال الزمن .. وكنت اعيش مع الاخرى ، ايضا..) وترك القلم يسقط فوق الورقة .. تأمل كلماته كنجوم متناثرة في السديم .. رفع صوته : لماذا عدت الى الكتابة .. الم تعترف في اعماق ذاتك: كن وحيدا .. الم تقل ، لنفسك، تآلف مع الفضاء حد ان تكونه .. بيد ان جسده لم يساعده على الوقوف ، فجلس ، امام المنضدة، وامسك بالقلم الفضي ، وكتب ( غالبا ما نقع ضحايا رغبات جد لا مرئية .. انعطافة ضوء ، أو لذة غامضة ، محاولة لعبور العتمة ) وبحث عن توازن مستحيل ، ابتسم بفم مغلق ، وصك باسنانه .. وتراجع الى الوراء قليلا ، وكان قد قال لنفسه ، مرات ومرات ، لا تكن في المشهد، ولا تتظاهر بالتفوق (للحق ، أدوّن لك بصبر أخير ان تفوقي كان هو الإخفاق الجليل! وسيدهشك الإصغاء لصوتي داخل سكون الكلمات لم أكن متفوقا بلا مبالاتي لنفسي قبل ان أتحول الى شيء من أشياء المحو ..) وكتب بهدوء ( لا اعرف ماذا تفعلين الآن .. ولكني أدرك جيداً انك تتجهين نحوي .. كم أنت جميلة ، وزرقة السماء تظهر سواد شعرك ، وتخفي حزنك، وتظهره كنهار ابدي . الآن اعرف عميقا أي وهم اكتسب اليقين ، وأي يقين سحرنا بذاته الغامض . وعلى ان أهمل هذا التحليل ، والتحديق في ظلك المتحرك فوق سواد الطريق . علي ان أسير خلفك ، أو معك ، أو أمامك، وليس أن أكون بصاصا لوهم تفوق على يقين انك غائبة في مكان مجهول . ستقولين وانت تقرئين هذه الرسالة : ِِلم َتركتني أذهب وحيدة إذا ً ؟ أقول لك: كان عليك أن تختطفي هذا الظل قبل أن يمحوه النور ويتجمد الدم في جسدك وانت تقولين لنفسك) كنت اعرف ان شيئا ما تلبسك .. الحب الذي دفعك إليّ .. وأنا التي أضاعتك في المحبة كان ذلك هو سرك .. أجل . لكل منا خطاه الخفية ، المتحركة قليلاً بعيداً عن الخط العام. تلك التي لانعرف اصنعتنا بهذا الانشداد والتململ ام نحن الذين صنعناها بهذا الغموض . المهم – ان المتاهة توحدت بالتائه، والتائه، كلما تقدم ، وتقدم ، اكتشف انه قيد الاستيقاظ . لقد جلست هذا الصباح بقوة ما جعلتني أراك داخلي ، بعد ان لم تعد هناك عزلة ، لا العالم ضدي ولا أنا ضده، لا الموت يأتي ويغلق هذا الصوت ولا هذا الصوت ببعيد عن الموت.انها – ايتها الغالية – ليست محنة ولا ذلك – هو – الذي دفعني كي اكتب : والآن ، استعادت الارض ابنها لسرها .. وكاد يفقد وعيه . منذ زمن بعيد كان يرى جسده يتلاشى ، بلا الم ، ويصير شيخا . قال لنفسه ، من غير اكتراث : اين اختفى الظل؟ وجمع قواه ( لدى رغبة واحدة للاعتراف.. كان علينا ان نسير معا.. انما .. حصل العكس .. لقد عشت في قبر .. ولم افلت منه.. حتى وانا امنح هذا الحلم ، فوق الورق ، بارقة أمل .. من ذا يدرك كم تعذب هذا العجوز.. وكتم .. كي لا يفقد نبله . انت ، وحدك، تعرفين حفايا الامر.. ووحدك ، لم تفعلي شيئا ..) من ذا الذي يقدران يتابع كابوسا .. وكتب بخط متعجل (بهذه المراره العذبة اصبحت أجرجر اصابعي نحو اعماقي السحيقة .. لقد دفنها الخيال وازلها من كل وجود.. حتى اصبحت بؤرة التلاشي. انت وحدك تعرفين . ماذا تعني انبثاقات الاعياد المرة .. الفرح الفائق ..) وخزة قلبه ، فتنفس ، مبتسما ، مصغيا لمن يطرق الباب، وقد فقد قدرة كتابة خبر الجملة : أعرف أنكٍِِِ كنت تعرفين هذا كله ).

ليست هناك تعليقات: