السبت، 22 أكتوبر 2011
لقاء-د.غالب المسعودي-التخطيط عادل كامل
لقاء
ماء ونار وجسد
وكشح ضمه كفلان من
فرط الحسد
وشفاه تمطر الخمرة
صهباء در كالشهد بت أشكو من هواها
فتنادي ذات حبل من مسد
تضرم النار بقلبي
فأجثو ضارعا
بين نهد......... ونهد
اشتهي القضم كطفل جائع
ثم ينهاني الرشد
أي نجد بلغناه
أي واد قد رميت
كيف ترضى.................كيف تغضب
وأنا ملك اليمين
صورت... بحروف من ذهب
واستعار يوسف من حسنها
ظل نورا للأبد......!!!!!!!!
د.غالب المسعودي
الجمعة، 21 أكتوبر 2011
اللوحة مقطوعة موسيقية مفرداتها لا تترجم إلى أية لغة-أجرى الحوار خضير الزيدي:
اللوحة مقطوعة موسيقية مفرداتها لا تترجم إلى أية لغة
أجرى الحوار خضير الزيدي:
كيف تتجذر الرموز الكونية داخل أعماق الإنسان وهل للوحة التعبيرية أو التجريدية أن تعمق فكرة الموت والحياة والعدم داخل سطحها التصويري.
من يستطيع أن يوظف وجدانا وهكذا تشظيا سوى أنامل الفنان المبدع ربما وجدنا فنانا مثل الدكتور غالب المسعودي يسير بنا إلى ذلك الطريق دون أن نلتفت إلى الوراء . وإذا كان الأمام
مسرحا لحركة ومشهد فان طريق الوراء يبدو للإنسان صوتا متعمقا يحاول أن يعيد انكسار الطبيعة إلى شكلها الأول إلى برئتها الأولى الفنان غالب المسعودي يعمق فكرة الإنسان والحرية ربما يبدو هذا الحوار للمتلقي انه تشكيل كوني ولكن هو جذوة عالية في طريق ذاكرة الإنسانية الهاربة من صوت الدبابات والطائرات التي تملأ الوطن . لكي يهيمن الزمن على لوحته ونظرته وربما وجوده.انه المثال الأعلى للجمال هو اللوحة. المثال لابرتقى لكيان الإنسان لكن هو التشكيل. .....!الحقيقة المتبقية من رموز عالم الإنسان هو تكوين اللوحة وسطحها التصويري .
س/ أنت تقترب من التجريد وهناك ارتباط وثيق لك به هل هو تمجيد لفكرة الروح وعالم الأساطير أم هو سر المغامرة والاقتراب من فضاء الحرية؟
ـ في الحقيقة انأ فنان تجريدي وهذه كانت نصيحة أستاذي الكبير الفنان جميل حمودي عندما زارني في معرضي الثاني الذي افتتحه بيديه الكريمتين وقال لي مساحتك هي التجريد لأنه تمجيد لعالم الفكر وعالم الروح وهو الحرية بعينها لان التجريد هو أعمق منطقة في الفكر وهي كما في لغة الفلسفة هي لغة كل الأشكال لأنها تصنع الجمال الكامن في النفس وهي بنية متقدمة نحو الأفق اللامتناهي فالأزهار تتفتح من البراعم وهذا نهوض من الموت إلى الولادة.
س/ أشكال اللوحات تختلف لديك من طبيعة إلى أخرى ولكن روحيتها واحدة فهل تعيد فيها تشكيل نواة الروح أم هي انزلاق يتحول من لوحة إلى أخرى؟.
ـ في مجال العمل الفني الروح واحدة والانزلاق مسألة حتمية لكنها ككرة الثلج انزلقت على السفح البارد ازداد حجمها وتأتي الروح لتحملها إلى القمة كما يحمل سيزيف صخرته لتبدأ رحلة أخرى من المشاق وهي التي تمثل بؤرة الروح وعندها تبدأ أخرى من جديد لان الفنان عندما يصعد إلى القمة سينزلق إلى مهاوي الردى، فالبصمات فوق ألواح الطين كلها تحكي مراحل الوعي والصراع لصالح فضاءات ما زالت تمتلك سحرها الأبعد.
س/ تبدو أجزاء اللوحة لديك في انتماء وجودي لم تزل توظف المشهد الحياتي بصيغة الأقنعة، يا ترى متى يتم الكشف عن الوجه الحقيقي لروح اللوحة؟
ـ من منا لا يسير بلا قناع فالأقنعة حقيقة وجودية وأحيانا يطغي قناع فتراه هو الوجود بأسره و اللوحة لا تستعير الأقنعة كما هو في المسرح لأنها الروح الحقيقية لما يعتمل داخل الفنان وهي تمثل الفنان بروحه وتمثل الوجود بصياغته المعلنة إذ انه ليس هناك تناقض من ناحية وجودية بين العمل الفني وروح الفنان.
س/ تكويناتك تثير في داخل المتلقي أسئلة وجودية هل تشعرك هذه اللعبة بحضور الخيال والذاكرة وتراكمات اللاشعور؟.
ـ إن أول أهداف الفن منذ عصور سحيقة في القدم هو إثارة الأسئلة فالفنان في عصر الصيد كان عندما يرسم حيوانا كان يثير الأسئلة لدى ساكني الكهوف هل هذا هو الحيوان الذي نراه أم هو رمز الحيوان الذي سيصطادونه وهذا بالطبع مرتبط من ناحية وجودية باستمرار حياة الجماعة وكله مرتبط بالمتخيل والذاكرة وإنا اسمي اللاشعور العقل الثاني الذي يمارس وظائفه بعيدا عن الأنا الأعلى وله برنامجه الخاص ويمكن أن يستعمل الحواس لصالحه ومن ثم تراكماته الخاصة، فانا أسعى إلى تحرير العقل الثاني من رقابة العقل الأول أو الوصول إلى نوع من الانسجام بينهما لبلوغ الغاية وهي الجمال الحر في انسيابيته، البليغ في تعبيريته.
س/ في تجسيداتك التحام لوني / كأنه ( مكون جمالي) يترك في المتلقي دهشة … هل هناك من سر في جسد اللوحة تريد أن تجعله دائما في خفاء؟
ـ السر يحب أن يبقى في خفاء والسر هو الشفرة التي زرعتها في جسد اللوحة وهو الدهشة التي تصدم قارئ النص وهو التحام في مكونات العمل، هو علاقة الجزء بالكل وعلاقة الكل بالمكونات. أنا لا اختفي خلف جسد اللوحة بل هو الجمال الذي يناور داخل روحي من اجل إضفاء الشرعية على المنجز، اللوحة أتصورها كمقطوعة موسيقية مفرداتها لا تترجم إلى أية لغة لكن بمجملها تؤلف عالما من الانسجام يتناغم مع إحساسات المتلقي ومع عالمي الذاتي.
س/ هل في المستقبل القريب سنكتشف فيك روح النحات مثلا وإيماءة الممثل وفكرة المجسد وربما سنكتشف فيك فكرة الفيلسوف؟
ـ إن فكر الفيلسوف يتلخص في إعادة صياغة فكرة الأشياء إذ كان مساعدو هيفاستوس ( الذي يشع في النار) جانا من مارج من نار أبرزهم السيقلوب الذين كانوا يساعدون في إذكاء الكير عند بركان أثينا ومما يذكر إن هؤلاء السيقلوب هم الذين خفوا لشد أزر زيوس في صراعه ضد الجبابرة وهم الذين زودوه بالرعد والصاعقة والبرق وكان لهم دور في تطوير الحضارة لذا كان على الفنان إن يؤكد في تجربته الرؤية الحضارية القادرة على كشف العلاقات والروابط التي يعجز عن إدراكها الذهن العادي وهذا لا يتحقق إلا بالانتباه إلى حيوية الفن وخطورة دوره في بناء الحضارة ولكي نحصل على ذلك لا بد من إعطاء الفن دوره الحقيقي الفن المعتمد على الأصالة والمرجعية .. الفن الخالق لأسطورته الحالية.
س/ من من الأسماء التشكيلية تؤول إليه في المشهد التشكيلي العراقي؟
ـ ها أنت أيها الفنان تتوحد من خلال كل سنوات العذاب من أي المسافات تجيء العواطف و أنت تحمل ذلك على راحة يديك عارية يسكنها تصوف من نوع خاص تعانق الخوف مع الرغبة ليصبح كيانا واحدا لا تستطيع أن تهزه الريح وإذا كان الصمت ابلغ وسيلة للتعبير عن غليان الروح وأنينها فان تكميم الصمت لهو المانع من تشظي الجسد الذي الم به الألم وقبل كل ذلك التركيز الداخلي والروحي حيث المملكة الحقيقية للحرية فالصمت أعلى مراحل صياح الأنبياء.
الأربعاء، 19 أكتوبر 2011
جسور وجسور-د.علي عبد الأمير صالح
جسور وجسور
علي عبد الأمير صالح
حين نشرع بالمسير أو السفر يتحتم علينا أن نعبر الجسور . جسور الحديد أو الكونكريت .
جسور بين المدن البعيدة .
وجسور بين المدن القريبة .
جسور عابرة للقارات والمحيطات .
جسور تمتد من أرضٍ إلى أرض ،
ومن قلبٍ إلى قلب .
جسور بين الشرق والغرب ،
وجسور أخرى بين الشمال والجنوب .
جسور بين الماضي والحاضر ،
وجسور أخرى تأخذنا إلى المستقبل .
ثمة جسور عدة بين كرخ بغداد ورصافتها .
وفي مدينتي الكوت يُشيد ، الآن ، جسران كونكريتيان .
ثمة جسور معدنية دأبتُ على تثبيتها في أفواه المرضى . إنها جسور الأسنان الصناعية من الفولاذ الصب والسيراميك والزاركونيوم .
حينما بدأت تعلم كيفية مد الجسور الصناعية كنتُ أضع خطواتي الأولى في طريقٍ طويل وجميل وقاسٍ . شرعتُ أمد جسوراً من نوعٍ آخر ، فريد واستثنائي . جسوري هذه لم تكن من الكونكريت ولا من المعادن الصلدة ، بل هي جسور معرفة وثقافة وفكر ووعي وتنوير وحوار وتبادل أفكار .
حصل ذلك في سبعينات القرن الماضي .
وإذا كنت أمد الجسور في أفواه ضيقة لا تتسع لأكثر من ثلاثة أصابع فإنني عبر القراءة باللغة الإنجليزية طفتُ حول العالم وحلًق بي الخيال بعيداً ، وصار بوسعي أن أقضي ليلةً صيفيةً في جنيف تارةً ، أو يوماً ربيعياً في كارويزاوا تارةً أخرى ، أو نهاراً شتائياً كئيباً في لندن حيث يحتشد آلاف المتظاهرين احتجاجاً على الحرب ضد العراق ، أو أنزل إلى سردابٍ في دانزك وأرى رجلاً يبتلع دبوس النازية ، يتقيأ ، يصبح وجهه أرجوانياً ، وعيناه تجحظان من رأسه ، يسعل ، يصرخ ، يضحك . لم يكن بوسعه أن يسعل بشكل حسن ، فيبدأ بالرقص ويخبط بذراعيه . لقد اختنق بدبوس النازية قبل أن يقتله الروس .
هذا العالم الواسع ، الرحب ، عوّضني عن تلك المسافات الضيقة التي كنتُ محصوراً فيها خلال ممارستي للعمل الطبي . فقد أتاحت لي القراءة بلغةٍ ثانية ومن ثم الترجمة حرية السفر بين ينابيع الإبداع ، وكنوز الفكر والثقافة .. هذا الترحال الدائم بين ثقافات الأمم هواية أثيرة لديّ بدءاً من سنوات شبابي المبكر .
الترجمة هي جسري الخاص الذي أعبره نحو الآخر . الترجمة هي انفتاح على الآخر ، وحوار مع الآخر . إنك تقرأ الآخر وتطلع على ثقافته وفكره وعاداته ومعتقداته وطقوسه .. تعرف كيف يعيش هو ، بماذا يفكر ، وبماذا يحلم ، وما هي عذاباته وآلامه وهواجسه .
الترجمة هي بمنزلة الإبحار في عوالم الآخرين ، إنها اكتشاف عوالم جديدة ، والتعرف على ثقافات مختلفة ، وأناس يحملون فلسفات وأفكار وهويات مختلفة . المترجم في مجال الفكر والثقافة والأدب مثقف آخر ، ومبدع آخر يضيف إلى ما يترجم من روحه من دون أن يخرج بالطبع عن النص الأصلي . هو ليس قرد المؤلف كما يصفه ماركيز ، بل صانعٌ جديد للنص وليس ناقله ، مبدعاً كما مبدعه الأصلي .
بعد نحو ربع قرن من الزمن ، وبعد خمسة عشر كتاباً مترجماً نُشر في بغداد والقاهرة وبيروت ودمشق فضلاً عن عشرات المواضيع المترجمة ( قصص قصيرة ، نقد أدبي ، حوارات ، مقالات حول السينما ، ومتابعات ثقافية للكتب والروايات وجوائز نوبل وسواها ) في الصحف والمجلات العراقية والعربية ، أشعر بالسعادة والرضا وأنا أرى القراء يعبرون تباعاً من ضفةٍ إلى أخرى ، ويقرؤون صفحات كتبي المترجمة بشغف وولع .
بعد هذه المدة الزمنية أسائل نفسي أحياناً : لماذا قمتُ وأقوم بهذه المهمة العسيرة ؟ لماذا احترفت الترجمة مهنةً ثانيةً لي ؟ يُخيل لي أنني كنتُ مولعاً بأن أشيد جسوري الخاصة كي أتواصل مع الآخرين ، كي أحاورهم ، وأفهمهم .. لم يكنْ يهمني أبداً ما إذا كانت الرواية التي أترجمها ستنشر أم لا .. وما إذا كانت قد تُرجمت ونُشرت من قبل أم لا .. كان يفرحني أن أجعل قرائي يشاركونني ولعي بتلك العوالم الساحرة , والروايات الفذة ، والشخصيات الروائية الفريدة من مثل هانز كاستورب بطل رواية ( الجبل السحري ) ، والدكتور فيشر بطل ( حفلة القنبلة ) ، ورام محمد توماس بطل ( المليونير المتشرد ) .
مازلت أذكر ذلك الصيف القائظ من سنة 1996 وأنا أضع ( طبل من صفيح ) بنسختها الإنجليزية على سطح طاولتي وأصابعي تنز عرقاً على صفحات الرواية ، وحتى هذه اللحظة حين يزورني الأصدقاء ومراسلو المحطات الفضائية أريهم آثار أصابعي المتعرّقة وقد انطبعت على سطوح أوراق الكتاب وسوّدتها .. وما زلت أتذكر الجو العائلي حين كنت أترجم رواية ( البحيرة ) لياسوناري كاواباتا في شتاء 1992 . ابني سيف ، طفل السنتين ، يجلس أمامي على طاولة الكتابة بجنب رواية كاواباتا .. كنت أسليه بلعبةٍ من لعب الأطفال وأنهمك أنا في ترجمة النص الروائي .. لكنه يشاغلني غالباً فيخمش بأصابعه الرقيقة اللدنة صفحات الرواية أو مخطوطتها المترجمة .
كانت سنوات الحصار مضرجة بالعرق والإلهام . كنت أعالج السأم بالتخييل وأرسم على شفتيَّ ابتسامة الأمل . كان الأدب وما يزال يبث العنفوان في داخلي فتولد في أعمق أعماق روحي الدهشة . إبان تلك السنوات القاسية كنت أستمع إلى صراخ اليأس المبحوح . لكنني كنت أكافح كي أوازن بين حياتي وعملي الأدبي ، أن أحافظ على الجو العائلي الحميم وأن أعالج أطفالي وأرعاهم ، وفي الوقت نفسه أنشط مخيلتي وأطوّر أدواتي الإبداعية . كان من الصعب أن تحافظ على الأمل وأنت الجريح في قلب الغابة ، تكسرت سهامك وهدك التعب فهويت على ركبتيك .
ما أقوم به حالياً وما يقوم به زملائي المترجمون العراقيون جهود فردية حصراً ، لكنها ليست عديمة التأثير كما قد يظن البعض .. الكتب المترجمة يطالعها القارئ العراقي والعربي بنهم ولها حضور في المشهد الثقافي العراقي والعربي كما تسهم في تنمية ذائقة القارئ وتطوير تقنيات الكتابة لدى الشعراء والروائيين والنقاد .
في الختام أقول إنه ينبغي أن يكون المترجم متفتح الذهن ، واسع الأفق ، جريئاً ، خالياً من العقد ، ومتحرراً من التابوات كي يستطيع أن ينقل نصوصاً جريئة ، صادمة ، ومثيرة للجدل .. هذه النصوص تلعب دوراً حيوياً جداً في إرساء ثقافة ديمقراطية وتنويرية تحتفي بالإنسان وتحترمه ، كما تساهم في توعيته فكرياً وفلسفياً وجمالياً وتزوده بالمعارف الإنسانية الحديثة .
الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011
دويلات جديدة من رماد سايكس-كاظم فنجان الحمامي
دويلات جديدة من رماد سايكس
التلاعب بالعقول لتنفيذ مشاريع التقسيم المستقبلية
كاظم فنجان الحمامي
ظلت معاهدة (سايكس – بيكو) سراً لا يدري به عرب الشيخ متعب, إلى أن نشرتها الحكومة السوفيتية بعد عام واحد من توقيعها. .
عُرفت المعاهدة بهذا الاسم على خلفية المحادثات السرية بين ممثل بريطانيا (السير مارك سايكس), وممثل فرنسا (مسيو جورج بيكو), وفي ضوء تلك المحادثات تقاسمت فرنسا وبريطانيا أرث الخلافة العثمانية في بلاد العرب. ففقد العراق مُذاك سيادته المطلقة على سواحله الممتدة من (رأس البيشة) عند مدخل شط العرب وحتى (رأس مسندم) عند مدخل مضيق هرمز.
وانطلقت معاول (سايكس), وبلدوزرات (بيكو) تدك الأرض في حملاتها المسعورة, لبناء السدود, وتشييد الحواجز الحدودية, وإقامة الموانع, وشق الخنادق, وغرس الركائز, حتى تقطعت أوصال الأرض العربية, وتمزق جسدها إلى مقاطعات متباعدة متنافرة, لكنها وعلى الرغم من تنافرها كانت تلتقي بقواسم فوقية مشاركة, تدين بالولاء للتاج البريطاني, والخضوع الكامل للسيادة الفرنسية. .
وتزامنت تلك المرحلة مع مرحلة اختيار طواقم الحكام والوزراء الجدد, فنال بعض وجهاء العرب الرتب والنياشين والدرجات, الملائمة لتطلعاتهم الملكية أو الأميرية أو الباشاوية أو الكهنوتية, وكلفتهم بريطانيا بإدارة البلاد, ومنحتهم فرنسا حرية التحكم بالعباد, تحت إشراف ووصاية المندوب السامي البريطاني أو الفرنسي.
كان هذا في العام 1916 والأعوام اللاحقة, التي تفجرت بعدها الانقلابات, واندلعت فيها الحروب, وأهدرت فيها الثروات, وضاعت فيها الحقوق, حتى تعمقت الخلافات بين أركان الأقطار العربية, وكانت ملاعب كرة القدم خير شاهد على ما آلت إليه أحوال الأمة من تشرذم وتناحر وتباعد . .
وعلى الرغم من مضي قرن من الزمان في ظل هذه الأجواء العربية المتشنجة, مازالت إدارات بعضها ملتزمة في ولائها ووفائها للتاج البريطاني, وملتزمة في طاعتها المطلقة للبيت الأبيض الأمريكي. وهكذا ضاع المواطن العربي في دوامات الولاءات القديمة المتجددة, حتى جاء اليوم الذي سمعنا فيه بمشاريع التقسيم الغربية والإسرائيلية. وشاهدنا فيه الأدوات, التي أشعلت الفتنة بين السنة والشيعة, ثم اشتغلت مفاعلات التنفيذ بوقود (الربيع العربي), وسعت للانطلاق من رماد (سايكس بيكو) نحو خلق عواصف دراماتيكية, تقتلع الأمة من جذورها الخاوية, وترميها في مهب الريح, لتواجه مصيرها المؤسف, الذي رسمته لها القوى العظمى, من حيث تدري, أو لا تدري.
لقد بدأت طبول التغيير الشامل نحو المجهول تُقرع في الميادين العربية, تقودها في الخفاء أشباح (الفيس بوك). ملفات جديدة تظهر إلى السطح, وأخرى تختفي خلف جدران الصمت والجهل والتخلف, وأخرى تعدها وتشرف عليها المنظمات السرية لتحل محل الملفات التي طواها النسيان. .
قادة انتهت صلاحيتهم بعد ربع قرن من البطش, يغادرون مرغمين, ويتدحرجون من عروشهم الرئاسية نحو الهاوية, وقادة أقزام يخرجون من بين مخالب العم سام, وآخرون يولدون من رماد (سايكس), ويرتدون قمصان ساركوزي في فجر الأوديسا, ويلهثون خلف سراب (برنار هنري ليفي), ليسقطوا في شراك (برنارد لويس), فيأتمرون بأمره في السعي نحو إغراق المنطقة في مستنقعات التناحر السني الشيعي, والإسلامي المسيحي, وتأجيج الصراع العربي الفارسي, أو العربي الكردي, أو العربي الأمازيغي, في محاولة جادة وحثيثة لبعث مآسي الأمة, والعودة بعقارب الزمن إلى أزمات العصر الأموي والعباسي, وتوظيف النعرات القديمة في تحفيز براكين اللعبة القذرة, وتغيير محاور المواجهات المشفرة من (حكومات في مواجهة الحكومات), إلى (جماعات في مواجهة الجماعات), ومواصلة السير في هذا الاتجاه التآمري, وتوسيع نطاق الصراع السني الشيعي, وإشراك جماعات عربية وإسلامية جديدة في هذا الصراع الطائفي العقيم, والإسراع بتقديم الدعم والإسناد لكل الأطراف المتناحرة, فالكل ينبغي أن يقف في مواجهة الكل ويفتك به, وليسحق كل منهما الآخر حتى الفناء, والرابح في النهاية هو النظام العالمي الجديد القائم على ركائز القاعدة القديمة (فرق تسد), والعمل على إشاعة الفوضى, وخلق الظروف الملائمة لكتابة سيناريوهات التقسيم الجديد برماد (سايكس بيكو), مع مراعاة عدم تكرار الهفوات التي وقع فيها سايكس ونظيره بيكو, عندما اعتمدا في رسم الحدود القديمة على المعطيات الجغرافية وحدها, من دون أن يلتفتوا إلى مكامن الكنوز المدفونة تحت الأرض, فالتقسيم الجديد سيكون قائما على توزيع ثروات البلاد العربية على القوى الاستعلائية, والسماح لها بالاستيلاء على مواردنا الطبيعية, ومنحها فرص السيطرة على المواقع الإستراتيجية المتمثلة في المضايق والممرات البحرية والخطوط الملاحية, وتسهيل مهماتها السوقية في بناء القواعد الحربية الجبارة وسط العالم العربي, والسعي لتفكيك حدوده الجغرافية الحالية, وتمزيق كياناته السياسية, وتقطيعه إلى دويلات صغيرة, وجمهوريات ضعيفة غارقة في المشاكل والأزمات, تدين بالطاعة والولاء لإدارة النظام العالمي الجديد. .
اما المهندس الذي صمم مخططات هذه المشاريع الاستعمارية, فهو العراب الأمريكي (برنارد لويس), الذي كان أول من طالب البيت الأبيض بإعادة تقسيم الأرض العربية, والاستيلاء على ثرواتها, والتحكم بمصيرها, وطالبها باستعمال علب الكبريت المخبأة في التركيبة المذهبية العربية السريعة الاشتعال, والسريعة العطب. والقابلة للانفجار لأتفه الأسباب, وهو الذي نصح الإدارة الامريكية بضرورة الإمساك بخيوط اللعبة, وتحريك الدمى في المسرح السياسي العربي من خلال التضليل الإعلامي المكثف, ونشر الوعي المعلب في صفائح التشرذم الطائفي المتاح للاستعمال منذ القرن الهجري الثاني, (اقرأ كتاب "التلاعب بالعقول" للمؤلف هربرت أ. شيللر). .
ختاما نقول ان الحل الوحيد لمواجهة هذه المؤامرات الخطيرة يكمن في السعي لتثبيت أركان الدولة العربية, التي يفترض أن تكون قائمة على مخافة الله, فرأس الحكمة مخافة الله, وأن نحث الخطى باتجاه إرساء قواعد العدل والمساواة, وقبول الآخر, والتعايش معه في ظل القوانين والقواعد والأعراف النافدة, والاعتراف بالأمراض والعلل الكثيرة التي تمر بها أوطاننا, وإدراك مدى حاجتنا لتوحيد مكوناتها على قاعدة الحق في الاختلاف, واحترام آراء الناس, وضمان حرياتهم العقائدية والشخصية. . أليس العدل أساس الملك, وأساس الكون كله ؟؟؟. . .
--
الاثنين، 17 أكتوبر 2011
إضاءة ,كما سمعـتُ !!!-حامد كعيد الجبوري
إضاءة
كما سمعـتُ !!!
حامد كعيد الجبوري
يراودني شعور خفي كلما كتبت قصيدة أو موضوعة ما وهو ماذا سأكتب لاحقا ، وكلما أنهيت مادة بيدي أجد واحدة أخرى أمامي تدعوني للكتابة عنها ، ومرات تتزاحم لدي الأفكار بأكثر من موضوع مهم أراه ، وهذه الموضوعة ليست من بنات أفكاري بل هو حديث سمعته اليوم ، أعتدت الخروج من داري صباحا لقضاء متعلقاتي ( البيتية ) مستخدما سيارات النقل العمومي الأهلية ( كيا ) ذات العشرة مقاعد لسهولة التنقل بها ، وأضف لذلك ( تعريفتها ) النقدية الزهيدة 250 دينار ، وأترك سيارتي الشخصية في البيت لعدم تهيئة ووجود مآرب للسيارات وسط المدينة ( الحلة ) ، ناهيك عن الاختناقات التي سببتها كثرة الاستيراد العشوائي للسيارات الصغيرة والكبيرة منذ سقوط النظام وليومنا هذا ، كان أكثر من مقعد فارغ بسيارة ( الكيا ) التي ركبتها وأغلب الركاب من النساء ، بعد مسير العجلة قليلا أستوقفها أحد المنتظرين على قارعة الطريق ، توقفت العجلة وصعد لها رجل أبن الخمسون سنة وهو يرتدي ( دشداشة ) قذرة جدا ويضع على رأسه طاقية وهو متمنطق بحزام عسكري قديم ليشد به ظهره التعب ، لاحظت أحدى النساء الجالسات قد وضعت كم عباءتها على أنفها لتتقي رائحة هذا الرجل ، قالت أخرى موجهة الحديث للراكب الجديد ( ما لازم تصعد للسيارة وأنت بهاي الحالة ، لو تاخذ تكسي هواي أحسن للناس ) ، تطلعت لذلك الرجل وعرفت ماهية عمله ، رجل فقير ، نحيف الجسم لحية كثة ، و ( دشداشة ) عليها آثار أوساخ أنه منظف مخازن المياه الثقيلة ، ومعلوم أن البيوت القديمة لا تصل لها السيارات الحوضية المخصصة لسحب المياه منها لضيق أزقتها ، وفي هذه الحالة تضطر العائلات إلى استئجار رجالا متخصصون لسحب هذه المخازن ، لم يتحدث الرجل بأي شئ ، انبرت امرأة جاوزت الستين من العمر لتتحدث مع هذه التي أشارت على الرجل بعدم ركوب السيارات العامة قائلة لها ، ( عيني هذا الرجال لو عده 3000 دينار جان أجر بيها تكسي وجان ما راح أشتغل بهاي الشغله الوسخه وجان راح أشتره لهله طماطات وبيتنجانات ويسد أحلوك ولده ، وبعدين هاي سيارة عامة اذا ميعجبج انتي أخذي تكسي وخلصي من هاي الريحه الموخوش والله وأهل البيت هذا الرجال أشرف وأنظف من الحراميه اللي ديبوكون قاصتنه عينك عينك وزير ومحافظ وريس جمهورية وريس برلمان وغيرهم هواي ) ، حدقت بهذه المتكلمة كثيرا فوجدت سنها تجاوز من أن تكون من البعث الذي فقد سلطته ، ولا من الشيوعيين الذين يريدون أن يوّعوا الجمهور العراقي بمصيبته التي أختارها لنفسه من خلال صناديق الاقتراع الموهومة والوهمية ، وحقيقة أعجبني رد هذه المرأة الجليلة لذا نقلته كما سمعته دون تعليق عن صحة موقفها من عدمه ، ولا عن موقف الرجل الذي صعد الى هذه السيارة ، وسأترك ذلك للقارئ الكريم ، وأختم قائلا لو أن كل فرد عراقي وعى هذه الحقائق المرة فما هو موقفه ؟ ، ولمن سينتخب المرة القادمة ؟ ، للإضاءة .... فقط .
الأحد، 16 أكتوبر 2011
الفنان غالب المسعودي وهاجس البحث عن لغة جديدة-عبد الأمير خليل مراد
الفنان غالب المسعودي وهاجس البحث عن لغة جديدة
عبد الأمير خليل مراد
إن المتأمل لنتاج الفنان غالب المسعودي يكتشف انه فنان متعدد الاتجاهات, وان تجربته لا تكتفي بالاشتغال في منطقة الحداثة,بل تتعدى ذلك في تأكيد قدراته الفنية ووعيه الإبداعي من خلال البحث عن لغة جديدة في التعبير والمغايرة وتقديم رؤية حدسية يستجلي في مضمارها إبعاد التجربة الإنسانية التي يريد توصيلها إلى الأخر من خلال اللوحة.
لقد حفلت مراحل المسعودي الفنية بالانتقالات الحثيثة والمتعاقبة في التقاط الرؤية وتوجيه مضامين إعماله وخطوطها الصريحة والمضمرة بوعي فني يستثير الانفعال لدى المتلقي,مما يدفع به إلى الاندماج مع عالمه الداخلي,حيث يضفي نوعا من التوافقية في وحدة الإحساس فيما بينه وبين تجربة المشاهد.
فكثيرا ما نراه يعمد إلى تحليل الأشياء تحليلا تشكيليا خالصا,يستدعي فيه التعمق والبحث عن مفردات ذات أصول بابلية أو سومرية,مؤكدا صدق انتمائه إلى حضارة وادي الرافدين من خلال اشتغاله على موضوعة الحرف, والحرف السومري تخصيصا في مجمل إنتاجه الجديد.
والجديد في رسومات المسعودي حصل في الطريقة الأدائية والتوظيفية للحرف بوصفه رؤيا ونظاما يسعى إلى الغاءالنقاط والفواصل والعلامات الفائضة التي توهن من جماليات الحرف العربي, كما انه لايكتفي بتقديم تجربة ذاتية مكتفية بذاتها,بل يسعى إلى التفاعل والانصهار مع الأخر في معظم رسوماته,حيث يتطلب منا ذلك تركيز اهتمامنا نحو رمزيته, بالقدر الذي يتم توجيه وعينا نحو رمزيته وألوانه التعبيرية وتناسق عناصرها, وبالتالي انه يجعلنا في ذروة الاستجابة من خلال الصورة والمعنى.
وإذا كان(ليون ديوي) يقر إن الفن ليس هو الطبيعة, وإنما هو الطبيعة معدلة بفعل اندماجها في علاقات جديدة تتوالد عنها استجابة انفعالية جديدة, فان إيقاع اللوحة عند غالب المسعودي يتأتى من خلال الأنظمة المحسوسة للألوان وإعادة ترتيبها في علاقات جديدة,طازجة تمتزج فيها الإيماءات بالدلالة وتتداخل الرؤى بالاشتغال.إذ تتوزع اللوحة في فضاءات مميزة التكوين/موزعة بين التوجهات اللونية وتكرار الأنساق في أحيان كثيرة,ِشبابيك قديمة , رؤوس غائبة الملامح,أجساد نحيفة أكلها الجوع اكلأ, فالجو العام أو سيناكروفية اللوحة لمعظم أعمال المسعودي نراه صاخبا وهو يفور على نار هادئة في شوارع خلفية لمدينته المثالية التي طالما حاول أن يسبر أغوار عوالمها, لكنه لم يفلح إذ أن مدينته عصية, الأ أنة لجاء الى استنباط لغة تعبيرية جديدة مفعمة بالدهشة واللامعقول وفك شفرة الجدران السبعة التي تحول بين هذه العوالم وبين بصيرة الإنسان,وكأنه يغترف من عالم ملئ بالأساطير والأحلام, أو مما يستحوذ على تفكيره من إرهاصات العقل الباطن, وهذا ليس هو الجديد في تجربة المسعودي فهو لا يهدا في تطوير لغته التشكيلية ومعانقه كل تطورات المسارات الفنية التي تضيف إلى تجربته, فهو يؤمن, بان الحداثة وما بعدها هي وليدة خطاب إنساني وفلسفي تمليه ظروف موضوعية قائمة على أبعاد معرفية, وهي في الوقت ذاته تمتلك خصوصيتها المحلية وان كانت الأصالة في ما مضى هي الالتحاق بالتيار العام وان كان هذا الاتصال لن يصل إلى مداه العام دون إدراك لما هو مشترك من العناصر الزمكانية وتداخلها.
إن ما يشدني من أعماله هي لوحة الشاعر حيث يظهر الحرف رشيقا عربيا مسماريا وصيغته الجديدة ورقي بعده الجمالي, انه لمبهر , ,دالا يلامس جسد اللوحة وكأنه بوابة للارتحال من سكون العالم إلى فضاءات مملوءة بالرموز /والأسئلة , مسلة حمورابي , ملحمة كلكامش.أن عالمنا استثنائيا ورائع ويحمل تقاسيم رؤيوية تضيء الأشياء البعيدة وتستبطن الأعماق,,هذا مايغرينا لان ندلف عالمه الفني ونحن مدججون بالبراءة والأمنيات.
الجمعة، 14 أكتوبر 2011
ثلاث تفاحات غيّرت العالم-د- محمد العولقي
ثلاث تفاحات غيّرت العالم
تفاحة آدم
وتفاحة اسحاق نيوتن، مكتشف قانون الجاذبية
وتفاحة شركة "أبل" التي أسسها ستيف جوبز
الرجل الذي مات فجر الخميس من دون أن يلتقي بأبيه الحقيقي
ولو مرة واحدة طوال أكثر من 56 سنة، مع أنهما كانا يقيمان في بلد واحد.
أول ما فعلته حين الإعلان عن وفاة جوبز هو الاتصال بأبيه المهاجر من سوريا في الولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها منذ زمن بعيد، والذي يبلغ الثمانين من عمره الآن، مع ذلك فما زال عبدالفتاح جندلي يعمل في "كازينو وأوتيل بومتاون" في مدينة رينو بولاية نيفادا.
ومع أن الوقت كان أول الليل في رينو، والكازينوهات تنشط مساء في العمل، إلا أن عاملة الهاتف كررت الجواب نفسه مع كل اتصال، وهو أن جندلي لا يأتي للعمل الا نهارا، ونادرا ما يطل ليلاً، فهو نائب رئيس مجلس الإدارة، ولم يكن في الكازينو ليلة الأمس.
وهناك القليل المكتوب عن عبدالفتاح جندلي بوسائل الإعلام الأمريكية
لأنه عاش دائما في الظل ولم يرو لأحد تقريبا بأنه الوالد الحقيقي للرجل الذي كان دائما مالئ دنيا الكومبيوترات والإلكترونيات وشاغل المدمنين عليها.
وابنه ستيف جوبز نفسه كان يساهم بدوره في إخفاء هوية والده الحقيقي
كما وإخفاء شخصية شقيقته منى
المصنفة للأمريكيين وبالخارج كواحدة من أشهر الروائيات
وبدورها كانت تساهم أيضا بإخفاء هوية أبيها وأخيها معا
فاسمها المعروفة به في الولايات المتحدة هو منى سيمبسون
لذلك لم تلتق بأبيها، وبأخيها التقت لأول مرة حين كان عمره 27 سنة
ثم تكررت اللقاءات والاتصالات دائما عبر الهاتف
من "العروة الوثقى" إلى الولايات المتحدة
وأهم من كتب عن عبدالفتاج جندلي هي مجلة "فورتشن" الأمريكية
التي نقلت عن لسانه قبل أشهر أنه ولد في 1931 بمدينة حمص
حيث كان والده ثريا وصاحب أملاك
فغادرها وهو بعمر 18 سنة الى بيروت لمتابعة دراسته في الجامعة الأمريكية
وعن بيروت قال جندلي للمجلة "إنها المدينة التي أمضيت فيها أجمل أيام حياتي" وفق تعبيره.
طفل يبصر النور قبل الزواج
الوضع السياسي في بيروت حمل جندلي ذلك العام للسفر إلى الولايات المتحدة
حيث كان يقيم أحد أقربائه، وهو نجم الدين الرفاعي
مندوب سوريا في 1954 لدى الأمم المتحدة بنيويورك
فأمضى عاما في الدراسة بجامعة كولومبيا
ومن بعدها في جامعة وسكنسن التي درس فيها بمنحة مكنته من الحصول على الماجستير والدكتوراه بالاقتصاد والعلوم السياسية. وأثناء الدراسة في وسكنسن كانت لعبدالفتاح جندلي علاقة بزميلة له من أصل سويسري ألماني، اسمها جوان كارول شيبل، وأثمرت قبل الزواج عن طفل أنجبته
لكن والد الطالبة كان محافظا كما يبدو، فرفضه كزوج لابنته
ولم ير جندلي طريقا أمامه سوى درب الانفصال عن الأم وابنها معا
فسار عليه حتى قبل أيام من ولادة الطفل في 1956 وتوارى عن الأنظار.
أما هي فردت بالأسوأ وعرضت طفلها في سان فرانسيسكو على من يرغب بتبنيه
وسريعا ظهر الزوجان بول وكلارا جوبز فتبنياه، وأيضا اختفى للطفل كل أثر
ولم تعد والدته تدري أين حلت به الرحال مع انتقال العائلة التي تبنته الى عناوين عدة عبر الزمن
فنسوه كأنه لم يكن.
بعد أشهر قليلة ظهر جندلي ثانية في حياة زميلته وأم ابنه الوحيد
فتزوجها وأنجبت منه طفلة في 1957 سماها منى
وضاقت به الأحوال فسافر الى سوريا حين كانت مع مصر في بداية الستينات بلدا واحدا
باسم الجمهورية العربية المتحدة
راغبا العمل في السلك الدبلوماسي، متأثرا ربما بعمل قريبه نجم الدين الرفاعي.
وكان الحلم الدبلوماسي صعب التحقيق على جندلي
فعمل مديراً لمصفاة تكرير نفط في حمص لمدة عام
وخلاله طلبت زوجته من المحاكم الانفصال، ونالت بعد الانفصال في 1962 حق الطلاق
ثم عاد هو إلى الولايات المتحدة من دون أن يتصل بها
وظل لا يدري أنها تزوجت أمريكيا من عائلة سيمبسون إلا حين التقاها بعد سنوات
ثم أقفل النسيان كل أبواب العودة الى الماضي
وراح جندلي يعمل بروفسورا مساعدا بجامعة ميتشيغن ثم في جامعة نيفادا، ومن بعدها تنوعت ظروف الحياة معه فأهمل أهم ما في ماضيه. ومضت سنون كان خلالها يتنقل من عمل إلى آخر: اشترى مطعما، وبعده عمل مديراً في شركات ومؤسسات بارزة في لاس فيغاس، ثم عاد ثانية الى حقل المطاعم فافتتح مطعمين مرة واحدة بمدينة رينو
ومع المطعمين انضم الى "كازينو وأوتيل بومتاون" ثم تكفل الزمن بالترقيات
حتى أصبح نائبا لرئيس المؤسسة التي يتولى إدارتها حاليا وقد بلغ الثمانين
مع أنه يبدو في الصور أصغر بعشر سنوات على الأقل
وفي لقاء مع صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية في أوائل هذا العام أيضا
ذكر جندلي الذي لم يقم بزيارة سوريا ولا لبنان منذ أكثر من 35 سنة تقريبا
أنه مسلم غير ممارس ولم يقض الحج
"ولكني مؤمن بالإسلام عقيدة وثقافة وبالعائلة، وأنصح العرب القادمين للدراسة بالولايات أن لا يطيلوا إقامتهم فيها لأن الفرص أمامهم كثيرة في العالم العربي، خصوصا في الخليج" كما قال.
ومرة تذكر جندلي ابنه ستيف وابنته منى فقال في مقابلة مع صحيفة "لاس فيغاس صن"
في مارس/آذار الماضي إنه ترك ابنته حين كان عمرها 5 أعوام
"لأن أمها طلقتني عـنـدما سافرت الى سوريا
ثم عدت للاتصال بها بعد 10 سنوات، ولكن من دون طائل
ومن بعدها نقلت مكان إقامتها ولم أعلم بمكانها إلا منذ 10 أعوام فقط
فبقينا على تـواصل ولقاءات تتكرر 3 مرات كل عام تقريبا" وفق تعبيره.
وتعيش منى حاليا مع زوجها الذي اقترنت به في 1993 وهو المنتج والكاتب التلفزيوني الأمريكي، ريتشارد بيل، الأب منها لطفلين، وهي صاحبة 5 روايات شهيرة بين الأمريكيين
أهمها "الأب الضائع" حول بحثها عن أبيها عبد الفتاح جندلي.
أما ستيف جوبز الذي تزوج في 1991 من الأمريكية لورين بويل وله منها 3 أبناء
فكرر ما فعله به أبوه وأقام علاقة بأمريكية اسمها كريسان برينان
فأنجبت منه خارج الزواج طفلة في 1978 رفض الاعتراف بأبوته لها
فبقيت مع والدتها التي سمتها ليزا، ومن بعدها اعترف بها جوبز راضيا
وهي من بين من سيرثوا دولارات بمئات الملايين تركها
ومعها ترك الإعجاب لدى الصغير والكبير في 5 قارات
د- محمد العولقي
*
ليس هذا هو المهم-ليس هذا هو المهم
ليس هذا هو المهم
كاظم فنجان ألحمامي
ليس المهم أن تكون خبيرا بارعا باختصاصك حتى تتدرج في السلم المهني نحو الأعلى, فتنال استحقاقك الوظيفي بموجب السياقات الإدارية الشائعة في عموم أقطار كوكب الأرض, فالمهم في المقام الأول أن تكون منتميا للكيانات السياسية الكثيرة المستحوذة على مصادر المال والقوة والجاه والسلطة, فلا تبتئس إذا كان رئيسك في العمل أدنى منك في الشهادة, وأقل منك في الخبرة والتجربة والخدمة, فمثل هذه النماذج الساذجة صارت هي التي تقود المؤسسات الحكومية في البلدان العربية كافة, وذلك في ظل سياسة وأد الكفاءات, وغياب معايير التوصيف الوظيفي النوعي القائم على الأسس التنافسية العادلة. .
وليس المهم ما تحمله من ذكاء ومواهب ومهارات ومؤهلات وقدرات علمية وإدارية ومهنية, لكي تتبوأ المركز الذي يليق بك, المهم هو كيف تستفيد من ذكائك في التسلل إلى صفوف التنظيمات الحاكمة حتى تتغلب على من هم أكفأ منك, وأفضل منك, وأقدم منك, وأنزه منك. فالغاية تبرر الوسيلة في معظم هياكل الشركات والمؤسسات العربية, وبات باستطاعتك تحقيق المزيد من القفزات الإدارية في غابات المناصب الزئبقية, التي أصبحت متاحة الآن لمن يريد التقدم على حساب غيره في هذه الفوضى الإدارية العارمة, التي اجتاحت العواصم العربية كلها, والتي فجرتها النزعات الطائفية والمذهبية والقومية والعشائرية والتنظيمية. . .
وليس المهم أن تكون صادقا في تعاملك مع الموظفين والمراجعين, مستقيما في سلوكك, ملتزما في أداء واجباتك, حريصا على عملك, أمينا على موارد مؤسستك, حتى تستحق المكان المناسب في المنظومة الإدارية, التي أفنيت فيها زهرة شبابك, المهم أن تكون من حاشية أصحاب الشأن والقرار, وان تتزلف إليهم في الرايحة والجاية, وان تكون منافقا من الطراز الأول, وأن تبدي لهم فروض الطاعة والولاء المطلق. . .
وليس المهم أن تكون متعففاً ,متديناً, ورعاً, ملتزماً بالمبادئ والقيم السامية حتى تتألق في فضاءات الاستحقاقات الإدارية المنصفة, المهم في بلاد العرب أن تتظاهر بالتدين, وتتجلبب شكلياً بالورع والتقوى, وتدعي الالتزام بالقيم والمبادئ, حتى لو لم تكن مؤمنا بها, فالمظاهر الخداعة, والتصرفات المزيفة, والمواقف الملفقة هي السمات السائدة في أروقة التشكيلات الإدارية عند عرب الشيخ متعب.
فالاختيار والتعيين للمناصب العليا يجري عندنا خارج السياقات السليمة, التي تحدد كفاءة المرشح الأصلح, والتي يفترض أن تنتقي أفضل المؤهلين لشغل الوظائف الشاغرة, فمعايير العقل والمنطق والعدل والإنصاف تحتم علينا الاستناد على قاعدة التوصيف النوعي الوظيفي, وبخاصة حين يتعلق الأمر باختيار قادة المناصب الإدارية الرفيعة, فهذه القاعدة هي السبيل الأسلم لمعرفة مهارات الناس, والانتفاع بهم, فإذا توفرت في المرشح الأهلية العلمية والاستقامة والإتقان والخبرة, فهو الأنسب ولا مجال للتردد, بصرف النظر عن لونه وعرقه وطائفته وميوله الحزبية, أما إذا كان المرشح مؤهلا من وجهة نظر عشيرته وحزبه وواسطته, لكنه غير مؤهل علميا, فمثله لا يصلح لملء الشاغر, لأن المرء عدو ما يجهل, بصرف النظر عن توفر حسن النية, وقد تسبب أمثال هؤلاء في تردي الأداء, وفقدان تكافؤ الفرص بين الموظفين الآخرين, وتسببوا في اضمحلال التنافس الشريف بينهم, واتجاههم إلى العبث والتخريب واللامبالاة, وتسببوا أيضا في هجرة العقول والأدمغة, وسمحوا بتزايد نفوذ الوصوليين والانتهازيين والمرائين, والتفافهم حول المرشح الدخيل على النظام الإداري, واستغلاله وتضليله.
مما لا ريب فيه أن مهمات مراقبة الهياكل التنظيمية في المؤسسات والشركات الحكومية منوطا دائما بأجهزة وزارة التخطيط, ويتعين عليها النهوض بمهام الإصلاح الإداري, وإصدار القوانين والتعليمات والتشريعات التصحيحية, ويتعين عليها رصد الانتهاكات الوظيفية التي نخرت ومازالت تنخر في بنيان الهياكل التنظيمية لمؤسساتنا, ولا مناص من مراقبة توزيع المناصب بين الموظفين بشفافية ومنطقية وعدالة, عندئذ سيعرف كل موظف حجمه الحقيقي, وسيتصرف في حدود مسئولياته, وصلاحياته, وواجباته. أليس هذا هو المهم والأهم والأكثر أهمية ؟؟؟؟؟.
الأربعاء، 12 أكتوبر 2011
الفنان العالمي ديفيد هوكني:ترجمة بتصرف د.غالب المسعودي
الفنان العالمي ديفيد هوكني:ترجمة بتصرف د.غالب المسعودي
(الرسم يجعلك ترى الأشياء أكثر وضوحا,وأكثر وضوحا,ومازال أكثر وضوحا.الصورة تدخل إلى عقلك بطريقة فسيولوجية لكي تبقى في الذاكرة ومن ثم تنتقل إلى يديك)
إن الحوار مع الفنان هوكني يسجل رؤى وأفكار رجل فنان صاحب رؤية معمقة في المناقشة والتعبير.يقول أن ترى الأشياء لهو أكثر بكثير من امتصاص مجموعة من المعلومات البصرية البسيطة,فان البشر موجودون في الزمان والمكان وردود أفعالهم البدنية والعاطفية متباينة ولا تخلو من عمق,إن تطور الوسائط المرئية منذ عصر الكهوف إلى الالكترونيات الحديثة لم يغير من تجربته الداخلية لأنها مميزة للمتلقي ودائما إشكالية.إن تنقله عبر المناظر الطبيعية من كاليفورنيا إلى يوركشاير في عملية تمشيط ثلاثية الإبعاد مع الأخذ بنظر الاعتبار استحضار معمق لتاريخ الفن من كارافاجيو إلى كارتيه لهو رحلة ذكية وانعكاس مفعم بالبحث عن اللانهائية في الجمال الطبيعي والتي تحيط بنا.
من يحمي الأطباء من بطش الدهماء ؟-كاظم فنجان الحمامي
من يحمي الأطباء من بطش الدهماء ؟
جريدة المستقبل العراقية 12/10/2011
كاظم فنجان الحمامي
ربما سيأتي اليوم الذي نسمع فيه بتأسيس منظمة جديدة على غرار منظمة (أطباء بلا حدود), يطلق عليها منظمة (أطباء بلا جنود), لكي تكون ملاذا للأطباء, الذين لم تتوفر لهم الحماية في بلدانهم, والذين هربوا من بطش الدهماء, وهاموا على وجوههم في أرض الله الواسعة خوفا من طيش المتمردين على الأعراف والقوانين, فلاذوا بالفرار خشية الموت بخناجر الأشقياء, وبنادق القبائل البدائية الغاضبة, التي لا تعرف الرحمة. .
أننا نتحدث هنا عن غول متهور استيقظ فجأة من سباته العميق في الكهوف القبلية المتحجرة, واطل برأسه كما الأفعى من بين مخالب بعض الشراذم العراقية المتسلحة بالباطل.
ظاهرة اجتماعية خطيرة نمت وترعرعت في رحم الأوضاع الأمنية المتأرجحة, وسمحت للمنفلتين باقتحام المستشفيات, وتهديد الأطباء بالخطف والقتل من دون رادع, والتطاول عليهم بالسب والشتم, وابتزازهم لأتفه الأسباب, والضغط عليهم لاستنزافهم, وإجبارهم على دفع الأموال الطائلة, والاعتداء على العاملين في المختبرات والصيدليات والمراكز الصحية بالضرب والاهانة, وسمحت للصعاليك بوضع قواعد جديد مهدت الطريق لطغيان الشر على الخير في لعبة الغارات, التي يشنها خفافيش الظلام خارج نطاق السيطرة في انقضاضهم الجشع على ملائكة الرحمة, لعبة تلهوا بها عفاريت الشقاء في ترويعها لرسل الشفاء, ويمارسها أقطاب الجهل والتخلف في تعاملهم السيئ مع أرباب العلوم والمعارف. . .
في كل مستشفى قصة مختلفة من هذه القصص المروعة التي كان الأطباء فيها هم الضحية, وكانوا هم الطرف الخاسر, وهم الطرف المضطهد في معظم الحالات التي سنأتي على ذكرها هنا باختصار.
هذا طبيب أجرى عملية جراحية لتثبيت كسر الأنف, نجحت العملية وخرج المريض من المستشفى, لكنه فارق الحياة بعد بضعة أسابيع بسبب تخثر الدم في ظروف لا علاقة لها بالعملية, فيتلقى الطبيب اتصالا هاتفيا من ذوي المتوفى, يتهمونه بالتسبب بقتل ابنهم, ويطالبونه بالرضوخ للسياقات العشائرية الجائرة, ويجبرونه بدفع مبلغ (الدية) المتفق عليها في جرائم القتل الخطأ, والتي لا تقل قيمتها عن خمسين مليون دينار, أو دفعها لهم بالعملة الأجنبية الصعبة, وبخلاف ذلك يكون مصيره الموت المحتوم رميا بالرصاص بإحدى أساليب الثأر الشائعة.
وفي الفلوجة طبيب آخر اضطر لدفع التعويض المالي لمريض من البدو لا يفقه شيئا في الطب, ويجهل تعقيدات الجراحة.
وفي ضواحي ديالى وصل مبلغ الفصل العشائري إلى ربع مليار دينار دفعتها أسرة الطبيب نقداّ وعداّ, وتمادى بعض أفراد القبائل في ممارسة الابتزاز ضد الأطباء, مستغلين مصائبهم بوفاة ذويهم في الاعتداء على الأطباء وتغريمهم بالقوة, وحتى لو كانت الوفاة طبيعية, في بعض الحالات التي فارق فيه المتوفى الحياة في بيته, وبين أسرته, فان قيام الطبيب بإبلاغهم بوفاته يترتب عليه التعويض بذريعة أن الطبيب لم يستطع إحياء الميت, أو لأنه لم يذرف الدموع, ويلطم على وجهه, ويشق جيبه مثلهم, ويبكي بحرقة على المتوفى, أو لأنه لم يكن متواجدا في الردهة ساعة وصول الميت إلى مركز الطوارئ. فالقاعدة السائدة تقول: (عزرائيل يحصد الأرواح والأطباء يتحملون نتيجة الحصاد). فالمتخلفون عندنا لا يؤمنون بآجالهم ومصائرهم في الحياة والممات, بسبب ضعف إدراكهم, وعدم احترامهم لأحكام الشريعة والقانون, حتى صار موت الناس مدعاة لإلقاء اللوم على الأطباء, وذريعة لمقاضاتهم عشائريا لأخطاء لم يرتكبوها, وحتى وإن كانوا ارتكبوها من دون قصد, فلا يجوز أن يكونوا فريسة سهلة في قبضة بعض العشائر المارقة. .
في ذاكرة العيادات الطبية, وغرف العمليات الجراحية حكايات ومواقف مؤلمة يطول شرحها, تحكي قصص العنف المفرط, الذي مارسه أرباب الشر ضد الأطباء وبخاصة في المناطق الريفية البعيدة عن مراكز المدن, ما أدى إلى تخوف الأطباء من التعامل مع الحالات الخطيرة, التي يتعرض لها المرضى, خوفا من قيام ذويهم بتهديدهم بالقتل بعد وفاة المريض أو المصاب, وأدى هذا الخوف إلى هجرة الأطباء, وسعيهم للبحث عن عقود عمل خارج العراق, ومنهم من فضل البقاء في منزله بعد أن قرر الاعتزال عن مزاولة مهنته الإنسانية الشريفة.
والملفت للنظر أن الوسط الطبي نفسه يتحول أحيانا إلى أذن لسماع اللغط والتشويشات, التي تطلقها الأصوات المغرضة, ففي (ذي قار) مثلا خرج علينا (أبو محمد الشطري), وهو اسم وهمي لكاتب أو كاتبة, يتحدث في المنتديات الالكترونية بألفاظ وعبارات ووقائع ملفقة تسيء لأطباء (ذي قار), ويتجنى عليهم, والحقيقة أن الاسم الوهمي عبارة عن رديف غير واقعي لاسم المخبر السري, وينبغي عدم الاعتماد عليه في اتخاذ القرارات الإدارية, سيما أن القوانين النافدة تصر على عدم التعامل مع الأشباح والشخصيات الوهمية الملفقة في المرافعات والتحقيقات والتحريات, بيد أن مديرية صحة (ذي قار) كانت سباقة لتشكيل اللجان التحقيقية في ضوء ما نشره (أبو محمد الشطري) في المنتديات المفتوحة. .
من المؤكد أن الساحة لا تخلو من العابثين من الذين دأبوا على تشويه الصورة العامة للنشاطات الإنسانية, فمثل هذه الافتراءات تحدث في كل المجالات, ولا تنحصر بالمجالات الطبية وحدها دون غيرها, فإذا أخطأ الطبيب, خطأ طبياً, أو مهنياً فلا يصح التعميم, ولا يجوز تشويه صورة هذه المهنة الشريفة, ثم أن الاعتداء على الآخرين من دون وجه حق, وتصديق كل ما يقال, تعد من الأساليب الهمجية المتخلفة في التعامل الإداري, فكم من حادثة كتبت عنها الصحف, وتناقلتها الألسن بروايات مختلفة, وساهم الوسط الطبي في تسريب بعض فصولها, من دون معرفة الحقيقة كاملة من مصادرها الأصلية, فوصلت إلى الناس محرفة, مشوهة, لا تمت إلى الواقع بصلة, وكأن القصد منها إعلان الحرب على هذه الشريحة, التي لا يمكن التخلي عنها والتفريط بها بهذه البساطة. .
نحن نعلم أن أصحاب الاختصاص يخطئون, ويرتكبون الهفوات, فالطبيب يخطأ ويقصر في عمله أحيانا, تماما مثله مثل غيره, لكنه ينبغي أن يحاسب في ضوء القوانين والقواعد الطبية على قدر خطأه, أما إذا كان الذي يحاسبه من المتسكعين على الأرصفة, أو من المراهقين والأميين, فتلك هي الكارثة الحقيقية, التي ستزلزل كيان المجتمع كله, وتقلب عاليه سافله. . .
الأطباء بشر مثلنا, لكنهم يختلفون عنا, فالأمانة التي حملوها على ظهورهم, وأفنوا من أجلها زهرة شبابهم, وضحوا في سبيلها بالكثير الكثير, تجعلهم ينفردون عنا بمهنتهم العظيمة, بيد أن هذا التفوق المهني لا يجردهم من خصائصهم البشرية, فهم يصيبون, ويخطئون, ويغضبون, ويرضون ويزعلون مثلنا تماما, ولا يعني هذا أن نسمح لمن هب ودب بالتجاوز عليهم, وانتهاك حقوقهم. .
من غرائب الأمور أن هذه الظاهرة انتشرت هذه الأيام على نطاق واسع في معظم البلدان العربية, ومن نافلة القول نذكر أن محكمة سعودية أصدرت حكماً يقضي بجلد شاباً سعودياً اعتدى بالضرب والصفع على طبيب لسؤاله زوجة الشاب عن مكان الألم. .
حدثت هذه الواقعة في السعودية, ترى ما هي الأحكام, التي صدرت ضد الذين خطفوا الأطباء, وعذبوهم ثم قتلوهم بوحشية, ورموا جثثهم في المزابل, أو ضد الذين شردوهم من منازلهم, وصادروا أموالهم, واستولوا على ممتلكاتهم ؟؟. . .
نحن مع المريض قلباً وقالباً, لكننا مع الطبيب في مزاولته لمهنته الشريفة النبيلة, ونرفض الوقوف مع الدهماء في مضايقاتهم الاستفزازية الباطلة ضد الأطباء, ونرفض غاراتهم المسلحة على العيادات والمراكز الطبية مهما كانت الأسباب والمبررات والدوافع والذرائع, ونرفض ابتزاز الأطباء, ومساومتهم, واخذ الإتاوات منهم بقوة السلاح, وينبغي أن لا نسمح للأميين والجهلة بمحاسبة الأطباء على أرواح ذويهم, الذين توفاهم الله, فهو الذي يتوفى الأنفس حين موتها, والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسلُ الأخرى إلى أجلٍ مُسمّى إنّ في ذلِكَ لآيَاتٍ لقومٍ يتفكّرونَ. . .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)