الأحد، 10 يوليو 2016

جفاف وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل

جفاف وقصص قصيرة أخرى




    [ عندما تصبح الفوضى قدرا ً، والظلم حد الجور عدالة، يكون قهر عوامل القهر جهدا ً ضائعا ً، وعندما تصبح اللا شرعية ممرا ً للاحتفالات، فان العمل على إغراق السفينة يكون واجبا ً، بل واجبا ً مقدسا ً! وعندما يصبح العفن مقياسا ً، فلا موقع للعطر، في الهواء، وعندما  يصبح الأعمى علامة للطريق، يكون واجبا ً أن تفقأ عيون المبصرين، وعندما يصبح الأحمق رمزا ً للنبوغ، والكرامات، فان أصحاب العقول السليمة، يستحقون الجلد، بل والسجن، وعندما يصبح الأعرج معلما ً للرقص، والأعور حارسا ً للمرمى، واللص أمينا لبيت المال، والفاسد علامة للنبل، والمأبون قدوة....، تكون الهزيمة وحدها نصرا ً مؤزرا ،ً وأبديا ً، وكل من لا يوافق، لا يرسل إلا إلى المكان الذي لا عودة منه: الجحيم!]


عادل كامل

[1] جفاف
   بعد سنوات طويلة من الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، انهمرت الأمطار غزيرة، حتى راحت السيول تجرف ما تصادفه، وهي تهدم البيوت، وتقتلع جذوع الأشجار وما تبقى من سيقانها، معها، في انحدارها نحو البحر.
   فضحك الحكيم، مع نفسه، وهو يردد:
ـ ثم سيحل الجفاف، مرة أخرى...!
فسأله جاره:
ـ ماذا تقصد؟
ـ ببساطة، اقصد: لماذا لم ننشأ، على مدى عقود، سدودا ً للحفاظ على هذه المياه...، أليس الماء هو سر وجودنا، وسر ديمومة الحياة؟
أجاب الآخر حالا ً:
ـ  وهل تريد أن تجفف مياه البحر، وتهلك كائناته الحية؟

 [2] مع الريح
    سألت البعوضة ذبابة كانت تجاورها في تأمل الاحتفال السنوي بالعام الجديد:
ـ متى ستستولين على السلطة، وتصبحين قدوة لنا؟
    ضحكت الذبابة:
ـ  وماذا  افعل بأكثر مما امتلك من نعيم، ومسرات، كي أصدع راسي بإدارة هذه المزبلة...؟
ـ آ ....، لكن لا احد يهتف بحياتك، ويدعوا لك بالأبدية، والخلود، والمجد...؟
ـ وما فائدة الهتاف الذي يأتي مع الريح، ولا يذهب إلا معها؟


[3] اختلاف
ـ أتعرف، أيها العزيز، ما الفارق بيني وبينك؟
رد الكبش:
ـ أنا أتخلف عنك بنسبة 99%..
ابتسم العامل المكلف بالمراقبة:
ـ إذا ً أنا أتقدم عليك بنسبة 1% فقط؟
   ضحك الكبش:
ـ  النسبة ثابتة، سيدي، فأنت مازلت تشبهنا، ونحن مازالتا نعمل كي لا ندع عقولنا تحث خطاها نحو عقولكم،  فإذا كنتم وضعتمونا داخل هذه الزرائب، والأسوار، والأقفاص، فانتم لستم طلقاء أبدا ً! لأننا، ببساطة، نراكم أسرى قوانين هذه الحديقة، ولا نرى الحديقة، إلا داخل قفص بلا جدران، وبلا حدود!
ـ ها أنت تفكر بنسبة 1% ...، أما أنا فلا أفكر إلا بنسبة 99%!
رد الكبش بعد لحظة صمت:
ـ  ولكن ماذا لو أجرينا جمعا ً للنسبتين؟
 ضحك العامل المكلف بالمراقبة:
ـ  لن تكون هناك حديقة!
ـ لا...!، لا يا سيدي،  بل ستتسع هذه الحديقة، ولكنها كلما اتسعت، لن تدعنا نرى إلا وقد أحكمت أسوارها علينا حد انك لا تعرف انك حيوان بنسبة 99%، ولا أنا اعرف أنني امتلك نسبة 1% من عقولكم الشريرة!


[4] شفافية
   بعد أن استمع إلى التقرير العلمي، عبر شاشة الحديقة، تمتم مع نفسه، وهو يفقد توازنه في العودة إلى مغارته:
ـ  أنا لا اعرف ما الجدوى من نشر الإحصائيات، والأرقام، والوثائق....؟
    رد الدب الذي سمعه يتكلم مع نفسه:
ـ  وما شأنك....، إن كان هناك 65 مليون نازح، مشرد، مهجر، وما ـ هو ـ شأنك إن كان  هناك 260 مليون أرملة في العالم ...، وما شأنك  أن 17 ألف طفل يموتون في كل يوم....، بينما لا تسأل لماذا وضعونا داخل هذه القضبان الحديدية، وهم ـ بلا حياء ـ يتحدثون عن الشفافية؟
حدق في عينيه مذعورا ً:
ـ وهناك أكثر من ملياري إنسان يعيشون تحت خط الفقر، مثل الدواب، والبهائم، والديدان...!
ـ أعرف ...، لكن ما شأني، وما ـ هو ـ شأنك، وقد قرروا  حمايتنا من الأعداء، ومنحونا ما يكفي من العلف..؟
   ابتعد، متمتما ً:
ـ  الآن عرفت كيف روضونا، وكيف رضخنا للأمر ...، حتى لم نعد نميز هل هذه الأقفاص وجدت لحمايتنا، أم كي يستمتعوا بمشاهدتنا، ونحن نرقص، فوق الحبال، مع القطط، ومع القردة، ومع الكلاب، داخل هذا السيرك؟



[5] سعادة
    سأل الكبش النعجة وهما يشاهدان الطائرات تقصف مدينة فترتفع أعمدة الدخان ..، ملونة، مثل قوس قزح:
ـ أتعرفين ما هو سر سعادتنا...؟
أجابت النعجة:
ـ اجل، اعرف!
ـ ما هو هذا السر..؟
ـ أنا امتلك قدرة تجاهل أن هناك 99% سببا ً للتعاسة، وإن هناك سببا ً واحدا ً للسعادة مازلت اجهله!
ـ يا حمارة، يا نعجتي الغالية، أنت سعيدة بنسبة 99%، والسبب الوحيد لشقائك انك سعيدة لأنك  لا تريدين معرفته!

[6] حرية
   اقترب الحمل من قفص الذئب وسأله:
ـ ما رأيك بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي؟
فكر قليلا ً، وأجاب الذئب:
ـ  مادمت لا استطيع مغادرة هذا القفص الذي حجزوني داخله...، فهل باستطاعتي أن اعرف كيف حصلت على حريتك،  التي لا تعنيني شيئا ً!


[7] محرمات
ـ اغرب ما في هذا الوجود...، إن الذين يتمتعون بالسعادة، هم أكثرهم إدراكا ً بتعاسات الآخرين!
ـ آ .....، لكن الأغرب من هذا، في هذا الوجود نفسه، أن التعساء، الأذلاء، والممحوين وحدهم يبذلون كل ما بوسعهم للحفاظ على نظام السعادة!
ـ اسكت ...، فأنت تكاد تتجاوز المحرمات، والخطوط الحمراء!
ـ وهل هناك محرمات، أو خطوطا ً حمراء، أبقوها لنا كي نفكر بالاقتراب منها، أو مسها، حتى لو بطيف كلمة؟!


[8] شكر
ـ ماذا تقول للرب، لو استدعاك، بعد الموت؟
ـ سأقول له: شكرا ً، أيها الرب، انك أهلكتني، قبل أن  انجح بمعرفة سر خطتك بخلقي!

[9] السبب
ـ أراك تغرد، أيها البلبل، والموت يزحف للقضاء علينا جميعا ً؟
ـ لم يبق لدي ّ إلا السبب الوحيد الذي اجهله، يجعلني أغرد، فان لم افعل، فقد اعرفه  فازداد طربا ً حد الموت!

[10] حكمة
ـ هل حقا ً تلتقط حكمتك من أفواه المجانين؟
ـ آ ....، كلا، بل انأ استمدها من هؤلاء  العقلاء الذين سلبوا عقولنا منا!

[11] حرية
ـ ماذا تفعل لو أطلقنا سراحك من هذا السجن؟
ـ لا تسخر مني، يا سعادة المحقق، وكأن الحرية توزع مجانا ً، أو تمنح من غير ثمن؟
ـ نعم، انك ستدفع حياتك ثمنا ً لها!
ـ سيدي، أنا لم أر في حياتي إلا القليل من الحرية...، وهذا القليل هو الذي قادني إلى هذا السجن، فدعني احلم بها، بدل أن ترسلني إلى العالم الذي لا عودة منهً.!


[12] علف
ـ لِم َ أعلنت الإضراب عن الطعام، وأنت تعرف إننا أعطيناكم علفا ً يكفي لسنوات؟
ـ أنا لم اضرب عن الطعام، لكن لم يعد لدي عمل اعمله سوى اجترار العلف...، فقلت: بدل أن أموت متخما ً،  لعل الجوع يسمح لعقلي بالعثور على درب للخروج من هذه المحنة!
ـ وهل نحن في محنة؟ وأنت ترى الجميع أكثر انشغالا ً بالحصول على حصص مضاعفة من العلف؟
ـ ألا ترى أن هذه الخطة، أيها الحمار، لا تدعنا نرى إلا الدرب نفسه...، وإن الخروج عليه، يتطلب خطة أخرى...؟
ـ وهل سنعثر عليها بعد الموت،  بعد أن تكون أضعتها وأنت على قيد الحياة؟
ـ سيدي، لا التخمة تسمح لي بالعثور على جواب، ولا الجوع يسمح لي بالذهاب ابعد منه! فلكل منهما باب يفضي على الآخر، ولكنهما لا يلتقيان أبدا ً!


[13] الجاني
   عاد الثعلب المكلف بالتحقيق، يعيد النظر في لغز اختفاء أشبال السبع، من الحديقة، ليجد إنها ـ الأسباب ـ لا تقود إلا إلى السبع نفسه، لكنه تراجع ونفي أن يكون السبع ظالما ً حتى ضد نفسه!
   اقتربت اللبوة من الثعلب وسألته:
ـ  أراك مترددا ً...؟
ـ سيدتي، وهل يسمح الخوف لعقلي أن يعمل؟
قالت اللبوة بمرح:
ـ ها أنا عدت من عرين السبع توا ً...
ـ مبروك! لأننا الآن بانتظار الحمل، والولادة...، فما الجدوى بالبحث عن قضية أصبحت من الماضي؟
   قالت اللبوة بحزن مكتوم:
ـ  وما أدراك إن الجريمة لن ترتكب، مرة ثانية؟
   حدق في عينيها مذعورا ً:
ـ  وأنا لن اضطر للقبول بالبحث عن الجاني!
فقالت اللبوة:
ـ ولكني، أيها المحقق، اعرفه!
اقترب منها، وهمس بصوت خفيض جدا ً:
ـ يبدو إن الخوف منحك شجاعة الاعتراف! ولكن من هو الجاني، بحق السماء، أيتها اللبوة...؟
ـ  وهل باستطاعتي أن أخبرك....، وأنت تعرفه، وقد خبأت الأمر علينا!


[14] خطة
ـ اخبرني...، بما تبقى لديك من ضمير...، هل تتطلب خطة المدير، مديرنا الأبدي،  في هذه الحديقة، أن يترك الطاعون يفتك بنا، بعد أن أهلكنا الخوف، وبعد أن مات صغارنا جوعا ً، وبعد أن هرب معظمنا، وبعد أن عم الفساد حد انك لم تعد ترى منفذا ً للخلاص، ولا جدوى من الشكوى، ولا فائدة من طلب الرحمة...؟
ـ أجل ...، فلو كنت، أيها المتشائم، أمينا على أداء الفرائض، والطاعة، لكنت أبعدت عنك هذه الأسئلة، وهذا الأسى..
ـ ولكني، سيدي، أديتها، كما لم يؤدها غيري، ولا المدير نفسه فعلها أيضا ً! ومع ذلك، ها أنت تراني أوشك على الموت جوعا ً، ومرضا ً، حتى لم اعد امتلك عقلي.
ـ آ ...، أيها الحزين، نعم، هناك خطة لدى مديرنا، مديرنا الأبدي، لكنها أعلى من أن تكون عالية...، وأنا غير مخول بالحديث عنها.
ـ وما ذنبي أنا..؟
ـ  ذنبك...، أيها الأحمق، انك خرجت من عفن هذه المستنقعات، وما عليك إلا أن ترتوي منها، من ثم، وأنت اعرف العارفين: إن من يولد في هذه المستنقعات لا يموت إلا فيها!
ـ حقا ً، إنها خطة بارعة، محكمة، درجة إنها لم تسمح لي إلا بتنفيذها، مع إنني كنت اعرف سبل الفرار منها!


[15] وباء
    بعد أن اكتسح الوباء الحديقة، ولم يترك إلا عددا ً قليلا ً من الناجين، شاهد احدهم جاره يفطس في الضحك، فسأله:
ـ  ما المضحك في الأمر، وقد عمت المصيبة علينا جميعا ً؟
ـ  أنا لا اضحك...، أنا ابكي!
ـ ولماذا تبكي...؟
ـ أنا لا ابكي ...، فانا لا اضحك!
ـ ما الذي يجعلك تتلعثم هكذا ولا تعرف ماذا تقول؟
ـ سيدي، لقد أدركت إن الحرية وحدها أكثر استحالة من الوهم!، والمصيبة التي أدركتها أن الوهم هو أيضا ً أكثر استحالة من الحرية!
ـ آ ...، ما الذي يدعوك للانشغال بهذه الأسئلة...، وأنت نجوت من الوباء؟
ـ صحيح، أنا نجوت...، ولكني لا اعرف ما المصير الذي ينتظر أولادي، وأحفادي؟
ـ وهل لديك أولاد نجوا من الوباء؟
ـ لا ...، ولكني أخشى أن أعاقب إن لم اعمل على إنجابهم!


[16] المحاكمة
   جرجرت بقسوة، وقادوها، عبر الممرات الخلفية، نحو المغارة. لم تظهر البقرة النحيلة، الضامرة، ألما ً، أو ذعرا ً، بل مكثت هادئة، ولا مبالية أيضا ً. حتى إنها عندما وضعت في القفص، هزت رأسها من غير سخرية. وعندما سألها الضبع ـ القاضي ـ  إذا ما كانت اختارت محاميا ً قالت إنها لم ترتكب ذنبا ً أو جريمة، أو إثما ً.
فسألها:
ـ  ألا يعد إضرابك، بحد ذاته، مخالفة بينة، يعاقب عليها القانون...؟
   فردت بصوت واثق:
ـ إنها ـ سيدي ـ حرية شخصية، والدستور ينص عليها.
فسألها الضبع:
ـ  هذا صحيح، ولكن، ألا يعد هذا تحريضا ً للأبقار، والنعاج، ولباقي إناث المزرعة،  للامتناع عن الحمل، بل ولكراهية الذكور...، والاستخفاف بإرادة الحياة؟!
ـ لا!
وأضافت بثقة وبلا تردد:
ـ فانا لم اجعل من اختياري قضية عامة، ولم اسمح لها بالانتشار، لأنها، في الأصل، قضية شخصية خالصة.
ـ حسنا ً، هل بالإمكان التعرف على هذه الأسباب الشخصية، أم إنها شخصية حقا ً...؟
ـ سيدي، وإن كنت لا أريد محاكاة حكمة الشاعر الذي قال: هذا ما جناه أبي علي ّ وأنا ما جنيت على احد...، إلا أنني وجدت نفسي اسلك حكمته، من غير أوامر قسرية، وبلا خوف...!
صمت لحظة وقال بصيغة سؤال::
ـ هذا يعني أن الحياة جريمة ...، وعلينا ألا نرتكبها؟
ـ لا!
ـ هذا يعني أن ديمومتها خطيئة...؟
ـ كلا!
ـ لِم َ إذا ً الإضراب عن الإنجاب، واختيار طريق الفناء.....؟
ـ قلت ـ سيدي ـ لا أريد أن أنجب عجولا ً للذبح، وهذا كل ما في الأمر! فلا داعي لإقحام الفلسفة، والحكمة، في هذه القضية.
ابتسم الضبع:
ـ ولكننا سنرسلك، اليوم أو غدا ً، إلى .....، المسلخ! ولا نرسلك من اجل لحمك، أو جلدك، أو عظامك، بل عبرة!
    هزت رأسها، ولم تجب. فسألها:
ـ  أنت راضية؟
ـ وهل لاعتراضي معنى...؟
   ساد الصمت للحظات، ثم سألها القاضي:
ـ  هل لديك أقوال أخرى...؟
ـ وهل كنت تكلمت؟ كلا، ليس لدي ّ ما أقول.
ـ إذا ً...، سنرسلك إلى الموت؟
ـ اعرف...، حتى اجهل جهلة هذه الحديقة يعرفون هذه البديهة...، فانا سأموت مثلما الجميع سيلقون المصير نفسه..، فما الجديد...، وما الغريب في المعضلة؟
ـ يبدو انك سعيدة، بل وأكاد أراك مسرورة أيضا ً؟
ـ  نعم، لكني لست حزينة، وليس لدي شعور بالأسف على ما يستحق أن آسف عليه! فانا سأموت بإرادتي....بل بحريتي، بدل أن أكون سببا ً بموت آخرين لا إرادة لهم في  اختيار الحياة، مثلما لا خلاص لهم في تجنب الموت!


[17] غزال
   استيقظ الدب فوجد نفسه تحول إلى غزال:
ـ غريب...، فانا كنت آمل أن أتحول إلى تمساح، أو نمر، أو حتى إلى ذئب؟
   لكن الغزال سأل شبح الدب الذي مازال يحّوم في الكهف:
ـ وهل أنا غير جدير بك؟
ـ لم اقصد هذا ـ يا وجودي الشفاف ـ بل قصدت أن الدفاع عنك غدا مستحيلا ً؟
ـ لم افهم قصدك...، أرجوك، أنا بحاجة إلى إيضاح؟
قال شبح الدب:
ـ  ومن ذا باستطاعته أن يدرك أن سر أكثر المخلوقات وضاعة وحده يقدر على إحراز أعظم الانتصارات!

[18] لغة
ـ  تكلم..، اشرح لي قضيتك؟
ـ سيدي، أخبرتك، لا تمتلك اللغة قدرة على معالجة القضية التي دعتكم إلى اعتقالي، وسجني.
هز المحقق رأسه:
ـ  ولهذا طلبت منك أن تستحدث البديل!
ـ وهل باستطاعتي أن اخترع لغة لقضية مازالت قابعة مقدماتها ترفرف في الأثير! ضمن خطة حكيمة تتموج كأطياف أحلام لم تخطر ببال مخلوق لم يتكون بعد!
ـ ها أنت تعترف بجريمتك؟
ـ اجل...، أنا اعترف بوجود أطياف، ورفيف، وخطة...، مثل الذي يعترف بوجود وجود يستحيل دحضه...، وقد بينت لسيادتكم، أن لغتنا وجدت لمعالجة قضايا  عبرها الزمن، وإنها غدت غير صالحة للاستخدام!
ـ ها أنت تؤكد بعدم صلاحيتنا أصلا ً...؟
ـ اجل...، فهل باستطاعة سكين عمياء أن تستأصل ورما ً لم يتم تحديد موقعه بعد؟ كذلك، سيدي، لغتنا لا تؤدي إلا ما تؤديه هذه السكين، تمد بعمر المريض، ولكن ليس إلى الأبد!

[19]   اختلاف
ـ ما الاختلاف بين كائن يذهب إلى الفردوس...، وآخر يذهب إلى الجحيم...؟
ـ ربما الاختلاف يكمن في أن الأول لن يضطر إلى ارتكاب آثام تقود خطاه إلى الجحيم...، أما الآخر فربما يكون تعلم كيف يتطهر من خطاياه كي يخرج من النار!
ـ وأنت ...، أين تود أن تذهب؟
   مبتسما ًأجاب:
ـ  وهل كنت حرا ً في المجيء إلى هذه الدنيا، كي اختار نهاية أعدت لي قبل أن أرى هذه الظلمات، وقبل أن أرى هذا القليل من الضوء الذي سمح لي لرؤيتها كم هي بلا حافات، وبلا حدود!

[20] قلت ولم اقل
ـ هل ترغب أن تذهب بعيدا ً عن هذا المستنقع، وتغادره إلى الأبد ...؟
ـ كلا!
ـ غريب...، أنا أفكر أن أمنحك حرية الهرب...، والخلاص، وأنت تعترض علي ّ؟
ـ أجل...، لأنني لو هربت، فانا سأحمل معي جرثومة الداء ذاته، الذي كافحنا ـ حد الموت ـ من اجل بقاءه مزدهرا ً، وهو لم يتعرض للوهن، للشيخوخة، ولا للهرم...، وأما أن أبقى، وأنا في البعيد، احلم بالعودة إلى مستنقعي!
ـ كأنك عدت تكرر: ما الضوء إلا حزمة ظلام شفاف! وما المكان، ليس سوى أزمنة متجمدة...! وكأنك تريد أن تقول: ما الحرية، في الأخير، إلا أصداء فوضى خلاقة؟!
ـ أنا لم اقل هذا أبدا ً! أنا أخبرتك باني ـ أينما وليت ـ فان الموت اعد إلي ّ، قبل ولادتي!
29/6/2016
Az4445363@gmail.com

ليست هناك تعليقات: