نظرية “التفاحة الفاسدة” أو خطر "المثال الجيد"
صائب خليل
4 كانون الأول 2016
وفاة كاسترو، اثارت اهتماما شعبيا عالميا بكوبا
ونظامها. وتركز الاهتمام على نقطتين: الأولى هي ما استطاعت الثورة الاشتراكية
تحقيقه للشعب الكوبي، رغم نواقصها، ورغم الحصار الشديد. والنقطة الثانية هي السر
في الحماس الأمريكي لإسقاط ذلك النظام والعدد المهول من المؤامرات التي حاكها جاره العملاق عليه، خاصة وأنه لا يبدو ان لهذه الجزيرة
أهمية خاصة للاقتصاد الأمريكي. كذلك فإن كاسترو لم يكن شيوعيا في بداية الأمر
عندما قام بثورته، بل انه ذهب الى اميركا أولاً يطلب مساعدتها لبناء دولته. ووقتها
خرج الرئيس الأمريكي غاضبا من المقابلة مع هذا "الشيوعي". فقال له
زملاؤه انه ليس شيوعيا وان الشيوعيين في سجون كوبا، فأجاب: "لا يهمني إن كان
شيوعيا أو ليس شيوعي، فهو يتكلم كالشيوعيين"! ومن يومها أعلن الحصار الماراثوني
على كوبا، وحتى اليوم. فكيف يتكلم كاسترو "كالشيوعيين" دون ان يكون
شيوعياً، وما السر في هذا التدخل الأمريكي غير المسبوق في شؤون هذه الجزيرة؟
يكتب جومسكي:
"ليس هناك بلد معفي من خطر التدخل الأمريكي مهما كان قليل الأهمية". مثل
لاوس التي كانت أفقر بلد في العالم، وكان سكانها في الستينات يسكنون القرى طيلة
حياتهم ولا يعلمون انهم في بلد اسمه لاوس. لكن ما ان تحركت بوادر ثورة بسيطة (ولم
يكن لها علاقة بفيتنام) حتى قامت اميركا بقصفها سراً وبكل قسوة.
ولو ان نيكاراغوا
والسلفادور اختفيتا، فلن يلحظ ذلك أحد، والكلام مازال لجومسكي. لكن البلدين تعرضا
لهجمات قاتلة من قبل الولايات المتحدة كلفتها مليارات الدولارات ومئات الآلاف من
الأرواح.
لم يكن ذلك بلا
سبب. والخطر حقيقي بالنسبة للولايات المتحدة ومصالحها. فإن نجحت هذه الشعوب
بالانقلاب على ظروفها البائسة، فأن شعوب البلدان المجاورة ستسأل نفسها: "ولم
لا نستطيع نحن ايضاً؟"
وقد شرح نيكسون
ذلك بصراحة في تبرير تدبير الانقلاب على تشيلي، فوصف تشيلي الندي بأنها
"فيروس" يهدد بإصابة المنطقة كلها والامتداد حتى إلى إيطاليا. لذلك
سارعت السي آي أي إلى الانقلاب الدموي الذي جاء ببينوشيت وتم تدمير
"الخطر". (1)
مثال آخر: غرينادا،
بلد كان يسكنه حوالي 100 ألف نسمة، يزرعون "جوزة الطيب"، وليس لديها من
اسطول أكثر من عشرة قوارب صيد، وليس من السهل ان تجدها على الخارطة. ولكن ما ان
شعرت اميركا ان هناك حركة ثورة اجتماعية متواضعة حتى تحركت واشنطن لتدمر
"الخطر". فقد انقلبت حركة "الجوهرة الجديدة" الاشتراكية عام
1979 على حكومة الدكتاتور الدموي جيري المدعوم من قبل الولايات المتحدة، من خلال
عميلهم بينوشيت في شيلي.
ويقول بيكلو:
"في 1982 عندما زرت الجزيرة، كانت هناك حملة لمحو الأمية وبناء المدارس
وتشغيل الشباب في مزارع جماعية، بمساعدة من كوبا تتمثل بالمعلمين والأطباء والعمال
الفنيين، مما خفض البطالة خلال أربع سنوات من 49% إلى 14% (2)
لقد حذر وزير
الخارجية الأمريكي دين اشيسون منذ أواخر الأربعينات، "أن تفاحة فاسدة واحدة
قد تفسد السلة كلها". واتبع من تلاه النصيحة. وتسمى نظرية "التفاحة
الفاسدة" أيضا بـ "نظرية الدومينو"، والتي تناسب تماما من يريد
تضخيم الأمور وتبرير الاعتداء. لكن الخطر على "النظام الأمريكي للعالم"
كان حقيقيا، خطر "المثال الجيد"!
ومن الأمثلة
المباشرة على ذلك تبرير تدبير الانقلاب على حكومة غواتيمالا المنتخبة ديمقراطيا
عام 1954 بأن "غواتيمالا تمثل خطراً متزايدا على استقرار الهندوراس
والسلفادور، من خلال برنامجها الواسع للإصلاح الزراعي والذي يحقق الكثير من الدعم
لفقراء الفلاحين والعمال في صراعهم في وجه الاقطاع والشركات الأجنبية. فهذا
البرنامج يمثل "إغراءاً" كبيرا لفقراء الدول المجاورة لغواتيمالا
ليثوروا على الأنظمة الفاسدة المدعومة من اميركا.
وتشرح ديانا ميلروز في كتابها "نيكاراغوا: تهديد المثال الجيد"(3) صراع الساندينيستا من
اجل العدالة الاجتماعية بعد اطاحتهم بـ "الحرس القومي" الذي كان يعمل
تحت أمرة الدكتاتور سوموزا المدعوم من اميركا، والذين اسمتهم اميركا لاحقا بـ
"المقاتلين من اجل الحرية"، ليشنوا حرب العصابات (الكونترا) على الساندينيستا
وكانت الأوكسفام
قد امتدحت حكومة الساندينيستا لتحسينهم الظروف المعيشية للسكان ومشاركتهم التطور.
ووصف البنك الدولي بأن تلك المشاريع كانت "الأفضل في العالم"، متوقعا
لها تقدما مضطردا. وتفسر ميلروز سبب حماس اميركا للانقلاب أن نظام الساندنيستا كان
يعطي "مثالا جيداً" صارخاً لأمة صغيرة تمكنت من التملص من اضطهاد
الدكتاتورية المدعومة من أكبر قوة في العالم، وان هذا “المثال الجيد” يسبب احراجا
كبيرا للولايات المتحدة والأنظمة الفاسدة التي تدعمها في المنطقة.
يكتب جومسكي
"ان الأمر المركزي بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة
تجاه العالم الثالث، هو أن تدافع عن "حقها" في السرقة والاستغلال."
ويكشف جومسكي ان الوثائق الأمريكية السرية وسجلات التخطيط تبين أن العدو الأسأسي
هو الشعب الأصلي للبلد الذي قد يحاول ان يستغل ثروات بلاده لبناء مستقبله، وأنه من
الضروري إبقاء الشعب ضمن المستوى المطلوب من الجهل واللامبالاة. (4)
وهذا كان بالضبط
الكلام الذي اغضب الرئيس الأمريكي من كاسترو. فهذا الرجل جاء يطلب المعونة ليستغل
ثروات كوبا (البسيطة) لصالح شعبها، وهو الكلام الذي "يشبه الشيوعيين"،
رغم انه لم يكن شيوعيا.
وكمثال على ما
حققته كوبا في مسيرتها : "من بين 900 ألف طفل يموتون في العالم كل شهر نتيجة للفقر، لا يوجد
طفل كوبي. ومن بين 200 مليون طفل في جميع أنحاء العالم ينامون في الشارع كل يوم، ليس بينهم طفل كوبي. في جميع أنحاء العالم، يضطر
250 مليون طفل تحت سن 13 للعمل من أجل البقاء على قيد الحياة، ويجبر أكثر من مليون
طفل سنويا على ممارسة الدعارة، وعشرات الآلاف من الأطفال هم ضحايا للاتجار الدولي
بالأعضاء البشرية، ويموت 25000 طفل يوميا من الحصبة والملاريا والإسهال والالتهاب
الرئوي وسوء التغذية، لا أحد منهم من كوبا."، حسب خوسيه خوان أورتيز، من اليونيسيف.
إنها بلا شك
"مثال جيد" شديد الإغراء لكل شعوب اميركا اللاتينية، بل حتى لفقراء
اميركا نفسهم، والذين يأتي البعض منهم للعلاج في كوبا حين يعجز عن دفع ثمن الدواء
في بلاده. ليس إذن هناك من عجب في ذلك العداء الشديد وذلك الإحساس بالخطر.
(1) THE THREAT OF A
GOOD EXAMPLE
(2) Grenada: Remembering ‘A Lovely Little War’
(3) Nicaragua: The threat of
a good example?: Dianna Melrose
(4)
Containing Internal Aggression
فلم مهم حول
الموضوع
The
Threat of a Good Example - YouTube
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق