الأحد، 3 أبريل 2016
العشوائيات تزدهر! - نبراس هاشم
العشوائيات تزدهر!
نبراس هاشم
كثيراً ما نحتاج الى حالة قلب موازين الذات لنصحوا لذاتنا ( قد تكون فلسفة) لكنها واقع ، نتحرك به واقصد الكائنات الحيه جميعاً كخلايا الماء وللحظه نصاب بالملل وحاله أشبه بالأزمات النفسيه وتصدر الابتسامه منا وكأنها واجب كالأكل للانقياد الى الحياة ، بل أصبحنا نبحث عن احداث تقلب موازين الذات كي تسرقنا من وقائعنا البصيره لانها تقودنا دون خيار .. صدمات تعيقنا عن الانجرار الى الامام دون خيار كالموت ونحسد من يموت ونتحمس لهذه الفكره كما ذكر المتنبي ( فطعم الموت في امرٍ حقير - كطعم الموت في امرٍ عظيم ) فالوجهان لعمله واحده ، لا لون لا طعم لا رائحه لانه محتوم ... هكذا احداث لاتتوقف عن حدوث ( آكشن ) في النفس فننقاد لفعل كل شيء حتى نجد ما يهز كياننا لنتخلص من محركات ذاتيه لا مركزيه ، وانا أتأمل ذكرياتي على نهر السّن والأضواء وحماس الناس للوقوف على احد الجسور ومطالعة الغروب لان الغروب هناك كل يوم بجمال خاص تأتيني فجأة احدى الاخبار في أذني توحيد وزارة الشباب والرياضة مع الثقافه والسياحة فالآثار .. وكأني اسقط من احد جسور السّن على صخرة الموت في الروشه .. طيب هل سيلعب المثقفون اثقال في كتبهم ام فرشاتهم بالنسبه للرسامين ام في رأس أشور او يطيرون بالمرثون على اجنحة ثور مجنح او ربما الأصح لا حاجه لوزارة الثقافه لان كما نذكر دائماً لا ثقافه بعدك أيها المستعصم يروي التأريخ الكثير وقرأنا فيه الأكثر والبعض منه يعاد بقصد وقصد مؤلم .. هل سأدخل المتحف العراقي التأريخي ببطاقة 3&1 مثلا ، فعلاً هذه الخبطه تذكرني بأكله يعشقها أبناء بلدي ( العراق ) (( انا ألقتها )) اسمها الدولمه لانها تحتوي على كل الخضروات والرز واللحم و و و البهار حسب الرغبه ، لكن طباخ هذه الخبطه يبدو يتذوق البهار المختلف عن بعضه مثل الالوان contras المتضادة حتى يحدث صفعه قويه تذهل المتذوق او اللاعب او الفنان او الأديب او يجعل المسرحي يسير على عيدان الموازنه هي ايضاً من دروس المسرح ... فكل شيء مهم في هذه الخبطه الكرة والجمباز وتدريسه والكانفاس والقلم والكامرا ورأس أشور ومسلة حمورابي وقيثارة عشتار وكرة السله والطائرة ... والتأمل على نهر السّن الدافئ!
قصة قصيرة- بقع سوداء فوق أثير ابيض!- عادل كامل
قصة قصيرة
بقع سوداء فوق أثير ابيض!
عادل كامل
لم ْ تعد أسباب نشوب الاضطرابات، وتحولها إلى حرب مستعرة، تدور ببال احد؛ لا كيف تحولت الفتنة إلى صراع، ولا متى اتسعت المواجهات لتشمل الجميع، بعد أن اكتسبت مظهرا ً منح الطرفين قدرات نادرة على رفض أية تسوية، أو مصالحة، بعد أن صارت الأسئلة متداخلة بنتائجها، حد استحالة وضع مسافة بين لماذا وكيف، مما أضفى على المشهد غموضا ً بهيا ً سرعان ما اكسبه علامات البسالة، الفخار، والمجد.
لم يدر بخلد فصيل الأرانب ذات اللون الأسود المرقط بالبقع البيضاء، انه يمتلك أحقية بالهيمنة، والنفوذ، مادام فصيل الأرانب البيضاء المرقطة بالبقع السوداء قد ازداد حنكة، صلابة، وتجلدا ً في مواجهة ادعاءات لم تدحض، وغير قابلة للردم، بالوسائل المتعارف عليها، بينهما، رغم إنها جمعت طرفي النزاع، على مدى قرون طويلة من الزمن، في مساحة من الأرض شملت باقي الفصائل، والأنواع، وفي الحديقة ذاتها ومن غير تغيرات تذكر، لا في حدودها، ولا في تضاريسها أيضا ً. فالطرف الأول وجد مصيره مربكا ً ومشوشا ً بظهور زعامات ادعت أن اللون الأسود يمتلك أحقية بالسيادة، النفوذ، والسيطرة، بعد سيادة الأرانب ذات اللون الأبيض بالبقع السوداء، بينما فند الفصيل الآخر بتبني نظرية تزعم إن الأصل لم ينشأ إلا طليقا ً، خاليا ً من الشوائب، فرد زعيم الطرف الأول قائلا ً إن فصيله لم يختلط قط بالفصيل الآخر بعد مضي قرون من العزلة، رغم تداخل الممرات، الحفر، الشقوق، بينهما، فرد زعيم الأرانب ذات اللون الأسود المرقط باللون الأبيض إنها محض افتراءات، وتهم باطلة، لا أساس لها من الصحة، لأن الاختلاط لم يجر إلا وفق مصالحة واهية، هشة، وآن لها أن تسوى باسترداد الحقوق، وعدم التنازل عنها، فرد الطرف الآخر مؤكدا ً إن الموت ليس إلا ثمنا ً بخسا ًويسيرا ً لتعزيز كل ما يدحض خلط الأزمنة بالمساحات المستلبة بقوة السلاح، من المياه والفضاء والسهول....، من الشقوق والكهوف وباقي الأجزاء...، الأمر الذي دفع بالاختلاف إلى خلاف، والخلاف إلى جدل، والجدل إلى عراك، والعراك إلى مذابح، مما سمح لكافة القوى المستترة، المخبأة، والمدفونة، الخاملة، بالبزوغ والظهور عبر هجمات كانت تجري إبان اشتداد العواصف، وأثناء هطول الأمطار الغزيرة...، فكانت المعارك تخلف المزيد من الجرحى، والمعاقين، والضحايا، سرعان ما تم تجاهلها، حد إغفالها، بتجديد عزائم الطرفين، وهممهم، وفي وضح النهار، فكادت الأرانب البيضاء المرقطة بالبقع السوداء أن توشك على حسم واحدة من أكبر المعارك شراسة، لولا إن زعيم الأرانب السوداء المرقطة بالبقع البيضاء استنجد بأطراف خارجية لم يحسب الآخر حسابا ً لها، إلا بعد أن استنجد ـ هو الآخر ـ بالجرذان ذات المخالب الفولاذية، مع أجانب آخرين يلذ لهم التطوع بإبقاء الصراع أبديا ً، حتى لم يعد لدى ـ كل من الطرفين ـ التفكير أو الرغبة بإجراء هدنة، حتى من اجل استرداد الأنفاس، أو الاستراحة، فقد سادت قناعة راسخة، لدي كل منهما، بان النصر قاب قوسين أو أدنى، فيرد الآخر بنشوة الفخار بهجمات اشد ضراوة، بتجنيد كل من يقدر على حمل السلاح، زاعما ً انه أبلى بلاء ً سيتكلل بالظفر، والعزة، وحسم المعارك لفصيلة الذي عانى من الويلات، والهزائم...، على مدى آلاف السنين...،على إنهما، مع تزايد الخسائر، وثقل سنوات المواجهات، وما أنزلته من نكبات، لم يفقدا حثهما على تجنيد الشيوخ، والإناث، وصغار السن، في إدامة زخم نيران الحرب، وتوهج لهبها، وقد أعلنا عن شجبهما المتكرر بتدخل أية جهة لفك النزاع، أو السماح لأحد، أو حتى للعقلاء بوضع حد للانتهاكات، والمذابح غير القانونية، المروعة، باستخدام أسلحة تم استحداثها، أكثر فتكا ً من الأسلحة الإشعاعية، التي طالما صهرت اصلب المعادن وحولتها إلى أثير، والى فراغات، وقد أدت بكل فصيل، عبر وسائل الدعاية، وقنوات الاتصال، ومواقع التخاطر، والمؤثرات اللاشعورية، ووسائل البرمجة الأكثر حداثة ذات الصلة ببرمجة الضمائر، والقلوب، والعقول، للتشهير، والتنكيل بالآخر، فالأرانب ذات اللون الأسود عملت ـ وفق خطة مبتكرة ـ على انتزاع البقع البيضاء، منها، وفي الوقت نفسه، صدرت الأوامر لدى الفصيل الآخر صاحب اللون الأبيض، بالتطهر من البقع السوداء...، مما منح المواجهات، والمعارك الجديدة، صفحات أكثر سخونة، وإشراقا ً، فقد صار كل فصيل، يرى في الآخر، بوضوح تام، من غير خلط أو توهم بالألوان، فالأسود بدا عدوا ً أبديا ً للأبيض، والأرانب البيضاء، رسخت في بياناتها اليومية، استحالة الجلوس إلى مائدة واحدة، مهما كان الثمن، فالحدود لا ترسم إلا بمن يقدم أكثر عددا ً من الأنفس، والأرواح، حتى تستعاد الحقوق، وتسترد الأراضي، والحفر، والشقوق، ومنابع المياه، وترجع إلى أصحابها الشرعيين، وان ذلك لن يحصل إلا بعد مزجها بأنهار من الشعارات، منقعة بالدماء...، لكن أحدا ً منهما لم يكترث للخسائر، ولا للنزف، ولا للخراب...، فقد كانت الأرانب ذات اللون الأسود الخالي من البقع البيضاء، ترى دمها شفافا ً، وكانت الأرانب البيضاء تماما ً بعد محو البقع السوداء ترى دمها بلون الفضة قبل أن يلامسه الهواء ...، مع إن كبار السن، مع عدد من العلماء، والخبراء، أكدوا لأنفسهم، إن لون الدم ليس سببا ً، وليس نتيجة، فقد فقد حدته، وصار ممتزجا ً بغبار الأسفار، والأناشيد، مثلما اختلطت جثامين الطرفين، في الكثير من الخنادق، والحفر، والشقوق، بألوان حجبتها نتانات الجثث ومنعت الفرق الطبية، وفرق الإنقاذ، وفرق انتشال الموتى من أداء دورها ...، فظن البعض إن الحرب اقتربت من نهايتها، بعد أن تم إقحام الجرحى، المعاقين، العور، العرج، والعميان فيها، لولا إن كل فصيل نجح بعقد أحلاف مع أطراف أخرى، حتى اتسعت رقعة الحرب، وشملت مساحات إضافية، لم يدر ببال احد إنها ستتحول إلى مقبرة كبيرة تضم رفات الجميع، من الطرفين، ومن القوى المتحالفة معهما، بعد استحالة إعادة الضحايا، والاحتفاء ببسالتهم في المعارك، إلى مدافنهم في الحديقة.
وبعد مضي سنين طويلة، وأخرى مضافة...، أفاق زعيم الأرانب ذات اللون الأسود، ليصدر أمرا ً بإعادة البقع البيضاء إلى أبدان فصائلة البطلة، فرد زعيم الأرانب البيضاء، بإعادة البقع السوداء، محفزا ً المواليد الجديدة، بان الحسم غدا مؤكدا ً، ليقابله الطرف الآخر، باستخدام المواليد الأحدث، بغية الإقرار بحتمية النصر...، فتجددت الصولات، والغارات، باستخدام العصي، والحجارة، والأشواك، وأدوات المطابخ، والمكانس، والبساطيل، بعد نفاد الأسلحة، واستهلاكها، من ثم اشتدت المعارك، بالمخالب، والأسنان، والأبدان، باستخدام كل وسيلة لم تستخدم من قبل. لكن أحدا ً لم يتذمر، ولم يدر بخلده إن الليل سيمتد إلى ما لانهاية، كما قال زعيم الأرانب السوداء المرقطة بالبقع البيضاء، فرد الآخر قائلا ً إن ما من نهار سيتوقف عن حافة من حافاته ، فاشتدت الاتهامات والمواجهات حتى اختلطت الأسباب بما قبلها، فلم يعد لدى أي منهما نية التنازل عن شبر واحد من التراب، أو مساحة من الهواء، ولم تعد لدى أي منهما الرغبة بتدخل الحكماء في وضع حد للحرب، بعد أن لم يعد لدى أي منهما، ما يخسره.
فأعلن زعيم الأرانب السواء ذات البقع البيضاء انه لم يخسر إلا ما كان يعزز مجد الليل وسلطته، فيرد الآخر بان خسائره ليست إلا نذورا ً للنهار ...، مما سمح بتجدد غير متوقع للمعارك شاركت فيها جهات بزج البراعم في اتونها، داخل الحفر، وفي المستنقعات، حيث لم تعد الأرض إلا وقد تلونت بالسواد المرقط بالبقع البيضاء، ممتزجة بالأجساد البيضاء المرقطة بالبقع السوداء...، حتى وجد الزعيم الأعظم للأرانب السوداء، وجها ً لوجه، انه يحدق في محيا الزعيم الأعظم للأرانب البيضاء.....، فلم يصدر صوتا ً، أو إشارة، أو ينطق بكلمة...، لأنه لم يجد لديه قدرة على سؤال الآخر، لا عن الأسباب، ولا عن النتائج، وكان الآخر، في الوقت نفسه، يبادله اللامبالاة ذاتها، مما دفع بهما، في تلك اللحظات النادرة المكللة بآيات الجلال، والرفعة، والمجد، للابتعاد عن الآخر....، فلمح الزعيم الأول إن عدوه صار ابيض مثل سراب يمتد بامتداد الأفق، بينما لمح الآخر عدوه اقل بياضا ً، ولم يعد مرقطا ً، وهو يتلاشى تاركا ً فراغات من غير لون...، تتسع، مما جعله يبحث عن مساعديه، فلا يجدهم، بينما كان الآخر، يترنح، من غير حرسه الخاص، غير مكترث إن كان انتصر أم ذهب ابعد من كل انتصار، مادام عدوه، صار فراغا ً تتخلله دوامات من الغبار، والأثير.
30/3/2016
Az4445363@gmail.com
بقع سوداء فوق أثير ابيض!
عادل كامل
لم ْ تعد أسباب نشوب الاضطرابات، وتحولها إلى حرب مستعرة، تدور ببال احد؛ لا كيف تحولت الفتنة إلى صراع، ولا متى اتسعت المواجهات لتشمل الجميع، بعد أن اكتسبت مظهرا ً منح الطرفين قدرات نادرة على رفض أية تسوية، أو مصالحة، بعد أن صارت الأسئلة متداخلة بنتائجها، حد استحالة وضع مسافة بين لماذا وكيف، مما أضفى على المشهد غموضا ً بهيا ً سرعان ما اكسبه علامات البسالة، الفخار، والمجد.
لم يدر بخلد فصيل الأرانب ذات اللون الأسود المرقط بالبقع البيضاء، انه يمتلك أحقية بالهيمنة، والنفوذ، مادام فصيل الأرانب البيضاء المرقطة بالبقع السوداء قد ازداد حنكة، صلابة، وتجلدا ً في مواجهة ادعاءات لم تدحض، وغير قابلة للردم، بالوسائل المتعارف عليها، بينهما، رغم إنها جمعت طرفي النزاع، على مدى قرون طويلة من الزمن، في مساحة من الأرض شملت باقي الفصائل، والأنواع، وفي الحديقة ذاتها ومن غير تغيرات تذكر، لا في حدودها، ولا في تضاريسها أيضا ً. فالطرف الأول وجد مصيره مربكا ً ومشوشا ً بظهور زعامات ادعت أن اللون الأسود يمتلك أحقية بالسيادة، النفوذ، والسيطرة، بعد سيادة الأرانب ذات اللون الأبيض بالبقع السوداء، بينما فند الفصيل الآخر بتبني نظرية تزعم إن الأصل لم ينشأ إلا طليقا ً، خاليا ً من الشوائب، فرد زعيم الطرف الأول قائلا ً إن فصيله لم يختلط قط بالفصيل الآخر بعد مضي قرون من العزلة، رغم تداخل الممرات، الحفر، الشقوق، بينهما، فرد زعيم الأرانب ذات اللون الأسود المرقط باللون الأبيض إنها محض افتراءات، وتهم باطلة، لا أساس لها من الصحة، لأن الاختلاط لم يجر إلا وفق مصالحة واهية، هشة، وآن لها أن تسوى باسترداد الحقوق، وعدم التنازل عنها، فرد الطرف الآخر مؤكدا ً إن الموت ليس إلا ثمنا ً بخسا ًويسيرا ً لتعزيز كل ما يدحض خلط الأزمنة بالمساحات المستلبة بقوة السلاح، من المياه والفضاء والسهول....، من الشقوق والكهوف وباقي الأجزاء...، الأمر الذي دفع بالاختلاف إلى خلاف، والخلاف إلى جدل، والجدل إلى عراك، والعراك إلى مذابح، مما سمح لكافة القوى المستترة، المخبأة، والمدفونة، الخاملة، بالبزوغ والظهور عبر هجمات كانت تجري إبان اشتداد العواصف، وأثناء هطول الأمطار الغزيرة...، فكانت المعارك تخلف المزيد من الجرحى، والمعاقين، والضحايا، سرعان ما تم تجاهلها، حد إغفالها، بتجديد عزائم الطرفين، وهممهم، وفي وضح النهار، فكادت الأرانب البيضاء المرقطة بالبقع السوداء أن توشك على حسم واحدة من أكبر المعارك شراسة، لولا إن زعيم الأرانب السوداء المرقطة بالبقع البيضاء استنجد بأطراف خارجية لم يحسب الآخر حسابا ً لها، إلا بعد أن استنجد ـ هو الآخر ـ بالجرذان ذات المخالب الفولاذية، مع أجانب آخرين يلذ لهم التطوع بإبقاء الصراع أبديا ً، حتى لم يعد لدى ـ كل من الطرفين ـ التفكير أو الرغبة بإجراء هدنة، حتى من اجل استرداد الأنفاس، أو الاستراحة، فقد سادت قناعة راسخة، لدي كل منهما، بان النصر قاب قوسين أو أدنى، فيرد الآخر بنشوة الفخار بهجمات اشد ضراوة، بتجنيد كل من يقدر على حمل السلاح، زاعما ً انه أبلى بلاء ً سيتكلل بالظفر، والعزة، وحسم المعارك لفصيلة الذي عانى من الويلات، والهزائم...، على مدى آلاف السنين...،على إنهما، مع تزايد الخسائر، وثقل سنوات المواجهات، وما أنزلته من نكبات، لم يفقدا حثهما على تجنيد الشيوخ، والإناث، وصغار السن، في إدامة زخم نيران الحرب، وتوهج لهبها، وقد أعلنا عن شجبهما المتكرر بتدخل أية جهة لفك النزاع، أو السماح لأحد، أو حتى للعقلاء بوضع حد للانتهاكات، والمذابح غير القانونية، المروعة، باستخدام أسلحة تم استحداثها، أكثر فتكا ً من الأسلحة الإشعاعية، التي طالما صهرت اصلب المعادن وحولتها إلى أثير، والى فراغات، وقد أدت بكل فصيل، عبر وسائل الدعاية، وقنوات الاتصال، ومواقع التخاطر، والمؤثرات اللاشعورية، ووسائل البرمجة الأكثر حداثة ذات الصلة ببرمجة الضمائر، والقلوب، والعقول، للتشهير، والتنكيل بالآخر، فالأرانب ذات اللون الأسود عملت ـ وفق خطة مبتكرة ـ على انتزاع البقع البيضاء، منها، وفي الوقت نفسه، صدرت الأوامر لدى الفصيل الآخر صاحب اللون الأبيض، بالتطهر من البقع السوداء...، مما منح المواجهات، والمعارك الجديدة، صفحات أكثر سخونة، وإشراقا ً، فقد صار كل فصيل، يرى في الآخر، بوضوح تام، من غير خلط أو توهم بالألوان، فالأسود بدا عدوا ً أبديا ً للأبيض، والأرانب البيضاء، رسخت في بياناتها اليومية، استحالة الجلوس إلى مائدة واحدة، مهما كان الثمن، فالحدود لا ترسم إلا بمن يقدم أكثر عددا ً من الأنفس، والأرواح، حتى تستعاد الحقوق، وتسترد الأراضي، والحفر، والشقوق، ومنابع المياه، وترجع إلى أصحابها الشرعيين، وان ذلك لن يحصل إلا بعد مزجها بأنهار من الشعارات، منقعة بالدماء...، لكن أحدا ً منهما لم يكترث للخسائر، ولا للنزف، ولا للخراب...، فقد كانت الأرانب ذات اللون الأسود الخالي من البقع البيضاء، ترى دمها شفافا ً، وكانت الأرانب البيضاء تماما ً بعد محو البقع السوداء ترى دمها بلون الفضة قبل أن يلامسه الهواء ...، مع إن كبار السن، مع عدد من العلماء، والخبراء، أكدوا لأنفسهم، إن لون الدم ليس سببا ً، وليس نتيجة، فقد فقد حدته، وصار ممتزجا ً بغبار الأسفار، والأناشيد، مثلما اختلطت جثامين الطرفين، في الكثير من الخنادق، والحفر، والشقوق، بألوان حجبتها نتانات الجثث ومنعت الفرق الطبية، وفرق الإنقاذ، وفرق انتشال الموتى من أداء دورها ...، فظن البعض إن الحرب اقتربت من نهايتها، بعد أن تم إقحام الجرحى، المعاقين، العور، العرج، والعميان فيها، لولا إن كل فصيل نجح بعقد أحلاف مع أطراف أخرى، حتى اتسعت رقعة الحرب، وشملت مساحات إضافية، لم يدر ببال احد إنها ستتحول إلى مقبرة كبيرة تضم رفات الجميع، من الطرفين، ومن القوى المتحالفة معهما، بعد استحالة إعادة الضحايا، والاحتفاء ببسالتهم في المعارك، إلى مدافنهم في الحديقة.
وبعد مضي سنين طويلة، وأخرى مضافة...، أفاق زعيم الأرانب ذات اللون الأسود، ليصدر أمرا ً بإعادة البقع البيضاء إلى أبدان فصائلة البطلة، فرد زعيم الأرانب البيضاء، بإعادة البقع السوداء، محفزا ً المواليد الجديدة، بان الحسم غدا مؤكدا ً، ليقابله الطرف الآخر، باستخدام المواليد الأحدث، بغية الإقرار بحتمية النصر...، فتجددت الصولات، والغارات، باستخدام العصي، والحجارة، والأشواك، وأدوات المطابخ، والمكانس، والبساطيل، بعد نفاد الأسلحة، واستهلاكها، من ثم اشتدت المعارك، بالمخالب، والأسنان، والأبدان، باستخدام كل وسيلة لم تستخدم من قبل. لكن أحدا ً لم يتذمر، ولم يدر بخلده إن الليل سيمتد إلى ما لانهاية، كما قال زعيم الأرانب السوداء المرقطة بالبقع البيضاء، فرد الآخر قائلا ً إن ما من نهار سيتوقف عن حافة من حافاته ، فاشتدت الاتهامات والمواجهات حتى اختلطت الأسباب بما قبلها، فلم يعد لدى أي منهما نية التنازل عن شبر واحد من التراب، أو مساحة من الهواء، ولم تعد لدى أي منهما الرغبة بتدخل الحكماء في وضع حد للحرب، بعد أن لم يعد لدى أي منهما، ما يخسره.
فأعلن زعيم الأرانب السواء ذات البقع البيضاء انه لم يخسر إلا ما كان يعزز مجد الليل وسلطته، فيرد الآخر بان خسائره ليست إلا نذورا ً للنهار ...، مما سمح بتجدد غير متوقع للمعارك شاركت فيها جهات بزج البراعم في اتونها، داخل الحفر، وفي المستنقعات، حيث لم تعد الأرض إلا وقد تلونت بالسواد المرقط بالبقع البيضاء، ممتزجة بالأجساد البيضاء المرقطة بالبقع السوداء...، حتى وجد الزعيم الأعظم للأرانب السوداء، وجها ً لوجه، انه يحدق في محيا الزعيم الأعظم للأرانب البيضاء.....، فلم يصدر صوتا ً، أو إشارة، أو ينطق بكلمة...، لأنه لم يجد لديه قدرة على سؤال الآخر، لا عن الأسباب، ولا عن النتائج، وكان الآخر، في الوقت نفسه، يبادله اللامبالاة ذاتها، مما دفع بهما، في تلك اللحظات النادرة المكللة بآيات الجلال، والرفعة، والمجد، للابتعاد عن الآخر....، فلمح الزعيم الأول إن عدوه صار ابيض مثل سراب يمتد بامتداد الأفق، بينما لمح الآخر عدوه اقل بياضا ً، ولم يعد مرقطا ً، وهو يتلاشى تاركا ً فراغات من غير لون...، تتسع، مما جعله يبحث عن مساعديه، فلا يجدهم، بينما كان الآخر، يترنح، من غير حرسه الخاص، غير مكترث إن كان انتصر أم ذهب ابعد من كل انتصار، مادام عدوه، صار فراغا ً تتخلله دوامات من الغبار، والأثير.
30/3/2016
Az4445363@gmail.com
السبت، 2 أبريل 2016
وتظل النخبة المختارة تصفق-نوال السعداوي
وتظل النخبة المختارة تصفق
نوال السعداوي
جاء أوباما للقاهرة، في بداية حكمه، ليلقى خطابا أمام نخبة مبارك، المختارة بمعايير محفوظة في جينات النظام الحاكم منذ الإله رع، نخبة الحكومة والمعارضة معا، وإن اختلفوا شكلا يتشابهون مضمونا، التهبت أكفهم بالتصفيق ثلاثين مرة خلال خطبة استغرقت خمسين دقيقة، وهتف أحدهم من شدة الحماس: أحبك يا أوباما، فتوقف الرئيس الأمريكي لحظة ليشكره قائلا: شكراً.
كان يحوط القاعة (بجامعة القاهرة) عشرة آلاف من البوليس المصري، وثلاثة آلاف من البوليس الأمريكي، وإن كان
"أوباما" أسود البشرة وليس أبيض، فالسياسة لا تعرف إلا لون الدم الأحمر، وهى "لعبة" تتخذ شكل "العلم"، تغطى أقبح الجرائم بأجمل الكلمات، وتنطق باسم الله لإخفاء أبشع التناقضات، والكتاب المقدس يبرر قتل الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه باسم الأرض الموعودة، ولو كان أوباما
"امرأة" ربما ارتدى الحجاب باسم الحرية الشخصية، كأنما القهر والفقر والختان والحجاب واغتصاب الأرض، مسائل اختيارية وليست مفروضة بقوة السلاح أو بالتخويف من الجحيم.
تحت اسم "حرية الاختيار" يتجاهل أوباما الضغوط السياسية الدينية التعليمية التربوية الثقافية الاقتصادية الاجتماعية الأخلاقية، التي تفرض الحجاب على النساء والأطفال والفقراء، وأشاد أوباما في القاهرة بملك السعودية، جعله مثلا عظيما للديمقراطية، لكنه في نهاية حكمه، وبعد أن تحررت أمريكا من الحاجة للنفط، ومن التحالف السعودي للسيطرة على المنطقة، ولضرب السوفييت وأعداء الرأسمالية والاستعمار، ينقلب أوباما اليوم على السعودية لتصبح مفرخة للتيارات المتطرفة، بعد أن كانت مركزا للحريات والحوارات بين الأديان، ويعترف بأن إرهابيين سعوديين شاركوا في تفجيرات سبتمبر في نيويورك وواشنطن، لم يعد أوباما يحتاج السعودية إلا ليفرض عليها التعاون مع إيران، لخدمة مصالحه الجديدة.
وفى خطبته بالقاهرة أشاد أوباما بذكاء "نيتانياهو" لم يصف أحد الحكام العرب بالذكاء، حتى "مبارك" الذي فرش له شوارع القاهرة بالورود والسجاجيد، وعزف له الأناشيد، لم يذكر أوباما اسم "مبارك" مرة واحدة في خطابه القاهري الطويل، وفى نهاية حكمه، ينقلب أوباما اليوم على نيتانياهو، يصفه بالرعونة وإعاقة تكوين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، وتمرده على سادته الأمريكان، حماة إسرائيل ومانحيها أكبر المعونات وأحدث الأسلحة النووية وبعد تشجيعه للتيارات الإسلامية ومنها جماعة الإخوان، تحت اسم الحريات الدينية والاعتدال والإصلاح والخصوصية الثقافية والهوية الأصلية، ينقلب أوباما اليوم ويندد بالدور السلبي لهذه التيارات، التي لم تنتج إلا الدماء والفتن الطائفية، وكأنما غاب عن "وعى أوباما" أهدافها الأصلية، كأنما لم تشارك أمريكا في صنعها وتسليحها وتمويلها.
لم يعترف أوباما بأنه كان متآمرا مزدوجا، في سياسته تجاه ما يسمونه الشرق الأوسط، وأنه استخدم المعونات والانتخابات والخصخصة لضرب الإنتاج المحلى، وفرض التبعية والديمقراطية الزائفة، وكان مساندا لأي ديكتاتور يدين له بالولاء والطاعة، لا يشعر أوباما بالخجل وهو يلقى بالتهم على الذين خدموه ضد مصالح شعوبهم، منهم حكام العراق وسوريا والسعودية وإسرائيل وتركيا، وقد أصبح أردوغان فجأة السبب في الفشل الأمريكي، لا تهتز شعرة في جسد أوباما وهو يخدع العالم، ويمهد للانسحاب الأمريكي من المنطقة، بعد أن غرقت بلادنا (منذ عصر ريجان والسادات) في وحل المعونات والديون والفقر والبطالة والفتن والتفتيت السياسي الديني.
أوباما يتقن لغة الجسد، يبدو تلقائيا، يقفز السلالم الى مطار القاهرة في بداية حكمه، يجيد العبارات العائمة، يدعمها بآيات قرآنية، يستخدم اسم أبيه المسلم "حسين" ليؤثر فى المصريين، وباسم التسامح الإلهى يتجاهل جرائم إسرائيل وضحايا جوانتنامو، ينتقل ما بين آلهة الأرض والسماء فى غمضة عين، ومن المصالح للمبادئ الإنسانية فى جملة واحدة.
حين تكلم أوباما عن التنمية كشف عن أهدافه الحقيقية من زيارة القاهرة، ليس فقط لحماية مصالح وأمن إسرائيل وأمريكا، بل أيضا للمزيد من فتح أسواق البلاد الاسلامية للبضائع الأمريكية الإسرائيلية، وتعبئة مليار مسلم لإبادة أنفسهم تحت اسم الله أكبر، ودفعت الحكومة المصرية، خمسمائة مليون دولار، نفقات زيارة أوباما للقاهرة، عشرة آلاف عسكرى لحماية أوباما، رغم الإعلان "الله يحميه" وليس العساكر، وعشرون مليون دولار خسرها المصريون بسبب عدم خروجهم لأعمالهم حسب الأوامر، وبقائهم بالبيوت وعدم فتح النوافذ حتى يغادر أوباما القاهرة في أمان الله.
وصدرت الأوامر أيضا بإغلاق الجامعات والمدارس، بما فيها مدارس الأطفال، فى جميع المناطق التي يزورها أوباما، من جامعة القاهرة والأهرامات وحديقة الحيوان في محافظة الجيزة إلى جامعة الأزهر والقلعة وجامع السلطان حسين، ومقابر الموتى في طريق المطار وجبل المقطم إلى القصر الجمهوري بالقبة.
تعطل آلاف التلاميذ والطلاب المصريين عن الدراسة، أما السيدة زوجة أوباما فلم ترافق زوجها للقاهرة لتبقى مع ابنتيهما فلا تتعطلان عن الدراسة، وبدأ العمال المصريون
(بعد مغادرة أوباما) يخلعون الزهور والأشجار الصناعية من شوارع القاهرة وميادينها، ومعها خلعوا صور أوباما ومبارك المعلقة في السماء، وتظل النخبة المصرية المختارة تصفق لكل عهد.
عولمة الثقافة وثقافة التصنيع- د.إبراهيم الحيدري
عولمة الثقافة وثقافة التصنيع
د.إبراهيم الحيدري
صدر خلال العقود الأخيرة عدد من الكتب التي تعالج العولمة والحداثة وما بعد الحداثة والهوية الثقافية. وكان يورغن هابرماس في كتابه" العلم والتقنية كأيديولوجيا" الذي صدر عام 1969 قد سبق غيره في تناول الخصوصيات الثقافية التي تفككت والنظام الاستراتيجي التي يقف ورائها بدلالاته الفلسفية-الانثروبولوجية وكذلك السياسية. كما كتب هومي بابا " موقع الثقافة "في النظام الدولي الجديد، تناول فيه المشاكل المتعلقة بالهوية والخصوصية الثقافية لمجتمع ما بعد الحداثة، حيث تكتسب العولمة فيه قوة متزايدة على قوتها الاقتصادية وتعبر عن هيمنة ذات ابعاد متعددة وعبر شبكة معقدة في نظم الاتصال وتكنولوجيا المعلومات والمؤسسات الاقتصادية التابعة لها، التي تسيرها الشركات العابرة للقارات.
هذه الأطروحات وغيرها شغلت عددا كبيرا من المفكرين وعلماء الاجتماع وبخاصة، رواد مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع الذين وضعوا صياغة نظرية نقدية تقوم على الفهم الجدلي للعلاقة بين النظرية والممارسة، من خلال الفهم الذاتي، الذي لا يصف الصيرورات الاجتماعية والاقتصادية للحاضر فحسب، بل وإدراك قوتها الحقيقية المتحولة وتأثيراتها في الصراعات والتحولات الرئيسية في العصر الحديث. وكان على رأس هؤلاء المفكرين ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو, اللذان وجها نقدهما الجذري، ليس إلى الواقع الاجتماعي فحسب، بل الى عملية التغبية التي تعيق تقدمه. ولكي يكون المجتمع قويما لا يكفي التنظير، وإنما ربط النظرية بالممارسة العملية ربطا جدليا محكما، وان تكمل عقلانية الوسائل، عقلانية الأهداف التي تتيح للإنسان الكشف عن امكاناته اللامحدود وتقديم الحلول الممكنة التي تساعده على تكوين وجود عقلاني حقيقي منور.
وقبل أكثر من نصف قرن انتقد هوركهايمر وأدورنو الثقافة السائدة في المجتمع الصناعي في كتابهما المشترك “جدل التنوير" 1947موضحان فيه خصوصيته، من خلال ما تفرزه التكنلوجيا المتقدمة من اثار: فاذا كان العلم قوة لها سلطة لا تعرف الحدود، فان التكنلوجيا هي جوهر هذا العلم، وبذلك تصبح السلطة والتكنولوجيا مترادفتين، حيث يظهر التسلط في المشاركة الجبرية للملايين في عملية الانتاج والاستهلاك واعادة الانتاج والاستهلاك. ومع ان مستوى الانتاج ينبع اصلا من حاجات المستهلكين، غير اننا نجدهم مضطرين دوما للموافقة على ذلك ومن دون مقاومة. وهذا الواقع هو في الحقيقة دورة من الخداع ورد فعل للحاجات الاستهلاكية اللانهائية التي تجعل النظام الاقتصادي أكثر قوة وتماسكا.
تصنيع الثقافة
تصنيع الثقافة وثقافة التصنيع Kulturindustrie,calture industryمصطلح صاغه الفيلسوف الألماني وعالم الاجتماع النقدي تيودور أدورنو(1895-1973). وهو من أهم مصطلحات النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت. ففي كتاب "جدل التنوير" ظهر أول مرة مفهوم جديد في علم الاجتماع النقدي أطلق عليه أدورنو "تصنيع الثقافة"، حيث رأى بأن هناك مصانع تنتج ثقافة، بالرغم من ان الثقافة لم تكن يوما ما إنتاجاً صناعياً، كما هي اليوم. ولم تعد الثقافة تتخذ لها مكاناً في بناء فوقي مستقل نسبياً، لأنها أخذت ترضع من البنية الاقتصادية وتتحول إلى صناعة.
ان صياغة أدورنو لمفهوم "الثقافة المصنعة " اعطتها بعدا آيديولوجيا شموليا بين بوضوح قوتها وسيطرتها واثارها التي تظهر في المشاركة الجبرية للملايين في عملية الانتاج والاستهلاك وموافقتهم عليها بدون مقاومة.
تاريخيا، لم تكن الثقافة يوما ما بضاعة او انتاجا صناعيا واسعا كما هي اليوم. فمنذ القديم وحتى منتصف القرن الماضي بقيت الثقافة بناء فوقيا حتى في عصر التنوير واتخذت محتوى ارتبط بالبنية الفوقية وانتجت تاريخا وأدبا وفنونا، ولكن منذ الحرب العالمية الثانية اندمجت التكنولوجيا بالثقافة، عن طريق الانتاج الآلي الواسع واعادة الانتاج والاستهلاك، واصبحتا واحدة لا يمكن التمييز بينهما. ان عولمة الثقافة عن طريق النزعة الاستهلاكية ووسائل الاتصال والاعلام وهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات جعلت من الصعب التمييز بين الانتاج الصناعي ومحتواه الثقافي وحولته الى بضاعة.
لقد تحول الإنتاج الثقافي والفني إلى آلية مستوعبة للمجتمع الصناعي وفكره التخديري الذي يتمثل بثقافة شعبية جماهيرية تشبع حاجات جماعية ولكنها تتحول إلى وسيلة هيمنة وتسلط وذلك بسبب تطور التكنولوجيا تطوراً لاعقلانياً وسيطرتها غير المباشرة على الناس.
الثقافة المصنعة تُنتجُ اليوم بمصانع تبيع سلعاً ثقافية مغرية تهدف إلى التلاعب بأفراد المجتمع وجعلهم سلبيين وعاجزين عن طريق استهلاك المتع السريعة التي تبثها وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي تمتلخ الأفراد من واقعهم وتجعلهم يركضون لاهثين وراء بضائع المدنية البراقة بغض النظر عن ظروفهم المعيشية وحاجتهم اليها. والخطورة التي تسببها تكمن في السلع الثقافية التي تخلق حاجات نفسية لا يمكن إشباعها إلا من خلال المنتجات الصناعية.
في المجتمع الصناعي تحولت الثقافة اليوم الى بضاعة واتخذت معنيين، الاول له محتوى واضح ينتج وباستمرار تواريخ وآداب وصور وموسيقى من اجل عرضها للبيع في السوق. اما الثاني فيتمثل في الانتاج الآلي الواسع واعادة الانتاج والتوزيع بطريقة تكنولوجية بحيث اخذت التكنولوجيا تندمج بالثقافة بالتدريج حتى أصبح تأثيرها واضحا واخذت تنتج أفلاما واجهزة استنساخ وتسجيل اغاني والحان وتكبس كاسيتات ودسكات وغيرها. وهذا يعني ان محتويات الثقافة اُنتجت بوسائل تكنولوجية واعيد انتاجها وتوزيعها بنفس الطريقة.
سوسيولوجيا, يعود خضوع الثقافة الى التكنولوجيا الى تنامي قطاع وسائل الاتصال والاعلام التي اخذت تنتج بضائع تفرض نفسها اليوم بسبب محتواها الثقافي. كما تظهر الاجهزة الالكترونية والادوات واللوازم التي ترتبط بالكومبيوتر والانترنت والاعلام الرقمي وغيرها التي تحتوي على معلومات واخبار وصور وألعاب ورموز وكذلك ما تقوم به شركات الدعاية والاعلام واكاديميات الفنون الجميلة ومدارس الديكور والموضة وغيرها. لقد تحولت الثقافة اليوم الى شيء نستخدمه ونستهلكه ونعيد انتاجه، ولم يعد هناك نقد حضاري وثقافي ولا نقد سياسي كما كان سابقا، وبخاصة بعد ان تحول نقد الثقافة والفن والسياسة الى نقد اعلامي. كما انهارت فئة المثقفين التي تعيش على اكتاف الثقافة المصنعة التي اصبحت شكلا من اشكال الانتاج المستقبلي لعصر ما بعد الحداثة.
في عصر الثقافة المصنعة اصبحت تقنيات الكومبيوتر تدمج التسلية بوسائل الاتصال الالكترونية والتكنولوجيا بالثقافة، بحيث تصبح شيئا واحدا ولا يمكن التمييز بين واحد وآخر. في النصف الاول من القرن الماضي كان الانتاج التلفزيوني الامريكي الواسع الانتشار يتبع المحتوى. وكان المنتجون يملكون الاستديوهات التي تنتج البرامج ويتم توزيعها الى جميع انحاء العالم بواسطة محطات الارسال وعبر الأثير، اما اليوم فكل شيء يتم على عكس ذلك. موغلن وتيد تورنر مطمئنان من تأثيرهما على شبكات الكيبل ويستطيعان توجيه CNN و ESPN بشكل جيد. في بريطانيا أسس روبرت مردوخ، أحد بارونات الاعلام، شبكة اتصالات BSKYB ترتبط بالفضائيات واصبحت احتكارا له منذ بداية التسعينات بعد ان اشترت حقوق ملكية كاملة للنقل المباشر لمباريات الفريق الانكليزي الاول لكرة القدم، وسرعان ما حصلت على ارباح تصاعدية بعد ان اشترك فيها حوالي خمسة وعشرين بالمئة من البريطانيين ووصلت مدفوعاتها السنوية الى أكثر من مليار جنيه إسترليني. ومثل مردوخ يسيطر سليفيو بيرلسكوني على شبكات التلفزيون في إيطاليا وكذلك راندولف هيرست صاحب سلسلة الصحف والمجلات والدوريات الملونة.
وهناك احتكار آخر يتمثل بما يقوم به تورنر ومردوخ وكذلك برتش تيليكوم. B.T لاحتكار " تيلكوم- تكنولوجي" والتلاعب "بمحتواها". كما بدء ماكسويل ايضا ببناء امبراطورية للإعلام عن طريق احتكاره "لمحتوى " دار "بيرغامون بريس" وشراء حقوق ملكية الكتب العلمية والطبية والخاصة التي كانت ملكيتها تعود اصلا الى اشخاص ودور نشر ثم اخذ يرفع اسعارها بلا مبالاة بعكس ما كان عليه الانتاج الواسع في مرحلة التصنيع الكلاسيكية. وما كان ينتجه ماكسويل سابقا أصبح اليوم " المحتوى الثقافي" لـ “ريد اللزفير"، الذي ينتج معلومات الكترونية خاصة، في محاولة لان يجعل من وسائل الاتصال من أكبر الاحتكارات في المستقبل. اما النموذج الثالث من الاحتكارات في تصنيع الثقافة فقد بدأ بتكنولوجيا المعلومات الالكترونية. فبالنسبة لبرنامج الكومبيوتر "سوفت وير " الذي يستخدم في المؤسسات الصناعية وغيرها، لم يعد المرء بحاجة الى "مايكروسوفت" فحسب، بل ايضا الى مايكروسوفت اوفس"، الاول يستخدم عمليا في جميع الكومبيوترات، وهو عامل بيع استهلاكي مستمر.
ومنذ دخول العالم عتبة القرن الواحد والعشرين فان جميع اشكال الثقافة تتحول الى اعلام رقمي Digital Media، فقد تحولت مباراة كرة القدم، منذ نهاية الثمانينات الى "ثقافة مصنعة" وأصبح لها سوقا ينقل المباريات الرياضية الى جميع انحاء العالم عن طريق الفضائيات وشبكة الكيبل. وقد ابرمت شركة سكاي عقدا مع المنتخب الانكليزي الاول بلغ مليارات الدولارات. وكانت النوادي الرياضية سابقا شركات مساهمة يتراوح رأسمالها بين ثلاثة الى اربعة ملايين جنيه استرليني. وكانت الاسهم تعرض في البورصة، وتصل ارباحها الى نصف مليون دولار سنويا. لقد تغير ذلك اليوم حتى ان نجوم كرة القدم أصبحوا مثل فرقة " Spice Girls" نماذج اعلامية عالمية تختلف في عروضها عن الفلم والاغنية والرواية، لقد تحولوا الى مجرد نماذج للدعاية. وحين يشاهد المرء اليوم مباريات لكرة القدم، فانه يشاهد عرضا من نوع جديد، يهتم بقواعد اللعب والتقنيات وحركة الكرة، في حين كان المرء يشاهد عروضا ثقافية من نوع آخر يندمج فيها المرء مع محتوى اللعبة كمعجب وليس كمشاهد فقط وكان المشجعون الذين يجلسون في مدرجات الملعب يشاركون ويناقشون ويشرحون " محتوى" اللعبة وكأنهم جزء منها، فهم ليسوا مجرد مشاهدين او مستهلكين وانما متفاعلون معهم، لان المشجعين كانوا ترسانة المباراة، كما كان الحال في منتخب بورسيا دورتموند في المانيا.
في عصر الاعلام الكلاسيكي كان جوهر الثقافة يظهر على شكل افلام وبرامج تلفزيونية ومسرحيات وروايات واغاني وغيرها. اما في عصر الاعلام الالكتروني فيبدو ان الامر مختلف حيث تظهر الثقافة فيه كأشياء تكنولوجية ليس من السهولة رؤيتها او مشاهدتها وقراءتها او سماعها، لقد اصبحت شيئا آخرا نقوم باستخدامه. ففي الوقت الذي كان موقف المشاهد في الاعلام الكلاسيكي اما سلبيا او ايجابيا، أصبح اليوم شيئا نتبادله Interactive. وهكذا اخذ الاعلام يستهلك اليوم محتوى الاشياء وكذلك التكنولوجيا، ولم نعد كقراء او مشاهدين او مستمعين، وانما كمؤثرين ومستهلكين. وقد رأى ادورنو بان محتوى الثقافة اعتمد في عصر غوتنبرغ على فن الطباعة، حيث سيطرت الصورة والصوت والنص على الجميع.
لقد ازدادت منتوجات الثقافة المصنعة اليوم: بضائع استهلاكية سريعة، اسماء لماركات كبيرة، مغنين من فرق البوب ونجوم كرة قدم أصبحوا اليوم جزءا من وسائل الاعلام، اما نايك وسوج وكوكا-كولا فقد أصبحوا اسواقا عالمية وتحولوا الى اجزاء من محتوى الثقافة العالمية.
كما ترتبط اليوم منتوجات السوق التجارية العالمية مع الرياضة ووسائل التسلية واللهو والفيديو والكاسيت والبومات نجوم الغناء والجنس وحيثما يذهب المرء يلاحظ بان الاولاد في الشوارع يرتدون احذية نايك, حتى اولاد الطبقة المتوسطة ترمي اليوم جاكيتات " تومي هلفيغر" جانبا. هذه الحالة لا ترتبط بالغنى او الفقر، بقدر ما ترتبط بنماذج "أيقونة" يتم بموجبها تمثيل رموز المجتمع الاستهلاكي وثقافته المصنعة وتأثيرها على الافراد. كما ان " ثقافة السوق " هي ليست عروضا تجارية بالدرجة الاولى بقدر ما هي تكنولوجيات و "اشياء" تستعمل وتستهلك يوميا.
في كتابه "التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول" فضح المفكر الفرنسي بيير بوردو وسائل الاتصال والاعلام الحديثة وخاصة القنوات التلفزيونية الفضائية منها التي لم تعد مجرد قنوات تقدم برامج تسلية وتثقيف فقط، بل تحولت الى أدوات ووسائل أكثر مساهمة وفاعلية في الضبط والتحكم الاجتماعي. وقد أطلق بورديو على وسائل الاعلام وادواته بأدوات “العنف الرمزي" التي تستغله الطبقات الاجتماعية المهيمنة لتسيير خدماتها ومكتسباتها ومن ثم اشباع مصالحها. كما يرى بورديو بأن آليات التلفزيون المعقدة لا تشكل خطرا على مستوى الإنتاج الثقافي فحسب، بل أصبحت تهدد الحياة السياسية والديمقراطية أيضا. والمشكلة، كما يقول بوردو، ان التلفزيون ومعه الصحافة هي وسائل مدفوعة بمنطق الركض واللهاث وراء مزيد من الجمهور. كما أطلق بورديو على الدور السلبي الذي تلعبه وسائل الاعلام ومن يتبعها من المثقفين لقب"كلاب الحراسة" الذين يرسخون مصالح الطبقات المهيمنة ويلعبون بالعقول عن طريق انتاج بضائع ثقافية مصنعة.
الثقافة الشعبية
تغمر الأسواق اليوم ثقافة شعبية تجارية لا تنبع من حاجة الجماهير التي تستهلكها، وانما من شركات رأسمالية كبرى عابرة للقارات تصنعها وتسوقها وتدعمها وسائل اعلام ودعاية مبرمجة ومكثفة ومغرية تجعل الانسان يركض وراء بريقها الآخاذ لاهثا عن طريق التلفزيون والسينما والانترنت ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعية الأخرى. ويعمل متخصصون من فنيين وصحفيين ومصورين بالدعاية والاعلان التجاري الآخاذ لتسويق هذه الثقافة الشعبية وترويجها وغسل العقول وتشكيلها وفق مقاسات استهلاكية معينة تساعد على خلق ميول لتقبل البسيط والساذج وحتى الرديء وتشكيل عقلا شعبيا جمعيا يتلقى الثقافة الشعبية المصنعة بدون تفكير وحس جمالي رفيع وتسيطر على آليات توجيهه وتحريكه اجتماعيا وسياسيا ضد مصالحه وبوسائل وأساليب ناعمة تدغدغ عواطفه وتثير غرائزه الأكثر بدائية.
في عصر الاعلام الكلاسيكي كان جوهر الثقافة يظهر على شكل افلام وبرامج تلفزيونية ومسرحيات وروايات واغاني وغيرها. اما في عصر الاعلام الالكتروني فيبدو ان الامر مختلف حيث تظهر الثقافة فيه كأشياء تكنولوجية ليس من السهولة رؤيتها او مشاهدتها وقراءتها او سماعها، لقد اصبحت شيئا آخرا نقوم باستخدامه. ففي الوقت الذي كان موقف المشاهد في الاعلام الكلاسيكي اما سلبيا او ايجابيا، أصبح اليوم شيئا نتبادله Ineractive . وهكذا اخذ الاعلام يستهلك اليوم محتوى الاشياء وكذلك التكنولوجيا، ولم نعد كقراء او مشاهدين او مستمعين، وانما كمؤثرين ومستهلكين، كما كان محتوى الثقافة في عصر غوتنبرغ الذي اعتمد على فن الطباعة، حيث سيطرت الصورة والصوت والنص على الجميع. (11)
وكنموذج آخر للثقافة الشعبية المؤدجلة يأتي أدورنو بأمثلة عديدة، منها موسيقى الجاز في أمريكا. فموسيقى الجاز لا تبقى مصدرا للرعب فحسب، لأنها لا تستطيع رفع الاغتراب الذي يعاني منه الزنوج، بل وتقوم بتقويته وترسيخه. فالجاز أصبح بضاعة بالمعنى المطلق للكلمة وذلك لأن وظيفته الاجتماعية لا تعدو ان تجعل المسافة التي تفصل بين الفرد المغترب وحضارته قصيرة وبأديولوجية شعبوية. كما ان الجاز في الحقيقة يوصل شعورا خاطئا يتمثل بالعودة الى الطبيعة، في الوقت الذي ينبغي ان يكون الجاز نتاجا اجتماعيا رقيقا يحوّل الفنتازيا الفردية الى فنتازيا اجتماعية . ومن جهة أخرى، فان تنوع موسيقى الجاز انما يعكس تحررا جنسيا كاذبا وتتحول رسالته الى عملية "اخصاء"، لأنه يربط بين ما يعد به من تحرر وما يقوم به من رفض تقشفي.
وفي الحقية، فان الوظيفة الأيديولوجية للجاز تقوي أسطورة "الزنجي الأسود" وتكشف عن التشابه بين بشرة الزنجيي السوداء واللون الفضي القاتم لآلة الساكسفون. وبهذا المعنى السيكولوجي نوع من أنواع المازوشية.
الموسيقى عند أدورنو، كالنظرية، يجب ان ترتفع على الوعي السائد للجماهير، لأن البحث عن العواطف الحقيقية والعميقة لا يمكن التحقق منها في المجتمع الاستهلاكي المعاصر بسهولة، وربما يكون ريتشارد شتراوس آخر موسيقي برجوازي له أهمية، ولكن في ذات الوقت يجب القول، بانه لا توجد في موسيقاه، كما أشار إلى ذلك ارنست بلوخ، أي سلبية، وأنها خالية من أي بعد جمالي.
إنّ الثقافة المصنعة، بحسب أدورنو لا تشبع بكل بساطة حاجات المستهلكين، وإنما تدفعهم إلى الاندماج في النسق الاجتماعي العام، الذي يرتبط بالثقافة السائدة، التي تتجدد باستمرار وتندمج بالنسق العام بحيث لا تترك لعفوية الجماهير أي أثر يذكر، وتجعلهم يتحركون في فضاء لا يستطيعون فيه تحقيق استقلاليتهم.
لقد عمل" تصنيع الثقافة" على ايجاد امكانية جديدة هي عدم التمييز بين محتوى "الثقافات". ويعود ذلك الى نوعين من انواع التكنولوجيا المتقدمة: تكنولوجيا الاتصال وتكنولوجيا المعلومات الالكترونية. كما ان الثقافة الشعبية التي تطورت بصورة عفوية من قبل الجماهير هي مشكلة بذاتها، لأن الجماهير في الواقع لا تتكون من أفراد مستقلين، وإنما من ذوات مدفوعين، بتبعيتهم الاقتصادية وبشروط العمل السائدة في المجتمعات الصناعية الليبرالية، إلى الركض وراء التيار الجارف مثلما يحدث مع موسيقى التسلية المخادعة.
إنّ الثقافة الشعبية المصنعة على نطاق واسع إنما تمثل خطراً على الفنون الرفيعة ذات الجوهر الفكري والفني الرفيع. فعلى العكس مما تشبعه الثقافة المصنعة على نطاق واسع من سلع، فإن الحاجات الاجتماعية والنفسية الحقيقية هي الحرية والاستقلالية والإبداع التي تشيع السعادة الحقيقية.
العولمة والثقافة المصنعة
يطرح سكوت لاش في بحثه "نحن نعيش في عولمة تصنيع الثقافة"1998 سؤالا هاما: الى اين تسير أوربا في عصر ثقافة التصنيع؟ ومع ان جوابه غير كاف ودقيق، فانه يقول بان تأخر أوربا في تكنولوجيا المعلومات من الممكن ان يعود الى رهان الاعلام المتعدد واهميته الفكرية حيث تكون "عولمة" اللاعبين هنا شركات وليس افراد: بيرتلزمن، ريد اللزفير، نيوز -كورب، بي تي، تيليكوم الالمانية وليو كرش، في حين يواصل الاميركيون واليابانيون تطور تكنولوجياتهم الاعلامية الى مدى بعيد.
غير ان لاش يؤكد في ذات الوقت، بان الاوربيين هم أكثر غنى وحيوية في تراثهم ومؤسساتهم من حيث المحتوى الثقافي، كما يظهر ذلك في انتاجهم الذي يرتبط بأكاديميات الفنون الجميلة، وكذلك بالرواية والفلم والازياء والرسم والنحت وغيرها. هذه الانظمة الجديدة تختلف تماما عن نظام السوق وذلك لوجود امكانية في استمرارها وهو عكس ما هو موجود في الولايات المتحدة الامريكية حيث يسيطر عراب الرياضة "نايك" على اسواق عديدة وكذلك على نجوم الرياضة. كما تختلف ايضا عن "الرأسمالية الحثيثة" للبنوك الخمسة العالمية الكبيرة. فالبرازيل وروسيا والصين والهند وكذلك اندونيسيا تمثل اليوم نصف طاقات القوى العاملة في العالم، وسوف تحتل عام 2020 نصف تجارة العالم. وإذا كان الاقتصاد الاوربي بطيئا غير انه مستمر، وهاتان الخاصتان انما تعكسان تأثير التراث الثقافي وطول عمر الحضارة الاوربية وتوحيدها منذ عصر غوتنبرغ، مثلما حققت صناعة الاعلام في الولايات المتحدة الامريكية "وحدتها الثقافية" وإذا كان الخمسة الكبار قد نجحوا في تقدمهم الاقتصادي، فقد تم ذلك في عصر الاعلام الرقمي.
ومع ان السوق العالمية ستكون في المستقبل للخمسة الكبار الجدد، وبخاصة الصين، فان لأروبا فرصة اخرى تستمدها من القوة الايجابية لمحتوى ثقافتها والتي من الممكن ان تراهن بها في عصر الاعلام الثاني.
الحداثة الفنية والثقافة المصنعة
مفهوم "الثقافة المصنعة" لأدورنو له معنى خاص في الحداثة الفنية لا يخرج عن سياق نظرته الجمالية. فهو ينطلق من ان العمل الفني والتجربة الجمالية في عصر الحداثة والمجتمع الصناعي المتقدم تعيش في وضع متأزم، لخضوعها إلى تقنيات غير مرئية يحددها ويسيرها المجتمع الرأسمالي. وإذا كانت هذه الأزمة لا تمثل "نهاية الفن"، فإن الفن فقد وظيفته الاجتماعية وأصبح موضوعا هامشياً وزائداً عن اللزوم في تحرير الحاجات الجمالية. فالرياضة والإعلام والتلفزيون والموضة وغيرها من وسائل الدعاية تقدم للأفراد بدائل جديدة وذلك بسبب التغيرات التكنولوجية التي " ثوَرت " الإمكانات التقنية وقادت إلى توسيع وامتداد كبير للفنون وخاصة في تقنيات الطباعة وفن التصوير والفيلم، وأخيرا تقنيات الصوت والصورة، ولكن في ذات الوقت، أدت إلى تجزئة الفنون وتحولها الى بضاعة تباع في الاسواق مما يساعد على انتشار الفنون الترفيهية بدلا من التمتع بالفن الرفيع والتبصر العميق فيه.
فبواسطة التقنيات الجديدة للثقافة الجماهيرية أصبح الفن "البرجوازي" عتيقا ولم تعد له تلك "الهالة والفرادة والأصالة" الفنية التي دعا إليها فالتر بنيامين ، وهذا في الحقيقة مؤشر على انحطاط الذوق الجمالي الذي كان يقوم على النظرة الطبيعية والمباشرة وكذلك على الرصيد الاجتماعي لأي عمل فني. وبدلا من ذلك ظهر الفن المجّزأ إلى الوجود والموجه إلى الجماهير، كما في الفيلم والتصوير، الذي يطلق العنان للفئات غير الواعية، ويجعل من عناصر الواقع الجديدة في متناول الجميع تقريبا، ومن منظور زمني ولكن مشوه. ومن هنا يبدو لنا أن أدورنو لا يهتم بالفن الجماهيري بقدر ما يهتم بصحة واستقلالية العمل الفني وتحرره من تصنيع الثقافة وتسطيحها الذي يظهر في الفنون الرفيعة وفي الموسيقى على وجه الخصوص، التي تمنح للفنون الحس المعاصر والحديث وذلك برفضها الواقع من أجل إعادة إنتاجه وتغييره وخلق " الفن الأصيل" الذي يحمل إمكانية هدم ما هو قائم، الذي يمثل جميع أنواع الخلق الفني وليس التشكيلي وحده ، الذي يتشبه بكل ما هو راهن وساخن ومغترب ويتطلب الجدة والتفرد والدينامية والتنافر، لأن الطابع المميز للتجربة الفنية هو المغايرة لما يجري في الواقع.
وينطبق رأي أدورنو على الموسيقى أيضا، التي يفترض بها ان تظل وفية على إعطاء مصداقية لقول الحقيقة، لأنها آخر التعبيرات البريئة عن الحقيقة في الفن. ولكن الموسيقى الحديثة وكذلك الفنون التشكيلية والأدب، تقف اليوم على حافة ما يمكن تسميته فناً، لأنها تجعل من الصدفة أو الحادثة أحد العناصر الأساسية فيها، وهو نزوع نحو وظيفة جديدة في المجتمع الاستهلاكي الحديث بعد ان فقدت مواقعها القديمة لصالح سلطة وسائل الدعاية والإعلان.
يقول أدورنو ان "امتلاخ الفن من قبل الفن نفسه" لا يعني إخراس الفنون، وإنما يصبح الفن، بواسطة الثقافة المصنعة، فناً غير مرهف ويتحول اليوم إلى بضاعة، كاسيتات(CD) لبيتهوفن وشونبيرغ، وأعمال لغوية وكتب يمكن شراؤها على شكل كتاب للجيب. وفي نفس الطريقة الميكانيكية تقدم فنون الثقافة الأخرى.
والشيء الحاسم، كما يقول أدورنو، ليس بيع الثقافة والفنون والاتجار بها، وإنما الطريقة التي تتغير بها الفنون والثقافة لتصبح منتجات سلعية تعرض كبضاعة مصنعة، وكذلك تغير الثقافة لتتحول إلى بضاعة شعبية رائجة.
واليوم حيث يقوم التصنيع على تصاميم وعمليات انتاج واعادة انتاج وتوزيع واستهلاك سلع جاهزة، تتبع الثقافة التصنيع أكثر مما يتبع التصنيع الثقافة. وما تنبأ به أرنوا قبل أكثر من نصف قرن، أصبح اليوم حقيقة قد لا يقبلها البعض، ولكن من المؤكد انه لا يوجد طريق آخر يتلاءم مع ما نعيشه في عصر عولمة الثقافة وثقافة التصنيع.
زهاء حديد: وداعا ً-إحسان فتحي جمعية المعماريين العراقيي
زهاء حديد: وداعا ً
أعزائي في كل أرجاء العالم
توفيت هذا اليوم (31/3/2016) المعمارية العراقية العالمية الفذة، زهاء حديد، في احد مستشفيات ميامي اثر نوبة قلبية حادة بعد إصابتها بالتهاب شديد في القصبات الصدرية. وتغادرنا زهاء وعمرها 65 سنة وهي في قمة عطائها المبدع والذي أذهل العالم والأوساط المعمارية خاصة لكونها ليس فقط عراقية وعربية ولكن أيضا لكونها امرأة تعرضت لشتى الانتقادات والاتهامات وحتى الشتائم ولكنها صمدت وتحدت وحققت نجاحات وجوائز غير مسبوقة وبسرعة مذهلة. إن رحيلها المفاجئ يشكل خسارة كبيرة جدا للعراق وللمعماريين في جميع أنحاء العالم
تعازينا الخالصة لعائلتها وذويها وأصدقائها ومحبيها في كل مكان.
إحسان فتحي
جمعية المعماريين العراقيي
أعزائي في كل أرجاء العالم
توفيت هذا اليوم (31/3/2016) المعمارية العراقية العالمية الفذة، زهاء حديد، في احد مستشفيات ميامي اثر نوبة قلبية حادة بعد إصابتها بالتهاب شديد في القصبات الصدرية. وتغادرنا زهاء وعمرها 65 سنة وهي في قمة عطائها المبدع والذي أذهل العالم والأوساط المعمارية خاصة لكونها ليس فقط عراقية وعربية ولكن أيضا لكونها امرأة تعرضت لشتى الانتقادات والاتهامات وحتى الشتائم ولكنها صمدت وتحدت وحققت نجاحات وجوائز غير مسبوقة وبسرعة مذهلة. إن رحيلها المفاجئ يشكل خسارة كبيرة جدا للعراق وللمعماريين في جميع أنحاء العالم
تعازينا الخالصة لعائلتها وذويها وأصدقائها ومحبيها في كل مكان.
إحسان فتحي
جمعية المعماريين العراقيي
قصص-وقائع التقرير صفر- عادل كامل
قصص
وقائع التقرير صفر
عادل كامل
1 ـ وقائع التقرير صفر
2 ـ نهار مزدحم بالضوضاء أو[هكذا قال القرد للحمار]
3 ـ موكب سعادة المدير
4 ـ رائحة ما
5 ـ عصر الحرير
6 ـ لا احد سوى الجميع
7 ـ اللا احد
8 ـ ممرات
9 ـ لعبة الحبال
10 ـ اعترافات كبش أو الجنرال لا يتكلم
11 ـ الثعلب في المغارة
12 ـ حافات
13 ـ مستنقع الضفادع
14 ـ الشق
15 ـ ولادة
*لمتابعة الكتاب على الرابط التالي
http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcFc6N
وقائع التقرير صفر
عادل كامل
1 ـ وقائع التقرير صفر
2 ـ نهار مزدحم بالضوضاء أو[هكذا قال القرد للحمار]
3 ـ موكب سعادة المدير
4 ـ رائحة ما
5 ـ عصر الحرير
6 ـ لا احد سوى الجميع
7 ـ اللا احد
8 ـ ممرات
9 ـ لعبة الحبال
10 ـ اعترافات كبش أو الجنرال لا يتكلم
11 ـ الثعلب في المغارة
12 ـ حافات
13 ـ مستنقع الضفادع
14 ـ الشق
15 ـ ولادة
*لمتابعة الكتاب على الرابط التالي
http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcFc6N
المفردات الجديدة في لوحات الفنان علي رشيد-صالح الرزوق
المفردات الجديدة في لوحات الفنان علي رشيد
صالح الرزوق
شكلت صداقتي مع الفنان العراقي علي رشيد والمقيم في هولندا هاجسا لمتابعة أعماله التي كثيرا ما جعلتني أنقاد لخصوصيتها، بل لتحولاتها الشكلية والذهنية، فقد تميزت أعماله بتبديل مستمر في المفردات. وبرأيي إن أفضل مدخل للكلام عن هذه الظاهرة هي أن نضع علي رشيد ضمن الإطار العام للفن الموجود على الساحة اليوم.
إنه فنان يقودنا إلى الأطراف، ويترك المتن- المركز وراء ظهره. بل يلغي فكرة المركز والمناطق الأليفة من ذاكرتنا الفنية ويعتم عليها. ويرفض أن يكون تقليديا. بمعنى أنه لا يستوعب المعنى الكلاسيكي للحداثة.
إن حداثة علي رشيد لا ينقصها التطرف. فهي بلا صورة وتبني كل فلسفتها على التصور أو الفكرة. وأعتقد أن أهم شيء فيها هو تحدي منطق النهايات. كل لوحة تبدو بداية من غير أثر للماضي.
وإذا تحدى بيكاسو العقل المنطقي في تصويره للإنسان والأشياء والطبيعة، فإن علي رشيد وأقرانه ذهبوا بالفن إلى مخيلة قوامها الابتكار والعفوية. فكل خط يبدو عفويا وكل لون بعيدا عن البتون المعروفة.
وكأن اللوحة تتعمد الانتقام بشوفينية لا تهاون فيها من منطق الأصول. إن مغامرة علي رشيد تتلخص في بناء عالم بلا قواعد ومن غير خلفيات.
لكنه لا يبدل معاني مفرداته اعتباطا إنما يبحث لها عن محددات، وخيارات بصرية تتطرف أيضا بزهدها. فهو يحصر تجربته ضمن اللون الأبيض ووسط هذا البياض يوهمنا باللون، ويصنع طيفا شفافا يتراوح مابين الرصاصي والأزرق مع ظل باهت. وخلف هذا الشحوب يقدم لنا بديهيات بصرية مثل الفراغ والفضاء والماء والتراب وغيرها من العناصر البسيطة. إنها تجريدات يمكن إسقاط ذاتك عليها. وفي نفس الوقت يمكنك أن تستدل منها عن عبرة اجتماعية ونفسية.
فالكآبة لها لون. والسعادة لها مساحة. والحوار له قوام. بينما التأمل والمونولوج يكون بشكل كتل منطوية على نفسها ومتداخلة بفوضى عجيبة ومدهشة.
كذلك لا تخلو لوحاته من فلسفة خاصة بالحركة. ففي كل لوحة مشهد لطبيعة نفسية بحالة ركود. إنما يطرأ عليها تبدل في اللوحة التالية. وعليه يمكنك قراءة اللوحات في أي معرض وكأنها مفردات في جملة تامة.
ولا يمكن أن تستغرب ذلك ما دامت لوحاته أقرب للمجاز من الواقع الملموس. فهي تعبير عن انطباع تجريد مطلق لحالة. وأفضل تعبير لهذه الحالة هو ما يسميه كامو بالعبث واللأادرية واللامبالاة.
أنت تلاحظ أن محتويات لوحاته هي كتل تبدو مهمومة وتثقل مساحة العمل. وتكون على هيئة سراب يبدل مكانه من لوحة لأخرى فيكون في العمل الأول قرب الوسط وفي الذي يليه قرب الأطراف. وأحيانا يكون شاقوليا من الأسفل إلى الأعلى. مما يدل على موضع الهم الغامض ولكن ليس على مغزاه.
لقد كانت لوحات علي رشيد القديمة بلون الحبر الأزرق. وتغطيها كتل صماء ومسطحات. مما يعني أن الحياة واقعية. بمتناول الإدراكات والأحاسيس العامة. ولكنها الآن مفاهيم مبهمة متجردة. والتجريد هنا بمعنى التمرد على المغزى الثابت.
إن ما طرأ على تلك اللوحات الصامتة والممنوعة من الحركة والحاملة للأثر لا يعدو أن يكون إزاحة مع تقريب.
والإزاحة تعني التهرب من الكتل العازلة للمنظر. والتقريب يعني إتاحة كامل فضاء اللوحة للحالة النفسية بحيث تصبح مرئية. منفصلة عن صاحبها ومنتجة للمشهد ككل. وهذا يعزز مفهوم التغريب البريختي بأبسط صوره. وبالتالي يوفر لسلسلة اللوحات الحد الأدنى من الدراما.
لقد قدم علي رشيد في هذه اللوحات نفسه وأتاحها للمشاهدة. وهي نفس لحظية. يعني ابنة هذا الطور من النظرة نحو الداخل. باتجاه ما يسميه غراهام غرين (الرجل الذي يحتلني(.
والمقارنة مع غراهام غرين مبنية على قناعات متحولة. فأعمال علي رشيد تتطور من الطبيعة الخارجية إلى القلق النفسي. ودائما يكون الإسقاط بالنظر وبالاعتماد على المشاعر الملتهبة في منطقة الإدراك بالخطأ. الأمر الذي يعني أن اللوحة هي ارتداد آخر من الباطن إلى الباطن.و من حيز الأفكار والواقع إلى حيز الروح والميتافيزيقا المادية.
كان اهتمام علي رشيد ينصب على مسطحات غير شفافة. ولكنه أصبح يهتم بنواة تختزل فكرته. ومع أنها فكرة فهو يترك حرية تفسيرها لعين كل مشاهد على حدة، كي يعبر دائما عن حالة التمزق والتشرذم والتجزئة التي يعاني منها الكائن .
وأرى أن هذا تبسيط لفلسفته السابقة في التشكيل وعلى مرحلتين:
أولا اللون ينحدر من الداكن إلى الباهت والشفاف. وهذه علامة على تقليل واختصار غموض الإدراك.
وثانيا الكتل. فهو كذلك يختصر مساحتها وأعدادها. يدمجها في كتلة واحدة. وحتى في لوحة الكولاج يضيف لمسات من حياتنا اليومية ويترك بؤرة إبهام واحدة فقط. وهو دليل آخر على اختصار إشكالية الاغتراب. وتصعيد معنى الألفة. فالمشاهد يستطيع أن يحصر العقد النفسية في مربع واحد. هذا لو أنه استعمل النظرة البعيدة. ثم بإمكانه تفكيك المربع إلى عناصره لو استعمل النظرة القريبة إلى أن يتفاهم معها ويتأقلم مع عقدتها لتكون جزءا من البنية والواقع المعاش.
إنه واقع أشبه بكذبة تتحول إلى جزء لا يتجزأ من الحياة. وبالتدريج تنتشر بشكل غامض لا بد منه.
ولكن وراء كل ذلك تجد عقدة. والسؤال هل هي نفسية أم اجتماعية؟.
أميل للقول: كلتاهما.
نفسيا يحاول أن يهرب مما يدرك. فهو ضعيف الإيمان بالواقع الطبيعي المعاش. وليس من الممكن أن تشاهد شيئا في أعماله غير الأثر أو العلامات التي يتركها مرور الحياة على المشهد.
وإن هذا الغموض الذي يُعنى بالهرب من المرآة ويحذر من النظر فيها. ويختار بلا تردد الانطواء على النفس، وتنمية جو باطني سابق للتمثيل والتصوير والتشكل. يدل على ضعف الإيمان بالذات. والاتكال على الذهن العام بافتراضاته. حين تكون عملية الخلق مجرد فكرة.
وأغلب الظن إن اللجوء إلى عالم الأفكار والتكهنات، بعيدا عن الإدراك المادي والملموس، ينطوي على خوف من الإضاءة. فالفنان في هذه الحالة يفضل التعتيم كي لا يرى واقعه المخيب للآمال. وطبعا الواقع هنا يدل على حال الذات الفنية وليس الواقع الشخصي. فالذات لديه بشكل عام تعاني من الرهاب.
أما في المنحى الاجتماعي لا يبدو الفنان علي رشيد اجتماعيا على الإطلاق. فهو لوحده. أو في فراغ رمادي وخانق ومساحته في اللوحة تمهد للإيحاء بضجر أو سأم وجودي من التفاصيل.
وبمقياس الفن العدمي الذي تخصص به فاتح المدرس، وجرد شخوصه بكتل ووجوه وأشكال هندسية، يبدو علي رشيد لا أدريا بالإضافة إلى أنه نهلستي.
فهو لا يمحض ما حوله بأي جهد لتعريفه. ويترك هذه المهمة لمن يؤمن بالحواس الخمس.
وهو يكاد يعترف أنه لا يرى في الحياة أي مجتمع. ولا أي حامل لهم اجتماعي ولوازمه. بالعكس إنه يملأ المساحة بفراغ يحتاج لحدس. ولشحذ كل قدراتنا على التأمل من داخل تجربة الضياع والتشرد ثم العزلة المطبقة.
فالألوان يختزلها بلون واحد وتدرجاته. والأشكال يختزلها بإيحاءات تقوم على التشكيل والإلغاء. ونادرا ما تخلو له لوحة من خطوط صبيانية لم أجد لها ترجمة وظيفية.
ما هي وظيفة هذه العلامات المبهمة؟.
إنها خط قلم رصاص يعاني من الفوضى وانعدام الهيئة أو الصورة.
طبعا الفن بحد ذاته تصعيد لغريزة تعاني من عصاب وموانع ومكبوتات.
ولكن أسلوب التصعيد هنا عكسي. إلغائي. ومؤشراته تدل على اتجاه داخل الفكرة الفنية.
فهل هذا هو ما نريده من الحداثة؟.
العودة إلى لحظة الوعي الأول والإحساس بضرورة التعبير عما حولنا برموز لن تنقل الصور ولكن تنقل التجربة وتؤكد على مبلغ دهشتنا مما نحن فيه.
أو بتعبير جبرا إلى فجر البشرية حين لم تكن الفلسفة موجودة وأساطير التكوين في بداياتها.
هناك اعتقاد سائد أن وراء أدبيات المازني عقدة الرهاب من الأفاعي. لذلك كانت شخصياته دراماتيكية وقليلة الحركة وكثيرة السخرية والهجاء والمرارة. ونجزم أن خلف لايقينية السياب عقدة الخلقة الدميمة (بشاعة الوجه). لذلك اختار القصيدة التموزية التي تضع النهاية في مكان البداية. وتحول الحياة إلى دائرة مغلقة من الندب والسخط وإهراق الدموع أملا بتحويل الأزمة الخلقية وندوبها إلى قضية نفس أو ذات.
ولكن إلغاء الأشكال في تجريديات علي رشيد وأقرانه يدل برأيي على قلة الثقة بالعالم المعاصر والرغبة بيوتوبيا تضمن للإنسان العدالة أولا. والحرية ثانيا.
وعليه كان التجريد سلوكا في الهدم وليس التثبيت. ثم فلسفة في النكوص إلى لحظة ما قبل المحاكاة.
وطبعا هذا بانتظار ما ستسفر عنه هذه الوعكة الأخلاقية. فمن غير يقين لا يمكن لأحد أن يمتلك، في لوحته، جزءا من المجتمع الذي يمقته. سواء هو بيت أو صديق أو شريكة حياة تؤانس وحشته ونفوره.
ولذلك علينا قراءة أعمال الفنان علي رشيد بمقاربات متعددة، لأننا سنقرأ فيها ذواتنا الضائعة بين أطياف اللون الواحد. ولنفهم هنا معنى اللون بالدال النفسي والبصري.
ناقد وكاتب ومترجم من سوريا
الجمعة، 25 مارس 2016
كتاب جديد لغالب المسعودي-المثقفون العرب مكارثية جديدة
وصلت اليوم النسخة الورقية من كتابي الثاني
لهذه السنة والمعنون المثقفون العرب مكارثية جديدة الكتاب في مائة وثلاث وسبعون
صفحة من القطع الكبير كل المقالات منشورة في صحيفة الحوار المتمدن وسومريننت و
مركز النور وجمعية الكفاءات العراقية يحتوي الكتاب على مقالات فكرية ونقدية تدور
في معظمها عن واقع الثقافة الان اتمنى لكم متابعة ممتعة.
عادل كامل الذي تفوّق على نجيب محفوظ ولم ينل شهرته- وفاء السعيد
عادل كامل الذي تفوّق على نجيب محفوظ ولم ينل شهرته
وفاء السعيد
عادل كامل ينتقد كتب التراث العربي ويقول إنها لا تصلح إلا أن تكون
كتبا يتسلى بها القارئ وتعينه على النوم، مسددا ضربة قوية لكل الموروثات الثابتة.
لا مراء في أن الأديب “العالمي” نجيب محفوظ قد استحق عن جدارة صفة
“العالمي” المتبوعة بالأديب، لتعبر عن تلك الشهرة الواسعة التي حظي بها أدبه والتي
اتسعت بالقدر الكافي لتتخطى حدود القطر، بل المنطقة العربية والإسلامية بأسرها
لتصل به إلى بلدان وثقافات عديدة، إذ ترجمت أعماله لعديد من اللغات الأجنبية.
بالإضافة إلى كونه الأديب العربي الوحيد حتى الآن الذي حصل على أرفع جائزة بوسع
أيّ أديب أن ينالها، وهي جائزة نوبل في الآداب عام 1988، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن
أيّ أديب عربي آخر إلا أن يصل إلى قائمة الترشيحات لتلك الجائزة العالمية. وبذلك
أصبحت كتابات محفوظ هي نافذة القارئ الغربي على مجتمعاتنا.
ولا أقابل أحدًا من الباحثين
الغربيين أراد أن يتخصص في دراسة ثقافتنا العربية إلا وكانت إحدى روايات محفوظ
المترجمة هي سبيله إلى ولوج هذه الثقافة الغريبة عليه، وكثيرًا ما يصطحبون روايات
مثل “بين القصرين” أو “زقاق المدق” وغيرها في حقيبة سفرهم وهم قادمون إلينا
لاستكشافنا، وفي وعيهم الصورة التي رسمها لهم محفوظ في كتبه، فيقيسون مدى قرب أو
بعد الواقع الحالي منها، فأصبح بذلك جزءًا من معيار حكم الآخرين علينا. وربما كان
إغراق محفوظ في “محليّته” هي التي أدّت به إلى فضاء العالمية الواسع.
ولكن هل طغى نجم شهرة محفوظ
المتوهّج على ما عداه من المبدعين من أبناء جيله فأصاب نجمهم الأفول واعترى سناهم
الوهن، فلم يبقوا في ذاكرة القارئ المصري سوى أشباح باهتة لا يُرى منها إلا ظل أو
خيال، ولا يصلنا من أعمالهم الإبداعية إلا النزر اليسير بعد أن يقفزوا فجأة لذاكرة
إحدى دور النشر، فتعيد طباعة أعمالهم الفذة، فتوقظهم من سباتهم العميق وتعيد جريان
الدم في أوصال شهرتهم الواهنة فتعطيها قُبلة حياة وتعيد إحياءهم في الذاكرة من
جديد. هل كان هذا خطأ محفوظ أم المبدعين المعاصرين له أم هم المخطئون؟ أم أننا نحن
المتلقين لدينا ذاكرة ضعيفة لا تتكبد عناء التنقيب في الماضي؟
المنسي
عادل كامل، أديبٌ مصريّ من
مواليد عام 1916، تخرج في كلية الحقوق عام 1936. ليبدأ بنشر أعماله القصصية
والمسرحية مبكرًا، وربما كان أسبق في نشرها من عدد من كُتَّاب جيله، فنشر عدة
مسرحيات على نفقته الخاصة منها “شبان كهول” عام 1938، و”فئران المركب” ثم مسرحية
“ويك عنتر” عام 1941، كما نشر عددًا من القصص القصيرة في مجلة المقتطف في
الأربعينات من القرن الماضي، ومن أهم هذه القصص “ضباب ورماد” التي نشرت في يناير
1943.
وكان كامل قد هجر الأدب مبكرًا
حوالي العام 1945 بعد أن تشكك في جدواه ليلجأ إلى عمله الأصلي في مهنة المحاماة
التي جلبت له الثراء المادي واشتهر بها، إلا أن المخرج توفيق صالح كان يتردد عليه
ويزوره في أوقات متباعدة، وقد كشف لنا أن كامل لم يتوقف عن الكتابة بل ظل يكتب دون
أن ينشر.
بيان (في تأديب مليم في فنون اللغة
والأدب) لعادل كامل يعتبره الناقد شكري عياد باكورة من بواكير الحداثة، والأديب
خيري شلبي يقول عنه إنه تأسيس لثقافة جديدة بفكر جديد يتيح أدبا وفنا جديدين كل
الجدة، في إحدى يديه معول وفي الآخرى مسطرين، فالهدم والبناء يمضيان في خطوة واحدة
في اتساق مذهل
كتب عادل كامل روايتين “الحل
والربط” و”مناوشة على الحدود”، وقد قام نجيب محفوظ بنشرهما في مجلد واحد ضمن
منشورات “دار الهلال” عام 1993، إلا أنهما لم يُعد طبعهما ولا نجد لهما أثرًا في
المكتبات. بيد أن شهرة كامل في الأوساط الأدبية ترجع إلى روايته “ملك من شعاع”
التي نشرتها لجنة النشر للجامعيين عام 1941، واستقى موضوعها من التاريخ الفرعوني
والتي نالت الجائزة الأولى لمجمع اللغة العربية عام 1943، ونال نجيب محفوظ الجائزة
الثانية عن روايته “كفاح طيبة” التي كانت تعود أحداثها إلى التاريخ الفرعوني
أيضًا.
وقد تميّز كامل بالفعل في
روايته التي كانت أشبه بالبحث العلمي في حفريات التاريخ الفرعوني الذي وطّأ لها
بتقدمة، ثم ألحق بالنص الروائي قائمة مراجع تظهر شغفه بالبحث، مستخدمًا بذلك الأدب
كنوع من التقصي لسبر غور معين تلك الحضارة التي لا تنضب، كما أنه استغل روايته في
دعوة للسلام ونبذ الاقتتال والحرب بين الشعوب واستند إلى الحدث التاريخي كي يلقي
بظلاله على قضية إنسانية في ظل عالم اجتاحته الحروب العالمية والتطاحن بين الشعوب،
فاتخذ من شخص “أخناتون” الذي يؤرخ بأنه أول مَنْ اهتدى في البشرية إلى عقيدة
“التوحيد” قبل ظهور الأديان وإرسال الرسل والأنبياء، في زمن الوثنية وتعدد عبادة
الآلهة.
ويقول كامل في مقدمة روايته “فغزو الممالك أمر سهل لقربه من
الغرائز البشرية في أبسط صورها. ومثله حب الفخار وإظهار العظمة. ولكن المعجز حقًا
هو أن يستطيع فرد وحيد أن يقول لشعوب العالم أجمع: أنتم جميعًا مخطئون لأن الحقيقة
على هذه الصورة، ولم تكن الحقيقة التي وصل إليها ‘أخناتون’ حقيقة عادية”.
وقد كانت رواية محفوظ “كفاح
طيبة” رسالة في جوهرها، بالمقارنة برواية كامل، عادية تُظهِر قصة تلهب الشعور
والحماسة الوطنية وتزكي مشاعر رغبة الشعب في التحرر من نير الاستعمار، فاتخذ من
شخصية “أحمس” وقصته محورًا، والرواية مملوءة بمشاهد الحروب وتصوير الدماء
والاقتتال، فما ميّز كامل هو نبذه أصلًا لفكرة “الحرب” ذاتها وأن تُغير الأمم الأقوى
على الأضعف فتسلبها شرفها وحريتها، وأراد أن يرى الجميع العالم من المنظور
الرومانسي الأخلاقي الإيماني الذي أراد به “أخناتون” أن يرى العالم وأن يتخذ
اجراءات سياسية تحول دون تورطه في إراقة دماء الأبرياء، من أجل أن تزيد مساحة
المملكة المصرية وأن تُغير على شعوب الشام الآمنة ليضيف إلى سجلّ آبائه وأجداده
مزيدا من البطولات العسكرية الزائفة التي تأتي على حساب ملايين من أنفس الأبرياء
ويجني الفرعون شرفًا تخلده التماثيل ويُنقَش على الجدران وتُشيّد لأجله المعابد
ويسبّح بحمده الشعب على حساب أرواح البسطاء المساقين لجحيم المعارك، وهو ما لم
يستطع له سبيلًا وحاق بمشروعه الفشل الذريع.
وكانت الرواية التاريخية في ذلك
الوقت نمطا من الكتابة يغري هذا الجيل الذي تأثر بدعوة “سلامة موسى” للتمسك
بالهوية الفرعونية المصرية، وكان سبقهما صديقاهما “علي أحمد باكثير” و”عبد الحميد
جودة السّحار” في هذا المضمار.
نجيب محفوظ يصف عادل كامل بالقول إنه
“كاتب مبدع، من طليعة كتاب جيلنا بلا جدال”، ويروي محفوظ أن كتاب هذا الجيل كانوا
قد تعارفوا في العام 1942 لتضم مجموعتهم عادل كامل، وعبدالحميد جودة السّحار، وعلي
أحمد باكثير، ويوسف جوهر، والمخرج توفيق صالح، والشاعر صلاح جاهين وغيرهم. وخلعوا
على أنفسهم اسم (الحرافيش)
شلة الحرافيش
قال نجيب محفوظ عن عادل كامل
“كاتب مبدع، من طليعة كتاب جيلنا بلا جدال”، ويروي محفوظ أن كتاب هذا الجيل
تعارفوا عام 1942. الجيل الذي ضم عادل كامل، وعبدالحميد جودة السّحار، وعلي أحمد
باكثير، ويوسف جوهر، والمخرج توفيق صالح، والشاعر صلاح جاهين وغيرهم. وخلعوا على
أنفسهم اسم “الحرافيش”.
وكان كامل قد دعا محفوظ
للانضمام إليهم. وقتذاك كان الجميع في مستهل حياتهم الأدبية، وكان كامل في طليعة
هذا الجيل من حيث الجودة والامتياز كما يقول محفوظ. نستطيع القول إن نوعا من
التنافس الخفي والشريف أيضًا كان بين الكاتبيْن
المعاصريْن لبعضهما في ذلك
الوقت. ونستطيع أن نقسّم المراحل الروائية لدى الكاتبين ونضعهما سويًا في نفس
التصنيف؛ إذا كتبا معًا “الرواية التاريخية” المشار لها آنفًا فضلًا عن أن محفوظ
سبق “كفاح طيبة” بروايتين هما “عبث الأقدار” و”رادوبيس”، ثم انتقلا معًا إلى الأدب
الواقعي، فقد نشر راويته “مليم الأكبر” وكذلك محفوظ نشر روايته “السراب” في وقت
متزامن، وتقدما بها معًا للتسابق لنيل جائزة مجمع اللغة العربية، وقد منيا معًا
بخيبة رفض إعطاء الجائزة لأيّ من المتنافسين، وهذا كان السبب وراء هجر كامل للأدب
والتشكك في جدواه بعد صدمته. كما أنهما كتبا الرواية التجريبية وإن لم يقبل كامل
بعد ذلك على نشر أعماله، فكتب كامل “مناوشة على الحدود”، وكتب محفوظ “اللص
والكلاب” وعددًا من الروايات.
غيظ الصديق
أغلب الظن في عودة كامل للكتابة
هو فوز محفوظ بجائزة نوبل للآداب. وقد أعلن الكاتب زكي سالم في كتابه المنشور
حديثًا عام 2014 بعنوان “نجيب محفوظ .. صداقة ممتدة” أن عادل كامل بعد فوز محفوظ
بنوبل كان قد قال “الآن فقط أعلن أنني أخطأت حين توقفت عن إكمال مشروعي الأدبي”.
ربما هذا ما ميّز شخصية محفوظ الدؤوبة ما انعكس في غزارة إنتاجه الأدبي واستمراره
في الكتابة، وقال محفوظ إن كلام عادل كامل عندما أصيب بالإحباط وبدأ يتشكك في جدوى
الكتابة الإبداعية “أخذ كلامه يدور في هذا المعنى، حيث أنه لو أن كلامه أثّر فينا
تأثيرًا حاسمًا لكنا جميعًا هجرنا الأدب مثله”. ولكن لا نريد الحكم على موقف كامل
بالسلبية ربما أراد أن يسجل موقفه الاحتجاجي من المشهد الثقافي برمته بأن يبتعد
عنه وتلك كانت طريقة مبدع حقيقي يحترم نفسه ولا يتخذ من الأدب حرفة أو صناعة كما
انتقد هذه التسمية.
على أن صدمة عادل كامل في
امتناع مجمع اللغة العربية عن إعطائه الجائزة عن روايته “مليم الأكبر”، حرمتنا من
أن يستكمل أديب نابه مشروعه الأدبي والروائي، وأهدتنا نصًا تأسيسيًا بديعًا هو “في
تأديب مليم في فنون اللغة والأدب”. اعتبره الناقد شكري عياد باكورة من بواكير
الحداثة، والأديب خيري شلبي قال عنه “تأسيس لثقافة جديدة بفكر جديد يتيح أدبًا
وفنًا جديدين كل الجدة، في إحدى يديه معول وفي الآخرى مسطرين، فالهدم والبناء
يمضيان في خطوة واحدة في اتساق مذهل، فلم يكن غريبًا إذن أن يكون البيان الأم،
الذي تولدت منه كل الأفكار والقضايا الحداثية الدائرة الآن في الساحة الثقافية
العربية، حتى نستطيع القول وبضمير مستريح إن جميع مقولات الشاعر السوري أدونيس
الخاصة باللغة العربية وبالشعر وبالتراث العربي، مأخوذة من هذا البيان الفذ. إن
هذا البيان يعتبر أهم بيان حداثي في تاريخ الأدب العربي الحديث”.
شهرة كامل في الأوساط الأدبية ترجع
إلى روايته 'ملك من شعاع' التي نشرتها لجنة النشر للجامعيين عام 1941، التي استقى
موضوعها من التاريخ الفرعوني ونالت الجائزة الأولى لمجمع اللغة العربية عام 1943،
بينما نال نجيب محفوظ الجائزة الثانية عن روايته 'كفاح طيبة'
الأدب المصري المنكوب
أعلن كامل في بيانه أن حسبه
محاولة إرضاء غيره ولن يرضي بعد اليوم سوى نفسه. إلا أنه أبى أن ينزوي قبل أن يقول
كلمته ثم يحمل حقيبته ويرحل إلى داخل نفسه. قدم نقدًا واعيًا لقضايا غاية في
الأهمية تؤكد ريادته في هذا المجال. فقام بنقد كتب التراث العربي وأنها لا تصلح
إلا أن تكون “كتبًا للفراش” ما يتسلى بها القارئ وتعينه على النوم. كما أنه سدد
ضربة قوية لكل الموروثات الثابتة والتي رآها السبب في نكبة الأدب العربي.
وانتقد أسلوب الكتّاب المعاصرين
الذين يسيرون على النهج القديم بوصف “الجاحظ” وغيره مقياسا لما يجب أن يكون عليه
الكاتب العربي الحق، فأفسد هذا الاعتقاد الأدب العربي قاطبةً وخلّف لنا تراثًا من
ألفاظ وكلمات حتى ظن كامل أن الأمة العربية أمة تقتات على اللفظ وتعيش عليه ولا
تعرف الأفعال. كما أن الإسراف في استخدام “البلاغة” وحشو النصوص بغريب الألفاظ
المترادفة والمسجوعة قد أضعف وأفقر اللغة العربية في آن والتي يفتخر البعض بثرائها
للسبب نفسه.
أكد كامل على أن لغتنا الثرية
هي في واقع الحال لغة غاية في الفقر لأنها لم تتعدَ كونها لغة الزمان والمكان، فهي
لغة بدوية بدائية وما التعقيد في ألفاظها إلا دلالة على أنها لغة ارتبطت بتأدية
وظيفة معينة في بيئتها ولا يصح أن يستعمل الكاتب العربي المعاصر نفس تلك اللغة
القديمة ولا أساليبها البليغة البالية، بل يجب أن تحدث “ثورة” فكرية ولغوية تمحو
القديم وتستبدله بما هو نافع.
فالأمم المترقية عندما تخلت عمّا يثقل لغاتها من أعباء كالإعراب
والقواعد النحوية أصبحت لغات طيعة مرنة غير عصية على الأجنبي تعلمها وتسهل للأديب
أن يحسن التعبير بها فأفاد منها أقوامها فتطورت بذلك ونضجت حياتهم الفكرية
والاجتماعية.
وفي هذا السياق يؤمن كامل
بالوظيفة الاجتماعية للأدب ودوره في النهوض بالأمم والشعوب وما تخلفت أمتنا
العربية إلا لأنها لم تقم بإصلاح مجال اللغة. وبهذا المعنى بحسب قول كامل ليس للغة
العربية آدابٌ بالمعنى المفهوم من الغرض الذي قامت به في الغرب، وفن الراوية
المنقول عن الغرب أساسًا، ففي رأيه أن الأدب الغربي هو الأدب الصحيح، وهو الذي
يلبي حاجات مجتمعه، وإن أرادت الأمة العربية نهوضًا فعلى الجيل الجديد من كتابها
أن يتبنوا الاقتداء بما سبقهم في تحقيقه الغرب.
والجدير بالذكر أن جميع الآراء التي ناقشها كامل في ذلك الوقت كانت
تدور في إطار “الحداثة الغربية” وإيمانها بسيادة عقل الإنسان وقدرته على توليد
المعنى، وأن الفن محاكاة واستدعاء نظريات أرسطو وأفلاطون في الفن. إلا أن المشهد
الثقافي والفكري الحالي قد تبدّل تبدلًا شديدًا حتى أن كل المقولات التي تبناها
كامل ودافع عنها واجهت هجومًا شديدًا من قِبل ما بعد الحداثيين، وهذا تطور حادث في
الثقافة الغربية منذ عقود قليلة ماضية. ولكن بعد أن ترك كامل كلمته وبحثه الهام في
الحداثة الأدبية، علينا أن نتساءل هل حققت اللغة العربية والأدب العربي ما كان
يصبو إليه طموحه وقتذاك؟ فمازال الطريق أمامنا شاقًا وطويلًا.
رحل عادل كامل عن عالمنا في عام 2005
بهدوء كما أراد لنفسه دون أن يثير ضجة أو يشعر به أحد وترك لنا نزرا يسيرا من
النصوص التي لا تشبع نهم القارئ من موهبته التي نتحسر على عدم استمرارها.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)