الخميس، 16 أغسطس 2012

هل كان رشيد أو البهلول مجنونا ؟,الجزء الثاني والأخير,حامد كعيد الجبوري


هل كان رشيد أو البهلول مجنونا ؟ أم نحن المجانيين !!! الجزء الثاني والأخير حامد كعيد الجبوري لم يصدق رشيد أن طبيبا يخون أمانته ويحنث بقسمه لذا أخذ الحقنة ، وأصبح طيعا سهل الانقياد ل( مفرزة )الأمن ، أمبولة ذات 2 سي سي استطاعت أن تجعل رشيد الجبار ذو العضلات والقوام القوي الى حمل وديع يمتثل ليس لشرطي بل لطفل صغير ، ولكن الى أين ذهبوا برشيد هذه المرة ، أخذوه لبغداد التي لم يزرها منذ تخرجه ، اجتازت العجلة بهم بغداد لتتجه صوب طريق ديالى القديم ، هناك حيث مصحة الأمراض النفسية والعقلية ، لم يصدق مدير المستشفى أن هذا الرشيد مجنونا ، هز برأسه وأودعه ( قاووش ) 8 ، كيّف رشيد العيش بهذا السجن المحجر ، وفطن أن أغلب ( القاووش ) هم على شاكلته ، لم يصادق منهم أحدا ألا شخصا مسيحيا أسمه ( بطرس ) ، أحب أحدهما الآخر ، وكان بطرس يخفي تحت وسادته حبلا لنشر الغسيل ، يستعيره رشيد كلما غسل ملابسه ، زيارات متقطعة من أخيه جعفر وأبن عمه شوقي ود محمد ، سرعان ما تقلصت تلك الزيارات وانقطعت بسبب الأجر آت المعقدة ، بعد أربع سنوات وتيقن إدارة المستشفى أن رشيد أصبح مجنونا فعلا أفرج عنه ، وكانت مساعي العائلة سببا يضاف للإفراج عنه ، أدرك رشيد الموقف وأصبح كل شئ له جليا واضحا ، وبدأ مشوار ( البهللة ) والتسكع والصعلكة بشوارع الحلة وأرصفتها وأزقتها ، ينام حيث تنتهي به قدماه ، وربما كان لرشيد مشوارا مهما له وهو الجلوس قبالة مقهاه التي أحب ، أو الجلوس على دكة مسجد ( الكطانه ) ، وسوق الهرج ، والجسر القديم ، وأماكن أخرى ينتقيها بين الحين والآخر ، ولم يكن جلوسه عبثيا بل كان يلقي محاضراته العربية وخطبه الدينية ، البعض كان يتصوره مجنونا لطول لحيته ، وشعره الكث الطويل ، وملابسه المتسخة ، يحاول أحدهم أن يعطيه شيئا من المال فيرفض أيما رفض ، وويل لمن يفعلها معه ، الغريب أن رشيد كان يعتقد أن الأمن لا يلاحق المجانين ، وهذه حقيقة معروفة فالإنسان العاقل يطارد ، والمجنون تهمله دوائر الأمن ومقرات الحزب المجتث ، إلا مع رشيد فكان الرجل متابعا وهو عاقل ، وتحت أنظار الأمن والحزب ، وهم أجنوه ، كان أخواه محمد وعلي يتابعان جلوسه في أي مطعم أو مقهى ويدفعان ما أنفقه صاحب المطعم أو المقهى لرشيد ، وكرّمته !!! الدولة والحزب بأن أخرجا له تقاعدا يصرف لأخيه جعفر كوصي عليه ، ورشيد مستمر على محاضراته والأمن مستمر بتوقيفه ، ويطول ويقصر ذلك التوقيف وفقا لقناعة ضابط الأمن المكلف ، وأخوته يتابعونه من موقف لآخر ، مرة أقنعه أخاه ( علي ) ليأخذه الى حمام ( المهدية ) ، استجاب رشيد لذلك الطلب ، أراد علي أن يقدم نصيحته لأخيه رشيد ولكن هيهات فالفرق بينهما لا يدركه علي ولا ندركه نحن الخانعون ، قال رشيد لعلي ( يا علاوي يا عزيزي عم تتحدث ، أنني في عالم غير عالمكم ، ولا أظن أنك ستفهم ذلك ، كنت وصلت أفاقا لا يصلها غير الطامحين التواقين للحقيقة المجردة عن سفاسف ما يتمسك به الآخرون من مظاهر ، أوصدت أبوابي عن العالم ، وعشت عالمي الذي لن يناله أي منكم إلا بعد الجهد الذي قدمته في كل مراحل العذاب التي بها مررت ، فلكي تدخلون عالمي عليكم أولا أن تسعوا لقول الحقيقة دون نفاق ، ، ثم أن تقاوموا من أجل كرامتكم وتواجهوا الظلم ، ثم أن تكسروا أذرع الطغاة ، وبعدها تعيشوا في الشماعية لردح من الزمن يؤهلكم لما أنا عليه ، وهيهات أن تتحملوا أيا من ذلك ) . استدراك 00000000 اولا : لم نعلم أن دوائر الأمن قد كرّمت رشيد وذلك بجبه أي بقطع مذاكره ( أعضاءه التناسلية ) ، هذا ما شاهده مشيعوه وهو على دكة المغتسل . ثانيا : كان رشيد يمر على الشاعر ( جبار الكواز ) وأصبح بينهما أكثر من حديث مألوف ، أحد الأيام سأل الشاعر رشيدا قائلا له ، لم نكتب نبكي من قصيدة قفا نبك لمرؤ القيس بحذف الياء من نبكي ؟ ، لم يتردد رشيد وأجاب ( حذفت الياء يا جبار لأنها جواب طلب مجزوم ) ، أي مجنون هذا ؟ . ثالثا :لرشيد رأي بخطباء وشيوخ المساجد والجوامع ، فرشيد يستنكر لغتهم الملحنة ، وعدم فهمهم الفقه الذي يفترض بهم نشره ، وعدم شعورهم بقداسة هذا المنبر التربوي الأخلاقي الثوري الديني ، كنت والمرحوم شوقي جابر نتردد على مسجد ( أبن أدريس ) لنستمع لمحاضرة صديقنا أحد المشايخ ، فوجئ الجميع بدخول - ( درويش ، ملابس ممزقة ومتسخة ، شعر كث ، لحية تصل لبداية الصدر ، شفاه صفراء ترتعش من كثرة التدخين ، يحمل عصا غليظة غير نظامية ) - رشيد لباحة المجلس ، صمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ، بادر خطيب المسجد ومن منبره منقذا للموقف وقائلا لرشيد ، ( تفضل أستاذ رشيد أجلس ) ، قال رشيد أنا لا أجلس أن سمعت لحنا في اللغة أو خطأ فقهيا ، قال الشيخ هو كذلك ، وفعلا جلس رشيد مصغيا لكل شئ ، وقبل أن ينهي الشيخ حديثه سأله رشيد بمسألتين فقهيتين لم أدركهما ، أجاب عليهما الشيخ وهز رشيد رأسه قائلا أحسنت وخرج من المسجد ، همس الشيخ لي ولشوقي قائلا ، ( والله لم أحرج بحياتي كما أحرجت هذا اليوم مع أستاذ رشيد ) ، أي مجنون هذا . رابعا : وصلت رسالة من بطرس موجهة لرشيد البهلول ، سلمت لمقهى ( حسن علي ) ، مفادها أني قد يئست يا رشيد ، أتمنى حضورك تعال ليلا خلسة وخذ الحبل الذي كنت أخفيه عنك ، ولكن سوف لن تجده تحت الوسادة ستجده معلقا بسقف ( القاووش ) ، وهذا دليل جنون آخر للاثنين رشيد وبطرس ، وفعلا نفذ بطرس ما نوى . خامسا : ربما يعد رشيد ممن أسميناهم جزافا ( الماركسيين الإسلاميين ) ، ولا أعرف هل أن رشيد قرأ شيئا للمفكر الإسلامي هادي العلوي ، ومن المؤكد أنه قرأ وتأثر بأفكاره . سادسا :آخر دليل على أن الأمن والحزب المجتث هما سببا صعلكة وجنون رشيد وقتله شهيدا ، أقترح الخطاط العالمي ( محمد علي شاكر شعابث ) أخذ رشيد الى لندن للعلاج ، ولأنه يتقن اللغة الأنكليزية بطلاقة وعاش ردحا من الزمن هناك ، ولا تزل عائلته في لندن أو انتقلت لألمانيا ، قدمت المعاملة لدوائر الصحة ، وحصل جعفر الذي سيرافق أخاه على جواز السفر ، ولم توافق دوائر الأمن على منح رشيد جواز سفر ، هذه هي الإنسانية البعثية ، يمنح المرافق جوازا للسفر ويمنع المريض من السفر ومنح الجواز . الخاتمة ------- قدمت أسرة آل شعابث للحلة الكثير ، شعراء وشعراء شعبيون ، نساء شواعر ، أطباء ، مهندسون ، معلمون ، فنانون ، موسيقون ، خطاطون ، باحثون ، وآخر ما قدمته هذه الأسرة الكريمة للحلة الفيحاء الرشيد البهلول . المصادر ----- 1 : معلومات شخصية أحتفظ بها سمعتها من الصديق الراحل شوقي جابر حدثني بها مطولا عن الراحل رشيد . 2 : رواية د محمد شعابث ( هكذا أرادوك يا شطر بيت لم يكتمل ) طبعت في البحرين . 3 : حكايات كثيرة دقيقة ترويها الناس عن الراحل رشيد .

ليست هناك تعليقات: