الأحد، 16 أكتوبر 2011
الفنان غالب المسعودي وهاجس البحث عن لغة جديدة-عبد الأمير خليل مراد
الفنان غالب المسعودي وهاجس البحث عن لغة جديدة
عبد الأمير خليل مراد
إن المتأمل لنتاج الفنان غالب المسعودي يكتشف انه فنان متعدد الاتجاهات, وان تجربته لا تكتفي بالاشتغال في منطقة الحداثة,بل تتعدى ذلك في تأكيد قدراته الفنية ووعيه الإبداعي من خلال البحث عن لغة جديدة في التعبير والمغايرة وتقديم رؤية حدسية يستجلي في مضمارها إبعاد التجربة الإنسانية التي يريد توصيلها إلى الأخر من خلال اللوحة.
لقد حفلت مراحل المسعودي الفنية بالانتقالات الحثيثة والمتعاقبة في التقاط الرؤية وتوجيه مضامين إعماله وخطوطها الصريحة والمضمرة بوعي فني يستثير الانفعال لدى المتلقي,مما يدفع به إلى الاندماج مع عالمه الداخلي,حيث يضفي نوعا من التوافقية في وحدة الإحساس فيما بينه وبين تجربة المشاهد.
فكثيرا ما نراه يعمد إلى تحليل الأشياء تحليلا تشكيليا خالصا,يستدعي فيه التعمق والبحث عن مفردات ذات أصول بابلية أو سومرية,مؤكدا صدق انتمائه إلى حضارة وادي الرافدين من خلال اشتغاله على موضوعة الحرف, والحرف السومري تخصيصا في مجمل إنتاجه الجديد.
والجديد في رسومات المسعودي حصل في الطريقة الأدائية والتوظيفية للحرف بوصفه رؤيا ونظاما يسعى إلى الغاءالنقاط والفواصل والعلامات الفائضة التي توهن من جماليات الحرف العربي, كما انه لايكتفي بتقديم تجربة ذاتية مكتفية بذاتها,بل يسعى إلى التفاعل والانصهار مع الأخر في معظم رسوماته,حيث يتطلب منا ذلك تركيز اهتمامنا نحو رمزيته, بالقدر الذي يتم توجيه وعينا نحو رمزيته وألوانه التعبيرية وتناسق عناصرها, وبالتالي انه يجعلنا في ذروة الاستجابة من خلال الصورة والمعنى.
وإذا كان(ليون ديوي) يقر إن الفن ليس هو الطبيعة, وإنما هو الطبيعة معدلة بفعل اندماجها في علاقات جديدة تتوالد عنها استجابة انفعالية جديدة, فان إيقاع اللوحة عند غالب المسعودي يتأتى من خلال الأنظمة المحسوسة للألوان وإعادة ترتيبها في علاقات جديدة,طازجة تمتزج فيها الإيماءات بالدلالة وتتداخل الرؤى بالاشتغال.إذ تتوزع اللوحة في فضاءات مميزة التكوين/موزعة بين التوجهات اللونية وتكرار الأنساق في أحيان كثيرة,ِشبابيك قديمة , رؤوس غائبة الملامح,أجساد نحيفة أكلها الجوع اكلأ, فالجو العام أو سيناكروفية اللوحة لمعظم أعمال المسعودي نراه صاخبا وهو يفور على نار هادئة في شوارع خلفية لمدينته المثالية التي طالما حاول أن يسبر أغوار عوالمها, لكنه لم يفلح إذ أن مدينته عصية, الأ أنة لجاء الى استنباط لغة تعبيرية جديدة مفعمة بالدهشة واللامعقول وفك شفرة الجدران السبعة التي تحول بين هذه العوالم وبين بصيرة الإنسان,وكأنه يغترف من عالم ملئ بالأساطير والأحلام, أو مما يستحوذ على تفكيره من إرهاصات العقل الباطن, وهذا ليس هو الجديد في تجربة المسعودي فهو لا يهدا في تطوير لغته التشكيلية ومعانقه كل تطورات المسارات الفنية التي تضيف إلى تجربته, فهو يؤمن, بان الحداثة وما بعدها هي وليدة خطاب إنساني وفلسفي تمليه ظروف موضوعية قائمة على أبعاد معرفية, وهي في الوقت ذاته تمتلك خصوصيتها المحلية وان كانت الأصالة في ما مضى هي الالتحاق بالتيار العام وان كان هذا الاتصال لن يصل إلى مداه العام دون إدراك لما هو مشترك من العناصر الزمكانية وتداخلها.
إن ما يشدني من أعماله هي لوحة الشاعر حيث يظهر الحرف رشيقا عربيا مسماريا وصيغته الجديدة ورقي بعده الجمالي, انه لمبهر , ,دالا يلامس جسد اللوحة وكأنه بوابة للارتحال من سكون العالم إلى فضاءات مملوءة بالرموز /والأسئلة , مسلة حمورابي , ملحمة كلكامش.أن عالمنا استثنائيا ورائع ويحمل تقاسيم رؤيوية تضيء الأشياء البعيدة وتستبطن الأعماق,,هذا مايغرينا لان ندلف عالمه الفني ونحن مدججون بالبراءة والأمنيات.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق