الأحد، 14 أغسطس 2016

الحبيب السالمي :-بيت لا كتب فيه


شهادات
الحبيب السالمي :
بيت لا كتب فيه

الحبيب السالمي، تصوير صموئيل شمعون
ولدت في بيت لا كتب فيه. كان والداي أميين لا يعرفان الكتابة والقراءة تماما مثل كل الأجيال التي سبقت جيلهما والتي نشأت فــي الأرياف والأقاليم النائية. وحتى المصحف الــــذي لا يكاد يخلو مــنـــه أي بيت تونــسي فــــي الوقت الحاضر ليس للقراءة فحسب وإنما أيضا للتبرك به والتظاهر بالإيمان بل والتفاخر به فهو لم يكن موجودا في بيتنا. في تلك الفترة كان المصحف في القلوب. لم يكن الناس في حاجة إلى التباهي بالإيمان كما الآن. كانوا يمارسون إسلامهم ببساطة وتلقائية وحميمية وأكاد أقول بخفر وحياء جميلين.
ولذلك فأنا لم أكد أقرأ شيئا قبل سن الرابعة عشرة. وكل ما قرأته يقتصر على ما كان يوزعه علينا المعلمون من قصص أطفال لمطالعتها وتلخيصها ضمن واجباتنا المدرسية. وكانوا نادرا ما يفعلون ذلك فحتى هذه القصص (أذكر منها بالخصوص قصص كامل الكيلاني) لم تكن متوافرة بالقدر الكافي في مدرسة ريفية نائية في بلد فقير مثل تونس في مثل تلك الفترة من الخمسينات التي أعقبت الإستقلال.
والحقيقة أن شغفي بالقصص الذي ولد في نفسي فيما بعد الرغبة في كتابة القصة القصيرة ثم الرواية لا يعود إلى قراءاتي القليلة والمتباعدة للقصص التي كان يوزعها علينا المعلمون في المدرسة وإنما إلى شيء آخر وهو مجلس الشيوخ الذي كان يلتئم كل يوم بعد الظهر تحت زيتونة الكلب. تقع الزيتونة خارج بيوت القرية. وكانت بمثابة مقهى خاص بكبار القرية يلتقون فيه لتبادل الأخبار وتزجية الوقت وللخوض في ما يعنيهم من مسائل. في البداية كانوا لا يسمحون للصغار من الإقتراب من المكان خصوصا وأنهم كانوا يروون أحيانا قصصا فاحشة ويتداولون في مواضيع يعتقدون أنها لا تليق بعقول الصغار مثلنا.
كنت الوحيد الذي كان يتلصص على مجلسهم. وما كان يساعدني على ذلك هو أن أبي كان قد كلفني بأن أملأ الإبريق بالماء حالما تبلغ الشمس وسط السماء وأحمله إليه للوضوء قبل صلاة الظهر. وكنت حالما أقترب منهم أصغي السمع. أناول أبي الإبريق وأغادر المكان فورا. ولكن بدلا من أن أعود إلى البيت أختبيء خلف سياج من أشجار الصبار العالية وأبقى هناك لأستمع إلى ما كانوا يروونه من حكايات.
وكان من بين الرجال واحد يمتلك مقدرة هائلة في رواية الحكايات. كان فنانا بارعا في طريقة السرد. وفيما بعد عندما كبرت وقرأت ألف ليلة وليلة وملحمة "الجازية الهلالية" و"الزير سالم" اكتشفت أن الكثير من الحكايات التي كان يرويها هي من "ألف ليلة وليلة" وهذه الملاحم الشعبية التي كانت رائجة إلى حد بعيد في مثل ذلك الوقت. وكل ما في الأمر هو أنه أدخلت عليها تغييرات تتعلق أساسا بأسماء الأشخاص والأمكنة وأضيفت إليها عناصر لإبهار السامع وإثارة الدهشة والمتعة خصوصا ما كان يتعلق منها بوصف المعارك والحروب والكوارث.
لقد ابتدأت علاقتي بفن السرد عبر الشفوي أساسا. ولا أدري إلى أي حد أثر هذا في الطريقة التي كتبت بها فيما بعد نصوصي القصصية والروائية. كل ما يمكن أن أقوله هو أنني أدركت منذ تلك الفترة المبكرة أن السرد يوفر متعة هائلة. هناك بالطبع مستويات عدة يطمح إلى بلوغها النص الأدبي وهناك آفاق كثيرة يريد أن يقتحمها. هناك أيضا أهمية الكتابة بالنسبة للكاتب ودورها في اكتشاف هذا العالم المعقد الثري الرجراج الذي نكتب عنه وفي سبر أغوار الذات البشرية بكل ما فيها من خبايا وأسرار وتضاريس وتناقضات إذ أن الكتابة هي أيضا أداة معرفة واستكشاف. لكن كل هذا لا يتحقق ولا يكتمل خارج شرط الإمتاع.
وإذا كانت طفولتي في القرية قد اقترنت بالإستماع إلى القصص والحكايات والخرافات الشعبية الشفوية فإن انتقالي إلى بلدة "حفوز" لمواصلة دراستي الثانوية قد اقترن بالشروع في القراءة الحقيقية. وأول كاتب قرأته هو مصطفى لطفي المنفلوطي. لا أعتقد أنني أشكل استثناء في هذا فأغلب الكتاب العرب قد قرأوا هذا الكاتب الذي لا يمكن الإفلات منه لأهميته في فترة التكوين. حتى نجيب محفوظ فعل ذلك. وقد أشار في العديد من أحاديثه إلى إعجابه بأدب المنفلوطي وتأثره بأسلوبه في الكتابة الذي كان يعد آنذاك من أجمل الأساليب.

ولكن أهمية المنفلوطي بالنسبة لي لا تتجلى فحسب في أنه أول كاتب قرأته ولا في إعجابي بلغته المتينة والبسيطة في آن واحد وإنما في أن قراءتي له تزامنت مع "كتابة" أو بلفظة أدق "خربشة" أول نص أدبي لي وكان عن عاصفة ترابية هبت على بلدة حفوز. أذكر جيدا أنني كنت في إحدى غرف التدريس بالقرب من النافذة أتطلع إلى الساحة الخالية التي تقوم في وسطها بضعة أشجار حين هبت العاصفة المفاجئة. انتابني خوف شديد فأنا أرى لأول مرة في حياتي عاصفة ترابية. بعد وقت قصير وجدتني آخذ قلمي وأشرع في وصف تلك العاصفة.
والطريف أنه كلما تذكرت المنفلوطي الآن لا أتذكر "العبرات" و"النظرات" و"الفضيلة أو بول وفرجيني" التي أمضيت وقتا طويلا في قراءتها وإنما تقفز إلى ذهني صورته الوحيدة. ويبدو في هذه الصورة بالجلابية التي يرتديها والعمامة البيضاء التي تلف رأسه وشاربه الأسود الكث ونظراته التي تشيع الإطمئنان والراحة في نفس من ينظر إليها أقرب إلى إمام مسجد في إحدى قرى صعيد مصر منه إلى كاتب ترك أثرا في أغلب الكتاب العرب في مرحلة ما من حياتهم.
إلا أن الكاتب الذي أحببته كثيرا وأثر في لفترة طويلة هو الطيب صالح. لم أكن أسمع به إطلاقا عندما قرأت بالصدفة روايته المشهورة "موسم الهجرة إلى الشمال" حدث ذلك عام 1968. أذكر أن طبعة الرواية التي وقعت بين يدي هي طبعة دار الهلال المصرية وهي إحدى الطبعات الأولى للرواية. ولا أدري كيف وصلت تلك الطبعة إلى مكتبة مدرسة ثانوية صغيرة توجد في بلدة ريفية مثل حفوز. الأمر يشبه المعجزة. كأن الأقدار أرسلت لي ذلك الكتاب لأقرأه في مثل تلك الفترة وخصوصا في تلك المرحلة المبكرة التي شرعت أتدرب فيها على الكتابة!. حقا لقد كنت محظوظا عندما وقعت على رواية عربية في مثل هذا المستوى الراقي. هل كانت الرقابة في تلك العوام البعيدة أقل صرامة؟ وهل كانت الإجراءات الجمركية أقل تعقيدا مما هي عليه الآن بحيث تسمح للكتب بأن تنتقل في البلدان العربية بقدر من السهولة ؟
من المؤكد أن رغبتي في الكتابة التي لم تكن قد توضحت بعد قد ترسخت بقراءتي"موسم الهجرة للشمال". أعجبت بالرواية إعجابا شديدا. التهمتها في أيام قليلة. قرأت بعض فصولها عدة مرات وحفظت عن ظهر قلب عددا من جملها التي سجلت الكثير منها في دفتر. انبهرت بلغتها الجميلة التي تمزج بين الجزالة والحداثة وبأحداثها البسيطة والغريبة في الآن ذاته التي تذهب بالخيال بعيدا وبشخصياتها الشديدة التميز التي رسمها الطيب صالح ببراعة نادرة فبدت قريبة جدا مني كما لوأنني كنت أعرفها. وما جعلني أزداد تعلقا بالرواية قربها الشديد من البيئة التي تحدرت منها. كنت أشعر أن القرية التي تدور فيها أغلب أحداث الرواية هذه القرية السودانية الصغيرة على منحنى النيل هي قرية العلا. بعد سنوات عديدة لما كبرت وتعرفت على الطيب صالح قلت له ذلك في أول لقاء جمعنا في باريس وكان يشتغل آنذاك مستشارا ثقافيا في مقر اليونسكو. أجابني بأنه هو أيضا فوجيء بالشبه الشديد بين قرى السودان وقرى تونس التي تعرف إليها من خلال قراءته لرواية الكاتب التونسي البشير خريف "الدقلة في عراجينها" التي أعجب بها كثيرا حتى أنها كتب مقدمة لإحدى طبعاتها.

وفي مدينة تونس التي انتقلت إليها بعد أعوام قليلة لإتمام دراستي اكتشفت كاتبا آخر أثر في تأثيرا عميقا وهونجيب محفوظ. حدث ذلك في مكتبة كنت أتردد عليها. لم يدلني أحد على نجيب محفوظ بل أنني لم أسمع بإسمه أبدا من قبل. اكتشفته بالصدفة. وما دفعني إلى ذلك هوأنني لاحظت كثرة كتبه في المكان المخصص للقصص والروايات. كانت تحتل رفا بأكمله، وكانت كلها صادرة عن دار واحدة: دار مصر للطباعة (سعيد جودة السحار وشركاه). وكل أغلفتها مزينة برسوم ملونة لجمال قطب. لأول مرة أرى ذلك العدد الهائل من الكتب لكاتب واحد. ولم أكن أتصور أن هناك في العالم العربي كاتبا قادرا على تأليف كل هذه القصص والروايات.
بدأت بقراءة "زقاق المدق". أحببتها لكنني لم أنبهر بها كما حدث لي مع "موسم للهجرة للشمال". بعدها قرأت "السراب" ثم "بداية ونهاية". وشيئا فشيئا بدأت أتسلل إلى عالم نجيب محفوظ. أحسست تدريجيا أن شيئا ما يشدني إلى هذا العالم الزاخر المتلاطم الصاخب رغم هدوئه الظاهري. إنه عالم متميز ثري معقد يحيل إلى الواقع ويستمد قوته منه. عالم يحتفي بالبسيط وبالعابر لكنه يعبر بنا في الوقت ذاته إلى ما هو جوهري وأساسي لدى الإنسان. عالم شديد الإتصال بالحياة في تجلياتها الطازجة في سيلانها في حركتها التي لا تتوقف أبدا.
وفي نفس الفترة اكتشفت كتابا مصريين آخرين أهمهما يوسف السباعي الذي وجدته مملا وإحسان عبد القدوس الذي أعجبت بلغته البسيطة السهلة الصافية القريبة من الحياة اليومية وبجرأته في الحديث عن الحب وعلاقات الغرام بين الذكر والأنثى في مجتمعات تحكمها التقاليد. قرأت أيضا قصصا لطه حسين. لكنني لم أغادر عالم نجيب محفوظ. قرأت العديد من رواياته ومجموعاته القصصية. وكلما توغلت في عالمه ازددت تقديرا لهذا الكاتب الذي يبدو لي أحيانا مثل راهب أدار ظهره لملذات العالم ولهوه ونذر حياته للرواية. وطبعا لم أعجب بكل روايات محفوظ التي قرأتها. هناك روايات بدت لي ثقيلة مملة. وفي الحقيقة فإن ما أفضله من أعمال محفوظ ليس الروايات المشهورة كالثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق ، السكرية) أو"أولاد حارتنا" بالرغم من أهمية هذه الأعمال وإنما الروايات قصيرة مثل "اللص والكلاب" و"ثرثرة فوق النيل".
وبعد أعوام طويلة اكتشفت أن قيمة محفوظ لا تتجلى فقط في أهمية العديد من رواياته وفي أنه مؤسس الرواية العربية الفعلي وإنما أيضا في أمر آخر لا نتحدث عنه كثيرا في حين أنه يكتسي أهمية بالغة في نظري وهو أن نجيب محفوظ كاتب حداثي بمعنى ما. وهذه الحداثة تتمثل في لغته التي تبدو الآن للكثير من النقاد والكتاب العرب كلاسيكية وجافة وتقريرية..
لقد استطاع أن ينحت من لغة مصطفى لطفى المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي وطه حسين أي اللغة كانت سائدة في عصره لغة روائية. أي لغة تسمي الواقع. فإذا كان الشعر يوحي ويلمح ويرمز ويكني فإن الرواية تسمي. تسمي ما نراه وما يحدث وما نعيشه وما نتمثله من تفاصيل في حياتنا اليومية في البيت. الشارع. المقهى. الحديقة. القطار. الباص.. أي في كل الفضاءات التي لم يعرفها العرب قبل ظهور الرواية وأوجدتها الحداثة. ولم يكن للأدب الأجنبي حتى المترجم منه إلى العربية أي حضور في بداية حياتي الأدبية. هذا لا يعني أنني لم أقرأ لكبار الرواية الغربية وتحديدا الفرنسية مثل بلزاك وفلوبير وزولا. ولكن ذلك كان يقتصر على نصوص قصيرة مقتطفة من أعمالهم المشهورة ومدرجة في المنهاج الدراسي. ولم أطلع حقيقة على الأدب الأجنبي إلا بعد سنوات عندما التحقت بكلية الآداب.
لقد كانت الفترة التي أمضيتها في الجامعة من أخصب فترات حياتي. خلالها اكتشفت كتابا آخرين ليسوا من مصر وإنما من بلدان عربية أخرى كنت أجهل آدابها كالعراق وسورية ولبنان وفلسطين والمغرب والجزائر. في تلك الفترة أيضا قرأت " مائة عام من العزلة " وقد كان انبهاري بها شبيها بل يفوق انبهاري قبل أعوام ب"موسم الهجرة إلى الشمال". لم تكن الرواية معروفة في العالم العربي لما اكتشفتها (بالصدفة أيضا). قرأت عنها مقالا في الملحق الأدبي لجريدة "لوموند" الفرنسية. وبعد أسابيع قليلة وجدتها في مكتبة مختصة في بيع الكتب الفرنسية. كان ثمنها باهظا مثل كل الكتب القادمة من فرنسا. ولم أتردد لحظة واحدة. تناولت الرواية من الرف وخبأتها تحت قميصي وخرجت. أذكر جيدا غلاف الرواية. كان أبيض يحيط به خط رقيق مثل كل الروايات الصادرة عن دار "لو سوي". أعجبت بالرواية إعجابا شديدا إلى درجة أنني حفظت منها عن ظهر قلب نصف صفحة بدون أن أتعمد ذلك. وقبل بضعة أعوام زرت كولمبيا وتحديدا مدينة كارتاخينا حيث يقيم غابريال غارسيا ماركيز تلبية لدعوة من مهرجان "هاي" العالمي. وفيما كان المصور الأرجنتيني الفرنسي دانيال وهو صديق لغابريال غارسيا ماركيز يلتقط لي صورا على الشاطيء أشار فجأة بيده إلى بيت بالقرب من الشاطيء وقال لي إنه بيت ماركيز. نظرت إلى البيت وأخذت أتلوما بقي عالقا في ذاكرتي من "مائة عام من العزلة" فيما كان دانيال يتطلع إلي بذهول.
هذه الشهادة كتبت خصيصا لمجلة "بانيبال"
ونشرت في العدد 44 قام بترجمة الشهادة وليم هيتشينز.


السبت، 13 أغسطس 2016

مليكة اوفقير.. السجينة-عبد الغني بومعزة

مذكرات
مليكة اوفقير.. السجينة



   
  
"الحياة مسار طويل يقرّبنا من بعضنا .. " .. [ مليكة اوفقير ] ..    
 
[ 1 ]
..مليكة اوفقير روائيّة مغربيّة, كانت في ممضى من المفقودات, المختفين أثناء حكم الحسن الثاني,تلقب ب"الشّهرزاد الجّديدة", انتقلت من حياة القصور, قصور ألف ليلة وليلة إلى حياة السّجون, زنازين الملك,من مواليد 2 افريل 1953,ابنة الجّنرال القويّ والخطير محمد اوفقير الملقّب بالجنرال الأحمر والذّي كان وزير الدّاخلية المغرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي,تبناها الملك محمد الخامس عندما كانت في الخامسة من عمرها كما هي العادة الملكيّة, ترعرعت في الجّناح الملكي مع بنات الملك وكانت بذلك في مصاف الأميرات,بعد الانقلاب الدّموي والفاشل الذّي قام به والدها سنة 1972, يقبض على والدها ويعدم, وترسل زوجته فاطمة وأولادها السّتة بما فيهم مليكة بدون محاكمة إلى سجن مجهول ومخيف الصّحراء, في ظروف قاسيّة ولا إنسانيّة, قضت مليكة اوفقير وعائلتها ما يقارب 19 سنة حياة التّنكيل, المعاملة القاسيّة, الحرمان في أدنى درجاته اللاانسانيّة, في زنازين ضيّقة,باردة,تسكنها فئران وعقارب,حاولت الفرار مع أحد إخوتها و اثنان من أخواتها البنات لكنّها فشلت,فزاد قمع السّلطة لعائلتها, ضغطت السّلطات الفرنسيّة على الملك لإطلاق سراح العائلة المضطهدة وهذا بعد نشر وسائل الإعلام الفرنسيّة أخبار عن القمع والتّعذيب والاختطافات التّي يتعرّض لها المعارضون كقضية المهدي بن بركة التّي تعتبر من أسرار الدّولة وقد أساءت للعلاقات بين البلدين خاصة بعد تورّط أطراف من المخابرات الفرنسيّة,أبراهام سرفاتي, جماعة العقيد عبابو, الجّنرال الدليمي, أشباح سجن تازمامارت الشّهير, أطلق سراح العائلة لأسباب إنسانيّة لكن يتمّ احتجازهم في فيلا بمراكش تحت الإقامة الجّبريّة, إلى أن تنجح العائلة وفي ظروف ملتبسة وبمساعدة أطراف مجهولة في الهروب, مليكة اوفقير وثّقت سيرتها, يوميات السّجن,مأساة عائلتها المضطهدة في رواية [السّجينة] بمساعدة الكاتبة الفرنسية ميشال فيتوسي..
[ 2 ]
..الكتابة ضدّ القمع والنسيان: في سنة 1972 وبعد فشل انقلابه على الملك الحسن الثاني ينتحر الجّنرال محمد اوفقير حسب الرّواية الرّسمية,أمّا زوجته فاطمة وأبنائها السّتة ستبدأ رحلتهم الطّويلة من العذاب, الإنكار, القمع, النّسيان, فقط مليكة استطاعت أن تكتب وبمرارة مع حسّ من المسؤولية حكاية عائلتها التّي وجدت نفسها في قلب الجّحيم, بدا كلّ شيء في رواية السّجينة عندما كان عمرها خمس سنوات,بالضّبط سنة 1958,عندما تبناها الملك محمد الخامس,كبرت في أحد قصور الرّباط,في عالم الحريم,الحريم لم يكن خرافة,لازمة المستشرقين المفضّلة,بل كان حقيقة وقد عاشتها مليكة وكتبت عن هذا العالم الذّي مازال غامضا عند البعض ومثيرا عند الآخر, أيضا , المفكّرة الكبيرة المغربيّة فاطمة المرنيسي ستكتب عن هذا العالم الذّي قالت عنه انّه عالم يصنع من النّساء إما شهرزدات الحكيّ أو نساء عديمات اللّقب,عملهن إرضاء شهوات ملوك قابعين في أزمنة متآكلة من الدّاخل,في الثّامنة عشرة من عمرها تصبح مليكة أحد أشهر الأميرات المغربيات يتنافس لكسب ودّها رجالات البلاط الملكي,ثمّ,ينقلب السّحر على السّاحر ويرتكب والدها الجّنرال الدّموي أخطر حماقة في حياته وحياة عائلته ويدفع بها إلى الهاويّة,الهاويّة في مغرب الملك الحسن الثاني هو جحيم القمع الذّي تعرّضت له عائلة بريئة من لبس الخيانة والتّواطؤ,على مدى عشرين سنة ضاقت هذه العائلة كلّ ما لا يتصوّره العقل ومليكة اوفقير نجحت في تحويل مأساة عائلتها إلى رواية لهذا لم يكن غريبا عليها لقب الشّهرزاد الجّديدة,هكذا تصنع شهرزاد من محنتها نصرا,انتصارا,ردّا للاعتبار,صمود الذّاكرة و الرّوح,تعلّمنا في روايتها الاوتوبيوغرافية درسا في الصّبر,المقاومة,الصّمود,الإيمان,تحرير الذّات من قهر وترهيب فزّاعة اسمها العبث العربي,لم تنس شيئا,كتبت كلّ ما تحتفظ به ذاكرتها من تفاصيل دقيقة,تصبح في بعض الأحيان هذه التفاصيل مفارقة عجيبة وخطيرة..
[ 3 ]
..فقرات مترجمة من الرّواية :
..(( يربطني بأمّي قدر واحد,نسج من خيوط الضّياع والعزلة,عندما كانت في الرّابعة من عمرها فقدت أمّها [ جدّتي],ماتت وهي تضع الطفل الذّي ستنجبه,في الخامسة نزعت من ذراعيها الدّافئتين ليتبناني الملك محمد الخامس,هذه هي طفولتنا اليتيمة من الحنان الاموي, حدث لنا هذا في مفترق السّنّ البريئة,لم يكن بيننا فرق كبير في السنّ عندما حدث لنا هذا, كان سنّها 17 عندما أنجبتني,مثير ومدهش ّتشابهنا النّفسي,حياتنا كنساء تمّ التنكيل بأنوثتهن المنكسرة التّي وطدت بيننا هذا الرّباط القويّ,مثلي أنا,كانت لأمّي دائما النّظرة الضّائعة للذّين قسى عليهم القدر...لطالما حلمت بمغادرة المنزل العائلي الذّي كانت تحسّ فيه بالوحدة والحزن,وبّما أنّها كانت العادة المتبعة مع البنات فان أمي لم تكن تغادر بيت أبيها[جدّي]البتة,لم يكن لديها أي مكان تلجا إليه,تعثر فيه على الدّفء العائلي الذّي ينقصها...في الثّانيّة عشره من عمرها كانت أمّي جميلة جدّا,عينان كبيرتان وسودوان,وجه صغير,مليح الحسنة,لون جلدها مائل قليلا للسّمرة مع احتفاظه ببياضه,كان كلّ هذا كافيا لجلب أنظار واهتمام أصدقاء جدّي والذّين كانوا معظمهم من الضّباط,جدّي كان ضابطا متقاعدا ومعروف لدى الضّباط والجّنود,كان ظهورها ولفت انتباهها لهم لم يكن من باب سوء التّربية,لكنها كانت تريد الزّواج,تأسيس عائلة,كان من بينهم ضابط شاب عائد للتوّ من الهند الصّينية,محتفى به بدزينة من الأوسمة والنّياشين الملعقة على صدره,كان هو أيضا من الزّائرين المداومين على بيت جدّي الذّي يعرفه وسمع عنه الكثير,لقد شاهده في كذا من مكان,أعجب بذكائه الحاد وشجاعته الذّائعة الصّيت,جعل منه صديقا مقرّبا له ودعاه لزيارته في كذا من مرّة,خلف ستار الحشمة والفضول كانت أمّي تراقب الضّيف الجّديد وهو جالس مع أبيها حول مائدة العشاء,شاهدها,التقت عيونهما في لحظة مفاجأة,الإعجاب والرّغبة في قول أشياء لبعضهما,لنظرته تأثير اجفلها,أعجبت كثيرا باعتداده بنفسه وأناقته وزيّه العسكري الأبيض,بعد أيام,تقدّم لخطبتها من جدّي,هذا الأخير فوجئ بالأمر,وليكون صريحا مع صديقه وفي لهجة غير حادة مقرونة بنبرة غضب قال له.."فاطمة ليست إلا بنتا صغيرة,في الخامسة عشرة وتفكّر في الزّواج منها؟.. ))
[ 4 ]
..(( كانت أمّي بالنّسبة لي مركز العالم,أحبّها ومعجبة بها,جميلة جدّا,مذواقة,مثال حيّ للأنوثة,أشمّ رائحتها,مداعبة جلدها يعني سعادتي الكبرى,أتبعها كظلّها,كانت تحبّ كثيرا الذّهاب للسّينما,لذا كانت تذهب إليه يوميّا,وفي بعض الأحيان مرتين وثلاث مرّات في اليوم,منذ إن كان سنّي ستة شهور تاخذني معها في عربتي الصّّغيرة,ربّما لهذا السّبب ورثت عنها انجذابي الكبير للفنّ السّابع,كانت تأخذني أيضا عند حلاقها الخاص,كانت ترغب أن تكون ابنتها الصّغيرة ذات الشّعر الانجليزي المجعّد شبيهة بسكارليت اوهارا,لكن,للأسف تأتي الرّيح بما لا تشتهي السّفن,فعند هبوب الرّيح تفسد تسريحة شعري..أرقص معها على إيقاع موسيقى الرّوك المستفزة فينا حواسنا وتعلقنا بمغنينا المفضّل الفيس برسلي,في هذه اللّحظات المثيرة يمكن أن أقول أنني وأمّي كان لنا نفس السّنّ..كانت عائلتي قريبة جدّا من العائلة الملكيّة ,كان والداي عن دون غيرهم مسموح لهما بالدّخول للقصر والتّجول فيه,كان أبي قائد أركان جيش الملك يحوز على كامل ثقّة الملك محمد الخامس,أمّا أمي فكانت تعرف الملك منذ الصّغر...كان الملك يثق فيها بحكم معرفته بها منذ سنوات,يحبّ مرافقتها,لكن هذا الرّجل الصّارم كان أيضا شديد الاحترام للتّقاليد والقيم العائليّة التّي تمنع ظهوره علنا مع امرأة متزوّجة,أصبحت أمّي صديقة لزوجتي الملك,كانتا تطلبان من الملك وتترجينه أن يستقدّم أمّي يوميّا,كانت تعيش في كنف أسرارهن,كانت الملكتان تعيشان حياة الحريم وأمّي نافذتهم على العالم الخارجي,تشتري لهما الملابس,مواد الزّينة,تحكي لهما كلّ ما يحدث في الخارج,حقيقة كانتا متحمّستان لمعرفة كلّ ما يتعلق بأمّي, تفاصيل عن حياتها,أولادها وزواجها,متنافستان لكسب حبّ الملك ورضاه,عدوّتان حميمتان,كان يفرّقهما النّقيض الكبير الواضح للعين, الأولى,لاله عبلة وتلقّب بالملكة الأم أو أم سيدي,أنجبت للملك ولي عهده,مولاي الحسن,الثانيّة لاله بهيّة,بطبيعتها الشّرسة,صعبة المراس ,جمالها حديث البلاط والنّاس,أم بنت الملك المدلّلة,الأميرة آمنة التّي وضعتها عندما كان الملك في منفاه في مدغشقر..عضّت الأميرة الصّغيرة ذراعي[لاله مينه],التفت باكيّة,متألمّة أبحث عن أمّي,مستنجدة بها,محرجة هي,تشير نحوي بيدّها بإيماءة مفهومة بان أصمت, أن أهدأ,ممتعضة من عدم تعاطفها معي,توجّهت مباشرة نحو لاله مينه[الأميرة آمنة]وعضضت خدّها بأسناني,انفجرت باكيّة هي كذلك, أحسست بتهديد ما يخيّم على القاعة الملكيّة وكأن الجّميع سينهال عليّ لمعاقبتي,الصّغيرة تبحث عن أبيها لكنّها لا تعثر عليه,إذا,تسقط على الأرض,متخبّطة,باكيّة,صارخة بسبب الألم الذّي سببته لها عضّتي ملفتة انتباه الحاضرين في القاعة,خوفا,إحساس منّي بالخطأ الذّي ارتكبته لجأت إلى ذارعي أمّي,أخيرا تدخّل الملك,أخذني بين يديه طالبا منّي أن احكي له ما حدث..)) ..
[ 5 ]
..(( فيما بعد أصبح كلّ شيء بالنّسبة لي ضبابيّا,غير مفهوم,وكأنني ضحيّة عمليّة اختطاف,أتذكّر أمّي وهي تغادر القاعة فجأة دون سابق إنذار,أخذوني ووضعوني في سيارة نقلتني مباشرة إلى فيلا لاله ياسمينه حيث تعيش لاله مينه ومربيتها السّيدة جان ريفيل,كانت هذه الأخيرة أيضا مدبّرة الفيلا,المسئولة عن كل كبيرة وصغيرة فيها,قادتني بقوّة إلى غرفة ودورّت قفل الباب مرتين,بكيت كثيرا طوال اللّيل, لم يكلمني والديّ طوال هذه الفترة,إن كانت هناك أسئلة عن ظروف إقامتي الجّديدة فلقد نسيتها,هل بكت أمّي إلى حين طلوع الفجر كما فعلت أنا؟,هل فتحت باب غرفتي من حين إلى حين؟,تشمّ رائحتي من ملابسي,تجلس على سريري,يثقلها الصّمت والضّجر أثناء غيابي؟, عندما كبرت لم أجرأ أن اسألها,كيف تعاملت مع ظروف اختطافي,غيابي الإجباري,مع مرور الوقت,كان لزاما عليّ الإذعان والتّعايش مع الحادثة,فصلي عن أمّي,رغم حزني,ألمي كنت أحبّها أكثر مما أستطيع تخيّله,تألمت كثيرا بسبب بعدي عنها,كانت زيارتها أشبه بحالات تعذيب فضيعة,عند زياراتها والتّي تعدّ على أصابع اليدّ كانت تأتي عند منتصف النهار وتغادر على السّاعة ثانية مساء,عندما تخبرني المدبّرة بقدومها,أحسّ بسعادة لا توصف,بقوّة خارقة تجرفني للحياة,لكن عاجلا ما يكون الحزن والأسى سببان كافيان لتجريدي من مشاعري السّعيدة,في الليلة التّي تلت زيارتها لي,لم انم,في الصّباح,لم أدرس جيدا في القسم,بدت لي السّاعات طويلة,غير منتهيّة,أبديّة, عند منتصف النّهار ونصف,وعند خروجي من المدرسة يتكرّر سيناريو الزّيارات المشحونة بالفرحة والمقرونة بالحزن واثباط عزيمتي الهشّة,أمّي هنا,أسرع الخطى على الأدراج لأصل بسرعة إلى قاعة الضّيوف,أقف عند العتبة,لا أدخل,لأنني أشمّ رائحتها ..)) .
[ 6 ]
..(( لقد عدت,هي رواية الكاتب وورث,هذه اللّحظة الأولى هي ملكي,أمام حامل المعاطف,اغرس رأسي في سترتها النّسائيّة,كانت جالسة على الكانبيه,ترى لماذا استقبلتني بهذا الهدوء الغير المعتاد منها؟,كان من المفروض أن يكون لقاء التّمزّقات والدّموع؟,تمالكت نفسي, تجمّدت في مكاني,ثمّ قبلتها ببرودة غير معهودة,بعدها بلحظات,قبلت يدّاها,أغرقتها بألف شوق وحنين وحبّ,أصبحت هذه الشّحنات العاطفيّة غريبة عليّ,كنت دائما أحسّ بنهمي لها,حول المائدة,المدبّرة تستثار بأمّي,تمنعني من الحديث معها,أراقبها,أتمعّن فيها,احتسي كلامها,أراقب حركات شفتيها,أسجّل أدقّ التّفاصيل التّي يمكن حفظها لأستذكرها قبل النّوم كشريط يقاوم النّسيان,في وحدة وعزلة غرفتي, كنت سعيدة بجمالها,أناقتها,شبابها,لاله مينه هي أيضا معجبة بأمّي,لقد كانت تملأها فرحة,هذا ما قالت له لي,لكن,الوقت يمرّ,عليّ العودة إلى المدرسة,زياراتها تتحوّل إلى ما يشبه حالة عذاب,أحسّ تدريجيا بأنني بعيدة عنها,لم يعد منزلي في حي الأميرات الرّاقي,منزلي الآن قصر لاله ياسمينه في الرّباط,عشت فيه طوال الوقت,بدون آفاق أخرى,في وحشة القصر وقصور أخرى التّي كنت انتقل إليها لقضاء عطلتي الصّيفيّة,كنت أرى وأشاهد حياة الآخرين,الحياة الحقيقيّة,من خلف النّوافذ وزجاج السّيارات الفخمة التّي تنتقل بنا من مكان إلى مكان آخر,حياتي أنا الرّغيدة والمحجوبة على عين العالم,في قرن آخر,بذهنيات أخرى,بتقاليد مختلفة عن تقاليد الآخرين,تطلّب مني هذا إحدى عشره سنة للهروب والتّحرر..)) ..
...............
من هي مليكة اوفقير ؟ :
مليكة محمد أوفقير ولدت في مراكش عام 2 إبريل 1953 كاتبة مغربية والدها الجنرال أوفقير وكانت الابنة البكر لمحمد أوفقير. أخوانها و أخواتها هم عبداللطيف , مريم(ميمي) , ماريا , سُكيْنه و رؤوف. تبنى محمد الخامس مليكة و رباها وعاملها كأبنة له.
حياتها :
كان محمد أوفقير وزيراً للداخلية و وزيرا للدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. كان الملك حسن الثاني يثق فيه كثيراً وكان اليد اليمنى له و ذلك كان خلال 1960 وفي بدايات 1970. ولكن, بعد محاولة والدها الانقلابعلى الحسن الثاني بالهجوم على طائرة بوينغ 727 الملكية, أعتقل بعدها الجنرال أوفقير ثم حكم عليه بالإعدام. مبدئياً أقتصر الحكم على الإقامة الجبرية لمليكة وعائلتها في منزلهم منذ 1973 حتى 1977. بعدها تم إرسال عائلة الجنرال أوفقير بأكملها إلى سجن سري في الصحراء الكبرى حيث عانوا من الظروف القاسية فيما يقارب الـ15 عام. بعد الهروب أُطلق سراحهم إلى الأقامة الجبرية في المنزل عام 1987. في 1991 كانوا من ضمن تسعة سجناء سياسيين الذين أفرج عنهم. في الـ16 من يوليو عام 1996 عندما بلغت مليكة أوفقير من العمر 43 عاماً هاجرت إلى باريس برفقة أخيها رؤوف وأختها سُكيْنه. [1]
في الـ10 من أكتوبر عام 1998 تزوجت مليكة بإريك بوردروي وقد ألهمت حياتها الكثير من المناصرين لحقوق السجناء السياسيين.
مؤلفاتها :
رواية السجينة .
رواية الغريبة .
*****
المصدر: مذكرات مليكة اوفقير [السّجينة ] الصادرة عن دار كتاب الجّيب ..
* نشر النّصّ في الملحق الثقافي لليوم بتاريخ : الاحد 62 افريل 2009 و أعيد نشره لمرة الثانية بنفس الملحق بتاريخ 24 سبتمبر 2012 . .
- عائلة الجنرال محمد اوفقير –


قصة قصيرة عراقية-مسلم السراج

قصة قصيرة عراقية
 امرأة

مسلم السراج
مالها هذه المراة ؟ انه حقا في حيرة ولا يستطيع ان يفهم شيئا منها . فهي تتصرف بغرابة بادية . تتكلم ، تسكت ، تتحرك . غريبة تماما ، تماما . ولكنه يقظ امامها ، تجاه تصرفاتها ، مثل افعى تراقب طعما شهيا .انها تعنيه وهي ليست بليدة بل انها تعنيه هكذا يحدث نفسه . والا فما معنى تصرفاتها تلك ؟
هل هي لاتفهم لغة جسدها ؟ كيف ؟هل هي هكذا كيف هي هكذا وهي تمد يدها الى صدرها تحت ثوبها الفضفاض في تعمد باد ؟ هل هي لاتتعمد ؟ تمد يدها لتداعب نهدها امامي فينفلت من تحت يديها ليخرج الى دماري مثل فطر ابيض متوحش نط توا من باطن الارض الى العراء ؟ لذيذ وسام في الوقت نفسه . فهي مرة تداعب نهدها الايمن بيدها اليسرى وحين تتعب يدها اليسرى تعود بيدها اليمنى لتداعب نهدها الايسر . ربما اكون مخطئا . اجل انا على خطا فادح فالمراة تتصرف على سجيتها والرجل الذي هو انا يدفع بافكاره نحوها بعيدا بعيدا ، حتى ليكاد يتوغل في مستعمرة جديدة غير ماهولة . يكابد فيها غربة روبنسن كروسو او اكتشافات حي بن يقظان وضياعه .
ليت لي القدرة للخلاص من هذا العذاب المدمر. واستكناه مايدور في خلدها . لقد كان ابن احد الاقطاعيين الاغنياء يقضي طيلة وقته باللعب بشاربه . ينتفه حينا ويمشطه باضافره احيانا . حتى كان ابوه يخجل من تصرفه امام كبار القوم التي تتجمع لتتسامر معه في ديوانه . وحاول الاب تخليص ابنه من عادته السخيفة التي تثير الاستغراب ، بان امر بصنع مسبحة خاصة له من اغلى الجواهر الثمينة ، بعد ان مل من نصيحته . مسبحة من ثلاث وثلاثين من القطع الذهبية المطرزة بالجواهر يسيل لها لعاب كل من هب ودب الا هو .حيث ان الابن رغم ذلك ينساها ولا يعبا بها ويروح الى شاربه ينشغل به . ينتف شعراته امام مراى الناس ومسمعهم في غيبوبة عما يتحدثون به .
نعم هذه هي العادات اللعينة التي تثير الاستغراب . هو عادته اللعب بشاربه وهي عادتها اللعينة اللعب بالجسد في اخصب وابهى نقطة من جسد المراة . وانا لعبتي الافكار . هي تتصرف بجسدها الذي هو ملكها . وانا يتصرف بي فكري المتشرذم المنهار امام مفاتنها .
هذا هو ديدنها ، وذاك ديدني انا . فانا اكاد اشكك بكل شيء لاصل الى لاشيء . وانا ادري اني لو بقيت هكذا لعقود طويلة فانا هكذا .. هكذا . هكذا كان يحدث نفسه .
ولها عادة غريبة اخرى اضافة الى العبث بنهديها ، اغرتني بتتبع حركات جسدها الاخرى . واكتشفت انها تحرك منطقتها الخصبة ، وسطها ومؤخرتها البارزة مثل نهديها لتثير دماري ، لتقتلني . وانا اكاد اصدق انها تدعوني اليها . رجل شبق وامراة جميلة فاتنة مجنونة . وانا لا اكاد اسمح لنفسي بتصديق ذلك . نعم لااصدق ذلك فهي لو انها كانت تريدني فما الذي كان سيمنعها وهي بهذا الصلف والجراة ؟ اجل باشارة واحدة منها سوف تزلزل الارض تحت قدم اي كان من الرجال .
نعم انها لاتدعوني اليها ذلك انها ليست بحاجة لي . بل انها ليست بحاجة الى احد ما . هل ذنبها انها جميلة وان صدرها رخص ووسطها خصب . انها امراة شرقية جميلة . فهي منذ نصف عقد من الزمان وهي هكذا امامي ....
خمس سنوات منذ ان فقد زوجها في الحرب وهي .....لماذا ياترى هي امراة لاتشيخ ؟ هكذا راح يحدث نفسه وهو يلعن شيطانه وشيطانها . اجل منذ خمسة اعوام وهو يراقبها دون جدوى وكلما مرت الايام عليها تزداد جمالا وفتنة وتزداد رشاقة في حركاتها وتحررا في اباحيتها امام كامراته المترصدة التي تسجل وتزداد نهما . وكان كلما نظر لها يزداد شبقا فتنتصب شلالاته وتمتليء انهاره بماء الحياة . ويبقى متهيئا لفيضان لاتنفع معه سدود ولا اخلاق ولاثوابت . ويروح يلعن الشرق وتقاليده وارتباطاته . ويلعن تلك الغريزة التي تجعل الرجل منساقا الى المراة وكل ذكر الى انثى عابثة تسلب لبه وتلعب به .
كان يخاف من نفسه و على نفسه . ان يندفع اكثر الى الامام نحوها فتصرخ به وتفضحه والنساء مصدّقات . ومن لايصدق امراة تدعي ان رجلا اعتدى عليها ؟ وكيف سيدافع عن نفسه امام هكذا ادعاء ؟ والعذر سيكون اقبح من الفعل ؟ عند ذلك ستنهار عائلته امام ضرباتها . وسيعود خالي الوفاض من امراة لاتزال بذمة رجل .
ومع هذا في يوم قررت الذهاب معه لانجاز بعض امورها الخاصة . هي طلبت منه ذلك . ولقد وجدها فرصة ان يبوح لها بما في داخله من فكرة شيطانية خلقتها هي في داخل راسه .
كانت جميلة وهي حلم كل رجل . وهاهي الان تجلس لصقه تماما في السيارة فيحتك جسدها بجسده فتثير في روحه كل غضب الطبيعة وزوابعها . لذلك راح يتمنى ان يقول لها شيئا مما في وجهة نظره تجاهها . وتمنى للمسافة ان تطول اكثر ما يمكن وان يطول شعوره بلذة كان ينتظرها منذ خمس من السنين . ولكن قطار الزمن يمشي دائما بسرعة خارقة امام سعادة ركابه ليتباطا حين يكدر الزمن صفو حياتهم . لذلك كان يفكر في انتهاز اللحظة التي يقول لها فيها انه يحبها وانه مفتون بجمالها فتنة المسحور بسحر ممنوع لايعرف كنهه . والمشكلة انه متزوج وهي قريبة لزوجته ومما كان يثير غريزته ويسيل لعابه ان زوجها كان مسافرا في سفرة طويلة . ولكنه كان يخاف من الفضيحة التي قد تثيرها رغبة محرمة لايعرف المدى الذي ستصل اليه .
اراد ان يهمس لها انه يحبها بل ويعشقها ويكاد ان يموت تحت عجلاتها مثل ابله مخمور . وانه يرغب الزواج منها ولكن كيف وقد تيبست اوتار حنجرته فسكت لقد اسكتته خمس سنوات من العشق المحرم . عشق شرقي وقيم شرقية يتمنى اما ان يكسرها او ان يتخلص من هذا الواقع المؤلم ولكن قد يضاف له السم الزعاف اذا استمرت المشكلة هكذا فتكون النتيجة وخيمة . انها سوف تعرض حياته كلها للخطر وسمعته الى الحضيض وسوف تمرغ مستقبله في وحل الضياع .
وكما تبتدئ المشاكل الكبيرة من افكار تافهة مصدرها الغرائز ...


الجمعة، 12 أغسطس 2016

إله المواشي وقصص أخرى-عادل كامل

إله المواشي وقصص أخرى





عادل كامل
[1] آله المواشي
   أدركت الغزالة  إنها طوقت من الجهات الأربع؛ ذئاب تسد عليها الطريق، ونمور تتربص بها من الخلف، إلى اليسار اصطفت زمرة فهود، وعلى اليمين استعدت الكلاب البرية للهجوم...، ولأنها لم تجد من تخاطبه، بجوارها فوق الأرض، رفعت رأسها إلى السماء:
ـ إذا كنت، يا الهي، لا تقدر على حمايتي، ومنعهم من الهجوم علي ّ، وافتراسي....، فأنا سأسلم نفسي، من غير مقاومة، لهم!
  ابتسم آله المواشي:
ـ ولكن لِم َ تعجلت ِ الشكوى، والتذمر...، حتى أني أحسست انك ِ توشكين على ...، الكفر، وارتكاب المعاصي؟!
ـ وهل باستطاعتي، يا الهي، أن افعل ذلك، وقد سلبت مني حتى الهواء؟
ـ آ ...، الآن لن أخلصك من غير ثمن!
فقالت الغزالة باستسلام:
ـ بعد أن أمضيت حياتي كلها مذعورة، فزعة، خائفة، اهرب من عدو كي أقع في براثن عدو أكثر شراسة، وأخس، وأكثر نذالة...، تطلب مني رشوة!
ـ لِم َ هذا الغباء...، وأنا منحتك قدرة الطيران!
ابتسمت بأسى عميق:
ـ آ...، وأنا لا أجنحة لدي ّ...، حتى لو كانت وهمية، وتطلب مني الطيران، كما تفعل العصافير والبلابل والغربان؟
ـ اقتربي مني...
ـ تقصد ..، اصعد إلى السماء، حيث مجدك العظيم، وأنت تراهم يحيطون بي، ويسدون علي ّ الطرق، والممرات، كأنهم آلات فولاذية برمجت للبرهنة باستحالة العثور على فجوة للخلاص منهم...!
ـ اكرر، أيتها الغزالة: اقتربي مني...
ـ أنا لا اقدر أن اقترب منك...، يا الهي، لأنك تراهم سيرسلونني إليك، ممزقة الأوصال..، وآنذاك، أرجوك، امنحني جناحا ً للطيران!

[2] الموت
رفع صوته قليلا ً يخاطب الموت:
ـ لا يعنيني أن أموت غدا ً..، أو بعد غد ٍ، ولا يعنيني إنني ربما كنت مت يوم أمس، أو قبل يوم أمس...، سأموت بعد ألف عام، أو إنني مت قبل ملايين السنين، لأنك ـ يا سيدي ـ لم تعد تعنيني مادام وجودك قد سبق وجودي، ومادام وجودك، سيدي، سيبقى بعدي أيضا ً!
ضحك الموت:
ـ ها أنا أصبحت لا أثير فزعك، ولا خوفك، حتى كأنك صرت تتندر علي ّ، بل وتتفلسف؟
ـ لا.. يا سيدي، فبعد أن لم تترك لنا منفذا ً للهرب منك، ولا للخلاص...، ولا للمصالحة،  صار حضورك شبيها ً بغيابك،  وصار غيابك، سيدي، تام الحضور، فعلى من أتندر...، وأتفلسف، ألا ترى إن المعضلة لم تعد تعنيني، وربما لا تعنيك أنت أيضا ً...، لأنك لا تقوم إلا بواجبك، أما أنا فلم أكن حرا ً إلا عندما أكون بين يديك!
ـ وداعا ً...!
ـ أيها العزيز...، لا تكن قاسيا ً معي، وتتركني في محنة السؤال: هل أنا عائد من الموت، أم أنا ذاهب إليه؟

[3] الموت جوعا ً
   وهو في حفرته، سمع الأرنب من يناديه:
ـ أكاد أموت من الجوع...
ـ إذا كنت لم تستطع، في هذه الحديقة، أن تعثر على لقمة تسد بها جوعك...، فهل يتحتم علي ّ أن أتبرع بحياتي لك كي لا تموت ..؟
ـ لا ...، ليس هذا هو السبب، فلا يصح أن تتهمني بالكسل، والخمول، ولكن رائحتك هي التي أثارت شهيتي للطعام!
ـ أغرب عني أيها الذئب اللعين...
ـ ها ..، وأين اذهب، وأنا قررت أن أبقى عند باب حفرتك، حتى تموتين من الجوع، وحيدة..!
ـ هذا أفضل...، أن أعود إلى التراب، مثلما أنا عليه، بدل أن ترسلني ممزقا ً إلى السماء!

[4] غفران
ـ أتعرف انني أمضيت حياتي الطويلة من غير أن ارتكب ذنبا ً واحدا ً...؟
   ضحك الآخر بتندر:
ـ على العكس مني تماما ً...، فانا ارتويت من الذنوب حتى كأنني لم ارتكب ذنبا ً واحدا ً!
فقال الأول يخاطب الثاني بشرود:
ـ لابد انك كنت مضطرا ً لارتكابها..، كي تجد مبررا ً للغفران ..؟
رد الآخر بصوت هادئ:
ـ يبدو لي انك لم تكن مضطرا ً لارتكابها، ولكن هل حقا ً لم تتذوق لذّة الخطيئة، ونشوة الآثام؟!
ـ آ ...، حقا ً إن الإثم الوحيد الذي لم ارتكبه، يا صديقي، في هذه الدنيا، هو انني لم اركب إثما ً...، ولهذا  حرمت من تذوق نعيم الغفران!

[5] داعية
   تجمدا تماما ًوهما يصغيان إلى مقابلة كانت تبثها شاشة الحديقة الكبرى:
سأل الصحفي واحدا ً من وعاظ السلاطين، بوصفه داعية:
ـ كيف رأيت الدنيا..؟
أجاب الداعية مسرورا ً بابتسامة رقيقة:
ـ رأيتها حلوة... عذبة... بالغة النعومة... والجمال!
وأضاف الداعية:
ـ حتى انك، عندما تكون معي في الفردوس، ستتذكر كلماتي، في هذا اللقاء، وفي قناتكم الكريمة هذه!
فقالت الحمامة لجارتها:
ـ يبدو إن هذا الداعية، الشديد الورع، فقد بصره، وبصيرته،  ولم يعد يسمع، وليس له قلب، وبلا عقل...، وإلا كيف لم ير حديقتنا، وما جاورها، ولم يشاهد ما حدث للدواب، والبهائم، والأشجار، والحجر، والبشر...، وقد أصبحوا رمادا ً..، وتحولوا إلى نفايات، والى ذرات دخان اختلطت بالغبار!

[6] ممرات
ـ  انظر...، بعد أن سرقوا أموال اليتامى، وبعد أن اغتصبوا حقوق الثكالى، والأرامل..، وبعد أن نهبوا ثروات الضعفاء، وأسرفوا في سفك الدماء، وبعد انتهاك الحرمات، والمحرمات، وشردوا السكان، وهجروا البهائم والطيور والناس...، ها أنت تراهم يبحثون عن ممرات أمنة لهم للدخول إلى الفردوس، وكأنهم أبرياء كما ولدتهم أمهاتهم، وكأن الفردوس اعد للأشرار أيضا ً؟
  رد الآخر وهو مازال يراقب المشهد نفسه:
ـ ولكن الغريب انك لا تسمع إلا استغاثات الضحايا وهم يفتشون ويبحثون عن الممرات ذاتها...، لعلهم يحصلون على موضع قدم لهم!
ـ هذه هي المفارقة، بل هذه هي المحنة..!
ـ لم افهم؟
ـ إن الضحايا لا يستنجدون إلا بطغاتهم وقتلتهم ومن سرق مصائرهم لعلهم يحصلون على ممرات جانبية، حتى لو كانت بسعة ثقب في خرم إبرة؟
ـ لكني أرى غير ذلك!
ـ ماذا ترى؟
ـ لولا هؤلاء الضحايا، لكانت الطرق إلى الفردوس، تسمح لمن هب ودبّ!
6/8/2016


داود اللمبجي ..وسياسيو اليوم . راضي العراقي

6 hrs · 
داود اللمبجي ..وسياسيو اليوم ..
داود اللمبچي كان اشهر گواد معروف ببغداد خلال الربع الاول من القرن الماضي .. لكن داود اللمبجي أشرف مليون مرة من كواويد السياسة في الربع الاول من القرن الحالي .. تدرون ليش ؟ لان داود اللمبجي كان عنده مهنتين ياكل من وراهن خبزته ( بشرف ) .. وللاسف اضطريت اخلي كلمة بشرف بين قوسين .. وراح تعرفون السبب .. المهنة الاولى لداود والي اخذ منها لقبه ( اللمبجي ) هي انه كان يشعل الفوانيس المنتشرة بأزقة بغداد قبل ما تدخل الكهرباء .. وكان مهمته انه يشيل درج وي
اه و يفتر على هذي الفوانيس ويمليها بالنفط وينور الشوارع بالليل .. المهنة الثانية كانت ( الكوادة ) وكان يسكن كما يقال بمنطقة الميدان او الصابونجية .. وعدما نقارن بين داود اللمبجي وبين اهل السياسة اليوم راح تكون الكفة لصالح داود وبجدارة .. فداود كان ينور ازقة المدينة بأمكانياته المتواضعة .. درج .. ووصلة قماش ينظف بيها زجاج الفوانيس .. وتنكة نفط .. يملي منها هذي الفوانيس .. بينما حكومتنا الساقطة وخلال ثلاثة عشر سنة شوفتنا الويل .. ثلاثة عشر سنة صرفت خلالها سبعة واربعين مليار دولار ومع ذلك مازلت الكهرباء في اسوء حالاتها .. معاناة المواطن العراقي اليوم بسبب الكهرباء تقترب من المأساة ..خاصة مع الارتفاع الفضيع في درجة الحرارة .. اني شخصيا اعيش فعلاً وضع مأساوي فمولدة السحب عاطلة من اسبوع والكهرباء الوطنية ماتجي الا كل اربع ساعات . ساعة وحدة .. بحيث اضطريت اشتري مولدة زغيرة حتى نكدر نقاوم جحيم الصيف القاتل ... على العموم .. نرجع لداود اللمبجي الي كان يمارس مهنة اخرى مثل ما كلنا وهي مهنة الكوادة .. وهذي ايضاً اذا ما قارناها بمهنة سياسينا الحاليين .. راح تكون الكفة بصالح دواود اللمبجي لان الرجل كان يمارس الكوادة على المكشوف ونكدر نكول كان يعمل بمهنية بدون ان يسرق احد او ينصب على احد .. ولهذا كتبت كلمة بشرف بين قوسين في بداية كلامي .. اما سياسينا اليوم فسرقاتهم وفسادهم يتم على حساب الوطن والمواطن المسكين .. حتى ان العراق وصل بسببهم الى اعلى مستويات الفساد على مستوى العالم .. لهذا اگول ان داود اللمبجي اشرف مليون مرة من هذي الزمرة الفاسدة الي تسلطت على حاضر ومستقبل هذا الوطن ..
الي ذكرني بداود اللمبجي هو احد الاصدقاء الي بعثلي اغنية قديمة لمطرب المقام الراحل يوسف عمر .. أغنية اسمها ( مات اللمبچي .. داود وعلومة ) وهذي الاغنية من كلمات امير الشعر الشعبي العراقي ملا عبود الكرخي الي نظمها عدما شاف جنازة داود اللمبجي طالعة من الميدان ووراها مجموعة من ( البغايا ) الي كانن تحت قيادة داود اللمبجي ..فكال :
مات اللمبجي... داود وعلومه 
كومو اليوم .... دنعزّي فطومه..
مات اللمبجي .. داودويهوٓة 
ويهوة عليكم .. يهل المروة 
الى اخر القصيدة الي تحمل في بعض مفرداتها كلمات خادشة للحياء .. 
وفطومة الي يريد الملا عبود الكرخي ان يعزيها هي زوجته .. والي يريد يسمع الاغنية كاملة وبصوت يوسف عمر .. اكيد راح يلگاها على اليوتيوب ..
بقى .. ان نذكر مرة ثانية ان العراق ابتلى بكواويد وترسيه من طراز خاص .. طبقة من السراق والحرامية وعديمي الانتماء للوطن .. ماعدهم هم الا السرقات وتخريب الوطن ... ولهذا اكول وبكل ثقة يروحون فدوة الف مرة لداود اللمبجي ...
تحياتي للجميع .
الصورة للشاعر الملا عبود الكرخي





الأحد، 7 أغسطس 2016

راهبان يتكلمان في عالم أفقده الخوف ذاكرته-صائب خليل

راهبان يتكلمان في عالم أفقده الخوف ذاكرته
صائب خليل
1 آب 2016
تصريح البابا فرنسيس بأن “العالم في حالة حرب، لكنها ليست حرب أديان”،(1) مدهش من زوايا عديدة. فكيف أفلت البابا من الفخ الإعلامي الذي يقول العكس؟ وكيف تجرأ البابا ليقولها دون ان يخشى التهمة بمساندة الإرهاب، او الفشل في "تسمية الأشياء بأسمائها"؟
البابا ذهب ابعد من ذلك في "تسمية الأشياء بأسمائها" فقال بوضوح لا مجال للبس فيه: "إن الحرب التي أتحدث عنها هي حروب من أجل المصالح والمال والموارد وليست حرب اديان لأن كافة الاديان تريد السلام والاخرون هم الذين يسعون للحرب”.


هذا البابا الشديد الوعي والشجاعة، ذكرني بقسيس آخر، لا يقل عنه وعيا وشجاعة، إن لم يزد عليه. إنه المطران الموصلي الراحل فرج رحو، والذي اغتالته يد الغدر عام 2007. من الذي اغتاله؟ لنستمع إليه في هذا الفيديو،(2) فللرجل من الشجاعة والوعي ان يرشدنا إلى قاتله بشكل لا لبس فيه ايضاً.

لنستمع إليه هو الآخر يرفض اسطورة "القاعدة" الإسلامية السنية التي "تكره المسيحيين" فيقول بوضوح تام: "هذا الشي اللي عملتو أمريكا بينا.. احنا نخاف من مخطط مهيأ ومبرمج، أمريكا تنفذه في البلد هذا.."
وحين سأله مقدم البرنامج عن كيفية توصله الى ذلك جاءه بدليل: "قراءة الواقع تقول هذا.. وقت اللي فجروا المطرانية مالتي 7 \12\2004 خابروهم بالخط الساخن.. أجو بعد أربع ساعات، (كيف) لو كان الخط بارد؟"
ليعود ويؤكد بشكل واضح: "العيش المسيحي مع المسلمين كان موجود وكان ممكن يبقى ويستمر، لكن أمريكا هي اللي جت عملت هالفتنة هاي، هي اللي فتت العراق، هي اللي تريد تقسم العراق، هي اللي تختلق هالصراعات بين الشعب العراقي. هي إرهابية وجابت الإرهاب وجت!"

فهل يعقل أن "القاعدة"، المتطرفة بجنون والتي تعمل من أجل "الإسلام"، لا تختار من المسيحيين ضحية، إلا من يؤكد أن المسلمين مسالمين ويمكن العيش معهم، ويوجه إصبع الاتهام بهذا الوضوح إلى أميركا، التي يفترض أنها عدو “القاعدة” وتقود الحرب عليها؟
إن لم تكن جهة إسلامية هي من يرتكب الإرهاب، بل، وفق المطران رحو، هي اميركا التي تريد الفتنة وخلق الصراعات وتقسيم العراق وتفريغه من مسيحيه، فمن قتل فرج رحو؟ هذا نعرفه من جواب المطران على سؤال الصحفي الخبيث، "الا يكفيك يا سيدنا؟ انت راح تطلع".. فأجابه: "أنا أطلع أخير واحد..."!
كان رحو شوكة في عيون من "يخططون لإفراغ العراق من مسيحييه"، ولذلك توجب قتله.

كم منا مازال يذكر المطران الشجاع رحو؟ وكم من هؤلاء يذكر ما قاله قبل ان يستشهد؟ وكم من هؤلاء يمتلك الشجاعة لمواجهة الحقيقة التي يطرحها؟
الحقيقة اني من ضمن الكثير مما قرأت عن فرج رحو، قلما يشار إلى موقفه الواضح من اميركا واتهامها، فبين المسيحيين من الجبناء ما لا يقلون نسبة عما في المسلمين! إنهم يخفون الحقائق التي قد تكشف قتلة ضحاياهم، بشكل يحرجهم كما فعلوا في جريمة كنيسة سيدة النجاة. وكما يفعل الآخرون، حتى من المسلمين، فهم يفضلون اتهام الهدف الأسهل والأكثر امانا: الإرهاب الإسلامي!

عودة إلى البابا فرنسيس، الذي لا يصدق أن قاتل الكاهن الفرنسي "إسلامي" حقاً، او ان لداعش علاقة بالدين، كما يقول، فبمن ترتبط داعش إذن في راي البابا؟ إنه يقول انهم "الآخرون الذين يشعلون الحروب....من أجل المصالح والمال والموارد"!!
إنها تبدو وصفة أقرب لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعصابات المال الدولية الأخرى مما هي لمنظمة دينية إرهابية! فهل كان اتفاق البابا فرانسيس مع المطران فرج رحو على هوية الإرهاب، صدفة؟

يقول الأب فرانسيس: “يجب ان لا نخاف من قول الحقيقة”.
لكن الأغلبية الخائفة التي تعرف وتتذكر الحقيقة جيداً، تفضل ان تفقد ذاكرتها لترتاح.

(1) البابا فرنسيس: العالم في حرب، لكنها ليست حرب أديان
http://arabic.euronews.com/…/pope-says-church-attack-is-pro…
(2) فرج رحو في مقابلة صوتية: أمريكا إرهابية جاءت بالإرهاب لاشعال الفتنة وتقسيم العراق
https://www.facebook.com/khalilquotes/videos/1049018955133562/




إيما دوبينيي اختفت أكثر من قرن وراء لوحة لإدغار دوغا-فنون


إيما دوبينيي اختفت أكثر من قرن وراء لوحة لإدغار دوغا
فنون

باريس-

بفضل تقنيات تصوير متطورة جداً، تمكن باحثون افتراضياً من إظهار وجه المرأة التي رسمها الرسام الفرنسي إدغار دوغا (1834- 1917) على لوحة غطاها لاحقاً برسمه بورتريه آخر.

وقال هؤلاء العلماء إن هذه المرأة هي إيما دوبينيي إحدى العارضات المفضلات لدى ديغا. وهي كانت تختبئ وراء لوحة «بورتريه امرأة» (1876-1880) الموجودة بين مجموعات «ناشونال غاليري أوف فيكتوريا» في ملبورن (أستراليا)، وتمثل امرأة ترتدي الأسود لم يحدد مؤرخو الفنون هويتها بعد. ومعروف منذ عشرينات القرن العشرين، أن هذا العمل يغطي عملاً آخر بالمقلوب راحت أطرافه تبرز شيئاً فشيئاً مشوِّشة على وجه المرأة في اللوحة الأخيرة. ويعود هذا الأمر إلى تحول تدريجي في صباغ الطبقة العليا من الطلاء التي تزداد شفافية، كما أوضح عالم الكيمياء ديفيد ثوروغود المشارك في إعداد الدراسة التي نشرتها مجلة «ساينتيفيك ريبورتس» العائدة إلى مجموعة «نيتشر».

وكان العلماء فشلوا في تحديد الوجه المخفي، لكن ثوروغود، أحد أمناء متحف «كوين فيكتوريا ميوزيوم أند آرت غاليري»، أوضح من لونسيستون في أستراليا أنه «مع استخدام أشعة إكس التقليدية نرى فقط ظلالاً تكوِّن امرأة. أعمالنا تؤكد أنها امرأة، وأن الأمر يتعلق بلوحة أخرى لدوغا كانت مجهــولة». وأضـــاف: «الأمر يثير حماسة كبيرة، فاكتشاف لوحة جديدة لدوغا مخفية عن الأنظار لا يحصل كل يوم».


الأشعة السينية تكشف الحقيقة

وللتوصل إلى هذه النتيجة أخضع العلماء اللوحة لأشعة إكس في مسرِّع الجسيمات (سينكروترون) الأسترالي في كلايتون. وقال ديفيد هاورد، الباحث في هذا السينكروترون والمشارك في إعداد الدراسة: «الضوء الناجم عنه أقوى بمليون مرة من قوة الشمس».

ويصدر ضوء السينكروترون عندما تقوم حقول مغنطيسية بتحويل مسار الإلكترونات المشحونة طاقةً السارية في حلقة تخزين دائرية. ومن أجل تحليل التشكيلة الأساسية للصباغ في اللوحة استخدم الباحثون تقنية غير مؤذية تسمى «إكس آر أف»، أي فلورية الأشعة السينية. وأعادوا افتراضياً بواسطة كومبيوتر تشكيل الألوان الممكنة للوحة المخفية فظهر عندها وجه امرأة شابة سمراء صاحبة عينين داكنتين وأنف بارز. وقال هاورد: «نظن أنها إيما دوبينيي بعد المقارنة مع أعمال أخرى لدوغا تمثلها».

واعتبر هنري لواريت الرئيس السابق لمتحف اللوفر والمتخصص بأعمال دوغا: «من الوارد جداً أن تكون إيما دوبينيي». ولواريت أيضاً مفوض معرض حول الرسام مقام راهناً في «ناشونال غاليري أوف فيكتوريا» في ملبورن، ويتضمن لوحة «بورتريه امرأة». وهو يذهب إلى أبعد من ذلك، ويعتبر أن إيما دوبينيي هي المرأة الواردة في «بورتريه امرأة»، وهو احتمال أثاره في أيار (مايو) أمام أحد خبراء «ناشونال غاليري أوف فيكتوريا». وقال إنها «كانت تتمتع بعينين سوداوين كبيرتين وحاجبين لافتين. ومن السهل التعرف إلى شكلها». وأضاف أن «الرسم مجدداً على العمل ذاته كان شائعاً لدى دوغا، وهذا ليس باستثنائي».

ولدت ماري إيما تويو (إيما دوبينيي) في منطقة واز شمال فرنسا العام 1851 وكانت تقيم في حي مونمارتر الباريسي حيث كانت تعمل عارضة لرسامين. وتعاونت مع دوغا قرابة العام 1870. واستخدمها ديغا كعارضة، وكانت أيضاً موضوع لوحة في «بورتريه إيما دوبنيي» (1869) الموجودة ضمن مجموعة سويسرية خاصة، على ما أوضح لواريت.

يذكر أن الأشعة السينية (إكس) تسمح منذ عقود باكتـشاف أعمال مخفية تحت لوحات، من بينها عمل لفان غوغ.
_________

*أ ف ب

السبت، 6 أغسطس 2016

أختام *-عادل كامل



















أختام *


 الختم الثالث

عادل كامل

 [7]  الديمومة والفن

     لكن الاشتغال في الفن، لا يشبه الاشتغال في الفلسفة! فالفن جزء من مسار معقد يتضمن موروثات السحر/ المعتقدات/ والحدوس ذات البعد السحيق، فيما الفلسفة، لا تعمل على حب (الحكمة)، كما منحها هذا الواجب، سقراط، بل ما الحكمة، كي تحب، وكي يكون الطريق إليها، طريقا ً فلسفيا ً..؟
     أعلم جيدا ً ان القرن 21 لم يرث شيئا ً يوازي استحداثه للسلع ـ: نظام الإنتاج الفائق/ والتداول الفائق/ والاندثار الفائق أيضا ً. أي العودة إلى ما قبل الفن، والى ما قبل السحر، والى ما قبل المعتقدات: الديمومة!
    لأنها وحدها ستعمل على اختراع الوسائل، اللصيقة بغاياتها. وعندما يبلغ الشك ذروته: ما الغاية؟ سيقال: الغاية في ذاتها، وفيزيائيا ً ـ بهذا المسار اللاهوتي وليس الفلسفي وليس الفني ـ نجد الجواب يقودنا إلى الأسباب المكتفية بذاتها أيضا ً.  إنها عملية لن تسمح بفك الازدواجية ـ والثنائية، لأنها وحدها تجعل حب الحكمة قضية غير قابلة للدحض. لكن ما الحكمة، في هذه الحدود، ان لم تعمل على استبدال الازدواجية ـ والثنائية ـ بتفكيك التشوش الحاصل بين عمل التخصصات، أولا ً: هناك أوامر صادرة لن ينشغل في مناقشتها إلا المشتغل في الفلسفة، وليس الفنان، أو الساحر، أو من يؤدي دوره القائم على الأسرار، والغموض، والأشياء العصية على الفهم، أو التي ـ هي ـ خارج حدود الجدل. لكن الفلسفة ـ كباقي التخصصات ـ ستعمل لصالح عصر مؤسس على التراكمات. فالحروب/ والتصادمات، مع أنها تجاور كثيرا او قليلا ً ـ ما يحدث في تراكمات الأشياء ـ وتفكيكها ـ إلا أنها لن تسمح لأي نظام بالعمل على وجود سواه! وبالمقابل، تغدو الحكمة نادرة، ولا يتمتع بها إلا الأكثر ندرة من البشر.  ألا تبدو هذه الفلسفة قد فقدت قوتها، وأصبحت جزءا ً من الخطاب المرافق لعمليات التراكم، والتصادم. لأن البدائل لن تمتلك إلا وعودا ً قائمة على الانتظار.  فإذا كانت جنة (عدن) من صنع الخيال، كحال المدن الفاضلة، فان هذه الصناعة ليست منجزا ً فلسفيا ً، بل، بل على العكس، إقصاء ً لها، كي ينقسم البشر، مرة بعد مرة، إلى: من في المقدمة ومن في الذروة، إلى هامش يستخدم البيولوجيا بزيادة عدده أو الحد منه، بحسب بقاء الحكماء يتربعون فوق الفلسفة.
     ليس من المؤكد ان الفن يؤدي هذا الاندثار، بما يضمن للحكماء من استبعاد أي درب يقود إلى سؤال:  أليس العالم صيغة واحدة من التحولات، وان الثنائية، ليست إلا صيغة موازية للواقع، كيفت، لتبقى أبدية، دون ملاحظة ان للتراكم حدوده، ولا وجود، في الأصل، لهذا الثابت الأبدي! ففي المعتقدات، التماعات فائقة تجعل الموت ينبت من الحياة، والحياة ذاتها لا تخرج إلا من الموت. لكن لصالح من استثمر هذا المنهج؟ للفقراء ام للذين هم التجار/ رجال المال/ والساسة، في ركلهم للفلاسفة، واستبعاد أي تفكير يشتغل بالعثور على مناطق لا ينقسم فيها الناس إلى حفنة من الصيادين، ونمل من الضحايا!
    في الغالب لم اعمل لوضع هذا الشرود، بصيغة الإعلان، في صناعة أختامي، بل، غالبا ً، كنت اسكن المكان الذي آمل ان يحررني من ذعر دائم لن يراقب من بعيد فحسب، بل من قبل تلال النمل وهي تدك كل ما هو جدير بالانتقال من الظلمات إلى الفجر!

[8] الغائب حاضرا ً
     وأنا أتتبع الأشكال ـ من اللا شكل إلى المثلث والى الأشكال متعددة النهايات ـ لم المح ان لا وعيا ً كليا ً بالإمكان ان يتحكم بتحديد المسافة بين الوظيفة والجمال، كي يعزل الرهافة، أو اللا نافع، عن الشكل بصفته يؤدي العمل ذاته الذي يؤديه الصياد ـ أو حالات الدفاع النفس. على ان الجمال ـ وكل ما هو جذاب وسحري وعلامة كونتها مكوناتها بما ترمي إليه ـ ليس وليد الرهافة أو النظام بالغ الدقة، لقصد الإشباع غير المباشر للديمومة، وإنما سيبقى يلفت النظر إلى ذات المكونات السابقة على وجودها كعناصر ـ من أجزاء لا مرئية للذرة إلى المجموعات ـ وقد شكلت علاقات تنتج عنها أنظمة الجماعات ـ من النمل والنحل إلى نظام القرية ـ وما يتطلبه من ترابط في مواجهة الجماعات الأخرى، أو الحيوان، أو الطبيعة.
    ما هو ذلك السابق على الوظيفة، وهل باستطاعتي ان ارتقي إلى النرفانا ـ أو إلى الفرح بما قصده ألنفري ـ أو اللا عمل عند الطاوية...؟ لأن جميع هذه النتائج تسعى للتخلص من آلية: الإنتاج/ الاستهلاك، أو: الولادة/ الموت.
     انه في نهاية المطاف إشكالية إدراكية خاصة بعمل الدماغ، وليس خاصا ً بإرادتي ـ وأنا لا استبعدها عن وعيي/ دماغي ـ التي لا قدرة لها في تتابع كامل العمليات.
     ففي المسعى المستحيل لبلوغ ذروة اللا عمل، تكمن إستراتيجية مشفرة للعمل، لكن ليس للاستلاب، أو للاغتراب عن عمليات النمو (الإنتاج) بل لديمومته. انه ملكية مضادة لمفهومها المبتذل، بما تسببه من تصادمات، واشتباكات حد إباحة استخدام العنف، والتدمير، والتعالي. لأنها ملكية تتكون بوحدة أجزائها، حتى يصبح الموت نفسه، معبرا ً، من السابق على الولادة، إلى ما بعده.
     هل يمكن ان نجد هذا المعنى عندما يختزل ـ كالحياة ـ بتركيب عناصر تريد ان لا تتوقف عند حكاية، أو عند حكمة، أو عند موعظة، أي عند (الختم) أو كعلامة لها ما تريد ان تخفيه أو تعلن عنه..؟
    أم أن 999% من الناس يرغبون ان تقول، كما قال الجرجاني: "ان لفظا ً لا يدل على معنى هو كالضوضاء سواء بسواء" لأن الختم ـ متمثلا ً بما حفر فوق العظام، ورسم فوق الجدران، وما صنع كتوقيع شخصي ..الخ ـ لا يتضمن ديالكتيك الدال ت المدلول، بالطريقة ذاتها في التداول اليومي. فالكلام الذي يعالج ـ على سبيل المقاربة ـ ان شيئا ً ما يكمن في الزمن، ولا علاقة له بالزمن، سابق في الحضور، ولاحق على غيابه، تبدو عبارة شبيهة بقطرات ماء تنزل فوق رأس سجين تحولت قطرات الماء إلى مطارق تنهال عليه! ليقول انه غير مسؤول عن موته أو مصيره ما دام الأمر قاده ليقول ما لا يمكن ان يكون له معنى عدا ان تصدعا ً لن يحتمل أدى إلى هذا الانتهاك.  كالعقم أو اليباب سواء بسواء! فإذا أنجبت العقيم بزواجها من المخصي كائنات لها قدرات التحول من مصاصي دماء إلى ضحايا، ومن أبرياء إلى جلادين، وان الأرض اليباب الجدباء باستطاعتها ان تنتج قمحا ً وبقوليات تكفي لتلافي آثار مجاعة  قضت على سكان الأرض، فأي معنى بالإمكان ان يكون له صلة بلفظة ان يقيد الآخرين بها! الم ْيكن الظلم في زمن الجرجاني هو الظلم ذاته السابق على ذلك الزمن، والذي ليس باستطاعة احد ان يوقف ازدهاره غدا ً...؟
   هل نسبة واحد إلى ألف دالة على ان الضوضاء ليست خالية من المعنى، أم لأنها لوجودها دالة على معنى، أعاد صياغته الفنان ـ أو الشاعر أو الحكيم أو النبي ـ وراح ينطق بكلام يخلو من الأدلة، ومن الأسباب، ومن المنطق، بحسب 999% من الناس! لكن 999% في الوعي الجمعي لن ينحازوا إلا لهذا اللا معنى، تاركين الختم الذي حول اللا متوقع ـ من غير طلب فائدة أو طاعة أو فرض عقوبات ـ إلى خرز، ومثلثات، وحزوز، وشخابيط منتظمة حركتها دوافع مغايرة للنافع ـ أو للجميل، كي توثق شيئا ً ما ـ كالذي سكن الزمن ـ: مكث حاضرا ً في غيابه، ولا مرئيا ًغدا أشكالا ً، وصورا ً، ومرئيات!
[9] تحولات
     ما الذي يدعوني إلى الاطمئنان، وليس أمامي ـ باختفاء ما أنا بصدد الإمساك به ـ، إلا ان أجد دربا ً اقل تيها ً، في مساحة اللاحافات! فالانتقال من الاضطراب إلى النظام ـ ليس إلا تأجيلا ً ـ للذي  ـ هو ـ هناك، لا يسبقني، مثلما هو لم يعد في طي المندثرات، إنما في اللحظة الشائكة للاعتراف بأقنعتها، واشتباكاتها،  بالدرجة الأولى.  فالاطمئنان إلى المنجز، سيغدو قبولا ً بالعمى! فأي اكتشاف هو هذا الذي سيأخذني معه إلى ابعد مما تخيلت: القبول بالعيد لا بصفته مقدمة للذي لم يدشن، بل للذي هو بحساب المجهول.
     في ذروة اكتشاف ان الفن (الحديث) مرورا ً بالحداثات وما بعدها، حتى نبلغ ذروة التصادمات، لا يمكن عزله عن كل ما حول اللا فن إلى علامات تؤدي دورها لا في معرفة ما حدث/ وما يحدث، بل لبناء فواصلن وفجوات، لن ترجع الفن إلى ـ: اللا فن ـ بل إلى الأصل الذي ـ هو ـ أصل الاختلاف. فهل لدي ّ (معنى) ـ غير نسبي/ غير منحاز لفريق ـ يجعل من عزلتي ـ وأنا أراقب ـ ألفة، أو قناعة بأنني غير (صياد) آخر وضع الفن حماية له، في مشهد الاشتباك، أم لا اعمل إلا على جعل الموت ممتدا ً ...؟ أم ـ ثالثا ً ـ لا يقع المعنى لا في النص، الخام/ ولا في رؤيتي فحسب، بل ولا مغزى للتنصل مما أنجزت!
    إنني أصل إلى الوضع ذاته السابق لـ (حالة) المراقبة:واقع الحضور. على انه اطمئنان زائف. فانا لا اضبط ما اعرفه إلا بما كنت منشغلا ً بدحضه. وهكذا افقد كل ركيزة لي في التقدم، بل وفي الارتداد.
     إنها ليست تصوّرات تجري عبر خلايا تعمل مراكزها على محاكاة ما يجري بين الموجودات، وفي الوجود. فالميتافيزيقا ـ كمفهوم ـ لن تمارس نقدا ً، وإنما تثبت ولاء ً للذي لا تستطيع الانفصال عنه.
     وليس لدي ّ إلا حياة الأستاذ شاكر حسن آل سعيد وفنه مثالا ً لاضطراب عميق توخى ـ بانتقالاته ـ ان لا يتجنب الشهادة عليه. فمنذ رسم الجسد، الجسد الأنثوي، مرورا ً باستثمار مناهج التعبيريين، والتكعيبيين، والرمزيين، وصولا ً إلى ضرب من الايكولوجيا، سمح للفن ان يدخل في إقامة علاقة غير منفصلة عن الظواهر، وفي صميم المأزق الوجودي للإنسان المعاصر، أو في ماضيه. على ان الاطمئنان الذي شفر به، قبل سفره إلى باريس، في خمسينيات القرن الماضي، كان يشارك حقبة الرواد: تدشين مقدمات التحديث في شتى مجالات الحياة البغدادية/ والعراقية عامة. لكنه سيصدم في باريس، ولن يحصد، إلا ما زرعه: الشروع بالبحث عن طرق تتطابق مع أحاسيسه المرهفة. فلم يكن البعد الواحد، منحى شكلانيا ً ـ كما بدا لي في عام 1970 ـ بل مثالا ً للغطس في ذروة الحداثة، والتشبث بما بعدها، كي لا يعزل مصيره عن الفن، ولا الفن عن هذا المصير. بيد ان سنوات شاكر حسن الأخيرة، لن تجد دربا ً صريحا ً للتمسك بأي حل من الحلول السائدة، فاعتزل، وكف عن الآخرين: ماذا يريدون، وما كان يريد، حتى علل ذلك ـ في آخر حوار لي معه ردا ً على أسئلتي التي بعثتها له مع زميلة صحفية ـ بأنه لا يريد ان يكون مؤذيا ً لأحد!  لكنني كنت قلت له قبل أربعين عاما ً، ان التصوف ـ وأشكال الانسحاب الأخرى ـ لها مغزاها السياسي، ولا يمكن عزلها عن موقف الاحتجاج ضد الاضطراب، والتمهيد لفوضى ستبلغ ذروتها، بعد رحيله، بأعوام قليلة. أتذكر انه كان يود لو تخلى عن الفن، وبني مسجدا ً، وتخلى عن الدنيا. ولكنه لم يفعل ذلك لأنه سيجد في مجموع نشاطاته انسجاما ً مع ما كان يغلي داخله من أسئلة دمجت إجاباتها فيها وكفت ان تكون أسئلة!
    مثال الأستاذ شاكر حسن، لم يدرس، فقد ترك لنا هذا الذي بدا لنا غائبا ً، في الوقت الذي صاغ حضورا ً لحقبة (التدهور) وليس لعصر الازدهار. فكأنه أراد إعلان نهاية جيل الرواد، بجيل ما بعد (الحداثة)، لكن الواقع، في هذه المرة، كان يأخذ اتجاهه نحو الصفر: نهاية نظام.
[10]  تصادم ـ وقطيعة
     ولأن 999% مبرمجون حد ان الاختلاف معهم سيقود إلى خلاف (تصادم)، والى قطيعة والى القانون الأول(الصياد ـ الضحية)، فان القبول بما هو عليه سيشكل فجوة بين من يدّب الشك ليسكن وعيه، وبين من مهمته تكمن في الحفاظ على الثابت الأبدي. فلا جدوى من العلم، والمختبرات، والوثائق، والشهود ..الخ في زحزحة الوعي (المبرمج/ الأحادي/ المنغلق)، ولا جدوى من الاشتباك مع 999% لا يمتلكون خصائص التقدم بعيدا ً عن ثوابتهم. الأمر الذي يجعل المعادلة غير متكافئة، وباطلة في نهاية المطاف! باطلة، بمعنى، أنها ستساوي بين المزارع واللص، وبين من قدره جعله لا يؤد ورقة في شجرة، وبين من يحول البشر إلى رماد، والى قطيع من الجمال، أو الجاموس، أو الماعز: إلى نمل. مع ان الأخير،كالنحل، كلاهما يتمتعان بأنظمة لن تقارن بأنظمة الإنسان الذي تحول إلى صياد، وآخر إلى طريدة.
     فالخطاب غير النفعي، غير السلعي، غير المبتذل، الخطاب القائم على إدامة أن العدالة لن تحقق مع مخلوقات عجنت بالدم، وصنعت من الوحل، وان الحياة ما هي إلا ان تمضي، للحفاظ على تراتبيتها، من الهرم إلى الرمال، ومن المركز إلى الهامش، هذا الخطاب سينتج، رغم ذلك، عبر القرون، وفي مختلف المواقع، الإشكالية ذاتها، ولكنه، في النهاية، لن يغادر المدفن ذاته الذي ضم هؤلاء الـ 999% مع ذلك الغريب الشبيه بزرقاء اليمامة، أو غاليلو، أو سبينوزا، أو المعري، أو طرفة بن العبد، أو جان دارك ..الخ فالمدفن، من وجهة النظر الجمعية، محض مدرج للعبور إلى العالم ذاته الذي صاغ مشاهده وقوانينه الجالس في أعلى الهرم.
     السومريون لم يصنعوا أقنعة، ولم يستبدلوا الحضور بالغياب، لكنهم ـ وكانوا على علم بذلك ـ أكملوا دورتهم بعدالة تكاد يغيب عنها الظلم! لكن سومر، بعد ذلك، نهبت، وخربت، لتصبح أطلالا ً، لم يبق منها إلا المراثي ـ ونصوص عصورها الذهبية.
     لكم أبدو إزاء قضية ما ان أراها حتى ارتد! فما اصنعه، لا اصنعه غائبا ً، أو في طريقه الى الغياب، والاندثار، بل كي يسرق منك، يغتصب، ويرحّل، كي لا تجد، في نهاية المطاف، إلا حدود القبر، وأحيانا ً، يصبح الحلم بسلام الموت، مستحيلا ً!
     ان تسرق أصابعك، ان يسرق راسك، وان تترك معزولا ً بين فجوات آخذة بالاتساع، هو ذا نهاية تلك الومضات التي سكنت الختم، وان كان صنع قبل نصف مليون عام، أو ـ وهو يصنع ـ في مواجهة الغبار البشري، أو في مواجهة أنظمة لا يحكمها إلا الثابت الأبدي. لأن الـ 999% يحولون الفناء نفسه إلى: غنيمة! هكذا تتحول الأختام إلى سلع، وثروات، بعد ان تحتجز داخل جدران المتاحف، وتكف ان تكون إلا أثرا ً، كي تحافظ البرمجة على استكمال نظامها: تتمات تستكمل تدشيناتها بتتمات. مدافن اثر مدافن وليس على النمل البشري إلا ان يرى كم جدران القبر محكمة، وهي خالية من السلالم، ولا وجود لها إلا هناك، في ذهن الصياد، وفي صمت الضحية: الأثر محملا ً بمشفرات في ما يعلن، وفي ما يخفي!
تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.


الجمعة، 5 أغسطس 2016

الروائية السورية عبير إسبر: عبير إسبر....عبير الكلمة وسبر عالم المرأة-ياسنا زاتشيك ترجمة: صفية مسعود






الروائية السورية عبير إسبر:
عبير إسبر....عبير الكلمة وسبر عالم المرأة


ياسنا زاتشيك
ترجمة: صفية مسعود


عن روايتها "لولو" حصلت الكاتبة السورية والناقدة السينمائية وكاتبة السيناريو عبير إسبر على جائزة حنا مينه الأدبية. إسبر ترفض وصف "كاتبة نسائية" وتهدف في رواياتها إلى معالجة موضوعات جديدة ورائدة. ياسنا زاتشيك ترسم صورة للكاتبة السورية.



"نحن النساء العربيات في اقتحام مجالي الفن والأدب، فقد تم تجاهلنا أو التعامل معنا بمقاييس تختلف عن المقاييس الموضوعة لزملائنا من الرجال" في العالم الغربي يُنظر إلى الكاتبات العربيات باعتبارهن أشجع من زملائهن الرجال. غير أن الكُتاب – رجالاً ونساءً - إما أن يكونوا مجيدين ومبدعين وشجعان ومبتكرين أو لا يكونوا. بالنسبة لي فإن هذه النقاشات المتعلقة بجنس الكاتب لا علاقة لها بالأدب الجيد. إن المهم هو الموهبة والنظرة للحياة، كما أن الكتابة تعني العمل القاسي. إما أن يكون المرء مهووساً بالكتابة أو لا يكون.

هذا أمر ينطبق على الرجال والنساء. للأسف – ولأسباب مزيفة - فإن عثور الكاتب على دار نشر هو أمر أسهل في الوقت الحالي بالنسبة للنساء في العالم العربي عما هو بالنسبة للرجال. نحن نعيش في مجتمع ذكوري، وبالنسبة للسادة الرجال فإن الكتابة والإبداع أمر عادي. عندما بدأنا – نحن النساء العربيات – في اقتحام مجالي الفن والأدب، فقد تم تجاهلنا أو التعامل معنا بمقاييس تختلف عن المقاييس الموضوعة لزملائنا من الرجال. بمقدورنا التعامل مع مَن يتجاهلنا، لكنني أرفض مبدئياً أن يتم تقييمنا كنساء على نحو مختلف.

مفارقات

إن هذه الطريقة تظهر الموقف المتناقض لغالبية دور النشر العربية. إنها من ناحية تتوقع الأقل من النساء، أي أنها لا تتوقع جودة. بالنسبة لعديد من دور النشر فإن أعمالنا لا تقع في نطاق المقارنة مع أدب الرجال. من ناحية أخرى فقد أعجبت الناشرين فكرة الكتابة النسائية. لقد أثار ذلك فضولهم. كما أن الساحة كانت جديدة بالنسبة للناشرين أيضاً: وهكذا احتفوا بالكاتبات النساء بغض النظر عن القيمة الأدبية لما يكتبن.


يهتم عبد الرحمن علاوي بنشر الأدب النسائي والتعريف به أراد الناشرون بيع منتج، يتضمن إشارات إلى الحرية وكسر التابو والموضوعات الجنسية ووصف المضاجعة – كل هذا في خليط من الخيال وسيرة الكاتبة. بل حتى الناشرون في بلاد الغرب وأوروبا منحونا فرصة أكبر من زملائنا الكتاب العرب، لأنهم يعتقدون أننا نفتقد تلك الفرصة في بلادنا. هكذا يفكر الناشر، عبد الرحمن علاوي، الذي لا يهتم إلا بعمل الكاتبات العربيات.

الأدب النسائي والذكوري

ولكن هل يختلف الأدب "النسائي" إلى هذا الحد عن الأدب "الذكوري"؟ هذا السؤال يثير الجدل الساخن، ليس فقط في الدول العربية، بل في العالم كله – ما زلنا نواجه "خطاب الرجل والمرأة" هذا في كل مكان، في السياسة وفي الدين، والآن في الأدب أيضاً. ولكن للإجابة على هذا السؤال فلابد من الرجوع إلى التاريخ. بعد احتلال فلسطين، وبعد بداية الصراع العربي الإسرائيلي واحتدامه، وصل الناس في العالم العربي إلى وضع معقد أفضى إلى الإحباط السياسي الكامل.


عن روايتها "لولو" حصلت الكاتبة السورية والناقدة السينمائية وكاتبة السيناريو عبير إسبر على جائزة حنا مينه الأدبية عام 2004 لقد تم خلط الرؤى الحياتية برؤى الدولة، وهكذا لم يعد أحد يعرف في أي اتجاه يسير. تأرجحت المجتمعات يمينا ويساراً – بين قبول المجتمعات المدنية الحديثة من دون تمحيص، وبين قبول القيم العلمانية والديمقراطية التي يفرضها العقل، وبين الطريق الآخر السهل: وهو البحث في "التراث العظيم للأمة العربية" عن الحلول والإجابات على كل المواقف الإشكالية. معنى ذلك هو الغوص في التاريخ، وعدم وضعه موضع تساؤل، بل احتضان التاريخ والسير الأعمى وراء ما أفرزه من نماذج ورؤى وعقائد وتقاليد.

في سجون الصراع

"الكاتبات النسويات" أصبحن سجينات ذلك الصراع باعتبارهن جزءاً من المجتمع الجديد. كانت الفوضى، وما زالت، كبيرة في هذا النقاش، مثلما تسير حياتنا على نحو فوضوي. ثم نشأ تصنيفان وضِعنا فيهما، أو وضعنا أنفسنا فيهما: من ناحية "الكاتبات النسويات" ومن ناحية الأخرى "الكاتبات" فحسب. "الكاتبات النسويات" هن أولئك الكاتبات اللاتي يرين الحياة كصراع بين الجنسين، واللاتي يحاولن فهم وتغيير عالم الرجال الذي يتسم بالتناقض والنفاق والعنف وبإدمان السيطرة، وذلك عبر التحدث علناً حول كل الموضوعات. حتى درجة الإنهاك تفرغت الكاتبات لموضوعات مثل العذرية والإحباط في المسائل العاطفية والزواج القسري والاغتصاب والتفسير الخاطئ للتعاليم الدينية من أجل دعم السلطة الذكورية.


أسبر تريد من خلال أعمالها الأدبية معالجة الكثير من التناقضات في المجتمعات العربية المجموعة الثانية من الكاتبات تصف نفسها بأنها "كاتبات" فحسب، وهن يعتبرن أنفسهن جزءاً من سياق أوسع يضم زملاءهن من الرجال. إنهن يعتبرن أنفسهن ضحايا سلطة عليا وسجناء للفقر والبطالة والملاحقة السياسية، ويعانين من النقص في الديمقراطية ومن غياب الفردية ومن فقدان الحلم. إنهن يكافحن مع زملائهن الرجال من أجل حياة أفضل، وذلك عبر معالجة موضوعات جديدة ورائدة.

أنا شخصياً أشعر بانتمائي إلى المجموعة الثانية. إني أعمل حالياً على رواية تحلل العلاقات بين سوريا ولبنان وفق الوضع الراهن، الآن، أي في الحقبة التي تلت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وأستخدم في الرواية نصوص الأغاني واللغة المحكية ولقطات سينمائية حتى أحكي الحكاية من منظور عديد من الناس. في الرواية رجل وفتاة وأنا، بحياتي الخاصة، بل إني أذكر اسمي: عبير.



ولدت عبير إسبر عام 1974 في دمشق. درست اللغة الإنكليزية وآدابها بجامعة دمشق، ثم واصلت دراستها في المعهد العالي للفيلم والإعلام في باريس.