الذين خدعونا
جريدة المستقبل العراقي
لا نعرفهم كلهم, لكننا نعرف بعضهم, كانوا فقراء بسطاء مثلنا تماماً, عاشوا معنا منذ ولادتهم وحتى يومنا هذا, نعلم ان أغلبهم من ذوي الدخل المحدود, لا يملكون من مصادر العيش سوى رواتبهم الشهرية ومواردهم اليومية من مزاولتهم المهن الحرة في الأسواق والمكاتب, ومنهم من كان يعتاش من الزراعة وعليها. . غادروا العراق بطريقة أو بأخرى ليعملوا في الدرجات الوظيفية المتوافقة مع تحصيلهم الأكاديمي وكفاءاتهم الذاتية ومهاراتهم الشخصية وخبراتهم المكتسبة, عاش الكثيرون منهم على الكفاف في المرافئ البعيدة معتمدين على الإعانات المالية, التي كانت تمنحها لهم المنظمات الدولية والإقليمية, ثم عادوا إلينا بعد عام 2003 ليعملوا كلهم في الكيانات المبتكرة التي جمعت الدين بالسياسة. . كانوا في بداية الأمر فقراء كما عهدناهم, بسطاء كما عرفناهم, لكنهم كانوا يتحدثون بلغة منمقة, ولهجة متأنقة, وعبارات مزروقة. يتصرفون بطريقة مشفرة, حتى بدوا لنا وكأنهم ملائكة هبطوا علينا من السماء. . قالوا لنا: إن اليد التي تتوضأ لا تسرق, وقالوا: ان تكليفهم الشرعي هو الذي قادهم نحو تحمل أعباء المناصب العليا والمراتب الرفيعة, زعموا إنهم جاءوا ليحملوا لواء التكليف ولا شأن لهم بالتشريف, وقالوا: إنهم لا يمتلكون من حطام الدنيا غير أسمالهم البالية وأغراضهم الشخصية البسيطة, فصدقناهم, وتعاطفنا معهم, وهرعنا لدعمهم ومؤازرتهم, فانتفخوا وتكبروا, وتجبروا وتبطروا, حتى تجاهلونا تماما, وتعالوا علينا, ثم عزلوا أنفسهم عنا, وأحاطوا قصورهم بحواجز خراسانية وأسلاك شائكة, فابتعدوا كثيراً, ولم نعد نراهم إلا في اللقاءات المتلفزة. . أصبحوا الآن من الطبقات الفوقية المترفة المرفهة, قصورهم لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة, وبساتينهم وارفة الظلال سامقة الأشجار تغرد فيها العصافير الاستوائية الملونة, وتتقافز الغزلان فوق مروج جنائنهم الجميلة, صارت عندهم عمارات تناطح بعضها البعض, وعقارات في أرقى الأماكن, وأرصدة مليونية, وشقق شاطئية وأخرى جبلية مبعثرة في ربوع فرنسا وضواحي بيروت وجزر الكناري, رحلات ترفيهية حول العالم, وجوازات سفر مزدوجة. . نحن في العراق نؤمن إيماناً قاطعاً بالحديث الشريف, الذي يقول: (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين), لكننا لا نطبقه ولا نعمل به, ولم نتسلح بما فيه من حكمة نبوية ثمينة, فلم نستفد منه عندما ذهبنا إلى صناديق الانتخابات, وهكذا تعرضنا أكثر من مرة لمتوالية غير منتهية من اللدغات والعضات والوخزات, التي جاءتنا من الصناديق نفسها, من دون أن نتعلم من هفواتنا التي ارتكبتاها بمحض إرادتنا. . كنا دائماً ننتخب الذين يخدعوننا ويكذبون علينا, ولا مانع لدينا من انتخابهم مرات ومرات, فنحن لا نستشعر تنكرهم لنا, ولا ندرك حجم الأضرار والخسائر التي جلبوها لنا, ولن نحس بلدغاتهم المسمومة, فقد اعتادت ذاكرتنا المعطوبة على حذف الهموم والآلام, ودأبت على العفو والتسامح, ولا قدرة لها على الاحتفاظ بصفعات الماضي القريب, اما المآسي البعيدة فقد وضعناها في خانة النسيان. . المثير للدهشة انهم سيتذكروننا بعد بضعة أسابيع في الوقت الذي نكون فيه نسينا مواقفهم المأساوية معنا, وسيقولون لنا: أن اليد التي تتوضأ لا تسرق, وإنهم تحملونا وتحملوا مشاكلنا تلبية للتكليف وليس لنيل التشريف, وسيتحدثون معنا عن مكارم الأخلاق وعن العفة والنزاهة والمفردات الأخرى, التي لا يتذكرونها إلا قبيل الانتخابات, سوف نلتقي الوجوه نفسها, لكنهم سيأتون هذه المرة بمكياج مختلف, وواجهات براقة, وعناوين مبهرة, وشعارات مغرية, وكيانات جديدة ومبتكرة, بعد أن برعوا بلعبة الانشقاقات, وأتقنوا الغش والتضليل والتمويه والخداع والمراوغة. . اما نحن فسنكون قد نسينا ما فعلوه بنا, وسنعود لانتخابهم مرة أخرى, لأننا لا نقرأ ولا نكتب, ولا نتقن الحساب وطرقه العددية, ولا نعرف بالضبط حجم الملايين التي نهبوها, والأموال التي سرقوها, والعقارات التي استحوذوا عليها, ولا ندري بالضبط كم بلغت أرصدتهم في البنوك العالمية, وربما يأتي معهم الذين فروا خارج العراق قبل بضعة أعوام لعلمهم المسبق بأننا على أتم الاستعداد لانتخابهم مرات ومرات, وعلى أتم الاستعداد لسماع عباراتهم الملفقة, ولهجتهم المنمقة, ومفرداتهم المزروقة, وسنستمتع كثيراً بما سيقولونه لنا من وعود كاذبة, وحكايات لا صحة لها. . . قالت العرب: حبل الكذب قصير, اما عندنا فهو أطول من سور الصين, وأعلى من جبال هملايا, لكننا لا نراه, بل لا نريد أن نراه, ولا نصدق من يتحدث معنا عنه في بلد يوشك أن يحتضر في ردهات العملية السياسية. .
لا نعرفهم كلهم, لكننا نعرف بعضهم, كانوا فقراء بسطاء مثلنا تماماً, عاشوا معنا منذ ولادتهم وحتى يومنا هذا, نعلم ان أغلبهم من ذوي الدخل المحدود, لا يملكون من مصادر العيش سوى رواتبهم الشهرية ومواردهم اليومية من مزاولتهم المهن الحرة في الأسواق والمكاتب, ومنهم من كان يعتاش من الزراعة وعليها. . غادروا العراق بطريقة أو بأخرى ليعملوا في الدرجات الوظيفية المتوافقة مع تحصيلهم الأكاديمي وكفاءاتهم الذاتية ومهاراتهم الشخصية وخبراتهم المكتسبة, عاش الكثيرون منهم على الكفاف في المرافئ البعيدة معتمدين على الإعانات المالية, التي كانت تمنحها لهم المنظمات الدولية والإقليمية, ثم عادوا إلينا بعد عام 2003 ليعملوا كلهم في الكيانات المبتكرة التي جمعت الدين بالسياسة. . كانوا في بداية الأمر فقراء كما عهدناهم, بسطاء كما عرفناهم, لكنهم كانوا يتحدثون بلغة منمقة, ولهجة متأنقة, وعبارات مزروقة. يتصرفون بطريقة مشفرة, حتى بدوا لنا وكأنهم ملائكة هبطوا علينا من السماء. . قالوا لنا: إن اليد التي تتوضأ لا تسرق, وقالوا: ان تكليفهم الشرعي هو الذي قادهم نحو تحمل أعباء المناصب العليا والمراتب الرفيعة, زعموا إنهم جاءوا ليحملوا لواء التكليف ولا شأن لهم بالتشريف, وقالوا: إنهم لا يمتلكون من حطام الدنيا غير أسمالهم البالية وأغراضهم الشخصية البسيطة, فصدقناهم, وتعاطفنا معهم, وهرعنا لدعمهم ومؤازرتهم, فانتفخوا وتكبروا, وتجبروا وتبطروا, حتى تجاهلونا تماما, وتعالوا علينا, ثم عزلوا أنفسهم عنا, وأحاطوا قصورهم بحواجز خراسانية وأسلاك شائكة, فابتعدوا كثيراً, ولم نعد نراهم إلا في اللقاءات المتلفزة. . أصبحوا الآن من الطبقات الفوقية المترفة المرفهة, قصورهم لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة, وبساتينهم وارفة الظلال سامقة الأشجار تغرد فيها العصافير الاستوائية الملونة, وتتقافز الغزلان فوق مروج جنائنهم الجميلة, صارت عندهم عمارات تناطح بعضها البعض, وعقارات في أرقى الأماكن, وأرصدة مليونية, وشقق شاطئية وأخرى جبلية مبعثرة في ربوع فرنسا وضواحي بيروت وجزر الكناري, رحلات ترفيهية حول العالم, وجوازات سفر مزدوجة. . نحن في العراق نؤمن إيماناً قاطعاً بالحديث الشريف, الذي يقول: (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين), لكننا لا نطبقه ولا نعمل به, ولم نتسلح بما فيه من حكمة نبوية ثمينة, فلم نستفد منه عندما ذهبنا إلى صناديق الانتخابات, وهكذا تعرضنا أكثر من مرة لمتوالية غير منتهية من اللدغات والعضات والوخزات, التي جاءتنا من الصناديق نفسها, من دون أن نتعلم من هفواتنا التي ارتكبتاها بمحض إرادتنا. . كنا دائماً ننتخب الذين يخدعوننا ويكذبون علينا, ولا مانع لدينا من انتخابهم مرات ومرات, فنحن لا نستشعر تنكرهم لنا, ولا ندرك حجم الأضرار والخسائر التي جلبوها لنا, ولن نحس بلدغاتهم المسمومة, فقد اعتادت ذاكرتنا المعطوبة على حذف الهموم والآلام, ودأبت على العفو والتسامح, ولا قدرة لها على الاحتفاظ بصفعات الماضي القريب, اما المآسي البعيدة فقد وضعناها في خانة النسيان. . المثير للدهشة انهم سيتذكروننا بعد بضعة أسابيع في الوقت الذي نكون فيه نسينا مواقفهم المأساوية معنا, وسيقولون لنا: أن اليد التي تتوضأ لا تسرق, وإنهم تحملونا وتحملوا مشاكلنا تلبية للتكليف وليس لنيل التشريف, وسيتحدثون معنا عن مكارم الأخلاق وعن العفة والنزاهة والمفردات الأخرى, التي لا يتذكرونها إلا قبيل الانتخابات, سوف نلتقي الوجوه نفسها, لكنهم سيأتون هذه المرة بمكياج مختلف, وواجهات براقة, وعناوين مبهرة, وشعارات مغرية, وكيانات جديدة ومبتكرة, بعد أن برعوا بلعبة الانشقاقات, وأتقنوا الغش والتضليل والتمويه والخداع والمراوغة. . اما نحن فسنكون قد نسينا ما فعلوه بنا, وسنعود لانتخابهم مرة أخرى, لأننا لا نقرأ ولا نكتب, ولا نتقن الحساب وطرقه العددية, ولا نعرف بالضبط حجم الملايين التي نهبوها, والأموال التي سرقوها, والعقارات التي استحوذوا عليها, ولا ندري بالضبط كم بلغت أرصدتهم في البنوك العالمية, وربما يأتي معهم الذين فروا خارج العراق قبل بضعة أعوام لعلمهم المسبق بأننا على أتم الاستعداد لانتخابهم مرات ومرات, وعلى أتم الاستعداد لسماع عباراتهم الملفقة, ولهجتهم المنمقة, ومفرداتهم المزروقة, وسنستمتع كثيراً بما سيقولونه لنا من وعود كاذبة, وحكايات لا صحة لها. . . قالت العرب: حبل الكذب قصير, اما عندنا فهو أطول من سور الصين, وأعلى من جبال هملايا, لكننا لا نراه, بل لا نريد أن نراه, ولا نصدق من يتحدث معنا عنه في بلد يوشك أن يحتضر في ردهات العملية السياسية. .