بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الخميس، 10 يناير 2013

أسوأ الناس من سرق الناس-كاظم فنجان الحمامي




أسوأ الناس من سرق الناس



جريدة المستقبل العراق


كاظم فنجان الحمامي

انقلبت عندنا المفاهيم والقيم رأساً على عقب في ظل الانحرافات الخطيرة التي شهدها مجتمعنا في السنوات الأخيرة, حتى جاء اليوم الذي سمعنا فيه بمن يتلاعب بمنطوق الحديث الشريف (خير الناس من نفع الناس), فيقلبه على مزاجه الهائم في الفضاءات الفاسدة بعدما تحولت معايير المفاضلة لصالح اللصوص والحرامية, فسطع نجم الذي اختلس المال العام, والذي سرق الناس, وغش الناس, واحتال عليهم, واصطفوا مع وجهاء المجتمع, وكادوا يكونون في الطليعة, بينما أفل نجم الشريف والعفيف والنزيه, وتواروا عن الأنظار خلف القافلة. .
دعونا نبدأ حديثنا عن علي بابا والمليون حرامي, بحرامية ليلة الجمعة, فنقول: يتفق البصريون (أهل البصرة), وعامة مدن الخليج على إن ليلة الجمعة من الليالي المباركة العظيمة الشأن، والعمل فيها مضاعف، وقد اعتاد الناس في البصرة على مغادرة بيوتهم في هذه الليلة الكريمة، والتوجه إلى المساجد للإكثار من الصلاة وقراءة القرآن، والانصراف كليا إلى إحياء مجالس الذكر والدعاء، وغالبا ما يخصصون هذه الليلة لإقامة الأفراح والولائم والاحتفالات، فيجتمع الناس في مكان واحد تاركين وراءهم بيوتهم مفتوحة الأبواب، ما يعطي فرصة لذوي النفوس الشريرة، من اللصوص والسراق لنهب محتويات البيوت والدكاكين، متسترين بالظلام الدامس، ومستغلين غياب الناس، وانشغالهم بالعبادة، فاستحقوا لقب (حرامية ليلة الجمعة)، وهم من أسوأ أصناف اللصوص والحرامية وأكثرهم خسة ونذالة، ويعكسون أبشع صور الانتهازية المريضة، ثم شاع استعمال هذا الاصطلاح شيئا فشيئا، وتداوله الناس على نطاق واسع، وصار يُطلق هذه الأيام على كل من تسول له نفسه استغلال طيبتهم من اجل تحقيق غاياته ومآربه الذاتية الدنيئة، ويُطلق على كل من يشغل مكانا أو منصبا خارج النطاق المنطقي لاستحقاقاته المهنية ومؤهلاته الذاتية، ويُطلق على زمر الدجالين والأفاقين الذين تجلببوا بجلباب الورع والتقوي، وتظاهروا بالعفة والنزاهة، ويطلق على كل من يتاجر بهموم الناس وآلامهم، ويجيز سرقة قوتهم اليومي، ويُطلق أيضا على جميع المتفننين باللغف والخمط السري والعلني.
من المفارقات العجيبة إن حرامية ليلة الجمعة كانوا يمارسون السطو الليلي في المجالات الضيقة، وتنحصر نشاطاتهم في هذه الليلة دون غيرها، في حين يمضون بقية أيام الأسبوع في التخفي والتواري عن أنظار الناس. اما جماعتنا من عرب الشيخ (فرهود) فقد برعوا في النهب والسلب والتهريب والقرصنة ومصادرة حقوق الناس، وصاروا عباقرة في تطوير نظريات السطو الليلي والنهاري وتنفيذها بأساليب حنقبازية متقنة، بمعدل سبعة أيام بالأسبوع وبراءة الأطفال في عيونهم,  فصار اصطلاح (حرامية ليلة الجمعة) ينطبق على المسؤول الساكت عن الحق, وينطبق على الذي يرى الفساد ويلوذ بالصمت المطبق، وينطبق مع المتواطئ مع الحرامية، وعلى الذين خانوا الأمانات، وعلى الذين مارسوا أساليب الغش التجاري، وابرموا عقود استيراد المواد الغذائية الفاسدة والمتعفنة، ودسوا السموم في حليب أطفالنا، وعلموا الشركات الصينية أصول ومبادئ العتاكة، ودربوهم على فنون تجار السكراب والخردة. وينطبق على الذين اشتغلوا ببورصة المتجارة بأسئلة الامتحانات النهائية، وباعوها بالجملة لأصحاب الأدمغة المعطلة وذوي العقول المشلولة، وينطبق على الموظف المتعجرف، الذي مارس الابتزاز الوظيفي العلني، واستغل موقعه الإداري لتضييق الخناق على المواطن البسيط بغية الاستحواذ على مدخراته المالية المتواضعة بأسلوب الاحتيال الوضيع. ويعد من حرامية ليلة الجمعة أولئك الذين مارسوا الدعارة السياسية، وشطبوا المصالح الوطنية العليا من أجندتهم، واسترخصوا دماءنا من اجل حفنة من الدولارات قبضوها عربونا من أسيادهم، ثم اشتغلوا في إنتاج وتوزيع الدسائس والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وتلاعبوا بعواطف الناس البسطاء، وأشاعوا روح الفرقة والتشرذم بين عناصر المجتمع المتجانس، وأوقدوا نيران الحقد والضغينة بين أبناء الشعب الواحد المتماسك. .
ربما نعيش اليوم في زمن السنوات الخداعات, التي يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق, ويُخون فيها الأمين، ويُؤتمن فيها الخائن. خصوصا بعد أن مال مجتمعنا المريض إلى الترحيب بأرباب المال الحرام, وإبداء الحفاوة بهم, وإفساح مقاعد الصدارة لهم في المجالس, ومال إلى تبجيل زعماء اللصوص, ومكافئة قادة قطاع الطرق, واحترام كبار الحرامية, وتكريم شراذم الصعاليك, من الذين امتهنوا السلب والنهب والسطو على ممتلكات الدولة, وأوغلوا في اختلاس المال العام بذرائع ومبررات خسيسة, وأساليب تستبطن الكفر والفسوق والعصيان, وتعلن الغش والاحتيال. حتى أباحوا المحرمات, واستسهلوا الموبقات, فتراهم يبحثون, في كل مصر وعصر, عمن يساندونهم ويوفرون لهم النصرة العشائرية, أو القوة الحزبية, لكي يتوسعوا في عمليات الكسب الحرام, والاختلاس المنظم, فاستكبروا في الأرض وطغوا وما كانوا سابقين. .
ومما يثير السخط بين أفراد الشعب صلافة بعض المسؤولين في تضليل الناس, ووقاحتهم في تبرير السرقات المفضوحة عن طريق التلاعب بالألفاظ والعبارات, وتطوعهم للذود عن حرامية المال العام, ومحاولاتهم المخزية لطمس الحقائق, وإخفاء نور الشمس الساطع بغرابيلهم المثقوبة. وتسابقهم لتوفير الحماية للشراذم الفاسقة التي انغمست في الرذيلة, حتى أصبح من المألوف مشاهدة المسؤول الفلاني وهو يستميت في دفاعه عن اللصوص والنصابين, وينزلهم منازل الزهاد والمتصوفين.
ولا أسخف من موقف بعض المسؤولين الذين ما انفكوا يطالبون الناس بوجوب الوقوف مع السراق والحرامية والتضامن معهم. ولا أتفه ولا أقبح من الحجج والتعليلات الغبية, التي تبرر مصادرة الموارد والثروات العامة, وتسريع وتيرة التسابق لكسر الأرقام القياسية في مباريات اللغف. بينما يوصم الموظف النزيه بالغباء والسذاجة, لأنه في رأيهم لم يحسن استغلال الفرص المتاحة, ولم يكن حاذقا في التعامل مع الواقع المعاش واللحاق بقافلة السراق والمختلسين. .
ربما لا يعلم هؤلاء ان الجاه والسلطة والدعم الحزبي والعشائري لا يعفيهم من عقاب الله, يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً, ويسحبون في النار على وجوههم ليذوقوا مس سقر. ولا تعترف الأحكام السماوية إلا بالاستقامة والعدل والإحسان. فالمال العام ملك مشترك للجميع, ولا يجوز الاستحواذ عليه وحيازته على حساب الاستحقاقات العامة.
إنّ طغيان اللصوص والحرامية, واستهتارهم قد ينمو بنمو المال الحرام, وقد يتكاثر بغياب الرقابة المالية الصارمة, بيد أن بوصلتهم ستنحرف بهم انحرافا مهينا نحو مستنقعات الخزي والعار والذل في الدنيا والآخرة.
فما أحوجنا اليوم إلى البرامج الإصلاحية الشاملة, والتي ينبغي أن تكون بمثابة فزعة وطنية صادقة, لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أمولنا وثرواتنا العامة المبعثرة المستباحة, وما أحوجنا اليوم إلى التسلح بالإيمان, وردع السراق الذين انتهكوا التشريعات السماوية, وأساءوا إلى القيم الأخلاقية النبيلة, وما أحوجنا اليوم إلى وعي وطني يتفجر وينمو ويترعرع في النفوس الطيبة لينبع منها حسا جميلا افتقدناه منذ زمن بعيد. .
ختاما نقول: إننا لسنا في المدينة الفاضلة الخالية من الفساد والرذيلة، لكننا نأمل أن نشدد الرقابة في المرحلة القادمة، ونتربص بالتصرفات والسلوكيات المرفوضة، التي لا تخدم الناس، وهذه أمنية سيسعى المخلصون نحو تحقيقها على قدر ما تجود به شهامتهم الوطنية الصادقة لحفظ ثرواتنا المعرضة للسرقة منذ تريليون ليلة وليلة.

والله يستر من الجايات



ليست هناك تعليقات: