4 قصص قصيرة جدا ً
عادل كامل
[1] حزن
سأل صاحب الحمار حماره، عندما احرن:
ـ أتفضل أن أجعلك وليمة لكلابي الجائعة، أم تعود إلى رشدك، وتمشي؟
بعد صمت طويل، رد الحمار:
ـ المشكلة أني لو مشيت، فعلي أن احمل ما لا يحتمل حتى تحين ساعة موتي...، من ثم سترسلني إلى كلابك أيضا ً، لهذا أنا سأكون سعيدا ً لو فعلتها الآن، كي لا أراك، ولا أرى كلابك، ولا أفكر برؤية وجهي هذا القبيح! فقال له:
ـ لن أحقق لك هذه السعادة، مادمت عنيدا ً!
ضحك الحمار بشدة حتى سقط فوق الأرض:
ـ من منا الحمار، يا سيدي، أنا أم أنت؟
ـ ماذا قلت؟
ـ لقد تعلمت منك الغباء، فأنت تكرمني، بعد أداء عملي الشاق، بإرسالي طعاما ً إلى كلابك الشرسة، بينما كنت أريدك أن لا ترسل أحدا ً آخر غيري، ولكن المصيبة وجدت كي تبقى مصيبة، وإلا لكانت الحياة قد بلغت ذروتها، وصارت تعمل كما تفكر!
ـ حمار وتفكر...؟
ـ ولكن ماذا عن مصيبتك، إنسان ولا يفكر!
[2] نزف
كتمت الحمامة فزعها وهي تراهم يفترسون شريكها الذي كان ـ قبل لحظات ـ يقف بجوارها، فوق غصن، في أعلى الشجرة. فراحت تبحث عن ملاذ لها حتى وجدت الأرض قد اكتظت بالوحوش الغريبة، وقد ارتدت أقنعة الدببة، والتماسيح، والصقور...، فسعت للعثور على ممر، أو شق، أو فجوة للفرار، فلم تجد...، فرأت غيمة سوداء تقترب منها، فاستنجدت بها، وهي مازالت ترى شريكها يتوزع جسده بين الفكوك، ويتمزق بين أنيابها ومخالبها، فرفعت صوتها مستنجدة:
ـ النجدة...، النجدة، أيتها الغيمة ...؟
وأضافت:
ـ خلصيني أرجوك فانا سأموت..
اقتربت الغيمة قليلا ً منها، وقالت لها، وهي تبحث عن حل لمساعدتها:
ـ وماذا افعل لك...، وأنا نفسي ابحث عن ملاذ!
فعادت الحمامة تتضرع:
ـ سيمزقون جسدي من غير رحمة!
فقالت الغيمة بعد تفكير:
ـ لا تضطربي...! فكل ما استطيع قوله لك: اهدئي، تجلدي، اصبري، وتظاهري بالموت! لعل نصرهم بافتراس شريكك العزيز يعمي بصائرهم فتتخلصين منهم.
ولكن الحمامة التي صدمت بالرد، شاهدت الغيمة تحولت إلى زخات من المطر الغزير، أنزلته فوق الحديقة، فاختفى الضوء، وساد الظلام، آنذاك أدركت الحمامة إنها نجت، إنما شعرت، في اللحظة نفسها، إنها قد تكون نجت من الموت، لكنها لم تكن تعرف من ذا سيوقف نزف قلبها الجريح!
[3] لماذا؟
بعد أن أدى التحية، اقترب المساعد من قائده، وقال:
ـ سيدي...، تم القضاء على البعوض، فقد هدمنا مستعمراتهم، كما تم تخريب بيوت الصراصير، وتمزيق شملهم، مثلما أنزلنا ضربات قاصمة بالفئران، والديدان، والحشرات، والبراغيث، ومازلنا نطارد فلولهم المنهزمة، سيدي!
هز القائد رأسه وقال لمساعده:
ـ أحسنتم...، فلا مفاوضات، لا مصالحة، لا هدنة...، ولا رحمة بكل الخارجين على القانون!
ـ أمرك، سيدي.
لكن القائد راح يخاطب نفسه:
ـ آ ...، لو عرفت ما الجدوى من وجود هذه المخلوقات الوضيعة، فما أن نعمل على اجتثاثها، ومحوها، حتى نراها تتشبث بالعثور على وسائل مستحدثة للمقاومة؟! آ .....، لو اعرف لماذا هذه المخلوقات الوضيعة خُلقت؟
اقترب المساعد الذي سمع الكلام، من قائده، وقال هامسا ً بصوت مرتجف:
ـ سيدي...، أنا نفسي سمعت قائد البرغوث، وقائد الفئران، وقائد البعوض، يقولون وأنا اسحق رؤوسهم سحقا ً من غير شفقة، أو رحمة: آ ...، لو عرفنا ما الفائدة من وجود هذه الكلاب الشريرة...، ولماذا خُلقت؟!
[4] حمل
سأل الحمل أمه وهو يرى النور للمرة الأولى:
ـ كنت أظن انك ِ، يا رمز الرحمة، ستدركين الدرس...، فبعد أن ذبحوا آباءنا، أجدادنا، وأسلافنا...، انك ستكفين عن الحمل، والولادة، ولا تأتين بنا للذبح!
ضحكت النعجة بمشاعر آلية:
ـ أنت قد لا تعرف ماذا كان سيحصل لو لم ْ افعل....، فهناك ما لا يحصى من النعاج، يحملون، وينجبون ما لا يحصى من الحملان.....، فالعلماء استبدلوا عمليات الإنجاب بالتخلص من أسلافك وأجدادك وآباؤك أيضا ً...، بالوسائل الجديدة، حتى لو مكثنا من غير ذكور...! ولكننا ـ مع ذلك ـ نأمل أن يسترجعوا رشدهم، هؤلاء الأشرار، ذات يوم، وهذا هو آخر أمل لنا بالنجاة، لنرجع عذارى نرعى في البراري، ونتنزه طلقاء في المزارع... ؛ الخرفان مع النعاج، محتفلين بذريتنا ولكن ليس للذبح!
23/12/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق