الجمعة، 26 فبراير 2016

أختام*-عادل كامل










أختام*


عادل كامل

[17] حرية بلذة المجهول
    في عام 1996، قلت، في مقال منشور: الصمت أعلى مراحل الحرية! ولم أعاقب! فانا كنت اعمل بالحرية التي أخاطب بها المجهول، وما دام الأخير، كالزمن، وربما، كالقدر، فقد كنت لا امتلك إلا أن أكون جزءا ً منه، لأن البطولة، بأي شكل من أشكالها، لا علامة لها. هو ذا الصمت يتكّوم بفعل القانون ذاته الذي أنتج ما لا يحصى من الفلسفات، الأفكار، والأشكال الجمالية، يتّكوم، لأن تمويهات الجسور سيفضي إلى الانزواء، وتجنب لا جدوى الأصوات، لا عن الحياة اليومية، بل عن العالم الآخر، إن كان عدما ً، أو فردوسا ً زاخرا ً بالظلال. فالمجهول، يدثر الصمت، مثلما يصنع أشكاله  الوهمية، العنيدة، وقد أثمر عن حكمة لا مناص سيدحضها القانون ذاته.
    فانا إن تكلمت ـ أو كتبت ـ أخاطب شجرة أو عصفورا ً، أو كائنا ً من جنسي، فانا أدرك لا جدوى عملي، لأنني: لست بحاجة أن اخبر الآخر بما اعرفه أولا ً، ولا جدوى من الحديث مع الآخر الذي  لا يريد أن يعرف، ثانيا ً، فلماذا، عبر الانصياع لسطوة الزمن، وبحكم آليات مجموع العلل، هو الاختيار العنيد الذي لم اختره؟ إن اللا ـ شكل، وحده غير مسؤول عن الكل بعمل أجزاءه. أليست هذه إضاءة لحدود لن تسمح لي إلا أن أحافظ على شروط، مهما استبعدتها، فانا أسيرها، إن فرحت بها أو كتمت أقاصي الكتمان بها. أسير حرية تحررني من قيودها، كي أغلق فمي، بقيودها، نحو اللا ـ شكل الصلد، وغير القابل للتعريف، بل الذي وجوده وحده يقع خارج المسافات: خارج القدر ـ والزمن، ولكن ما معنى أن أمرغ  بالتاريخ: تاريخ القتلة، وتاريخ الضحايا، عندما يكون هذا كله، لا يمتد، أكثر من عدمه ـ وهو محكوم بزواله، قبل الحضور...؟
   والأمثلة لا تحصى؛ ففي الحوار الفلسفي البابلي ـ عن أصله السومري ـ يلخص الحوار النسق ذاته القائم على: هذا الذي تتجمع فيه الاغتصابات البشرية(الملكية)، والكنوز، والثروات، والفضائح، إلى جانب الخبرة، والكد، والإبداعات، إزاء غالبية لا تمتلك إلا أن تحافظ على كيانها من التلف، والزوال. فالنص لا يتستر على التعسف ـ وتلك إشارة لحرية تستخدم كقناع في مواصلة العرض: فالوعي لا يمتلك الكثير: إلا أن القليل ـ المحدود ـ سيعيد صياغة الواقع بإحكام: الهرم هو الشكل الذي كلما تعرض للزحزحة ـ وليس للهدم ـ سيعيد ترتيب بناءه على نحو يجعل الحياة ماضية باستحالة إجراء تعديلات جذرية. لماذا يظلم الكائن الحي؟ يتساءل الفقير أو العبد، أو المتشائم، فيأتي الرد: إنها القوة! ويضرب مثلا ً مستمدا ً من البرية. فالأسد حر طليق في فرض هيمنته، وكذلك، يقول: الإله، لكن الأخير، أعلى من أن يكون عاليا ً، والبشر، ما هم إلا مخلوقات  خلقت من الوحل، ومزجت بالدم، حتى تبدو المسافة ـ الفجوة ـ بلا أطراف. إنما محنة الوجود وحدها دائمة، لأنها، وحدها شبيهة بالسراب، أو بالحلم: إنها وجدت كي لا توجد!
   تلخص تلك المحاورات الفلسفية مفهوم التراتبية، كنظام لم يصنعه الوعي، بل جاء الوعي ليمنحها واقعيتها، رمزيتها، معا ً.
   ها أنا انشغل بكياني النائي، وفي الوقت نفسه، اترك أصابعي تدوّن: تحفر فوق الورقة، أو عبر شاشة الحاسوب، استحالة العثور على البدائل، بعد أن عجزت عن قهر هذا التراخي أمام استكمال (حياتي) كجسد يتعثر في مواجهة قوى تعمل خارج المتضادات/ الثنائيات، وبعيدا ً عن رمزية المثل، والأساطير، والمعتقدات، فاترك أصابعي تجرجرني لرؤية كائنات تمحو بعضها البعض الآخر، لا لتقديم النذور، لكبير الآلهة، كما في أزمنة الأساطير، ولا لتقديم النذور لمن هم في أعلى الهرم، بل أصابعي ترى، قبل أن تشتغل مراكز التفكير، أن السحر (الآلية العنيدة في عمل أدق الأجزاء) لن يكتمل، إلا بمحو هذا الذي قاوم المحو، وهو الذي كان لا يعمل على إلا على محو أثره.
    فأصابعي ترى فراغات، وأصداء أصوات، وذرات أثير، وأجزاء لا مرئية ...الخ، صاغت بإحكام تاريخ المرارات، ونهاياتها المتتالية، الممتدة، بلا حافات. فأصابعي مكبلة بعجزها، في حريات سوداء، كي تجرجر محوها، وليس أثرها، داخل هذه المساحة، وقد أصبحت مقيدة باستحالة تحديد العلل، كي يكون للاعتراض معنى ما، في معناه، أو في لا معناه، عندما تكون الصيرورة، من صنع هذا المجهول، وليس للوعي إلا أن يستكمل إرادة عجزه، إنما هي ليست إرادة باطلة، بل رؤيا تستكمل موقعها إزاء لا حافات هذا المتدفق بلغز عدمه، كوجود كونته ممحوا ته، وليس على تراكمات تصادماته القائمة على هذا المحو  .

[18] آليات الزوال ـ وديمومته
 أسهم عصر الدعاية، بتفكيك (الصيرورة/ التاريخ)، وليس بدحض الثوابت، أو تشذيبها. انه عصر منحت فيه (الرداءة) سلطتها، لا كي يعيش البشر من فير رجاء، أو خارج ما يسمى بالأمل، أو أن يعيشوا بعيدا ً عن حالات (الخواء/ الاغتراب/ الباطل/ والتمويهات) فحسب، أو الذهاب ابعد من المثنويات، والمتضادات (ظلام/ نور ـ موت/ حياة ـ بعيد/ قريب) عبر الثناء، أو الكراهية، المحبة أو القسوة، القانون أو العشوائية ..الخ، بل أن لا يستسلم للنهاية التي طالما أكدتها أكثر العقول واقعية، وموضوعية، كلمات نقشت فوق الطين: ما يأتي مع الريح يذهب معها. وهو احد مكونات عظمة (العبث)، على مر العصور، خاصة القائمة على الاضطراب، وان يعيش كسلعة قيد الاستهلاك، بعد أن أصبحت الروح من الماضي، أو أصبحت بالية، وعتيقة.
  عصر الصيرورات الذي لا ينتج ثابتا ً، ولا يقود إلى الاستقرار، وإن حصل، فإنما للبرهنة: إن ما (الأمل) ليس إلا قناعا ً، وقد حكم عليه الزمن بزواله، وإن هذا التفكيك، لم يحصل للكتل، للنمل، الجماهير، وقد بدا ظهورها كمن عثر على كنز، بل للفرد، ولهويته الداخلية. تفكيك سيسمح لسبعة مليارات إنسان أن يعمل كل منهم وكأنه وحده يحق له البقاء، بعد أن زود بمبررات تدمير الأخر. لكن هذا لن يبرر شرعية البكاء على أزمنة يعتقد إنها (ذهبية)، ليس لأن الماضي، في الأصل، مازال حاضرا ً، أو لم يدفن بعد، بل لأنه احد آليات المنهج ولغزه: التقدم في المجهول!
    وإذا كانت رواية (الشيخ والبحر) قد حظيت بدعاية،  فليس لأنها أصابت هدفا ً، بل لأن الدعاية برهنت إنها لن تدع ثابتا ً إلا ودمرته.  إنها مسيرة طويلة بلغت هذه النهاية: إن الإنسان وحده يكافح للبرهنة على انه لن يدع ذرة ما إلا ويعيد تصنيعها، عبر مهرجانات المصانع العملاقة، ومنها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل، وما بعدها، كي تأخذ طريها إلى الاندثار. هو ذا العالم ـ كما يخبرنا وعينا ـ بوجودنا أو بغيابنا، ليدوّن بالكلمات، بل باختراع سلع مبتكرة للموت، ولصناعة المزيد من الجثث، والتباهي بعرضها عبر الشاشات. لكن الأخير، كما يخبرنا وعينا المضطرب، في فاتحة الألفية الثالثة، عنصرا ً لا يمكن عزله عن صياغة أناشيد مبتكرة لصيرورات الأفراد، والجماعات، والحضارة، وكأنها جميعا ً لا تمتلك إلا القانون الأول: الموت أو النصر!
    فها أنا أبصر مشهد أقدم بذور الخلق، تتشكل عبر حضارات تصنع دمارها، بعناية تماثل، وتتفوق على صناعتها لمجدها: كتل لا تمتلك من الصلابة إلا أن تشتبك، وتستنزف، وتدمر بعضها البعض الآخر، كي يبقى القانون، وقد كف غيابه عن الحضور.
    لكن هذا كله يحمل علامات عصر التفكيك، علامات براقة، مبتكرة، متجددة، ولها سحر الحكايات الأولى: الطرد، والنزول إلى العالم السفلي، وديمومة الصخب، عصر تتوارى فيها الذات، أيا ً كانت، وفي أية قارة، عبر برامج: تدمير الوهم، المماثل لعصر بناء أهرامات من الآمال الوهمية، الصوّرية، التي شيدها (الدماغ) بومضات ما صاغت هذا الذي يعيد ديمومة لاوعيه عبر علامات محكومة بزمن زوالها. فلم يعد الذهن يستنجد بالكلمات، أو بالرموز، أو بالمثل، بل لم يعد بحاجة إلا لإدامة ما هو قيد الاندثار، بله انه ليس بحاجة حتى لها، فهو جزء من هذه الصيرورة، وهي تعمل، كما تعمل  باقي الأنظمة. إنها حقيقة بلا أبطال، وبلا ضحايا أيضا ً.
   لقد فند الحكيم السومري، قبل أكثر من خمسة آلاف سنة: وهم (الخلود)، وهو ذاته سيفند وهم (الخواء)، كأنه يحفر معنا مدفنا ً ليس للدفن، بل مدفنا ً للهلاك الدائم، إنما تحت غواية: الانتظار.
     لكن المصانع، في عصر ازدهار حروب الأسواق عابرة القارات، وجدت في الدعاية(الإعلام)، في هذا المنجز السحري، في عصر الخرافات، والشعوذة، أملا ً غير قابل للدفن، لأن الهدف ذاته لم يجدد إلا علاماته، ومن يمتلك قدرة التمرد، أو الاعتراض، فان معسكرات (الحضارة)، قيد شيدت بأبواب غير موصدة. وبمعنى أوضح: لم يعد عصرنا منشغلا ً بالنمل، المليارات، والتحكم بها، بل التوغل في خفايا الذات، وتركها تتناثر، كي ترتفع قمة الهرم، درجة أخرى، كما في مثال جلجامش: ليس الخلود إلا ديمومة زوال، إنما قائمة على مبدأ: العمل؛ فمن لا ينتج زواله، يزول، لأن تراكم القهر، أما أن يجد من يوزعه بعدالة، وأما أن يمتد زمن: من لا يقف معنا فهو لا يستحق أن يكون ضدنا! انه القانون ذاته، ولكن آليات (الدعاية)، منذ صاغ أسلافنا تصوّرات عالم ما قبل الموت ـ وما بعده، سيعمل مشرحة بالتعرف على خيوط النسيج، وتفكيكها، ليمنح الخلود، مرة ثانية، الغواية ذاتها: أن تعرف ما لا يمكن معرفته، مع انه، ملحق به. فما العدم، في نهاية المطاف، غير الذي نقش بالحروف، حيث العدم، ابعد من أن يكون بعيدا ً، وأعلى من كل ذروة ارتفاع. فالا ـ كل، لا علاقة له بهذا الذي نحن أسراه، وسجنائه، وعبيده، وسلعه، وزوالاته في نهاية المطاف. انه وحده ليس بحاجة إلى: براهين، وإثباتات. فهو لا ينتج ذاته، كي ينتظر دعاية. وهو لا يموت كي يمجد بالميلاد، فهو ليس خارج (الكلمات)، أو ممتدا ً كامتداد العدم، وليس داخلها أو داخله. انه ليس: هو. فهو أقدم من أن يكون قديما ً، وهو ليس مستحدثا ً كي يكون حديثا ً، أو كي يكتسب سمة (الحداثة). لكن عصرنا، ككل العصور،  لم يكن إلا ضد نفسه، عبر: الاحتفال بالاحتفالات!

• تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: أختام معاصرة.




الخميس، 25 فبراير 2016

منذور بالدائرة السابعة- نجاح زهران


منذور بالدائرة السابعة


الساعة المتأخرة بتيه الوقت ، دحرجت بهلولي  بدوران الأفق  وهتاف الرصيف.
 أصطدم آذار بسيقان الشمس على الطرقات  ولم تفلت الأعشاش من غضب الكف الحمراء  فالضوء منذور بالدائرة السابعة .
أخذ الحلمُ  مباهج الأمنيات عند مطلع الفجر … حين تلوّي الحرف عليّ ،   ليدغدغْ قلبي بجنون الهاوية ليقذفني بيني وبيني الى يباس الظل   …الى نبع بطولات الكلام  .. لا أعلم اذا ما استطعت أن أحمي رأسي من هزيمة الفكرة العتية ،بأسطورة ماذا ، وكلما  وأين ؟ لتخبئ الشمس ثوبها خلف شجرة السلالات وانفرادي على وجه النار  ..ولكن التاريخ الذي قطّر بخوره بالسهم والقوس وغبار الإنسان  … دونَ أن يلمس الغيم  ساحة التمني وجنون السلام  والأمن  …ليطوي جذعه مع كل نبضة نحو أشرعة تجمع الصواري الى البيت وبدئي.
كانت انحناءة  الفرح بغفلة الوسادة  تتطاول بالأغطية على ماء الحلم، على صراط القناديل المحترقة بالأفول … هنا تأتي بالكم والكيف على الشك باليقين والفضول    .. حريقاً يستأنس بتوجس الفلك .
وكان في  كل سين وجيم  …. يخطو  النهار في سباق الحاجة الى الإنسان ، يستسلم الكتف والمرفق  ،وكم تراكم بتهمة الشاهد والمشهود، ..  لتفرز الرغبة زينتها عند كل عين  تملأَ العطور بالأبجديات على ضفاف العافية وكُحلة الشِعر . .
 لتحتفي بعرس الأرض  أيتها السماء ، هناك نزل المطر ونبت الثمر ، وهنا رتبت القصيدة أغنيتها لرغيف يُشبع الحيّ .



نجاح زهران

غالب المسعودي - كلمات متقاطعة

الأربعاء، 24 فبراير 2016

خواطر في الفن-نبراس هاشم

خواطر في الفن




نبراس هاشم
    نحتفي بين آن وآخر ببصمات صنعت للتأريخ شيئاً وكذلك صنعها الزمن بشغف الهواية من فن وأدب وعلم وبصمات ملئها تجارب حقيقية يعترف بها المجتمع عرفاناً وإحسانا .. انظر في مجاوراتي لا أرى سوى هياكل تحاول أن ترسم أو تصنع شيئا لكنها لم تحاول الحفر على الحجر مثلما فعل السابقون .. نحن اللاحقون لم نقتدي بعظمة وجمال وقدرة السابقون .. كل شيء متاح وغير متاح وان كان بعيد الأمل فلا ضرورة له ( هذا ما يقوله البعض الكثير ) يستغني هذا الجيل عن الكثير من المهمات للاستمرار في الحياة منها القراءة التي كان يسميها أهلنا السابقون ( بغذاء الروح) يوجد الكثير من البدائل التكنولوجيا الهابطة التي تملي على الجميع وقته في الحاضر وينسى إن العمر والحياة ممتدة فيها كل شيء وبالقراءة والمعرفة الذاتية تغنيهم عن الوقوع في مطبات وتجارب ممكن أن يستغني عنها .. ألاحظ هذا من خلال طلبتي في معهد الفنون الجميلة ، لا يأبهون لوجود للمكتبة العتيقة في المعهد وان حصل على كتاب أو لم يحصل لا يطالب به أصلا فليست له أية أهميه .. اسرح قليلاً وأعيد بكرة الماضي قليلاً أشاهد فرق كبير بين جيل وجيل كنّا نتهافت على استحصال كتاب أو مرجع أو مصدر يخص رسّام أو نحات وتأخذنا الغواية للاستمتاع الجماعي في مطالعة هذا المرجع والحديث والنقاش والدهشة التي ما عادت موجودة عند احد ، اذكر من جانب آخر زيارتي لباريس وحماسي للوصول لمتحف اللوفر أراني وحدي و زملائي في مدينة الفن لا اهتمام بالتطلع لما يخبئه اللوفر في ممراته أو قاعاته وفضاءاته وحتى أسقفه ويرددون ( هم ليس أفضل منا ) قد يتنكرون بأن السابقين هم أصل الدافع في صناعتك كفنان أو قارئ أو تحمل حس ثقافي فني .. أصبح الاعتداد بالنفس والتكبر لغة عصر هذا الزمن والدي نسوا أن يعلماني عليه أو أساتذتي لم يتطرقوا للحديث عنه في السابق من الدروس ، انها صيغه جديدة للتربية نحن الكلاسيكيون لا نستوعبها .. وسأظل اسرح ساعات عند مشاهدة تمثال ( المفكر- لرودان).


الاثنين، 22 فبراير 2016

20 قصة قصيرة جدا ً-عادل كامل

 


20 قصة قصيرة جدا ً

" أفضل أن لا اعتقد بوجود الله من أن أظنه لا مباليا ً"

جورج صاند (1804 ـ 1876)


عادل كامل


[1] مصير
لم يترك الرضيع جسد والدته، رغم اشتداد الظلام، والبرد، وارتفاع الأصوات، بل راح يتشبث به، حتى غفي.
 في الفجر، بعد إزاحة الأنقاض، اكتشفوا أن الرضيع مازال على قيد الحياة، ولكنه ما أن رآهم حتى عاد وتشبث بجسد والدته، محتميا ً بها..
    عندما تم سحبه، وإبعاده عنها، أبدى مقاومة أدرك لا جدواها، فراح يحدق في الوجوه، خشية أن يلقى المصير ذاته.

[2] كمين

   وأخيرا ً لم يجد الغزال إلا أن يتجمد، أمام النمر، بعد مطاردة استغرقت فترة غير قصيرة من الزمن...، ووقف ينتظر نهايته، بصمت تام. فسأل النمر الغزال:
ـ والآن لماذا توقفت..، ولا تفكر بالهرب، أو بالاستغاثة، أو حتى بطلب الرحمة؟
  ابتسم الغزال:
ـ لو كنت اعرف أن هناك جدوى ....، لكنت أنت أول من يضربها عرض الحائط، أولا ً، ولو كنت فعلت، ثانيا ً، فانا اعرف انك لن تتعجل بالقضاء علي ّ..!
وصمت. فسأله النمر:
ـ هل لديك سؤال تود أن تسأله:
ـ اجل...، أود أن أسألك قبل أن تجهز علي ّ..
ـ أسأل..
ـ هل حقا ً دارت هذه الأسئلة برأسك؟
ـ نعم!
ـ إذا ً.....، إن نهايتك قد اقتربت ...! لكن ليس لأنك فكرت...، بل لأن تفكيرك هذا هو الذي قرّب نهايتك!    
ـ لم افهم؟
ـ لأنك لو كنت حسمت الأمر، حالا ً، لكانت لديك فرصة أن تفترسني وتهرب، أما الآن، فأنت تنتظر من يفترسك، لأنك أتحت له هذه الفرصة!
ـ أنت إذا ً لم تفكر ...
ـ لو كنت فكرت، لكنت نجوت، وأنت مثلي، لو كنت فكرت لنجوت أيضا ً!


[3] أسف
ـ ما الفارق بين عصر الكهوف، والغابات، وعصرنا ...؟
   سأل النورس الغراب، وهما يتأملان قرص الشمس في كبد السماء، من وراء قضبان القفص الحديدي الكبير:
ـ في الزمن القديم، أيها النورس، كنت لا تعرف متى يتم القضاء عليك، أما الآن، داخل هذا القفص، فانك تعرف انك تموت، في كل يوم، وفي كل لحظة ...، وأنت ترى رفاقك يساقون إلى الموت!
ـ آ ....، للأسف، الزمن لا يرتد، والأيام السعيدة لا تعود!
ـ ولم َ الأسف...؟
رد النورس بحزن:
ـ أنا أتأسف لأن أحفادنا، أحفادي وأحفادك، قد لا يجدون حتى فرصة السكن داخل هذه الأقفاص، وقد لا يجدون حتى فرصة للموت!


[4] عويل
  ـ يا له من صراخ، عويل، وانين....
  متابعا ً أضاف الحمل يخاطب كبشا ً كان يقف بجواره:
ـ ألا يسمعون...، ألا يشاهدون ما يحدث لنا، ألا يمتلكون آذانا ً، عيونا ً، عقولا ً، ضمائر ...؟
أجابه بهدوء:
ـ صديقي ...، لولا هذا: الأنين، العويل، والصراخ...، لكان مجدهم قبض ريح!  فأنت، على سبيل المثال، ألا تشعر بالسرور وأنت تصغي إلى أنين العشب وصراخه وأنت تقضمه....، وهو يسألك: ماذا فعلت لكم ؟
أجاب الحمل مذعورا ً:
ـ  فانا غير بريء إذا ً فأنا بالفعل لم أكن اكترث لهذا الأمر! فانا حقا ً استحق العقاب!
ـ لا امتلك إجابة على أسئلة لم تعد تخطر ببالي!
   هز الحمل رأسه وقال:
ـ الآن ـ أنا أيضا ً ـ  لم اعد بحاجة إلى أجوبة على أسئلتي!
ـ ماذا عرفت؟
ـ لولا أنيننا، عياطنا، وصراخنا..، فأنهم قد يتساءلون: ما خطب القطيع يذهب إلى الموت  من غير شكوى، ومن غير طلب الغفران، بل حتى طلب الرحمة!

[5] غياب
ـ أسرع...أسرع...، الم ْ تر الطوفان يزحف، ولم يترك لنا فرصة للنجاة...؟
ـ آ ... كي لا نموت في حفرنا، وأقفاصنا، وجحورنا....
ـ لا... بل علينا أن نجري أسرع منه!
فرد الآخر متندرا ً:
ـ  ألا ترى الفضاء يسد علينا المنافذ كلها...؟
فسأله:
ـ  لِم َ ولدنا إذا ً إذا كان علينا أن نهلك؟
ـ وهل ولدنا بإرادتنا؟
ـ لكنك، سيدي، تدعو لارتكاب خطيئة اليأس، والاستسلام، والتخاذل، ومن يفعلها يعاقب بالقانون...؟
ـ عندما تعثر على الفضيلة آنذاك عليك أن لا تتمهل، وألا تسرع، وتهرول،  للبحث عن ملاذ لا يؤجل غيابك!

[6] مهمة
ـ لا تتركوا شجرة، أو بهيمة، لا تتركوا طيرا ً أو دابة، لا تتركوا أنثى ولا تتركوا ذكرا ً، لا تتركوا هرما ً أو يافعا ً...، لا تتركوا حجرا ً فوق حجر، ولا نسمة هواء ....
ـ هذا صحيح تماما ًـ سيدي القائد العظيم ـ لم نترك للأعداء شيئا ً يذكر...، ولكننا، بعد القضاء عليهم، لم يعد لدينا ً عملا ً نعمله؟
ضحك القائد بصوت متقطع:
ـ يا بهيمة، يا دابة، يا ....، آنذاك تكون مهمتنا قد أنجزت!

[7]  لغز
   وهو يهم بالضغط على نابض الحزام الناسف، سأله رفيقه، في المهمة المشتركة:
ـ قل لي...، أرجوك، من اجل ماذا نموت؟
ـ وهل كنا نعرف من اجل ماذا كنا نعيش؟
فقال له بصوت مرتبك:
ـ دعنا ننزع أحزمتنا الناسفة ونهرب...!
ابتسم الأول:
ـ لكن المارة لن يدعونا نعيش بأمان!
ـ آ ....، الآن فهمت....؛ لا هم يدعوننا نعيش بأمان، ولا نحن ندعهم يعيشون بسلام.....، وكأن حرب الجميع ضد الجميع شبيهة بالنار، ما أن توشك على الانطفاء، حتى تجد  من يوقدها، وما أن تشتعل، حتى  لا يفارقها حلم السبات!


[8] توازن

 سألت البعوضة زميلتها:
ـ لماذا خلقنا..، أمن اجل امتصاص دماء هذه البهائم، والزواحف، والدابات...؟
ـ آ ...، لو تعرفين، يا زميلتي، كم مرة عملوا على إبادتنا، وفشلوا...، حتى أصبح امتصاصنا لدمهم ثأرا ً تتوازن فيه كفة الصراع! فلا هم نجحوا بإبادتنا، ولا نحن استرجعنا حقوقنا كاملة أبدا ً!


[9] مقارنة
ـ سيدي الذئب ..، هل حقا ً أنت لم تعد تشبه إلا خرافك التي افترستها، مثل المنتصر، لا يقاس إلا بعدد ضحاياه؟
فرد الذئب على سؤال الغراب:
ـ ربما هذا صحيح، لأنني لم اعد أراك إلا مقبرة تحلق بأجنحة موتاها!

[10] الشر أم الأشرار؟

سأل الابن أمه:
ـ أيهما اسبق في الوجود: الشر أم الأشرار....؟
   فزعت الأم وقالت بصوت مرتبك:
ـ لولا الشر لما كان هناك أشرار...، ولولا الأشرار لكان الشر يرقد في حفرته!
ـ آ ...، إذا ً علي ّ أن ابحث عن حفرته، وأخرجه منها، كي اسحق رأسه!
ـ ولماذا تفعل ذلك...؟
ـ كي أتعلم من الشر كيف أصبح طيبا ً، وخيرا ً، وفاضلا ً...!
ـ ماذا قلت؟
ـ  الم تقولي لي: لولا الشر لكنا فضلاء، وخيرين، وطيبين حد الوداعة!
ـ ولكنك، يا ولدي، لست شريرا ً...؟
ـ لو كان كلامك هذا صحيحا ً...، لكنا طلقاء لا نخاف أن تفترسنا الضواري ...، وتركونا نعيش خارج هذه الأقفاص، وبعيدا ً عن أسوارها؟
ـ آوه ...، عليك الآن أن تتعلم: إن لم تفترسهم افترسوك، وان لم تقتلهم، قتلوك!
ـ آ .....، إذا ً لولا الشر لما كان هناك أشرار، ولولا الأشرار لما كان هناك شرا ً...، فلا أسبقية لأحد على الآخر، مادامت اللعبة محكمة حد استحالة معرفة من هو الأول ومن هو الأخير؟

[11] مصائر

    أوقع الفهد الثور الكبير في كمين وراح يضحك، قبل أن يشرع بافتراسه:
ـ الم أخبرك أن مصيرك هو الحفرة؟
    رفع الثور رأسه قليلا ً، ورد بصوت خفيض:
ـ لا فارق...، فإما أن نُدفن في أحشاء البشر...، وإما أن نُدفن في بطونكم!
ـ ما قصدك بهذه المقارنة؟
ـ القصد شريف، كما يقال في أيامنا، لأننا مهما حاولنا تجنب الكمائن، وجدنا بدائلها قد وضعت لنا قبل أن ترى عيوننا النور!

[12] ممرات
ـ لا أريد ممرا ً واحدا ً للجميع...، هل فهمت؟
ـ نعم، سيدي، سأقسم الدرب إلى: ممر للخرفان وآخر للنعاج، ممر للاتانات وآخر للحمير، ممر للسباع وآخر للبوات، ممر للأبقار وآخر للثيران...، بل وسأضع حاجزا ً يشطرهما إلى قسمين لا يلتقيان،  ويفصلهما فصلا ً محكما ً أيضا ً...
   فكر المدير برهة، ثم قال:
ـ لِم َ لا تعمل بنظام العدد، الزوجي والفردي...، وتعلن أن هناك يوما ً للذكور، وآخر للإناث، ويوما ً للكبار وآخر للصغار، يوما ً للعميان ويوما ً للأشد عماء ً، يوما ً للكفار وآخر للأشد كفرا ً...؟
ـ اجل، سيدي، سأفعل، فكلامك أوامر...؟
   صفن المدير لحظات وقال:
ـ ما رأيك أن نخترع ممرات طائرة فوق الأرض، وأخرى شبيهة بالأنفاق تحت الأرض، فلا ندعهم يروننا، ولا نحن نراهم...؟
ـ هذا هو الصواب...، سيدي، حيث سعادتك ستتمتع بالهدوء، ولا ثمة ضوضاء تزعج نزهاتك وأنت تتجول في طرقات حديقتنا الغناء، الخالدة!


[13] سرقة
  بعد أن رأى، بالتلسكوب العملاق، مجرة تلتهم أخرى، بهدوء، قال يخاطب نفسه:
ـ الغريب إنني أمضيت حياتي اعمل بالحصول على بيت صغير..، ولم افلح، والأغرب...، من ذلك، إنني مازالت أفكر بشراء قبر صغير، بحدود جسدي...، لكني  اجهل لماذا كلما جمعت المال المطلوب سرقوه مني!



[14] تعجب!
ـ لم ْ أرك تتعجب...، في عالمنا ـ هذا ـ وكل ما فيه يدعو إلى العجب...؟
ـ وما العجيب الذي يستحق الدهشة وكل ما فيه أما لم يحدث، ليدوم، وأما إني لم اخلق، كي أبصره! فالقصة تماثل من يبحث عن الباب الذي هو بلا مفتاح، وهو يشبه من امتلك مفتاحا ً ولكن الباب لا وجود له!


[15] نشيد الخراب

   وهو يفر من عشه، ويغادر الغابة، بعد استيلاء الجرذان عليهما، وإحكام سيطرتهم على الممرات، والأشجار، والهواء...، خاطب البلبل نفسه:
ـ  قد لا أجد غابة أخرى ...، أغرد فيها ... ولكن، انتم، أيها الجرذان، من ذا سينشد لكم نشيد الفجر...؟
   سمعه كبير الجرذان، فناداه:
ـ أيها البلبل، لا تهرب...، عد إلى عشك، فانا غفرت لك!
   فقال البلبل الذي كان يشاهد جثث الطيور ملقاة فوق الأرض، مبعثرة، وممزقة، وهو يرى الأعشاش قد خربت، وهدمت:
ـ  سأذهب إلى من أرسلكم واخبره ماذا فعلتم...!
ضحك كبير الجرذان:
ـ  بالفعل....، انه ينتظرك، لأنه هو من أرسلني، وهو من أمرني: أن اكتم أصواتكم، وأنا فعلت!
    اقترب البلبل من زعيم الجرذان، وراح يغرد، مما دفع بالجرذان إلى الإصغاء، وقد بدأت تنوح، وتبكي....، فقال كبير الجرذان يخاطبه:
ـ ما أعذب صوتك، وأشجاه،  لكن من منحك هذه الشجاعة، وهذا الجمال؟
ـ إنهما، يا كبير الجرذان، ينتسبان إلى الشجاعة، والى القوة ذاتها، التي كنتم تعملون بها!
ـ إذا ً ... عد إلى عشك، والى غابتك.
ـ وماذا نفعل، بعد أن هدمتم أعشاشنا، وخربتم غابتنا...، ولكن العالم كله سيعرف إنكم فعلتم ذلك، ونحن سنغرد للدنيا بأسرها لعل أحدا ً يسمعنا!

[16] مسافة
ـ ما الفارق بين النتانة، والعطر؟
ـ لا فارق...، إنما هناك المسافة بينهما!
ـ كيف؟
ـ  كلاهما يخرجان من العفن، فمنه يخرج العطر الذي بدوره، بعد حين، يصير عفنا ً!
ـ إذا ً..، بحسب هذا المنطق، لا فارق بين من يعيش من اجل الحرية، وبين من يموت من اجلها؟
ـ  اجل، لأن الحرية لو تحققت وصرنا أحرارا ً فان العبودية تكون قد انتصرت!
ـ إذا ً...، لا توجد اختلافات بين الليل والنهار؟
ـ لا...، لا توجد اختلافات، ففي النهار نكد، ونشقى، كي نستريح في الليل، وما أن يحل الليل حتى نكون بانتظار النهار.
ـ ولا اختلافات بين الأسفل والأعلى..؟
ـ اجل..، لأن احدهما يمجد الآخر، فلا وجود للأعلى من غير الأسفل، ولا للأسفل من غير وجود الأعلى!
ـ إنك ـ إذا ً ـ تساوي بين الوضيع، والنبيل...؟
ـ بالفعل...، لأنه لو كان هناك إختلاف يذكر..، لكانت الحياة بلا وجودّ يذكر، فأنت تموت لتولد، وتولد لتموت!
ـ لم أفهمك، يا سيدي؟
ـ إذا ً عليك أن تراقب الاختلاف الوحيد...، بين هذه الحدود، لأنه لا يكمن إلا في المسافة، بينها، وليس خارجها، والآن سأضطر إلى سجنك، كي تبقى تحلم بالخروج من الظلمات!
ـ آ ....، كم ستدوم المسافة؟
ـ إن أسرعت امتدت...، وإن مشيت بهدوء، ورزانة، ومن غير صخب، فقد لا تعرف كم كانت شاقة، وكم كانت طويلة!

[17] بالروح... بالدم!
    بعد أن استولى الضبع على أكثر أجنحة المزرعة خصوصية، واستتبت له السيطرة على باقي الأجنحة، وتم الاعتراف بزعامته، حتى شاهد الأنصار، والمؤيدين، والمعجبين، ينحدرون من الجهات الأربع، فضلا ً عن الهابطين من الأعالي، والخارجين من باطن الأرض، ومن المستنقعات، ومن المناطق النائية، أفوجا ً وزرافات...، فلم يلفت نظره، كما لفت نظره تدفق الموتى، وزحفهم نحو ساحة العرش، وهم يدكون الأرض، ويهتفون بأصوات بلغت أصداءها حافات السماء:
ـ بالروح.. بالدم ..نفديك يا زعيم..
فلوح لهم بإشارة من يده اليمنى يرجوهم الركون إلى الصمت، مخاطبا ً إياهم:
ـ الم ْ تكلوا... الم تتعبوا...الم تهنوا... وأنا جئت كي أعيد لكم بناء هذه المزرعة ... وليس الموت من اجلها!
   فارتفعت الأصوات أعلى فأعلى، وراح الموتى ينشدون:
ـ  بالدم.. بالروح... نفديك يا زعيم.
   وما أن أدرك استحالة إسكاتهم، ومنعهم من الصراخ، حتى دار بخلده انه مادام لا يستطيع السيطرة على عليهم، فمن ذا باستطاعته أن يسد أفواه الذين لم يولدوا  بعد!
   فقال بصوت أخرسهم:
ـ كفى!
   ثم ابتسم، بعد ذلك، وأمر مساعديه بتوزيع الهدايا ـ والنياشين، وقد راح ـ هو ذاته ـ يردد:
ـ بالروح... بالدم...
ولم يبح لأحد انه كان يجهل من اجل من يموت!


[18]حيرة
     بعد فترة صمت طويلة، سأله ظله:
ـ  وهبناك دكتاتورية الذئاب، فقلت: ألا ترون أن جورها بلغ الذروة...؟ فأعطيناك ديمقراطية الضفادع حتى صرخت: ألا تشاهدون ما حل بنا...، حيث البرغوث فتك بالماشية، والفئران استولت على بيوت الأنعام،  والتماسيح فرت مذعورة.. فأرسلنا لك الشفافية لعلك ترضى، فقلت: ألا ترون ماذا فعلت الأرانب بالنمور، وكيف فرضت العقارب سلطتها على الدواب، فهربت الأسماك، وهاجر الطير. فماذا تريد؟
   فكر  قليلا ً وأجاب ظله بشرود:
ـ  وهل كنت تجهل ما أريد؟
ـ ...
ـ الم أكن أريد أن لا أريد!
وأضاف بصوت شارد:
ـ  فانا كنت لا أريد إن أكون عبدا ً  عند العبيد، كما لم أكن ارغب أن أرعى قطيعا ً من الماشية، مثلما لم أكن أود أن أصبح مهرجا ً أتبختر فوق الحبال!  
   وراح يتمتم مع نفسه بصوت شارد:
ـ فما كنت ابحث عن نصر انتزعه من احد، وما كنت ابحث عن خسارة نهايتها وضعت قبل أن ترى النور!
  فسمع ظله يخاطبه:
ـ أسرع، أسرع، فانا سأقودك إلى الأنوار التي لا تسمح لك برؤيتي، ولا أنا فيها سأراك! آنذاك لا تجد سؤالا ً ينتظر إجابة، ولا إجابات تنتظر أن تضع لها أسئلة!

[19] المزيد
   لم تعد الملايين تفكر بالساعات التي أمضتها وهي تصغي إلى خطاب سيادته، وما إذا كانت قد تعبت، أو شعرت بالإنهاك، أو الملل...، بل كانت، كلما لوح لها بنهاية الخطاب، تهتف راغبة بالمزيد...
   فاقترب مساعده منه، وسأله ما إذا كان بحاجة إلى قسط من الراحة، أو فترة من الهدوء، فأجابه بصوت صارم:
ـ اذهب واسكت أصوات هؤلاء الذين لا أراهم، وهم يطلبون المزيد!

[20] فأر
   رأى الفأر الصغير الأفعى تبتلع فرس النهر، ثم، تبتلع تمساحا ً، بعد أن شاهد أنيابها تمسك بفيل كان يحاول الفرار...
فقال الفأر يخاطب نفسه:
ـ إذا كنت نجوت من هذه الأفعى العملاقة...، وأنا احتمي بثقب في الأرض، فلا مناص إنني سأموت جوعا ً...، داخل حفرتي...
    سمعته الأفعى، وهي تجلجل بالضحك والقهقهات، وقالت له:
ـ يا فأر ...، تستطيع أن تتغذى على ما طبخته لك، وهضمته، في معدتي، فمن العار علي ّ، بل كل العار، أن اجعل منك ضحية!
ـ آ... ، الآن عرفت لماذا نجوت!
Az4445363@gmail.com
16/2/2016

الكتب الأكثر تأثيراً في العالم

الكتب الأكثر تأثيراً في العالم: «يمكن رمي كل شيء إلا الكتب». هكذا سيجيبك عشاق الكتب ومقتنوها من قراء وباحثين.كانت الكتب في الماضي البعيد تساوي ثروة محترمة. وتتجلى في أهميتها أو مصادرها أو ندرتها. قيمة الكتب وصلت في بعض البلدان والأزمان إلى مكانة سحرية غريبة حكت عنها الحكايات والأساطير. وكان الحصول على مثل هذه الكتب امتيازا قد يمنح صاحبها مكانة اجتماعية مهمة. وحتى اليوم وإن كان

السبت، 20 فبراير 2016

أطروحة دكتوراه حول العلاقة بين النقد والمنجز الفني-مكية الشرمي/ تونس ـ صفاقص: كلية الفنون التطبيقية


أطروحة دكتوراه حول العلاقة بين النقد  والمنجز الفني

أصول العلاقة بين التنظير و الإنجاز الفنّي في تجربتي كلّ من شوكت الربيعي و عادل كامل

مكية الشرمي/ تونس ـ صفاقص: كلية الفنون التطبيقية

تمهيد

        يظهر لكلّ متتّبع لمراحل تطوّر الفنّ التشكيلي العربي، أنّ نقطة الانطلاق الحقيقية للتجديد، بدأت مع بواكير العقد الأوّل من القرن العشرين المنصرم، وظهرت مع بدايات الفن الحديث ومع تطور التكنولوجية تطوراً معقداً وسريعاً معتمدة تقدم علوم الفيزياء الحديثة الالكترونية بالخصوص، وعلم البيولوجيا، وقد تبلورت ونضجت إبان فترة الثلاثينات والأربعينات، نتيجة لتأثيرات موضوعية و ثقافية و تحوّلات  اقتصادية.
 إذ كانت تلك الفترة التاريخية تمثّل أكثر المراحل نشاطا وحيوية وازدحاما بالمتغيّرات في بنية المجتمعات العربية، و لم يخلو ركن من أركانها من نداءات الاستقلال والحريّة، بالتخلّص من سيطرة الاستعمار، ليس في الجانب السياسي فقط، بل شمل أيضا محاولة التخلّص مما فرضته النظم المستعمرة على هذه الشعوب في كلّ المجالات الاجتماعية و الثقافية و التربوية، و التشكيلية.
فقد شهدت المحاولات الفنّية العربية منذ بداياتها نوعا من الاتساق من خلال دعم المؤسّسات العربية الذي كان مؤثّرا في نشوء حركة تشكيل جديدة، بل سببا في نموّها و تطوّرها، و لم تكن التجارب الفردية تؤثّر لوحدها في خلق مثل هذه الاتجاهات الفنّية  لتفرض قواعدها في عالم ثقافي تشكيلي جنيني، إلاّ أنّ معاودة فحص و تقلّب  ونقد أساسيات و طروحات و مسارات هذه الروافد الرائدة بظروف نشأتها  وتركيبتها، حاولت ربط الصلّة مع الذاكرة التشكيلية العربية منذ بداياتها وهي تدخل عصر الحداثة الذي تميّز بالتراكمات و بنوع من التضاد عبر مفاهيم تشكيلية مشحونة بأحاسيس حيّة بعيدة عن رتابة إيقاع الموروث الخامد، غير الجوهري، الذي اتّسم بالسكونية و التكرار و انحسار الابتكار، و ضمور المقدرة الخلاّقة عن الإبداع،  وشيوع حالات التقليد، الذي أدّى إلى الانحسار و رتابة المنتج الفنّي.مكية الشرمي/ تونس ـ صفاقص: كلية الفنون التطبيقية
لمتابعة الموضوع يرجى النقر على الرابط ادناه:

http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcFc6N

أختام*- عادل كامل












أختام*





 عادل كامل

[16] قيود
    يتصدى الكاتب العراقي عبد الرزاق الجبران، لإشكاليات لا تخفي المعنى المشفر (للسلطة)، ولا تتوقف عند نشوء النظام الهرمي، حيث الهرم/ الزقورة/ والمعابد بصورة عامة/ والحتميات التي قادت إلى نخب في الأعلى، وأخرى في القاع ـ وتحته ـ، حيث الأولى تتكفل بصياغة التصوّرات، وتشريعها، فوق الأرض، والثانية، لا تمتلك إلا الاستجابة ـ قهرا ً ـ وبقوة العادات، فحسب، بل لتجديد القدرة على إعادة تفكيك الموروث برمته، وصياغته برؤية تهدم التاريخ من أعلاه إلى أسفله. وهو غير راديكالي، ولا معارض عنيد، في نبش هذا المدفن ـ مقابر الحضارات ـ أو واقعنا الشرقي/ الإسلامي، والعراقي، مرورا ً بالأقاليم العربية، كي يكون معنى الموجود ـ في الوجود ـ هو العبور من أحكام النظام الهرمي، نحو تحرير القاع ـ المحيط، من ظلماته، وما أصابه من قهر، وخراب.
   فبدل أن تمنع كتبه، وبدل أن يطارد، ويستهدف، ويقام عليه الحد، لأي سبب من الأسباب، فان الحكيم السومري، قبل خمسة آلاف عام، وضع إجابة تقول إن الإله أعلى من أن يكون (عاليا ً) وان الإنسان موضعه الأرض وما تحتها، فهو من الوحل وإلى الوحل يعود. هذا التصور استثمرته المعتقدات الحديثة، ولكن، بوضع مسافة، لا لتحرير الإنسان، بل لتكبيله بقيود إضافية، بلغت حد برمجته كرقم. انه نظام العبودية القديم، الزراعي، والجماهيري في عصر الثورات الصناعية الأوربية، باستحداث مناهج التفكيك، في عصر العولمة ـ السوق الحر ـ وسيادة الأنظمة الشمولية، بأقنعة تماثل التصورات السابقة، للحفاظ على الهرم ـ وقاعدته، على نحو أكثر إحكاما ً، وجبرا ً. 
   وفي تصوري ( وأنا اجهل مدى تحرري من البرمجيات وأثرها في ّ)، إن الجبران، ككل الرموز التي استعان بها، قبل محمد، ومع علي وبلال والفارسي، وبعد ماركس، مع غاندي، يعيد البحث في مفهوم (العدالة) ولماذا مكثت لا تجد تطبيقا ً موضوعيا ً لها، الأمر الذي حتم ديمومة التعارض، والاختلاف، واستحالة وضع نهاية له مادامت مقدماته، في الأصل، لا تمتلك عللها، إلا بحدود أدواتنا، اللغة، مما جعلها نائية، كوجود الإله، لا يصح أن يلقى هذا الاهتمام، بأدوات ما هي إلا حجابات، أصلا ً، لأن المحدود، الممثل لرأس الهرم، سيمارس غوايته، وأقنعته، في تعزيز تصوّراته ـ وأوهامه، لا من اجل الذي هو خارج التصورات، والحجابات، والمسافات، بل من اجل حفظ النظام الهرمي ذاته.
    إن تصوّرات الجبران، اللاشعورية (وربما التي تعمل باليات اللاوعي التي تتحكم بها الأنظمة الجينية) جعلتني أعود وأتفحص أقدم سلطة تشبث بها الصياد، في كهفه المحصن، فهناك، في زمن سحيق، قبل مليوني عام، وصولا ً إلى المائة ألف الأخيرة، كان الكهف، هو الهرم الذي تتوفر فيه متطلبات قيادة المجموعات الأولى: السحر، مع النار، وأدوات القتل، ومخلفات المعادن، والدمى، والدفن، والرسومات فوق الجدران ..الخ، كأدوات للسيطرة، بما تمتلكه من مهارات أنتجتها الرهافة، الأصابع والقلب ولغز عمل القشرة العليا للدماغ ـ بما تمتلكه من مخلفات عصري: الثدييات، والزواحف، حيث، للمرة الأولى، تتبلور تصورات باذخة، مترفة، حساسة، ميزت هؤلاء الصيادين ـ المحترفين، بإنتاج افتراضات بحدود خبرتهم، وحدوسهم، بما فيها من مقدمات للمشاعر ذاتها التي سيمتلكها (الفنان)، إن كان موسيقيا ً، أو عالما ً، أو مستشرفا ً لكل ما هو في عالم المستقبل (الغيب)، أو اللا وجود، التي بلورت أكثر الأسئلة إحراجا ً: لماذا الموت؟ كي يقود قلق الموت، إلى لغز التكوين: الخصب، من ثم للعثور على معادلات يكمل فيها الليل النهار، والموت الميلاد، عبر تداخل الأضداد، عبر دورات محسوبة، أو عبر استقصاء مناطقها غير المكتشفة.
   كان ذلك الهاجس، هو، تحديدا ً، لخص فقدان (أقدم ملكية/ أقدم رأس مال) ـ الجسد ـ متمثلا ً بالمتراكمات، أي، ببساطة: السلطة، مما تطلب اختراع آليات لديمومة كل هذا الذي لا يمتلك إلا زمن زواله ـ وحتمية غيابه، عبر التحولات، أو الحلول، أو ـ بحسب كتاب الموتى المصري ـ الثواب والعقاب في العالم الآخر.
    ولم يكن بناء هذا المعمار إلا نتيجة مهارة استثمرت رهافة الحواس، وطاقات الدماغ، عبر الأخطاء، ومعالجتها بأدوات تطلبت التعديل، وصولا ً إلى إدراك إن الحرية، كمفهوم، ليست مطلقة، بل ما هي إلا أداة (بخزينها المركب للخبرات الافتراضية المتخيلة) لصياغة قيود، تتطلب الكسر، كي تمثل الحرية، هنا، سحرها، في مواجهة المستحيل: العدالة ـ أو المعنى الذي لا يتأسس على تاريخ يصبح الجميع ضحاياه.
    فالنماذج البشرية الأقل تعسفا ً، إن كانوا في مراكز السلطة، أو في القاع، كانوا قد أعلنوا عن تخليهم عن ممتلكاتهم، بل وعن أجسادهم، من سقراط إلى المسيح، والى الانتحاري الذي يعانق جلاده، وليس الإرهابي الذي يحتقر جسده، وأجساد الآخرين، كي يمتلكوا ذائقة المتصوف، بتخليه عن الجنة ذاتها، وذائقة الفنان المهموم بعالم اقل عشوائية، قبحا ً، وبهاجس المفكر ببناء منهجه النقدي ...الخ، فهنا تتبلور سمات (الرهافة) بالتعرف على عالم لا يمتلك إلا سلاسل من التحولات، التصادمات، والإنذارات. فالمستحيل، في الأخير، يواجه بالمستحيلات، مما يجعل العدالة، الجمال، والشفافية، مفاهيما ً ذهنية، نائية، كالذي لا تدركه الأبصار، ولا تدركه اعقد تقنيات الرصد.
    فإذا كان هؤلاء القلة من المهووسين بالعدالة، وبهدم نظام الهرم، مقارب للاشتراكية، بمعناها، وليس بأقنعتها، يمتلكون رهافات الفنان، فان مقترحاتهم، عمليا ً، ستواجه أما بإعادتها إلى النظام ذاته، الذي أنتجها، أو إلى الجحيم. فهي تصوّرات رقيقة، وباذخة أحيانا ً، لا تؤدي سوى ما تتطلبه الديمومة، وليس باستطاعتها أن تغادر قيودها، حتى بالموت.




تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة، وهو الختم السابع.


الجمعة، 19 فبراير 2016

أنقذوا قشلة كركوك!- د. أحسان فتحي



أنقذوا قشلة كركوك!


     د. أحسان فتحي


علمت قبل أيام بانهيار جزء من مبنى قشلة كركوك التاريخية بلغ طوله 12 متر مما يهدد أيضا بانهيار أجزاء أخرى منها ما لم تتخذ إجراءات فورية لترميمها. ويرجع بناء هذه القشلة العسكرية الى الوالي نامق باشا في 1863 عندما كان واليا لبغداد. ويبدوان القشلة قد تعرضت الى تغييرات عديدة منذ تشييدها لان المبنى الحالي هو عبارة عن مبنى على شكل حرف (ال بالانجليزية) وليس على شكل بناية مربعة أو مستطيلة تحتوي على باحة داخلية مفتوحة كقشلة كويسنجق او المقدادية أو القشلات العثمانية المنتشرة في جميع المدن الرئيسة العراقية. وقد تعرض اغلبها الى الهدم المباشر من قبل السلطات البلدية الجاهلة ولم يتبق منها الى عدد قليل جدا.  اعتقد بان الجزء الشمالي وجزء من القسم الغربي قد زالا مع الزمن.
تبلغ المساحة المبنية حوالي 2000 متر مربع موزعة على طابقين فيهما حوالي 35 غرفة في كل طابق مع قاعات كبيرة بعرض 11 متر وطول 24 متر، ومدخل رئيس يقع في الواجهة الجنوبية المطلة على شارع الأوقاف في المدينة. وتتميز الجدران الخارجية بوجود عشرات الدعامات الحجرية المائلة الجبارة مما اضفى عليها طابعا قلاعيا منيعا. ام من الداخل فهناك رواق لكل طابق بأعمدة مربعة في الطابق الارضي ودائرية في الطابق العلوي، وأقواس مدببة مشيدة بنسب متقنة ومسقفة بعقود مدببة ايضا. وقد قامت المؤسسة العامة للاثار والتراث بترميمها وصيانتها في الفترة 1989-1990 واستعملت كمتحف للمدينة الا انها اهملت بعد 2003 وسبب هذا الاهمال والأمطار الغزيرة في انهيارها جزئيا. ان محافظة كركوك ووزارة الاثار والسياحة العراقية وكل الجهات المعنية الأخرى مطالبون باتخاذ ما يلزم لترميم هذا المبنى التراثي الهام وحتى اذا استوجب الأمر بتجميع التبرعات من أثرياء المدينة وتجارها وسياسيها الذين طالما شاهدناهم وهم يتباكون على مصير المدينة. إن الأمر لا يحتمل التأجيل فالترميم يجب ان يبدأ باسرع وقت ممكن.
لنرى، فهل ستتحرك الضمائر وتتفتح الجيوب السمينة؟  ام ان الحجة هي جاهزة مسبقا وهي عدم وجود التخصيصات؟

معماري متخصص في الحفاظ على التراث  *         


الأبيض إكسسوار الروح... والرقص انتشاؤها-- مؤيد داود البصام




الأبيض إكسسوار الروح... والرقص انتشاؤها

                                                -  مؤيد داود البصام 

  أسماء مصطفى.الممثلة والمخرجة .

       تعتبر الفنانة أسماء مصطفى، من الفنانين الذين لهم حضور على خشبة المسرح الأردني، وحازت على عدة جوائز لأدوارها، كان آخرها مسرحية ( صبح ومسا) للمخرج غنام، وهي وان عملت مع الفنان المخرج غنام غنام في أهم مسرحياته ، إلا أن لها شخصيتها المستقلة على صعيد الأداء، وإن أختلط الحلم بينهما فناً وحياتاً، وكانت أولى تجاربها لارتقاء خشبة المسرح مع الفنان العراقي المخرج سليم الجزائري،  في مسرحية ساحر أور، ثم قدمت أعمالاً إلى جانب تمثيلها في مسرحيات متعددة ومتميزة،  ففي عام 2009 أخرجت أول عمل مسرحي للأطفال،  وأخرجت عام 2010 أول مسرحية للكبار، وهي مسرحية (سلَيمى ) ، ولم يقتصر عملها على الإخراج،  بل قامت ببطولة المسرحية، وكتبت نصه الذي ولفته من ثلاثة نصوص،  وهي مسرحية (انتيجونا) لسوفكليس الإغريقي، وكتاب (نسيم الروح) للحلاج، ومن ديوان محمود درويش (حضر الغياب)، وخاصة قصيدة ( لاعب النرد )،  لتخرج بنص مسرحية (سليمى )، وهي موضوعنا .
  النص بتحولاته الثلاثة
       الخ.مسرحية انتيجونا لسوفكليس، مساحة واسعة في عروضها العالمية، وأعاد كتابتها الكاتب المسرحي الألماني برتولد بريخت، لتعبر عن وجهة نظره، وقدمت برؤى متعددة، ومثلت في سياق تأويل رؤية المخرج الذي يقدمها، ففي الأرجنتين عرضت لتعبر عن الآلام التي تعانيها الأمهات وثورتهن في ميدان ( دي مايو ) وهن يحملن صور أبنائهن الذين اختفوا على يد الحكومة الأرجنتينية المرتبطة بالمخابرات الأمريكية، وما قامت به من تعذيب وقتل واختفاء لأولادهن،  وبرزَ العمل نضال النساء الثائرات ضد الظلم والقوانين المتعسفة لقهر الشعب، فالمسرحية بما تحويه من أفكار تحمل الصرخات الإنسانية ضد الظلم بصوت انتيجونا،( ولدت لأحب لا لأبغض )، وهي قابلة لان تقدم هذا التفسير في حالة الثورة والتمرد على القوانين الجائرة، والحاكم الظالم في إي وقت وعصر،  فانتيجونا تحدت السلطات ورفضت إن تذعن لها بعدم دفن جثة أخيها، وضحت وذهبت مختارة للموت لإنقاذ روح أخيها، وقدمت المسرحية على خشبة اغلب المسارح العربية برؤى مختلفة، ومنهم من أخرجها كما هي حسب كلاسيكيات المسرح دون إضافة أو تأويل ومنهم من قدمها بتأويل وإخراج حدا ثوي، أما شهيد التصوف الإسلامي الحلاج، (كما سمته وخلدته الأدبيات)، الذي أكتسب شهرة واسعة لأنه حوكم جوراً ونفذ فيه حكم الموت بصورة بشعة، لموقفه من السلطة الحاكمة بصورتيها المدنية والدينية، فقد عبر في أشعاره أو أقواله، عن الوله في العشق الآلهي، والذوبان  شوقًاً للقاء المطلق، ومجد في أشعاره الحب والتوق لحياة الآخرة، مفضلا إياها على حياة الدنيا الفانية،  واقتبست أقواله من كتاب ( نسيم الريح ) ، وإذا جاء التوليف الثالث من أشعار محمود درويش الشاعر الذي شكل مراحل ومتغيرات متعددة في شعره على مدى عدة عقود من حياته الزاخرة بالعطاء، وروح التمرد التي حكمت شعره على كل ظلم، كان آخرها بما أتسمت أشعاره بالرؤية الفلسفية الوجودية للحياة، ومقارباته المبنية على الالتزام الإنساني للمصير البشري، وتجد في إشعاره إلى جانب الرؤية الفلسفية، لفكرة الحياة والموت والنصر والهزيمة، الإيحاءات والإدخالات  للموروث والتراث الشعبي والأساطير، وحسب رأي كاتبة النص والمخرجة فإنها وضعت رؤاها على أساس وحدة المصير الذي ارتبطت به نظرة الشخصيات الثلاث إلى  قضية الحياة والموت فتقول ( من هنا جاءت التوليفة بين تلك الشخصيات وما يربطها من قواسم في فلسفة الحب والحياة وعشق الموت، والثلاث ذهبوا باختيارهم لقدرهم )، وقد اختارت شخصية (سليمى) لتكون بديلا عن انتيجونا، وتنطق بما قاله الحلاج ودرويش، في ثنائيات إنسانية متعددة، الحياة والموت،  الحب والكره، العدل والظلم...الخ .
       الإخراج        
       اتكأت المخرجة في بناء فضاء العمل على التجريد، في محاولة لإعطاء إبعاد الرؤية الفكرية، لرؤى وفلسفة النصوص التي أخذت منها، وجرها على الواقع الذي نعيشه، ضمن مفهوم ( حياة المرء منذ خروجه من رحم الموت حتى رجوعه إليه مرة أخرى )، تبدأ المسرحية بمشهد بصري، يصور خروج الإنسان من الرحم،  (قبره الابتدائي)، وتنتهي بعودته إلى القبر بعد حياة حافلة بالعذابات والتساؤلات من جدوى الرحلة، تبدأ الحياة بصرخة الطفل خارجا من سجنه وتنتهي بصرخة الوداع، " من الموت إلى الموت " ، وبما أن النص يستند أساساً على نص للمرأة  قوة الحضور، اهتمت المخرجة بمنح المرأة هذا البعد الدلالي، الذي هو ثمرة الثقافة الحداثوية، فعالم المرأة عالم الخيال والسحر والأحاسيس الخفية، عالم تتوق فيه المرأة للتمرد على القيود التي تكبلها، فجاء متوازيا مع توق البشرية للتمرد على قيود الجسد للانطلاق نحو المطلق، فأخذت جسد الممثل التمثيلي لتدمجه بالحركة المليئة بالطاقة، كما تأخذ بها الطرق الصوفية وبالذات الطريقة الملوية، التي تجعل الراقص مركز العالم وكل شيء يدور من حوله، وليس كما نتصوره في دورانه، وكأنه هو الذي يدور حول الأشياء، ففي حركته يعزل الجسد، وتتحرك الروح للاتحاد  مع الكون فلا يعود للجاذبية حكم عليه، وفي هذه الرقصة التي تمثل ألتوق للانعتاق وتحقيق النشوة للوصول إلى المطلق، يمثل الرقص الدينامكية المحركة لهذا الشوق، وقد اعتمدت المخرجة هذا البناء في مسرحيتها، وجعلت الكلمة منفصلة تأتي من البعد المادي للمؤدين، وكأنها تأتي من عالم الروح الخارج عن سلطة الجسد، في محاولة لاستكمال العناصر الرمزية التي حاولت خلقها، فكان لحركة الجسد الفيزيائية أهمية كبيرة في خلق هذه الأجواء، كما أنها استخدمت الديكور المعبر عن الرحلة التجريدية للحياة، بان جعلت كل شيئا بسيطا، وأخذت اللون الأبيض لون الروح بشفافيتها ونقائها، لينسجم مع نشوة  الرقص، استطاعت المخرجة أن تقدم عملا ، تحرك فيه روح التساؤل والفعالية الجمالية، وظلت الأسئلة التي تؤرق الإنسان، هي المحور في العرض . أشترك معها في تقديم العمل، (تأليف موسيقي) مراد وجوزيف دمرجيان، موسيقى عبرت عن الفهم للروح الصوفية لحراك المسرحية، كما نجح محمد الرواشده في التواشك بين إشاعة روح النقاء بالبياض والإضاءة البسيطة ولم يغرق السنوغرافيا في ألوان السبوت لايت، وكان  الغناء بصوت مي حجارة، ومحمد طه إيقاعات مع سليمان الزواهرة، إضافة لمشاركة الفنان ياسر المصري الذي سجل إشعار درويش بصوته، حضور واضح في البناء التعبيري الذي عمل عليه الجهد الإخراجي، مع عموم السنوغرافيا .

وجهة النظر في النص والإخراج 
       إذا أخذنا النص بتوليفته بشكل عام، فهو محاولة للربط بين عصور مختلفة ولمجتمعات مختلفة، ولكنهم يشتركون في البحث بنظرة واحدة إلى قضية وجود الإنسان، في مسألة الحياة والموت التي أرقت البشرية ولم يصلوا بها  إلى حل، ولكننا إزاء اختلاف وجهات النظر في توظيف هذه الحقيقة بين كاتب وآخر، فإذا كان سوفكليس وظفها لأجل التضحية والإخلاص والتحدي، والوقوف ضد الظلم، مع صرخة انتيجونا "( ولدت لأحب لا لأبغض )، فان الحلاج نظر لها من زاوية مختلفة، هي انعتاق الروح من الجسد للوصول إلى المطلق، لأنه يرى الدنيا زائلة والآخرة باقية، لهذا فان أفعال الروح محكومة بإمكانية قوة الإرادة والإيمان وإلا وقعنا بالخطيئة إن لم نحسن التصرف، والحب الآلهي والتوحد معه هو الذي يجنبنا الانزلاق، وهذا التوحد يغمر الإنسان بفيض، لا يعود للأشياء المادية مكانا لها قي وجوده، حيث يقول " يانسيم الريح قل للرشا \ لم يزدني الورد إلا عطشا \ لي حبيب حبه وسط الحشا \ لو يشاء يمشي على خدي مشى ". في الوقت الذي تتمثل الرؤية الدرويشية المستقاة من وجهة النظر الفلسفية الوجودية للحياة، الفلسفة التي تمجد وجودية الإنسان الفرد، كونه المكون لمعنى وجوهر حياته، ويملك حريته الفردية في تقرير مصيره، وأكدت على قابلية الإنسان على الثورة، لأنه يعيش أزمة عصره، لوجوده في عالم القهر والاستلاب، ولعدم أمكانية أن يخرج من هذا الانغلاق الذي وضع فيه،  فان الثورة ولدت للرد على هذا القهر، ولتوكيد قدرة الإنسان على مقاومة العدم، وهو ما يوضحه الاستشهاد الذي أخذته من الجدارية لدرويش، " هذا البحر لي \ هذه الهواء لي \ لي جسدي المؤقت \ حاضرا أم غائبا \ متران من التراب يكفياني ألان \ التاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطاله \ يلقي عليهم نظرة ويمر" ،  إذن لدينا ثلاث وجهات نظر لمسالة واحدة، وأن كتب المفكر الراحل عبد الرحمن يدوي، بحثا في البرهان لإثبات إن الوجودية هي شكل من إشكال التصوف، بأنساقها التي ظهرت فيها على أكثر من صعيد ومنطق ومكان، وهو ما حاولت كاتبة النص توليفه ليعطي معناً واحداً، ولكن الرؤية المضببة في هذا التطابق،  لم يتحقق على صعيد النص، ولم يستطع النص أن يوصل لنا ما أرادته كاتبته، في قولها، " الحقيقة الوحيدة هي الموت " ، وهي مسلمة لا يختلف عليها اثنان، ولكن ما تعني في منظورها الآني، هل هي دعوة لاستمرار الثورة ضد الظلم، أم أطروحات الرأسماليين وقادة ما بعد الحداثة، بقلب الأمور وجعل نضال الشعوب والأمم إرهاب، وما تقدمه الدول الإرهابية وقادتها القتلة، هو الديمقراطية والحب والسلام تحت مظلة الرأسمالية، فجاءت العبارات متداخلة متباعدة المنطلق، ولم توضح الاتجاه الذي تصب فيه، وهو ما جعل العرض لا يمنحنا الغ الشكل، وهو ما حاولت المخرجة من سد هذه الثغرة بتكثيف حركة الجسد على العبارة المنطوقة وجعلت العبارة، تحاور الفكرة من خلال الأغنية والصوت الخارجي، ولكن البعد الدلالي للحركة الجسدية، حكمته انطلاقتان رؤية الحلاج الانعتاقية الروحانية، وفكرة الثورة ضد الوقائع الحسية لانتيجونا ودرويش، وعلى الرغم مما بذله الراقصين، حنين العوالي، أسامه المصري ,حنين طوالبه، ريما دعيبس، علاء السمان وعبد الله العلان، ألا إن هناك ضعفا في الانسجام في وحدة الحركة بين المجموعة، التي حاولت المخرجة أن تبرزها كنص يمثل وحدة الحال، أو كحركة لتثبت المعنى التعبيري الذي اشتغلت عليه، فعندما بدأت أغنية سُليمى في الدقيقة تقريبا الثلاثين، عادت الفرقة الراقصة إلى نقطة البداية في حركاتها ولم يتغير إلا حركة الممثلة الرئيسية، فما المعنى التعبيري الذي أراده الإخراج، إن لم يلخص لنا ما توصل إليه في نهاية الثلث الأخير للعمل، لفهم الرموز وتطابق المعاني للنصوص، فما هو المعنى الرمزي إذا عادت بالتعبير إلى نقطة البدء ؟ كما أن الممثلة الرئيسية استحوذت على المسرح وأضعفت الممثل المقابل لها (بلال الرنتيسي ) على الرغم مما بذله من جهد ليجاري الممثلة الرئيسية، فهي قدمت جهدا رائعا، ولكنها أخذت من مساحة زميلها .
الخلاصة 
      أن وجهة نظرنا في النص والإخراج، لا تحل محل الجهد الرائع الذي بذل في العمل من قبل الفنانة أسماء مصطفى وجميع العاملين في المسرحية، على صعيد النص أو الإخراج أو التمثيل أو الراقصين وبقية مكملات المسرحية، فالعمل جدير بالملاحظة والاهتمام، لان الفنانة أسماء مصطفى طرقت بابا ليس من السهل الولوج إلى داخله ، فالثلاثة الذين أخذت منهم،  يشكلون رؤى إشكالية على صعيد المعنى والرمز، على مدار قرون وعقود كفلسفة حياة، أو معاني رمزية، لوجود الإنسان وصيرورته، وهي النقطة التي يمكن أن تعطي أكثر من معنى ورمز، ومن الصعب حشرها في أفق ضيق، لان فيها أتساع لا محدود . 



أسماء مصطفى.الممثلة والمخرجة .