انتصار وقصص قصيرة أخرى
" وقد أشار لورينتس إلى أن العدوان عند الذئاب مثلا ً لا يدوم ما يدوم العدوان عند الإنسان. فالذئاب تتقاتل بكل شراسة، ولكن إذا تقاتل ذئبان ورأى احدهما انه مغلوب ولا محالة فانه يقوم في الحال بإجراء حركات استرضائية وينتهي القتال. وليس من العادة أن يستمر القتال حتى الموت، ولا أن يعدو الذئب المظفر على أنثى الذئب المغلوب وجرائه. ولعل السبب في ذلك أن الذئب إنما يقاتل فحسب، ولا يتحدث عن قتاله فيما بعد للذئاب الأخرى ولا لنفسه، وليس لديه لغة مشحونة بالانفعالات يستطيع بواسطتها أن يبقي دوافعه العدوانية ناشطة فعالة حتى بعد أن يكون السبب المباشر للعدوان قد انقضى."
روبرت هـ. ثاولس
عادل كامل
[1] انتصار
نصف الأرانب البيضاء اشتبك في صراع ضد نصف الأرانب السوداء، فانتصر نصف الأرانب السوداء على نصف الأرانب البيضاء، من ثم، اشتبك نصف الأرانب السوداء ضد النصف الآخر للقضاء عليه، حتى انتهى الاشتباك إلى خسارة الجميع المنازلة. آنذاك قال زعيم الأرانب البيضاء يخاطب عدوه:
ـ لِم َ اعتديتم علينا؟
فرد الآخر بغضب:
ـ بل انتم من بدأ العدوان علينا.
فراح كل منهما يهاجم الآخر بكل ما كان يمتلك من كلمات لاذعة!
ـ فانتم السود أصل البلية..
ـ بل انتم البيض سببها...
ليدوم النزال فترة غير قصيرة من الوقت، أفضت بكليهما إلى التعب، حد الإعياء، فاقترح الزعيم الأول المصالحة، ليجد الآخر يقول متمتما ً بصوت مسموع:
ـ الآن كسبنا الحرب!
[2] مستقبل
سألت الحمامة الحمل الذي وضعته أمه توا ً:
ـ ها أنت خرجت من الظلمات إلى النور...، فما الذي تحلم أن تكون عليه في المستقبل..؟
ابتسم الحمل وأجابك
ـ وهل يحق لي أن اختار مستقبلي، كي احلم به...، وأنا لم أبصر النور إلا كي أرى كم الظلمات هي بلا حدود؟
ـ آه ...، ما هذا الإسراف في التشاؤم...؟
ضحك الحمل:
ـ وهل كان علي ّ أن أقول لك: إن كل ظلمات المستقبل لن تقدر على إطفاء هذا القليل من النور؟
ـ ولكني لم اطلب منك الإسراف في التفاؤل.
ـ حرت معك يا أيتها الحمامة....!
فقالت بحزن:
ـ لأنني شخصيا ً كلما عثرت جواب، وجدت نفيا ً له...، وها أنت تجعلني أغادر هذه الدنيا بجهل تام! فقلت لنفسي: لعل هذا الحمل البريء يرشدني إلى الدرب...، وقد ظهر لي انك لست بحاجة إلى أن تدفن معرفتك معك!
[3] كابوس
بعد ساعات قضاها الحمل مذعورا ً، نجح أخيرا ً في النوم لثوان معدودات، آفاق بعدها أكثر ذعرا ً، إنما ليجد انه تحول إلى ذئب. فلم يصدق ما جرى له لولا انه شاهد فرار الجميع من الزريبة...، الخراف والنعاج وحتى الكلب الذي طالما حماه من هجمات الذئاب توارى أيضا ً.
فسأل نفسه:
ـ هل حقا ً يمكن أن يصبح الحمل ذئبا ً، بعد أن شاهدت بعض الذئاب استحالت إلى نعاج، والى أرانب، بل والى ضفادع وديعة لا تنق ولا تستغيث!
اقتربت منه ضفدعة كان يعرفها، فسألته:
ـ أراك حائرا ً أيها الصديق العزيز؟
ـ سيدتي...، أنا لا اعرف أكنت حملا ً حقا ً وأصبحت ذئبا ً، أم أنني استعدت حقي المغتصب؟
ضحكت الضفدعة حتى كادت تفطس من الضحك:
ـ سيدي الذئب...، لا تكترث...، فعندما تستيقظ صباحا ً ستدرك الحقيقة بلا تمويه أو زيف...، هذا إذا لم يرسلوك إلى المسلخ، في هذا الليل ...، وأنت لم تفق من هذا الكابوس بعد!
[4] مصير
نظر الحمار إلى القطيع وتمتم مع نفسه: عشرة آلاف خروف...، عشرة آلاف ثور...، عشرة آلاف عنزة...، عشرة آلاف كبش...، عشرة آلاف بقرة... ليسأل نفسه: وأنا لم آت إلى هذه الدنيا إلا بنجاتي وحدي من أصل ثلاثة ملايين حيمن...قذفتها الذكور في أرحام الإناث، وكم ـ هو ـ عدد الحيامن التي نفقت، ولم تر النور، ولم تصبح واحدا ً من هذا القطيع؟
سمع الحمار حمامة تهمس في آذنه:
ـ الحيامن التي فكرت في مصيرها، أيها الحمار، هي الآن في السماء! لأنها لم ترتكب إثما ً، ولم تدنس ضميرها بخطيئة، لم تسرق، لم تزور، ولم تقم بأفعال شنيعة!
ـ آ .....
وراح يبكي بحرقة حمار كانت مهمته حمل الأوزار.
اقتربت الحمامة منه وسألته:
ـ أراك تبكي؟
ـ وكيف لا ابكي، حيث لست أنا من اختار النجاة، من أصل ثلاثة ملايين حيمن نجو وصعدوا إلى الأعالي، بعد أن وجدت نفسي فوق الأرض، كي ادفن فيها، ولا أمل لي بالصعود إلى السماء مع أشقائي الأبرياء، وقد أمضيت حياتي لا احمل إلا هذه الأثقال الجسام؟
ولكنها قالت له تطمئنه:
ـ لا تكترث..، إنها مسألة وقت، فالكل في الفضاء!
[5] هزيمة
بعد انتهاء النزال، في المصارعة الحرة، شعرت الضفدعة بالزهو...، بعد انتصارها على كبير الثيران.
فاقتربت منها نعجة وسألتها:
ـ كيف حصلت هذه المعجزة؟
ـ اخرسي! لا معجزة في الأمر...، الثور راح يصارع ظله، في محاولة للبطش به، وانتزاع النصر منه...، بينما أنا كنت جالسة فوق رأسه، بين قرنيه، حتى خارت قواه، واستسلم، فوجدت الحكم يرفع كلتا يدي، والثور لا يصدق انه خسر الرهان! فقلت للثور: في المرة القادمة لن ادعك تفلت مني، وستلقى ما هو أبشع من الهزيمة!
فقالت النعجة مذعورة:
ـ ابن كلب من يدخل حربا ً يجهل أن النصر فيها اشد مرارة من خسارتها!
[6] سؤال
سأل الحمار نفسه:
ـ ماذا لو استيقظت ووجدت نفسي تحولت إلى حصان...؟
سمعت الأتان كلماته فهمست في آذنه:
ـ سيكون ابننا بغلا ً!
[7] لا غرابة
راحت الحمامة تنوح، وتستغيث، وتصرخ:
ـ يا معشر الغربان...، يا معشر التماسيح، يا معشر الجرذان، لقد رأيت أني تحولت إلى أفعى!
اقترب كركدن منها وطمأنها:
ـ لا تفزعي ...، ولا تخافي، فأنا نفسي حلمت أني أصبحت سمكة! وجاري حلم انه تحول إلى نبات!
ـ عجيب أمر هذه الحديقة...، الصرصار تحول إلى سبع، النمر صار يرقص فوق الحبال، والجرذ يقود الذئاب، الصقر يحرس جحور الأرانب..، والبوم قدوة للنسور...، ما اغرب ما يحدث في هذه الحديقة...
ـ وما الغريب في الأمر...، سيدتي، عندما أصبحت السماء تمطر علينا حلوى بيضاء مراراتها اشد نعومة من الشهد، وقد استحالت الأشجار، والحجارة، والممرات إلى رماد!
[8] حروب
سألت الحمامة جارتها، وهما يشاهدان أعمدة الدخان ترتفع عاليا ً وتغطي سماء المدينة:
ـ ما الذي يجعل هؤلاء البشر لا يكفون عن الاقتتال، وشن الحروب، وتدمير مدنهم... وكأن كل طرف أوكلت له مهمة سحق الآخر، ومحوه من الوجود....، بينما نحن معشر الحمام لا نكف عن الهديل.
أجابت الحمامة جارتها:
ـ آ ...، أصبحت لديك ذاكرة...، وصار لك عقل، وتتكلمين أيضا ...؟!
فلم تجد إلا ردا ً واحدا ً:
ـ هذه هي إذا ً أسباب حروب البشر بعضهم مع البعض الآخر؟
ـ وتستطيعين إضافة سبب آخر ربما هو من أكثرها غرابة: فالكل لا يرغب إلا بمحو الكل، ولكن بذريعة الانتصار، والمجد، والخلود!
[9] هدية
وقف الحمل بجوار قفص الذئب، وقال له:
ـ الآلهة أرسلتني إليك!
ضحك الذئب وقال له:
ـ اذهب واخبر الهتك، أيها الحمل، أن تطلق سراحي من هذا القفص أولا ً...، فانا ـ بعد ذلك ـ سأرسلك هدية إليها!
[10] حبال
خاطب النمر الذي كان يمشي فوق الحبل، في السيرك، زميله النمر:
ـ تخيّل ...، لقد أصبحنا نجيد المشي فوق الحبال، والرقص عليها، أفضل من البشر!
ـ هذا يدل إننا أيضا ً ننحدر عن أسلافنا القرود!
ـ ولكني لم اقصد الإساءة إلى أسلافنا!
ـ ولا أنا فكرت بشتم بني البشر! لأننا، جميعا ً، حتى لو نجد حبالا ً نمشي فوقها، أو نرقص، فان حبال هذه الحديقة لن تدعنا نعيش بسلام!
17/7/2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق