الأحد، 2 يناير 2011

اما اتاتورك او جودو-سيد القمني


http://quemny.blog.com/إما أتاتورك أو جودو
العلمانية هي الترجمة العربية للمفردة الإنجليزية (سيكيولاريزم) ، و مقابلها الفرنسي (لاييك). و هي بفتح العين تعني الدنيا أو العالم المحسوس الدنيوي الأرضي الذي نعيش فيه ، أي أن اهتمامها يركز على هذا العالم المرئي لتطويره و اكتشاف قوانينه و السيطرة عليه من أجل صالح الفرد و المجتمع و الإنسانية جمعاء لانه محل معاشها و لا سبيل للتعامل معه إلا بأدواته ، و هذه الأدوات يلخصها لفظ العلمانية بكسر العين ، أي العلم كمُنتًج و فعل عقل بشري في الواقع الحسي. حيث ثبت أن مجال الدين و عالمه لم يستطع أن يفعل هذا في الواقع لاختلاف منطقه عن منطق العالم الدنيوي ، ففي العالم الإلهي يجوز كسر كل القواعد التي لايمكن كسرها في عالمنا الدنيوى ، لأن منطقه كن فيكون دون ترتيب منطقي حسبما نفهم عن المنطق في عالمنا الدنيوي لذلك كانت نتائج محاولة تطبيقه على الواقع الدنيوي سلبية دوما ، و لم يستطع أن يقدم لهذا الواقع حلولا لمشاكله بل زاد هذه المشاكل و عقدًها ، و دخلت الإنسانية حروبا دينية كانت هي الأعنف و الأكثر دموية في تاريخ البشرية.
و بنظرة بسيطة إلى ما حققه العلم منذ وضع فرنسيس بيكون أصول منهج التفكير العلمي ، نجده قد حقق في قرنين مالم تستطع كل النبوات تحقيقه ، و أصبح الإنسان اليوم يعيش خير القرون أما أعظم القرون فهو الاّتي و ليس الماضي ، بعد أن قضى المنهج العلمي في التفكير على الأمراض الوبائية الفتاكة التي كانت تُبيد نصف البشرية في كل مرة ، و على المستوى الاجتماعي انتهى إلى تصالح طوائف و عناصرالمجتمع في عقد إجتماعي يرعى الصالح العام للجميع على التساوي أمام القانون ، و على المستوى القانوني تم إرساء مبادئ حقوقية هي الأرقى بالمطلق من كل ما جاءت به النبوات من تفريق و تحزيب بين أطياف المجتمع. ناهيك عن المُخترَعات و الكشوف التي وسًعت نظرة الإنسان للكون و يسًرَت حياة البشر ليعيشوا رفاهية لم ينعم بها أحد من الأنبياء ذاتهم.
و من ثم فإن العلمانية بفتح العين أو بكسرها مصطلح واحد لمعينين لا ينفك أحدهما عن الاّخر ولا يقوم أحدهما بدون الأّخر.
و في زمن سيادة الفكر الديني ، كان كل دين يرى أن رَبَه هو الرب الحقيقي و يعترف بأرباب أخرى لكنه يراها إما زائفة و إما لا ترقى لمستوى رب هذا الدين ، موسى كان يناجي ربه “من مثلك بين الاّلهة يارب” ، ووصايا الرب التوراتي لعباده:”لا تجعل لك اّلهة أخرى أمامي” ، و المسيحية أنهت المسألة بضربة لازبٍ عندما أنزلت الإله بنفسه إلى الأرض ليُنهي زمن النبوات بحضوره الشخصي ، و عداه بعد ذلك أنبياء كذبة يدعون إلى اّلهة كذبة.
الإسلام تحدث عن اللات و العُزى و نَسرا و يعوق و ود وسواع و اّلهة أخرى ، لكنه راّها لا تنفع و لا تضر و لا يوجد إله واحد صحيح سوى الله رب الإسلام. و خلال التاريخ كانت الأوامر الدينية تُحرض أتباعها ضد أصحاب الأديان الأخرى ليقتتلوا فيما بينهم لينصر كل منهم إلهه ، أو ليستعيد أصحاب دين أراضيهم المقدسة التي يعيش فيها أصحاب أديان مخالفة لهم ، دون ان يفكر هؤلاء الأتباع لماذا تكلفهم اّلهتُهم بذلك ، فالاّلهة جميعا في عالم ميتافيزيقي واحد مفارق و يمكنها إنهاء مشاكلها في عالمها مع بعضها دون معونة بشرية ، فتتقاتل و يذبح بعضها بعضا حتى لا يبقى سوى إله واحد للجميع و تنتهي المشكلة. بل ان هذه الأديان انقسمت فرقا و شيعا و مذاهب أدت إلى مزيد من بحور الدم البشري المُراق لأجل عيون الاّلهة و الأحبار و الباباوات و الفقهاء و الخلفاء ، كل الأنبياء جاءوا للبشرية بمعجزات لم يحدث أن نفعت البشرية في شئ ، كانت كلها استعمال مرة واحدة ، فلا بقيت عصا موسى لنشق بها الأنهار و نُفجر العيون ، و لم يُنشئ المسيح مستشفى واحدا رغم براعته الطبية (حسب الرؤية الإسلامية له كنبي بارع في الطب) ، و لم يعلم تلامذته هذه البراعة ، و الإصرار في بلادنا على تطبيق معطيات الدين على حياة الناس و المجتمع و السياسة و الاقتصاد و المعرفة طبا و هندسة و فيزياء و كيمياء..الخ ، لا يرى أن منطق عالم الدين و اللاهوت يختلف بالكلية عن منطق عالم الدنيا ، و يعرفونه بأنه عالم الغيب ، و مع ذلك يبحثون في هذا الغيب الغائب و يضعون المصنفات مجلدات تملأ أرفف المكتبة العربية دون أن يحقق ذلك في واقعنا سوى العيش في أوهام لا علاقة لها بمطالب الدنيا و المجتمع الأنساني. كلها عن الله و صفاته و شكله و الملائكة و الجان و العرش والسراط وعذاب القبر و الجنة و درجاتها و جهنم و صنوفها ، و كله مما لا يمكن الحديث عنه لعدم وقوعه تحت إدراكنا .
في المنطق اللاهوتي يمكن لعصا سحرية أن تشق البحار و تفجر العيون ، و يتحدث النمل و يفهم سليمان قولها و يتبسم منه ، و تحبل الصخرة و تلد ناقة الله و فصيلها معها ، و تَبيد الشعوب العاصية بصيحة ، و طيور تُلقى بحجارة من سجيل ، و حصان بجناحين يحمل النبي لبيت المقدس ، و سلم من نور يعرُج منه النبي إلى السماوات و يعود و لازال فراشه دافئا ، هذا كله يخرج بالكلية عن منطق عالمنا الدنيوي ولا تستطيعه سوى الآلهة. فإذا أمكن لأهل الدين ماداموا هم العارفين بأسرار السماء و يريدون تطبيق قولها المقدس على الأرض ، أن يستعيدوا لنا الأهم من القطع والجلد والسلخ ، مثل العصا السحرية لإكثار الخيروتحويل الأراضي المقدسة من بلاقع صحراوية إلى جنات تجري من تحتها الأنهار ، و أن يجعلوا الصخور تلد نوقا ، و ان يتمكنوا من إشفاء الأكمة و إحياء الميت و أن يسخروا الجن لإعمار الأرض كما فعل سليمان ، أو أن يستعيدوا بساط الريح باعتباره جميل ومُريح (رحم الله فريد الأطرش) !! وحتى نستغني عن الطائرات و كوارثها و إزعاجها و تكاليفها ، أو يأتونا بالبراق ليستخدمه أولي الأمر منا والمشايخ في ترحالهم كركوبة أصيلة من تراثنا وغير مستوردة ، يكونوا قد أكدوا لنا إمكانية تطبيق المنطق الإلهي الديني على الأرض ، و تكون لهم السيادة دون أن يعترض مٌعترض ، و هو ما لا يمكن حدوثه لاختلاف المنطق الإلهي الذي يمكنه بالقدرات الربانية أن يفعل ما يشاء ، عن منطق الحياة الدنيا التي تعتمد على الدرس و الملاحظة و التجربة و الخطأ و التعلم من الخطأ لتلافيه مستقبلا ، فليس فيه شئ ثابت أو مٌطلَق الصحة كما في عالم الألوهية الثابت لا يريم حراكا أو تغيرا وسبحان من يغير ولا يتغير !!! .
لقد كرًس صاحب هذا القلم عمره من أجل تقديم قراءة للدين الإسلامي تؤدي لتخلصه مما يكبل المسلمين عن اللحاق بالدول الحرة الكريمة ، دون ان يؤدي ذلك إلى أي خسائر لما هو عزيز في الدين على نفوس المسلمين ، و يُرضى كل الأطراف الدينية الأخرى تقريبا ، فكان أن تلقى ردودا أسوأ من أي مواقف تقف ضد الإسلام صراحة و بوضوح وتبخسه وتسفهه ، فنحن إزاء تجار دين لن يتنازلوا عن فريستهم من شعوب بلادنا ، و هي شعوب تم تزييف وعيها فلم تعد ترى سوى فكر واحد (إن كان يصح تسميته فكرا) و عداه هو باطل الأباطيل و قبض الريح ، وتكلست مفاصل الفهم و تحجرت العقول و القلوب ، و انتكسوا إلى المرحلة البدائية ، إلى زمن التقرب للاّلهة بدم الأضاحي البشرية.
تصورتُ لزمن طويل أهدرت فيه جهداً و عمراً من أجل إرساء مدخل لإصلاح الإسلام من داخله ، لكن في ظل تغول السلطات الدينية و السلطات السياسية المتحالفة مع رأس المال ، و استثمار السلطة السياسية لهذا المناخ الديني و تقويته و دعمه لمزيد من استمرار وجودها على رقبة الفريسة و كل منهم يريد نصيبا أكبر ، فلا حل عندي الاّن سوى أن يظهر في بلادنا اتاتورك عربي ، و هو ما كنت أرفضه حتى وقت قريب إيمانا مني بوجوب أن يبدأ الأصلاح من أسفل و بالناس. لكن ما وصلنا إليه من فساد و انهيار و تعدد المفترسين ، و قبل أن يصبح البشر في بلادنا مجرد كائنات بدائية قياسا على عالم إنسانية مختلف عنا يتباعد عنا كل ليلة بمسافات ضوئية ، فإن أتاتورك عربي يصبح المطلب الراهن و المُلٍح ، و هو بدوره مالا نرى عليه أي علامات في المستقبل المنظور. بعد أن اخترق الإسلام السياسي أجهزة الشرطة و جهاز القضاء و جهاز الإعلام و جهاز الخارجية و الجيش ، و لم يبق مفصل في الوطن إلا و انيابهم مغروسة فيه بتحالف مطاط مع الانظمة السياسية الحاكمة و أصحاب رأس المال من كبار التجار و كبار المشايخ و كبار الراقصات مدا و جذرا بينهم ، لو كان شعرة ماانقطعت. و نظل نحن الفريسة التي استساغت العبودية ، أواستسلمت للضواري كل منها يمسك بعضو في جسدها ، و لم تعد تطمع سوى في مكان بالجنة أو بالنار ، لا فرق. المهم الخروج من هذا العالم الذي هوالجنة في بلاد الحريات و هو الأشد من الجحيم فى بلادنا المؤمنة

أتاتورك
ولأني علماني لا أومن بحتميات ويقين لا يتغير ، فإن التغير يظل احتمالا للاستمرار في الحياة ، ورغم هذا السواد والقتامة وتحول جهلاء السوقة الى علماء الأمة دون بصيص نور في الأفق المنظور ، فإن مثلي لايستطيع التوقف عن العمل والتخلي عن الحلم ، فبدون هذا الحلم لايكون هناك معنى للوجود أصلا ، إضافة إلى الجانب الشخصي فإني لوتوقفت عن الاهتمام بقضية الأوطان والحقوق واستمرار الخوض في أوكار الثعابين بما أكتبه فإني ميت حتما كسيراً محسوراً. وهو مالا أرضاه لنفسي ولا لقرائي الذين هم سر الاستمرار أملا فيهم بعد رحلة العمر الطويلة. حتى نمهد الطريق لأتاتورك عربي ، أو بانتظار متغيرات مفاجئة في مسار الأحداث العالمية ، متغيرات إعجازية غير متوقعة كإعجاز بن لادن في سبتمبر 2001 بما يدفع العالم كله للتكاتف ضد هذا الوحش المنفلت ، وبما نعمل نكون مستعدين لهذا الآتي بما يؤدي للتغيير في بلادنا ، أو لا يحدث لاهذا ولا ذاك وننتهي بالخروج من دائرة النوع المسمي بالإنسانية ، ونكتشف أننا كنا طوال هذا العمر والجهد ننتظر جودو …. الذي لايأتي .
Posted by المجموعة الليبرالية

ليست هناك تعليقات: