الأحد، 14 أكتوبر 2012

عندهم محطات لتبادل المعارف,وعندنا توربينات لتوليد الأحقاد,كاظم فنجان الحمامي

عندهم محطات لتبادل المعارف وعندنا توربينات لتوليد الأحقاد
 جريدة المستقبل العراقي الصادرة ببغداد في 27/9/2012

بين الغرب والعرب نقطة, لكنها نقطة كبيرة بحجم الثقوب السوداء, التي خلفتها الفترة المظلمة في مسيرة التحضر, يتفاخر الغربيون اليوم بالمعارف, ونحن نتباهى بالمغارف, ونسرف في إقامة الولائم والمناسف. . كنا في البحر نمضي أكثر من أسبوعين في عبور المحيط الأطلسي من رأس الرجاء الصالح إلى ريو دي جانيروا, ونقضي الفترة نفسها في رحلة العودة على ظهر الناقلة العراقية العملاقة (خانقين), كان ذلك عام 1973 عندما كنا متدربين نتعلم مبادئ الفنون البحرية بإشراف الطواقم الروسية. . أذكر إننا توقفنا مرات ومرات في عرض البحر لنتبادل الكتب مع سفينة روسية أخرى فنرسل إلى طواقمها ما بحوزتنا, ونستلم منهم ما فرغوا من قراءته من مراجع وروايات, ثم نستأنف رحلتنا فرحين بما ستضيفه لنا هذه الكتب من إشراقات معرفية جديدة, وتأكد لنا فيما بعد إن سياقات تبادل الكتب من السياقات المتعارف عليها بين الطواقم الغربية العاملة في البحر, لكنها تكاد تكون مفقودة, ولا أثر لها بين الطواقم العربية. . أما على اليابسة فقد ابتكر اللندنيون عشرات الطرق لتبادل العلوم والمعارف, وتفننوا في نشرها بين سكان قراهم, من دون أن يترتب على تفعيل هذه الطرق أي تكاليف مادية, فكلها مجانية ومتيسرة للصغير والكبير, ومتاحة لعامة الناس في الفضاءات السكانية المفتوحة. . من أطرف هذه الطرق, الطريقة الشائعة الآن في القرى البريطانية, وبين الأحياء الريفية, حيث تحولت أكشاك (كابينات) الهواتف العمومية المهجورة إلى محطات ثقافية مصغرة لتبادل الكتب, ويحق لأي إنسان أن يأخذ الكتاب الذي يعجبه, ويترك على رفوف الكشك كتابا آخرا, أو يأخذ كتابا ليقرأها ثم يعيده بعد قراءته إلى الكشك نفسه. . من المؤسف له ان هذه الوسائل الثقافية القائمة على تعاون الناس مع بعضهم البعض, لا يمكن تطبيقها عندنا في مدننا وقرانا, لا بسبب تفشي الجهل والأمية, ولا بسبب غياب التوجهات التثقيفية عند الناس, وإنما بسبب الإجراءات الأمنية الاحترازية, التي تمنع تداول الكتب المدرجة على قوائم المنع, أو بسبب المخاوف الدينية و الاجتماعية, التي قد تفتح المجال لافتعال الدسائس وتلفيق الاتهامات. . في لندن أيضا خصصت محطات القطارات ومواقف المترو رفوفاً ليترك عليها المسافرون كتبهم التي فرغوا من قراءتها, أو التي يرغبون بالتخلص منها, حتى يتمكن الآخرون من قراءتها والاطلاع عليها, وبما يضمن تعزيز مكانة لندن كعاصمة للثقافة, وتفعيل دورها في القضاء على الأمية, ونشر الثقافة بين فئة الشباب. . نحن في مجتمعنا العربي بأمس الحاجة لتشجيع الناس على القراءة. كانت عندنا تجاربنا المحدودة, فقد شرعت صالونات الحلاقة منذ عقود بوضع المجلات والصحف المحلية القديمة على رفوف صغيرة, ليقرأها الناس في فترات الانتظار, والمثير للسخرية ان المجلات النسائية هي الأكثر تداولا في المقاهي وصالونات الحلاقة الرجالية, تستهويهم اللقطات المثيرة والوجه الحسن, ثم انتشرت هذه الفكرة في صالات الألعاب والمقاهي الشعبية. . نقرأ دائماً الجريدة نفسها, وأحيانا نجد بعض المجلات المكتوبة بلغات لا نعرفها, دلالة على عدم اهتمام صاحب المقهى, فنتبرع له بالفائض من كتبنا ومجلاتنا, بعد فحصها والتأكد من خلوها من المقالات والصورة المتقاطعة مع توجهات رواد المقهى. . توجهت أوربا كلها نحو بناء المحطات الثقافية لنشر العلوم والمعارف, وتوجهنا نحن في العراق عشائريا نحو تفعيل برامج (نحو الأمية), بمعنى إننا لن نصل إلى المستوى الذي بلغته أوربا, ولن ننال الدرجة التي تؤهلنا لتبادل العلوم والمعارف بالصيغة الشعبية الشائعة في لندن, لكننا برعنا بتشغيل توربينات الحقد العرقي والطائفي لتوليد الكراهية, وتخصص المتطرفون عندنا بصناعة الموت, وتبادل العبوات الناسفة. . . --

الجمعة، 12 أكتوبر 2012

( مستشفى مرجان )شرف المهنة وحقوق الإنسان !!!-حامد كعيد الجبوري

إضاءة ( مستشفى مرجان ) شرف المهنة وحقوق الإنسان !!!
في حديث لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – قال ) إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) ، ورحم الله المحسن والوجيه السيد عبد الرزاق مرجان الذي ترك صدقة جارية لا يخبوا ذكرها ومنفعتها في مركز محافظة بابل وهي المستشفى التي سميت باسم هذه العائلة الحلية الكريمة . لست من محبي مراجعة المستشفيات الحكومية لأسباب كثيرة ، ولكني اضطررت هذه المرة لمراجعة مستشفى مرجان ، وحقيقة ذهلت بما رأيت فيها من حركة وعمران ومتابعة وجهود واضحة للجميع ، بنايات حديثة بواجهات عمرانية حضارية جديدة تنتشر هنا وهناك لتملأ الفراغ الذي كان حديقة مهملة من سنين طوال ، مبنى فخم لغسل الكلى ، مبنى كبير آخر للقلبية والباطنية ، مباني كثيرة لا أعرف استخداماتها وأغراضها الطبية ، ولأن مدير المستشفى يريد أن يتواكب عمل البناء مع الحدائق وتناسقها لذا وجدت أن الساحات الخضراء امتدت فيها ( الثيلة ) لتغطي كافة المساحة بشكل متناسق ، والجميل أن مجموعة الفلاحين آثروا أن يأتوا بال ( الثيلة ) ليرصفوا قطعها الصغيرة المخصصة لعشر أمتار بعد تفريقها جنبا لجنب متوخين امتدادها بشكل قياسي سريع ، وحقيقة لم أعتبر هذا هدرا للمال العام لأني شاهدت جماليتها بعينيّ ، هذا الشكل الخارجي النظيف لمدخل المستشفى وأنت تسير لتصل لداخل البناية تجد أن مظلة تظلك من باب المستشفى الرئيسي لغاية دخولك الى المستشفى ، والحديث عن داخل المستشفى والردهات شئ يثلج القلب ويشرحه ، تتصور نفسك أنك في مستشفى خارج العراق ، ولم لا والعقلية العلمية والفنية العراقية لا تختلف عن العقول الآخرى أن أحسنت الأداء والمهمة ، الردهات قسمت لغرف صغيرة تستوعب راقدين أثنين فقط ، الخدمة من قبل الممرضين والممرضات شئ يلفت النظر ، نوعية المأكل الذي يقدم للمرضى نوعية لا يملكه فقراء الناس ببيوتهم ، الأطباء الاختصاص يتواجدون حيث ما يكون عملهم حريصون على تقديم الخدمات الطبية بشكل متوازن مع الجميع ، ردهة الإنعاش لمرضى القلب العمل فيه لا يتوقف ليلا ونهارا ، المختصون بذلك أدخلوا دورات طبية لإسعاف المرضى وإتقان عملهم ، والدواء متوفر في هذه المستشفى ويقول الأطباء أن الأدوية تأتي من الوزارة ومن المنشئ المعتمد علميا وعالميا ، ولا أشكك بصحة ما يقولونه بخصوص الدواء ، شكرا لكل يد وطنية نزيهة تريد بناء عراقها حضاريا وعلميا ، شكرا لكل كادر مستشفى مرجان رجالا ونساء ، أطباء ، ومهنيون طبيون ، وموظفون ، وعاملون ، وشكرا للسيد الدكتور ( علي الشريفي ) مدير مستشفى مرجان الذي يريد أن ينقل و يقدم كل خبرته ومهنيته لأبناء محافظة بابل ، للإضاءة .... فقط .

الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

4 قصص للأطفال-د. بلقيس الدوسكي


4 قصص للأطفال
الطفل الحكيم
اصطحبته أسرته إلى مدينة الألعاب للترفيه عنه في يوم العطلة الأسبوعية. أرادوه ان يتسلى بركوب (دولاب الهوى)، فرفض، عند سماعه صراخ بعض الأطفال، قائلا ً: ـ لن اصعد حتى يقللوا من ارتفاعه الذي لا ينسجم مع عمر الأطفال، لأن هذا الدولاب يصلح للكبار الذين اعتادوا استخدامه، والبرهنة على رغبتهم بالمغامرة، والتباهي بشجاعتهم. فاصطحبوه إلى مكان آخر، كي يرى بعض الأطفال يلقون بالكرة على بعض العوائل ويسلبونهم راحتهم، فبكي وصرخ: ـ عودوا بي إلى البيت. قالت أمه تخاطب والده: ـ إلى أين نذهب به ..؟ قال والده: ـ نسأله أولا ً.. ما الذي يعجبه ..؟ ـ إذا ً أسأله أنت ..؟ فسأله: ـ ولدي بشار، ماذا يعجبك، وأين تريد ان نذهب بك ...؟ قال الطفل: ـ إلى مكان هاديء؛ والى ما يفرحني ويفرحكما، خذوني إلى المكتبة العامة! ـ لكن ليس فيها غير الكتب والمؤلفات التي لا تتلاءم مع سنوات عمرك. ـ بل من خلالها اشعر بأنني بعمرك يا والدي..! التفت والده نحو أمه وخاطبها: ـ ابننا اكبر من عمره، فدعينا نأخذه إلى مكتبة احد الأصدقاء، حيث توجد الكتب. وذهبوا إلى احد الأصدقاء حيث توجد مكتبة غنية بالمؤلفات، فسأل الطفل صديق العائلة: ـ هل يوجد في مكتبتكم، يا عم، كتاب يتحدث عن الأطفال المشردين في الشوارع..؟ ـ الشارع، يا ولدي، يربي الأولاد الذين لا احد يرعاهم، ليجعل منهم أعضاء غير نافعين في المجتمع. ـ وما هو مصير هؤلاء الأولاد ...؟ ـ التسكع، والفشل، والقيام بأعمال تدمرهم وتدمر سمعة عوائلهم، كي يصبح مصيرهم مجهولا ً. ـ لهذا، يا عم، ارفض ان تكون لي أية علاقة بهم. ـ المكتبة أمامك واختر منها الكتاب الذي يعجبك، وتود قراءته. ـ ولكن قل يا عم، لماذا لم تفرز في مكتبتك رفا ً تضع عليه الكتب التي تتحدث عن الأطفال، ومراحل أعمارهم، ونموهم...؟ ـ لو كان لي طفلا ً يمتلك نضوجك المبكر لفعلت ذلك. ـ وأنا صديق أسرتكم، وابن صديقكم، فارجوا ان توفر لنا الكتب أو الكراريس التي تتحدث عنا، نحن الأبناء، والأحفاد. فخاطب الرجل والد بشار: ـ لا ادري بماذا أجيب هذا الطفل الذي تجاوز عمره .. ولكن علي ّ ان أقول، ان الذكاء بلا عمر، وخذوا الحكمة من رأس هذا الطفل الموهوب

. قبلات

 سأل الطفل والده: ـ بابا، قلت لي غدا ً نحتفل بعيد ميلاد أمي.. ـ نعم يا حبيبي، وأنا سأقدم لها هدية بهذه المناسبة. فكر لبرهة وسألته: ـ وأنا ..؟ ـ ما بك أنت يا ولدي ..؟ ـ أريد ان أقدم هدية لامي الحبيبة، أيضا ً. ـ ماذا تحب ان تقدم لها..؟ ـ قبلة، وساعة! قال الوالد: ـ القبلة موجودة في شفتيك، أما الساعة فخذ ثمنها، وعليك الاختيار بينهما. ـ أشكرك يا بابا العزيز. ـ اطلب ما تشاء يا حبيبي، فأنت أغلى من كنوز الأرض كلها. ـ وماما ..؟ ـ إنها غالية مثلك أيضا ً. فسأل الطفل والده فجأة: ـ ومن سيغني لها في عيد ميلادها..؟ ـ أنا وأنت، وهناك من سيشاركنا الغناء! ـ من هو ..؟ ـ هو الحب .. ـ وماذا سيغني ..؟ ـ سيقول في أغنيته: يا عيد الميلاد، أنت عطر الغابة، ونور القمر، ونسيم الفجر، فتعال ابتهج معنا! ـ حقا ً، إنها أغنية جميلة. في اليوم التالي أقيمت حفلة عيد الميلاد، وأوقدت الشموع، ليغنيا معا ً بصوت واحد: يا عيد الميلاد.. يا ضوء السماء يا عطر الورود .. وأحلى القبلات يا عيد الميلاد .. يا أحلى الأعياد صفق الجميع لهما، وتبادلت القبلات، وعبارات التهاني، فقدم الأب هديته، وقدم ابنها الصغير قبلاته لها. في اليوم التالي كان الابن يوزع الحلوى لأصدقائه، لكن الابن سأل والده: ـ وأنت، يا بابا، متى عيد ميلادك ..؟ ـ لماذا يا حبيبي..؟ ـ كي أقدم إليك هدية عيد ميلادك، بعد ان تعطيني نقودا ً لشرائها طبعا ً! ابتسم الأب، قائلا ً: ـ سأخبرك قريبا ً بيوم عيد ميلادي.. ـ ولكن لماذا لا نحتفل في هذه الليلة بعيد ميلادك يا بابا ..؟ ابتسم الأب مرة ثانية، وقال له: ـ خذ موافقة ماما أولا ً..ولكن قل لي: لماذا كنت تبكي في صباح هذا اليوم..؟ ـ لأنني رأيت احد الأطفال يمشي على عكازة.. فكر الأب برهة من الزمن، وقال: ـ آ .. هذا هو ذنب أمه أو ذنب والده، لأنهما أهملاه ولم يصطحباه إلى الطبيب، عندما ولد مصابا ً بالكساح .. ـ اذا ً أنا زعلان على أهله .. فقال الأب بصوت رقيق: لهذا طالما طلبت منك ان لا تمشي حافيا ً، وتنظف أسنانك، وان تحترم من هم اكبر منك، مثلما تفعل مع ماما وبابا . قال الطفل بسعادة: ـ أمرك يا بابا. فسأل الأب ابنه: ـ والآن ماذا تطلب مني..؟ قال حالا ً من غير تفكير: ـ أريد ان أقبلك يا بابا. ـ آ .. سلمت، لا أجمل من هذه القبلات.

 السيف
 كان والداه يحرصان على تربية ولدهما بصبر، ويعملان على تنمية ذكائه، وتوجيه بحب الأشياء الجميلة التي تنمي في شخصيته المثابرة، والحرص على العمل، والاقتداء بالمثل العليا. وفي ذات يوم سأله والده: ـ ما هي نظرتك لي، وما هي نظرتك لوالدتك، يا حبيبي..؟ ـ أنتما الاثنان، مثل عيني، ففي كل عين يسكن أحدكما.. ـ اذا ً، أعطنا قبلة من عينيك. فقال الابن: ـ أعطياني قبلتان من عينكما، يا أبي، ويا أمي. فسأله والده: ـ ماذا تحب ان أهديك في عيد ميلادك غدا ً..؟ ـ قبلات بعدد شموع سنوات عمري! ـ وماذا بعد ....؟ ـ سيف بلا غمد! ـ ماذا تفعل به وأنت الولد المسالم، مثلنا. صمت قليلا ً وسأل والده: ـ هل انتهى زمن الباطل..؟ ـ يا ولدنا، الصراع بين الحق والباطل مازال قائما ً، فهو بدأ مع البشرية، وسيبقى معها أيضا ً. ـ اذا ً، لم يزل للسيف دوره، وزمنه لم ينته بعد. ـ من قال لك هذا يا ولدنا العزيز..؟ ـ هذا ما عرفته منكما الآن! ـ وماذا تفعل بالسيف إذ ْ كان الباطل لم يزل هو هو في حضوره إلى جانب الحق...؟ ـ سأقاوم به الباطل الذي يحاول الاقتراب من حديقة بيتنا، ويحاول إيذاء ورودها، وبلابلها، وفرشاتها الجميلة. بعد تفكير ، قدما له سيفا ً صغيرا ً من الخشب تلبيه لرغبته، وطلبه. لكنه، رفض بإصرار وطلب ان يكون السيف حقيقيا ً كي يرهب به الباطل. فقال والده له: ـ ان يدك يا ولدي لا تحتمل حمل السيف الثقيل المصنوع من الفولاذ.. ـ لكن يا والدي أنا احمل في قلبي حبا ً كبيرا ً لكما سيساعدني على حمل هذا السيف. ـ من علمك هذه الحكمة..؟ ـ من حبكما، ومن عاديات الليالي . ـ ومن أفهمك ماذا تعني عاديات الليالي..؟ ـ صمودكما، وصبركما، وكل ما في قلبيكما من حب، وحكمة. ـ حسنا ً، وإذا كبرت، فما نفع سيفك اذا لم تداهمنا الأخطار، ولم يقترب الباطل منا..؟ ـ الذي أتمناه، يا والدي، ان يفهم أصدقاء طفولتي، وشبابي، أنني كنت ولم أزل احمل هذا السيف ضد الباطل، وليس لأي سبب آخر. فانا سأحمله كي لا يقترب منا.



 العبوا في ساحات قلوبنا


 كانوا يلعبون الكرة بعد عودتهم من المدرسة، مساء ً، مثل كل يوم، وبالرغم من ممارستهم لها بهدوء، ومن غير خشونة، وعنف، لكنها كانت لا تخلو من إلحاق الأذى بالآخرين، من غير قصد. فطالما كسروا زجاج النوافذ، أو لوثوا ملابس بعض المارة بكراتهم المبللة بمياه الشارع، وغير ذلك. وحين كثرت عليهم شكاوى الأهل، والجيران، توقفوا عن اللعب في الزقاق الضيق، فتساءل احدهم: ـ لماذا لا نلعب في الشارع ..؟ جاءت الردود: ـ عندها سنعرض أنفسنا لمخاطر الطريق.. ـ اذا ً علينا ان نبحث عن ساحة نمارس فيها لعبتنا الجميلة. قال آخر: ـ لكن الساحة أكثر خطورة، لأنها تقع بين شارعين أو أكثر.. ـ اذا ً أين نلعب..؟! ـ اقترح ان نلعب فوق سطح بيتنا؟ فيضحك الجميع: ـ وهل يسع سطح بيتكم لأكثر من قطتين وجوزة صغيرة ..؟ ـ بل يسع لأكثر من عشر قطط! ـ أنا أفضل، يا صحبي، ان نتوقف عن اللعبة إلى ان نجد المكان المناسب، الأمين. ـ لكن لماذا لا نفكر في لعبة بديلة نمارسها..؟ ـ فعلى سبيل المثال، لماذا لا يفكر، كل منا، بتصميم نشرة جدارية، تتضمن الشعر، والقصص، والأمثال، والحكمة، ونقدمها هدية لإدارة مدرستنا. ـ ومن يزودنا بالمواضيع..؟ ـ آباؤنا، وأخوتنا، وأقاربنا، فضلا ً عما نحفظ من معلومات. ـ وإذا أكملنا النشرات الجدارية، وقدمناها هدية، ماذا سنفعل بعد ذلك ..؟ ـ خبر سار أقوله لكم جميعا ً.. ـ قل يا نصير. ـ لقد بادر والدي بشراء هدية جميلة ستكون نصيب أي واحد منا يقدم أفضل فكرة يرسمها. صفق الجميع للفكرة. ـ بكل تأكيد، يا نصير، ان الهدية ستكون من نصيبك! ـ لا يا زميلي، لقد اختار والدي لجنة محايدة من اثنين من أصدقائه الفنانين وستعرض عليها رسومنا وهي التي ستقرر وتعلن عن الفائز الذي يستحق الهدية. يصفق الجميع ثانية، بعدها راح كل واحد منهم يبحث عن فكرة يرسمها ليفوز بالهدية. وفي يوم العطلة، دعا والد نصير أعضاء اللجنة وآباء المتسابقين لمشاهدة معرض أبنائهم، وبعد ان استعرضت اللجنة كافة الرسوم، اختارت بالاتفاق، رسما ً لفكرة رائعة مثلت طفلا ً يقدم لوالديه باقتين من الورد. ثم أعلنت اللجنة عن فوزه بالجائزة، ونادت: ـ على الرسام الماهر خالد ان يتقدم لاستلام الهدية. تقدم خالد لاستلام الهدية، وقد انهمرت دموع الفرح من عينيه، قائلا ً: ـ بدوري، يا حضرات الآباء الأفاضل، أتبرع بالهدية إلى المربي المتقاعد الأستاذ إبراهيم، الذي وهب سنوات طويلة من عمره للعلم والمعرفة، وتربية الأجيال. صفق له الآباء، والزملاء، وارتفعت زغاريد الأمهات. فتقدم خالد بالهدية وسلمها إلى الأستاذ المربي إبراهيم، حيث نهض الآخر واستلمها، بعد ان قبله، قال: ـ أعزائي الآباء، أحبتي يا رجال الغد، يذكرني موقف خالد، بموقف مشابه تماما ً حدث لي عندما كنت بعمره، عندما تبرعت بالهدية التي فزت بها، إلى احد أساتذتي، رحمه الله .... والآن، لا اعرف لمن اهدي هدية خالد..؟ جاء الرد: ـ الهدية لا تهدى يا استأذنا الجليل، وان أطفالنا، هم جيل المستقبل، وأساتذة الزمن الآتي. ثم هتف نصير بكلمات بعثت المسرة في الجميع، عندما قال: ـ نعاهدكم جميعا ً بان فريقنا الكروي، قرر ان يتوقف عن اللعب في الأزقة، والشوارع، حفاظا ً على سلامة شبابيك بيوتكم، وحدائقكم، وعدم إحداث الضوضاء. لكن واحدة من الأمهات هتفت: ـ بل العبوا في ساحات قلوبنا.

الفنان شوقي الموسوي :.حاوره : سلام محمد البناي


حوار الفنان شوقي الموسوي : إن لم يؤثر الفن في الآخر ؛ فهو ليس فناً بل مجرد حرفة !
شوقي الموسوي فنان تشكيلي محترف وأكاديمي وباحث متخصص برسم الكلمات وتتويجها بالاطر اللونية الناطقة ، دائم البحث والتنقيب عن الاثر وصولاً الى الاشياء الجوهرية التي تأخذه الى عوالم جديدة من الابداع .فنان له بصمة واضحة في جسد الفن التشكيلي العراقي من خلال طرحه لجمالية اللوحة وسطوح الفكر والمعنى ، يحاول ان يجد مساحة مشتركة بينه وبين المتلقي وصولاً الى ذروة التفاعل ، اسلوبه التعبيري ينطلق من ذاته الخالصة فهو يرى الاشياء من زوايا مختلفة مؤطرة بهم انساني يستفز مشاعر الآخر وصولاً الى المعنى .في قاموسه يتعامل مع مفردات يومية غاية في الوضوح فهو لايحبذ إقحام المتلقي في دائرة صاخبة وطلاسم لايمكن فكها ألوان لوحاته متوازنة والمكان تأثير واضح على أعماله فالمدينة عنوانه الاثير تذهب اليه ريشته باندفاع عفوي .. ولد الفنان عام 1970 في كربلاء (www.shawqi-almusawi.net) ..حاصل على الدكتوراه في فلسفة الفن الاسلامي وهو عضو في جمعية التشكيليين العراقيين وعضو اتحاد الادباء والكتاب العراقيين وهو ايضاً ناقد فن تشكيلي وهو حاصل على جائزة الابداع للشباب عام 2000 من وزارة الثقافة العراقية ولديه العديد من المشاركات الفنية وله مجموعة من الدراسات والبحوث في النقد والجمال والفلسفة ..طبعت له بعض الكتب اهمها (جغرافية الجدل في الفكر والفلسفة والفن)و(المرئي واللامرئي في الفن الاسلامي) يعمل حاليا استاذا جامعياً في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل .... * أسلوبك التعبيري التجريدي هل هو اقتراب من لحظة التلاشي مع الذات أم هو إصرار على مواكبة المدارس الحديثة ؟ ـ طبعاً هو اقتراب من الذات والانا الآخر .يقال ان الفن بجمبع مراحله وأساليبه الفنية وتمظهراته الشكلية بمثابة تعبير ولكن كل اسلوب له رؤية خاصة تعبر عن الافكار من قوانين محددة له .. وبطبيعة الحال يحتفل التعبير بالذاتية الخالصة والرومانسيةلاقتناص شيء من الجمال المستور في ماوراء المرئيات وبالتالي تجد ان أغلب تجاربي الفنية بشكلٍ عام وتجرربتي الاخير 2012 على قاعة أكد للفنون بشكل خاص (قطاف عنصر الصمت) قد انتهجت أسلوباً محدداً وهو التعبيرية التجريدية الذي يمثل احدى اتجاهات الفن التجريدي وهو منفتح على طروحات مابعد الحداثة المفعمة بالتحديث والترميز والتحزيز والتدوير والتعبير والتجريد على حساب الايقون بعيداً عن التشبيه والتقريرية الساذجة . * حفرياتك في التاريخ هل لها بعد أكاديمي أم انك تروم الغوص في المعرفة من اجل إنضاج تجربتك ؟ ـ اجابتي هي الاثنين معاً ..؛ اذ لايمكن فصل الجانب الاكاديمي الذي استنشق به ومنه كاستاذ فلسفة الفن في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل وبين الجانب الآخر الذي هو المعرفي الذ يصبوا اليه كل فنان أو أديب ..فهما وجهان لجسد واحد (المعرفة) يكمل احدهما الآخر..؛ على اعتبار ان أغلب تجاربي الفنية على مستوى الرسم والنقد التشكيلي تجدها تنطلق من المرجع في عملية التنقيب عن الاثر أو العلامة بحثاً عن المعاني الجوهرية ، من أجل ان تكون تجربتي فيها شيئاً من الامتداد الزمكاني في الفكر والجمال ليمتد الماضي الجميل عبر الفكر الوسيط والحديث الى اللحظة الحاضرة التي تقترح لغةً معاصرة تنفتح على الآخر لتمتد ذهنياً بعد ذلك من خلاله بفعل التعددية في القراءة والصيرورة الفنية فكلنا نتائج لاناس سبقونا – على حد تعبير أدونيس – وهكذا أقوم بانتاج الاسئلة التي تحاول في كل المرات ان تمسك بالاطياف . * عملية ترك المتلقي يدور في ساحة التأويل في لوحاتك ، هل فيها قصدية لأشغال المتلقي في موضوعة لوحاتك أم أن الحداثة لها تأثير على أسلوبك ؟ ـ انا لااترك المتلقي يدور في ساحة التأويل من أجل التأويل بل وجدتني اشتغل على تكوينات فنية وطريقة أدائية تحتفل بطروحات مابعد الحداثة تسمح لان يكون المتلقي مشاركا في العملية الابداعية وليس مستهلكا أو مؤولاً فقط .. بمعنى ان فيها قصدية طبعاً ؛ بوصف انه كل تجربة فنية عليها ان تحتكم من وجهة نظري الشخصية المتواضعة الى شيء من القصدية الواعية المحتكمة الى الخبرة والتراكم(النية) ،كي لاتقع التجربة في فخ الصدفة !! الغير مجدية فتصبح مجرد فقاعة تنتهي بوصولها الى السطح وانفجارها !!.. فقد اعتمدت تقنيات وعمليات تحديثية تحتفل بالتسطيح والتبسيط في تجاربي المتأخرة على وجه الخصوص ، من اجل ان يكون المتلقي منتجاً من خلال وضع فخاخ وأسئلة متعددة الاصوات تجتاح ذهنيته لحظة فعل الاشتباك فتثير فيه توق الى التأويل والتدويل بحدود نظرية التلقي ..حيث ارى ان قيمة العمل الفني يعتمد من وجهة نظري على مايحمله من أسئلة ومايثيره من أفكار لدى الآخر . * هل تخاطب النخبة من خلال غموض بعض لوحاتك ؟ وكيف تصنع جمهورا شعبيا تسحبه برغبة كبيرة إلى أعمالك ؟ ـ ان كان الغموض الذي تقصده يرادف اللامرئي أو المخفي أو المسكوت عنه فأنا أخاطب الآخر من خلاله .. فالفن اعتبره موجه الى الآخر أكان بخبوياً او تعبوياً أم غيرهما ..ولست مع الفن الخاص فقط بالنخبة !! الفن يعتمد على مايمتلكه الآخر من مرجعيات ثقافية ومعرفية وبصرية وان طبيعة الحال اعتمد كما ذكرت سابقاً اسلوب التعبيرية التجريدية الذي يحتفل بالجانب الفكري والجمالي بجانب التقني والذهني المتأثر بطروحات مابعد الحداثة فضلاً هن الجانب الآخر المتمثل بالتعبيري الذ يجد الآخر فيه تكوينات لمفردات واضحة المعنى (الجسد – الهلال – القبة والمنارة – النجمة – النخلة – القارب – الحروف – الايقون ...) فالفن اليوم يحاول ان يصنع جمهوره اينما كان وليس فقط صناعة لوحة بصرية . فان لم يؤثر الفن في الآخر لااعتقد باننا يمكن ان نطلق عليه فناً لربما هو مجرد حرفة .فالفن هو الانسان وهو الآخر والانسان هو الفن . * هل تجد أن المعارض التشكيلية تلقى صدى لدى المتذوق العراقي حاليا ؟ وكيف تنظر للمشهد التشكيلي العراقي الآن والكربلائي خاصة ؟ ـ في الامس كان للفن والمتلقي في العراق حضوراً متميزاً قد القى بظلاله في المنطقة العربية والاسيوية على حد سواء ولكن كان ينقصه التوثيق والتسويق والرعاية وفكرة الاقتناء الذي حاربه نظام الامس في كل المجالات !! ولكن اليوم ونحن نعيش عصر الحرية والديمقراطية والمعلوماتية بدأ الفنان يفكر بتوثيق فنه ومن ثم تسويقه خارج حدود الوطن ولكن هنالك بعض المعوقات الجديدة ظهرت على السطح الثقافي منها الملفات الامنية والصحية والسياسية محلياً واقليمياً ودولياً فكممت الثقافة والتجأت الى التغني بالماضي الجميل ، فضلا عن عدم وجود دور فعال لوزارة الثقافة او جمعيات الفن والتشكيل ..فاصبحت حقيبة الثقافة في المركز الاخير كونها حقيبة غير ربحية !! مما ساهم في هجرت العقول والمبدعين والفنانين بحثا عن الحياة خارج حدود الوطن الممتليء بالاحتلالات والاختلالات مع الاسف . * كيف تختار عناوين معارضك الشخصية.وما هي أهمها على مستوى الإقبال والتأثير ؟ ـ بصراحة يتم في البداية في كل معرض تحديد موضوعة التجربة قبل الشروع بها ومن ثم اجراء دراسات واطلاعات وتكثيف القراءات من أجل اختمار الفكرة والتجربة ومن ثم الشروع بها تشكيلياً وبعد اكتمال التجربة يتم عرضها على النقاد ومداولتها معهم لتقديم التجربة بمقالة او دراسة نقدية مكثفة يتم من خلالها الاتفاق على العنوان لما هو متواجد في التجربة .ومن اهم عنواناتي (خطوط والوان راقصة 1994) و(حساسية الرسم وموسيقاه1999)و(قطاف عنصر الصمت 2012) .اما بخصوص أهمها فاعتقد بانها جميعها مهمة بالنسبة لي لانها متمفصلة مع بعضها البعض .. في حين مدى قبولها او تأثيرها على الاخر فاعتقد ان من يجيب عليها هو الاخر ولست انا .. على اعتبار ان التأثير معني به الآخر المتلقي .

قصص قصيرة جدا ً-عادل كامل

قصص قصيرة جدا ً




عادل كامل
إلى علي السوداني

[انشغالات]
    لم يعد يفكر أيهما سفك دم الآخر، الولد البكر أم الذي ولد بعده، ولم يعد منشغلا ً بأداة القتل، إن كانت لحرث الأرض أم للدفاع عن النفس، ومن استخدمها أولا ً، إنما كان يحدق في الحروف وهو يراها تجري بعضها وراء البعض الآخر، ككائنات لا يعرف أذاهبة إلى الأمام أم عائدة منه، ثم لم يعد منشغلا ً بالكلمات، ولا بالعبارات، ولا ....، من يكون قد فشل في إخفاء فعلته، بل بأصابعه وهي تأخذ لون الورقة، وظل الكلمات، وهو يتساءل أكانت هي التي تجرجره طوال الوقت، خلفها، أم هو الذي كان يهرول وراءها، وأحيانا ً يجري، وهو لم يعد يكترث إن كان قد جاء من الليل إلى النهار، أم من النهار إلى الليل، إنما، في تلك اللحظات، تجمعّت الأصوات، دفعة واحدة، لديه، فوضعها في قاع رأسه، وأوصد عليها الباب، بعد ان تركها نائية عنه، كي يسال نفسه، أيهما كان السبب...، القاتل أم الضحية، وهل كانت أداة القتل شبيهة بهذا الصمت الذي راح يراه يحاصره من الجهات كلها، وهو يكف عن الكتابة...؟
2012
[حوار]

     اقترب منه احد الأطفال، وسأله:
ـ لماذا تجلس وحيدا ً وأنت رأيت الجميع يغادرون ...؟
   هز رأسه بهدوء، وقال للطفل:
ـ ولكني لا اعرف عن أي شيء يبحثون، وماذا يريدون ...! 
فقال الآخر:
ـ إنهم ذهبوا إلى المكان الذي لا موت فيه!
فتمتم العجوز مع نفسه، بصوت مسموع:
ـ ولكن الموت هو الذي أرسلني، إلى هنا!
فصرخ الطفل:
ـ ألا تخاف ان لا تجد مكانا ً لك معهم..؟
ـ بل أخاف ان لا يجدوا لأنفسهم مكانا ً كهذا الذي لا حياة فيه ولا موت!
 وأضاف بصوم حزين:
ـ فما وجدته هنا، يا ولدي، لا يختلف كثيرا ً عن الذي لا وجود له هناك! 
فصرخ الطفل:
ـ سأخبرهم بما فكرت فيه!
   لكن الطفل، سأل نفسه، بعد ان اختفى العجوز، وتوارى عنه، فجأة: هل جئت من المكان الذي لا موت فيه، أم أنا ذاهب إليه...؟!
[وباء]

    سأل الرجل الزمرة التي ألقت القبض عليه:
ـ هل جئتم للقضاء على الوباء، أم على المصابين به ..؟
فسأله احدهم:
ـ كيف خطر على بالك هذا السؤال..؟
  فلم يجب، لأنه لم يعد يرى أحدا ً يفتك بالآخر، إنما رأى، في نهاية الزقاق، كيف استدار الوباء بحثا ً عن زقاق آخر.

[رأس]
     وهو يستعد لمغادرة البيت بحثا ً عن عمل، أمسك برأسه، وحاوره: إن حملتك معي لفت النظر إليك، وإن تركتك هنا، لن يدعوني بأمان..
صمت قليلا ً، عندما بزغت فكرة: ما اذا كان يستطيع ان يجعل رأسه لا مرئيا ً، أو ان يجرد رأسه من رأسه كي لا يلفت الانتباه...!
  ابتسم بلا مبالاة، لأنه عندما عثر على الجواب، لم يعد يتذكر السؤال الذي شغله.
[تحولات]
    استعاد القصص التي قراها في طفولته، عندما كان يتحول فيها الثور إلى نملة، والأسد إلى فأر، والتمساح إلى سمكة، والكركدن إلى دودة صغيرة...، واستعاد القصص التي طالما كان الناس يمسخون فيها فيتحول الرجل إلى سحلية، أو إلى ضفدعة، أو إلى بعوضة، والمرأة تتحول فيها إلى قنفذ، أو تأخذ شكل الأفعى...، فخاف ان يرقد، كي يجد انه تحول إلى حمار، أو إلى حشره ...، لكنه تساءل، في تلك اللحظات، قبل ان يغفو: لكن من ذا الذي يستطيع ان يحدد أي كائن أنا عليه، الآن، طالما لم اعد أرى أحدا ً، ولم يعد يراني الجميع..؟!

[ظلال]
   لسنوات طويلة أمضاها لا يعمل إلا على إخفاء ظله، متجنبا ً الأضواء، والتجمعات، والفضاءات...، ليكتشف، وقد وجد نفسه في مدينة نائية، ان أحدا لم يلتفت إليه، ليس لظله، أو صوته، أو أفكاره، بل لوجوده.  كان العمر قد مضى، دار بخلده، ولا معنى للأسى، أو الآسف، أو الحزن. آنذاك راح يرى ظله يمتد بعيدا ً عنه، وصوته لم يعد يسكن حنجرته، وان أفكاره راحت تتراقص، وسط حشد من الناس، من غير مراقبة، أو خوف. ولكنه رأى احدهم، يمر بمحاذاته، فسأله: ما الذي تبحث عنه..؟ هامسا ً أجاب الآخر، وهو يراقب الآخرين بحذر:
ـ ابحث عن مدينة لا يسرقون ظلي مني فيها!
[طبول]
    جاءته الأصوات موجات متقطعة، تارة كانت شبيهة بنسمات الفجر، خفيضة، باردة، وتارة كانت الأصوات شبيهة بما يحدث في أسواق الصفارين، والحدادين، والساحات العامة. آ ...، ليصطدم برؤية زمر متلاصقة تتقدمها جوقة تقرع الطبول...، وأخرى تدك الأرض دكا ً، فسأل نفسه: ماذا يحدث..؟  قبل ان يعثر على جواب لمح فتى وحيدا ً صامتا ً أعقبه كهل، ومجموعات من الأطفال...، فقال يحدث نفسه، لا غرابة في الأمر، لأن حشدا ً آخر كان يصدر زمجرات لم يسمعها من قبل، ترتفع عاليا ً، لتنخفض، من ثم تزمجر الحناجر، وتهدأ، حتى لم يعد يرى إلا الطريق خاليا ً من المارة. ثم فجأة شاهد أكداسا ً بشرية لها بداية وليس لها نهاية، تهلهل، وتصفق، وتهتف، وترقص، تتقدمها  مجموعات تطلق النار في الهواء، وأخرى تقرع الطبول، وثالثة تنفخ في الأبواق.  مال رأسه إلى الخلف، والى الأمام، فعدله، ليفقد السيطرة على انحرافه نحو اليمين، والى اليسار...، ليجد الشارع خاليا ً من المارة. آ ....، ولم يغادر المكان الذي اختاره للجلوس في المراقبة، فقد بدأ يصغي إلى أصوات نسوة ينحن، وهّن يلطمن، ويمزقن ثيابهن، إنما شاهد بعد ذلك مرور كائنات تداخلت أشكالها، وأصبحت كأنها مركبة، لها رؤوس مكعبة، وأقدام كالخيزران، كانت تصدر أنينا ًشبيهة بالعواء المكتوم. خاف الكهل، لبرهة، من ثم انشغل بالإصغاء إلى حناجر اختلطت أصواتها، فقد كانت تهتف عاليا ً، ثم أعلى، فأعلى، تلاها حشد يرتدي ملابس لا ألوان لها، وأخرى بيضاء، وثالثة، حمراء، ورابعة، بلورية، وخامسة سوداء، وسادسة اختلطت ألوانها، لتلتحق بها، مجموعات تداخلت أشكالها حتى لم يعد يرى إلا كتلة واحدة تصدر صوتا ً شبيها ً بدوي البراكين، وأخرى تزلزل، وثالثة اشد عنفا ً، وقوة، لم تترك له قدرة للإصغاء، لأنه، عندما هم بالمغادرة، وترك موقعه، لم يجد ظلا ً لا لجسده، ولا لصمته، لأنه لم يعد يعرف ماذا حدث بعد ذلك.
2012


[اجتثاث]

     كان قد اجتث، بطرق شتى، خلايا دماغه من الكلمات المثيرة للريبة، والظنون، التي تداخلت بالخزين الغامض الذي تخفيه الكلمات، ومشفراتها، داخل رأسه. فقد عمل على غسلها، وبتر الزائد منها، وتشذيبها، وتطهيرها، ومحوها، درجة انه تنبه لأي رد فعل مضاد قد يواجه عمله هذا، بصفته عملا ً إراديا ً، ويكاد يخلو من الضغوطات.
   وها هو يجلس وحيدا ً في غرفته يحدق في ما تبقى من الخلايا، في ذات صباح حار، ليعيد فحصها، ونبش ما توارى فيها من تلك الكلمات، أو أنصافها، وما يمكن ان تدل عليه، وما اذا كانت قد تحايلت عليه، واخفت ديناميتها، وإرادتها العنيدة بالبقاء، وما اذا كانت قد تسترت على قدراتها على الانبعاث، ومغادرة الحدود التي رسمها لها، فظهر له أنها وديعة، طرية، رخوة، ومنفصلة بعضها عن البعض الآخر، وقد تحولت إلى ما يشبه البذور الجافة، أو شبيهة بذرات خالية من النواة، أو كرات بلا مراكز. فرفع رأسه قليلا ً وحدق في قرص الشمس، لبرهة، فوجد انه لا يستطيع كتم رغبة حادة بالصراخ، ورغبة أخرى بالبكاء، ورغبة ثالثة بالرقص، وأخرى بمغادرة غرفته، في بيته القديم...، لكنه، ما ان حاول النهوض من كرسيه الخشبي، حتى شاهد قرص الشمس وقد تحول إلى بقعة سوداء، بحجم حبة رمل، لا مرئية أو بالكاد استطاع ان يراها بالعدسة المكبرة، وهي تزحف باتجاه خلايا رأسه ، وتندمج، وما ان بحث عنها، حتى رآها توارت، من غير اثر يذكر.
2012



[اعترافات]
ـ  "ليس لدي ّ ما اعترف به.. "  ودار بخلده، انه تم انتزاع كل ما لديه من أسرار، ومعلومات، وصور، ورموز. ليرفع رأسه وهو يحدق في الزمرة التي ألقت القبض عليه، وهي مازالت تواصل استجوابه. فقال احدهم يخاطبه:
ـ "نعرف ذلك ..."
     فوجد الكلمات تغوص في أعماقه النائية، تارة، وليس لديه قدرة تركها تغادر فمه، تارة ثانية. فراح رأسه يتمايل إلى الوراء، والى اليسار، والى اليمين، والى الأمام، من غير كلمات أو ما يشير إلى الأفكار، أو إلى المعاني. مصغيا ً إليهم بشرود:
ـ " نعرف ذلك ...، ولكننا لم نلق القبض عليك بسبب تهمة ما موجه ضدك ..."
ـ " ....."
ـ " بل لأنك أصبحت الآن تعيش بلا تهمة"!
ـ " ......."
ـ " ولهذا قررنا ان نمنحك هذا المفتاح .."
ـ " ..... "
ـ " كي يدور في القفل "
ـ " .... "
ـ " وتختار ركنك هناك، في الغابة، بمحاذاة البحيرة، والجداول، حيث  تجد هناك ما طاب لك ان تختاره من الغلمان، والطعام، والفتيات الباكرات، والخمور،  ....، وكل ما حلمت ان تراه في حياتك الزائلة، هنا، معنا ..."
    بحث عن الكلمات في رأسه، فوجدها تبخرت، تلاشت، ولم تترك أثرا ً يدل عليها. فأشار لهم انه لا يريد الذهاب وحيدا ً، وانه، في الأصل، تخلى عن تلك الأمنية، وانه انشغل بما لا يوصف من شقاء، طالما عذبه وهو يتأمل عذابات البشر..
ـ " ها أنت تفكر ..."!
ـ " .... "
   فحاول ان يعدل نظام الإشارات، ويخبرهم انه لم يقصد عدم الطاعة، أو العصيان، بل قصد ان يتبرع بهذا الاستحقاق لهم، فلم يجد وسيلة لذلك. فخاطبه الآخر بصوت حاد:
ـ " ها أنت ترتكب الإثم ..."
ـ " ..... "
ـ " ولسنا بحاجة إلى وجودك، معنا، بعد اليوم، فاذهب إلى المجهول"
2012
 


الجمعة، 5 أكتوبر 2012

غالب المسعودي - عندما تصل المرارة حد الحلقوم

أربع قصص للأطفال-د. بلقيس الدوسكي

سيرة د. بلقيس الدوسكي ـ
 ولدت في الموصل ـ العراق ـ أكملت دراستها الأولية في كلية الإدارة والاقتصاد ـ بغداد ـ بكالوريوس فنون مسرحية ـ كلية الفنون الجميلة ـ بغداد ـ ماجستير في الفنون المسرحية الكردية. ـ دكتوراه في الأدب والنقد المسرحي الكردي المعاصر. عضو في نقابة الصحفيين العراقيين/ عضو نقابة الفنانين بغداد وكردستان/ عضو اتحاد المسرحين العراقيين. ـ عملت في الصحافة، وفي التلفاز، وقدمت مجموعة من البرامج الفنية والأدبية. ـ أدت سلسلة من الأغنيات باللغة الكردية. ـ تدريسية في جامعة صلاح الدين ـ هولير/ اربيل. ـ لها مؤلفات منشورة في القصة والرواية والنقد المسرحي.....
-------------------------------------------------------





 وجه الحياة الأجمل
د. بلقيس الدوسكي
 قال الأب يخاطب ولده الشاطر: ـ نم يا ولدي، كفاك مطالعة، فالساعة أصبحت متأخرة من الليل. ـ أنا يا بابا، أريد ان أكون متفوقا ً، وفارسا ً في الصف. ـ أنا أشجعك على هذا التفكير، لكن عليك ان ترتاح الآن، ولا تجهد نفسك. ـ ولكن، يا بابا، يجب ان أحفظ دروسي، جيدا ً. ـ ابني العزيز، لا تتعب فكرك أكثر من طاقته.. ـ أنت يا بابا، الم تعدني بهدية عندما أكون متفوقا ً، وقد حصلت على درجات مميزة..؟ ـ ومازلت عند وعدي، ولكن ما هي الهدية التي تحب ان أقدمها إليك في يوم النجاح..؟ ـ باقة ورد لي، وفستان جميل لامي! ـ بكل سرور.. والآن نم، وتصبح على خير. استيقظ الابن صباحا ً وذهب إلى المغسلة لغسل وجهه، واستعمال الفرشاة لتنظيف أسنانه، فقد اعتاد ان ينظفها قبل الفطور، وبعده، وكذلك في أوقات الغداء، والعشاء. ثم حمل حقيبته المدرسية، ووضع فيها الكتب بحسب المنهاج المطلوب لذلك اليوم، وذهب إلى المدرسة. في البيت، قال الزوج لزوجته: ـ ولدنا يحتاج إلى كثير من العناية، ويجب ان نشجعه على هواية يهتم بها منذ الآن. ـ أنا أتمنى ان يكون طبيبا ً، أو محاميا ً، أو مهندسا ً.. ـ هوايته، منذ الآن، هي التي تحدد اختياره، ومستقبله. بعد الظهر، عاد ولدهما الموهوب، من المدرسة، وقال لهما: ـ اليوم فزت، فصفق لي زملائي الطلبة كافة، وشكرتني إدارة مدرستنا. ـ بماذا فزت يا ولدي ...؟ ـ أجبت على الأسئلة كافة، حول احترام الوالدين، وبناء المستقبل، وحب الوطن، والناس، وحماية الطبيعة، والنظافة، وعدم إيذاء الطيور، والحيوانات، ومساعدة الآخرين، لأنها جميعا ً صفات الطالب المجتهد. ـ أحسنت يا ولدي، أحسنت. وقالت أمه له: ـ قل لوالدك، يا ولدي الشاطر، أن لا ينسى الفستان الجديد، عندما تأتي بشهادة النجاح. ـ سأذكره عندما انجح في الامتحان، ولو انك ِ يا أماه تمتلكين العديد من الفساتين الجميلة! ـ وماذا تتمنى ان تكون مستقبلا ً يا ولدي..؟ ـ أتمنى لي، ولزملائي، النجاح بتفوق، أما أمنيتي الخاصة، يا أمي، فهي ان أرى بابا وماما وهما يصغيان إلي ّ وأنا قد أصبحت موسيقيا ً، واعزف ألحانا ً جميلة. فسألته: ـ وما اسم أول لحن ستعزفه لنا..؟ ـ اسمه: لعيون ماما وبابا. ـ يا ولدي الحبيب، لم اعد أفكر في الفستان، بل بالفن الذي اخترته، لأنه سر الحياة، وبهجتها.
 [هيا يا أطفال قريتنا]
 دخل نبيل على الرجال المجتمعين في دار والده وسلم عليهم، وظل واقفا ًوهو يستمع للحوار الجاري بينهم. احدهم ـ ان الشتاء على الأبواب، وعلينا ان نستفيد من أشجار القرية. الثاني ـ ماذا تقصد...؟ احدهم ـ ان نجعل منها حطبا ً للتدفئة وللطبخ. الثالث ـ لكن الأشجار مثمرة، وقد أكلنا الكثير من ثمارها. احدهم ـ ان برد الشتاء لا يرحم. الرابع ـ ماذا تقول يا أبا نبيل ..؟ ـ ارفض قطع الأشجار لسببين: الأول لفائدتها الغذائية، والثاني لأننا نستفيء بظلالها أيام الصيف. احدهم ـ ثم أنها بمثابة الرئة التي تجلب لنا الهواء النقي. الخامس ـ يبدو ان لنبيل رأي آخر، فلنستمع إليه. نبيل ـ إنكم اذا قررتم قطع الأشجار، تظلمون كل أطفال القرية، وأنا واحد منهم.. احدهم ـ كيف يا نبيل..؟ نبيل ـ أنسيتم إننا في الأعياد نجعل من الأشجار أراجيح لنا ونمرح تحت افيائها..؟ الثاني ـ صدقت يا نبيل. نبيل ـ والأشجار هي زينة قريتنا ومصدر غذاؤنا، والحكمة التي سمعتها من والدي تقول: ازرع ولا تقطع. احدهم ـ ولكن يا نبيل، علينا ان نحمي أطفالنا من البرد. نبيل ـ إننا الأطفال نجد متعة في اللعب بين الأشجار فلا تحرمونا منها. السادس ـ أنا أضم صوتي إلى صوت نبيل. آخر ـ وأنا أيضا ً. السابع ـ اذا ً،علينا ان نحافظ على أشجارنا، وأراجيح أطفالنا. آخر ـ بوركت يا نبيل. نبيل ـ اعتذر من أبي ومنكم، لأنني تدخلت في الموضوع بلا استئذان. احدهم ـ من حقك ان تتدخل يا نبيل، لأن لك ولأصدقائك أطفال القرية حصة في الأشجار. نبيل ـ ولأشجارنا حق علينا إن كنا كبارا ً أو صغارا ً، ان نرعاها ونسقيها ونشكر الله على ما تعطينا من ثمارها اللذيذة. احدهم ـ الحمد لله والشكر على نعمه. نبيل ـ وأقول، لو سمح لي أبي.. والده ـ قل يا نبيل. نبيل ـ شكرا يا أبي، الذي أقوله: النهر قريب جدا ً من قريتنا فلماذا لا نتعاون جميعا ً ونشق جدولا ً صغيرا ً نروي به أشجارنا..؟ احدهم ـ فكرة رائعة. الجميع ـ اذا ً، هيا بنا يا رجال قريتنا. نبيل ـ و ... هيا يا أطفال قريتنا نشترك في العمل.
[ملتقى العصافير]
 اليوم يا أصدقائي، هو يوم الجمعة، وقد اتفقنا بالأمس، على ان نقوم بسفرة إلى قضاء المدائن، في صباح هذا اليوم، وسيذهب معنا احد الإباء وإحدى الأمهات للحفاظ علينا. ولكن شرط ان يأخذ كل واحد منا موافقة ذويه، وان نشترك جميعا ً في شراء ما نحتاجه من طعام، أما العم أبو واثق فقد تبرع مشكورا ً بسيارته بلا مقابل. (تصفيق حار لأبي واثق) حضر الآباء والأمهات معلنين موافقتهم على مشاركة أولادهم بهذه السفرة الجميلة، ثم تحركت السيارة وبدأ الأطفال يغنون: بلادنا الجميلة ذات الهواء العليل أنهارها تجري عسلا ً أزهارها عطر القبل وملتقى العصافير في هذه الخميلة. وصلوا إلى المدائن وهم فرحين بهذه السفرة الجميلة، بعد ان ترجلوا من السيارة، فطلب أبو قمر منهم قائلا ً: ـ يا أبنائي الأعزاء، تجمعوا أمامي لأقول لكم كلمة مهمة. استجاب الجميع لطلبه واصطفوا جميعا ً أمامه. فقال لهم: ـ أنا سعيد جدا ً لأنكم اخترتموني في هذه السفرة كي أكون مشرفا ً عليكم ، ومعي عمتكم أم قمر أولا ً، وثانيا ً أرجو ان تحافظوا على النظام والهدوء والاحترام فيما بينكم. لأن الكثير من العوائل الكريمة التي جاءت من كل مكان لزيارة هذه المنطقة السياحية الرائعة ستراقب كل حركاتكم وسكناتكم فكونوا بالمستوى الذي يليق لتكسبوا إعجاب الآخرين. ـ ولكن يا عمنا أبا قمر، أليس من حقنا ان نغنى ونمرح ونرفه عن أنفسنا..؟ ـ من حقكم طبعا ً، ولكن ضمن إطار الذوق الرفيع، فالحياة حديقة واسعة وانتم زهورها وبلابلها. ـ شكرا ً يا عم، وما أحلى هذه السفرة. ـ ولكن يا أعزائي، هل تعرفون ما هي الأبعاد الأخرى لها ...؟ ـ ما هي ؟ ـ ليس المقصود من السفرة هو الترويح عن النفس فحسب، وإنما هناك ما هو الأهم .. ـ مثلا ً يا عم ..؟ ـ أولا ً، التعرف على تاريخ المنطقة، ومن سكنها، ولماذا أطلق عليها هذا الاسم، وما هي الأحداث التاريخية التي شهدتها، وغير ذلك من الأمور ، كي نعلم جميعا ً ان الغاية القصوى من السفرات هي المتعة والفائدة، والآن، لنختار المكان الذي تمارسون فيه ألعابكم والترفيه عن أنفسكم باللهو والغناء. ـ شكرا ً يا عمنا العزيز. ـ لا شكر على واجب يا أحبتي. ـ مكان جميل يا عم. ـ اذا ً، أعطوا لعمتكم أم قمر كل ما لديكم من متاع لتهيئ لكم وجبة الغداء. ـ شكرا ً لعمتنا أم قمر. ـ تذكروا ان المنطقة غاصة بالعوائل وأطفالها، فلا يبتعد أحدكم عن الآخر ويضيع في غمرة الزحام، ويتعبنا في البحث عنه. ـ أمرك مطاع يا عم. بدأ الأطفال يغنون الأغاني الأصيلة التي تدعو إلى الآلفة والمحبة والتعاون واحترام الوالدين وعشق الطبيعة والأرض، حتى تجمع أطفال العوائل الأخرى من حولهم وشاركوهم هذه الاحتفالية الممتعة. لقد جلبوا أنظار كل العوائل ونالوا استحسان الجميع وإعجابهم، ثم مثلوا مسرحية بعنوان (أحفاد الربيع) فأجادوا بأدوارهم، بعد ان صفق الجميع لهم. ثم اصطحبهم أبو قمر في جولة في أرجاء المنطقة وراح يروي لهم تاريخها وأحداثها وكل ما يتعلق بماضيها، فكانت سفرة ترفيهية وثقافية زودتهم بمعلومات لم تكن في حسبانهم. وبعد تجوالهم عادوا فوجدوا أم قمر وقد أعدت لهم وجبة الغداء، ثم جمعوا حاجاتهم، وعادوا وهم يرددون الأغنية الأولى نفسها، فقال أبو قمر لهم: ـ هنيئا ً لكم هذا الفرح، والى سفرات أكثر جمالا ً، وإمتاعا ً.
 [قناديل العلم وفرسانه]
 كانت المنطقة تقع بين ربوع الطبيعة الخلابة، التي تحيط بها مزرعة للجميع، غربا ً، وبين النهر الواسع شمالا ً، والذي كان يبعث على السرور هو ان كل العوائل تعد نفسها أسرة واحدة يسودها الوئام والوفاء، فالكل يهتمون بنظافة أطفالهم، ويساعدونهم على حفظ دروسهم، إضافة إلى المحاضرات التربوية التي تلقى عليهم بين افياء المزرعة التي تهتم برعايتها وسقايتها العوائل تلك. كان الأطفال يفضلون لعبة كرة القدم، وهي هوايتهم المفضلة بعد عودتهم من المدرسة، وفي كل يوم يتبرع احد الآباء ليكون الحكم الذي يدير اللعبة. وفي ذات يوم رفض الأطفال باتفاق الآراء ان يلعب معهم سمير إلا بشرط، سأل الحكم: ـ وما هو هذا الشرط..؟ ـ لأنه خالف أمر والدته، ووالده، ولم يذهب إلى المدرسة. ـ لا .. هذا أمر لا نشجع عليه، ولكن ما هو الشرط ..؟ ـ ان يعتذر من والده ووالدته، ويصطحبهما إلى الملعب، كي نوافق على لعبه معنا اذا طلبوا ذلك منا. اقترب الحكم من سمير واخبره بمضمون الشرط، فهرول سمير إلى البيت، وقبل والدته ووالده، واعتذر منهما، واصطحبهما إلى الملعب، فقال والده يخاطب الجميع: ـ أحبتي، أطفال منطقتنا الجميلة، يتقدم سمير بالاعتذار، وبعدم تكرار خطأه، فسامحوه، واسمحوا له ان يلعب معكم، وشكرا ً لمشاعركم النبيلة. هرول سمير إلى ساحة الملعب، شاعرا ً بالندم، ثم سمحوا له باللعب. كان الحكم يتوسط الساحة، ويدير اللعبة بكل حكمة ودراية وثقة، وقد لاحظ بعض السلبيات خلال الشوطين، الأول والثاني، فدونها وسلمها إلى مدربي الفريقين، ثم انتهت المباراة بهدفين لفريق الطبيعة، وبهدف واحد لفريق العصافير. اجتمع كل مدرب بفريقه وراح يوضح له مؤشرات وملاحظات الحكم، ومنها الابتعاد عن الخشونة، والالتزام الكامل بقانون اللعبة، والتسامح عند التصادم، أو عند سقوط احدهم من الفريق الآخر، والمواظبة على إتمام الواجبات المدرسية، واحترام الوالدين، وإطاعتهما، وتجنب الخصومة فيما بينهم، والابتعاد عن النفاق، والأنانية. فقال احدهم: ـ نريد يوما ً خاصا ً للسباحة. ـ على ان يخصص للذين يجيدون السباحة، أما الذين لا يجيدونها، فليتعلموا السباحة أولا ً، في الجدول الصغير، وبعدها نسمح له بالسباحة في النهر الكبير. وبالمناسبة أقول لعمي أبو سمير، من الضروري جدا ً ان يذهب ولده معه إلى إدارة المدرسة ويعتذر عن غياب ولده سمير، وعلى آبائنا الأفاضل ان يكونوا الظهير المساند للمعلمين الأفاضل في توعية الأطفال وإرشادهم، وان يكون البيت هو المدرسة الثانية. هتف الجميع: ـ عاش العلم، عاش المعلم؟ وقال الآباء: ـ أطفالنا في عيون المستقبل، هم قناديل العلم وفرسانه. درت في أكثر من ثلاثين كتابا ً.
-------------------------------------------------------------------------------------

قصة قصيرة-أخر الفصول-عادل كامل

قصة قصيرة ---------- أخر الفصول
كان يجلس في الحديقة، فوق العشب، تحت ظلال شجرة السدر، وحيداً يتأمل ألوان الفراشات وحركتها المتراقصة بين الأزهار .. فيما كانت زوجته تجلس في الصالة، فوق أريكة كان أشتراها قبل نصف قرن .. تهز رأسها بحركة آلية .. وتحدق في لا شيء. أنتصف النهار، وهما يجلسان هكذا، لا يعرف من ذا الذي همس في أذنه، همساً غامضاً، تسلل إلى خفاياه الداخلية .. فأجاب بصوت خفيض: ـ لا أنتظر شيئاً محدداً .. هناك فراشات بيض ورمادية .. صفراء، وحمراء .. ـ وماذا تفعل بالضبط ؟ ـ أراقب ضوء الشمس .. وأشم الهواء المغبر .. ربما الهواء الصافي .. الملوث قليلاً .. لا أعرف بالضبط .. هل كنت أتكلم مع نفسي .. منذ متى لم أتكلم..؟ ـ مثلي. أنا سعيد لأني أراقب الفراشات الحمراء فوق العشب .. أراقب الهواء الذي يداعب أغصان الأشجار .. ذات مرة وأنا في الخامسة من عمري هبت عاصفة أفقدتني الوعي .. أما الآن فالأغصان ترقص. للأسف يصعب أن نتعلم جميع اللغات .. ترى ماذا تقول الريح .. ماذا تهمس هذه الفراشات بعضها للبعض الآخر .. ماذا تقول الوردة للسماء .. ومع من أتكلم أنا؟ ـ لا أحد يتكلم معي منذ ربع قرن .. منذ ولدت .. ولا أعتقد أنني سأعثر على من يهمس في أذني: أيتها الحلوة .. أيتها الحبيبة. واآسفاه إننا نتكلم بدافع الصمت .. وتبلدنا بدافع الرتابة. ـ يا لها من لغة عصية على الفهم. أكاد أفهم ما تريد أن تقول الفراشات لكنني لم أستطع، منذ ولدت، حتى الآن أن أفهم اللغة البشرية. آ .. عليَّ التزام الصمت. لا جدوى من البحث. في هذا العمر، وأنا أتأمل الفراشات تموت فوق العشب، عن لغة للفهم. أنا لا أعرف مع من أتكلم. المشكلة أني أسمع وهذا يعني أني أتكلم. حمداً للسماء أني لا أصرخ ولا أحد غيري يصرخ .. ـ أنه الهمس .. ـ ولكني كنت أعيش مع امرأة. أو كانت، في يوماً ما، امرأة .. كانت هنا معي، قبل أن تموت شجرة الرمان .. ومع أنها كانت تبكي في نومها إلا أنها كانت تصنع لي الحساء .. وتحدثني عن ملائكة بيض .. والآن يصعب عليّ اكتشاف طريقاً لمعرفة ما يحدث. ربما هي الأخرى تقول: كان في يوم ما، هنا، رجل يعيش معي! .. أي أنا .. أنا الذي لا يستطيع أن يصرخ .. أنا الذي لا يعرف سر هذا الوهن الذي أخذ يفككنا .. ـ كان يحب الطيور .. طيور الحب .. والنباتات التي حولت البيت كله إلى غابة .. حتى أني قلت، قبل نصف قرن أو أكثر أو أقل، أننا تحولنا إلى عصفورين. قال: لا . قال: أننا لابد أن نتحول إلى نبات. وقال لا جدوى من أقناع العبقريات الفذة بهذا .. لا جدوى .. وقال أننا لسنا بالسعداء ولا بالتعساء .. لسنا بالأحياء ولا بالموتى .. ـ لا أتذكر أني تعذبت في حياتي .. أو افتعلت حالة الكذب .. وهكذا كانت تهمس في أذني، يوم كنت أفتعل الكلام، غريب أن يتكلم البشر .. والأغرب أن هناك شكوى من العذاب. - أستمع إلى أصوات غريبة لا أعرف مصدرها .. صرير .. أزيز .. خشخشات .. لا بد أن البيت قد تحول إلى حديقة حيوان. ـ منذ البدء لم تكن لدي أفكار .. ولا حاجة للتفكير .. بعد أن أصبحت متقاعداً، مثلها، أصبحت الحياة ذكرى بيضاء. لست بالحزين ولا بالسعيد وأنا أتعرق بفعل أشعة الشمس. أعتقد أننا في فصل الصيف وليس في فصل الخريف .. لا في الشتاء ولا في الربيع .. أعتقد أننا في الفصل الخامس .. أو في مرحلة ما قبل الفصول، وخارجها .. في الفصل الذي لا أسم له. ربما أنا في الفصول كلها. ـ أعتقد أنه هو الذي كان يبكي في نومه .. إلا أنه أستطاع أن يغريني بعمل الشيء نفسه. لكني منذ عشرين سنة لم أعد أعرف من منا كان يبكي في نومه .. أو حتى في منتصف النهار. لا مناص: كلانا لم يكن يعرف .. ولم يكن أي منا يفكر باتهام الآخر. كنا لا نعترض على أي شيء. الأمر الوحيد الذي اختلفنا عليه، ساعة واحدة في الأقل، من منا يذهب لتسلم الراتب. بعد ساعة قررنا الذهاب معاً .. وأتذكر أن بعض الغرباء ساعدونا بالعودة إلى البيت .. فلا أنا ولا هو كنا يعرف ماذا يحدث له. فقدنا الوعي فجأة .. ثم تنازلنا عنه إلى الأبد. للحق قال لا جدوى من التشبث بنفايات ضارة. ـ عندما دخلت المستشفى .. أو عندما اختفت من البيت .. عرفت أني أنا الذي ضعت. ترى أين تعثر على شيء ضائع، ورفيف عصفور لا ينتمي إلى زمن؟ لقد عثروا عليّ راقداً فوق شجرة السدر هذه .. لم أكن معها ولا بعيداً عنها .. لم أبك، ولكني قاومت النزول إلى الأرض. قلت: الهواء، هنا، لا يؤذي. - لا أعرف من يتكلم .. أتراني حفظت كلماته كلها .. أم أن صداه أمتزج بروحي؟ الغريب أنني في لمحة بصر أستعيد ذكراه .. وذكرى ثلاث أولاد لا يعرف أحد من أختطفهم .. وذكرى الجنين الميت في شهر السادس، وذكرى الفلاح الذي هرب بعد أن ترك خادمتنا الشقية، حسنة الصوت، اليافعة البنية، مرمية مدماة من الأسفل فوق العشب، وذكرى خيانته الوحيدة لي مع بغي جاوزت الستين، ذكراه الأولى التي لوثت تاريخنا الذي حسبناه لن يتكرر في العفة، ذكرى الرجل الذي حسب أنه لم يهزم قط في حروبه كلها، والذي أدار قفاه للعالم، والذي نجح، للحق وحده الغرور، بالاستغناء حتى عن نفسه! يومها قلت: يا للمصيبة، يا رجل. لم يجب على سؤالي على مدى نصف قرن، أنا التي كررت السؤال مرات، ومرات، ثم أخيراً، لم أعد أنتظر شيئاً .. أنني ما أزال أراه يكتم في أعماقه: خيانة بيضاء .. وتلك أقسى ضربة لحروبه ضدي . ـ كنا في حروب سرية مشحونة بالألغاز والأسرار . أنا نفسي أعترف أن ما من امرأة أحبتني أو كان في قلبها الحب الذي أريد .. المرأة، أو الحياة .. فقلت لنفسي: لا أريد أن يتذكرني العالم .. فما أسعى إليه، الآن، وأنا في سن الشروع بالبلادة، لا يتعدى حب ألف صنف من النبات والأشجار وبضعة أنواع من الطيور .. وكلب أتباهى به أمام القديسين، ألف صنف من النبات الذي يشحن دمي بالنسيان وبذكرى مليارات السنين الأولى .. وبطيور تمتعنا بأصوات لا اعتراض عليها: طيور مثل الفراشات لا عمر لها. قلت ذلك وأنا أكتم لوعة طفولة استحالت إلى رماد. ـ يتوقد .. كأنه كسب معركة مستحيلة .. فأصبحت بنظره محض عمر للتندر والأسى. يتوقد وهو يتفسخ في الفصل الذي لا أعرف أهو صيف أم خريف .. يتوقد في العمر الذي لا جدوى فيه من النيران. ولا حتى من الرماد. ـ لا عناد في الأمر .. يومياً أستيقظ، كأنها كارثة لا تريد فصولها أن تكتمل، فأتناول ما تيسر لي من الزاد، ثم أذهب إلى الحديقة .. مثلما فعلت اليوم، متأملاً هذا البهاء الذي لا يوصف، هذا النسيان الذي يفوق مجلدات الهذيان .. ثم أزحف نحو الدار .. نجلس .. نتناول ما يتوفر لدينا من الطعام .. ثم ننام .. لا أحد يعرف ماذا يفعل الآخر .. تقول أنني، أثناء أعز لحظات نومي، أصيح وأبكي، وتقول لي، أنها حتى في أحلامها النادرة تراني أنوح بصمت، بصمت. ـ هو ذا شبح حياتي يدخل .. ملك الملوك منذ الأزل .. أنه يتفقد رعيته الضالة .. تلك الشعوب التي تنام على الجوع، المشردة بالروح، الشاحبة درجة الخلود. هو ذا يتنزه، بين أعظم القادة الذين لم يولدوا بعد، ويصدر أوامره بالسلام .. لا جدوى من العِراك .. لم يقل الحرب. أتذكر أننا فقدنا الجميع في بدء المعارك، قبل نصف قرن. ولما طلب مني أن أحبل كان قد هجرني .. ثم أني كنت في الستين. هو ذا يخاطب النباتات التي عانقت الخلود. يالها من لغة ذهبية بلا أسرار. قال يخاطب شجيرة ماتت منذ سنتين: أنا قلت لا جدوى من الليل ولا من النهار، لا جدوى من إرسال الجميع إلى جهنم .. ولا جدوى من هذه الحكاية التي بلا ربح وبلا خسارة. ثم أخذ يتأمل لوحة كبيرة تجتمع فيها السلالة كاملة .. الجد الخامس وحتى آخر ولد مات كمداً بدافع الحب. صرخ .. أبي. ـ أنه أبي الذي لم يمت بعد. الحاضر .. مثل جدي الذي كان قد عاش كوليرا بغداد، وذلك الطاعون الذي ترك بغداد خاوية ألا من جثث متناثرة هنا وهناك. جدي قال أنه كان ينقل الجثث الثقيلة إلى مقابر بلا أسم. كل أرض مقبرة. أبي قال أن جده طُعن بخنجر مسموم .. وأبي قال لي: هذه هي الحرب. قلت له: لا توجد حرب ولا معارك. صرخ: عندما تكون في الخمسين من عمرك يا ولدي، تدرك حكمتي. ـ أنه يخاطب أفراد السلالة .. الأجداد والأحفاد على حد سواء، ويضحك. هذا الرجل لا يريد أن يتخلى عن عناده. ـ قديسون وكلاب .. فرسان خيول وحمير .. هاهم أجدادي وأولادي .. وها هي التي كانت، في يوم ما، ملهمتي للجنون، جامدة، خامدة، تحدق في لا شيء. ـ دكتاتور .. ولولا الدوار الذي أعاني منه منذ عرفته، لقلت له: لا تكذب. لكني تذكرت أنه كان، حتى في خياناته لي، قد وضعني في سلالة الخلود. يا لهذا العجوز الذي لا يريد أن يتخلى حتى عن أتباعه الموتى: هؤلاء، عشاق النباتات والفراشات والأسماك الصغيرة الملونة .. هؤلاء الذين كانوا يتحدثون عن صفاء الغيوم ووحدة القارات النائية .. هؤلاء الذين ماتوا أو تحولوا إلى تماثيل .. أجل .. لولا ذلك لقلت له: لا تكذب. ـ في اللاشيء .. كلهم يحدقون في لا شيء .. مثل تماثيل .. في لا شيء يحدقون .. أنا لا أعرف ماذا كانوا يريدون، ولا أنا عرفت ماذا أريد. أجدادي الأوائل بلا رموز .. ماتوا بهدوء وأنا الآن الوحيد الذي بلا قبر. سيان .. هم الأحياء وأنا الميت.. ـ دكتاتور .. دكتاتور صغير .. دكتاتور صغير جداً .. دكتاتور بلا صفات، ولا سمات، ولا أوسمة، ولا تأريخ .. دكتاتور مصاب بشيء غير مسمى، ولكنهن لسبب ما، آخر، أعز الموتى إلى روحي: لكني، مثله، أتكلم مع نفسي فقط..! ـ لا .. لا .. إنها ليست الشيخوخة المبكرة أبداً .. أن أجدادي أحياء .. فتيان وفرسان .. أما أنا فلا أعرف ماذا أفعل بهذا العجوز، الغابة الشائكة. وبهذه الذاكرة التي تستيقظ فجأة .. وبهذا العمر الذي أنطفأ في البدء .. ـ بصمت مطلق يتناول طعامه .. وبهدوء يغادر المائدة .. وهذا ما يفعله .. وأفعله أنا أيضاً، في كل يوم .. لا جدوى من الحديث عن أشياء ستحدث أو حدثت في يوم ما .. لا فائدة .. فهو فقد طموحه بعد أن تحرر من مخاوف الجوع .. والإشاعات التي سادت بين عقله وجنونه .. بين نذالته الأزلية وشرفه المبهم. لقد تحدثنا قبل عقد من الزمن عن هذا، فقال معترفاً أن ما شر يدوم أكثر من أي فعل يتسم بنوايا البراءة والعفة: سيان أيتها المرأة، لأننا لا نقول العكس إلا عندما نُسحر بالرغبات وما بعد الحب عمقاً. ـ من منا الذي يعوي؟ ومن منا الذي يكتم عويله ..؟ لقد تحدث أحدهم، قبل ربع قرن عني قائلاً: هذا رجل لا يتحدث ألا مع نفسه. سخف. أنا أتحدث مع الأشجار. اليوم ثرثرت كثيراً مع الفراشات البيض، والرمادية، والحمراء. وخاطبت ظلال شجرة جافة .. وأصغيت إلى صوت صخور مرمرية تعود إلى أزمنة سحيقة في هذه الأرض .. هذا يعني أنني لا أتكلم مع نفسي. ـ في هذه الساعة المتأخرة من الليل، وفي هذا الصمت المرير، وفي سن ما بعد الشيخوخة، أصغي لصوته الغريب: قادمون .. أنهم قادمون. بالفعل سمعت رنين الجرس .. كان الوقت قبيل الفجر .. على أن الظلام كان يملأ الروح، والجسد ثقيل والإعياء يشوش الذاكرة. قلت له: أنهض .. نهض حالاً .. وسار نحو الباب. قادمون .. لكنه لم يعد .. أنا لا أعرف ماذا فعلت خلال ساعة كاملة .. إلا بعد أن نهضت لمعرفة ماذا يحدث. كان زوجي، مثلما عرفته قبل نصف قرن، يتحدث مع السلالات والأبناء والأحفاد .. تلك .. المعلقة فوق الجدار .. اللوحات والصور المرسومة بعناية .. في هذه اللحظة كنت أود أن تكون أمي على قيد الحياة كي تحميني من الرعب الذي هز جسدي العظمي هزاً عنيفاً .. لكني حمدت الله أني سأراها يوم لا أستطيع أن أرى شيئاً. قلت له ماذا تفعل؟ أجاب: علينا أن ننتظر .. كان يتكلم بصوت خالٍ من العاطفة خالٍ من الهموم والمتاعب بل حتى من الأمراض .. وبصوت واهن طلب مني أن اسمح لهم بالدخول .. هؤلاء الأولاد الذين جئنا بهم كي نفقدهم في لمحة بصر. قلت: علينا أن نسقي النباتات التي يهددها الجفاف .. أليس كذلك؟. ـ أجل .. لدينا مئات الشتلات والشجيرات والأشجار المهددة بالجفاف والموت .. لدينا غابة وعلينا أن نتحول إلى عصافير. جنون عاقل .. أنها سيدة فاضلة عندما، على أية حال، أعلنت استحالة عودتهم .. إنها سيدة فاضلة دائماً وألا كيف مكثت معي تنتظر المستحيل .. عودة من لابد أن نذهب إليه .. حسناً، قلت لها: أن مشهد الفراشات، يوم أمس، جعل الحياة محتملة بعض الشيء .. ـ أية فراشات يتحدث عنها .. ومن هم الذين سيعودون؟. أنه لا يريد أن يسقي الأشجار الجافة .. ولا يريد أن يتحدث معي .. - ها أنذا أجلس في الحديقة .. معهم .. ومع الجميع، تحت ظلال شجرة السدر .. بمحاذاة نباتات برية زاهية الألوان، مدركاً أبداً أننا لن نموت ألا في يوم واحد، هي وأنا، وفي لحظة واحدة. فالموت وحده لا يطرق الأبواب، ولا يطلب الاستئذان بالدخول .. الموت الذي يسكن فينا، كأنه الموت الذي عرفناه قبل ملايين السنين .. وكأنه الحب الذي دفعنا ثمنه، موتاً آخر، حباً أبعد في مداه .. وصمتاً يشتمل أعتى الضجات .. كفى يا عجوز .. فالفراشات يحوّمن فوق الأزهار البرية .. ورياح الفصل الخامس بدأت بالهبوب .. وصمت الفصل الخامس أخذ يتوغل في الروح .. وفصل الذاكرة الأخيرة أخذ بالتوقد .. وأخذ بالانطفاء. 9/5/1987

جامعة ديالى ستغدو برتقالة معطاء في نشر ثقافة التسامح.الدكتور رافد علاء الخزاعي

جامعة ديالى ستغدو برتقالة معطاء في نشر ثقافة التسامح. إن جامعة ديالى هي أمل مدينة تحاول النهوض من ركام الإرهاب والدمار والرجوع إلى نضارة البرتقال والرمان عند دعوتي للمشاركة في مؤتمر كلية الطب الثاني لجامعة ديالى الفتية حذرني بعضهم واستهجن الأمر آخرون قالوا أنت ذاهب إلى ساحة إرهاب فاتصلت بالأخ الدكتور حيدر الدهوي الذي قال سآتي لك صباحا لأخذك من البيت وقبل نومي كنت أفكر بالمخاوف والحقيقة ونمت نومه هادئة مطمئنة وقد نهضت فجر يوم الأربعاء وبعد ا ناديت صلاة الفجر خرجت لحديقة المنزل لأشم هواء الفجر النقي ووقتها كانت الكهرباء الوطنية موجودة فأضفت بهدؤ على الجو الايلولي البغدادي الرائع وانأ أشم عبير زهور المنزل واسمع تغريد البلابل والعصافير كأنها تؤدي ترنيمة الشكر والدعاء لرب العزة وبعد إن فطرت في الحديقة دخلت المنزل لأرتب ملابس السفر والمواضيع التي اطرحها وهي عبارة عن ثلاث محاور....المحور الأول هو البحث الذي سأناقشه في الجلسة العلمية وهو عن الحالة المناعية والعلاج بفيتامين إي على مسار مرض الحصبة للبالغين الراقدين في مستشفى اليرموك من الفترة أيلول 2010- نيسان 2011, إما المحور الثاني هو محاضرتي عن داء السعار وأخر المستجدات العلمية حول العمل المنطوي تحت ورشة جمعية الإمراض المشتركة والانتقالية في العراق التي أل أعضائها على السفر معي إلى محافظة ديالى لغرض المشاركة في الورشة ضمن فعاليات موتمر العلمي الثاني لكلية طب ديالى. إما المحور الثالث فهو جمع بعض قصائدي من اجل إلقائها في الأمسية الفنية و الشعرية التي ستقام في المركز الثقافي لجامعة ديالى... وانطلقت السيارة بنا إنا ودكتور حيدر الدهوي في شوارع بغداد باتجاه مدينة البرتقال بعقوبة وصت فيروز يتناغم مع شمس بغداد وهي تحاول النهوض في سمائها ونحن نعبر جسر المثنى على دجلة ونرى الخضرة والماء وحديثنا عن الوجه الحسن ودخلنا نحو طريق الفحامة لاختزال الطريق من الازدحام وقفتنا أول سيطرة بعد الجسر وفيها شاب جميل وهو يبادرنا بالسؤال ماذا أتى بالجميلين من هذا الطريق فأجبناه بضحكة لأننا نحب جمال وجهك المترسم بالشاربين الشباطيين (تمثلا بشوارب الحرس القومي في ثمانية شباط) وهكذا تخلصنا من سؤاله السمج خوفا من العلس و العلس كلمة انتشرت في بغداد واللهجة العراقية بقوة بعد الاحتلال الأمريكي وهي تعني إن احدهم يبعك لقوات الاحتلال او المليشيات أو عصابات الخطف والجريمة المنظمة وخصوصا في السيطرات وهكذا شاهدنا جمال الفحامه وبساتينها ووصلنا الطريق العام لبغداد بعقوبة الجديد ونخترق الحسينية وجديدة الشط والغالبية ونصل بعد ساعة الى بعقوبة وندلف الى المركز الثقافي للجامعة قرب ساحة القدس وهنالك كان وفد الجمعية قد سبقنا وتفاجت بالبني التحتية للمركز الثقافي وخصوصا القاعة والأثاث الفاخر لها والترتيبات الفنية والضيافة وبعد الافتتاح توجهنا الى جلسة ورشة العمل وكانت في غرفة مجلس الجامعة الجميل الفخم وكان التقنيون مستعدون لتلبية متطلبات العرض والصوت بسلاسة وكان رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور فاضل عباس مرحبا بضحكته وبشاشته وحيويته مع الأستاذ عميد الكلية وقد تمثلت المحاور للسعار على وبائية المرض وإعراضه عند الحيوان و الإنسان وطرق التشخيص والوقاية والمقترحات لاستئصاله من العراق وقد وضحت الرؤى وتناغمت للخروج بالتوصيات اللازمة,وبعدها انتقلت انا لإلقاء بحثي في إحدى الجلسات العلمية الأربعة وكان حول الحصبة وسبل الوقاية منها مبني على دراسة أجريت على المرضى البالغين الداخلين لمستشفى اليرموك خلال وبائية المرض وقد كرمت على أثرها بدرع الكلية والجامعة وشهادة تقديرية وبعدها توجهنا إلى وجبة غذاء شهية وبعدها أخذنا قيلولة في إحدى غرف الضيافة الرائعة في المركز الثقافي للجامعة لاستعداد للأمسية المسائية الفنية الشعرية وكانت عائلية وقد أطربنا من فرقة الجالغي البغدادي وبالأغاني التراثية مما أضفى على الجلسة جو من البهجة لأنها الحفلة الاولى للجامعة منذ 2003 تصدح بها الموسيقى وبعدها ارتقى المنصة الدكتور الشاعر حيدر الدهوي ليطربنا بقصائده عن حبيبته بغداد وبعدها ارتقيت المنصة لإلقاء قصائد نالت تجاوب الحضور مما ولد أكثر من طاقة شعرية كامنة من الأستاذة الذين قاموا بإلقاء قصائدهم بعفوية مما نال استحسان الحضور في اكتشاف أشياء وطاقات مخفية عنهم من زملائهم التدريسيين وبعدها حاولت إشاعة الفرح عبر النكات والابتسامات والرسائل حول أهمية الأمل والفرح في بناء الإنسان والعطاء لله أولا دون الانتظار لكلمة الشكر من الآخرين وانتهت الأمسية وحزمنا عائدين لبغداد في الساعة العاشرة مساء وكان الطريق يغص بالسيارات إن الجامعة تغير المدن وتقومها في وجود العدالة والأمان مما يتيح مجال الإبداع والتفوق في ظل وجود إرادة حقيقة من المسؤلين عن الجامعة.

الجمعة، 28 سبتمبر 2012

ثلاث قصص للأطفال-د. بلقيس الدوسكي

ثلاث قصص للأطفال قبلات
سأل الطفل والده: ـ بابا، قلت لي غدا ً نحتفل بعيد ميلاد أمي.. ـ نعم يا حبيبي، وأنا سأقدم لها هدية بهذه المناسبة. فكر لبرهة وسألته: ـ وأنا ..؟ ـ ما بك أنت يا ولدي ..؟ ـ أريد ان أقدم هدية لامي الحبيبة، أيضا ً. ـ ماذا تحب ان تقدم لها..؟ ـ قبلة، وساعة! قال الوالد: ـ القبلة موجودة في شفتيك، أما الساعة فخذ ثمنها، وعليك الاختيار بينهما. ـ أشكرك يا بابا العزيز. ـ اطلب ما تشاء يا حبيبي، فأنت أغلى من كنوز الأرض كلها. ـ وماما ..؟ ـ إنها غالية مثلك أيضا ً. فسأل الطفل والده فجأة: ـ ومن سيغني لها في عيد ميلادها..؟ ـ أنا وأنت، وهناك من سيشاركنا الغناء! ـ من هو ..؟ ـ هو الحب .. ـ وماذا سيغني ..؟ ـ سيقول في أغنيته: يا عيد الميلاد، أنت عطر الغابة، ونور القمر، ونسيم الفجر، فتعال ابتهج معنا! ـ حقا ً، إنها أغنية جميلة. في اليوم التالي أقيمت حفلة عيد الميلاد، وأوقدت الشموع، ليغنيا معا ً بصوت واحد: يا عيد الميلاد.. يا ضوء السماء يا عطر الورود .. وأحلى القبلات يا عيد الميلاد .. يا أحلى الأعياد صفق الجميع لهما، وتبادلت القبلات، وعبارات التهاني، فقدم الأب هديته، وقدم ابنها الصغير قبلاته لها. في اليوم التالي كان الابن يوزع الحلوى لأصدقائه، لكن الابن سأل والده: ـ وأنت، يا بابا، متى عيد ميلادك ..؟ ـ لماذا يا حبيبي..؟ ـ كي أقدم إليك هدية عيد ميلادك، بعد ان تعطيني نقودا ً لشرائها طبعا ً! ابتسم الأب، قائلا ً: ـ سأخبرك قريبا ً بيوم عيد ميلادي.. ـ ولكن لماذا لا نحتفل في هذه الليلة بعيد ميلادك يا بابا ..؟ ابتسم الأب مرة ثانية، وقال له: ـ خذ موافقة ماما أولا ً..ولكن قل لي: لماذا كنت تبكي في صباح هذا اليوم..؟ ـ لأنني رأيت احد الأطفال يمشي على عكازة.. فكر الأب برهة من الزمن، وقال: ـ آ .. هذا هو ذنب أمه أو ذنب والده، لأنهما أهملاه ولم يصطحباه إلى الطبيب، عندما ولد مصابا ً بالكساح .. ـ اذا ً أنا زعلان على أهله .. فقال الأب بصوت رقيق: لهذا طالما طلبت منك ان لا تمشي حافيا ً، وتنظف أسنانك، وان تحترم من هم اكبر منك، مثلما تفعل مع ماما وبابا . قال الطفل بسعادة: ـ أمرك يا بابا. فسأل الأب ابنه: ـ والآن ماذا تطلب مني..؟ قال حالا ً من غير تفكير: ـ أريد ان أقبلك يا بابا. ـ آ .. سلمت، لا أجمل من هذه القبلات. دعوني أقبلكم كان هو الطالب الوحيد الذي ينحني احتراما ً أمام معلمه، عندما يتحدث، ويصغي إليه بإمعان، واحترام، حتى ان إدارة المدرسة كانت تستدعي والده بين الحين والآخر، وتشكره على حسن تربيته لولده الذكي المطيع الحريص على سمعة مدرسته ودروسه والمتفوق دائما ً. فيخرج والده من المدرسة مرفوع الرأس. لقد كان هذا الطالب من اشطر الطلبة في تقديم الفعاليات المدرسية، في المناسبات، مثل إعداد النشرة الجدارية، التي يختار مواضيعها المهمة من الصحف والمجلات. لقد كان المعلم يطرح على الطلبة بين فترة وأخرى مجموعة من الأسئلة ليتصرف من خلال ردودهم على مدى الوعي الذي يتمتعون به. وبدأ بالأسئلة: ـ انهض يا ماجد وقل لنا ماذا تحب ...؟ ـ أحب الانسجام بين أمي وأبي. ـ أحسنت .. وأنت يا ثابت ماذا تحب ..؟ ـ أحب أكلة (الدولمة). ـ وأنت يا نجاح، ماذا تحب ..؟ ـ أحب ان انصح نفسي وزملائي الطلبة على حب مدرستهم والاهتمام بدروسهم وبعدم الغياب والاستفادة من إرشادات وتوجيهات أساتذتهم، وان يهتموا بنظافتهم ونظافة مدرستهم التي تحدد لهم معالم الطريق نحو المستقبل الأجمل والأفضل. ـ شكرا ً يا أستاذي العزيز. ـ أعزائي الطلبة، استفيدوا من أفكار زميلكم الذكي نجاح. بدأ الطلبة يذهبون إلى بيت نجاح ليلا ً ليفسر لهم بعض المعاني الواردة في دروسهم، وقد استقبلهم لفترة طويلة، لكنه توقف أخيرا ً. ـ لماذا يا صديقنا نجاح ..؟ ـ إن لم تعتمدوا على أنفسكم فسوف تبقون تراوحون داخل دائرة الفشل إلى الأبد. ـ لا تتخلى عنا يا زميلنا نجاح. ـ تخلوا انتم أولا ًعن الإهمال، والاتكالية، فانا يا زملائي، أراكم لا تهتمون حتى بكتبكم المدرسية، فهي ممزقة، والتي هي هدية لعقولكم. سمعت إدارة المدرسة هذه النصائح التي قالها نجاح لزملائه، فقررت نقله إلى صف متقدم، بعد اخذ الموافقة على ذلك. فتقدم نجاح نحو إدارة المدرسة وقال باكيا ً من شدة الفرح: ـ دعوني أقبلكم. في عيونكم يتألق المستقبل قبل أمه ووالده ووقف صامتا ً أمامهما، فسأله والده: ـ لقد تبادلنا معك القبل صباح هذا اليوم يا صلاح، فما ـ هو ـ سر هذه القبلات الآن..؟ أجاب: ـ أريد منك يا أبي مبلغا ً من المال، ومن أمي مبلغا ً آخر.. ـ لماذا يا ولدي العزيز..؟ ـ لسبب كاد يبكيني. ـ ما هو هذا السبب يا صلاح..؟ ـ اثنان من زملائي الطلبة، جلسا ينظران إلى زملائهم الذين تجمعوا أمام حانوت المدرسة أثناء الفرصة وهم يشترون الحلوى والمرطبات، فعرفت أنهما لا يملكان ما يشترون به، فتألمت كثيرا ً، حد البكاء. ـ ما ارق قلبك يا ولدي. ـ ثم إنهما يا أبي، ويا أمي، من اهدأ طلاب مدرستنا. ـ وماذا ستفعل بالمبلغ..؟ ـ سأقسمه بينهما غدا ً صباحا ً، وألح عليهما ان يقبلاه هديه مني كزميل لهما. انحدرت دمعة من عيني أمه وقالت له: ـ الشكر لله الذي وهبنا ولدا ً ذكيا ً وكريم النفس. وقال له والده بشيء من العاطفة: ـ كن لهما زميلا ً وصديقا ً وأخا ً.. ـ سأفعل يا أبي، ولكن هناك حالة أخرى. ـ ما هي ..؟ ـ ان إدارة مدرستنا تحبنا ونحبها، وغدا ً سيصادف عيد المعلم، وأنا أريد ان اعبر لها عن مشاعري بهذه المناسبة السعيدة، وأنت يا والدي احد المعلمين، ولكن في مدرسة أخرى. ـ خذ باقة ورد واكتب عليها العبارة التالية: "طلبة الغد الأبهى يهنئون مناهل المعرفة والنور لمناسبة عيد المعلم " ـ إنها أجمل هدية يا أبي وارق عبارة، وستكون الهدية باسم جميع طلبة مدرستنا. في اليوم التالي قدمت باقة الورد إلى إدارة المدرسة باسم جميع الطلبة وبدأت التهاني والأناشيد بهذه المناسبة. هتف صلاح: قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا صفق الجميع بعد ان قدم الطلاب أحر تحياتهم، وأنبل مشاعرهم للمناسبة. فقال مدير المدرسة يخاطب الطلاب: ـ أولادنا الأعزاء، حقا ً لن يتألق المستقبل إلا في عيونكم.