( أنت كالكلب ، وإياك أعني )
حامد كعيد الجبوري / العراق / بابل
دخل علي بن الجهم 188 -
249 هـ الشاعر البدوي بملابسه الخشنة الرثة
، وشكله المتجهم مدينة بغداد وهي حاضرة الخلافة العباسية ، سمع الشاعر الجهم الناس
يقولون أن الخليفة المتوكل يغدق على
الشعراء والمداحين ، فدخل لقصر الخلافة مبتغيا مدح الخليفة لكسب المال ، أصغى بن
الجهم لشعراء البلاط وهم يمتدحون المال عند خليفتهم فنهض من مكانه وقال يا أمير
المؤمنين أسمح لي بالقراءة ، وقرأ ( أنت كالكلب في حفاظك للود / وكالتيس في مقارعة
الخطوب / أنت كالدلو لا عدمناك دلواً / من كبار الدلا كثير الذنوب ) ، والدلا هو
ما يشبه الصاع الكبير ينتهي بقاع البئر ويربط بحبل لسحب الماء ، وكثير الذنوب تعني
كثرة ما تحويه من الماء ، وبرواية أخرى (
من كثير العطايا كريم وهوب ) ، والرواية الأولى أدق مصدرا ، شاط الخليفة غضبا ولحظ
الحراس وسياف القصر ذلك فاستلوا سيوفهم وأحضروا
النطع – فراشٌ من الجلد يوضع لمن يقطع رأسه كي لا يلوث السجاد الدماء
- ورموه أرضا وكُتِّفَ الشاعر بالقيد
ليذبح علنا أمام الأشهاد ، سأل الخليفة المتوكل العباسي الشاعر وأجاب ، بعد
الإجابة عرف الخليفة أن الشاعر بدوي ، ولا أقرب للبدوي من الكلب والبئر والدلاء
فقال أتركوه ، وأمر إدخاله الحمام ، ومنحه كسوة مناسبة ، وبيت على نهر دجلة ،
وجارية ، شرب الشاعر عذب ماء دجلة ، وخالط الناس ، وشرب المدامة فتغير طبعه ومنطقه
، وصح حدس الخليفة بهذا البدوي الشاعر ، وما هي إلا شهورا قليلة فكتب ( عيون
المها بين الرصافة والجسر / جلبن الهوى من
حيث أدري ولا أدري / أعدن لي الشوق القديم ولم أكن / سلوت ولكن زدن جمرا على جمر )
، ولأننا عرَّجنا على الكلب الذي مُثل به المتوكل العباسي فيقال أن للكلب عشر صفات
من المؤمنين أوردها الحسن البصري والأصمعي وغيرهم الكثير ، وأعطى سبب تحبب
الصفة عند الكلاب ، وصفات الكلب كما
أوردوها أولها : ليس له مقدار بين الخلق وهو حال المساكين ، وثانيها : أن يكون فقيرا ليس له مال ويكون صفة المجردين ، وثالثها : ليس له
مأوى معلوم والأرض كلها بساط له وهو من آداب المتوكلين ، ورابعها : أكثر أوقاته جائعا وهو من آداب الصالحين ، وخامسها : إن ضربه صاحبه لا يترك بابه وهو من علامات المريدين ، وسادسها : لا ينام من الليل إلا اليسير وذالك من صفات الخاشعين، وسابعها : أن يطرد ويجفى
ثم يدعى فيجيب ولا يحقد وذلك من علامات العاشقين ، وثامنها : أكثر عمله السكوت وذلك من علامات المرتاضين
، وتاسعها : يرضى بما يدفع إليه صاحبه وهو حال القانعين ، وعاشرها : إذا مات لم يبق له شيء من الميراث وهو من مناقب الزاهدين .
ومما
رويّ لي عن عزة النفس والكبر وحفظ الود عن الكلاب
من بعض الأصدقاء ثلاثة حالات استوقفتني كثيرا تختزنها ذاكرتي ، 1 : أحد التجار المترفين يسكن
في بيت منيف كبير في كرخ بغداد ، وكان له كلب يحرس داره ، ومن عادات التجار تعطيل
محلات تجارتهم أيام الجمع ، وعصر كل جمعة يخرج التاجر من بيته وبيده مسبحة ثمينة
ليجلس مع أصدقائه في مقهى لا تبعد كثيرا عن بيته وتطل على دجلة الخير ، حين يخرج
يتبعه الكلب ويقرفص قبالة المقهى التي يؤمها صاحبه، ويعود مع صاحبه ، هرم الكلب
وأصبحت ساعات نومه أكثر من ساعات يقظته ، طرده صاحبه من البيت ورماه للشارع وأغلق
باب داره ، لم يبرح الكلب بيت التاجر وكان يذهب ليجد قوته في المزابل القريبة
ويعود الى حيث دار صاحبه ، ولم يترك مرافقة صاحبه وهو يجلس أيام الجمع مع أصدقائه
، الظاهر أن أحد اللصوص كان يخطط لسرقة المسبحة الثمينة من يد التاجر ، وفعلا ركب
اللص دراجة هوائية وخطف المسبحة من يد التاجر وهرب مسرعا ، صرخ التاجر بأعلى صوته
( حرامي – حرامي ) ولم يستطع اللحاق باللص لبدانة التاجر ، ركض الكلب خلف دراجة اللص ، وعضه من رجله ،
وأسقطه أرضا وهم بالهجوم على اللص ، واللص
يعرف أن هذا الكلب يملكه التاجر ، وخاف من
وصول التاجر له ، وربما يمسك ويسلم للشرطة ، فما كان من اللص إلا أن يرمي المسبحة
، ألتقط الكلب المسبحة وعاد لصاحبه وبين
أسنانه المسبحة وأخذها التاجر من فم الكلب ، لم يذهب التاجر بعد الحادثة الى
المقهى وعاد لبيته ، حين وصل لباب الدار مع الكلب الوفي ، وفتح الباب وقال لكلبه
تعال وعد لمنزلك ، نظر الكلب للتاجر نظرة احتقار واشمئزاز وهز بذيله وغادر المكان
ولم يعد للجلوس أمام باب الدار ثانية ولم يعد نهائيا .
الحالة 2 : صديق شيخ عشيرة
يقول كان عندي كلب شجاع وأمين وذكي جدا ، يقول كنت أميز نباحه ولماذا ينبح ، أن
كان ينبح لضيف أو للص أو لخطر يدهم القرية ، يقول صديقي شاخ الكلب عندنا وأصبح
كثير النوم ، والأكثر أن أولاد الكلب وذريته كانوا يقسون على الكلب الكبير
ويحرمونه حتى من الطعام ، وكنت أنهره وربما أفرد له طعامه فيسرقونه منه أيضا ،
يقول بعد أيام افتقدت وجوده وسألت عنه أولادي وقالوا لا ندري ، اختفى الكلب يوم ،
يومين ، أسبوع ، شهر ، فقلت لنفسي ربما مات بمكان ما ، يقول كان بستان أختي المتزوجة يبعد بحدود 2كم عن بيتنا ، قلت
اليوم سأزور أختي وأتناول طعام العشاء معها ، حين وصلت لدار أختي فاجئني كلبنا
الهرم عندها ، ولاعبته وقلت له سألت عنك كثيرا حتى ظننتك مت ، والكلب المسكين يرمي
بنفسه على أقدام صديقي الشيخ ويعبث بأطراف إزاره ويحمحم له ويهز ذيله فرحا لرؤية
مربيه ، يقول بعد تناول طعام العشاء عدت ماشيا لبيتي ، ورافقني الكلب بمسيري ،
وكنت فرحا بعودته ، قبل خمسين مترا عن بيتي وقف الكلب عن المسير ، قلت له تعال لا
تخف فسأفرد لك مكانا خاصا لا يصل فيه إليك بقية الكلاب ، لم يتحرك من مكانه ،
وأعدت عليه الحديث ولم يستجيب ، ضربته بعصاي ضربات خفيفة على ظهره ولم يستجيب ،
يقول قلت للكلب ( أذهب فإنك لا تستحي وتترك بيتك ، وتخاف من ولدك ، والأكثر تذهب
دخيلا لبيت غريب لا تعرفه ) ، يقول عدت لبيتي ونمت ليلتي ، وخرجت لقضاء أعمالي ونسيت الكلب ، بعد أيام تذكر الشيخ كلبه وقال
ابحثوا عنه ولم يجدوا ، طلب من أحد أولاده الذهاب لبيت عمته ليسأل عن الكلب وعاد
وقال لوالده لم أجد الكلب عند عمتي ، يقول خرجت للمكان الذي توقف عنده الكلب ورفض
الدخول معي للبيت فلم أجده ، يقول شممت رائحة كريهة فتوجهت نحوها ، ووجدت الكلب
مختفيا بين فسائل نخلة وهو ميت ، يقول عدت للدار حزينا لأني لم أتفقده أو أذهب له
بطعام .
الحالة
3 : صديق يسكن بأطراف المدينة ويخشى من
الأطفال أو اللصوص تسلق سياج الدار لسرقة أي شئ من حاجيات المنزل ، وصديقي من
المربين لطيور الزينة ، جلب كلب صغير وضعه
بشرفة الدار المطلة على الحديقة ، كبر الكلب وأصبح وسيلة تنبيه للرجل ، وفعلا كان الرجل
يميز نباح الكلب أن كان لمن يمر عابر سبيل ، أو لمن يحاول تسلق سياج الدار ، أحد أصدقاء
الرجل قال له أن كلبك ليس من فصيلة جيدة
وسأعطيك كلبا من عندي وهو كلب يسمى ( Wolf
dog ) ، وقبل أن يجلب الكلب الجديد
أخذ الكلب القديم بسيارته ورماه بمكان بعيد جدا عن بيته ، عاد الرجل لبيته فوجد
الكلب القديم قد وصل للبيت قبله ، فقال لنفسه ليبقى خارج الشارع ، وكان الكلب
مرابطا بباب الدار ويأكل مما يرميه له أصحاب الدار ، جلب صديقي الكلب الجديد ووضعه
بنفس الشرفة فأنتبه الكلب القديم أن كلبا جديدا حل مكانه ، رمق لصديقي بعينيه ورفع
رأسه للشرفة وغادر المرابطة بباب الدار ولم يعد لها وليومنا هذا .
بعد التغيير وسقوط صنم الدكتاتورية البغيضة
كتبت بيتين من الشعر الشعبي تلخص ما أريد قوله في هذه الموضوعة ، ( عجيبه عالجلاب
التنبح بهل اليوم / نزع ثوب الجلاب وصاير بريكي / ربيت الجلب يحرسني .. ملخني! /
وبثوبه يهز لو شاف أمريكي ) ، - بريكي ملابس شبابية يمتاز بلبسها بعض الشباب عديمي
الذوق والأخلاق – ، وبنفس إطار هذه
الموضوعة ( غزالة ) زوجة شبيب الخارجي أحد كبار الخارجين
على بني أمية ، وأستحل الكوفة أيام إمارة الحجاج الثقفي ، وهو ( شبيب بن يَزيد بن نعيم بن قيس الشيباني ) ، وكانت زوجته ( غزالة ) قد نذرت لو مكن الله لزوجها الكوفة فستصلي ركعتي
شكر لله في مسجد الكوفة ، ووفت غزالة نذرها وصلت ركعتين قرأت في الأولى سورة
البقرة كاملة ، والركعة الثانية سورة آل عمران ، فهزأ
شعراء الكوفة من جبن أميرهم الحجاج الثقفي وكتبوا شعراً ، ( أسد علي وفي الحروف نعـامة /
فتخاء تنفر من صفير الصافـر / هلا برزت إلى غزالة في الوغى / بل كان قلبك في جناحي
طـائر ) ، وموضوعنا له علاقة والعاقل .