الجمعة، 20 فبراير 2015

عراق الحلم - آمال الزهاوي

عراق الحلم








آمال الزهاوي

مهما طوفتُ بعيداً
ورحلتُ .. وجئتُ
بعدتُ .. قربتُ
لكني اعرف اني اتدفؤ فيك
بلحافك عند البردْ
فانام قريرةَ عينٍ
في القرب او البعدْ
اعرف انك جوري الورد  


مااسعدني  حين تنام بقلبي
جمبدة الوعد
وانا اتدفؤ من الق الجوري ّ
بظل السعد ْ

اتنسم ُ من عطره في القربِ او البعدْ
فما ابهاني
وما اسماني حين انامُ على نهرين ِ حبيبينِ يموتانِ من العشق
ويقتربانِ هنا في بغداد ويختصمانِ .. ويبتعدان
ويسيران مليّاً

يلتقيان معاً
ويعطي هذان الاثنان وليداً رباني

يحبو في وجلٍ
برؤى طفلٍ فتان
يزهو من خلل الوصل
فما ازهاني
هل يوجد في الكون
مكانٌ كمكاني ؟


بغداد 7/3/2008


 

رحيل الشاعرة العراقية آمال الزهاوي - كانت تعيش شبه عزلة لظروفها الصحية اخر حوار صحفي مع الشاعرة الراحلة آمال الزهاوي عبد الجبار العتابي


كانت تعيش شبه عزلة لظروفها الصحية
اخر حوار صحفي مع الشاعرة الراحلة آمال الزهاوي
عبد الجبار العتابي
 



رحيل الشاعرة العراقية آمال الزهاوي
بغداد: اجرت (ايلاف) حوارا مع الشاعرة العراقية آمال الزهاوي قبل رحيلها بوقت قصير،هو الحوار الأخير لها قبل ان تتدهور حالتها الصحية، كان عبر (الفيس بوك) لانها كانت ترفض استقبال احد للظرف الصحي الذي تعاني منه.
بهدوء.. ودون ادنى ضجيج،وبعد صراع طويل مع الأمراض والأوجاع والانزواء، رحلت يوم الاربعاء الحادي عشر من شباط / فبراير 2015  الشاعرة العراقية الكبيرة السيدة آمال الزهاوي عن عمر 69 عاما في احد مستشفيات بغداد، رحلت بهدوء مثلما عاشت سنواتها بهدوء وبعيدا عن الاضواء،منغمسة بالقراءة وكتابة الشعر فيما اتاح لها الانترنت فرصة في التفرج على العالم بعد ان احاطت نفسها بما يشبه العزلة،وعبر الانترنت كانت فرصة الحوار معها بعد ان كانت حالتها الصحية الصعبة تحول دون فرصة الحوار وجها لوجه، ويبدو انها لا تريد ان تثلم كبرياءها خاصة انها بشلل نصفي ومقعدة.
  امال الزهاوي تعد من اشهر الاسماء التي تصدرت المشهد الشعري في العراق بعد الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة، وظلت تتوهج بالشعر وتعيش متعته وتواصل حياتها فيه على الرغم من الظروف الصحية الصعبة التي تحمد الله عليها.
  وعنها بعد اللقاء كتبت عنها هذه المقدمة للحوار:
   على الرغم من ان وضعها الصحي متعب وسنواتها الاخيرة مثقلة بالعذابات بعد ان داهمتها الجلطة التي منحتها (كرسيا متحركا) و (يدا) مثقلة و (لسانا) لا يقوى على النطق الا قليلا، الا ان الشاعرة آمال الزهاوي لا زالت تنبض بالشعر وليست غائبة عن المشهد الا برضاها لانها لا تتواجد في كل الامكنة كعادتها،منعزلة قليلا لكنها منشغلة بشعرها الذي اصبح عالمها السري والسحري والذي تجد فيه متعتها ولها فيه مآرب اخرى تعبر فيها عما يختلج في نفسها فتنشره دون تردد، فهي واحدة من الشاعرات العراقيات اللواتي تركن بصمة واضحة على الشعرية العراقية، شاعرة مميزة مسيرتها الشعرية والحياتية بالكثير من المميزات التي يحفظها لها الكثيرون، وتؤكد انها منذ انطلاقتها وصدور اول مجموعة شعرية لها عن دار العودة في بيروت عام 1969 ترفض ان يقدم لها شاعر او كاتب مجاميعها الشعرية.. وما اعتادت ايضا ان تقوم بعملية التعريف والتحليل لنتاجاتها، لانها تترك للاخرين حرية البوح والتحليل والقراءة لكتاباتها، هنا حاولنا اخراجها من عزلتها الاعلامية وحاورناها.
اين انت الان؟،الا ترين انك غائبة عن الاضواء،ما سر اعتكافك؟
-  انا في العراق، لا.. لست بغائبة عن الاضواء انا هكذا لا اتواجد كثيرا منذ بداياتي.
- كم ديوان شعري اصدرت؟ واي منها تشعرين انها الانضج بالنسبة لك؟  
.  12 ديوانا صدرت وكلها بالنسبة لي ناضجة لكن الاقرب لي هو  ديوان الشتات-
- لك ديوان يحمل عنوان (فيوضات) ماذا تقصدين به وهل ثمة اسرار وراءه التسمية؟
- الفيوضات هي تجليات روحية وفيها نفس صوفي.

- ما ابرز المراحل في مسيرتك الشعرية ولماذا؟
 - كل مرحلة هي بارزة في وقتها لكن الان اشعر بالنضوج الشعري اكثر وبالعمق الفكري فمثلا البدايات كان فيها عذوبة ونفس عاطفي اكثر والان الطعمق الفكري والحس الوطني هو الطاغي في شعري الان
 - ما المواضيع التي تتناولينها في قصائدك / وهل اختلفت بين مرحلة واخرى؟
- تناولت مواضيع مختلفة ومتشعبة وكثيرة تدخل فيها الاساطير والرؤى والاقنعة والروحانيات ومواضيع عديدة كلها لها طابع فكري فلسفي.
- استوقفني عنوان لمجموعة شعرية لك (آبار النقمة) الا ترين انه ليس شعريا وصادما؟
 - لان واقع العراق صادم وهويتنا والاحتلال وماحدث بعده من تناقضات وهو ادق عنوان لهذه المرحلة التي احد اسبابها ابار النفط ومافيها من نقمة، اليس هذا العنوان اكثر العناوين دقة واستجابة لهذا الحدث الصادم؟
- اينك من قصيدة النثر، ما رايك بها؟
-  ان الموسيقى شيء مهم في الشعر وانا اعتبره من ضروراته والموسيقى عندي سهلة استطيع ان اكتب بموسيقى شعرية واستطيع التعبير بدقة عن الافكار التي تدور في راسي فلماذا افقد شعري موسيقاه؟ ان الكثير من الذين يكتبون قصيدة النثر ليست لديهم القدرة الموسيقية في التعبير عن افكارهم ولكن هناك بعض الاسماء التي تعبر بقصيدة النثر بشكل جميل وفيه صور شعرية مدهشة زلغة مكثفة معبرة ومطواعه وهذا هو المطلوب في قصيدة النثر.
- اي الاشكال الشعرية تمنحك حرية البوح؟
 القصيدة هي التي تفرض شكلها واستطيع من خلال هذا الشكل الذي اختارته لي الفكرة حرية البوح.-
 - هل وراء اهتمام بالاسطورة سر ما؟ هل انتهى لديك هذا الهاجس؟
- في البداية كنت استخدم الاسطورة بكثرة وكنت احس بها وكانت تاتيني بشكل طبيعي حتى اصير جزءا منها حيث كنت اتمثلها، كنت احب الاساطير ومنها الاغريقية والاساطير العراقية القديمة والان هو لم ينتهي تماما موجود لكن بشكل ا فمثلا استخدمت كلكامش في قصيدتين احداهما قديمة في قصيدة العائدون من بحار الموت والثانية في قصدة من رحلات كلكامش وكل منها تعبر عن جانب من الاسطورة.
- ما الذي تجدينه في الشعر ولا تجدينه في الرواية او القصة مثلا؟
   - الشعر هو تنزيل مكثف كانه ياتي من السماء اما القصة فهي لقطة من الحياة اما الرواية صورة مجسمة عنها.
- اصبحت قصيدة النثر هي الغالبة... برأيك لماذا؟
 - ان كنت  تقصد انها الاكثر رواجا، فذلك لانها بسيطة وسهلة.
- هل تعتقدين ان الشعر العمودي والشعر الحر ما عادا يناسبان عصرنا الحالي ولماذا؟
 - لا ابدا شعر التفعيلة هو اكثر شاعرية من جميع الاشكال حيث لاتفقد القصيدة موسيقاها وابداعها والشعر العمودي في بعض الاحيان يكون معبرا عن حالات معينه فلكل لون جاذبيته.
- هل تجدين ان الاصوات النسوية الشعرية تطورت او تغيرت ام مازالت في الظل؟
- تطورت الاصوات النسائية بشكل كبير ولدينا شاعرات لا يقل مستواهن عن ا لشعراء الرجال فمثلا الشاعرة بشرى البستاني قد تقدمت كثيرا في مستواها الشعري ووجدت عندها قصائد جميلة ومدهشة.
نبذة تعريفية:
     هي الشاعرة العراقية آمال عبد القادر بن صالح بن محمد فيضي البابان الخالدي ولقب الزهاوي  حملته الأسرة أخيرا نسبة إلى زهاو التي كانت إمارة مستقلة، وهي اليوم من أعمال إيران، ولدت في بغداد سنة 1946، تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة العربية، عملت بالصحافة والتدريس. بدأت بنظم الشعر العمودي إلاّ أنّها تحوّلت إلى الشعر الحرّ، وقد تأثّرت بكلمات جبران خليل جبران، وجبرا إبراهيم جبرا، جدّها الشيخ محمد فيضي مفتي بغداد، والذي كان شاعراً ومحمد فيضي هو ابن الملاّ أحمد بابان مفتي بغداد كان أجداده البابان من أمراء السليمانية، توفّي بعد عام 1279هـ، وعمّها الشاعر جميل صدقي الزهاوي، والشاعر إبراهيم أدهم الزهاوي.
أنشأت مع زوجها (عداي نجم) في حقبة الثمانينات؛ شركة للطباعة تضم دار للنشر باسم شركة عشتار حيث ساهمت بطبع الأعمال الأدبية للشعراء الشباب؛ فكانت ( مطبعتها ) أوّل من نشر للمبدعين من الشعراء؛ تحت عنوان (منشورات آمال الزهاوي) وهو حلم لم يتحقق للشباب لولاها، رحمها الله.



قصائد-آمال الزهاوي


قصائد



معادلة
آمال الزهاوي
لا يمكن أن يُعَرفَ هذا الإنسان
بجمع الحالات
لا يعرف هذا الإنسان بإحدى الحالات
لا يعرف هذا الإنسان بواحدة ٍ .. أو أخرى
بل انه يرقى
من كل تنامي الحالات

...


أُصـص


كم غالوا  الالق الورديّ
وكم حرصوا

تظهر في قلبي الأصص
توغل في زيف الفرحة
من حولي القصص
تنظر لي في جللٍ فرصُ

.. .

أباطيل

باطل ٌ .. باطلٌ
كل شيءٍ هنا باطلٌ
ثم قبض الرياح
المباح الذي لا يتاح
والحرام الذي يستباح
البيوت .. الشوارع باطلة ٌ
البقايا .. الزوايا .. الخفايا
الظلال ُ التي نسجت نفسها
مثل سجادة ٍ تشغل السوح
والشجرُ اليابسُ المتشنّج
 حيث الوريقات فوق الغصون
التي يبستْ كلها
والنخيل وقاماتها الباسقات
والرماحُ التي لا تصيب الهدف
والتماعٌ يئج ّ به هدفٌ لايتاح
والذين يمرون عبر الرصيف
وفوق الظهور همومٌ ، ترتدي ثقلها
في الصباح
والقوانين ُ آه القوانين
التي فصّلوها عليك
فكانت على القالب الذي فيه أنت
مهيأة ٌ .. والقراطيسُ آه القراطيسُ
قد رُتّبتْ
قبل أن ينجلي الامر
عند ارتفاع الستارة ِ
في موعد الافتتاح
..



بصيرة

فإذا ما جاء العسس
والتف على أفقي الحرس
تصعد من تحتي الفرسُ
وأنادي :
في مدّ الصوت : أيا فرس ُ
يتراءى لي شيء كالقلب
فاقرعه
يحنو في الحال الجرسُ

...



مناقير

ماذا نقول لكم
يمدُّ طائركم في ارضنا شجناً
القى علينا وبالاً
صار ممتحنا
والليل صار سنا
وهبَّ محتقنا

ابدتْ لنا دمعة الأحلام نابضة
الظل والوسَنا
وزقزقت حولنا كل القلوب التي ستحمل الكفنا
وحومت فوقنا كلّ الغيوم التي
تستعذب المَزنا
للله مرجعها
تبكي بحرقتها .. كي توقد الوطنا
يستدرجون به وجدانهم هاهنا
تسعى جميعاً لمد البرق اعيننا
تصير في واحدٍ معلوم
انت أنا
توقّدتْ دفقة الماسات في قلبه
وحوّمت عندها الاحلام والتمعت ْ
كماء بحر هفا يستقبل السفنا
او صار كالبيت مفتوحاً لها سكنا
لكنها عكسه تدير فعلتها
القت علينا جموح  النار والفتنا
اعطت له مالنا سراً ومامعنا
فاختلطت بيننا واستنفرت محنا
يالوعة رفرفت
تلقي لنا المفتاح في يدنا


هبّ الصراع بنا
حتى بدا علنا
تبدي النهارات احلاماً بها صخبتْ
في غير موضعها
القت حبالا من الأشواك نافرة
ينهدُ طائركم حزنا على وهنٍ
وجاء رابعنا
وجاء سابعنا يستنفر المدنا

...



أصفار الشمال

ونحن أصفار الشمال هاهنا
لم نطلق العقل إلى آخره
بما تودّ الذاكرة
وما تنص الدائرة
وما رأى أوله اوّلها
تقول هذه الرؤى
كيف التصور استوى
وهي التي قد أطلقت ما عندها
لأفة ٍ لاينتهي سؤالها
حتى وان قلنا لها لاتقربي
ماذا يساوي في الزوايا .. عندنا
تحطّمت في ليلة العنف
كوى أحلامنا

...
توحد

اسهرُ في الليل حزينه
اطفو
في صخب الاصوات
فيبلغني قبل الانصات

كي لا يسمعني
أحد ٌ
 في طيّ مدينه


...


شعر عراق 2006 عراق 2007- آمال الزهاوي

شعر
عراق 2006
عراق 2007





آمال الزهاوي

أي ُ عراقٍ أنت ؟
ولأي مدى في العنفِ تحولت ْ
وبأي الأشكال تجسدتْ

تتلظّى في أردية الفتنةِ غيظاً
بعضك يضرب بعضاً
لتعاني ما عانيت
عصفٌ .. عصفٌ يتوالى
  لمّا صليتُ على سجادةِ عمري
 في ظلِ بلادي
وبها قلقي وسهادي
أمسكتُ  على قلقٍ  كل مناديل ودادي
وعلى فيضِ شراييني .. وبلهفةِ أوردتي
انكشفت أحلام فؤادي

وتفرست بأقمار الرؤيا
وهنا في فوهةِ أحزاني
الدامية الآن رأيتْ
والصورة تتحرك من تحتي
ويحاصرني البرد ُ .. ولا زَيتْ
خارطتي  تتوهج في العصفِ
فلا صفحات الماء صَبت ْ
في ألق الهور ِ
ولا أشجار الجوز تلملمُ غيبتَها
الصورة تتوهج من حولي
في البعدِ المتكثّفِ
حين يهاتفني الصوتُ
فيطلقُ في الصمتِ نشيد َ الإنشادِ
ويدوّي في أقصى الأبعادِ
ويحاصرني الواقعُ
نصلٌ يتوجّع في الأكباد
وطيوف الهمِ ترفُّ على الأعواد ِ


في كل نهار ٍ
أتوهج بالحب الضاري
حيث يشعُ سنا
كل منار في بغداد
ولماذا ترتبكُ الأشياء بنا ؟
تتناثر أوردة عبر ظلال
يتمددُ في أرجاء حديقتنا
كالتنّين المتربصّ هذا الفمْ
تتفجّر قنبلة من دمْ

أتساءل  كيف يعاودني الهمْْ
وأنا  من دائرة البذلِ أتيت
في  لوعة آلامي عانيت ْ
من جذوة أيامي أعطيت
ليتكَ  ترسل قرصَ الشمسِ
على كل الناس .. وليتْ
علّ أكفا فرقها البعد تلاقت
واشتبكت ْ
في منظرِ صفوٍ أخاذ

أي عراق ٍ  أنت ؟
أي عراق ٍ  صرت
اتملّى وجهك َ وأدوس سهولك
أعلو كل شموخِ  جبالك
أبصر فيك وهاداً
لا أعرفها
هل أني أفهمك الآن ؟
أم اجهل كل تضاريسك ؟
واراك بقلبي تدمع
كشهاب ينفض لؤلؤهُ
في هذا الكون

أجساد دون رؤوس ٍ
ورؤوسٌ تبحث عن أجساد
هذي صورتك الدامية الأبعاد
أيد تتطاير .. ودماءٌ تتفجّر
أشلاء تتبعثر .. أقدام تطفرُ
ووجوه تطمسُ كلّ ملامحها النيران
وخارطةٌ من خلجات النفس
ترسمها بالأحمر فرشاة النحس
من يقرؤها ؟
فوق القار السائح تبصر أحلاما
تتهاوى في لحظات
وانطبعت أجداث
بسجلّ الدنيا


يا قطّارة حزني لا تنفلتي
وأمامك حشد الباكين
يجمعهم عرس الدمْ
باللون القاني
ولدائرة الآلام
سطور كتبت بمداد ِ

من يصنع هذا المشهَد ، ينزله ؟
للشارع فوق القار
ولماذا ؟
أنت الموؤدةُ والمظلومةُ
ذا تاريخك يشهّدْ
من يمسك أفئدة النفس
لكي لا تبرد
في قلب الحدث الأسود
وأمام شراك السيارات الملغومة
عبر عيون الأشهاد

يا صائد أرواح الناس .. ويا قنّاص الأجساد
للصبر أنين والصبح حزين
والوقتُ يشدُّ بأوتادِ
الأرواح ستصعد .. والأجساد هوت
تتخبّط في برك حمراء بلا ميعادِ
ضُمْ سهامك .. لا تطلقها للرائح والغادي
وانزع من نفسك سهم الصياد
يا من ترحل عبر مدى مجهول
فيه القاتل والمقتول
وضحايا تعبر في صف حداد ِ
من منكم
يصعدُ نحو نبيّ الحكمة والوحي ؟
من منكم يسطع في لون القمر الفضي
يظلله الله
في مزرعة القدر المكتوم
لمّا يتناسلُ فيها الموتُ كثيفا كالمعتاد
ويصير على استعدادِ

أشجار باسقة ٌ يثقلها الرمّان المتفجرُ
وثمارٌ تطلقها أشجان تتصاعد فيها الروح
تتداخل في الألق المفتوح
فمن منا يرضى ؟
ليدور حوالينا الظل المسفوح
ويطوف علينا ما سيكون
فماذا نفعل في الحين ؟
والبلوى إثْر البلوى تتواتر تحت مرامي العين

قل لي من أنت ؟
وكيف تكوّنت ؟
هل أنت عراقٌ ..  وعريق ؟
أم أنت عراك ؟

واديمك يحمل ُ الاف القتلى المجهولين
فنطوف على دائرة اللغز .. ونسأل ُ
من اين يجيءُ الجند الموتورون ؟
كيف يتناسل فينا الشهداء المغدورون
وها هي  تفلتهم من بين يديها رغبات الامريكان
ينسابون الينا من كل مكان


يا من زرعوا فينا كل الأضداد
كيف يكون الهم
وجبال الموج أنهدت فينا
وتناقضت الدنيا
لما استلقى الأصبع فوق الأزرار
ليهُب بردهات  الأمل المتمدّد ِ في الوادي
دفق ضباب
هل تقدر أن تمسكه ظلفات الباب
والأرض ... وأحراش الأرض يحوّلها
الظمأ الناريُ
إلى بعض يباب
يا جزر النار .. غزتنا
في هذا العصر الحيتان
وأمام الملأ الأعظم .. وعيون الأشهاد
دربكة هزّت اوتار العالم
وحناجر تهتف في الاصفاد
من اين يجيء الينا فيض الامداد ؟
وانت بداخل استار الخوف  تدين
وتداري نجمتك الثكلى
الذابلة الاطراف سنين
فمن يطلع فيك الغيظ
ويضيء ببرقك افئدةً لاتخبو
وتمطر فيك شجون
وتطير بجناحين من الوهم
بعيداً لليوم الوقادِ
..




آمال الزهاوي ... وداعا ً- وكالة أنباء الشعر- محمد السيد








آمال الزهاوي ... وداعا ً






وكالة أنباء الشعر- محمد السيد

أنتقد ناشطون وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والكتاب العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، إهمال الحالة الصحية للشاعرة آمال الزهاوي، التي رحلت صباح اليوم الأربعاء(18/2/2015) بعد معاناة طويلة مع المرض. وأشاروا في تغريدات لهم، بأن الفقيدة تعد أحد أهم الأسماء القليلة التي تصدرت المشهد الشعري والإبداعي في العراق بعد نازك الملائكة. وأعربوا عن استياءهم للتهميش واللامبالاة التي تم التعامل بها مع الشاعرة أثناء أزمتها المرضية.وفي تصريح إعلامي له، أنتقد الشاعر جواد الحطاب، تقاعس اتحاد الأدباء عن تلبية اتصاله وطلبه منهم إرسال طبيب إلى بيتها لكونها مقعدة ولا تستطيع الذهاب إلى المستشفى أو مراجعة الطبيب وليس معها سوى ابنتها؛ ولكنه للأسف -كما يقول- لم يسمع من الاتحاد سوى الوعود؛ بل لم يكلّف احد منهم حتى الاتصال بابنتها كـ "أداء واجب" على الأقل، لتنتقل إلى مغفرة من الله ورحمة وسعها السماوات والأرض.اتحاد الأدباء العراقي، نعي اليوم رحيل الشاعرة آمال الزهاوي. مشيدا بتجربتها ومسيرتها الإبداعية.وتعد الشاعرة آمال الزهاوي من شاعرات العراق المميزات، بدأت تجربتها في الستينيات وتخرجت من قسم اللغة العربية من كلية الآداب، وكان لديها نشاط في مجال الكتابة الأدبية والشعرية وأصبحت اسما أدبيا وثقافيا طيلة السبعينات والثمانينات كما لها مساهمات في كتابة المقالات السياسية في الصحافة العربية وكذلك الريبورتاجات .



الأربعاء، 18 فبراير 2015

مغامر في بحار المواهب المخنوقة-كاظم فنجان الحمامي




مغامر في بحار المواهب المخنوقة


كاظم فنجان الحمامي

مغامر عراقي آخر تجاوز بجرأته حدود المعقول، وتخطى بمواهبه المتعددة جدران المستحيل. عمل نجاراً وبحاراً ورباناً ومدرساً ونادلاً ومقاولاً وبائعاً ومترجماً ومحرراً ومستشاراً. مارس أصعب المهن حتى أتقنها، وأجاد اللغات الحية كلها حتى اختلطت عنده المعاني والمفردات في محطات الغربة. سافر إلى معظم أقطار الأرض من دون جواز سفر أو بجوازات مزورة. مر بمرافئها ومطاراتها ونقاطها التفتيشية. تعرض للسجن والاعتقال في البلدان البعيدة حتى امتلأت ذاكرته بالصور والمواقف العجيبة. تشابكت عنده خطوط الطول والعرض. وقطع المسافات بكل الطرق، فتقاربت عنده القارات وازدحمت في محفظته العملات الأجنبية المتناقضة، وتكورت في حقيبته بطاقات التذاكر البحرية والجوية والبرية. لكنه لم يذق طعم الاستقرار منذ ولادته في (ذي قار) عام 1953، ولم ينعم بالأجواء العائلية المنتظمة منذ وفات والده، ولم ينل استحقاقاته الوظيفية والتقاعدية منذ اليوم الذي ترك فيه العمل على سفن صيد الأسماك، ومنذ اليوم الذي غادر فيه العمل على سفن (ناقلات) النفط العراقية.
اسمه الكامل: محمد جواد علي القرةغولي. وعنوان وظيفته الرسمي: (ربان أعالي البحار). لكنه يعد موسوعة (لسانية) متنقلة تثير للدهشة، وحجة (لغوية) لا يستهان بها، فهو يجيد العربية والانجليزية والاسبانية والايطالية والبرتغالية والروسية إجادة تامة، ويستطيع التفاهم باللغات الفرنسية والهولندية والأمازيغية والسواحلية والفارسية.
أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدينة (الناصرية)، ثم ترك دراسته ليلتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان، فسكن في مخيم النهر البارد بطرابلس، لكنه استجاب لنداءات والدته بالعودة، فرجع إلى العراق ليكمل دراسته الثانوية عام 1975، ويلتحق بالكلية البحرية بمصر، لكنه ترك الدراسة في مرحلتها الثانية فعاد إلى العراق ليلتحق بأكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية، التي افتتحت في البصرة. وكان من ضمن طلاب دفعتها الأولى عام 1979.
صدرت الأوامر بتعيينه في أسطول الصيد العراقي، لكنه سافر إلى ايطاليا عن طريق لبنان ليعمل في صفوف إحدى المنظمات اليسارية، فعمل في فلورنسا في المهن الحرفية الحرة، ثم سافر إلى الجزائر بأوراق مزورة، فسكن في مدينة (الأغواط) ليعمل في تدريس اللغة الانجليزية، ثم سافر إلى سوريا ليعود إلى العراق مختبئا تحت المقاعد الخلفية في سيارة كبيرة، فعبر الحدود من دون أن يكتشفوا أمره. 
التحق من جديد بسفن شركة صيد الأسماك ليعمل عليها حتى عام 1985، فعمل على سفن: الرزازة، وساوة، والساحل العربي، والبحر العربي، ودجلة، والفرات، وزين القوس، ثم تحول للعمل في أسطول ناقلات النفط العراقية التي كان يديرها الراحل (عبد الجليل الجلبي)، فعمل على الناقلات: عين زالة، وجمبور، وكركوك، وطارق بن زياد.
أكمل في الثمانينات قاموسه البحري الأول، الذي صدر عام 1985عن الدار العربية للموسوعات، وعمل مدرساً للغة الانجليزية في المعهد التقني وفي إعدادية العشار المسائية للبنات، لكنه ترك أعماله كلها في البصرة، وانتقل إلى بغداد ليعمل حتى عام 1997 في بيع الأدوات الاحتياطية للسيارات، ويعمل في المساء في قسم الإنصات التابع لوزارة الإعلام مستفيداً من مواهبه اللغوية المتعددة، من دون أن يقطع ارتباطه بشركة ناقلات النفط العراقية، التي كانت معطلة تماماً بسبب تداعيات الحرب والحصار.
عمل بعد ذلك رباناً على سفينة متخصصة بنقل الأسمنت بين الموانئ الإيرانية والإماراتية، لكنه ترك عمله هناك ليسافر أولاً إلى جزيرة مالطا، ثم إلى ايطاليا بواسطة زوارق التهريب، فوصل إلى سواحلها بوجهه المبلل بالتعاسة. كان بحوزته جوازه البحري وبضعة دولارات. ركب القطار إلى روما، ثم غادرها إلى باريس بقطار آخر. توقف القطار فجأة للتفتيش في محطة حدودية، فقرر صاحبنا ولوج مقصورة تضم ثلاث بنات يابانيات. جلس بينهن مؤقتا لحين انتهاء التفتيش. جاءت المفتشة (الشرطية) فناولها جوازه المثخن بالأختام، فابتسمت له واعتذرت منه. 
وصل باريس مرهقاً، فقرر الذهاب إلى هولندا بقطار لا يتوقف إلا في أمستردام، لكنه عاد مسرعاً إلى ألمانيا استجابة لمشورة زميله الكابتن (علي عبد الحسين). وصل ألمانيا وتوجه إلى الشرطة ليبلغهم بطلب اللجوء الإنساني. فأسكنوه في سفينة عائمة في نهر الراين. حصل على الإقامة وجواز الأمم المتحدة، لكنه قرر الرجوع إلى الإمارات ليعمل على سفينة كانت متوقفة في جزيرة (باتام) الاندونيسية.
كان صاحبنا مصاباً بجنون القراءة والسفر، فآنسته القراءة وأنهكه السفر. وجد نفسه بعد هذا الترحال الطويل في أمس الحاجة للعودة إلى العراق، فركب سفينة متوجهة إلى البصرة ليذهب مباشرة إلى بغداد.
عمل عام 2001 في قسم الترجمة بوزارة الإعلام، ثم أصبح كبيراً للمترجمين، فوجد الراحة والمتعة في عمله الجديد. كان يتحدث بكل اللغات التي يجيدها، لكنه كان يعمل في المساء كسائق تاكسي، ثم عمل مع المفتشين الدوليين بوظيفة مترجم أقدم، فكان يتقطع ألماً لمنظر المنشآت الصناعية المدمرة، والثكنات العسكرية المهجورة. عمل بعد ذلك مع وكالات الأنباء الدولية. كانت بدايته مع التلفزيون الكوري ثم الياباني، ثم شبكة CNN وشبكة BBC فكان شاهداً على تقلبات الأحداث السياسية.
كان ضحية لدور الطباعة والنشر، التي سرقت منه أروع كتبه المترجمة. أغلب الظن أن كتاب (جواسيس جدعون)، أو كتاب ( عشرون عملية للموساد)، أو كتاب (على أجنحة النسور) من بين تلك الكتب المسروقة من حقيبته الممزقة، وربما كان ذلك باعثاً ومحرضاً لتعرضه للاغتيال عام 2004 بعيارين ناريين، فسقط مضرجاً بدمه على قارعة الطري.
يقولون: (عمر الشقي بقي)، كان يرى بأم عينه كيف تهرب منه السيارات المارة بجسده المسجى على الرصيف. هرع إليه رجل شهم، فأسعفه وحمله على كتفيه حتى أوصلة إلى مستشفى اليرموك، فرقد هناك لأشهر طويلة. تماثل بعدها للشفاء، فقرر السفر إلى مصر لتجديد شهادته البحرية، ثم عمل في ميناء (طرطوس) على السفن السورية. كان يستثمر وقته في عرض البحر لإشباع رغباته الجامحة في القراءة والتثقيف الذاتي، حصل بعدها على عقد للعمل في السودان، فمنعوه من دخول (الخرطوم)، وأعادوه بطائرة أثيوبية إلى (أديس أبابا)، ثم أرجعوه إلى مطار القاهرة. لم تستطع المخابرات المصرية فك لغز الشفرة التي يحملها هذا المغامر التائه في بحار المواهب المخنوقة. قالوا له: سنعيدك إلى سوريا، فقال لهم ساخراً: سترفضني سوريا وتعيدني إليكم، ثم طلب منهم إعادته إلى العراق، فرجع إلى بغداد بخفي حنين.     
عمل بعد ذلك رباناً بديلاً متنقلا بين العراق والإمارات على سفينة الركاب (مردف)، ثم عمل رباناً أصيلاً على سفن نقل الأسمنت بين الباكستان والعراق، أنتقل بعدها للعمل بدرجة ربان على ناقلات النفط اليمنية، وما أن انتهى عقده في خليج عدن حتى عاد إلى بغداد، لكنه عرج في طريقه نحو المعاهد البحرية الأردنية، فعمل فيها عام 2011 بوظيفة محاضر بمرتب شهري ضئيل. ثم حصل على عقد للعمل بوظيفة مدرس في المعهد البحري في جزيرة مالطا، لكنه وجد نفسه يعيش في عزلة تامة وسط هذه الجزيرة الصغيرة، فقرر العودة للتدريس في الأردن على أمل تحسن أوضاع العراق. 
أكتشف (القرة غولي) متأخراً أن العمر يجري بخطوات متسارعة نحو محطات اللاعودة، فألقى مرساته في مرافئ بلجيكا، وانتهز وجوده هناك ليعادل شهادته البحرية بالمستوى البلجيكي، وحصل على شهادة ربان من المعاهد الهولندية، مستغلاً وقته في بناء بيته الجديد في ضواحي بروكسل، وترميم مستقبله المتصدع، والتفرغ لأسرته.  
كان هذا ملخصاً مقتضباً لقصة حقيقية خاض تفاصيلها هذا الربان المغامر، وصاحب المواهب المتعددة، والأفكار المتقدة، لكنه يعيش الآن خارج العراق صفر اليدين، سبع صنايع والبخت ضايع، لم تستفد من خبراته معاهدنا البحرية، ولم تستعن بمهاراته مؤسساتنا البحرية، حتى أنه لم ينل استحقاقاته التقاعدية مقابل خدمته الطويلة في أسطول شركة صيد الأسماك، أو في أسطول ناقلات النفط.
ختاماً نقول: ما أكثر الربابنة العراقيين الذين رفعوا أشرعتهم بوجه الريح، فجنحت بهم بوصلتهم في بحار الغربة والشتات. ثم اختفوا في المحطات النائية من دون أن يحتضنهم العراق. . . 


السبت، 14 فبراير 2015

قصة قصيرة-عصر الحرير:عادل كامل

قصة قصيرة



عصر الحرير


-
     بعد ان تحول الهمس إلى لغط، والأخير إلى قصص تسندها الشواهد، وبعد ان تحولت الإشاعات إلى أدلة، والشك إلى وقائع ملموسة، والظن إلى ثوابت، آنذاك اتسعت مساحة  الفوضى، والجدل، فشملت أقسام الحديقة برمتها، من غير استثناء. لقد بدأ ذلك كله على نحو غامض، فقد تناقلوا ـ قالت الحمامة للغراب ـ أخبار مبهمة، ضبابية، وقيل هوائية، عن ولادات غريبة....؛ فاللبؤة وضعت غزالا ً، والدبة ولدت نعجة، والخنزير ولد فقمة، وابن أوى وضع تمساحا ً، والأسد ولد مهرا ً، والأتان وضعت كومة من الكرات الصغيرة، والكركدن ولد نعامة، والنمر ولد سمكة....
ـ غير سارة هذه الأخبار.
قالت الحمامة فرد الغراب:
ـ لم تعد أخبارا ً، ولا أوهاما ً، ولا ظنونا ً، فانا بنفسي رأيت الفصائل الجديدة تزحف نحو الساحة الكبرى...
ـ لإعلان التمرد أم لإعلان العصيان؟
ـ لا اعرف.
ـ ما الذي وجدته بالضبط، مادمت كنت رأيت المشهد ببصرك؟
ـ ربما هي نهاية عصر حديقتنا!
ضحكت الحمامة ساخرة:
ـ دعنا من النهايات...، فأنت تعرف ان نهاية العالم وضعت عند فاتحته...، فانا لا تفزعني الحقائق، مادامت نهاية عالمنا مقترنة بمقدماته..، لكن ـ أرجوك ـ اخبرني ما الذي جرى بالضبط، من غير وشوشة، أو تهويل..
   راح الغراب يفكر، ولم يجب. فسألته الحمامة:
ـ دعني اسمع صوتك.
ذهل، وأجاب بخوف:
ـ لا امتلك قدرة على النطق...، فانا أفكر! لكن كيف حصل ووضع التيس قنفذا ً، والثور حبل وأنجب مخلوقات آلية، والبعوض راح يلد حبيبات تتحول إلى عصافير، والى ديدان طائرة، وكيف ولدت الحوت مخلوقات لا هي برمائية ولا هي مفترسة..
ـ غريب.
ـ والأغرب ان هذه المخلوقات المستحدثة كانت تطالب باسترداد حقوقها التي سلبت منها...، فانا سمعت زعيمهم يفكر! أي لا ينطق، لا يعوي، لا ينبح، لا يستغيث، ولا يستنجد!
صعقت الحمامة:
ـ أرجوك اشرح لي...، فانا انتمي إلى عصر الثدييات، وأسلافي من الزواحف...، فدمائي خليط من الشوائب والبذور والأضواء والظلمات.
ضحك الغراب، متسائلا ً:
ـ وهل انتمي إلى غير هذه العصور الـ ...؟
ـ دعك من المزاح، ومن الغزل، وقل لي ما الذي جرى في حديقتنا الخالدة؟
ـ عجيب...، فها أنا أدرك ان وجودنا غدا  ًعتيقا ً، باليا ً، مندثرا ً...، بالأحرى لا وجود لنا بالمرة!
   هز الغراب رأسه، وعبر بالذبذبات. ففهمت الحمامة انه قال لها ان التمرد ليس إلا الشرارة. فطلبت الحمامة منه:
ـ لا تتعجل، لا تسرع .. أرجوك..
فقال الغرب:
ـ هذه الكائنات، يا عزيزتي، ليست وهمية، ولا افتراضية، ولا من صنع الذهن، أو الخيال...، بل ولا من صنع المباديء، ولا من صنع الأيديولوجيات!
تساءلت بشرود:
ـ أن يلد الأسد سحلية، والدب فأرا ً، والحية تلد أرنبا ً برأس كوسج، والنمر يلد قردا ً...وتطلب مني ان لا  أتعجب ..؟
    تمايلت الحمامة، وكادت تفقد توازنها، فسألته:
ـ ماذا يريدون...؟
ـ لا يريدون شيئا ً! لأنهم أدركوا ان إعادة حقوقهم لا معنى له، ليس لأن ذلك بحكم المستحيل، بل لأنه فقد شرعيته...!
ـ ولكنك لم تخبرني من هم، أصلهم، جذورهم، وكيف امتلكوا إرادة الحضور ...؟
ـ هم، هم، هم الضحايا ....، قلت لك، هم الطرائد، والمظلومين، والمغدور بهم، المذبوحين، المحروقين، والممزقين شر ممزق، وهم أجزاء أجزاء الأصل الأول الذي استحال إلى طعام، والى براز، والى تراب!
ـ آ ...، فهمت، ولكن لماذا لا تعاد لهم حقوقهم...؟
أجاب بصوت متوتر:
ـ الم ْ أخبرك بان زمنك ولى...، وبرمجتك عفى عليها الدهر، وانك أصبحت عتيقة، غير صالة للاستخدام، ولا حتى للكلام!
ـ أتضرع إليك، اشرح لي، فقد أتعلم وأنا ـ كما تعلم ـ شغوفة بالمعرفة، فانا لا أريد ان أموت ضحية عقلي المفقود، ولا ضحية إرادتي المستلبة، ولا أحلامي الغائبة.
ـ حسنا ً، يا حمامتي،  فبعد ان استبدلت الأدوار، اقصد ادوار الإنجاب والإخصاب والتناسل، وصارت الذكور تحمل بدل الإناث، ظهرت الفجيعة! وبدأ العصر الذهبي للظلمات!
ـ ماذا قلت؟
ـ قلت لا نهاية لفعل الغوايات، ولا خاتمة للولادات. فالكل يغتصب الكل كي يمتد المحكوم عليهم بالزوال...!
ـ حتى من غير معاشرة شرعية، ومن غير اتصال مباشر..؟
ـ لا حاجة لهذه الممارسات بعد اليوم، فهؤلاء هم ضحايا البراري والغابات والمستنقعات والكهوف والثقوب والشقوق والخرائب ...، هم الطرائد التي تم اقتناصها، وافتراسها، واغتصابها، وقد أصبحت تتشبث بدفاعات استثنائية، فسكنت أجساد جلاديها، ومغتصبيها...، كي تتكون مرة ثانية، وثالثة، وعاشرة، والى ما لا نهاية...، لتطالب بالعدالة!
ـ فهمت! فانا للمرة الأولى أفكر! ولكن ماذا بعد ذلك..؟
ـ لم يطالبوا بإنزال العقاب، أو بالثار، أو بالانتقام ...، فلو حصل ذلك فستكون النهاية قد بلغت ذروتها، فقد أكدوا ان مطاليبهم تستدعي استحداث فصائل لا تعوي، لا تولول، لا تنوح، لا تزأر، لا نهق، ولا تنبح ...، أي الانتقال من عصر الحواس والعقل إلى عصر ..
ـ لا تغلق فمك، تكلم، يا غرابي السعيد!
ـ إلى ...، إلى ...، إلى ...
وسكت، معترفا ً بأنه لا يمتلك أداة للتعبير، والإيصال، والتوضيح.
ـ فالأصوات التي تحولت إلى كلمات أصبحت أدواة متحجرة، بالية، حجرية، لقى، آثار، ونفايات، مثل أكوام من المزابل والخردوات والمخلفات.
ـ ها أنت تؤكد انه آن أوان زوال عهد حديقتنا الغناء؟
ـ اسمعي، يا حمامتي الجميلة..
ـ أنا مصغية لك يا غرابي العاشق!
ـ هناك، في خلايانا، يحدث ما اجهله، فانا أصبحت أفكر في الذي لا أفكر فيه!
فسألته بصوت فزع:
ـ وأنت من ولدك؟
ـ آ ....، بدأت أتلمس  وجودا ً آخر غير وجودي.
ـ ماذا تقول...؟
مسترسلا ً:
ـ دعيني انظم إلى رفاقي...، وأشاركهم المطالبة بحقوقنا.
ـ وأنا ؟
فسألها بشرود:
ـ أكان جدك حمامة؟
   لم يفزعها سؤاله، ولم يصدمها، بل بدأت ترفرف، كأنها فقدت ثقلها، وراحت تحّوم، وتدور، ثم اقتربت منه:
ـ طالما أحسست ان في ّ أضواء، وفي ومضات كائنات أخرى، إشعاعات، ملامس حريرية، ذبذبات ناعمة، غزل ابيض...!
ـ ها، أيتها المسكينة، أنت أيضا ً سلبت حقوقك منك...، فكم مرة اغتصبك اللقلق، والنسر، والبوم، والصقر...، ومن يعلم ربما هناك ...
ـ تقصد افترسني!
ـ لا فارق، ولا اختلاف إلا بحدود أخطاء التعبير، واللسان، فالاغتصاب مفهوم بلغ ذروته!
لم تجب. كانت تفكر. فراح الغراب يتتبع ذبذباتها الصادرة عن دماغها، حتى لكزها:
ـ أفيقي...، حبيبتي، آن لنا ان لا نعوي، لا ننبح، لا نولول، ولا نغرد أيضا ً.
فسألته بعد لحظة صمت:
ـ أأنت من هذا الجنس المستحدث...، يا ابن الضبع...؟
ـ لا اعرف ...، فالحقائق تؤكد ان السيد المدير لم تلده عنزة، ولم تحبل به خنزيرة، لا أبوه فيل ولا أمه بغي، فقد شاهدوه يغطس في البركة ولم يخرج منها إلا برأس سلحفاة، وذيل طاووس، وأصابعه تحولت إلى مجسات، فمه ثقب، وانفه تحول إلى بندول...، وقالوا انه اخذ يمشي فوق الحبال، مثل بطة، ثم تحول إلى حرباء، بعدها باض بيضة سوداء...، فصفقوا له طويلا ً، وهتفت له الحناجر بحرارة..!
  قربت الحمامة رأسها من الغراب:
ـ قلت لي ان والدك كان تمساحا ً، وان أمك كانت غزالا ً ...؟
ـ آ ...، متى تحدث الصدمة، متى تدركين ان الكلمات دفنت مع الديناصورات.
ـ ماذا افعل..؟
ـ دعيني أخبرك بما رأيت...؟
ـ ألا يكفي هذا كي أحبل بكلماتك؟
ـ كم أنت خجولة! كأن أمك من الجن، وجدك من الريح! فانا رأيت التمساح عند البركة يلد من فمه، ومن باقي الثقوب، وقد انشق ظهره أيضا ً، آلاف الثيران ..، الغزلان، والضفادع...، بل وولد كائنات شبيهة بالبشر الأسوياء، فانا سمعت صدمات الولادة، وسمعت نهاياتها. لأن التمساح عاد يسترجع فرائسه، فراح يبتلع، من غير مضغ، كل ما تقيأه.
ـ يفترس أولاده؟
ـ هذه نظرية عتيقة، يا جميلتي، فالأب لا يفترس، ولا يغتصب، ولا يعتدي...، بل يدّخر!
ـ آ ....، هذه إذا ً نهاية عصرنا يا سيدي؟
ـ لا ...، فالذئاب، مثل الليوث، والنمور، والفهود، والصقور...، راحت تخرج أثقالها...، فتدب فوق البسيطة، حتى امتلأت، وفاضت، فنشبت الحرب، فراح الجميع يشترك في ذبح الجميع، وراح الكل يغتصب الكل، وراح الضعيف يأكل القوي، والنحيل يقطع رقبة البدين، حتى صارت النساء طعاما ً للضواري، والأطفال حرقوا أحياء، وانتشرت بدعة السحل، وشطر الأجساد، وبقر البطون، وقطع الأعضاء التناسلية ... عدا بتر الآذان، وجدع الأنوف، وقطع اللسان، وخلع الأسنان، وحشوا المؤخرات بالقنافذ،، فازدهر فرية المخبر، والتنكيل بكل عالم، وفاهم، وحكيم،  لأن الجميع صار يعمل على إبادة الجميع، واجتثاثه، ومحوه من الوجود...، حتى بزغ فجر الاستنارة، وهو ما يسمى بعصر الحرير، قيل انه ارق من شفافية المال الزلال. فبدأت الأسود تستعيد، مثل شقيقاتها المفترسات، الحملان، الأرانب، الطيور، والأسماك...، حتى ظهر المدير، فجأة، برأس نحلة، وأقدام ماموث، له ألف جناح، وخمسة آلاف عين، ومائة ألف قضيب....؛ هائجا ً، لم يترك ذكرا ً، ولم يترك حجرا ً، ولم يترك عذراء، إلا واغتصبهم. وكان هذا هو عصر التراب، ثم أعقبه عصر النحاس...، ليمتد وينصهر بعصر الشفافية.
لكزته:
ـ الم ْ تتعب..، الم تصب بالوهن...، الم ترتو..، الم تشبع...، الم ْ تكتف؟
ـ هو ...، هو...، لم يرتو ولم يشبع ولم يكتف، بل قال انه مثل النار كلما توهجت قالت هل من مزيد، هل من مزيد من الأولاد، ومن البنات، من الحجارة ومن الشجر، حتى كاد عصر الشفافية ان يبلغ نهايته، لولا ان السيد المدير عاد ورشح للزعامة...، فحصل على ألف بالمائة، ومليار أخرى هبطت وخرجت ووفدت من كل فج غريب تؤكد طهارته، صفاءه، وانتمائه إلى الخالدين. فلا احد تجرأ أو لمّح بامرأة أو غزال أو لبؤة حبلت به، فهو لم يأت من الهواء، ولم يخرج من الماء، لا شوائب اختلطت بومضات تعاليمه، حجته انه من غير حجة، وبرهانه ليس بحاجة إلى براهين! ولكنه لم يدع الإلوهية، أو النبوة، وإنما عملت الدعاية طوال ساعات النهار والليل بوصفه لا يقل شأنا ً عنهما.
  تركت الحمامة رأٍسها يتمايل، بين جناحيه:
ـ أكمل..، أرجوك، فانا أكاد أدمن عليك!
فسألها:
ـ أكان جدك ثورا ً وحشيا ً، أم سمسارا ً ناعما ً، أم تاجرا ً رقيقا ً، أم مدير شركة عابرة للحدود، وعابرة للعبور، عبورية الأصل وعبورية الاستحداث، أم كان أميرا ً للرمال، والدخان ..؟
ـ آه...، وهل أبقيت لي قدرة على الرد؟
    خرجت الحروف من غير صوت، تومض، بموجات قصيرة، وأخرى لا مرئية،  مثل إشعاعات فوق ضوئية تداخلت بالمرور والعبور من الأسفل إلى اليسار، ومن اليمين إلى القاع، مكورة، ومقعرة، تدور مع المغزل، فيتضاعف النسج، ويمتد في سواحل المجهول.
ـ كفى، فأنت مثلي ...، لم تلدك الكلمات!
وسمعها تولول:
ـ بل أنا ضحيتها.
مسرعا ً أضاف:
ـ لقد أصبحت، يا وردتي، بعد هذا العرس، من الماضي...، فقد انحدرت إلى الفناء!
متابعا ً، قال قبل ان يغيب، يوصيها:
ـ  لا تتركي حديقتك، لا تتخلي عن قفصك، لا تخربي عشك، ولا تتعاوني مع الغرباء!
فصاحت بحزن بالغ:
ـ أين ستذهب، أين تهاجر، ولماذا تهجرني، وتتركني للظلمات؟
ـ سأبحث عن كوكب لا أجد فيه من يصغي إلي ّ، ولا أجد أحدا ً أتكلم معه، لعلي اعثر على ركن لا أجد فيه من يفترسني، ولا أفكر في افتراسه، لا يشي بي ولا ابغضه، لعلي لا أجد من لا يؤذيني، من غير سبب، وان لا أؤذيه مهما كان السبب!
قالت تنوح:
ـ لن تجد ..، يا حبيبي، لن تجد!
    عندما غاب، بحثت الحمامة عن فمها، فلم تجده.
6/2/2015

العثور على مستشفى فضائي وسط البصرة-كاظم فنجان الحمامي


العثور على مستشفى فضائي وسط البصرة

كاظم فنجان الحمامي

الفضائيون في العراق حالة متأصلة وليست ظاهرة عابرة، فما أكثرهم في الجيش والشرطة والمؤسسات المدنية الأخرى. إذ لم يعد الأمر غامضاً على الناس، فالفضائيون هبطوا علينا من كواكب الفوضى، ثم انتشروا في كل مكان. بيد أن الجديد في الموضوع أننا عثرنا في البصرة على مستشفى متكامل الطوابق والأروقة والردهات والصالات والتأثيث والتجهيز والتشجير. لكنه مستشفى فضائي من النوع الهوائي، حتى تصميمه الخارجي يوحي لك بأنه من مدن الفضاء الخارجي.
كانت هذه البناية عبارة عن دار قديمة من دور الاستراحة التابعة لشركة نفط الجنوب، فقرر الأستاذ جبار اللعيبي، المدير الأسبق لشركة نفط الجنوب، تحويلها إلى صرح طبي كبير يوفر العناية الطبية والرعاية الصحية للعاملين في النفط ، ويقدم لهم العلاج المجاني. وما أروع المشاريع الخدمية التي نفذها هذا الرجل المبدع في البصرة.
يتميز المستشفى بواجهاته الجميلة، وسعته السريرية الكبيرة. يتكون من أربعة أجنحة. لكل جناح ثلاثة طوابق مع ملحق إضافي خاص لصالات العمليات. وغرف منفصلة لأجهزة السونار والمفراس والرنين المغناطيسي ومنظومات الأشعة السينية.
لقد فكرت شركة نفط الجنوب بتشغيل المستشفى على غرار مستشفى شركة نفط الكويت، الذي تزينت به مدينة الأحمدي، ويتكون من أربعة طوابق وسرداب، وتقدر طاقته الاستيعابية بنحو (400) سرير، وقد خصصت الكويت هذا المستشفى لموظفي القطاع النفطي العاملين والمتقاعدين وعائلاتهم.
أغلب الظن أن شركة نفط الجنوب فكرت بتشغيله وإدارته على غرار المستشفى الإيراني الكبير التابع لمصافي النفط في عبادان، والذي يطلقون علية: (بيمارستان بزرﮒ نفت)، وتعني المستشفى النفطي الكبير. فالشركات النفطية العملاقة لها مستشفياتها ومنتجعاتها الصحية المنتشرة في عموم البلدان الخليجية.
ثم هبت رياح الاعتراض، فما كل ما تتمنى شركة نفط الجنوب تدركه، فقد جرت رياح وزارة الصحة بعكس الاتجاه الذي سارت عليه تلك الشركة العريقة. فعلى الرغم من تكامل المستشفى من الألف إلى الياء، وعلى الرغم من استعداد وزارة النفط لجلب أرقى الأطباء والخبراء من داخل العراق وخارجه، أسوة بمستشفيات القطاع الخاص. لم توافق وزارة الصحة على منح التراخيص الرسمية لتشغيل المستشفى على الطريقة التي فكرت بها شركة نفط الجنوب. فتعطلت أنشطته، وتحولت بنايته إلى قلعة فضائية مهجورة. لا فائدة ترتجى منها بسبب تأرجح مصيرها بين وزارة النفط ووزارة الصحة، فلا النفط تتخلى عن مشاريعها وبرامجها الخدمية الحديثة، ولا الصحة ترضى باستبعادها وتغييب دورها. وهكذا كان مصير المستشفى الرقود في ردهات التعطيل والتأجيل.
سمعنا قبل بضعة أيام أن شركة نفط الجنوب عقدت العزم على شراء أربع طائرات عمودية لضمان سرعة الوصول إلى مواقعها المتباعدة والمتناثرة في البادية الجنوبية، فهل ستتحول ملكية الطائرات إلى طيران الجيش ؟. أم تتحول إلى شركة الخطوط الجوية ؟. أم يكون مصيرها مثل مصير هذا المستشفى الفضائي ؟. وجيب ليل واخذ عتابة.

ألا تخجلون من ميسي يا لصوص بغداد ؟-كاظم فنجان الحمامي


ألا تخجلون من ميسي يا لصوص بغداد ؟

كاظم فنجان الحمامي

طفلة عراقية يتيمة من ضواحي بغداد، اسمها الحقيقي (حنين). قررت حلق شعرها وارتداء قميص اللاعب الدولي (ميسي)، وتظاهرت برجولة مصطنعة لتدفع عربتها اليدوية في الساحات والمحال التجارية. تارة تعمل بوظيفة (حمّال)، وتارة تمارس التسول في تقاطعات الشوارع الكبيرة حتى تحصل على النقود لتطعم الأفواه الجائعة، وتملئ البطون الخاوية، وتوفر احتياجات أسرتها الفقيرة المؤلفة من بنات قاصرات وأرامل عاجزات.
الطفلة (ميسي) دليل قاطع على نذالة المسؤولين والمتنفذين في أغنى أقطار كوكب الأرض، ودليل على تردي مستويات العدالة الاجتماعية، وتأرجح توازنها المعيشي، ودليل على غياب منظمات المجتمع المدني في أرض السواد. ودليل دامغ على سوء إدارة هيئات الضمان الاجتماعي، وسوء التصرف بأموال المحسنين وحرمان المعوزين من الرعاية والعناية.
فتاة عراقية بعمر الورد. لم تلتحق برياض الأطفال أسوة بأقرانها، لم تتمتع بطفولتها. لقد فُطمتها الأقدار على الجوع والذل، فرضعت من أثداء الفاقة والحرمان. لم تذق طعم السعادة، ولم تجد لقمة العيش في بيت أمها، فخرجت مضطرة للبحث عن الرزق الحلال برداء وحذاء الولد الشاطر (ميسي).
لو اطلعت على ولائم المفسدين والحرامية لوليت منهم فرارا، ولملئت منهم رعبا، فالإسراف في تناول أشهى المأكولات وألذ الأطعمة، وما يرافقها من بذخ برمكي، وتبطر ملكي هي العلامات الفارقة في لقاءات كبار المسؤولين.
حتى الحرامية أنفسهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء هذه المشاهد المزرية. فالمفسدون في العراق فقدوا مروءتهم، وتجردوا من إنسانيتهم، وانشغلوا بالمهاترات والمناكفات والعداوات المفتعلة.
قبل بضعة أيام كانت الممثلة الأمريكية (الكافرة جداً) توزع الطعام لفقراء العراق، وتشيد البيوت لنساء العراق، وتخصص الرواتب المجزية لأيتام العراق، بينما انصرف المؤمنون جداً والمتظاهرون بالورع والتقوى نحو شراء العقارات والبساتين وبناء القصور الفاخرة واقتناء العربات الفخمة. وتبادل الخواتم والمسابح الثمينة.
دعونا نختبر مروءة ميسي هذه المرة، ونترجم له هذه المقالة إلى اللغة الاسبانية، ثم نرسلها إلى ناديه برشلونة أو إلى بيته في الأرجنتين. هل تظنون أنه سيقف مكتوف الأيدي ويرفض تقديم يد العون والمساعدة لهذه الفتاة التي حملت اسمه وارتدت قميصه ؟. كلا وألف كلا، أغلب الظن أنة سيسدد صفعة حرة مباشرة إلى أصحاب الوجوه الزئبقية، وسيجل أفضل ركلاته البهلوانية ضد الذين جلبوا لنا الفقر والعار والتخلف. وربما يحزم حقائبه ويأتي إلى بغداد ليزور (حنين) في بيتها (كوخها).
ألا لعنة الله على الذين تسببوا في إفقار شعبنا المنكوب، ولعنة الله على الذين سرقوا طعامنا من أفواهنا، وحرموا البائسين من لقمة العيش.

ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين