كتب
إسماعيل
فتاح الترك،
" من
ديموزي إلى عصر العولمة ـ مشفرات الموت
وأطياف الحرية"
علي
الدليمي
ضمن إصدارات
السلسلة الثقافية لدائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، صدر للناقد عادل
كامل، كتاب عن النحات الراحل(إسماعيل فتاح الترك)، بعنوان من ديموزي إلى عصر
العولمة... مشفرات الموت وأطياف الحرية.
جاء فيه:ـ (إذا
كان جواد سليم علامة للحقبة التي كادت تستكمل عصرها الريادي، قبل أن تؤثر
موارد(النفط) على التنمية البشرية، بالإيجاب قليلاً، وبالسلب في أكثر الأحيان، فان
إسماعيل فتاح، الذي كان أحد علامات جيل ما بعد 1958، أدرك بعمق – ورهافة – أن حرية
(الإبداع) تتطلب عودة دائمة إلى مشروعات الإنسان إزاء الغياب.
ويعرج الناقد
إلى الدروس الأولى للترك: (استأثرت حياة، وأفكار، وتجارب إسماعيل فتاح، الفنية،
بمشروعات جيل مازال يتلقى دروس الرواد، في أكاديمية الفنون الجميلة، بتفكيك أسئلة
بدت لنا أنها تنتمي إلى أزمنة خلت، ... كان إسماعيل فتاح، هو الذي وجد فينا، ما
يشغله: الحرية إزاء الموت، والبصر إزاء العتمة، والتوقد إزاء الرداءة، فجرجرنا إليه،...
إنما ثمة براءة مخبأة لم تدع إسماعيل فتاح إلا إن يصبح مستبداً في مواجهة هذه
الإشكالية: طفولة لم تكتمل إلا لأنها لم تدمر، ولم تصبح وثناً، أو صنماً، فراح مع
عدد من النحاتين والرسامين والمولعين بالتمرد-يحث خطاه في حفريات أراها- بعد أكثر
من أربعين سنة- تجدد ذات النزعة التي اكتشفناها في سومر: خروج ديموزي من الظلمات،
لتدشين ما هو في مواجهة تهديدات دائمة بالانجراف إلى المجهول.
ويسلط الناقد
عادل كامل، الضوء على الانشغالات الفلسفية للنحات الترك:ـ حيث أكد أنه (منذ وقت
مبكر، انشغل إسماعيل فتاح، بمحركات الفن، بصفتها غير مطلقة، لكن هذا لم يوقعه في
وهم التعريف للأسلوب أو للهوية، فالمتحرك في رؤيته قاده للانتقال من المألوف أو
التقليدي إلى نقيضه، فعندما أقام معرضه الشخصي الأول في بغداد، في أواسط ستينيات
القرن الماضي، كانت فاتحة عهد لجيل مغاير للرواد، لعوامل مركبة (عالمياً/عربياً/عراقياً)،
كي يمتلك الخطاب الفني زمنه، و(خلقه) كما كان يميز هذا المعنى عن الدافع
الأخلاقي،المتداول، فالنص الفني يتوخى تحقيق انشغالات متعددة لدى الفنان، لا بصفته
إعلاناً أو علامات تجارية، بل فناً وقد شذب كي تتحقق فيه ذات التدشينات المبكرة في
الأعمال الشبيهة بالفن، لدى سكان المغارات، وعند التجمعات السكانية الأولى.
وفي الموت
ونقيضه، يرى الناقد:(فإسماعيل فتاح، مكث يحدق في الإشكال التي حولتها سيول
البراكين إلى فراغات، وكأنها تذكره بما جرى لسومر،قبل دمارها، عندما دكتها حمم
البراكين، وعجلت بغيابها من التأريخ، لكن للموت، بحد ذاته، مشاهد حسية مباشرة،
تخاطب الرهافة، الموت قبل الأوان، لأي سبب من الأسباب، وكأنه أنفصل أو عزل عن
جدلية الموت والولادة...
ويستشف الناقد
في التأثيرات الأولية لتجربة الترك، خصوصاً في أعمال جياكوميتي وهنري مور: (
وإسماعيل فتاح، لم يغفل تأثيراتهما عليه، إلى جانب بيكاسو، وآخرين، في دعائم
الحداثة، حتى منتصف القرن الماضي، ولكنه سيدرك أن المهمة الأولى، ولكل فنان، تحتم
عليه أن لا يكون ظلاً، فالحرية سمحت له بإعادة قراءة الأزمنة، مثلما سمحت له أن
لايكون أسيرها.
ويقارن الناقد
تجربة الترك مع تجربة محمد غني: (لم تكن الحرفة تعني، عند إسماعيل متاح، الإتقان،
بمعنى المهارات الحرفية، كما لدى محمد غني حكمت، بل كانت تتوخى التحرر، بشكل أو
بأخر، على ان هذا الاختلاف يذهب أبعد من السطح، ومن المعالجات الشكلانية،
والتكنيكية، نحو تيارات بنائية، وأخرى ترصد عمليات التحلل والانتهاك،...فإذا كان
محمد غني حكمت قد مجّد الجسد، كعلامة بلغت ذروتها بالصياغات الجمالية، بدنيويتها،
فان إسماعيل فتاح كان يتمثل لغز الحياة كامتداد للموت تارة، وكبذرة عنيدة غير
قابلة إلأ أن نشاركها لغزها، برؤية لايمكن عزلها عن محركاتها، على صعيد المجتمعات،
أو على صعيد نخبها المعرفية، الفنية، تارة أخرى.
ويعلل الناقد،
تمرد جيل الستينيات، في العراق: (ليس لأنه جيل هبط من كوكب آخر، كي يستكمل زمن
(الرواد)، بل لأنه أعاد قراءة موته، فهو خليط من التمرد والعواء والمغامرة والثورة
والتحدي...ليحدد موقعه في العالم...كان إسماعيل فتاح، نموذجاً تجاوز حدود فعاليات
الرسام، والنحات، والمعلم، ليسهم بحضوره في دفع الصخب والتمرد والتجديد نحو
ذروته،...ولم يكن يحلم بأكثر من التقدم، في مساحات الحلم، لصياغة كائنات لديها ما
يكفي من الإرادة في استثمار خزينها التاريخي...كان إسماعيل فتاح الشاب، قد تربى
وتعلم وعاش حياة تكونت من ريادات في الطب والقانون والاجتماع والآداب
والفنون...فكانت سنوات دراسته تحرضه على اكتشاف مفاهيم تعددية الرؤى والمناهج
والأساليب، وليس الانشغال بالتقنيات أو بالحرفة،... ففي مجسماته المجوفة، انشغال
بالفراغ، فالكتلة تحاصر وتتحرر كأنها تحاكي تحولها إلى أثير.
وينهي الناقد
عادل كامل، بحثه الطويل في تجربة الفنان الراحل إسماعيل فتاح الترك في، اللا شخصي
ـ الشخصي: (فثمة اللا فن، اللا رواية، وموت المؤلف، والانحياز إلى اللا شخصي،
واللا ذاتي..الخ، ظهر كتيارات مغايرة لـ : التعبير وللرومانسية وللرهافات، ولكل ما
يخص الانحياز إلى الأنا والانتقال كرد فعل مجاور لعصر الآلات وما بعدها...وإذا كان
إسماعيل فتاح في سنوات دراسته أكثر ولعاً بالبحث عن التشذيب، كما في الموسيقى من
غير أسماء،... فالرهافة ليست مطلقة وليس عامة، مع أنها ليست ذاتية أيضاً، فهي
شبيهة بالحرية، ما إن لاتقيد، لا تغدو انعتاقاً، بل صفراً.
الفنان إسماعيل
فتاح الترك في سطور:
- ولد في
البصرة عام 1934.
- دبلوم في
الرسم، معهد الفنون الجميلة، بغداد، الدراسة الصباحية، 1956.
- دبلوم في
النحت، معهد الفنون الجميلة، بغداد، الدراسة المسائية، 1958.
- دبلوم في
النحت، أكاديمية الفنون الجميلة، روما، 1963.
- دبلوم في
السيراميك، أكاديمية سان جاكمو، روما، 1964.
-أقام سلسلة من
المعارض الشخصية، في روما، وبغداد، فضلاً عم مشاركاته في جميع المعارض الجماعية
التي أقيمت داخل العراق وخارجه.
- حصل على
الجائزة الأولى للفنانين العرب، مسابقة سان فيتا، روما، 1962.
- حصل على
الجائزة الأولى، للفنانين العرب، في معرض قصر الفنون، روما،1962.
- حصل جائزة
النحت الأولى، للفنانين الأجانب، في ايطاليا، حي ماركيتا، 1963.
- أنجز العديد
من النصب النحتية، كنصب الشهيد العملاق عام 1983.. والواسطي، والفارابي، وأبو
نؤاس.
- توفي عام 2004.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق