الخميس، 21 أكتوبر 2010
الشاعر السيد جعفر الحلي وقامة الرشأ المهفهف-حامد كعيد الجبوري
الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي
و قامة الرشأ المهفهف
حامد كعيد الجبوري
أبو يحيى السيد جعفر بن حمد بن محمد حسن بن كامل بن منصور بن كمال الدين ، ينتهي نسبه الى الحسين ذي الدمعة ، الى الحسين بن علي أبن أبي طالب عليهم السلام ، وتسمى عائلتهم بالحلة الفيحاء بآل كمال الدين ، ويسكن أجداده بقرية السادة التي تبعد عن مركز الحلة الفيحاء بحوالي كيلو متران تقريبا .
ولد الشاعر السيد جعفر الحلي سنة 1277 هجرية ، وتوفي سنة 1315 هجرية وعمره ثمان وثلاثون سنة هجرية ، ومعلوم أن السنة الهجرية تقل عن السنة الميلادية باثني عشر يوما ، ونحن الآن بسنة 1431 هجرية ، بمعنى أن السيد جعفر الحلي توفي قبل مائة وستة عشر سنة ودفن بالنجف الأشرف .
ولادة الشاعر المعروف السيد حيدر الحلي عام 1246 هجرية ، بمعنى أن السيد جعفر الحلي ولد وعمر السيد حيدر 31 سنة ، وتوفي السيد حيدر الحلي قبل وفاة السيد جعفر الحلي بأحد عشر سنة أي بسنة 1416 هجرية ، وكل هذه المقارنة والتواريخ الهجرية لنتعرف كم عاش السيد جعفر الحلي كشاعر مع السيد حيدر الحلي ، فلو افترضنا بزوغ فجر شاعريته وشهرته – السيد جعفر - بعمر العشرون سنة فننتج أنه عاش مع السيد حيدر الحلي كشاعر يشار له أكثر من عشر سنين قليلا ، وهذه العشر سنين كانت ثقيلة على كُبّار شعراء ذلك العصر ، فالسيد جعفر الحلي بدأ يسرق الأضواء ويسحبها نحوه بمختلف المجالس والمنتديات الثقافية التي تعقد ببيوت مراجع الدين آنذاك .
يتحدث الأستاذ الباحث والأديب الشيخ محمد علي اليعقوبي ببابلياته عن شاعرنا السيد جعفر الحلي ويقول عنه بأنه شاعر كثير النظم ومجيد بأغلب ما كتب من الشعر ، وكان يحاكي أو يقتبس أو يضمن بعضا من قصائده ممن سبقوه سواء الشعر الجاهلي وصولا لشعراء جيله ، وقد قرأت ما أورده الشيخ اليعقوبي فوجدت أن الصور التي أتى بها السيد جعفر الحلي تختلف عما ذهب إليه الشيخ اليعقوبي برأيه المحترم ومثلا لذلك
درت الخطوب بأنك أبن جلاها ... ولثغر كل ثنية طلاع
يقول الشيخ اليعقوبي بأن ذلك مأخوذ من سحيم بن وثيل الرياحي الذي يقول
أنا أبن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
ولا أدري هل لذكره أبن جلا علاقة بالموضوع فالبيت الذي يذكره السيد جعفر لا يشبه بمعناه ما أراد الشاعر الرياحي ، وكذلك يؤاخذ السيد جعفر الحلي لأخذه عجزا كاملا من قصيدة الشاعر الشيخ كاظم الأوزري الذي يقول
وأقبل النصر يسعى نحوه عجلا ... مسعى غلام الى مولاه مبتدر
ويقول السيد جعفر الحلي
قد أقبلت نحوه تسعى على عجل ... ( وأقبل النصر يسعى نحوه عجلا )
ويذهب الشيخ اليعقوبي لأكثر من ذلك ، ولست هنا منتصرا للسيد جعفر الحلي ولكني لا أجد فيما قاله السيد جعفر الحلي مع الشاعر أبو فراس الحمداني بشئ من صلة ، وهناك أكثر من حديث بهذا الإتجاه ، وأنا أرى أن ما جاء به السيد جعفر الحلي غير ما جاء به ابو فراس الحمداني ، يقول السيد جعفر الحلي
الحب للرجل البعيد مقرب ... والبغض للرحم القريب مبعد
في ما يقول الشاعر أبو فراس الحمداني
كانت مودة سلمان له رحما ... ولم تكن بين نوح وأبنه رحم
وأورد الشيخ اليعقوبي رحمه الله الكثير من هذه التناصات التي أجد أنها أتت من غير باب أتى بها السيد جعفر الحلي رحمه الله .
كان السيد جعفر الحلي ذكيا وقارئا نهما لسيرة من تقدمه من الشعراء ، ومتابعا ومتتبعا لأخبار الأولين وأحاديثهم ، وترك الحلة الفيحاء وهو بعمر الخامسة عشر سنة ليتجه صوب النجف الأشرف حاضرة العلماء ومنجبة الشعراء، ودرس الفقه والشريعة على يد والده وأخوته وكبار علماء عصره كالشيخ عباس بن الشيخ علي كاشف الغطاء ، والشيخ محمد طه نجف ، وكان السيد جعفر سريع البديهة يرتجل البيت والبيتان بأحايين لا تحصى ، وكان يداعب أصدقائه شعرا ، وأن ذهب لزيارة أحدهم ولم يجده يترك له أكثر من بيت يستحضره آنيا ، ويقول الشاعر الشيخ السماوي عنه ، كتبت قصيدة وقرأتها على مسامع السيد جعفر الحلي وقلت فيها
فلو أشكو الذي لا قيت منها ... الى جبل لهال على الرمال
ولو أشكو الذي لا قيت منها ... لدهري رق لي ورثى لحالي
وأكملت قصيدتي له ، فقال لي – السيد جعفر - أستمع لي بعد أن أبدلت قافية قصيدتك الى حرف السين ،
فلو أشكو الذي لا قيت منها ... الى جبل لدكدك وهو راسي
ولو أشكو الذي لا قيت منها ... لدهري رق لي ما كان قاسي
فأعقبه الشيخ السماوي مجاريا إياه
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...الى وعل لخر من الرواسي
فقال السيد جعفر الحلي
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...الى عمرو لظل بغير باس
فقلت مجاريا له
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...الى الحنفي بات بلا قياس
فقال السيد جعفر الحلي
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...لإبراهيم بات بلا جناس
وضحك الإثنان وأوقفا هذه المجاراة ، وإبراهيم المذكور شاعر صديق لهما يشغف بالجناس ، ومن أجمل ما يروى عن سرعة بديهيته أنه كان يدرس بإشراف أحد الأساتذة بالشريعة مع صحبة له ، ومن المعتاد تعطيل الدروس الفقهية في شهر رمضان نهارا وتعطى عوضا عنها بعد الفطور عشاءا وبصحن أمير المؤمنين (ع) ، وكانت الحضرة العلوية غير معبدة بالآجر بل كانت عبارة عن أرض رملية ، وأثناء المحاضرة نهض الأستاذ مذعورا لوجود شئ ما تحته ، وحين نهوضه فإذا هي أفعى ذهبت حيث تريد دون أن تمس أو تلسع الأستاذ ، نظر السيد جعفر لذلك وأنشأ قائلا
لا تحسبوا حية الأرض التي التصقت ... في حجر سيدنا رامت به فزعا
لكنها من صنوف الجن مذ سمعت .... بالوحي يتلى فجاءته لتستمعا
ولم يملك الأستاذ إلا أن يخلع عباءته ويهديها للشاعر الحلي السيد جعفر ، ومرة أخرى رأى جمهرة من الناس وهي تصوب بصرها نحو السماء ، فرفع رأسه معهم ليشاهد صقرا مفترسا يطرد حمامة يتعقبها وهي تحاول الهروب من مخالبه القاتلة ، وبدون وعي أو بوعي رمت بنفسها من سماءها العالية صوب قبة أمير المؤمنين علي (ع) ونجت من موت محقق ، لأن الصقور تخاف أن تطير قريبة من الأرض ، كانت هذه الصورة مدعاة لأن يقول السيد جعفر الحلي هذان البيتان ،
جاءت سليمان الزمان حمامة ... والموت يلمع في جناحي خاطف
من علم الورقاء أن محلكم ... حرم وأنك ملجأ للخائف
ويروى أن السيد جعفر الحلي رحمه الله كان حاد الطبع لا يترك له حقا إلا أخذه ، ومع حدة طبعه كان لينا ويتعامل بالسيئة أن بدت بالحسنة ، متأسيا بأجداه عليهم السلام ، وفي هذا الباب يقول
جازِ الإساءة بالإحسان أن صدرت ... من أمرءٍ زلة تدعو الى الغضب
سجية النخل من يضربه في حجر ... جازاه عن ضربه بالبسر والرُطب
كذلك الصدف البحري أن فلقوا ... أعلاه كافأهم باللؤلؤ الرَطِب
وإن تكررت الإساءة وتكرر العفو لأكثر من مرة عد تخاذلا ومضيعة للحقوق ، ونرى ذلك مجسدا ما دار بينه وبين أحد مراجع الدين آنذاك وهو السيد إبراهيم ، وكان السيد إبراهيم يأخذ دروسه منه ويصلي خلفه ، ومعلوم أن طلبة العلم آنذاك ليس لديهم ما يسد رمقهم إلا القليل ، ورأى يوما خادما للسيد إبراهيم يحمل قفصا مملوء بالديكة ، فقال للخادم لمن هذا القفص ، أجابه الخادم إنه لسيدي إبراهيم لأنه لا يأكل من الدجاج إلا الديوك ، ولهذه الحادثة أمتنع السيد جعفر من الصلاة خلف السيد إبراهيم ، بعد مدة أسمعه أستاذه السيد إبراهيم عتبا لعدم حضوره صلاة الجماعة معه ، فأجابه السيد مرتجلا هذه الأبيات
أحب أن أصلي كل يوم ... وراءك في العشي وفي الغداة
ولكن ليس لي في البيت ديك .... ينبهني لأوقات الصلاة
وأستمر الخلاف بينهما وترك دروس هذا الأستاذ بل وبدأ يكتب قصائده ضده محرضا الطلبة – طلبة العلم – لتركه وترك درسه ويقول
يا مرسلا فضل العمامة خدعة ... أصبحت ذا فضل على إبليس
خشنت ثوبك كي تنعم زوجة ... لبست بزهدك حلية الطاووس
أن كان كل مقدس هو هكذا .... يا رب فحفظنا من التقديس
ومعلوم أن رجال الدين سابقا ولا حقا لهم سلطة كبيرة ، ومن خلال هذه السلطة فقد هدر السيد إبراهيم دم الشاعر السيد جعفر الحلي ، بسبب هذه الأبيات ، ومعلوم أيضا أن هناك الكثير ممن يود التقرب لله من خلال هؤلاء العلماء ، فلذا أصبحت حياة السيد جعفر الحلي مهددة من قبل العامة لتنفذ أمر مرجعها ، لذا هرب السيد جعفر الحلي عائدا لمسقط رأسه الحلة الفيحاء وخلع عمته ولبس الكوفية والعقال ، بعد أيام قليلة قرر السيد جعفر الحلي العودة للنجف لجلب عائلته وأطفاله ، وليلا دخل لزقاق داره ، والزقاق مغلق لا يفضي لشارع أو زقاق آخر ، وهو يحمل بيديه أمتعته البسيطة ومن خلفه زوجته وأطفاله فإذا بسراج يسير خلفه السيد إبراهيم الذي هجاه شاعرنا ، وما هي إلا لحظات وأستل مرافقو السيد إبراهيم – المرجع – سيوفهم للإجهاز على الشاعر السيد جعفر تلبية لنداء المرجع الفقيه ، وقربة الى الله تعالى بتنفيذ تلك الفتوى الظالمة ، لم يكترث السيد جعفر الحلي بالذي رآه وتقدم صوب المرجع ، أشار المرجع للسيافين بعدم تنفيذ شئ ، وصل السيد جعفر قبالة المرجع مرتجلا هذه الأبيات
رأيت ( إبراهيم ) رؤيا بها ... أضحى ك ( إسماعيلها ) جعفر
ها آنذا جئتك مستسلما ... يا أبتي أفعل بيّ ما تؤمر
نزلا هاذان البيتان بقلب المرجع مباشرة وقال للسيافيين ، أتركوه إنه ينحت من قلبه ، بمعنى أن عمره قصير بسبب هذه الإرهاصات الشعرية التي لا يقدر عليها أحد ، وفعلا مات السيد جعفر الحلي عن ثمان وثلاثون سنة هجرية ، والأبيات التي قالها الشاعر الذي عدّ المرجع السيد إبراهيم وكأنه النبي إبراهيم الخليل (ع) ، وجعل نفسه – الشاعر – بمثابة النبي إسماعيل الذبيح ( ع ) ، وهنا أدرك السيد المرجع بأن الله لم يأمره بذبح السيد جعفر الحلي لذا وهبه حياته .
ومن طريف سرعة بديهية السيد جعفر الحلي بقول الشعر ارتجالا ، ما قاله بعد مطر ربيعي سقى البادية النجفية وطاب هواءها ، فدعا صديقا له وهو الشيخ العلامة هادي كاشف الغطاء للنزهة حول غدير تجمع من مياه المطر هناك ، فأبى الشيخ الخروج معه فأنشأ قائلا
عذيري منك إذ تأبى إتباعي ... على حق ومن لي بالعذير
ومن عجب بأنك ( جعفري ) ... وترغب عن أحاديث ( الغدير )
فلو لا حظنا استعارته لمفردة جعفري وما يعني للجعفري الغدير .
كتب السيد جعفر الحلي بكل أغراض الشعر من مدح وهجاء ورثاء وغزل وباب إلأخوانيات وأجاد بكل ما كتب من أغراض ، والسيد أن رثى يفي المرثي حقه ، وإن هجا وكما تقدم فإن هجاءه يعد إخماد جذوة المهجو ، وهناك بابا نادرا ما يتناوله الشعراء وهو التشطير والتخميس ، فإن أعجب أحد الشعراء بقصيدة شاعر غيره ، أخذ تلك القصيدة وشطرها ، ومعنى التشطير أن يضيف عجزا للصدر وصدرا للعجز لنهاية القصيدة ، أو الأبيات التي أحبها من ذلك الشاعر ، ومثال لذلك تشطيره أبياتا من قصيدة العلامة السيد حسين القزويني والتي بعث بها من الديار المقدسة أثناء تأديته مراسم الحج ،
( طاب النسيم بطيبة ) ... وجلا السرور بها مدامه
علقت بها أرواحنا ..... ( وحلت لنا فيها الإقامه )
( دار توارثنا بها ) ..... شرفا يدوم الى القيامه
ولنا بحوزتها انتهى ..... ( إرث النبوة والإمامه)
( كم من كريم ليس ) ... تأخذه بمكرمة ملامه
حلف المكارم ليس ..... ( نأباه ولا يأبى الكرامه )
( قد زارها بسلامة ) ... وبنى على الجوزا خيامه
ودعا القبائل للقرى ..... ( منه وأقرأكم سلامه )
الأبيات المقوسة هي القصيدة الأصل للسيد حسين القزويني ، والأبيات غير المقوسة هي للسيد جعفر الحلي ، والتشطير ليس بسهل الصنعة على الشعراء ، فعلى الشاعر المشطر محاكاة شاعر القصيدة ولا يهم إن حول المدح لهجاء بل عليه ملاحظة قوة سبك القصيدة ، فإن جاءت أقل سباكة من منشئها حُسبت على الشاعر المشطر لا له، وللتخميس عملية تختلف عن التشطير ، والتخميس يأخذ بيتا من شاعر ما ويضاف له أربعة أشطر والشطر الخامس يعود لمنشئ القصيدة وهكذا .
السيد جعفر الحلي مولع بحل الألغاز الشعرية التي يرسلها له الأصدقاء من الشعراء ومن تلك الألغاز ما أرسله الشاعر السيد حسين القزويني ملغزا بمفردة الصقر حيث يقول
ما أسم ثلاثي على طرده ... يفعل فعل الضيغم الخادر
وعكسه يصدر من جاهل ... تهواه نفس الرجل الفاجر
وإن يكن أوسطه أولا .... كان رفيع السمك للناظر
فأجابه السيد جعفر
يا آمري في حل ألغازه ... سمعا وطوعا لك من آمر
هذا الذي يذعر سرب الظبا ... والسرب في أمن من الذاعر
وكان السيد الحلي رحمه الله محبا كشعراء عصره التاريخ الشعري ، والتاريخ الشعري مسألة صنعة حسابية أقرب منها للشاعرية ، ومعلوم أن لكل حرف باللغة العربية له قوة حسابية يعرفها المختصون ، ولها دلالات والتزامات لسنا بصددها ، ومن جيد ما تركه تاريخا شعريا مؤرخا عام وصول أسلاك البرق ( التلغراف ) الى النجف الأشرف بعهد السلطان العثماني عبد الحميد عام 1313 هجرية
فالتلغراف لبلدة النجف انتهى ... أرخ أجل يأتيك بالأخبار
وله أبيات يؤرخ وفاة العلامة حبيب الله الرشتي سنة 1312 هجرية
بكته الملة الغرا فأرخ ... بكى لحبيبها الشرع الشريف
وأرخ وفاة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سنة 1308 هجرية قائلا
مذ توفى أرخوه ... ثلم الإسلام ثلمه
ومن جميل غزله قوله
بسرك وهو للصب افتضاح ... أجد منك صدك أم مزاح
ترى أن الوصال لنا حرام ... وقتل العاشقين هو المباح
أحن إليك إن ناحت حمام ... على غصن تميل به الرياح
تهيج حشا كجمرة مقلتيها ... فتخفق مثلما خفق الجناح
وما وجد الحمامة مثل وجدي ... فنغمتها غناء لا نواح
وأين من المسهد عين ورق ... غفت ليلا ونبهها الصباح
ومن روائع الغزل العربي ما قاله السيد جعفر الحلي بقصيدته الغزلية التي غناها المطرب العراقي العربي الكبير ناظم الغزالي
يا قامة الرشا المهفهف ميلي ... بظماي منك لموضع التقبيل
رشأ أطل دمي وفي وجناته ... وبنانه أثر الدم المطلول
يا قاتلي باللحظ أول مرة ... أجهز بثانية على المقتول
مثل فديتك بي ولو بك مثلوا ... شمس الضحى لم أرض بالتمثيل
فالظلم منك علي غير مذمم ... والصبر مني عنك غير جميل
أتلو صحائف وجنتيك وأنت في .. سكر الصبا لم تدري بالأنجيل
أفهل نظمت لئالئا من أدمعي ... سمطين حول رضابك المعسول
أشكوا الى عينيك من سقمي بها ... شكوى عليل بالهوى لعليل
فعليك من ليل الصدود شباهة ... لكنها في فرعك المسدول
وعلى قوامك من نحولي مسحة ... لكنها في خصرك المهزول
لي حاجة عند البخيل بنيلها ... ما أصعب الحاجات عند بخيل
ويصم عني سمعه وأنا الذي ... لم أصغ فيه ملام عذولي
وأخيرا نصل لرثائه لآل البيت عليهم السلام ، وهي مراثي كثيرة سنأخذ مثلين أحدهما للإمام الحسين ( ع ) وهي ترتل من على منابر المسلمين ، ومثل آخر للأمام العباس ( ع ) ، قال راثيا جده الحسين ( ع )
بأبي أفدي قتيلا بالطفوف ... مزقت أحشاءه بيض السيوف
............
يوم نادى وعلى السيف أنحنى ... أيها القوم أنسبوني من أنا
فأجابوه بأطراف القنى ... وإليه زحفت تلك الصفوف
............
بين من يطلب في ثار أبيه ... ومن أستتبع بالشرك ذويه
فأحاطت زمر الأعداء فيه .... فهو فرد وأعاديه ألوف
..................
الى أن يقول مستصرخا المسلمين لنجدة الحق وأهله
لم يفدنا لطمنا راح براح ... لا ولا ينفعنا طول النياح
فمتى نلطم بالبيض الصفاح ... أوجها قد جدعت منا الأنوف
.... .........
ميميته العصماء برثاء العباس ( ع )
------------------------
وأبرز ما كتب في هذا الباب - مراثي آل البيت - قصيدته الميمية بحق الإمام العباس ( ع ) ، وهي أروع ما كُتب للعباس ( ع ) برأي أغلب النقاد ورواد المجالس ، وقد نشرت في كراس خاص سمي بالقصائد الخالدات ، ولا يوجد منبرا حسينيا إلا وقرأت هذه القصيدة من خلاله ، والقصيدة التي أعني لها قصة يكاد لا يعرفها إلا القلة ، ومفادها أن المرجعية الشيعية الدينية ارتأت أن يكون لها حضورا في مدينة سامراء ، ومن المعلوم أن سامراء التي تحوي قبر العسكريين ( ع ) يكاد يكون مذهبها الديني غير المذهب الشيعي ، فذهب أحد المراجع الى سامراء المقدسة وأصطحب قسما من طلبة العلوم الدينية معه ، وباركت الحكومة العثمانية هذا التحرك من قبل المرجع لغرض رص الصف الإسلامي من خلال تلاقح أفكار المذهبين ، وحين وصول المرجع الى سامراء وانتشار العمة الدينية الشيعية فيها ، حبذ الكثير من أهالي سامراء هذه الخطوة وباركها طالما أنها ستفتح أبوابا للرزق لأهالي المدينة ، وصمت الآخرون ممن عارض احتراما لرأي الأغلبية الساحقة من أهالي سامراء ، وحدثت أكثر من مصاهرة وعلاقة بين الطرفين ، وحين قدوم شهر محرم الحرام بطقوسه الدينية التي تمارس داخل الصحن الشريف ، خاطب المرجع الديني الشاعر السيد جعفر الحلي الذي كان مع هؤلاء الطلبة وقال له ، يا سيد جعفر ليلة غد ستكون لعمك الإمام العباس فهيأ قصيدة لذلك ، والغريب أن السيد جعفر الحلي رحمه الله لم يستطع كتابة أي بيت من القصيدة ولا حتى مطلعها ، وكان الفصل صيفا وهم يفترشون السطح للمرقد الشريف ليقضوا لياليهم الصيفية فيه ، مسك ورقته وقلمه وأخذ يجوب الصحن والسطح ذهابا وإيابا إلا أن ملكة الشعر لم تحضره ، وهو يصارع ذلك آيس من أن ينجز ما يريد ، لذا قرر أن يستخرج إحدى القصائد القديمة بحق العباس ( ع ) لتقرأ ، أُذّن لصلاة الفجر وأدى صلاته وذهب الى فراشه وهو يحاول أن يجد مخرجا لذلك ، تقلب على فراشه ونزل خيط الفجر رويدا رويدا ، ولاح في الأفق الضياء فأطبق عينيه لينام وإذا بسلطان الشعر بل مارده قد أمره بالنهوض ليستهل قصيدته قائلا
وجه الصباح علي ليل مظلم ... وربيع أيامي علي محرم
والليل يشهد لي بأني ساهر ... مذ طاب للناس الرقاد وهوموا
قلقاً تقلبني الهموم بمضجعي ... ويعود فكري في الزمان ويتهم
أو موتته بين الصفوف أحبها ... هي دين معشريّ الذين تقدموا
ما راعهم إلا تقحم ضيغم ... غيران يعجم لفظه ويدمدم
عبست وجوه القوم خوف الموت ... والعباس فيهم ضاحك متبسم
قلب اليمين على الشمال وغاص .. في الأوساط يحصد بالرؤؤس ويحطم
وثنا أبو الفضل الفوارس نكصا ... فرأوا أشد ثباتهم أن يهزموا
ما كر ذو بأس له متقدما ... إلا وفر ورأسه المتقدم
صبغ الخيول برمحه حتى غدا ... سيان أشقر لونها والأدهم
بطل تورث من أبيه شجاعة ... فيها أنوف بني الضلالة ترغم
فأنصاع يخطب بالجماجم والكلا ... فالسيف ينثر والمثقف ينظم
أوتشتكي العطش الفواطم عنده ... وبصدر صعدته الفرات المفعم
ولو أستقى نهر المجرة لارتقى ... وطويل ذابله إليه سلم
لو لا القضى لمحا الوجود بسيفه ... والله يقضي ما يشاء ويحكم
وهوى بجنب العلقمي فليته ... للشاربين به يداف العلقم
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه ... بين الخيام وبينه متقسم
قد رام يلثمه فلم يرّ موضعا ... لم يدمه حر السلاح فيلثم
أأخي يهنيك النعيم ولم أخل ... ترضى بأن أرزى وأنت منعم
أأخي من يحمي بنات محمد ... أن صرن يسترحمن من لا يرحم
هونت يبن أبي مصارع فتيتي ... والجرح يسكنه الذي هو أألم
يا مالكا صدر الشريعة أنني ... لقليل عمري في بكاك متمم
والقصيدة طويلة اخترت لكم منها ما ذكرت .
...............................
المصادر
* : سحر بابل وسجع البلابل / ديوان السيد جعفر الحلي
* : البابليات الجزء الثالث للباحث والمؤرخ الشيخ محمد علي اليعقوبي / نبذة عن حياة الشاعر السيد جعفر الحلي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
لقد عثرت في كتاب نادر "الذريعة إلى معرفة أصول الشريعة" للعلامة الجليل الشيخ محمود عباس العاملي قدس الله سرة على قصيدة أرفقها بالكتاب للسيد جعفر الحلي قدس سره وهي عبارة عن تخميس على قصيدة ابن أبي الحديد وهي في مدح أمير المؤمنين عليه السلاموهي طويلة جداورائعة جدا... جزاكم الله خيراللتواصل معنا عبر:
sheikmahmoud@hotmail.com
إرسال تعليق