الخميس، 20 مارس 2014

موقف الصحافة العراقية من قضايا الفسـاد-وليد خالد أحمد حسن

موقف الصحافة العراقية من قضايا الفسـاد
وليد خالد أحمد حسن
 تتمتع الصحافة العراقية اليوم بهامش معقول من حرية التعبير والانتقاد ولكنها لم تستغل هذه الحرية كاملة ولم تتحرك في كل المساحة المتاحة لها من حرية الرأي والتناول والنشر ، وربما كان ذلك بفعل قوة الاستمرار ورسوخ بعض القيم القديمة بانتظار حلول قيم جديدة محلها.
فمن الناحية القانونية والعملية تملك الصحافة العراقية هامشاً واسعاً من حرية نشر الأخبار والتعليقات حول قضايا الفساد المستشري في أغلب مفاصل الدولة ، ولكن من الناحية العملية يمكن تقسيم موقف الصحف العراقية تجاه هذا الموضوع الحساس إلى قسمين:-
الأول- صحف ، وهي إيثاراً منها للسلامة لاتكاد تتعامل مع قضايا الفساد إلاّ ضمن الأمور المفروغ منها والعموميات ، ولكنها تتجنب تناول قضايا محددة أو تسمية دوائر أو قطاعات النشاط الخاص أو أشخاص بعينهم . ويمكن تفسير ذلك بأنها غير قادرة على التحقيق والمتابعة للحصول على الأدلة والإثباتات ، وفي الوقت نفسه لاترغب في الاعتماد على الشائعات ، كما أنها تخشى من التورط في قضايا أمام المحاكم أو حتى نزاعات وضغوط على الصعيد الشخصي مما يشكل درساً لهذه الصحف للابتعاد عن هذا الباب المزعج.
الثاني – صحف ، وهي ترحب بنشر قضايا الفساد بل تتنافس في الحصول عليها وإبرازها ، ولكنها لاتقوم بأية تحقيقات صحفية موسعة وجادة للتوصل إلى الحقائق الموضوعية ، وفي أحيان كثيرة لاتكلف نفسها حتى مشقة الاتصال الهاتفي بالمرجع المختص أو الجهة المتهمة لطلب التعليق ، والنتيجة أن تلك الصحف فقدت جانباً كبيراً من مصداقيتها في هذا المجال ، وأصبح ما تنشره من قضايا الفساد يقرأ على أنه مجرد صحافة إثاره تهدف لاجتذاب القرّاء ولاتملك عليها دليلاً.
ومما يسترعي الانتباه ، أن بعض الصحف العراقية التي تتعامل مع قضايا الفساد تحاول مداراة الخطر عن طريق التعميم ، فهي تنشر مثلاً عن أعمال مخالفة للقانون وتنسبها إلى موظف في إحدى الدوائر دون تخصيص أو إلى مدير عام في وزارة ، وهكذا . وهو أسلوب مؤذٍ ، لأنه يوزع التهمة بالتساوي على عدد كبير ممن ينطبق عليهم الوصف ، وفي هذه الحالة يستوي البريء والمذنب ، ويظل الفساد مختفياً وراء الأشخاص الوهميين.
ويؤخذ على الصحف العراقية التي تنشر قضايا الفساد ، أنها قلماً تسعى للحصول على المصادر والوثائق التي تعزز بها مصداقية تحقيقاتها أو تعمتد على الشجاعة المتداولة في الدوائر والمجالس أو تقبل نشر موضوع خطير اعتماداً على إفادة شفهية لموظف مفصول يتطوع بها نكاية بالمدير أو الموظف المسؤول عن فصله دون أن تتساءل عن دوافعه ولاتعطي الجهة المتهمة بالمخالفة فرصة كافية للتعليق والتبرير.
الفساد ظاهرة بشرية موجودة في كل بلدان العالم ، صحيح أن الفساد أكثر استشراء في عراقنا اليوم لغياب أو ضعف الضوابط ووسائل المحاسبة والمساءلة ، ولكنه موجود حتى في أرقى الدول المتقدمة التي تمارس الديمقراطية في أفضل صورها.
لايعيب أي بلد أن يحدث فيه الفساد ولكن ما يعيبه أن يكون الفساد محمياً وأن تغيب المساءلة وأن يستمر المسؤولون والإداريون الفاسدون في إدارة المرافق العامة وصنع القرارات الهامة على الرغم من فسادهم . العيب إذن يكمن في غياب وسائل كشف الفساد واتهامه ومحاكمته ومعاقبته.
والصحافة الحرة لاتضمن منع الفساد ولكنها تساعد في كشفه وتعريته وبالتالي ترفع كلفته وتقلل من الإقبال عليه . وليس من قبيل المصادفة أن مستوى حرية الصحافة في أي بلد يتناسب عكسياً مع مستوى انتشار الفساد فيه وخاصة عند المستويات الإدارية أو السياسية العليا.
إن حق الناس في الحصول على معلومات صحيحة غير منحازة هو أساس الديمقراطية . فإذا كانت هناك مشاكل أو مخاطر أو انحرافات ، فإن الرأي العام يعرف ذلك من صحافته الحرة . فإذا لم تكن الصحافة حرة فإن مصداقيتها تزول ويعتمد الناس بدلاً منها على الإشاعات . وفي هذه الحالة يستوي الفاسد والنزيه لأن الإشاعات مجهولة المصدر وغير مسؤولة وتحتمل الصواب والخطأ وقد تصيب الأبرياء والمذنبين على السواء ، مما يجعل الفاسدين في مأمن.
لكن المشكلة تقع عندما تكون الصحافة نصف حرة أو لها مظهر الحرية ولكنها عملياً مقيدة بقيود منظورة أو غير منظورة ، ذلك أن الشعب المحكوم بنظام فاسد أو واقع تحت نفوذ أجنبي غاشم يسيطر على الصحافة يعرف أن صحافته ليست مصدراً يعتمد عليه في المعلومات . أما الشعب الذي يظن أن صحافته حرة وهي ليست كذلك فيسهل خديعته بمظهر الحرية دون جوهرها.
ويجب أن نعترف بأن الحرية المطلقة للصحافة لاوجود لها ، لأن هناك عوامل كثيرة تأخذها الصحافة بالاعتبار عندما تقرر نشر معلومات مدمرة لجهة ما، مثل الانحياز السياسي أو مصادر الإعلانات أو قوة النفوذ وما يتبعها من تهديد صريح أو مبطن.
قبل 9/نيسان/2003 ، حاول بعض الزملاء الصحفيين أن يأخذ موقفاً من الفساد ولكنهم دفعوا الثمن غالياً . لأن الحديث عن الفساد وقتئذ كان يعتبر بمثابة زعزعة للثقة العامة والإساءة إلى سمعة القيادة الحكيمة الرشيدة ... مع أن الحقيقة على عكس ذلك تماماً ، فكشف الفساد – ماضياً وراهناً- يخلق الطمأنينة العامة ويؤكد أن هناك وسائل متوافرة لمواجهة الفساد في مراحله الأولى وأن المواطن الأمين محمي من الفاسدين.
لايقصد بالفساد قبول مسؤول للرشوة وحسب بل هناك طيف واسع من أعمال الفساد التي تستحق عناية الصحافة لكشفها وإدانتها . ومن أبرز الأمثلة ، العمولة السرية التي قد يقبضها صاحب القرار أو الموظف لتفضيل صنف على آخر عند الشراء والاستجابة للضغوط والوسائط في منح الامتيازات والمنافع وإعفاء البعض من واجباتهم الضريبية أو التساهل معهم خلافاً للقانون والتساهل في المال العام ، والتغاضي عن مخالفي القانون ومحاباة الأقارب والأصحاب.
وليس صحيحاً أن المسؤولين وموظفي الدولة هم وحدهم المعرضون للإغراء وممارسة الفساد ، لأن دخولهم المشروعة محدودة وقدراتهم في اتخاذ القرارات واسعة ، ووسائل الرقابة والمحاسبة والمساءلة ضعيفة ، فهناك فئات أخرى لاتقل تعرضاً للفساد وممارسة له ، وهي تستحق المتابعة والمكافحة ، ومن أبرزهم أغلب مدراء الدوائر والوزراء ورؤساء مجالس إدارة الشركات والصحفيون الذين يؤجرون أقلامهم ورجال الأعمال الذين يقومون بممارسات غير مشروعة ...
للأسف الشديد ، على الرغم من أن الصحافة العراقية اليوم زاخرة بالأخبار والمقالات ... فأنها مازالت تفتقر إلى التحقيق الصحفي المستوفي للشروط ، وذلك لغياب المبدعين في هذا المجال من جهة والعجز عن تخصيص الوقت والكلفة التي يتطلبها تحقيق صحفي جيد يدور حول قضايا الفساد الذي مازال بعيداً كل البعد عن التناول بصورة جادة.
ويميل الرأي العام العراقي إلى تصديق تهم الفساد دون دليل . أي أن المتهم بالفساد يعتبر مداناً شعبياً واجتماعياً حتى تثبت براءته مما يرتب على الصحافة مسؤولية أكبر في عدم توجيه التهم جزافاً . كما يؤخذ على الرأي العام العراقي أنه وإن كان ضد الفساد فإنه ليس ضد الفاسدين بالدرجة الكافية حيث ينظر إلى المسؤول الفاسد بأنه مسؤول قوي وجريء ولايقال عنه أنه سرق أو ارتشى بل يقال أنه استفاد.
والملاحظ أن أكثر صحفنا تلجأ إلى التعميم عندما تكتب عن الفساد بحيث لايعرف القارئ من هو المتهم الحقيقي لأن التي تستخدمها الصحيفة تنطبق على عدد كبير من المؤسسات أو الأشخاص ، وهذا يخدم الفساد ، لأنه يخلط الأوراق ويبقي التهمة معلقة في الهواء.

الديمقراطية هي المناخ الصحي الذي لايعشعش فيه الفساد لأنه غير محمي، ولأن الصحافة الحرة تستطيع أن تكشفه . ولكن حداثة عهدنا بالديمقراطية وتردد صحافتنا في القيام بواجبها في كشف ومحاربة الفساد أو تناولها للموضوع بشكل متسرع وغير مسؤول يجعلها هدفاً سهلاً للفاسدين بدلاً من العكس ، ويقلل من فعاليتها في وضع حد للفساد.

ليست هناك تعليقات: