بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الخميس، 20 يناير 2011

ماأشبه اليوم بالأمس يا رصافي-اختيار باسمة الاحمدي



ما
أشبه اليوم بالأمس يا رصافي
--------------------------------------------------------------------------------

حينما ننظر إلى التأريخ ندرك بأن التأريخ يعيد نفسه وان المواقف والأحداث تتكرر لكن الأبطال والوسائل مختلفة على اختلاف الزمان والمكان.
عندما نلقي نظرة بسيطة على ما قد وثقه شعراء الأمس من مآسي وآلام مرت بها امتنا حركت مشاعرهم وكانت تجربة شعورية معبرة عما يعصف بالأمة من مصاعب، نحس إن هؤلاء الشعراء كأنما كانوا يصفون أيامنا هذه , هؤلاء الشعراء لم يعاصروا الاحتلال الأمريكي للعراق ولم يضعوا أيديهم على جرائمه ولكنهم عاصروا عدوا شرسا كما الاحتلال الأمريكي عاث فسادا ودمر وقتل ونهب خيرات البلاد ولم يخرج إلا بصنائع الأبطال .
على ماذا يدل هذا ؟؟ هل انه من صنع الصدفة ؟
من قراءة التاريخ وقراءة الواقع الحالي نستدل على إن منهجية الاحتلال- وان كان اسمه استعمارا في الماضي- في أي زمان ومكان هي واحدة,, منهجية القتل والتدمير ونهب الثروات وزرع الفتن وان أساليب الخلاص أيضا واحدة من هذا الاحتلال البشع ولن تنفع الأساليب المبتكرة "حديثا" في الخلاص منه .

ربما لم أكن انوي أن أتعمق في هذا الموضوع وودت أن اجعل من يقرأ القليل مما كتب معروف الرصافي يكتشف هذه الحقيقة
معروف عبد الغني الرصافي شاعر عراقي ولد سنة 1875 ببغداد حيث أكمل دراسته فيها ، ثم انتقل إلى القسطنطينية والقدس ، وبعد إتمام دراسته عاد إلى وطنه .
يمتاز أسلوب الرصافي بمتانة لغته ورصانة أسلوبه ، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه [ ديوان الرصافي] حيث رتب إلى احد عشر بابا في الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة ، يقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة ، توفي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث ‏بلغ القمة بوصفه إذ قال:

لقيتها ليتنـي ما كنـت ألقاها

تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابـها رثة والرجـل حـافية
والدمع تذرفه في الخد عيـناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها
واصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميـها ويسعدها
فالدهر من بـعده بالفقر أنساها
الموت افجعهـا والفقر أوجعها
والـهم انحلهـا والغم أضـناها
فمنظر الحـزن مشهود بمنظرها
والبؤس مــرآة مقرون بمرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها
حملا على الصدر مدعوما بيمناها
تقول: يا رب لا تـترك بلا لبن
هذه الرضيعة وارحمني وإياها
كانت مصـيبتها بالـفقر واحدة
ومـوت والدهـا باليتـم ثناها
هذي حكاية حال جئـت اذكرها
وليس يخفى على الأحرار مغزاها

لقد شارك الرصافي في قضايا أمته السياسية والاجتماعية ، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم ، والتي ينبغي لطالب العلم إن لا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى ؟ لذلك نجده يقول: ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا

حتى نطـاول في بنيانها زحلا

جودوا عليها بما درت مكاسبكم
وقابلـوا باحتقار كل مـن بخلا
لا تجعلوا العلم فيها كـل غايتكم
بل علموا النش‏ء علما ينتج العملا
ربـوا البنيـن مع التعليم تربية
يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا
فجيشوا جيش علم من شبيبتنـا
عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا
أنا لمن امة في عهد نـهضتنا
بالعلم والسيف قبلا انشات دولا

وعندما احتل الانكليز العراق سنة 1920م ، سرعان ما نصبوا فيصل ملكا على البلاد وأصدروا دستورا وانشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث انشد قصيدته التي جاء فيها:


عـلم ودستور ومـجلس امـة

كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليـس لنا سـوى ألفاظها
أمـا معانيها فليـست تعـرف
من يقرا الدسـتـور يعلـم انه
وفقا لصـك الانتـداب مصنف


فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الانجليز على العراق ، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر ، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا ، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:


يا قوم لا تتكلموا

إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوؤم
وتأخروا عن كل ما
يقضي بان تتقدموا
ودعوا التفهم جانبا
فالخير أن لا تفهموا
أما السياسة فاتركوا
أبـدا ولا تنـدموا

وبعد فترة من الزمن شكلت الوزارة من قبل حكومة الانتداب فقام مخاطبا تلك الوزارة المنقادة لتنفيذ أوامر أسيادهم حيث‏ يقول:


بالله يا وزراءنا ما بالكم

إن نحن جادلناكم لم تنصفوا
هذي كراسي الوزارة تحتكم
كادت لفرط حيائها تتقصف
انتم عليها والأجانب فوقكم
كل بسلطته عليكم مشرف
أيعد فخرا للوزير جلوسه
فرحا على الكرسي وهو مكتف


ومن قصائده الرائعة قصيدة يوم الفلوجة قالها في مدح مدينة الفلوجة البطلة ومقاومتها ضد الاستعمار عام 1941يقول :



أيها الإنكليز لن نتناسى

بغيكـم فـي مساكـن 'الفلوجـة'
ذاك بغي لن يشفي الله إلا
بالمواضـي جريحه وشجيجـه
هو كرب تأبى الحمية أنا
بسوى السيـف نبتغـي تفريجـه
هو خطب أبكى العراقييـن
والشـام وركـن البنيـة المحجوجـه
حلها جيشكم يريد انتقاماً
وهو مُغـرٍ بالساكنيـن علوجـه
يوم عاثت ذئاب [ آثور [ فيها
عَيْثةً تحمل الشَنـارسميجـه
فاستهانت بالمسلمين سَفاهاً
واتخذتم من اليهـود وليجـه
وأدرتم فيها على العُزْل كأساً
من دماء بالغدر كانت مزيجـه
واستبحتم أموالها وقطعتم
بين أهل الديـار كـل وشيجـه
أفهـذا تمـدن، وعـلاء
شعبكـم يدّعـي إليـه عروجـه
أم سكرتم لما غلبتم بحرب
لم تكن في انبعاثهـابنضيجـه
قد نتجنا لقوحها عن خِداج
فلذاك انتهـت بسـوء النتيجـه
هل نسيتم جيشاً لكم مُبْذعرَّاً
شهدت جُبنه سواحـل إيجـه
وهوى بانهزامه حصن 'أقريط'
وأمسى قذىً علـى 'عيـن فيجـه'
سوف ينأى بخزي وبعار
عن بـلاد تريـد منهـا خروجـه
لا تغرنكم شِبـاكْ كبـارٌ
أصبحـت لاصطيادنـا منسوجـه
لستم اليوم في المسالك إلا
جملاً تحـت صـدره دُحروجـه
وطن عشت فيه غير سعيد
عيش حر يأبى على الدهر عوجه
أتمنى فيه السعادة لكن
ليـس لـي فيـه ناقـة منتوجـه
أخصب الله أرضه ولو انّي
لست أرعى رياضـه ومروجـه
كـل يـوم بعـزّه أتغنـىّ
جاعـلاً ذكـر عـزّه أمزوجـه
ما حياة الإنسان بالذل إلا
مـرة عنـد حَسْوِهـا ممجوجـه

فثناءً [ للرافديـن ] وشكـرا
وسلامـاً عليـك يـا فلوجة



فلشاعرنا الرصافي مشاهد كثيرة في الحكم والأوصاف والأقاصيص الحزينة التي تظهر بؤس وفقر الأمة في أثناء الاستعمار الأجنبي ومقاومتها للاستبداد والظلم ، بالإضافة إلى آرائه الحدية في السياسة وانتقاد السلطة ، فقد دعا إلى الثورة الاجتماعية والسياسية إلى جانب الثورة المسلحة التي لم يكن للشعب خيارا غيرها لتحقيق الاستقلال و ليعم الرخاء ولتنعم البلاد بالحرية والمساواة .
هذه النظرة الموجزة ألقيناها على حياة هذا الشاعر إذ كان اصدق مترجم لآلام شعبه وأحزانه في الماضي ولربما هو اصدق مترجم لآلامنا وأحزاننا الآن فما أشبه اليوم بالأمس
توفي الرصافي سنة 1945م
رحمه الله

ليست هناك تعليقات: