الجمعة، 14 أكتوبر 2011

ليس هذا هو المهم-ليس هذا هو المهم


ليس هذا هو المهم
كاظم فنجان ألحمامي
ليس المهم أن تكون خبيرا بارعا باختصاصك حتى تتدرج في السلم المهني نحو الأعلى, فتنال استحقاقك الوظيفي بموجب السياقات الإدارية الشائعة في عموم أقطار كوكب الأرض, فالمهم في المقام الأول أن تكون منتميا للكيانات السياسية الكثيرة المستحوذة على مصادر المال والقوة والجاه والسلطة, فلا تبتئس إذا كان رئيسك في العمل أدنى منك في الشهادة, وأقل منك في الخبرة والتجربة والخدمة, فمثل هذه النماذج الساذجة صارت هي التي تقود المؤسسات الحكومية في البلدان العربية كافة, وذلك في ظل سياسة وأد الكفاءات, وغياب معايير التوصيف الوظيفي النوعي القائم على الأسس التنافسية العادلة. .

وليس المهم ما تحمله من ذكاء ومواهب ومهارات ومؤهلات وقدرات علمية وإدارية ومهنية, لكي تتبوأ المركز الذي يليق بك, المهم هو كيف تستفيد من ذكائك في التسلل إلى صفوف التنظيمات الحاكمة حتى تتغلب على من هم أكفأ منك, وأفضل منك, وأقدم منك, وأنزه منك. فالغاية تبرر الوسيلة في معظم هياكل الشركات والمؤسسات العربية, وبات باستطاعتك تحقيق المزيد من القفزات الإدارية في غابات المناصب الزئبقية, التي أصبحت متاحة الآن لمن يريد التقدم على حساب غيره في هذه الفوضى الإدارية العارمة, التي اجتاحت العواصم العربية كلها, والتي فجرتها النزعات الطائفية والمذهبية والقومية والعشائرية والتنظيمية. . .
وليس المهم أن تكون صادقا في تعاملك مع الموظفين والمراجعين, مستقيما في سلوكك, ملتزما في أداء واجباتك, حريصا على عملك, أمينا على موارد مؤسستك, حتى تستحق المكان المناسب في المنظومة الإدارية, التي أفنيت فيها زهرة شبابك, المهم أن تكون من حاشية أصحاب الشأن والقرار, وان تتزلف إليهم في الرايحة والجاية, وان تكون منافقا من الطراز الأول, وأن تبدي لهم فروض الطاعة والولاء المطلق. . .

وليس المهم أن تكون متعففاً ,متديناً, ورعاً, ملتزماً بالمبادئ والقيم السامية حتى تتألق في فضاءات الاستحقاقات الإدارية المنصفة, المهم في بلاد العرب أن تتظاهر بالتدين, وتتجلبب شكلياً بالورع والتقوى, وتدعي الالتزام بالقيم والمبادئ, حتى لو لم تكن مؤمنا بها, فالمظاهر الخداعة, والتصرفات المزيفة, والمواقف الملفقة هي السمات السائدة في أروقة التشكيلات الإدارية عند عرب الشيخ متعب.
فالاختيار والتعيين للمناصب العليا يجري عندنا خارج السياقات السليمة, التي تحدد كفاءة المرشح الأصلح, والتي يفترض أن تنتقي أفضل المؤهلين لشغل الوظائف الشاغرة, فمعايير العقل والمنطق والعدل والإنصاف تحتم علينا الاستناد على قاعدة التوصيف النوعي الوظيفي, وبخاصة حين يتعلق الأمر باختيار قادة المناصب الإدارية الرفيعة, فهذه القاعدة هي السبيل الأسلم لمعرفة مهارات الناس, والانتفاع بهم, فإذا توفرت في المرشح الأهلية العلمية والاستقامة والإتقان والخبرة, فهو الأنسب ولا مجال للتردد, بصرف النظر عن لونه وعرقه وطائفته وميوله الحزبية, أما إذا كان المرشح مؤهلا من وجهة نظر عشيرته وحزبه وواسطته, لكنه غير مؤهل علميا, فمثله لا يصلح لملء الشاغر, لأن المرء عدو ما يجهل, بصرف النظر عن توفر حسن النية, وقد تسبب أمثال هؤلاء في تردي الأداء, وفقدان تكافؤ الفرص بين الموظفين الآخرين, وتسببوا في اضمحلال التنافس الشريف بينهم, واتجاههم إلى العبث والتخريب واللامبالاة, وتسببوا أيضا في هجرة العقول والأدمغة, وسمحوا بتزايد نفوذ الوصوليين والانتهازيين والمرائين, والتفافهم حول المرشح الدخيل على النظام الإداري, واستغلاله وتضليله.
مما لا ريب فيه أن مهمات مراقبة الهياكل التنظيمية في المؤسسات والشركات الحكومية منوطا دائما بأجهزة وزارة التخطيط, ويتعين عليها النهوض بمهام الإصلاح الإداري, وإصدار القوانين والتعليمات والتشريعات التصحيحية, ويتعين عليها رصد الانتهاكات الوظيفية التي نخرت ومازالت تنخر في بنيان الهياكل التنظيمية لمؤسساتنا, ولا مناص من مراقبة توزيع المناصب بين الموظفين بشفافية ومنطقية وعدالة, عندئذ سيعرف كل موظف حجمه الحقيقي, وسيتصرف في حدود مسئولياته, وصلاحياته, وواجباته. أليس هذا هو المهم والأهم والأكثر أهمية ؟؟؟؟؟.

ليست هناك تعليقات: