الأربعاء، 26 يناير 2011

سهير عبد العزيز-قصة نثرية-هذا ما كان يبتغيه


خرج مع صاحبه ترك وحدته في البيت
تضاجع ...يأسه
و خرج في...
مظاهرة

جرفته حشود تهتف
و ضجيج
صم أذنيه
و لكنه لم يسمع هناك...
صوت الصدق

مشى كالنائم في منام
يحلم
يحدق في فراغ
وصل لصفوف الأمن
وقف يحدق في شرطي نحيل
هزيل البدن يمسك
بعصاه

رفع يده....للشرطي....
يحييه
هناك في عيني الشرطي
و جد ما كان يبحث عنه

أطلق الشرطي رصاصة
أصابته في رأسه

وقع على الأرض يبتسم:
هذا ما كان يبتغيه !!

الاثنين، 24 يناير 2011

نزار قباني -*** ثــقـافـتـنـا ***


نزار قباني

*** ثــقـافـتـنـا ***

ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل

فما زالت بداخلنا..."رواسب من " أبي جهل

ومازلنا نعيش بمنطق المفتاح والقفل

نلفّ نساءنا بالقطن...ندفنهن في الرمل

ونملكهن كالسجاد...كالأبقار في الحقل

ونهذاً من قوارير...بلا دين ولا عقل

ونرجع آخر الليل...نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل

نمارسه خلال دقائق خمسه...بلا شوق...ولا ذوق...ولا ميل

نمارسه...كآلات...تؤدي الفعل للفعل

ونرقد بعدها موتى...ونتركهن وسط النار...وسط الطين والوحل

قتيلات بلا قتل...بنصف الدرب نتركهن

يا لفظاظة الخيل...قضينا العمر في المخدع

وجيش حريمنا معنا...وصك زواجنا معنا...وقلنا: الله قد شرّع

ليالينا موزعه...على زوجاتنا الأربع

هنا شفه...هنا ساق...هنا ظفر...هنا إصبع

كأن الدين حانوت...فتحناه لكي نشبع

تمتعنا " بما أيماننا ملكت "...وعشنا من غرائزنا بمستنقع

وزوّرنا كلام الله...بالشكل الذي ينفع...ولم نخجل بما نصنع

عبثنا في قداسته...نسينا نبل غايته...ولم نذكر سوى المضجع

ولم نأخذ سوى ... زوجاتنا الأربع

الأحد، 23 يناير 2011

علامات الجحيم العراقي-حمزةالحسن




علامات الجحيم العراقي


من نحن؟ سؤال يلح بقوة هذه الأيام بعد ان صارت كل الطرق مغلقة. من نحن حقا وماذا نريد؟ اذا كنا لا نريد الحرب ولا نريد السلام، لا نريد المسالم، ولا نريد المقاوم، ولا الارهابي، ولا الخائن، ولا المنبطح، ولا الصامت ولا المتكلم، لا نريد الفاشية، ولا نريد التعددية، لا نريد الهدنة، ولا نريد الصمت، لا نريد الحوار، ولا نريد الموت، لا نريد الطائفية، ولا الحداثة، ولا نريد العودة للسلف الصالح، ولا ما بعد الحداثة.


من نحن حقا؟

اذا كان الذين في الطابق الثاني في الباص يضربون بأقدامهم على الذين في الطابق الأول، وهؤلاء يلعنون السائق، وهذا يلعن الجابي، ونقابة المحامين في المنصور لا تعترف بنقابة المحامين بكربلاء، وهذه ترفض الاعتراف بنقابة المحامين العرب التي بدورها ترفض محكمة العدل الدولية والقانون الدولي، والذين يسكنون في خطوط التماس الحربية في المنطقة الخضراء يرجمون الذين يسكنون في الصحراء الغربية، وهؤلاء يشكون بدورهم من سكان الضواحي الشرقية، ونقابة اطباء بغداد لا تعترف بنقابة اطباء البصرة، وكتاب الحداثة الجدد يرفضون الاعتراف بكتاب الكلاسيك، والجيل الشعري الثمانيني يكره الجيل الشعري الستيني، والذين يعيشون في القطب الشمالي يشاغبون على الذين يعيشون في القطب الجنوبي، وسواق علاوي الحلة يشكون من ظلم سواق كراج النهضة، والحرس الوطني لا يثق برجال الشرطة، وهؤلاء لا يحبون صالونات الحلاقة، واصحاب اللحى يكرهون أصحاب البنطال العصري، وأصحاب مطاعم الباب الشرقي يخافون من أصحاب المعاطف الثقيلة، وهؤلاء يخافون من الأباجي، والأقمار الصناعية، وأصحاب الهاتف الخلوي يخشون جماعة الرصد والاستخبارات، وهؤلاء يتهمون الميلشيات بالارهاب؟

ماذا نريد حقا؟

اذا كنا لا نريد الليبرالي ، ولا نريد العميل، ولا نريد الثوري، ولا نريد الشيوعي، ولا الاسلامي، ولا المنبطح، ولا نريد المتخاذل، ولا نريد المقاوم، ولا نريد المساوم، ولا نريد النائم، والغافل، والصامت، ولا المتكلم، ولا من يرتدي العقال، ولا من يرتدي الشروال، ولا من يلبس المايو، ولا من يلبس "صايه" تكفي لاخفاء الصحراء العربية؟


ماذا نريد حقا؟

لا نريد السيستاني، ولا بابا شنودة، ولا الفاتيكان، ولا أية مرجعية دينية أو ثقافية أو سياسية أو قانونية، ونرفض وصاية الحوزة، ونرفض وصاية المحكمة العليا، ونرفض وصاية الطقس والمطر والضباب، ولا نقبل بالعمامة، ولا نريد السروال، ونكره من يحف حاجبه، ونرفض من يحلق شاربه، ونكره الماشي والجالس والنائم والساكت، ولا نريد النقد، ولا نريد الاحتلال، ونرفض بيانات الحكومة، وبيانات غرف التشريح، ونكره كل الفضائيات، ولا نريد من يظهر عليها حليقا أو معمما أو أصلعا، ولا يسلم من يظهر خلف ستار ونصرخ به طوال الوقت" طلع وجهك"، ولا نريد الملثم، ونكره الصريح، ونسخر من الهادئ، ونشمت بمن يموت أو يذبح، وكل هذه المذابح وطوفان الدم ونخاف من كلمة تقال على أطراف الكرة الأرضية؟

ماذا نريد؟

العاشق متهم، والحاقد متهم، والثوري متهم، واللاثوري متهم، والميت متهم،والحمار متهم، والمثقف متهم، والمفخخ متهم، والهارب بجلده متهم، والباقي تحت القصف، وتحت الأحذية، وتحت الحر، وتحت اللصوص، وتحت المفخخات، وتحت الهاونات متهم ايضا؟

ماذا نريد حقا؟
لا نريد الليبرالية، ونكره الشيوعية، ونخاف من الاسلام، ونرفض الشرقية، ولا نريد الغربية، ونرفض الجامعة العربية، ومجلس الأمن الدولي، و هيئة الأمم المتحدة الشيطانية، و هيئة علماء المسلمين، ولا الحوزة الصامتة، ولا المتكلمة، ونهاجم من يدخل في العملية السياسية، ومن يخرج منها، ومن يبقى على الحافتين، ولا يسلم من الجلد اليومي من لم يسمع لا بهذه ولا بتلك؟


من نحن حقا؟

هل نحن كنيسة؟ عصابة؟ صيدلية؟ شربت زبيب؟ فرقة خشابة؟ مجموعة سطو مسلح؟ مجانين مصح عقلي؟ حكماء قبل زمانهم؟ عباقرة؟ قطاع طرق؟ مدلكين؟ فلاسفة؟ فرقة ردح؟ قساوسة؟ مطيرجية؟ حزب وطني؟ قومي؟ عملاء؟ شهداء؟


من نحن حقا؟


لا نريد القومي، ولا نريد الطائفي، ولا نريد الثوري، ولا نريد اللاثوري، ولا نريد المنعزل، ولا نريد العاقل، ولا نريد المجنون، ولا نريد المروَّض، ولا نريد المنقذ، ولا نريد الملثم، ولا نريد العابر، ولا نريد السكران، ولا نريد الاثول، ولا نريد المفكر، ولا الناصح، ولا الصديق ولا الرفيق ولا العدو ولا الجار ولا المجرور.

من نحن حقا؟

الذين يقبضون من الخليج يشهرون بالذين يقبضون من المحيط، وهؤلاء يشاغبون على الذين يقبضون من الحليف، لا نريد العمل مع الاحتلال، ولا مع المقاومة، ولا مع الارهاب، ولا مع الشيخ ضاري، ولا مع كوفي عنان، ونرفض عمر موسى، ونكره المصالحة الوطنية، ولا نريد تدخل الجامعة العربية، ولا نقبل بغير تدخل عزرائيل بديلا.

من نحن حقا؟

الذي يتكلم بالأنا متهم، والذي يتكلم بنحن متهم، والمغرد خارج السرب متهم، والمندمج في القطيع متهم، والأخرس يثير الريبة، والمعقد في المقهى أو المجلس او الندوة مشبوه، والذي يحب نفسه متورط، والذي يكرهها متورط، والذي يجهلها متوحل، والأبله متهم، والأطرش بالزفة متوحل، والخارج من صالون حلاقة هدف، والخارج من مسجد أو حسينية هدف، والخارج من ماخور هدف، والخارج من مقبرة هدف، والخارج من طوره هدف، والخارج من دينه هدف، والخارج من جلده هدف، والخارج من مقهى، من حدود، من كنيسة هدف.


من نحن حقا؟

الداخل الى العراق متورط، والخارج منه متورط، والناسي متورط، والمنسي متورط، والصاحي متورط، والمريض متورط، والعائد بعد منتصف الليل يغني" واثق الخطوة يمشي ملكا" يبحث عنه أهله في الصباح إما في مزبلة عامة أو مشرحة أو في قبو تعذيب.

المراة الجميلة مشروع قتل واغتصاب، وامام الجامع الذي لا نحبه مشروع قتل واغتصاب ايضا كما قال احدهم كان سجينا في سجن بعقوبة، ومقدم نشرة أخبار منتصف الليل مشروع غذاء لجرذان مزبلة كبرى اذا خطا خارج المحطة، والعروس الخارجة من صالون حلاقة مشروع خطف، والتكنوقراطي والاعلامي والطيار والراعي مشاريع موت مؤجل، ومن يتأخر في الحمام عليه ان يظل على اتصال دائم بالعائلة عن طريق الخلوي كل الوقت.

الذي ينام على السطح من الحر مشروع لهاون، والذي ينام في سرداب مشروع مداهمة، والذي لا ينام مشروع شك، والذي يحلم لحسابه الخاص مشروع مؤامرة، والذي يعيش في الضباب متهم، ومن يخرج منتصف الليل يبحث عن عقب سيجارة في الشارع مشروع ميت أو فرصة لقناص ضجر.

من نحن حقا؟

لا نقبل بصاحب المشروع الثقافي، ولا نقبل بصاحب مشروع الدواجن، ولا نريد صاحب المشروع السياحي، ولا الادبي، والفكري، ومن يعلن ان عنده مشروع انتحار ، من هذا الضيم، مهزوم.

الذي يبتسم لجندي محتل خائن، والذي يحتقره ارهابي، والذي يقاومه قاتل عند فريق، وبطل عند آخر، ومن يزرع عبوة ناسفة يعرقل العملية السياسية، ومن يطالب بالكهرباء يعطل مشروع الديمقراطية المتدرجة، ومن يزرع وردة في هذا الخراب مريض نفسيا، ومن يزرع فكرة مثمرة نرجسي، ومن يبول على جدار السفارة الامريكية بسب السكري مشروع جثة!

السبت، 22 يناير 2011

الشاعر العراقي-مظفر عبد المجيد النواب-حسين الركابي



الشاعر العراقي
مظفر عبد المجيد النواب
انه الشاعر المعاصر العراقي مظفر عبد المجيد النواب ولد في مدينة السلام بغداد في عام 1934 من اسرة عراقية ثرية مهتمة بالفن والادب ولكن والده تعرض الى هزة مالية أفقتدته ثروته ، تابع دراسته في كلية الاداب ببغداد وبعد عام 1958 تم تعينه مفتشا فنيا بوزارة التربية في بغداد ، وفي عام 1963 اضطر لمغادرة العراق بعد اشتداد التنافس بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا الى الملاحقة من قبل النظام الحاكم ، فكان هروبه الى الاهوار عن طريق مدينة البصرة ، الا أن السافاك الايراني القت القبض عليه داخل الحدود الايرانية وقامت بتسليمه الى الامن العراقي واحيل الى المحاكم المختصة حيث حكمت علية المحكمة بالاعدام الا ان المساعي الحميدة التي بذلت أدت الى التخفيف العقوبة المفروضة عليه الى عقوبة السجن المؤبد، وفي سجنه الصحراوي أمضى وراء القضبان مدة من الزمن وفي السجن الذي يقضي به عقوبته وهي الفترة المتبقية من عمره قامت مجموعة من السجناء وشاعرنا من بينهم ان يقوموا بحفر نفق من الزنزانة يؤدي الى الخارج أسوار السجن ، وبعد هروبه من السجن بقي متخفيا في مناطق عديدة من العراق الى أن توجه الى الاهوار وعاش مع الفلاحين ، وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع الى سلك التعليم مرة ثانية ، وبعدها غادرالى بيروت ومن ثم الى دمشق وراح يتنقل بين العواصم العربية والاوربية واستقر به المقام في دمشق ومن اهم اشعاره وتريات ليلية ، الرحلات القصية ، المسلخ الدولي وباب الابجدية ، بيان سياسي ، رسالة حربية عاشقة ، اللون الرمادي ، في الحانة القديمة.


حسين الركابي

الجمعة، 21 يناير 2011

التغيير التونسي والعراقي -حامد كعيد الجبوري


التغيير التونسي والعراقي
والفرق بينهما
حامد كعيد الجبوري
لا أعتقد تاريخيا أن الدنيا أنجبت مثل طاغية العراق المقبور صدام حسين ، فصدام يملك من الوحشية ما لا يملكه كل طواغيت الدنيا ، وهذا غير متأتي من كوننا عراقيون نتحدث عن طاغيتنا المقبور هكذا ، وربما يعترض أخوتنا العرب وغيرهم بأن طواغيتهم أكثر بطشا ووحشية من صدام حسين ، ولدي قناعة تامة أن صدام حسين بيّضَ وجوه أقرانه من الطواغيت بسلوكه الوحشي العدواني غير المسبوق ، وقد وزّع صدام ظلمه على كل العراقيين بالتساوي ، وحشيته طالت الكورد والعرب والتركمان على حد سواء ، ولم يدخر جهدا لذبح السنة والشيعة والمسيح وغيرهم ، وتجاوزت وحشية صدام صوب دول الجوار من العرب وغيرهم بحروب وتدخلات يعرفها الجميع ، لم يسلم من صدام حتى قياديّ حزبه المجتث ، وكنت أتمنى حينها أن تبدأ محاكمته بهذا الباب أي قتل ما يسمون رفاقه ، ولو كانت المحاكمة كما أرغب لكشفت أسرار وخبايا أراد المحتل عدم أبرازها وكشفها للعالم أجمع ، وقد أخطأ من قال سابقا لو اجتمعت طواغيت الدنيا وظلامها من كل الشعوب وأتينا بالحجاج بن يوسف الثقفي وحده لعدلهم أجمعين ، ابتدأ التاريخ الحديث بدكتاتور ألمانيا النازي هتلر الذي انتحر وجنب العالم شروره وشرور وقوفه بقفص الاتهام ، وصولا لشاوشيسكو ، وصدام حسين ، وأخيرا زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية .
آذار عام 1991 م حدثت انتفاضة شعبية عراقية عارمة ، بدأها جندي عراقي منسحب ، بل مهزوم من دولة الكويت ، وهو يصل لأحدى الساحات البصرية ويشاهد صورة جدارية لصدام حسين ، فما كان من ذلك الجندي البطل إلا أن يصوب مدفع دبابته صوب تلك الجدارية ويزيلها ليعلن بدأ الانتفاضة الشعبانية كما يسميها العراقيون ، وتعتبر هذه الانتفاضة من أشرف نهضة عرفها التاريخ العراقي الحديث ، ولأنها شعبية خالصة لم يتدخل بتفجيرها حزب علماني أو أسلامي ، لذا وقفت أمريكا وغيرها ، وبخاصة دول الجوار لإجهاضها ، ورأت أمريكا حينها الإبقاء على صدام حسين بضعفه أفضل من قادم وطني يقود البلاد ، ولو قدر لتلك النهضة الانتصار لكان حال العراق على عكس ما نراه الآن ، وأسفرت تلك الانتفاضة عن سقوط كل المحافظات جنوب بغداد ووقوعها بيد الثوار ، وأسفرت أيضا عن نهضة كردية ليتدخل المجتمع الدولي لاحقا لاعتبار إقليم كردستان محمية شبه أممية ، وأطلقت يد صدام ليعيث ظلما بهذه المحافظات المنتفضة ليخلف آلاف المقابر الجماعية ، بعد أن أعاد السيطرة على تلك المحافظات ، وهنا بدأ التحرك الحزبي للمعارضة العراقية لإقناع أمريكا لغزو العراق وإسقاط حكومة صدام حسين ، وكان لهم ما أرادوا ، وللتاريخ أيضا يجب أن نقول أن الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية أصدرا بيانا مشتركا وصل ألينا عبر تسريب مع القادمين للعراق ، ونتيجة لهذا أصبحت أمريكا هي من تتحكم بمصائر البلاد والعباد والى يومنا هذا ، الأصابع الأمريكية موجودة بمجمل مفاصل الحياة العراقية السياسية .
معلوم للجميع أن النفوذ العالمي يشمل الدنيا بما فيها ولها ، ومعلوم أيضا أن دول المغرب العربي يعتبر عرفا من النفوذ الفرنسي ، ولأن فرنسا درست التجربة العراقية الشاقة جدا ، لذا ارتأت التغيير بتونس الخضراء على غير الطريقة الأمريكية السيئة ، شاب تونسي خريج جامعي لا يجد عملا حكوميا يعتاش به أشعل بجسده الطاهر النار ليعلن موته وبدأ الثورة الشعبية العارمة التي أطاحت بحكومة بن علي ، الذي قرر الفرار كما هي عادة الجبناء ، وكما فعل شقيقه صدام حسين ، والفارق أن صدام ليس له وجها مقبولا عربيا أو عالميا ، لذا فر داخل العراق ليشي به أحد أقاربه لقاء مبلغ مالي كبير ، وبن علي حاول أولا الوصول لباريس التي رفضت استقباله وهي المفارقة الغريبة ، لأن بن علي هو صنيعتها المدلل ، ولكي لا تخسر فرنسا جمهورها التونسي لذا رفضت ضيافته عندها ، واستقبلته مع جزء من عائلته المملكة العربية السعودية .
أن التجربة العراقية الديمقراطية على هشاشتها ، قديرة أن تصل للدول التي تحكم بالنار والحديد ، أمس رميّ صدام حسين لمزبلة التاريخ ، واليوم تبعه بن علي ، وغدا سنرى ونسمع بكراسي كارتونية آيلة للسقوط واحدة تلو الأخرى .

كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة-لشاعر مصري شاب اسمه مصطفى الجزار


كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة

القصيدة



لشاعر مصري شاب اسمه مصطفى الجزار

شارك في مسابقة أمير الشعر





كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة
فعـيـونُ عبلــةَ أصبحَتْ مُستعمَــرَة

لا تـرجُ بسمـةَ ثغرِها يومـاً، فقــدْ
سقطَت مـن العِقدِ الثمينِ الجوهرة
قبِّلْ سيوفَ الغاصبينَ.. ليصفَـحوا
واخفِضْ جَنَاحَ الخِزْيِ وارجُ المعـذرة

ولْتبتلـــع أبيـــاتَ فخـــرِكَ صامتــاً
فالشعـرُ فـي عـصرِ القنـابلِ.. ثـرثرة
والسيفُ في وجهِ البنـادقِ عاجـزٌ
فقـدَ الهُـــويّـةَ والقُــوى والسـيـطرة
فاجمـعْ مَفاخِــرَكَ القديمــةَ كلَّهـا
واجعـلْ لهـا مِن قـــاعِ صدرِكَ مقبـرة
وابعثْ لعبلـةَ فـي العـراقِ تأسُّفاً
وابعثْ لها في القدسِ قبلَ الغـرغرة
اكتبْ لهــا مـا كنــتَ تكتبُـــه لهــا
تحتَ الظـلالِ، وفي الليالي المقمرة
يـا دارَ عبلــةَ بـالعـــراقِ تكلّمــي
هـل أصبحَـتْ جنّــاتُ بابــلَ مقفـــرة؟
هـل نَهْـــرُ عبلةَ تُستبـاحُ مِياهُـــهُ
وكـــلابُ أمــريكـــا تُدنِّــس كـــوثـرَه؟
يـا فـارسَ البيداءِ.. صِــرتَ فريسةً
عــبــداً ذلـيــلاً أســــوداً مــا أحقـــرَه
متــطـرِّفــاً.. متخـلِّـفـاً.. ومخــالِفـاً
نَسَبوا لـكَ الإرهـابَ.. صِرتَ مُعسكَـرَه
عَبْسٌ تخلّـت عنـكَ... هـذا دأبُهـم
حُمُــرٌ ـ لَعمــرُكَ ـ كلُّــهـــا مستنفِـــرَة
فـي الجـاهليةِ..كنتَ وحدكَ قادراً
أن تهــزِمَ الجيــشَ العظيــمَ وتأسِــرَه
لـن تستطيـعَ الآنَ وحــدكَ قهــرَهُ
فالزحـفُ مـوجٌ.. والقنــابــلُ ممطــــرة
وحصانُكَ العَرَبـيُّ ضـاعَ صـهيلُـــهُ
بيـنَ الــدويِّ.. وبيـنَ صرخــةِ مُجـبـــَرَة
هـلاّ سألـتِ الخيـلَ يا ابنةَ مـالـِـكٍ
كيـفَ الصـمــودُ؟ وأيـنَ أيـنَ المـقـدرة!
هـذا الحصانُ يرى المَدافعَ حــولَهُ
مـتــأهِّــبـــاتٍ.. والقـــذائفَ مُشـهَــــرَة
لو كانَ يدري ما المحـاورةُ اشتكى
ولَـصــاحَ فــي وجـــهِ القـطـيــعِ وحذَّرَه
يا ويحَ عبسٍ.. أســلَمُوا أعــداءَهم
مفـتــاحَ خيـمـتِهــم، ومَــدُّوا القنطــــرة
فأتــى العــدوُّ مُسلَّحــاً، بشقاقِهم
ونـفــاقِــهــــم، وأقــام فيهــم مـنـبــــرَه
ذاقـوا وَبَالَ ركوعِهـم وخُنوعِهـم
فالعيــشُ مُـــرٌّ.. والهـــزائـــمُ مُنــكَــــرَة
هــذِي يـدُ الأوطــانِ تجزي أهلَها
مَــن يقتــرفْ فــي حقّهــا شـــرّا..يَــــرَه

ضاعت عُبَيلةُ... والنياقُ.. ودارُها
لـم يبــقَ شــيءٌ بَعدَهـا كـي نـخـســرَه
فدَعــوا ضميرَ العُــربِ يرقدُ ساكناً
فــي قبــرِهِ.. وادْعـــوا لهُ.. بالمغفــــــــرة

عَجَزَ الكلامُ عن الكلامِ.. وريشتي
لـم تُبــقِ دمعـــاً أو دمـــاً فــي المـحبـرة
وعيونُ عبلـةَ لا تــزالُ دموعُهـــا
تتــرقَّــبُ الجِسْـــرَ البعيـــدَ.. لِتَــعـــبُــرَه

الخميس، 20 يناير 2011

ماأشبه اليوم بالأمس يا رصافي-اختيار باسمة الاحمدي



ما
أشبه اليوم بالأمس يا رصافي
--------------------------------------------------------------------------------

حينما ننظر إلى التأريخ ندرك بأن التأريخ يعيد نفسه وان المواقف والأحداث تتكرر لكن الأبطال والوسائل مختلفة على اختلاف الزمان والمكان.
عندما نلقي نظرة بسيطة على ما قد وثقه شعراء الأمس من مآسي وآلام مرت بها امتنا حركت مشاعرهم وكانت تجربة شعورية معبرة عما يعصف بالأمة من مصاعب، نحس إن هؤلاء الشعراء كأنما كانوا يصفون أيامنا هذه , هؤلاء الشعراء لم يعاصروا الاحتلال الأمريكي للعراق ولم يضعوا أيديهم على جرائمه ولكنهم عاصروا عدوا شرسا كما الاحتلال الأمريكي عاث فسادا ودمر وقتل ونهب خيرات البلاد ولم يخرج إلا بصنائع الأبطال .
على ماذا يدل هذا ؟؟ هل انه من صنع الصدفة ؟
من قراءة التاريخ وقراءة الواقع الحالي نستدل على إن منهجية الاحتلال- وان كان اسمه استعمارا في الماضي- في أي زمان ومكان هي واحدة,, منهجية القتل والتدمير ونهب الثروات وزرع الفتن وان أساليب الخلاص أيضا واحدة من هذا الاحتلال البشع ولن تنفع الأساليب المبتكرة "حديثا" في الخلاص منه .

ربما لم أكن انوي أن أتعمق في هذا الموضوع وودت أن اجعل من يقرأ القليل مما كتب معروف الرصافي يكتشف هذه الحقيقة
معروف عبد الغني الرصافي شاعر عراقي ولد سنة 1875 ببغداد حيث أكمل دراسته فيها ، ثم انتقل إلى القسطنطينية والقدس ، وبعد إتمام دراسته عاد إلى وطنه .
يمتاز أسلوب الرصافي بمتانة لغته ورصانة أسلوبه ، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه [ ديوان الرصافي] حيث رتب إلى احد عشر بابا في الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة ، يقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة ، توفي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث ‏بلغ القمة بوصفه إذ قال:

لقيتها ليتنـي ما كنـت ألقاها

تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابـها رثة والرجـل حـافية
والدمع تذرفه في الخد عيـناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها
واصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميـها ويسعدها
فالدهر من بـعده بالفقر أنساها
الموت افجعهـا والفقر أوجعها
والـهم انحلهـا والغم أضـناها
فمنظر الحـزن مشهود بمنظرها
والبؤس مــرآة مقرون بمرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها
حملا على الصدر مدعوما بيمناها
تقول: يا رب لا تـترك بلا لبن
هذه الرضيعة وارحمني وإياها
كانت مصـيبتها بالـفقر واحدة
ومـوت والدهـا باليتـم ثناها
هذي حكاية حال جئـت اذكرها
وليس يخفى على الأحرار مغزاها

لقد شارك الرصافي في قضايا أمته السياسية والاجتماعية ، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم ، والتي ينبغي لطالب العلم إن لا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى ؟ لذلك نجده يقول: ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا

حتى نطـاول في بنيانها زحلا

جودوا عليها بما درت مكاسبكم
وقابلـوا باحتقار كل مـن بخلا
لا تجعلوا العلم فيها كـل غايتكم
بل علموا النش‏ء علما ينتج العملا
ربـوا البنيـن مع التعليم تربية
يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا
فجيشوا جيش علم من شبيبتنـا
عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا
أنا لمن امة في عهد نـهضتنا
بالعلم والسيف قبلا انشات دولا

وعندما احتل الانكليز العراق سنة 1920م ، سرعان ما نصبوا فيصل ملكا على البلاد وأصدروا دستورا وانشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث انشد قصيدته التي جاء فيها:


عـلم ودستور ومـجلس امـة

كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليـس لنا سـوى ألفاظها
أمـا معانيها فليـست تعـرف
من يقرا الدسـتـور يعلـم انه
وفقا لصـك الانتـداب مصنف


فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الانجليز على العراق ، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر ، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا ، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:


يا قوم لا تتكلموا

إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوؤم
وتأخروا عن كل ما
يقضي بان تتقدموا
ودعوا التفهم جانبا
فالخير أن لا تفهموا
أما السياسة فاتركوا
أبـدا ولا تنـدموا

وبعد فترة من الزمن شكلت الوزارة من قبل حكومة الانتداب فقام مخاطبا تلك الوزارة المنقادة لتنفيذ أوامر أسيادهم حيث‏ يقول:


بالله يا وزراءنا ما بالكم

إن نحن جادلناكم لم تنصفوا
هذي كراسي الوزارة تحتكم
كادت لفرط حيائها تتقصف
انتم عليها والأجانب فوقكم
كل بسلطته عليكم مشرف
أيعد فخرا للوزير جلوسه
فرحا على الكرسي وهو مكتف


ومن قصائده الرائعة قصيدة يوم الفلوجة قالها في مدح مدينة الفلوجة البطلة ومقاومتها ضد الاستعمار عام 1941يقول :



أيها الإنكليز لن نتناسى

بغيكـم فـي مساكـن 'الفلوجـة'
ذاك بغي لن يشفي الله إلا
بالمواضـي جريحه وشجيجـه
هو كرب تأبى الحمية أنا
بسوى السيـف نبتغـي تفريجـه
هو خطب أبكى العراقييـن
والشـام وركـن البنيـة المحجوجـه
حلها جيشكم يريد انتقاماً
وهو مُغـرٍ بالساكنيـن علوجـه
يوم عاثت ذئاب [ آثور [ فيها
عَيْثةً تحمل الشَنـارسميجـه
فاستهانت بالمسلمين سَفاهاً
واتخذتم من اليهـود وليجـه
وأدرتم فيها على العُزْل كأساً
من دماء بالغدر كانت مزيجـه
واستبحتم أموالها وقطعتم
بين أهل الديـار كـل وشيجـه
أفهـذا تمـدن، وعـلاء
شعبكـم يدّعـي إليـه عروجـه
أم سكرتم لما غلبتم بحرب
لم تكن في انبعاثهـابنضيجـه
قد نتجنا لقوحها عن خِداج
فلذاك انتهـت بسـوء النتيجـه
هل نسيتم جيشاً لكم مُبْذعرَّاً
شهدت جُبنه سواحـل إيجـه
وهوى بانهزامه حصن 'أقريط'
وأمسى قذىً علـى 'عيـن فيجـه'
سوف ينأى بخزي وبعار
عن بـلاد تريـد منهـا خروجـه
لا تغرنكم شِبـاكْ كبـارٌ
أصبحـت لاصطيادنـا منسوجـه
لستم اليوم في المسالك إلا
جملاً تحـت صـدره دُحروجـه
وطن عشت فيه غير سعيد
عيش حر يأبى على الدهر عوجه
أتمنى فيه السعادة لكن
ليـس لـي فيـه ناقـة منتوجـه
أخصب الله أرضه ولو انّي
لست أرعى رياضـه ومروجـه
كـل يـوم بعـزّه أتغنـىّ
جاعـلاً ذكـر عـزّه أمزوجـه
ما حياة الإنسان بالذل إلا
مـرة عنـد حَسْوِهـا ممجوجـه

فثناءً [ للرافديـن ] وشكـرا
وسلامـاً عليـك يـا فلوجة



فلشاعرنا الرصافي مشاهد كثيرة في الحكم والأوصاف والأقاصيص الحزينة التي تظهر بؤس وفقر الأمة في أثناء الاستعمار الأجنبي ومقاومتها للاستبداد والظلم ، بالإضافة إلى آرائه الحدية في السياسة وانتقاد السلطة ، فقد دعا إلى الثورة الاجتماعية والسياسية إلى جانب الثورة المسلحة التي لم يكن للشعب خيارا غيرها لتحقيق الاستقلال و ليعم الرخاء ولتنعم البلاد بالحرية والمساواة .
هذه النظرة الموجزة ألقيناها على حياة هذا الشاعر إذ كان اصدق مترجم لآلام شعبه وأحزانه في الماضي ولربما هو اصدق مترجم لآلامنا وأحزاننا الآن فما أشبه اليوم بالأمس
توفي الرصافي سنة 1945م
رحمه الله

الاثنين، 17 يناير 2011

جماليات التجربة بين المخفيات والحضورعند غالب المسعودي-عادل كامل-

E-Mail: iraqstory2@gmail.com
موقع القصةالعراقية
المؤسس :
جاسم المطير

الإشراف :
حسن بلاسم
سمير المبارك
عدنان المبارك





فنون تشكيلية

جماليات التجربة بين المخفيات والحضورعند غالب المسعودي

عادل كامل


[1] لامرئيات الاثر وديناميته
ليست دراسته للطب، وتخصصه في طب الاسنان، قاد د. غالب المسعودي لسبر مخفيات حكماء سومر في صياغة ديالكتيك التاريخ المفتوح، فحسب،(1)، بل لرهافته ـ شاعرا ًورساما ً وباحثا ً ـ إزاء التنقيب عن الخامات التي لن تتعرض للتلف، أو للزوال. إنه انشغال فلسفي ـ شعري، قاده للعثور على الحلول ذاتها التي (أكتشفها ـ إخترعها) أسلافه منذ فجر السلالات في سومر: الطين المجفف، والمحروق، وطبقات القصب، والقير في البناء، وصهر المعادن بحثا ً عن الخامة التي تحقق أهداف الفنان التعبيرية ـ الجمالية، وفي الوقت نفسه التي تمتلك ديمومة مجربة.
هذا الانشغال الرمزي، والواقعي، قد يلخص علاقة الانسان بممتلكاته، أشياءه، بصفتها الجسر بين الجهد، وعلاماته، الى جانب هذا الذي يعبر، من زمن الى زمن،لإستكمال كل ما لا يمكن البوح به، هو، العمل الفني، بديالكتيك الخامات وأشكالها.
فليس لا وعيا ً عميقا ً، أو بدوافع نائية، وقد تكون لا شعورية، نفسيا ً، قد إختار الابجدية السومرية، في نصوصه الفنية فحسب، بل قصدا ً سمح له أن يبحث عن خامات هي من صنعه، بالدرجة الاولى.
وهنا يأتي إختيار الفنان لخاماته، ليس بسبب عدم توفرها، أو حتى إمكانية إستيرادها، بل لتحقيق ذات الآليات التي جعلت الفنان الرافديني ينجزها قبل ستة الآف سنة. فإذا كان الطين قد لخص مأوى وحي الآلهة، وهيئة الانسان بعد أن وحدّ (ووازن) ما بين التاريخ المفتوح وبين رسالة الانسان في الوجود، فإن خامة الطين، ستوّحد، وتدمج المرئيات بمحركاتها: عبر تنوع الأشكال، والمعالجات، والابعاد الجمالية.
كما أن اختيار الفنان غالب المسعودي، وهو يستعير من السومرين دوافعه في التجربة الفنية، للمسمار، كعلامة، ليس محض محاكاة أو استعارة لم يجر عليها تحويرات فحسب، بل جعل المسمار علامة اكتسبت حداثتها بالتكوين، في ديناميته، وابعاده التأملية. ففي نصوصه الفنية ـ المكملة للاتجاه الذي ظهر منذ ثلاثينيات القرن الماضي، عند مديحة عمر، وفي الاربعينيات من القرن نفسه عند جميل حمودي، وفيما بعد اخذ بعدا ً نظريا ً في تجارب شاكر حسن على صعيد الفنان وهو يستلهم الحرف (البعد الواحد)، لا كسطح خال ٍ من الابعاد، بل كبعد رمزي للذي شغل الحكيم السومري في الحفاظ على ديالكتيك المعنى بابعاده البنائية ـ الجمالية.
فإذا كان حكماء العراق القديم يأملون بديمومة معابدهم، (2) كجسر ما بين خلود الالهة، وفناء الانسان الساعي للعثور على مفاتيح يعالج فيها ظلمات عالم ما بعد الموت، فان حكماء ذلك الزمن، قاموا بتثبيت المعابد في الأرض عن طريق تماثيل (الاسس) التي تجمع في شكلها بين رمزية الالهة، وبين هيئة الانسان. ففي (المسمار) الشكل قوة سحرية، إضافة الى عمله الوظيفي في التثبيت. وثمة اعتقاد أن دق المسمار في الجدار يقضي على الأرواح الشريرة، أو يقوم بتسميرها في مكانها حتى ان (الخنجر) مازل يستعمل لهذا الغرض في بعض الحضارات.
والحكيم ـ هنا ـ ليس الملك/ المشّرع/ إلا كوديا المنشغل بتطبيقات الفلسفة البنائية ـ التكاملية، منذ ذلك العهد. والفنان د. غالب المسعودي، لم يغفل أن أحد أقدم ملوك العراق، في سومر، ما أن شيّد امبراطوريته، حتى طلب من وريثه، الابن، تسنم الحكم، فيما أمضى باقي حياته متأملا ً وحيدا ً في البرية،(3) وبهذا يكون قد حقق جوهر الفلسفة التي لن تبلغ ذروتها، كي تهرم، وتزول. (4) هذا اللغز، في خامات الفنان غالب المسعودي، تتوحد وتتداخل بالكتابة، حتى أن الشكل (الرمزي للحروف ـ كانسان وكتجريد ـ يعيد رمزية المسمار المستخدم في حضارة سومر كوحدة بين الالهة (إشارة للمطلق أو اللامتناهي) ـ من الاعلى ـ والانسان في الأرض.
فهل كان لسنوات الحصار، بعد عام 1990 ـ إن كان قد فرض من الخارج أو داخليا ً ـ أثره في تحفيز الفنان في إختيار خامات متنوعة، محلية، ومعالجتها بالنار، والمواد الكيميائية المناسبة، أم أن ثمة لذّة (فلسفية/ خيميائية) سمحت له أن يتأمل في لغز إسحالة الكين ـ بعد مزجه بالدم ـ الى إنسان، كما في الاسطورة البابلية، مثلما يظهر ذلك في الألوان المختارة في نوصه، أم أن الفنان ترك للمتلقي إغفال هذا الايحاء، والعودة الى الأصل: بعيدا ً عن لغز مزج دم (تيامة) بالتراب، وجل (الماء) يتوحد بالتراب في خلق الجسد/ الانسان؟ أيا ً كان التأويل، فإن موضوعات الفنان ل تنتظر الشرح، ولم تتوخ الايضاح، لأنها غير مؤسسة على التتابع، أو السرد القصصي، الحكائي، بل على ما لا يمكن تأويله إلا بالخامات وهي تؤسس أشكالها المستحدثة. فالفنان لم يجد مبررا ً لمحاكاة الأشكال القديمة ـ كما سيحصل ليس باستعارة خامات، ونقش أساليب، ومحاكاة أنظمة الفن الأوروبي الحديث فحسب، بل الانسياق آليا ً في التعبير عن فلسفات بلغت ذروتها، إنما مازال أفولها يستمد ديمومته من مجدها الاقتصادي، والتاريخي تماما ً ـ وإنما لأنها ليست غائبة عنه أصلا ً، فقد منحها ديناميتها بعد اجراء معالجات لها مهارات تحويرها، ومنحها خطابها غير المستعاد، أو المستنسخ، بل الممتد، في إستكمال الدورة. فالأشكال، والألوان، ومعالجة أدق العناصر في ملمسها، ورمزيتها التعبيرية المختزلة الىمسامير، وحروف ترجعنا إلى ابجديات اللغات الاولى: حيث الاصوات تجد معادلها في الايحاء، وفي الثيمات الجمالية.

وهنا لا يخفي الرسام أنه يحفر، ولا يضيف شيئا ً إلى السطح، بل يبني، بمواده المصّنعة، والمعالجة في مختبره الخاص، بالمنحى ذاته على صعيد اكتشاف حكماء وادي الرافدين في الرليف، المتداخلة بجذور اللغة العربية (الجزرية)، في الارباسك، الامر الذي منح الفنان دافعا ً للقراءة المستحدثة لتاريخ الخطوط، بدءا ً بالسمارية، واللغات البابلية، والاشورية، وانتهاء ًبفك اسرار انظمة الخطوط العربية، بصفتها ليست وسيلة نفعية مباشرة ومحددة، وإنما بما تحققه من نظام مقابل لنظام: الدفن ـ البعث. فالتضاريس، والدوائر، والخطوط المتداخلة، لن تنفصل عن الطبقات غير المرئية: ظلمات العالم ما تحت الوعي ـ الموت الذي يؤدي دور الميلاد المؤجل/ المنتظر ـ كي يشتغل المعادل الموضوعي، داخليا ً، ومجفرا ً، بين العلامات ومخفياتها، لتحقيق الجسر بين الازمنة، وبين الدلالات، وأخيرا ً، بعدم منح الفن صياغة الاعلان، او براغميته، وإنما بما تعمل عليه الخامات، وقد وجدت بين أشكالها ومعانيها المستترة، بنائية غايتها ان تحافظ على ديناميتها، وإمتدادها.
[2] الختم: الحافة بين مجهولين
إن تحول الجهد الى عملة، والعملة، ذاتها، الى سلعة، فانها ستعيد للقوة سحرها الملغز: محو الرأفة لصالح ضرب من التجريد يصعب تحديد دوافعه النهائية. فالفنون ـ وليست البصرية منفصلة عنها ـ منذ كفت أن تؤدي دورها التضامني، والروحي بحسب (هيغل)، فانها ستشترك في رسم مسار غدا فيه الفن شيئا ً بين أشياء، كي يتحول الخطاب، من جسر/ علاقة، مرسل ومستقبل، إلى اداة خالصة. فلم تعد آليات إنتاج الفنون تشترط اشباع غائيات نائية للفنان، وللمجتمع، وإنما لحصد المزيد من المنافع، على حساب التعبير ـ والصدق. والفنان غالب المسعودي، لم يهمل ان احد سمات الفن (الحديث) وصولا ً الى (الحداثة)، والدخول في مساحات جغرافية ـ سياسية خالية من الضوابط ، في نظام(العولمة) ان الفنان يعمل باكبر قدر من الاستقلالية، بصفته هاو ٍ، او محترف، وانما لانه يشتغل في اكثر البدائيات امتدادا ً، ودينامية. وهنا كان ارثه ـ والارث البشري للحضارات كافة ـ علامة في الدورة، وليس علامة للتداول ـ الاستهلاك. فلم يجهد اصابعه ـ ولا وعيه بالدخول في سوق الفن، ومضارباته، مع حفنة من تجار صغار، ومزورين، ومروجي اقنعة، بل اعتكف، أسوة باساتذة كبار، كرسول علوان، وصالح القره غولي، وعيدان الشيخلي، ود.نوري مصطفى بهجت، ود. سامي حقي، ومحمد على شاكر..الخ لينجز الرسالة ذاتها الكامنة في الختم ـ في الارسال ـ وفي ديالكتيك ـ علاقة ـ اللامحدود بالأشكال. فعندما كان عمل (الختم)، شبيه بعمل تماثيل الأسس، كوحدة الاجزاء، والحفاظ على رمزية المطلق في الدال البشري، كأشتغال لاواع ٍ أو مجّفر، إلى جانب البعد التقني ـ الوظيفي، للفن، فإن الختم ـ والتمثال، وكل معالجة للسطوح، ستحافظ على هذا الترابط، في إطار يحقق الاشباع والتأمل.
إن الختم هنا ليس (التوقيع) أو: الهوية الخاصة، بل أبعد من ذلك. لأن الفنان سيدفع بالذات لإستقصاء دينامية (الطاقة) وقد تحولت الى لغة لن تتوخى التداول من أجل الربح ـ الاستهلاك، بل للحفاظ على ذات المساحة الت ازدهرت فيها الفنون؛ من المعبد الى البيت، ومن القصر الى المدفن.
إن استعادة الفنان لحرية حواسه، ورهافتها، من عمل الاصابع، الى الومضات البصرية، وانشغاله بمراقة اطياف المخفيات، الشبيهة بعادات افراد احرار بلغ العمل اقاصي نقائهة، وتجردة من التبعية، لأجل مساراتها في التسامي، سيجعل من الفن غاية شبيهة بحضور الإنسان نفسه، لا من أجل أن يغدو شيئا ً، بل على العكس، في إستعادته لهويته (من البعد الجمعي الى الذات، ومن التاريخ الى الفعل، ومن المطلق الى المرئيات)، بصفتها علامة بين علامات، وليس (ماركة) للتضارب، أو غواية في سوق المنافسات، والاشتباك.
فلأسطورة هنا تتزه، ببراءة (شبيه بمن تحرر تماما، باستثناء إستحالة تحرره من قيود حريته، أو براءته) تامة الشروط، ولن تتحول الى أداة غايتهاالقطيعة مع: الأرض ـ الواقع ـ ومآزق الذات في مواجهة المحو ـ والاندماج.
والمسعودي ـ الذي طالما رأى انه آخر السومرين ـ لن يغرد منفردا ً خارج الاشتباك ـ التصادم، وخارج زمن الصدمات، والعشوائيات، الحاصلة في الوسط الثقافي والفني، أو على الصعيدالاجتماعي، بل يرى انه ينتمي إلى إرثه (النحتي) منذ عصر ظهور النقش في فخارات الوركاء، الى الأشكال الهندسية في جداريات بابل، مرورا ً بالعبقرية العربية الاسلامية التي حققت في الارباسك (4)، ذا الديالكتيك بين العلة التي لا علة لها، وبين تحولها الى كيانات جمالية ـ ومعرفية ـ لا يمكن عزلها عن المعمار الاجتماعي، وصولا ً ال التجريد، وهو يشتغل في حقل الاشباات التأملية، بعيدا ً عن تحوله الى علامة في سوق، أو الى كنز في متحف.
فالفنان ـ هنا ـ يحدّث (يجدد) في مسار تداخل التيارات والاساليب،إرثه، كالبنّاءالسومري وهو يجدد معالم معابدها الروحية، وكالحكيم الذي يواصل عمله لا في تقصي تماثيل الاسس التي شيدها قبله حكماء الازمنة السابقة فحسب(5)، بل في (تجديد/ تحديث) الفلسفة ذاتها، وهي تأبى أن تكون تاريخا ً بلغ خاتمته.
فالامتداد: إمتداد استدراج الخامات المحلية، من الحجر الى الطين، الى اللدائن، والى الاخشاب والاصماغ ..الخ وإستحالة تحول المتراكمات الى أشياء ـ سلع ـ لأجل المضاربة، والتنافس، وإمتدادا ً: للعناصر وقد عاصرت حضارة بلا جدران، أو قرى معزولة، وهي تنبني بما يجعل مسارات (الغاية) قائمة على دحض تحولها الى (سلعة/ اشياء)، وإمدادا لهذه العوامل ـ من الخامة الى الرؤية ـ ستجعل النص الفني يشتغل للحفاظ على أعقد إشكالية إنبثقت مع ـ اللغة ـ ألا وهي المعادل بين كل ما لا يمكن تحديد جوهره، وبين التطبيقات التي ستشكل إمتدادا ً له.(6) فالفنان د. غالب المسعودي، كي لا يستجدي (بسبب ان مهنة الفن قد أدركته، كما أدركت بعض زملائه من الادباء وحولتهم الى كتبة وليس إلى كتّاب، وليس الى فقراء بل إلى شحاذين)، سستساعده مهنته كطبيب مميز، وجراح ممتاز، لاداء خدمات توفر له حماية كرامته الشخصية، فيما ستكون مهمات الفن، عنده، انشغالا ً بحماية ذات الرهافة التي صاغ خطابها فنان المغارات، وفنان المعابد في سومر، وحكماء الازمنة السحيقة. لأن (الحكيم) هنا، ليس الملك أو العاهل، أو الخبير في شؤون الاقدار والمصائر، أو سلامة الجسد، أو المكلف ببناء مجتمع تتوفر فيه اسبقيات، وفي مقدمتها العدالة فحسب، بل الصانع، والصائغ لـ (سلع) مضادة لها، ليس في التكنيك بمعزل عن الغاية فحسب، بل في إستحالة تحولها الى (وثن). فالحكيم إذا ً سيختار الدرب الذي لن يختتم بخاتمة، أو يكون وحده نهاية الطريق، وإنما ليشكل واحدا ً من مسارات إغناء الجسد ـ وحمايته ـ بالفكر والرؤية، والمرونة في تتبع المحركات النائية، الى جانب كل ما يمكن ملامسته بالانامل، ومشاهدتها بالبصر، وتذوقه برهافة المجسات التي لم تخمد فيها جذوة الومضات، وإنشغالات المخيال/ الحلم/ والشعر.
[3] الجسد: من المشخص الى الومضات
بحسب خبرة مؤرخي الفنون، فان المليون سنة التي صاغت علاماتها،(7) من الخرز الى الاختام، ومن القلائد الى زخارف جدران المدافن، ومن الاقراط الى رسوما جدران المعابد ..الخ لم تكن منفصلة عن: محنة الجسد. فالجسد الذي غدا مأوى لمكونات العالم باتساعه، والطبيعة بمخاطرها، والمجموعات السكانية ذاتها في تجاورها، وفي تصادمها ..الخ هذا الجسد، المحمي بدفاعات ذاتية ومشفرات بالغة التعقيد ـ والدقة، هو ذاته الذي صاغ ما تضمنته المتاحف من كنوز، والمدن من ممتلكات، والعقول من معارف، والحضارة من حكمة، هو ذاته لخص ديالكتيك: الخطر ـ والديمومة. فالمقاومة ليست كلمة ملتبسة الدلالة، إنما تكاد، لواقعيتها، أن تمتلك أدق تعريف للذي: لا يعّرف: الميتافيزيقا. فالوجود نفسه غدا ـ بصفته لا معقولا ً، ولا يمتلك مفاتيحا ً لفك مغاليقه ـ معقولا ً كضربة نرد لا تحكمها خطة عشوائية. ود.غالب المسعودي، بنزعة شرقية غير مثقلة بالزوائد، يتوهج بما تمتلكه خاماته من لا مرئيات داخلة في تكوين ذرات عناصره الفنية، يعادل، ويوازن، بين جسد (دينامي/ متيقظ) وغير خامل، في استقصاء المسافات وقد كفت أن تكون لها حافات، وبين نصوص فنية عليها أن لا تفقد ذروتها.
إن الفنان غير معني بالجسد، إلا بصفته المأوى تارة، وبصفته قد أكتسب مهارات تؤدي إلى اكتناز مهارات نائية، وبصفته ممرا ً بين القاع والأعالي، ثالثة، ورمزا ًمبنيا ً بالمشفرات وعملها كي لا يرتد، وكي يحافظ على دينامية أنه ليس ابديا ً.
وإذا كان الفنان قد مارس ـ كما رسم شاكر حسن الجسد المجرد في خمسينيات القرن الماضي، ومن ثم تم التخلي عنه ـ معالجة الجسد بما يمتلك من مرونة، وتعقيدات، وملغزات، فانه ـ بدافع تقصيه للمحركات ـ سيدمجه باشكال اختزلت حد القطيعة مع مصادرها، في رؤيته التجريدية، للنصوص، وقد دمج الرسم بالنحت، والطباعة بما تمثله من واجهات المباني، أو شواهد المدافن، والأثر بتحديثاته ..الخ كي تغدو النصوص، كالأختام، وتماثيل الاسس، والارابسك، دون إهمال ثراء التجريد التعبيري، والهندسي، ودوافعه: التطهرية/ السحرية/ الميتافيزيقية/ والرياضية ..الخ ذات مسار يكون الجسد عليه ـ في ذاته ـ ولكن ليس على حساب التجريب، والمرئيات، ورهافات التداول بين الذات وعالمها المحيطي. فالجسد سيتوارى، ليدفن، حتى يكاد الفنان أن يصنع لنا مواكبا ً احتفالية خالصة، والجسد يكف أن يكون إشكالية وجود، كي يستحيل إلى إشكالية تعبير، لا عن غيابه، بل عن امتداد حضوره هذا في الغياب. فثمة تزامن لوقائع تحدث داخل مكونات النص الفني، ولن يدعها تغادر، لكن الجسد يرفرف، كومضات ضوء في العتمة، وقدام ليل الانسان، ليستكم لغز (الفن) في علاقته مع الصانع، وفي علاقته مع المتلقي. مما سيسمح للفنان أن يستعيد عمليات البناء ـ من الداخل ـ باستعارة الخامات القادرة على تحقيق مقاربة مع غياب الجسد ـ وحضوره. فنصوصه تفصح عن مشاهد أفقية، أختزلت المساحات، واعادت توحيد منبهاتها، داخل السطح، بمتعرجاته، وملامسه المتباينة. فالتجريد الذي غدا كتابة، يحافظ عى مشفرات (الحروف) ذات الأصل: الالهي ـ البشري، معا ً. فهو لم يعلن عن إنحياز لمنهج لا يمكن فصله عنه، بل سيستحدثه في نهاية المطاف، دامجا ً التصّورات، بمسار المشاهدات الواقعية، عبر المعادل ذاته الذي انجزه رسام المغارات، أو صانع الاختام السومري. فالانسان لم يصر شيئا ً منفصلا ً عن تعبيرية المعالجة ومغزاها، بل غاب فيها ـ كما ينزل الراحل إلى اعماق الارض التي لن يعود منها ـ كي يؤدي طقسا ً بانتظار الانبثاق. إننا إزاء تأولات ربما لن توسع مهمات المتلقي كثيرا ً، لكنها لن تدعه يتمهل بلذائذ طالما انها قائمة على أن الفن: ليس تسلية، أو إمتاعا ً بمعزل عن مراراته الأبدية. ففي هذا المعادل قد لا يقول النص الفني إلا ما توارى فيه، كمقبرة سوتها الريح، وكالزمن آتى على ممالك، وامبراطوريات، إنما ـ في الآن ـ هناك المراقب، المتلقي، بكامل وعيه، وحضوره، وبجسده حتى لو كان قد استحال الى ظل، أو رمز، أو ومضة، فانه ليس إلا صانعا ً لوجود يجدد فيه، ذات الطاقة التي تمنحنا إياها الاجساد التي توارت، ليس في التراب، أو في باقي العناصر فحسب، لكن التي أصبحت تسكننا، وكأنها لن تعمل إلا على تحدي الغياب، وبالدرجة الأولى على مجد الثبات، أو المقاومة، كمعادل بين المحو، وإنبثاق ومضات الوجود.

إحالات :

1 ـ يكتب فراس السواح، في حقل المعتقدات في تاريخ بلاد سومر: " تقدم لنا ديانة بلاد الرافدين النموذج الأمثل عن مفهوم التاريخ المفتوح،حيث نستطيع تمييز مراحل للتاريخ المقدس تكشف عنها الأسطورة. المرحلة الأولى هي السرمدية الساكنة عندما كانت الألوهة منكفئة على نفسها مكتفية بذاتها. المرحلة الثانية هي الزمن الكوزموغوني، أو زمن الخلق والتكوين، عندما خرجت الألوهة من كمونها فأطلقت الزمان ومدت المكان وحركت دارة الوجود. المرحلة الثالثة هي زمن الأصول والتنظيم، عندما عمد الآلهة إلى تنظيم شؤون العالم والمجتمع الإنساني، من خلال عدد من الفعاليات المبدعة التي نشطت عند جذور التاريخ الإنساني. المرحلة الرابعة هي زمن البر الفتوح على اللانهاية" أنظر: فراس السواح [الرحمن والشيطان ـ الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات الشرقية] دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة ـ دمشق/2000 ص23
[2]ـ كان من امنيات ملوك العراق القديم ان تبقى المعابد التي يشيدونها خالدة الى الأبد. لذلك قام الملوك بتثبيت المعابد في الارض عن طريق تماثيل الاسس التي تجمع في شكلها بين المسمار والاله أو الملك. أنظر: د. صبحي أنور رشيد [تماثيل الأسس السومرية] وزارة الثقافة والاعلام ـ الجمهورية العراقية 1980 ص6
[3] في تاريخ دولة لارسا تصادفنا ظاهرة نادرة الحدوث في التاريخ العراقي، ذلك أن أحد ملوك هذه الدولة والمدعو (كودورمبوك) الذي كان يقيم في منطقة تقع شرق بابل بعد استيلائه على السلطة في لارسا بتنصيب ابنه (وارادسين) حاكما ً على البلاد " وبقي هو في خيام قبيلته واكتفى بلقب شيخ أو أب لكنه احتفظ من بعيد بالقيادة في يده من خلال تحديد سياسة وارادسين" إذ ليس من المألوف في تاريخ العراق أن يزهد حاكم بالسلطة ويبتعد طواعية ولو على هذا اشكل. انظر: باقر ياسين [تاريخ العنف الدموي في العراق/ الوقاءع ـ الدوافع ـ الحلول] توزيع دار الكنوز الادبية. بيروت ـ لبنان. 1999 ص44
[4] الأرابسك: فنون زخرفية إبداعية تلقائية موحية، إنبثقت من حضارة الشرق القديمة، وتبلورت في الفنون الاسلامية، تناولت الحقائق والجوهر والروح بتعبير رمزي، فأحالت الشكل الخارجي والمظاهر العرضية الى رموز وأسرار، مضامينها صوفية تأملية، واشكالها تعتمد التوازن والتقابل والتناسب والتكرار، استعاضت عن التجسيم بالعمق الوجداني. انتقلت إلى الفنون الغربية المعاصرة كعنصر تزويقي، تستلهم الحروف أحيانا ً. وقد أطلق الجماليون عليها (الفزع من الفراغ). انظر: عباس الصراف [آفاق النقد التشكيلي] وزارة الثقافة والاعلام ـ بغداد ـ 1979ـ ص163
[5] كذلك استمر التقليد راسخا ً في العصر السومري الحديث بنوع يعرف بـ (الحيوان ـ المسمار) الذي استعمل في عصر فجر السلالات الثالث ولكن بكل ثور جالس فوق مسمار. كما واستمر استعمال النوع المعروف بـ (الانسان ـ المسمار) الذي ظهر لأول مرة في عصر فجر السلالات الثاني، حوالي 2600ق.م. أنظر: د. صبحي رشيد [تماثيل الأسس السومرية] مصدر ساب. ص14
[6] ـ بمعنى ان للبشر غاية لا تمحى بالفناء، كما يرد في احكام اقدار الالهة لهم، وإلا لماذا منحوا، في حدود مصائرهم، تعالميها، حتى لو كانت قد كتبت من قبل البشر أنفسهم. فالديالكتك ـ ضمن الزمن المفتوح ـ يسمح باستحالة محو المعنى، أو جعله عدما ً ممتداً.
[7] يذكر هنري هودجز: "هذا، وعلى الرغم من ظهور الانسان الصانع للأداة قبل عدة ملايين من السنين، إلا أننا نستطيع أن نتتبع تاريخ صناعة الادوات إلى مليوني سنة مضت" أنظر: هنري هودجز [التقنية في العالم القديم] ترجمة: رندة قاقيش. الدار العربية للتوزيع والنشر. عمان ـ الأردن. 1988، ص25

الشاعر الفلسطيني سليمان دغش=في ديوانه الجديد-انا


الشاعر الفلسطيني سليمان دغش
في ديوانه الجديد-انا-



إهداء :
إليَّ أنا في أنا
وإليهِ فيَّ
يملؤني بالأنا
ويجعلني أنا... أنا
سليمان

------------

انا الإمام ...
أنا الإمامُ
أنا الإمامُ
أعودُ من سَتري الزّمانيِّ
غيابي حجّةُ الموجةِ في البحرِ ,
ولا حُجَّةَ للماءِ على الماءِ
إذا ما أسلمَ الماءُ لوجهِ الماءِ واستسلمَ
كانَ الماءُ في البدْءِ
وكانَ الروحُ في السُبحَةِ مثلَ الريحِِ
فانثالَ على الأرضِ الغمامُ
أنا الإمام
8
أنا الإمامُ
وفي يَدي مفتاحُ سرِّ الماءِ
قالَ الماءُ كُنِّي ، كُنتُ
لا وَهمٌ عَلى مرآةِ يَمِّي
ذاكَ نجمي
في مرايا الماءِ يهمي
وسراجي في يدي البدرُ التَّمامُ
أنا الإمام
9

أنا الإمامُ
أنا إمامُ الستْرِ
ظِلّي ظاهرٌ في الناسِ
إنَّ السرَّ ما أخفى وراءَ الأفْقِِ
في البرقِ الغمامُ
أنا الإمامُ
10
أنا الإمامُ
أنا إمامُ الدهرِ , روحُ البحر ِ
لا أظهرُ إلاّ في الرؤى
إنّي أنا الرؤيا
وفي الرؤيةِ إيهامٌ ووهمٌ
وسؤالٌ حائرٌ كالسهمِ ,
كم تخطىءُ في الرَميِ ِالسّهامُ
أنا الإمامُ

أنا الإمامُ
عباءَتي روحي
وسَرجي صهوةُ الريحِ على حرفيْنِ
لائيَّينِ :
لا إله إلاّ الله
تنزيلٌ
وتأويلٌ
وما التأويلُ إلاّ جوهر التنزيلِ
إنّ الدرّ ما أخفى وراءَ اللف
في المعنى الكلامُ
أنا الإمامُ
12

أنا الإمامُ
حَمَلتُ قنديلي
وَمِنديلي
إلى نيلي
(وشَطْنيلي)
لكي أبدأَ دوْرَ الكشفِ
فالكشفُ دَليلي
قلتُ للاّهوتِ في النّاسوتِ :
سُبحانكَ
إني عائدٌ للقِبلةِ الأولى
13

هُوَ الإسراء

منْ قدسي إلى قدسِكَ في القدسِ

ومن روحِكَ في روحي

إلى روحي

ومن جرحي إلى جرحي

ومن نفسي إلى نفسِكَ في نفسي

حدودي خمسةُ :

العقلُ في الأوّلِ , والنفسُ

وفي الكلْمةِ نفسُ السابقِ التالي



14


فيا حاكمُ(*1)

طالتْ رحلةُ النورسِ

في الصحراءِ

بينَ الماءِ والماءِ

فلا زمزمُ ترويني

ولا يثربُ تؤويني

ولا البيتُ الحرامُ...!

أنا الإمامُ


15

أنا الإمامُ

أضأتُ مشكاتي على الصحراءِ دهراً

واختفيتُ

قُلتُ :

يكفيها منَ الأنجمِ

ما يقطُرُ من دمّي

دَمي المصباحُ

والمفتاحُ

والصحراءُ لا تقرأُ نَجْمي

16

كانَ سهمي

قبلَ حُلْمي

قلتُ :

تكفيني صلاةُ الفجرِ عند المسجدِ الأقصى

وعند الصخرةِ الأدنى

إلى المعنى

منَ المعنى

إذا ما ارتاحَ بعد الهجرِ

في الغمدِ الحُسامُ

أنا الإمامُ

17

أنا الإمامُ

متمِّمٌ بالماءِ ما بيني وما بيني

وللصحراءِ أن تحلُمَ بالغيمةِ

والنجمةِ

في كفّي

وأن تقرأَ فيها

كلَّ ما تُظهِرُ من سرٍّ وتُخفي

ليسَ للصحراءِ ما تخسَرُ

إلاّ رَملَها

18

إنْ هبَّت الريحُ على زِنّارها

وليسَ للصحراءِ أنْ تكسَبَ

إلاّ نارَها

إنْ أودعتْ في قبضةِ الريحِ

عُرى أزرارِها...

واستنفَرَتْ أسرجة الخيلِ سراطَ الريحِ

إنَّ الروحَ بنتُ الريحِ في الصحراءِ

لا رمحٌ يردُّ الريحَ إن ثارت

ولا يُجدي مع الريحِ اللجامُ

أنا الإمامُ

19

أنا الإمامُ

مُتَيَّمٌ بالماءِ حدَّ الماءِ

لا تمْتَمَةٌ فوقَ فمي

أو في دَمي

رؤيايَ منفايَ

وبيتي رؤيَتي

قدْ تصدقُ الرؤيا مع الرؤيةِ يوماً

ويتمّ الماءُ مجراهُ

ومسراهُ

منَ النهرِ إلى البحرِ

20

كأنَّ الماءَ مرآة المرايا

كيفَ يا ماءُ اكتشفتَ السرَّ

بينَ الذاتِ والمرآة

فاخترتَ المواني آخرَ الرؤيا

وآثرتَ التّأني

والتّداني

كلّما احتدَّ على اللجةِ

موجٌ مثقلٌ بالماءِ

واشتدَّ على البحرِ الزحامُ

أنا الإمامُ

21

أنا الإمامُ

ورايتي خضراءُ

قالَ فيَّ إسماعيلُ للراحلةِ الصحراءِ :

كوني واحتي

أو غيمةً في راحتي

واستلهمي في الريحِ طلحَ الروحِ

كيْ يعلو نخيلٌ في سماءِ الحُلْمِ ,

22

هل في الحُلْمِ من معنىً إضافيٍّ

إذا ما استكمَلَ البدرُ التّجَلِّي

في مرايا البحرِ

واستكمَلَ في فاتحةِ الموجَةِ

رؤياهُ اليمامُ

أنا الإمام

23

أنا الإمامُ

ورايتي حمراءُ ,

فالأحمرُ دَمّي

رايتي صفراءُ

والأصفرُ همّي

رايتي زرقاءُ

والأزرقُ حُلْمي

رايتي بيضاءُ

لا وهمٌ على الأبيَضِ إذ يندى

على الذاتِ الرَخامُ

أنا الإمامُ

24

أنا الإمامُ

على يدي وشم السلالاتِ التي

باعت مرايا الحلم في رؤيا دمي

واستَنكَفَتْ في ساعةِ الرملِِ

فلا خيلٌ على عَتْبَةِ مفتاحِ الأعاصيرِ

ولا رمحٌ يرومُ الشمسَ خلفَ البحرِ

في أندلسِ اللهفةِ

والشهوةِ

واللوعةِ


25

لا سيفٌ

ولا زحفٌ

ولا غيثٌ

ولا ليثٌ

ولا رعدٌ

ولا وعدٌ

نعامٌ يملأُ الصحراءَ تيهاً واختيالاً

ويطُمُّ الرأسَ في الرملِ ليرتاحَ

على الوهمِ النعامُ

أنا الإمامُ

26

أنا الإمامُ


نذرتُ نفسي لاكتمالِ البدر في

وحيِ الهلالِ

قلتُ في الظاهرِ شمسُ الباطنِ المستورِ

والباطنُ قلبُ الظاهرِ المنظورِ

لا المرآةُ تقصيني

ولا المرآةُ تدنيني

إذا ما انزاحت الرؤيةُُ في الرؤيةِ عن رؤيتها

واشتدَّ في الرؤيةِ والرؤيا

الظلامُ

أنا الإمامُ

27

أنا الإمامُ

وفي دَمي يبتدىءُ النهرُ قرانَ الضّفتيْنِ

ليس في الماءِ حيادٌ وَدَمي

لمْ يعترفْ بالجرحِ إلاّ

كي يصيرَ الدَمُ جسراً

لعبورِ الروحِ بينَ الجَسَدَينِ

كَمْ منَ الدمّ سَيَجري هاهنا

حتّى يُتمَّ الشهداءُ الحلْمَ في الموتِ الذي

يقلقهم في باحةِ الصحوةِ حيناًً...

فيَناموا

أنا الإمامُ

28

أنا الإمامُ

عبرتُ مثلَ الريح ِ من مائي

إلى مائي

وفي كفّي الندى

فاستوقفتني خيمَةُ ُالبدوِ التي

طافتْ على زيتِ الخليجِ الفارسيّ..العَرَبيِّ

صِحتُ :

يا سلمانُ(*2 )لا خندقَ حولَ القدسِ

29

والخطّابُ مصلوبٌ على عُهدتهِ

هل من نبيٍّ عربيٍّ يرفعُ الأذانَ

في الكعبةِ فجراً

ثمَّ يسري في رداء الوحيِ ليلاً

مثلما أسرى بثوبِ الماءِ

في الغيمِ الرِّهامُ

أنا الإمامُ

30

أنا الإمامُ

بدأتُ من كُلٍّ وفي كُلٍّ إلى كُلٍّ

أنا الكلُّ الذي لم يتجزأ

وأنا الفردُ الذي يَكملُ في الكلِّ

أنا منزلةُ الواحدِ

منّي يبدأُ العدُّ

ومنّي يبدأُ المدُّ

أنا العلّةُ والمعلولُ بالعِلَّةِ

بي يكتملُ الكلُّ

31

أنا العَقلُ

أنا الواحدُ والزائدُ والفائضُ عن حدّي

أنا السيّدُ والسائدُ والواعدُ والموعودُ والوعدُ

أنا العهدُ

أنا الشاهدُ والمشهودُ

فاشهدني تُشاهِدني

أنا الأزهرُ لا أظهرُ إلاّ

حينَ يشتدُّ على الأفْقِ القتامُ

أنا الإمامُ

32

أنا الإمامُ

دَمي كتابٌ في يميني

فاقرئيني

آهِ .. يا أيّتُها الأرضُ

التي تشربُ من دمّي

لكي يكبرَ عشب اللهِ

في خضرةِ عيْنَيَّ وفي ظلِّ جفوني

واتبعيني

لكِ ظلِّي.. اتّبعيني

33

إنَّ في المرآة شكاً أبديّاً

ودمي وحدهُ مفتاحُ يقيني

كلّما بدّلتُ قمصاني على عروةِ روحي

مسّني البرقُ الإلهيُّ على صخرتهِ الأولى

وناداني إلى القدسِ حنيني

فرمى منديلَهُ الأبيضَ في روحي

وناداني السلامُ

أنا الإمام

34

أنا الإمامُ

أعدّ خطوي

خطوة في الريحِ , ويح الريح ,

كم مرَّتْ على أطرافها

فاستَنفَرَتها قَدَمي

أعدُّ صحوي

ونهاري عتمةٌ في قلمي

35

قالت ليَ البرقةُ :

ألغيمةُ أمّي

وأبي من نطفةِ البحرِ

وضوءُ الشمسِ دَمّي

من ترى يحملُ للوردةِ إسمي

ويسمّي برجَهُ فوقَ الثريّا والثرى

من نُجُمي


36

قالت ليَ الحكمةُ :

في الوردةِ سرّي

فاهْدِها أو فاهْدِني لمن تُحبُّ

أو لمن تكرَهُ

واحفظْ سورتي في صورتي

واخطفْ قناديلي ومنديلي

وحلِّقْ في هديل ِ الصحو ِ حَلِّقْ ..

ثمَّ حَلِّقْ يا حمامُ

أنا الإمامُ


37

أنا الإمامُ

أطلُّ من نفسي التي فاضتْ على كأسي

وهل تعطيكَ مرآتُكَ إلاّ ما لديكَ -؟

أنتَ مرآةٌ لمرآتكَ

لا أسألُ أمسي عن غدٍ

خبَّأتُ في عروتهِ أزرارَ نفسي

قالت الموجةُ للبحرِ : تزَوَّجْني

38

وزَوِّجْني إلى الرملِ على خصركَ

كيْ أفنى

ولا أفنى

أنا المعنى

وأنتَ الوحيُ

منكَ الأمرُ والنهيُ

لكَ الماءُ وكلُّ الماءِ من فيضكَ

يا بحرُ فخذنا كي نعيدَ الماءَ للماءِ

إذا ما طفحَ الكيلُ بنا

وفاضَ عن حدِّهِ في النفسِ الهيامُ

أنا الإمامُ

39

أنا الإمامُ

ونصفُ روحي هاهنا

يبحَثُ عن نصفي هناكَ

إنّما الرّوحُ هيَ الواحدُ في النصفينِ

والضّدينِ

نصفٌ في رداءِ التوتِ من شهقةِ حوَّاءَ

ونصفٌ سابحٌ بالماءِ

إنَّ الماءَ لا يخطىءُ إنْ أخطأَ إلاّ

حينَ يغويهِ الترابُ الآدميُّ

فاحفظ الماءَ لقدّاسِكَ فيها

40

هيَ لا تُخصِبُ إلاّ

حينما يغسِلُها الماءُ على ركبَتِهِ الشقراء

فاحفظْ ماءَها فيكَ

وَعَلِّمها اشتهاءَ الماءِ في مائكَ

إنَّ الماءَ لا يُروى بغيرِ الماءِ

إنْ أنَّ اشتِهاءُ الماءِ تحتَ الماءِ

واشتَدَّ على الماءِ الوِحامُ

أنا الإمام

41

أنا الإمامُ

رأيتُ نفسي في مرايا الماءِ

صارَ الماءُ سَتْري وحِجابي

وسؤالي الأزَليِّ

قلتُ للماءِ : تَوَحَّدْني

ووحِّدني

فوحدي بينَ ماءيَّ انكَسَرتُ

ما الذي يَجعَلُني حيّاً على مرمى

منَ الماءَينِ

42

لا تكسِرُني الريحُ إذا انكَسَرْتُ

لا تأسُرُني الروحُ إذا انتَصَرتُ

في نفسي

على نفسي

بنفسي

وتصالحتُ مع الضّدينِ

والنّدينِ

كُلُّ شيءٍ ضدُّهُ فيهِ

وضدُّ الماءِ في الماءِ الوئامُ

أنا الإمامُ

43

أنا الإمامُ

روحٌ على سرج الزمان الدائريّ

نقطةُ البيكار

بشرى الصحو في لوزةِ آذارَ

احتفاءُ البحر بالأنهار

وعدُ الشمس في الأسحار

وشم الغيم في دفتر تشرين

كتابُ الماءِ في الأسفار

44

مفتاحُ المدى الأزرق

ومضُ البرقِ في المطلقِ

إنْ عدتُ تواريتُ

وإن غبتُ تراءَيتُ

أنا الحاضرُ في الغائبِ

والغائبُ في الحاضرِ

عنواني ضبابٌ يتعرّى كلّما

دغدَغَهُ في خنصر الشمسِ سؤالُ الكشفِ

45

عَنْ عشبٍ حقيقيٍّ

وأرضٍ للنبوءاتِ أضاعتها الأساطيرُ

وأدماها خلافُ الطينِ حولَ الماءِ والأسماءِ

يا آدمُ فارجعْ مرّةً أُخرى إلى أرضِكَ

واذكُرْها لنا الأسماءَ كيْ يخرجَ إبليسُ

منَ الأرضِ التي أورثتها للناسِ

مذْ أغراكَ في الفردوسِ تفاحٌ حرامُ !...

أنا الإمامُ

46

أنا الإمامُ

لغيبتي معنىً مجازيٌّ

حُضوري شهقةُ الظلِّ

ومأوايَ ومنفايَ المدى

لم يعترفْ بالغيمِ عُشبُ الأرضِ لولا

لمسة الماءِ على كفِّ الندى !

والشمسُ لم تغرُبْ إذا مالت

على كْريستالها الجونيِّّ

47

في مرآةِ وجه البحر إلاّ

لتذرَّ الجمرَ والجْلْنارَ في صحنِ الدُّجى

لا شيءَ في الدّنيا سُدى

الليلُ فانوسٌ يضيءُ النفسَ

{ والليلِ إذا عَسْعَسَ }

لا تلعَنْ ظلامَ الليلِ أشعلْ شمعةً في الصدر

واهتِفْ ملءَ ما في النفسِ من ضوءٍ خفيٍّ :

كُنْ خليلي ودَليلي يا ظلامُ

أنا الإمامُ

48

أنا الإمامُ

أطلُّ من نخلٍ سماويّ

على تربةِ ظلّي

رُبّما تسألُ هل في الظّلِّ ما يوحي

بسرِّ الشكلِ

أم في الشكلِ ما يوحي بأنَّ الظلَّ

في المعنى

وفي الأعلى

49

فكُنْ أعلى ليعلو الظلّ في المشكاةِ

بينَ اللهِ والمرآةِ

دَعْ ظِلَّكَ في الدنيا خفيفاً ولطيفاً

أنتَ طيفٌ هاهنا ،

ضيفٌ على الدّنيا

وإنْ طالَ المقامُ

أنا الإمامُ

50

أنا الإمامُ

فلا تكَذِّبْ قُبلةَ الشَّمسِ على خَدِّ الهلالِ

رُبّما تصطادُكَ النّجمَةُ في ليلَةِ كَشْفٍ

وتُعَرّيكَ قناديلُ الفراشاتِ التي

ألقتْ على البَلّورِ ظِلاّ نرجسيّاً

وتماهَت في سَناها

فأضاءَت واستضاءَتْ في أناها

اتّحَدَت في سورةِ الضوءِ بما أوحى لها التأويلُ

والمرآةُ والليلُ , إذا الليلُ سجى

لا شيءَ في الدنيا سُدى

51

فاقرأْ كتابَ الماءِ في غيثِ السماواتِ

وطينِ الأرضِ , صلصالكَ , كي

تكتشف النهرَ الذي يجري إلى البَحرِ

على إيقاعِ قيثاركَ

لا تطلُبْ منَ البحرِ التفاسيرَ ,

هوَ البَحرُ سؤالٌ أزليٌّ

لمْ يُفسّرْهُ لنا ملحُ البداياتِ , هيولى البَدْءِ ,

ماءٌ سابحٌ في اللا زمانِ الأوَّليِّ.. لا

ولمْ يفهَم دواعي الخلقِ في البرقِ

وفي الماءِ الغمامُ

أنا الإمامُ

52

أنا الإمامُ

كَتبتُ إسمي فوقَ كفِّ الماءِ

فاستأنسَ ماءُ النهرِ ما بيني وبيني

قُلتُ للنهرِ : ألم تتعبْ مِنَ الغيمةِ فيكَ ؟!

قالَ : إنَّ البحرَ ميلادي وموتي

وأنا همزةُ وصلِ الماءِ

بينَ الأرضِ والسماءِ

لمْ أغسلْ قميصَ النومِ تحت الريحِ إلاّ

53

لأزفَّ الضوءَ أنثى الليلِ

في حضرةِ قدّاسِ الفراشاتِ التي

أعتقها الضوءُ على سنّتِهِ الأولى

فلم أُكملْ رحيلي هاهنا بعدُ

ولمْ أُكملْ وصايا اللهِ في الحُبِّ

وفي الخصبِ

ضفائري غوايةُ العصافيرِ

ونايي لثغةُ الريحِ على الصفصافِ

والغيمةُ روحي

54

وحريري وخريري كُلُّهُ للبحرِ

يا نورسُ فاهدأْ

وتوضّأْ بالندى قبل صلاةِ البحرِ

لا ظلٌّ على بوابةِ البحرِ سوى ريشكَ

فانعَفْهُ على الشرفةِ تحت الشمسِ

وادخلْ باحَةَ المطلقِ بالمُطلَقِ واكشِفْ

زرقةَ السّرِّ

وسرَّ الزرقةِ الأولى

هل الزرقةُ بَدءٌ قبلَ بَدءٍ ؟

ليس للزرقة بدءٌ

أو ختامُ

أنا الإمامُ

55

أنا الإمامُ

وغايتي كشفُ المرايا في سرابِ الماءِ

والأسماء

كانَ البحرُ أولى بانتصارِ الماءِ

في الأشياءِ

كي تحيا

وكان الغيمُ أولى باختصارِ البرقِ

كي تقتربَ النارُ منَ الأحياءِ

في هندسةِ الميلادِ والأضدادِ

56

كانَ الماءُ حُرّاً سابحاً

في اللا زمانِ اللامكانِ

كيفَ يا آدم علّمتَ المرايا التيهَ

في بحر السرابِ الدُّنيويِّ

وَرْقَةُ التوتِ التي أهدتكَ حوّاءُ

استفزَّتكَ وأغرتكَ قليلاً

فابحث الآنَ عن الجنَّةِ فيكَ

واستَعِنْ بالماءِ

57

إنَّ الماءَ يهديكَ إليكَ أو إليها

ليست الجنَّةُ الاّ متعة الإدراكِ

والشّباكُ مفتوحٌ لمن يبحثُ عن ظلِّ الثريّا

في مرايا الماءِ

كي يكتشفَ الآلاءَ في الأسماءِ

فانظُرْ كم منَ الأسماءِ فيكَ

كُلُّها للماءِ آلتْ

58

واستوى الماءُ على لئلائهِ الكونيِّ

وحياً

كلُّ شيءٍ عائدٌ للماءِ

فاهدأْ ايّها النهرُ الذي يمضي

إلى دِلتاهُ في الدّنيا

لكي يكملَ معناهُ الدَّوامُ

أنا الإمام

59

أنا الإمامُ

بَسَطتُ كفِّي خمسَةً في واحدٍ

وواحداً في خمسةٍ لواحدٍ

أصابعي جداولٌ تستنهضُ النهرَ

إلى غايتهِ الأولى

ولا غايةَ للنّهرِ سوى بسمَلةِ الماءِ

على تميمةِ البحرِ

إذا ما ائتَنَسَ الماءُ على تمْتَمَةِ الموجِ

وصلّى

60

لسَماءٍ هِيَ فيهِ ..

هوَ فيها...

هيَ منهُ..

هوَ منها وإليها...

لم يَعُدْ في الأمرِ شكٌ

رغمَ أنَّ الشكّ مفتاح اليقينِ

والّذي شكّكَ بالماءِ رأى صورَتَهُ

في سورةِ الماءِ فأغواهُ النّدى

اهتَدى

إلى ذاتِهِ في فلسَفةِ المرآةِ

فالمرآةُ بُعدٌ آخرٌ للذاتِ

61

ما ذاتُكَ إلاّ ظلّ ذاتٍ تتجَلّى

في رؤى المرآةِ

فانظرْ

لنْ ترى إلاّكَ فيهِ

لن ترى إلاّهُ فيكَ

كُلُّ شيءٍ ناقصٌ إلاّهُ ...

اللهُ التمامُ

أنا الإمامُ

62

أنا الإمامُ

وفي يدي مفتاحُ سرّ الماءِ

قالَ الماءُ : كُنّي … كُنتُ

لا وهمٌ على مرآةِ يَمّي

لا ظلامُ

أنا الإمامُ


أنا الإمامُ

أنا الإمامُ .....


*(1) الإشارة إلى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ابن العزيز بن المعز لدين الله الفاطمي في القرن الرابع للهجرة- في مصر

*(2) الإشارة إلى الصحابي الجليل سلمان الفارسيّ


صدر للمؤلف :

1. امرأة على خطّ الإستواء (شعر ) الأسوار/ عكا 1978

2. هويّتي الأرض (شعر ) الأسوار عكا 1979

3. لا خروج عن الدائرة (شعر ) الأسوار عكا 1982

4. جواز الحجر ( شعر ) حيفا 1991

5. عاصفة على رماد الذاكرة (شعر) دار القسطل/طولكرم 1995

6. على غيمتين (شعر) دار الفاروق نابلس 1999

7. زمان المكان (شعر) بيت الشعر الفلسطيني- رام الله2000

8.آخر الماء (شعر) الاسوار عكا 2003

9.ظلّ الشمس (شعر) اأسوار عكا 2004

10. نهاريّة سليمان دغش (شعر) الأسوار عكا 2005

11. أنا (شعر) دار نفرو/ القاهرة 2007

21- سماء للعصافير نهار للفراشة تحت الطبع- وزارة الثقافة الفلسطينية

الناصرة

suleiman_ppsp@hotmail.com

الأحد، 16 يناير 2011

محمد الفرطوسي-الى المشتعل الاول والمشتعل الاخير

محمد الفرطوسي

الى المشعل الاول
و
المشتعل الاخير
.
.
...الاله الصغير محمد بوعزيزي
***********************
بنار الجسد النحيل
اوقدت
نور الوطن
وبصوت الرغيف الفقير
اسمعت
صمم الحقول العتيقة
احرقت صمت الحقول
صرخت نيرانك
ان قميصك شراع الرياح الوحيد
وان قمحتك
هي الاولى
بدمعنا والاغاني
وان السنابل
سنابل حزنك
هي مانريد لقحط ايامنا
وانك ياعزيز الحكاية
تردد يصمت اللهيب
ماتريد السماء
لكم تريق فيك الشعوب
تراتيل احلامها
ولكم
ايها العزيز القتيل
أطربت شمس التقاويم
بغنائك طائرك المقدس
اطربت تلك العجوز العقيم
التي نامت على تاجيل تاويلها
وتاجيل الحنين
ومن اجل عربة من خضار الحياة
اشتعلت في روحك عاصفة الياسمين
زادت في خضرة تونس
الاحمرار المهيب

الخميس، 13 يناير 2011

عندما تضيق مساحات الفرح : سهير عبد الرحمن-اللوحة للفنان غالب المسعودي


عندما تضيق مساحات الفرح : سهير عبد الرحمن
من ضيق على الفرح المساحات
حتى ضاقت به الأرض
و اشتد حزنه
و قرر أن يهاجر
فأرض الله .....
واسعة
من وهب الحزن كل هذه
الأراضي
و أعطاه الصك للأبد:
يا حزن هذه...مساحاتك
هاجر الفرح لكوكب..
آخر
وحط على أرضه
و معه ....الحقائب
نام الفرح متعبا في ظل نجمة غافية
استيقظت النجمة و حدقت في فرح...
نائم في ظلها
تعجبت النجمة :
هذا الجمال و بهاء....
و روع
وقعت النجمة في غرام الفرح
قبلته بين عينيه
فاستيقظ..... الفرح
تأبط الفرح ذراع نجمته الحنون
و مضا
نجمة....و فرح
بكى الحزن الأناني
لأنه لم يتلق دعوة لحضور...
العرس
سهير عبد الرحمن

12-1-2011

الأربعاء، 12 يناير 2011

من الدواية يبدأ التغيير !جمال العتابي


من الدواية يبدأ التغيير !جمال العتابي
( الدواية )، قرية تحيط بها الأهوار، المسكونة بالطيور والاسماك، بيوتها من طين، حين ينزل المساء فيها، تغط في الظلام والنوم، إلا من اضواء فوانيس خافتة، مترددة ومهزولة، وأبخرة دخان يلف بيوتها. لو تطلعت اليها، الى سحنتها عند النهار، لانتابك شعور بالاختناق، وانت تتنفس السخام الذي احال الجدران الى كتل سوداء متناثرة، وفي مدى الرؤية البعيد روائح رز، ونظرات عطش ترسم خطوطاً عميقة من الحيرة.
في اربعينيات ذلك العالم تفتحت احداقنا الصغيرة، على نساء متعبات ينقلن الحطب والماء، ويحصدن الزرع وينجبن، وفتيات مفرطات في الحياء. الى حد مرهق، واطفال حفاة تغوص اقدامهم في اطيان تظل عالقة فيها لايام عديدة، ورجال بوجوه شاحبة تبرز فيها عروق محتقنة، واثار تبغ رخيص صبغ اسنانهم المتآكلة بالسواد، لكن في محاجرهم طيبة ونعاس.
شهدت تلك السنوات من القرن الماضي، افتتاح اول مدرسة ابتدائية في تلك القرية القصية من ريف الشطرة، مجموعة من الاكواخ، تبدو من بعيد كالمقابر، تناثرت على تربة لزجة، لايحيطها سوى اعواد القصب والبردي المتيبسة. كل مايحيط بالمكان يوحي بالأنين والأسى. تشاء الصدف ان ينسب اليها نخبة من خريجي ( دار المعلمين الريفية ) التي كانت معهداً فريداً لاعداد معلمين بمهارات تربوية وفنية، ورياضية متقدمة على عصرها. بسبب من نظامها التربوي الاصيل، وبرنامجها العلمي المتقدم، الذي استعار تجارب اوربية مماثلة للتطبيق، فضلاً عن كادرها التدريسي الكفوء، المتسلح بالعلمية والمهنية.
زير، زيران، ازار أمي ازرق، الكلمات الاولى التي خطتها ايادي أولئك المعلمين القادمين من الشطرة على سبورات سوداء، صنعت من طين، عبد جياد العبودي، حسن العتابي، عبدالحسن عيسى، جواد كاظم جويد، هؤلاء وجدوا في تلك البقعة عالماً يتسع لاحلامهم الكبيرة، وفي شحوب الليل نجوماً مضيئة تورق في مخيلتهم، آماناً وشبابيك تطل على مستقبل تزدهر فيه الارض بالورود، المدرسة الطينية كانت مرفأ تستقر فية الأشرعة، لاترحل، تستيقظ فيهم الرغبات كالينبوع.
ماسر كل ذلك الفرح والسعادة التي غمرت معلمي الدواية ؟ غير ايمان بعدالة قضية، ونظام اعتقدوا انه اسلوب الحياة الوحيد، والطريق الامثل للتطور، ويقين صادق وعميق بالافكار.
كانت عدتهم بضعة كتب، واحساساً مرهفاً بالطبيعة من حولهم وتعلقاً حميماً بالناس واطفال المدرسة، وجدوا فيها الملاذ البديل عن واقع يعتريه الأسى والجوع، حيث الطرقات الخاوية الا من بقايا فضلات الحيوانات الهائمة على وجهها، او كلاب سائبة في تلك النفايات، لكنهم متفقون على تحدي هذا الواقع.
العالم يعيش عصر تحولات كبيرة، نهاية الحرب العالمية الثانية، التي حصدت ملايين البشر، اندحار الفاشية، وهزيمة النازية والمانيا الهتلرية التي تسيدت العالم، ولادات قيصرية لانظمة ( اشتراكية ) في اكثر من بلد اوربي بمساعدة الجيش الاحمر، كانوا يستشعرون تلك التحولات ويلتقطون المتغيرات فقط عبر اولئك القادمين من المدينة في فترات متباعدة. لاصلة لهم بعالم اخر.. سوى تلك البقعة التي تحيطها مياه ظلماء حزينة.. مأخوذين ببهجة هلامية، ومنحازين بالطبع لتلك التحولات.
لم يكن القرويون يعبأون بهم كثيراً، سوى انتظارهم موعد تسليم حصصهم من التمر المجفف الرخيص الذي تبرع به عبد لابنائهم الذين امتقعت وجوهم.. ولم تعد لهم القدرة على حفظ الدروس بسبب الجوع. أخذ المعلمون انفسهم مأخذ الجد المغالي فيه حد الايمان بانفسهم مبشرين بافكار تبدو كالاحلام، مهووسين بالامل. انه نوع من الثراء الروحي ليس سواه في ظل المجاعة واللظى، وسط المستنقعات التي تجفف كل قطرات الانسانية.
يبدو عبد جياد الاكثر مرحاً، وتدفقاً في الحيوية من بين زملائه، وفي سنوات لاحقة، تسعفه هذه الروح في الافلات من سطوة الانظمة الاستبدادية واحكامها الجائرة، كان ساخراً، سريع البديهة، حكيماً، يمتاز برهافة الاحساس والاكتفاء بالقليل من متاع الدنيا , كلماته تنساب بلا ضجيج، تسير بحركة طبيعية مع النظام الخفي للأشياء.

قصيدة أحمد فؤاد نجم على مذبحة الأسكندرية


قصيدة أحمد فؤاد نجم على مذبحة الأسكندرية
أحمد فؤاد نجم
‎ينصر دينك يا بطل
قتلت ناس عُزًّل كتير
ستات، شيوخ وكمان عيال
ازحت عنا خطر كبير
دي ناس بتقول الله محبه
والمحبه دي شئ خطير
إقتل بطرس وإقتل مينا
اللي إخواتهم ماتوا في سينا
واللي ولادهم رقصوا فـي فرحك
واللي فـ ميّتم بيعزّينا
إقتل ماري وطنط تريزا
دول ناس مافيهومشي ولا ميزه
دايمًا كده يبتسموا في وشك
ويقولوا اهلاً خطوه عزيزه
وإقتل برضه عمّك حنا
في اي خناقه بيحوش عنّا
غاوي يصّلح بين الناس
ولا يمكن يوّرد على جنّه
وإقتل سامي ناجي نجيب
اصل الإسم صراحه مريب
يمكن يطلع واحد منهم
او داقق على إيده صليب
ولا اقولّك...إضرب شبرا
والكيت كات وميدان الاوبرا
فجّر واحده في كل مكان
خلّي جيرانهم يصبحوا عبر
لينا رب إسمه الكريم
ها يجي يوم تعرض عليه
تقف امامه و يسأل الشخص ده عملك إيه؟
بأي ذنب تقتله
وفين ومين وإزاي وليه؟
إبقى قول لي يا بطل
ها ترد يومها..
وتقول إيه؟

الاثنين، 10 يناير 2011

انها لوحات الفنانة المبدعة-Anna Kostenko آنا كوستينكو-عن مجموعة حمورابي









هل تصدق انها لوحات فنية و ليست صور فوتوغرافية؟؟
انها لوحات الفنانة المبدعة
Anna Kostenko آنا كوستينكو


ولدت آنا كوستينكو عام 1975 في مدينة كييف - اوكرانيا, و عاشت وعملت
في مدينة كراكوف - بولندا منذ عام 1991 . و تخرجت من اكاديمية الفنون
الجميلة في كراكوف, حيث درست الرسم للفترة من 1993 الى1998
و قد اقامت ثلاثة معارض لاعمالها الفنية في جورجينسن و رسمت العديد من
اللوحات منذ انطلاقتها في عام 1999 , و كونها مغرمة بمختلف الحضارات
ادى الى سفرها الى العديد من الاماكن التي كانت تلهمها اعمالها التي عُرضت
في بلدان كثيرة و منها بولندا و فرنسا و المانيا و آيرلندا و إسبانيا
و فيما يلي مجموعة من اعمالها الرائعة, و التي لولا ان نعلم بانها قدرسمتها
!!!....لاعتقدنا بانها صـــور فوتوغرافية.... انها فعلاً قمـــــة في الابداع

الأحد، 9 يناير 2011

حسين باجي الغزي-بلبل...في القفص....بلبل خارج القفص



حسين باجي الغزي
بلبل..في القفص!!

بلبل خارج القفص!!!

حسين باجي الغزي

تسمر أبو وسام واضطربت جوانحه وهو يرى جمعا من رجال الشرطة بسياراتهم المخيفة وزيهم القتالي ينتشرون إمام داره المتواضعة يتقدمهم اثنان من الضباط أمرين بقسوة بوليسية إن يفسح لهم المجال لإجراء كشف الدلالة على المنزل .
اعترت الرجل الستيني الرجفة وزغللت عيناه. حين اقتاد الشرطي شاب عشريني الملامح يشع نظارة وبهجة ،تلمع بين معصمية الجامعة الحديدية وتبرق كسيف مسلط على رقبة أثم.وزاد من حيرته وهو يتفرس وجه هذا الشاب وعرف انه ابن الجيران(.....) القاطنين في أخر الشارع .
تمالك الرجل رباطة جأشه وتمسك بأخر قواه قائلا ومؤكدا بان بيته لم يسرق منذ إن سكنه قبل عشرين عاما .
إلا إن الأمر زجره قائلا : نعم لقد سرقت داركم واعترفوا على المتهم .

أنكر أبو وسام وحلف بأغلظ الإيمان من انه يعي مايقول بنفيه الواقعة .ثم أن رجلاه لم تطأ مركزا للشرطة لتسجيل واقعة السرقة.
إلا إن الضابط المرسومة على شفتيه سبورتين سوداويتين كنسر هرم . أزاحه من إمامة وزمجر في وجهه بغضب طالبا منه أن لايعيق تنفيذ العدالة .
توسل أبو وسام واستفهم عن المسروقات وضرب أخماسا بأسداس وأستدرك في نفسه بان لاشي عندهم يستحق السرقة.
هنا اعتلت النبرة الإمرة من المسئول موجها كلامه للمتهم
كيف سرقت البلبل0؟؟؟؟؟؟
هنا انفرجت أسارير الرجل وخاطب الجميع مهللا : هذا هو البلبل في قفصه سيادة الضابط لم يسرق أبدا معافى يغرد كل يوم ونصحو على غناءه وهديله ..... تفضلوا لتروه .
لكن الأمر ذو الشاربين الطويلين نهره ثانيتا وبنبره قاسيه .ماطا شفتيه المختبئتين تحت الغمامة السوداء. هل تكذب التحقيق!!! و هل تستهزئ بالقانون !!!!.
تنحى ابو وسام جانبا وهو يستمع إلى الشاب المكبل بالأصفاد وهو يقسم عشرات المرات من إن رجلاه لم تطأ هذه الدار ولم يسرق أحدا في حياته.رغم تعنيف ووعيد مرافقيه . ليعود ثانيتا إلى السيارة الزرقاء المهيبة والأرجل والأيادي تركله وعيون أم مفجوعة بوحيدها ترقب من بعيد ماحل بفلذة قلبها اثر اعتراف ظالم من رفيق له ادعى مشاركته ل (.....) بسرقة بلبل .
لغاية كتابة هذه السطور .
بلبل أبو وسام يلهو في قفصه سعيدا مرحا يعتنى به كثيرا .يطعم ويسقى ,يغرد بالحان شجيه في قفص امن يحميه من الذئاب البشرية يتمتع بمعنى نسبي للحرية . حر من الخوف . حر من تسويف العدالة وشرعنه القانون . ينام ملئ اجفانة ويحلم بشريكة جميلة يتزاوجان ويغردان سويتا وينقمان على الوشاة والإثمين .

مرت سنة وشهران و(......)حبيس القفص الحديدي يستجدي الرحمة والشفقة ويتوسل إلى ذويه من انه يريد ان يذيق طعم الحرية ونعمة الانعتاق ومن أنة برئ طاهر .والذين لم يألوا جهدا بالدفاع عنة وبيع اخر خرقة ثمنا لأتعاب محامي .مستغربين كيف تلتقم الحيتان الكبيرة ماتحفل به شعاب العراق من اللآلئ والياقوت والمرجان ضاحكة ملئ شدقيها من النزاهة والعفة والأمانة .

ولا يزال أبو وسام يتردد من شهور طويلة على أروقة المحكمة ليدلي بشهادته ويقسم عشرات المرات من انه بلبله صحيح معافى حي يرزق. حاملا ريشة مغمسة بدموع بلبه الحزين من إن عصفورا جميلا مثله كان سببا لتعاسة واحد من بني البشر .

الخميس، 6 يناير 2011

قبائلنا-نص غالب المسعودي


قبائلنا
حينما كانت قبائلنا
تصنع ألهتها من تمر
وأنا على لحم بطني
اصنع لمعشوقتي تمثالا من خمر
ومعشوقتي
طيبة ...لذيذة
شفتاها عسل الغابات البكر
ضحكتها اشتهاء
ذات جوع وصباح
ارسلت معشوقتي
Sms
Don’t wait
هدت احلامي
المصنوعة من....................
نشوة صافية ومكعبات ثلج
لن ارد..........!
كي تبقى احلامها وردية
وترنمت باغنية باخوسية
هذا هو سر الدموع
هذا هو عرس الدم
د.غالب المسعودي

الأربعاء، 5 يناير 2011

الفنان عادل كامل-مقاربة ابستميولجية-د.غالب المسعودي-لمناسبة معرضه الالكتروني على موسوعة الفن العراقي



الفنان عادل كامل
مقاربة ابسيتمولوجية

في سبيل الكشف عن المعالم الرئيسية حية لفنان ما في صيغتها المطروحة هنا و بصورة عينية مخصصة نستطيع ان نقدم مجموعة من الإرهاصات التي تبنتها تلك التجربة و دافعت عنها تاريخيا الى المرحلة المعاصرة ، فهي تجد نفسها محاطة من كل الأطراف بالتساؤلات اليائسة و الاستفسارات الحانقة و الغمزات و اللمزات المبطنة و بردود فعل عنيفة أحيانا تنبثق بإلحاح من المرحلة التي يعيش فيها المنجز الفني متمثلا في تناقضه النسبي في حل المسائل المطروحة بدون تحفظ و بين التهافت المنهجي أمام التيار المتصاعد من الماضي المخرج من العدم و دونما قدرة على التنهيج العقلي و لكن دون الانزلاق في مهاوي ( التجريبوية ) الضحلة ، ذلك خليق بنا ان ننتبه أليه انطلاقا من هذه المسالة التي تخضع للمنطق التاريخي و منطلق التجاوز الجدلي اذ ان هذا الاخير يضعنا أمام مهمة الحفاظ على العناصر الحية الإيجابية من تلك التجربة و ذلك بان نرفعها الى صيغة متقدمة عبر صهرها بموقف جديد يكبح تحويلها الى فزاعة ميتافيزيقية في أيدي الجهلة يوجهونها ضد التطور عامة و ضد تطورها هي نفسها من حيث كونها تجربة اكتملت ضمن نسق معروف في سياقها العيني و التطبيقي و أبعادها عن العقم . و انطلاقا من النزعة التي بينها سالفا و التوقف عندها و الدخول الى عالم المنهج الذي اختطه الفنان عادل كامل و لكي لا يحجب ذلك عن أعيننا أمورا فائقة الأهمية و هي الإرهاصات العميقة التي تحققت من خلال تجربته النقدية عن طريق تصور علمي دقيق حول مسالة التاريخ و التراث حتى لو أبقينا معصوبي الأعين تجاه ذلك الآمر . و الجانب الآخر الذي يحدد الفكرة التالية هو الموقف الرؤيوي الذي يضيء مشروعه الثقافي بصورة عامة و يريد لنفسه ان يكون الوريث الشرعي للنهج الذي يمثل الحركة التشكيلية العراقية و العربية و مدى قربه من التراث العالمي . بهذا التصدي الذي آلفي نفسه – الفنان – و في خضم الحدث المتشظي باتجاهات مختلفة لا يخرج عن كونه موقفا إنسانيا تمتزج فيه الأسطورة بالدين بالفن 0
بيد ان المنجز في مجمله لا يرتفع الى مستوى الوعي التاريخي آلا بالتصدي و في الخط العام و في إطار التلوينات المعرفية من الشخصية البطولية و المثل الأخلاقية أو منها جميعا لغرض الحياز على ملكية الأرضية و في حدها الأقصى لبناء المثل لجيل عاش ويلات الحرب و عاش تجارب التحديات الكبرى بكل أبعادها الاجتماعية و الاقتصادية المعقدة و المتشابكة و المترعة بالتوقعات الزئبقية و ليس في وسعنا ان ننكر ان تجربة الفنان امتلكت تلك الأسس و بالمعنى المحدد للكلمة اذ كانت قادرة على تسجيل حياتها و رقيها الحضاري ، فالمدونات لها شروطها الفنية ، كملحمة كلكامش لا يمكن النظر أليها على انها محض تاريخ و لكنها تبقى وثائق هامة لمعرفة الكثير عن تاريخ المنطقة ( العراق ) و كذلك تجارب الفنان المبدع انها بالدرجة الأولى عمل فني غير خاضع لمنطق وأسلوب العمل العلمي التاريخي و لكنه وثيقة مهمة لمتابعة تاريخ المنطقة في العصر الراهن و انه مدونه اكتسبت طابعا محددا و على المختصين مطابقتها مع الأسانيد و التدقيق في صحتها على ان لا تكتنف تلك المقولات الأساطير و المتخيلات العفوية مثلها مثل العلاقات الاجتماعية في إطار صحراوي . ان الأهمية التي يوليها الفنان عادل كامل تكمن في طرحه الأحداث السابقة له و المعاصرة طرحا تاريخيا منطلقا من وحدة الحدث و التنقل من البسيط الى المركب ومن العادي الى المهم فهو في مجمل إنتاجه الفني سواء على صعيد العمل التشكيلي أو القص أو الشعر يعرض أحداثه من التاريخ البشرى بكل أبعاده ليمثل تكثيفا لتطر القيم الاجتماعية و التي شرعت في الصعود في شخصية مرموقة ، ومن هنا يصبح القول بان المرحلة التي عاشها الفنان و المتمثلة بهذه الرؤية و بغض النظر عن وجود تمايزات كبيرة أو صغيرة اتسمت بسمة عميقة و مشتركة لها دلالاتها وهي استشراف الواقع التاريخي لهذه الأمة من موقف الواجهة في احتدام اللحظة التاريخية الذاتية و مبنية على الانتماء لهذه الأرض التي ولد و ترعرع عليها منذ نعومة أظفاره الى حدها الأقصى و المعبر عن الاجتماعي الذي برز بأشكاله و مظاهره المتعددة في الذهنية التـنظيرية مجاوزا الذهنية الجسدية ذهنية الخبرة اليدوية أو كما كتب أر سطو في ما بعد الطبيعة (( ان رجال الخبرة يعرفون فقط الـ (( بان )) أما الـ (( لماذا )) فلا . أما الفنانون فيعرفون الـ (( لماذا )) و السبب .. على العكس من ذلك يشبه العمل اليديون أشياء معينة غير حية .. أننا نقدر من خلال ذلك الفنان ين القادرين عاليا من حيث كونهم اكثر ليس لأنهم قادرون على ، العمل بشكل خاص و إنما يمتلكون (( المفهوم )) و يعرفون الأسباب )) .
لذا يستبين لنا ان الفنان الكبير عادل كامل يرفض كل الصعوبات و الإشكالات التي انتصبت أمامه عائقا دون تكوين وضوح نظري حازم متجاوز التصورات الغائية التي قدمها جمع من المثقفين في مراحل متعددة من تاريخ الحركة الفنية و التشكيلية العراقية تحت كافة الأطر و الصيغ المقترحة من سلفوية ضيقة و النازعة الى تعمية الحدث الاجتماعي و إفقاده شخصيته البشرية العينية و تلفيقوية نفعية فاقدة كل أصالة و موضوعية ، متسلحا بمواقف مستـنيرة متقـدمة خالقا أو ضاعـا من اللا تطابق المنسجم مع الأصول مرة أخرى 0




د 0 غالـــــب الـمسعودي

الخيانة والغدر عند الفرس-خالد عزيز الجاف


الخيانة والغدر عند الفرس عبر تاريخهم الطويل
( الجزء الاول )
خالد عزيز الجاف - برلين من كتـــــّاب موقع بوّابــتي

‏(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ " ) آل عمران : 118 ‏

‏ سبحان الله التاريخ يعيد نفسه ، ويسطر في صفحاته دروس وعبر للاجيال القادمة ، ويكشف خيانات الفرس عبر ‏تاريخهم الاسود من جرائم بحق جيرانهم من الشعوب الاخرى . فكلما سنحت لهم الفرص تتكرر هذه الجرائم . (فالبغضاء ‏في افواههم ضد العرب والاسلام شديدا وواسعا وكبيرا ، وماتخفي صدورهم اكبر . ) ‏

‏ نحن امة عراقية شهدت اكثر الحوادث تنوعا في تاريخ البشرية من مأسي ودمار واحتلال وحصار لكنها لاتملك ثمرة ‏التجربة. فهذا الكم المعرفي التاريخي خال من الخلاصة . جميع الشعوب حولنا يعرفون انفسهم ويفتخرون بقوميتهم ‏واصولهم الا نحن تعوزنا معرفة الذات عبر النظر في مرأة التاريخ ابعد تواريخنا الاحتلال الفارسي واسقاط الدولة ‏البابلية . واقرب تواريخنا الاحتلال المغولي واسقاط الدولة العباسية العربية في بغداد وتدمير الحضارة العربية ، ثم جاء ‏بعده الصراع الفارسي التركي من اجل السيطرة على بغداد والعراق كله . قبل الاسلام كان الخطاب السياسي في العراق ‏عنوانه عجما وعربا ، وفي عصر ظهور الاسلام وفتح العراق كان العنوان دينيا شعاره مسلمون وكفار ، في العصر ‏الحالي انتقل العنوان سياسيا قوميا عنوانه الصراع العربي الفارسي . القضية اذن ليست لها علاقة بالدين الاسلامي ‏والعقائد والفقه والشريعة ، فالعراق بلد غير محظوظ مع جيرانه حتى مع شعبه .‏

‏ العراقيون شعب يميل الى الفردية والحرية الشخصية والجدل انه لايصلح لبناء الدول والامبراطوريات . العراقيون لم ‏ينجحوا طيلة تاريخهم بعد سقوط دولهم الوطنية ( اكد وسومر وبابل واشور ) ان يغزو غيرهم او يوسعوا حدود بلدهم ، فقد ‏كانت هناك رغبة اقليمية ودولية عبر التاريخ الطويل للتعرض للعراق واحتلاله . لقد اصبحوا عرضة لهجمات متلاحقة. ‏فأذا ظهر زعيم وطني في العراق كما حدث في عهد عبد الكريم قاسم وصدام حسين تتحرك القوى الكبرى لتفرض عليه ‏ارادتها وخططها الاستعمارية لاركاع العراق . لقد كان العراق ومازال حالة فريدة في التاريخ ، لايمكن ان يدع لحاله ليعيش ‏كباقي الشعوب المسالمة . عاش الشعب العراقي ثائرا على مدى تاريخه الطويل ، جاء الامريكان واحتلوا العراق لكنهم ‏يشكون الان من تمرد شعبه.‏
لو رجعنا دراسة تاريخ العراق القديم سنجد ان اول احتلال للعراق كان احتلال الدولة الفارسية له .‏

‏ التاريخ ملىء بالعبر والاحداث المؤلمة والمخزية التي سطرها الفرس عبر تاريخهم الطويل المخزى منذ الدولة البابلية ‏ولحد الان ضد الشعب العراقي . من يقرأ تاريخ الفرس ويتصفح احداثه لايجد غير الغدر والخيانة ونقض العهود، واشعال ‏نيران الحروب ضد جيرانهم من الشعوب المسالمة الاخرى. وكل مؤرخ او مطالع لهذا التاريخ لايجد ابدا صفحة نقية بيضاء ‏بين طياته. ان هذا التاريخ الذى سطره الفرس عبر تاريخهم الطويل قائما فى حب السيطرة على اراضى الغير، وشعوب ‏المنطقة. والسؤال الذى يطرح نغسه هنا وبقوة، هل اصبح الفرس الان بعد دخولهم الاسلام اكثر تقوى ام تقية؟؟. فالفرق ‏واسعا بين التقوى والتقية، وسأقدم هنا للقارى الكريم لمحات عن تاريخ الغدر لهؤلاء الفرس الذين ابتلى بهم العرب ‏والمسلمين على مر التاريخ. انهم مشهورين بالخيانة والغدر حتى لاقرب اصدقائهم وحلفائهم المقربين والمرتبطين معهم ‏بمواثيق وعهود . انبثقت الحضارة السومرية في الجنوب في الالف الرابع قبل الميلاد ، واتخذت هذه الحضارة شكلها ‏السياسي والثقافي المتكامل مع قيام الملك ( سرجون الاكدي ) الذي مثل بداية سيادة اللغة الساميةالاكدية وتوحيد الدويلات ‏العراقية وتكوين اول دولة موحدة (2350ق.م) على ارض الرافدين.‏

‏ الاكديون هم من الأقوام التي هاجرت من جزيرة العرب ماقبل الإسلام والتي استوطنت في أواسط وجنوب العراق منذ ‏مطلع الألف الثالث ق.م على اقل تقدير ، وعاشوا مع السومريين جنباً إلى جنب وكانت هذه الأقوام تتكلم الاكدية التي هي ‏من عائلة اللغات الجزرية (اللغة العربية الأم لهذه اللغات). وفي حدود (2350) ق.م أسست دولتها التي عرفت ‏بالإمبراطورية الاكدية وعاصمتها (أكد) التي لا يعرف موقعها الأصلي في الوقت الحاضر .ولذلك وجدت في اللغة العربية ‏كلمات مستعارة من اللغة السومرية أصلها أكدي وذات جذور عميقة في تربة هذا الوطن وهما أقدم لغتين في بلاد مابين ‏النهرين.‏

‏ مدينة بابل في وسط العراق لعبت دورا اساسيا كعاصمة حضارية كبرى لفترة الفي عام تعاقبت عليها الكثير من السلالات ‏والدول . . لقد اتخذت لغة العراقيين القدماء تكوينها الثقافي والكتابي من خلال استيعابها اللغة السومرية بما فيها من ثقافة ‏ومعتقدات دينية والخط المسماري السومري. اصبحت الاكدية (بلهجتيها البابلية والآشورية ) لغة العراقيين الرسمية لما يزيد ‏على الالفي عام، وخلفت لنا الآلاف المؤلفة من النصوص والوثائق الطينية التي سمحت لنا من معرفة كل شيء عن حياة ‏العراقيين. .‏

تشير المصادر التاريخية على ان الاشوريين اتخذوا سنة1080ق.م نينوى عاصمة لهم . فالدولة الآشورية ، بالاضافة الى ‏دورها االمتميز في تطوير الحضارة العراقية بالتكامل مع الدولة البابلية، فأنها ايضا قد تميزت بالروح العسكرية والميل الى ‏التوسع والفتوحات التي جعلت العراقيين يسيطيرون على كل كل بلاد الشام وحتى مصر. ان سكان شمال العراق ما كانوا ‏يختلفون عن باقي العراقيين ، لا من حيث اللغة ولا من حيث الدين، نفس اللغة الاكدية ( بلهجتها الآشورية) . لكن قد طغت ‏عليهم تسمية( آشوريون) نسبة الى اله الثور ، الذي كان مقدسا لديهم اكثر من باقي العراقيين . واللغة السومرية التي ظلت ‏لغة مقدسة لدى جميع السلالات العراقية بجانب لغتهم الاكدية خلال اكثر من الفي عام حتى نهاية بابل في القرن السادس قبل ‏الميلاد ‏

صحيح انه من الناحية السياسية فأن نينوى قد لعبت دورا منافسا لبابل ، وهذا الانقسام بين قطبين في داخل الوطن الواحد، ‏مسألة طبيعية قد وجدت في معظم حضارات التاريخ مثل مصر وغيرها الا ان الوحدة اللغوية والدينية للعراقيين ظلت ‏سائدة طيلة هذه القرون العديدة . لقد سادت اللغة الأكدية وهي من اول واقدم اللغات السامية المعروفة .‏

على مر التاريخ لم ينج العراق من شر حكام إيران ، بسبب الجغرافيا ، ففي عام ( 539ق.م ) إجتاحت قوات قورش ‏الإخميني مدينة بابل ،واستمر الإحتلال حتى سقوط الدولة الإخمينية على يد الإسكندر المقدوني ( 322ق.م) ، وفي عام ‏‏(200ق.م) احتلت السلالة الفارسية ( الفرثيون) البلاد ، واستمروا حتى قضى عليهم الساسانيون في عام (224م) ، فاستمر ‏الإحتلال الساساني حتى الفتح الاسلامي عام (640م) ثم قتل آخر ملوكهم في مخبئه عام (651م). ، والصفويون ( 1499م ‏‏_1722م) ، ثم نادر شاه (1736م _1747م) وقد أكمل الصفويون هذه الأطماع عندما قاموا باحتلال العراق اكثر من ‏مرة ثم نشر أفكارهم بين أبناء العراق والذي لايزال يعاني منها الشعب العراقي . ‏

‏ ان سقوط بابل يعتبر سقوط اخر دولة عراقية وطنية ، واصبح النهرين ساحة صراع القوى العظمى : الايرانيون ‏والاغريق والرومان ، حتى تمكن اخيرا الفرس الساسانيون من فرض سيطرتهم ابتداءا من القرن الثالث حتى القرن السابع ‏، حيث الفتح العربي الاسلامي . طيلة اكثر من ( 11 ) قرن ظل العراق محكوما من دول تختلف عنه دينيا ولغويا ، ورغم ‏محاولات الايرانيون خلال قرون السيطرة من فرض لغتهم الفارسية وديانتهم الزرادشتية الا ان العراقيين ظلوا على ديانتهم ‏البابلية ولغتهم الآرامية . منذ قبل الميلاد تمكنت اللغة الآرامية ان تصبحت لغة العراقيين السائدة وكذلك لغة سوريا ، ‏والآرامية هذه بالحقيقة هي لغة سامية تكونت من التقاء اللغتين الاكدية العراقية والكنعانية السورية الفلسطينية ، فأن هذه ‏المرحلة تميزت ايضا بالدين الموحد السائد في الشمال والجنوب طيلة عشرات القرون. وهذا الدين العراقي قائم على اساس ‏‏( عبادة الكواكب ) وما تتضمنه من معتقدات واساطير والهة متعددة ممثلة للكواكب ومسؤولة عن حياة الانسان والطبيعة . ‏وهذا الدين العراقي شكل اساس(نظام الابراج وعلم التنجيم ) الذي ساد العالم كله ولا زال حتى الآن يتبع نظام الاشهر ‏العراقية حيث البرج الأول هو (الحمل) في(21 آذار) اول يوم في السنة العراقية حيث انبثاق الربيع والخصوبة والميلاد. ‏من المعلوم ان العراقيين القدماء بكل مسمياتهم (سومريون وبابليون وآشوريون)، كان يعتنقون نفس الدين، والذي يقوم على ‏اساس (تقديس عملية الاخصاب في الطبيعة) والمرتبطة بعبادة الآلهة الممثلة للكواكب السبعة المعروفة وقتذاك: ( الشمس ‏والقمر والزهرة وزحل وعطارد والمشتري والمريخ). والعراقيون هم اول من ابدع ما يسمى بـ (علم الابراج) أي الابراج ‏الاثنى عشر المقسمة على اشهر السنة، ابتداءا من شهر نيسان وبرجه الحمل، وهو برج اله الخصب والذكورة(تموز) ‏ويعتبر اول شهر من السنة العراقية، وفيه يخرج تموز من موته(الشتوي) في اعماق الظلمات في اول الربيع لتخصيب ‏الارض. وقد صنع العراقيون الاوثان التي تمثل هذه الاله النجمية، حيث كل اله يمثل طاقة معينة، مثل تموز طاقة الذكورة، ‏وعشتار طاقة الانوثة، وايل طاقة الخلق العظمى حيث هو زعيم الالهة. ان هذه الديمومة ( الحضارية ـ اللغوية ـ الدينية ) ‏لدى العراقيين متأتية من طبيعة ارض النهرين وقدرتها على هضم الاقوام الجديدة واستيعاب ثقافتها المختلفة وصهرها في ‏روح ومياه النهرين الخالدين وحضارتهما الأصيلة.‏

‏ لم تنقطع اطماع الفرس بوادى الرافدين يوما ، هدفها للتمدد وبسط النفوذ في الدولة المجاورة لها واذا ماتم استقراء التاريخ ‏فأنه يرينا العجب العجاب ، وقد عانت اور المدينة السومرية التى انطلقت منها اولى اللبنات لحضارة عظيمة فيما بعد عانت ‏من تلك الاطماع كثيرا ، ومازال حدث اجتياحها من قبل العيلاميين فى اواخر حكم (ابى - سين) مسجلا حتى يومنا هذا فى ‏مرثية قل نظيرها . وفى اواخر العهد البابلى ايام (نبوخذنصر) دخل كورش الفارسى غازيا فخرب مدينة بابل ، وكانت اور ‏من ضمن المدن التى امر هذا الملك بتدميرها ، لانهاء دورها الحضارى الريادى . وعندما هاجم الفرس بابل كان بنشاصر ‏وصيا عن والده نبونيد الذى كان مقيما فى مدينة تيماء ، وقاد قطعات الجيش فى الميدان ، ولكن الجيش الفارسى دحره ‏وقتله (بالتواطؤ مع يهود السبى فى بابل) ويقال انهم اخذوا نبونيد اسيرا عند سقوط بابل ، واستولى كورش على ممتلكاته . ‏ويبدوا ان كورش عبد الطريق الى هجومه بحملة من الدعاية البذيئة ضد الملك نبونيد لتشويه شخصه واخلاقه وبعد ‏الاحتلال استمتع كورش بطمس معالم نصب نبونيد التذكارية . فالحالة الرهيبة من الدمار فى اور التى اصابت مبانى نبونيد ‏تعزى بكل وضوح الى اعمال الفرس البربرية التخريبية المتعمدة (كما فعلوا بالعراق الحالى عند اجتياح قوات الغدر ‏الامريكية للاراضى العراقى)‏

‏ وعندما سقطت بابل تحت أقدام الجيوش الفارسية كان كهنة الإله البابلي (مردوك) يسجلون بأوامر كورش إن الإله ‏مردوك رب بابل قد استدعى قورش لفتحها , وذلك فى المرسوم القائل على لسان مردوك انه ( بعد إن نظر فى كل البلدان ‏ومحصها بحثا عن ملك تقي يكون من قلبه فليأخذ بيده نادى الملك قورش باسمه , وناشده السيطرة على الكون وأمره بالسير ‏إلى مدينته هو (مدينة مردوك ) بابل , ودون معركة او قتال سمح له بدخول بابل ) والملك قورش فتح بابل بناء على طلب ‏كبير أربابها , كذلك فعل مع بقية آلهة الدول المفتوحة , كذلك فعل مع يهوه , ويقول فى مرسوم أخر ( حين دخلت بابل ‏أخذت برعاية شئون بابل الداخلية ومقدساتها . ففرح مردوك المليك العظيم لاعمالى المباركة , وباركني أنا كورش الملك ‏الذي يجله ) وتمكن قورش من اجتذاب كهنة ديانات البلاد المفتوحة إلى جانبة وخاصة بنى اسرائيل , وهم من جانبهم ‏ضمنوا له ولاء رعاياهم بما لديهم من أوامر إلهية يوحى بها . وقد سمح لبنى اسرائيل بالعودة إلى أورشليم لأنه تلقى أوامر ‏يهوه بذلك . فالضربة القاصمة التى وقعت لاور فى اثناء الاحتلال الفارسى دمرت كل شىء فى ارض الرافدين، فأصبحت ‏المدينة المنكوبة بابل حتى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد مدينة خراب ، وكومة انقاض وتماثيل محطمة بعد ان كانت ‏مدينة مزدهرة كثيفة السكان .‏

‏ اما اليهود قد برروا وصفهم لكورش الإخميني بأنه نبي مرسل وذلك بسبب إنقاذه دهاقنتهم من الأسر البابلي, على الرغم ‏من علمهم ان كورش هذا كان قد قتل زوج خالته وتزوج بها لكي يصبح وريثا للعرش بعد موت جده لامه و توقفت ‏حضارة وادي الرافدين منذ سقوط بابل في (539) قبل الميلاد على يد الفرس الأخمينيين حتى القرن السابع حيث الفتح ‏العربي الاسلامي، أي ما يقرب (11) قرناً. يمكن تشبيها بالفترة المظلمةالتي اعقبت سقوط الدولة العراقية العباسية. ليس ‏فقط من ناحية الانحطاط الحضاري الشامل الذي سادها، ولكن لأن العراق قد خضع ايضا لنفس القوى الاقليمية التي تنافست ‏على احتلاله بعد سقوط الدولة العباسية، وهي ايران (بمختلف سلالاتها البارثية والاخمينية والساسانية)والاناضول ‏واوربا( بمختلف سلالته الاغريقية والرومانية والبيزنطية).. لكن في هذه الحقبة، كانت الغلبة للسيطرة الايرانية، التي دامت ‏اكثر من تسعة قرون: الاخمينيون (قرنان)، البارثيون (ثلاثة قرون)، الساسانيون (اربعة قرون)، وقد قطعت السيطرة ‏الايرانية بسيطرة اغريقية دامت قرنين، بين القرن الرابع والثاني ق.م. ‏

‏ منذ ان اسس كورش دولته الفارسية عام 559 قبل الميلاد بعد ان تمكن من جمع القبائل الايرانية المشتتة من حوله وكان ‏ينحت صوره على الحجر ويضعها في مواقع مهمة من المدن التابعة لحكمه ، ومنها تلك الصورة العظيمة التي نحتها في ‏مسقط رأسه (بازار غاد) بالقرب من شيراز ، وكان الفرس يركعون امام هذه الصور حين يمرون بها وربما سجدوا لها ‏ورفعوا اليها مظالمهم من وكلاء الملك او من الاقطاعيين او من عصابات اللصوص التي كانت تستولي بالقوة على ‏محاصيلهم ، والمجتمع الفارسي انذاك مجتمع زراعي اغلبه من الفلاحين وقلة قليلة من الاقطاعيين والمتنفذين في الدولة ‏هم الذين يملكون الارض . وقد عين كورش مراقبا عند كل منحوتة من منحوتاته ينقل اليه سلوك الناس ومخاطباتهم لصوره ‏، ويعمل قدر الامكان على الاستجابة لبعضها ، وكأنه تلقى ادعيتهم وهو في سمائه العليا واستجاب لها لتزداد قدسيته في ‏نفوس الناس البسطاء . وفي زمن كورش قاد ذلك الى التفاف الفرس بقوة حول ملكهم واندفعوا خلفه يخوضون غمار ‏الحروب وتمكن كورش من عقد حلف مع نبونيد نصر ملك بابل القوي ليتفرغ لمهام اخرى ومواجهة قوى اخرى بينما سعى ‏نبونيد نصر بهذا الخلف الى تكوين قاعدة له ضد مملكة ( ماد ) وقد كفاه حليفه كورش شر الميديين فقد هاجمهم واستولى ‏على عاصمتهم ( اكباتان ) وتعني مدينة الملوك وهي مدينة همدان حاليا . واسر اخر ملوكهم ( ايشتو ويغي ) وضم جنود ‏وضباط الجيش الميديين الى جيشه . ويمكن وصف هذا العهد بأنه عهد ظهور وتأسيس الدولة الفارسية . وفيه صار ينظر ‏الى كورش كأله لايقهر ، ولكنه وبسبب الغنائم واتساع مملكته وتوزيع اقطاعياته على الحاشية والضباط انقسم المجتمع ‏الفارسي الى طبقات متمايزة اغنياء وفقراء .‏

وفي زمن كورش اصبح الجيش الفارسي الاخميني اكثر تنظيما واقوى عدة وتم تقسيمه الى قوات راكبة وقوات راجلة ، لم ‏يكن احد يقدر على مواجهتها ، وبذلك اصبح الجيش الفارسي لايعرف الهزيمة ، ولم ينفع بابل تحالفها مع كورش فقد اعد ‏العدة لها بذكاء ودهاء وحذر ذلك انها كانت تمثل الحصن المنيع في وجهه وفي وجه طموحاته في السيطرة على الشرق ‏الاوسط ومصر وسواحل البحر الابيض . وفعلا هاجم كورش بابل العظيمة واستولى عليها ، واطلق سراح السبي البابلي ‏من اليهود واعادهم الى فلسطين . الا ان كورش قتل في معركة ضد البربر في شمالي افريقا قبل ان يلحق جيشه هزيمة ‏نهائية بالبربر . واعيدت جثته ليدفن في مملكته فارس . وقد حيكت حوله الاساطير كملك الهي .‏

اما عن الملك البابلي نبونيد فأنه يعتبر من قبل المؤرخون المعاصرون اخر ملوك بابل الذي عاش في القرن السادس قبل ‏الميلاد اول باحث ومنقب اثار في التاريخ ، لانه قام بحملة في انحاء العراق والشام التي كانت تحت الحكم البابلي من اجل ‏البحث عن كتابات الاسلاف واعادة الحيا ة الى الاثار المندثرة منذ الاف السنين. وكان يميل الى الاعتزال بعيدا عن الحكم ‏والتفكير بأسرار الخليقة وطرح الاسئلة المصيرية العصية عن الفهم عن معنى الحياة وسر الموت .. وكان يحب التجوال ‏فيى البراري والاختلاط بقبائلها . وقد اكتشف ان انحطاط ديانة المشرق الى طقوس شكلية يتعيش عليها الكهنة بماديات ‏الحياة هو فقدان الايمان عند المواطنين بأي قوى عليا وتلاشى اي مبرر للدفاع عن الوطن والكفاح من اجل المستقبل . ‏كانت والدة نبونيد تقية جدا ومتعلقة بأله القمر (سين) وتقدسه اكثر من مردوخ ملك الالهة. وكانت مملكة بابل والشام ‏ومصر تعيش انذاك اكثر حقبها انطاطا كأي حضارة مريضة هرمة تتهيأ للسقوط امام القبائل الرعوية الارية الاسيوية الفتية ‏التي اجتاحت غرب اسيا وبدأت تنشأ الممالك القوية في ايران والاناضول . وبعد تفكير طويل وحوارات مع الحكماء ‏والفقهاء في الشام اقتنع نبونيد ان لاخلاص للناس من هذه الكارثة الا بخلاص النفوس من الاثام التي تنخرها نخرا ‏وتفسدها . وكانت مشكلة ديانة اهل الشام دهرية لاتؤمن بالحياة الاخرى بل تعتقد بأن الجنة والنار هنا في الحياة الدنيا ، بينما ‏ديانة مصر التي كان افضل مافيها هي فكرة (البعث والحساب) وخلود المؤمن في الجنة الموعودة .‏

شرع نبونيد في الاعلان عن هذه الديانة الجديدة في بابل عاصمة مملكته الا انه اصطدم بردود فعل عنيفة من قبل الكهنة ‏الذين شعروا بأن هذا المعتقد الجديد يهدد سلطانهم الديني ، وراحوا يتأمرون مع الدولة الفارسية التي كانت تهدد بأجتياح ‏البلاد ، وبعد ان فقد الامل في نشر معتقده الجديد قرر اللجوء والاعتزال فى الاماكن النائية ونشر مبادئه في البوادي ‏والصحارى ونشر دعوته بين الناس على ان (ايل) الله هو اله جميع البشر في كل مكان وزمان ، بل هو اله الكون ‏بأجمعه . وكلف ابنه (بيلشاصر) نائبا عنه في ادارة شؤون مملكته بابل ، وابتنى له عاصمة دينية في جنوب بادية الشام ‏‏(التيماء) وجمع حوله الزهاد والمريدين ، ويقضي اكثر اوقاته في الصلاة ل (ايل) كي يبعث رسوله (البعل المخلص) ‏ليهدي شعبه وينقذهم من الخراب والانحطاط ومع مرور الزمن تحولت التيماء الى قبلة للقبائل البدوية التي راحت تنتشر ‏بينها هذه الديانة الجديدة حتى وصلت الجزيرة العربية كلها واليمن وسيناء . الا ان جيوش الاخمينيين اجتاحوا مدينة بابل ‏بعد خيانة رجال الكهنوت وتعاونهم مع الغازي . اما بالنسبة للملك نبونيد فلا احد يعرف مصيره بعد سقوط بابل هناك من ‏يعتقدبأنه انه هرب واعتزل في البادية هو واتباعه البابليين وامتزجوا مع قبائل البادية وتزوجوا وانحدروا الى الجنوب في ‏اعماق الحجاز على سواحل البحر الاحمر ، وهم الذين اسسوا مدن يثرب ومكة .‏

وقد اصبح الملك نبونيد مقدسا عند اتباعه ومريديه الكثير منهم يعتقدون بانه المهدي المنتظر صاحب الزمان الذي سيظهر ‏ذات يوم لينقذ الناس من الظلم والجبروت والفساد ويمكن اعتبار ان نبؤة نبونيد انه من هذه السلالة البابلية التي سكنت ‏ارض الجزيرة العربية سيظهر نبي المستقبل من قبيلة قريش التي تنحدر من سلالة اسماعيل عليه السلام وامه الذين قطنوا ‏الصحراء ومنهم انحدر اجداد العرب المستعربة . وقد لعبت قبيلة قريش دورا قياديا في توحيد قبائل الجزييرة العربية ، ‏حتى انبثق الاسلام ليحقق احفاد بابل نبؤات الملك الصالح نبونيد .‏

طيلة التاريخ ظلت منطقة نينوى شمال العراق حلقة الوصل التي تربط العراق بمنطقة الشام وعموم البحر المتوسط. فمن ‏خلال نينوى ومنذ القرن الاول الميلادي بدأت المسيحية السورية الفلسطينية تنتشر في شمال النهرين وباقي العراق حتى ‏اصبحت في القرن الثالث الميلادي ديانة الاغلبية الساحقة من السكان ، تذكر المصادر الرومانية والآرامية أن (القديس ‏توما) ثم بعده (مار عدي) من تلامذة السيد المسيح، مع تلميذه (مار ماري) هم الذين بشروا بالمسيحية في العراق، اولا في ‏شماله ثم في وسطه وجنوبه. وقد شيد (مار ماري) ( ت 82 م) أول كنيسة في بلدة (كوخي) قرب المدائن، وقد وسعها مار ‏عبد المسيح الحيري. وفيها تكونت (بطريكية) او قيادة (مرجعية) الكنيسية العراقية ومقرها في (المدائن ـ جنوب بغداد) ‏وتسمى رسميا بكنيسة (بابل) ويطلق عليها المؤرخون احيانا (كنيسة فارس) بسبب خضوع العراق لفارس. وتتفرع ‏الكنيسة العراقية الى فروع كنسية في كل انحاء النهرين ويطلق على كل فرع تسمية(ابريشية)، وانتشرت الكنائس والاديرة ‏النسطورية حتى الاحواز والبحرين وقطرايا ( امارة قطر الحالية ) . ان اهم انجاز حضاري قامت به المسيحية العراقية ‏انها افتتحت مدرسة في كل كنيسة وفي كل قرية ومدينة، فصار تعليم القراءة والكتابة والعلوم جزءا من النشاط الديني ‏والايماني. وكانت هذه الخطوة بداية خروج العراقيين من قمقمهم الظلامي نحو افق النور والتحرر.‏

كانت السلطات الايرانية، بين فترة واخرى، تشن حملات قمع واغتصاب وقتل ضد المسيحيين. كانت الحملات متقطعة، ‏سرعان ما تهدأ وتتخلها فترات سلم وتعاون وتقرب من قبل الملوك. وحسب المصادر المسيحية فان هذه الحملات المتقطعة ‏خلال عدة قرون، كلفت مئات الآلاف من الشهداء. وقد ذكر المؤرخ المسيحي العراقي(ماري بن سليمان)، ان الملك ‏‏(شاهبور) خلال ما اطلق عليه (الاضطهاد الاربعيني) الذي دام اربعين عاما في القرن الرابع م، قتل حوالي مئة وستين ‏الف في بلدات شمال العراق، واكثر من ثلاثين الف في بلدات الفرات. وقد اكد المؤرخ العراقي المسلم المسعودي هذا ‏الرقم(التنبيه والاشراف ص149). وحتى (القديس شمعون) وهو جاثليق (المرجع الاعلى) الكنيسة العراقية، الذي اعدمه ‏الملك الفارسي مع اختيه لم يسلم من ايديهم ..‏

‏ عموما هنالك سببان للاضطهاد، اولهما شعور الملوك والموابدة(رجال الدين المجوس) بأن المسيحية العراقية بدأت تشكل ‏خطرا كبيرا على المجوسية وبدأت تكتسحها في داخل معاقلها بحيث ان هنالك الكثير من اقارب الملك والحاشية بدأوا ‏يدخلون المسيحية، وان كنيسة المدائن العراقية تحولت الى زعيمة ومقر، ليس فقط للكنائس العراقية، بل لما يحصى من ‏الكنائس المنتشرة في جميع انحاء الامبراطورية الفارسية حتى حدود الصين، بل ان المبشرين العراقين نشروا المسحية حتى ‏في الهند وفي انحاء الجزيرة العربية. وهذا يعني ان العراقيين بدأوى يعوضوعن خضوعهم السياسي بهيمنة روحية دينية ‏سوف تشكل اساس مستقبلي لانطلاقتهم الحضارية والسياسية والتي حصلت في الفترة العباسية. ‏

بدأ السلطات الايرانية تدرك بأن هذا النشاط المسيحي العراقي ما هو الا بداية استعادة اهل العراق لدورهم القيادي، دينيا ‏على الاقل. يضاف الى ذلك سبب ثاني، يتمثل بخوف الملوك الفرس من تعاون المسيحيين العراقيين مع الرومان ثم البيزنط ‏الذي كانو على نفس الدين. رغم ان العراقيين تحولوا بغالبيتهم الساحقة في القرن الخامس الميلادي، الى مذهب ‏‏(النسطورية) المخالفة لمذهب البيزنط. يلاحظ عموما ان الكثير من فترات الاضطهاد كانت مرتبطة بطبيعة العلاقة مع ‏الامبراطورية البيزنطية الحاكمة في سوريا. فعندما تتوتر العلاقة بين الدوليتين، يبدأ الفرس يعاملون المسيحيين العراقيين ‏كـ (طابور خامس) تابع للدولة البيزنطية. فيشرعون بعمليات انتقام وحشي سريع ضدهم والتركيز على اعدام الشخصيات ‏الدينية النشطة، وسلب املاكهم.‏

‏ تميزت المسيحية العراقية منذ البداية بأنشقاقها عن الكنيسة البيزنطية وتبني مذهب ( نسطور ) الذي اصبح مذهب الكنيسة ‏العراقية التي سميت رسيما بـ ( كنيسة بابل ) . مع هذه الاغلبية المسيحية النسطورية التي تضاهي حوالي 90 % من ‏السكان مع اقليات من المذهب اليعقوبي السوري واليهود والصابئة والمذهب المانوي البابلي. اما نينوى فقد كثر فيها ايضا ‏اتباع المذهب المسيحي الشامي ( اليعقوبي) بحكم علاقتها الخاصة مع الشام. ‏

خلال اكثر من 11 قرن غابت تماما اية دولة عراقية، وتحول فيها الوطن الى ساحة للحروب وللمنافسة وثورات وتمردات ‏فاشلة قام بها العراقيون. رغم السيطرة الايرانية الغالبة، الا ان الرومان والبيزنط عندما كانوا ينجحون احيانا باجتياح ‏العراق كانوا ينتقمون من العراقيين قتلا وحرقا لمدنهم. فالامبراطور الروماني (تريانوس) بعدما فتح (المدائن) سنة(115م) ‏اضرم لهيب الاضطهاد في العراقيين واهلك منهم الكثيرين. ‏

‏ لكن رغم الضعف السياسي العسكري للعراقيين ، فأن اهل النهرين قد تمكنوا من الحفاظ على هويتهم السكانية والثقافية ‏والدينية المتميزة عن إلايرانيين والاغريق. وقد تعرضت الثقافة العراقية الى تغيير جذري من الناحيتين، اللغوية والدينية. ‏واكبر دليل على عمق الهوية العراقية وتجذرها، ان هذا التغيير اللغوي والديني لم يأتي بـتأثير القوى الايرانية والاغريقية ‏المهيمنة، بل هو تطور داخلي طبيعي. من الناحية اللغوية، فقد حلت اللغة الآرامية (العراقية الشامية) محل اللغة الاكدية، ‏وهاتين اللغتين قريبتين لبعض فهن من نفس الاصل. وقد فرضت الآرامية نفسها من خلال الكتابة الابجدية(الحروفية) التي ‏اخترعها الشاميون وحلت محل الكتابة العراقية المسمارية(الرمزية) التي لم تعد تواكب العصر. اما من الناحية الدينية فقد ‏صمد العراقيون بوجه التأثير الايراني المجوسي والديانة الاغريقية، وظلوا محافظين على ديانة اسلافهم (عبادة الكواكب) ‏حتى القرن الاول الميلادي، حيث بدأت تحل بالتدريج الديانة المسيحية الشامية. لقد بلغت قوة العراقيين الحضارية انهم ‏فرضوا الكثير من ميراثاتهم الثقافية على المحتلين انفسهم. إذ تحولت اللغة الآرامية (السريانية) لغة الثقافة الأولى في ‏الامبراطورية الإيرانية نفسها، وانحصرت اللغة الفارسية (البهلوية) في البلاط الحاكم ورجال الدين المجوس. بل ان ‏الايرانيين اقتبسوا الابجدية السريانية لكتابة لغتهم البهلوية، بعد تخليهم عن الكتابة المسمارية العراقية ايضا!‏

ومع انبثاق المسيحية في بلاد الشام في القرن الأول الميلادي، بدأت بالتدريج تتسرب الى العراق من القسم الشمالي (الرها ‏ونصيبين) ثم نينوى وكرخاسلوخ (الاسم السرياني لكركوك) حتى ولاية بابل ومنها الى ولاية ميسان والبصرة والاهواز ‏في الجنوب . ولم يمضي القرن الرابع الميلادي حتى اصبح المسيحية ديانة الغالبية الساحقة من العراقيين وتكونت الكنائس ‏في جميع القرى والمدن العراقية. وكانت هذه المسيحية مصحوبة بتيارات عرفانية(صوفية)، قادمة من الشام ومصر، مع ‏بعض التأثيرات الإغريقية. كان هناك ايضاً تواجد مهم لطوائف يهودية نشطة في انحاء النهرين، بالاضافة الى الصابئة الذي ‏يعتبر اول دين(عرفاني ـ غنوصي) ممهد للديانة المسيحية. كذلك تعتبر (المانوية) لمؤسسها (النبي ماني البابلي)اهم ‏الطوائف العراقية التي نجحت ان تنافس المسيحية، وتمكنت ان تصبح ديانة عالمية مقرها في بابل.‏
يمكن تقسيم هذه الفترة الطويلة الممتدة خلال (11) قرن، الى حقبتين:‏

يتبع في الجزء الثاني بإذن الله