الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

دويلات جديدة من رماد سايكس-كاظم فنجان الحمامي


دويلات جديدة من رماد سايكس
التلاعب بالعقول لتنفيذ مشاريع التقسيم المستقبلية
كاظم فنجان الحمامي
ظلت معاهدة (سايكس – بيكو) سراً لا يدري به عرب الشيخ متعب, إلى أن نشرتها الحكومة السوفيتية بعد عام واحد من توقيعها. .
عُرفت المعاهدة بهذا الاسم على خلفية المحادثات السرية بين ممثل بريطانيا (السير مارك سايكس), وممثل فرنسا (مسيو جورج بيكو), وفي ضوء تلك المحادثات تقاسمت فرنسا وبريطانيا أرث الخلافة العثمانية في بلاد العرب. ففقد العراق مُذاك سيادته المطلقة على سواحله الممتدة من (رأس البيشة) عند مدخل شط العرب وحتى (رأس مسندم) عند مدخل مضيق هرمز.
وانطلقت معاول (سايكس), وبلدوزرات (بيكو) تدك الأرض في حملاتها المسعورة, لبناء السدود, وتشييد الحواجز الحدودية, وإقامة الموانع, وشق الخنادق, وغرس الركائز, حتى تقطعت أوصال الأرض العربية, وتمزق جسدها إلى مقاطعات متباعدة متنافرة, لكنها وعلى الرغم من تنافرها كانت تلتقي بقواسم فوقية مشاركة, تدين بالولاء للتاج البريطاني, والخضوع الكامل للسيادة الفرنسية. .

وتزامنت تلك المرحلة مع مرحلة اختيار طواقم الحكام والوزراء الجدد, فنال بعض وجهاء العرب الرتب والنياشين والدرجات, الملائمة لتطلعاتهم الملكية أو الأميرية أو الباشاوية أو الكهنوتية, وكلفتهم بريطانيا بإدارة البلاد, ومنحتهم فرنسا حرية التحكم بالعباد, تحت إشراف ووصاية المندوب السامي البريطاني أو الفرنسي.
كان هذا في العام 1916 والأعوام اللاحقة, التي تفجرت بعدها الانقلابات, واندلعت فيها الحروب, وأهدرت فيها الثروات, وضاعت فيها الحقوق, حتى تعمقت الخلافات بين أركان الأقطار العربية, وكانت ملاعب كرة القدم خير شاهد على ما آلت إليه أحوال الأمة من تشرذم وتناحر وتباعد . .
وعلى الرغم من مضي قرن من الزمان في ظل هذه الأجواء العربية المتشنجة, مازالت إدارات بعضها ملتزمة في ولائها ووفائها للتاج البريطاني, وملتزمة في طاعتها المطلقة للبيت الأبيض الأمريكي. وهكذا ضاع المواطن العربي في دوامات الولاءات القديمة المتجددة, حتى جاء اليوم الذي سمعنا فيه بمشاريع التقسيم الغربية والإسرائيلية. وشاهدنا فيه الأدوات, التي أشعلت الفتنة بين السنة والشيعة, ثم اشتغلت مفاعلات التنفيذ بوقود (الربيع العربي), وسعت للانطلاق من رماد (سايكس بيكو) نحو خلق عواصف دراماتيكية, تقتلع الأمة من جذورها الخاوية, وترميها في مهب الريح, لتواجه مصيرها المؤسف, الذي رسمته لها القوى العظمى, من حيث تدري, أو لا تدري.
لقد بدأت طبول التغيير الشامل نحو المجهول تُقرع في الميادين العربية, تقودها في الخفاء أشباح (الفيس بوك). ملفات جديدة تظهر إلى السطح, وأخرى تختفي خلف جدران الصمت والجهل والتخلف, وأخرى تعدها وتشرف عليها المنظمات السرية لتحل محل الملفات التي طواها النسيان. .

قادة انتهت صلاحيتهم بعد ربع قرن من البطش, يغادرون مرغمين, ويتدحرجون من عروشهم الرئاسية نحو الهاوية, وقادة أقزام يخرجون من بين مخالب العم سام, وآخرون يولدون من رماد (سايكس), ويرتدون قمصان ساركوزي في فجر الأوديسا, ويلهثون خلف سراب (برنار هنري ليفي), ليسقطوا في شراك (برنارد لويس), فيأتمرون بأمره في السعي نحو إغراق المنطقة في مستنقعات التناحر السني الشيعي, والإسلامي المسيحي, وتأجيج الصراع العربي الفارسي, أو العربي الكردي, أو العربي الأمازيغي, في محاولة جادة وحثيثة لبعث مآسي الأمة, والعودة بعقارب الزمن إلى أزمات العصر الأموي والعباسي, وتوظيف النعرات القديمة في تحفيز براكين اللعبة القذرة, وتغيير محاور المواجهات المشفرة من (حكومات في مواجهة الحكومات), إلى (جماعات في مواجهة الجماعات), ومواصلة السير في هذا الاتجاه التآمري, وتوسيع نطاق الصراع السني الشيعي, وإشراك جماعات عربية وإسلامية جديدة في هذا الصراع الطائفي العقيم, والإسراع بتقديم الدعم والإسناد لكل الأطراف المتناحرة, فالكل ينبغي أن يقف في مواجهة الكل ويفتك به, وليسحق كل منهما الآخر حتى الفناء, والرابح في النهاية هو النظام العالمي الجديد القائم على ركائز القاعدة القديمة (فرق تسد), والعمل على إشاعة الفوضى, وخلق الظروف الملائمة لكتابة سيناريوهات التقسيم الجديد برماد (سايكس بيكو), مع مراعاة عدم تكرار الهفوات التي وقع فيها سايكس ونظيره بيكو, عندما اعتمدا في رسم الحدود القديمة على المعطيات الجغرافية وحدها, من دون أن يلتفتوا إلى مكامن الكنوز المدفونة تحت الأرض, فالتقسيم الجديد سيكون قائما على توزيع ثروات البلاد العربية على القوى الاستعلائية, والسماح لها بالاستيلاء على مواردنا الطبيعية, ومنحها فرص السيطرة على المواقع الإستراتيجية المتمثلة في المضايق والممرات البحرية والخطوط الملاحية, وتسهيل مهماتها السوقية في بناء القواعد الحربية الجبارة وسط العالم العربي, والسعي لتفكيك حدوده الجغرافية الحالية, وتمزيق كياناته السياسية, وتقطيعه إلى دويلات صغيرة, وجمهوريات ضعيفة غارقة في المشاكل والأزمات, تدين بالطاعة والولاء لإدارة النظام العالمي الجديد. .

اما المهندس الذي صمم مخططات هذه المشاريع الاستعمارية, فهو العراب الأمريكي (برنارد لويس), الذي كان أول من طالب البيت الأبيض بإعادة تقسيم الأرض العربية, والاستيلاء على ثرواتها, والتحكم بمصيرها, وطالبها باستعمال علب الكبريت المخبأة في التركيبة المذهبية العربية السريعة الاشتعال, والسريعة العطب. والقابلة للانفجار لأتفه الأسباب, وهو الذي نصح الإدارة الامريكية بضرورة الإمساك بخيوط اللعبة, وتحريك الدمى في المسرح السياسي العربي من خلال التضليل الإعلامي المكثف, ونشر الوعي المعلب في صفائح التشرذم الطائفي المتاح للاستعمال منذ القرن الهجري الثاني, (اقرأ كتاب "التلاعب بالعقول" للمؤلف هربرت أ. شيللر). .
ختاما نقول ان الحل الوحيد لمواجهة هذه المؤامرات الخطيرة يكمن في السعي لتثبيت أركان الدولة العربية, التي يفترض أن تكون قائمة على مخافة الله, فرأس الحكمة مخافة الله, وأن نحث الخطى باتجاه إرساء قواعد العدل والمساواة, وقبول الآخر, والتعايش معه في ظل القوانين والقواعد والأعراف النافدة, والاعتراف بالأمراض والعلل الكثيرة التي تمر بها أوطاننا, وإدراك مدى حاجتنا لتوحيد مكوناتها على قاعدة الحق في الاختلاف, واحترام آراء الناس, وضمان حرياتهم العقائدية والشخصية. . أليس العدل أساس الملك, وأساس الكون كله ؟؟؟. . .
--

ليست هناك تعليقات: