طاوة جلجامش ومطبخ رئيس الحكومة
علي السوداني
وهذه واقعة موثّقة موثوقة ثقة ، كانت وقعت في بلاد ما بين القهرين ، وهي واقعة ظريفة لطيفة جذابة ذات أجراس تجلجل وخواصر ترقص وأرداف تأكل العقل وتطيّر القلب وتحفز المخيال حتى منتهى القصد والمآل . والحكاية - سادتي الرجال وسيداتي النسوان - كانت أشهرت قبل ليال قليلات وكان مقدراَ لها أن تقلب الدنيا ، لكنها غطّيت بلحاف ثقيل وأنباء منفرة تتسايل كما مستحلب دبق فوق أمسيات وظهيرات الناس الحارّة ، وتدور حول معمعة ومنطحة ولادة حكومة . عندنا سفير في أمريكا اسمه سمير وكنيته الصميدعي قال ، أن أعمامنا الأمريكان الرحماء قد سلّمونا آلافاَ مؤلفة من قطع آثار عراقية منهوبة - الأرجح هو ان الحرامية كانوا من جنود وجنديات الهمج الأمريكان ومن تبعهم ، لأن غالبيتهم تتحدر من أبناء ملاجىء وأوكار شذوذ ومنغلة وبؤس ودكاكين مافيا - وقد تم شحن الصناديق المكتومة والمعلّمة وشديدة الوضوح نحو سمائها وولاداتها الأولى ببلاد ما بين الضيمين . بعد شهور مشهرة صدر فرمان آثاري بعرض المسروقات في جامخانات وعلى أرفف ودكك المتحف العراقي المشهور والمزروعة بنايته حتى اللحظة شرق كراج علاوي الحلة وعربانات الفشافيش المبهّرة بكرخ بغداد العباسية . في هذه الأيام والليالي ، فاحت وقبّت رائحة شك وريبة وخديعة ودسيسة ونهيبة ، من أفواه وزراء ونواب ومدراء وحراس منهم أميرة وقحطان وقيس ، تناقضوا وتضادوا وتناطحوا حول صينية دسمة مفقودة قوامها ستمائة وثلاث وثلاثون قطعة أثرية مؤكدة ، فأرسلوا الى السفير سمير العائش بأرض واشنطن ، كي يستأنسوا برأيه ويستفهموا من فهمه ، فأجابهم الرجل اجابة شافية وافية كافية بعدد المشحونات وواسطة النقل . بعدها بليلة ويوم قال جنرال أمريكي مشهور دائح الآن ودائخ في مستنقع أفغانستان ، اسمه باتريوس : ان الآثار الرافدينية كان تم نقلها غير منقوصة ببطن طائرته الخصوصية صوب منطقة بغداد الخضراء . بعيد ليلة ويوم وساعة - لسعدي الحلي البديع أغنية عذبة اسمها ليلة ويوم - من رسالة باتريوس المانعة الجامعة ، تشاطرت وتشطرت الحكومة البغدادية واعلنت عثورها على الصناديق والكراتين المفقودة في مكان اختلف الرواة الثقاة وتنابزوا وتشاتموا حول تسميته ، فمنهم من قال هو مطبخ من متبوعات رئيس الحكومة وقال آخر انه مخزن يتبع نفس الأطيان ، كانت الصناديق قد دسّت وحشرت فيه " خطأ " صحبة أدوات مطبخية منها القدور والطناجر الشبيهة بأخياتها المستعملات في طبيخ وشوربة شارع الموكب أيام حزن رعية بابل على فقد ديموزي ومصيبة عشتار والخواشيق التي تشبه ملاعق سومر والجفاجير والطاوات التي واحدتهن تشبه الطاوة التي كان جلجامش يقلي بوساطتها البيض والطماطة والباذنجان ، والمسبحات مثيلات المعلّقات بجيد الملكة الراحلة شبعاد ، والجطلات والسكاكين والتختات والطباخات ام سبع عيون الشبيهة بطباخات أور وما حولها ، وعلب وعصّارات ومصاصات مايونيز وصاص وكاتشب ومطحونات ثوم ودارسين وهيل وبابونّج وما الى ذلك من مطيّبات ومشهّيات ومغريات كان الراحل العظيم آشور بانيبال مغرماَ بفرشها وطشّها فوق مائدة عظماء ضيوف وضيفات مغارب الأرض ومطالع شمسها ، وتلك - وحقي وحقكم - تسويغات وتفسيرات وتأويلات تكفي وتسد وتغلق باب القيل والقال ، وتزرع الحكومة بواد غير ذي شبهة وعتب وعيب . أما مخلص وزبدة الحكي ، فهو أن ما عاد أو أعيد من آثار انما جاء في باب ترقيع وترميم شقوق الفضيحة العظمى ، وان الباقية من المسروقات في أمريكا الوغدة وأسرائيل وبيت أبي ناجي ، لهي أزيد وأعظم من العائدات ، وفي ختمة مكتوبي هذا ، أتوسل الى رعية وادي الرافدين أن تنزل سبّاباتها وتكف عن شتم الحكومة والتشكيك في طهارة وعفة المطبخ الذي نامت فيه الآثار المضمومة ، ودارت على حولين متصلين !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق