الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

جمل ثقيلة ومروعة-علي السوداني



جمل ثقيلة ومروعة
علي السوداني
جمل ضخمة تمطر فوق وجه البلاد . جمل ضخمة وقاسية ومروعة وسخيفة . جمل كما فزّاعات ترفرف لحرامي مفترض . خيال مآتة لصيد عصافير الغفلة . جمل مثل جثث محشاة بقطن أو بقش مبلول تسد مسد القلب والكبد والمخ . جمل شكسبيرية تتدعبل على دكة الفرجة . جمل من دون جوهر ولا رحمة كأنها طعم صدأ في حلق يابس . جمل مشهورة صائحة . واحدة اسمها " خطوة في الأتجاه الصحيح " ، وهذه استعملت عندما كانت البلاد المريضة تنزع ملابسها قطعة بعد قطعة ، واذ تعرت حتى من وصلة التوت ، قيل لها : هل من مزيد ؟ جملة سامّة ثانية صاحت أن عبود عبد العال " يقف على مسافة واحدة من الجميع " لكن الحق والحقيقة هي أن عبّوداَ انما يحب هذا المكون ويكره ذاك . عبود يسوس العربة والحصان والسيارة من مقعد خلفي صوب وجهة لا فرار منها ولا مفر . عبود ينادي بعالي الصوت ان هلموا هلموا الى " حكومة وحدة وشراكة وطنية " فلا تشوف الرعية وحدة ولا تسمع شراكة ولا تحس وطنية لأن عبود القاسي يبشرهم بخرافة فرصة تأريخية مستعادة . أقطار وأمصار الجوار والطوق ، تتفرعن وترسم السبّابات في الهواء وتريد عراقاَ واحداَ موحداَ ينام الكل بحضنه ، لكن السبّابات ستتكسّر تالياَ وتنوخ وتبصم على بياض ، واللعاب سيسيل والحناجر ستطقطق اذا ما مدّ لها عبود القوي ، انبوب نفط أسود وبوري غاز مسال وسوقاَ مشاعة تغسل شعرها بشامبو صحون وتلون قدر مرقها بمعجون فاسد وتداوي جرحها بكبسولة دواء تسميها الناس " أكسباير " حينها ستقع حفلة التبويس والتعصير وسيسمع ، قوياَ واضحاَ ، تبويق أمصار الطوق والجيرة " أن دورها هو دور مشورة ونصح وحب ، وأن اهل بلاد ما بين القهرين ، هم أدرى بشعابها " لكم شأنكم ولنا شأننا . قيل أن واحداَ من مداميك قوة هذي البلاد انما يكمن في تلك الفسيفساء الجميلة من طوائف واقوام وملل ونحل . يا لها من كذبة مجلجلة ، لأننا لو كنا من لون وهوى واحد ، لما وقعت فتنة ولما أهدر دم ولما هجّرت ناس ولما شال سائق التاكسي هويتين واحدة لكرخ بغداد والأخرى لرصافتها . رجل الدين في بلادي أقوى واذكى من رجل السياسة أذ ان بمستطاع عمامة واحدة وجلباب ، تحريك ملايين مملينة من البشر وتوجيهها الوجهة التي تحب ، لكن شاحنة عملاقة من رجال ونساء سياسة ، لن يكون بمقدورهم تحريك وتثوير محلة . رجل الدين الشاطر هذه السنة ، يغمض عيناَ واحدة عن باب حانة مفتوح ورقصة باليه فوق خشبة مهملة ، ويصم أذناَ عن وصلة غناء مدلوقة على أعتاب أبي نؤاس ، لكنه على أوشال العام القادم ، سيشوي رأس بصل حار على أذن كل من غنى وموسق وشرب ورقص وكتب خارج اطار اللوحة . بلادي مرهقة وتعبانة وحائرة . الغزاة الأوغاد الأوباش الحرامية يتركونها مثل طريدة موشوم جسمها بزفة من كيّات سكائر . بلاد مدماة ضاع دمها بين القبائل . جمل ثقيلة . ثقيلة ومروعة . مروعة وقاسية . قاسية وكذابة . كذابة وسخيفة . بلاد تئن ، وانت تئن ولا حول لك ولها ، ولا حيل ولا حيلة . جمل مكرورة ودبقة ومملة ومهينة . تصبحون على خير .

ليست هناك تعليقات: