السبت، 21 يناير 2017

في التشكيل العربي المعاصر- ماضي حسن




في التشكيل العربي المعاصر
علي النجار
انعكاس الأحداث على مسيرة الفنان التشكيلي








ماضي حسن 
الفنان التشكيلي - علي النجار - المولود عام 1940، والذي تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1961، كانت هجرته من العراق عام 1997 ، كغيره من الفنانين وأصحاب الكفاءات العلمية والمواهب الإبداعية، البعض منهم سبقوه،  وآخرين تلوه لاحقا ، وللأسباب التي لا يحتاج إلى تكرار طرحها، لاسيما عند العقول التي تفهم قيم الحياة بعين ورؤى منفتحة واسعة، وبتفكير إنساني يحل معضلات الظلم والفوارق الطبقية والتعصبية والجاهلة، تلك المفاهيم حملتها الفئة الواعية التي ساهمت في تأسيس الثقافة العراقية المعاصرة، بأنواعها المختلفة، التشكيلية والمسرحية والأدبية، والتفكير الحر للسايسلوجيا الاجتماعية، وغيرها من التنوعات التي تشهد لها وقائع التاريخ والأسماء المعروفة - العلمانية - التي حركت وأسست تلك الأنشطة بعد غياب وضمور عبر قرون، وآخرها الفترة العثمانية، هذه الأسماء مدونة تاريخيا وإنتاجا، وأغلبهم أساتذة، لازال البعض منهم أحياء، برغم طغيان موجة التصدي وإلانكسار إلى فعل التخريب والجمود، والعودة إلى ماسبقها من ضمور .





في هذا المجال وبخصوص موضوعنا عن الفنان والناقد - علي النجار - كانت رحلته لذات الأسباب التي ذكرتها آنفا، برغم انتعاشها في مرحلة السبعينيات، إلا إن الإجبار القسري إلى وحدانية الأفكار المتعصبة، لاتجبر الفئة المثقفة إلى التقيد والخضوع إلى ضيق الإتجاهات التي تتعارض مع شروط نجاح حرية الفن، لقد كانت تلك المراحل الزمنية والمكانية، وأنواع أحداثها، إنعكسا جليا على مضامين أعماله التشكيلية، ولقد تحررت من قيود ومكبلات الواقعية، منذ المرحلة الأولى في دراسته في معهد الفنون الجميلة، برغم مايمتلكه من إمكانية أكاديمية في الأداء والإتقان ، والأسباب تعود إلى إنفعالية هواجس الإستجابة، إلى تجسيد مضامين الأفكار، فضلاً عن الإطلاع والتأثر بالمدارس الحديثة، ومنها التجريد التعبيري، لكن من خلال قرائتي التأملية لأعماله، أجد مرونة وتنوع، وعدم التقيد بأسلوبية محددة، وحتى التوصيف الذي فسر بسوريالية الأعمال، إلا إنها لم تتقيد بتلك الأطر المألوفة، وأود أن أشير هنا إلى أن السوريالية ذاتها، أيضا خضعت إلى مراحل مختلفة في الصيغ والتنفيذ، منذ بداياتها الأولى للفنانين - مارك شاغال – ودي كريكو - عام 1910، وما تلاها من مراحل تجسدت عند الفنان - سلفادور دالي - والتي تميل إلى المبالغة في حيثيات التجسيد الكاريكاتيري للأشياء، لتفعيل عامل الإثارة والإنتباه عند المشاهد، لذلك نجد إن أعمال الفنان - علي النجار - فيها نمط من الإنفرادية التي تتداخل فيها تعدد الطرق وانعكاس خلجات ذاته للأحداث والأفكار التي تراوده، معرفة وأحداثا.







وبالرغم من كونه من جيل الستينيات، إلا إنه لايخضع إلى تحديدات زمنية، وإن أعماله في هذه المرحلة تتسم بعلاقة الرواية بالتشكيل، ولقد كانت وسائل التعبير عنده لاتقتصر على التعبير الفني، وإنما بكتاباته التحليلية النقدية، التي تجسدت بمؤلفاته المطبوعة والمقالات المنشورة، لقد كانت أجواء النتاج الفني، قد تتواءم مع حيثيات الشعور الوجداني في مكان الغربة في  - مالمو - جنوب السويد، خلال مراحل تتعدى الربع قرن. 



- مراحل التأسيس -
لقد كانت مراحل تأسيسات الإبداع الجمالي، أو بمفهوم -الاستاطيقيا-الجمالية، تجسدت من خلال إكتسابه التأملي والتطبيقي العملي، على خامات الخشب والزجاج وبمهارة مبكرة لحياته منذ الطفولة، من خلال إنتاج - والده - المهني لنجارة الصناديق الخشبية الفلكلورية بطواويسها وزخرفتها النباتية، ولقد تجسد ذلك عمليا في مرحلة المتوسطة، ليتحول إلى مرسم أشبه بالأستوديو الخاص به، ولذلك منذ هذه المرحلة المبكرة وفي مرحلة الخمسينيات  تميز الفنان - علي النجار - بأساليب رومانتيكية وكلاسيكية، من خلال مصادر متنوعة، وبجهود شخصية خارج نطاق الإشراف التدريسي، أما في المراحل الاحقة بعد إكمال دراسته المنهجية التربوية للمعهد، بلاشك .. وبما أن الفن العراقي حاله حال الفنون العربية الأخرى، هي حديثة التأسيس، بعد إنظمار وتوقف للنمو، لأسباب معروفة، لذلك فإن مراحل التأسيس المعاصر للحركة التشكيلية في العراق، لابد أن تكون هناك تأثيرا مهما  في دفق مدارسها الأوربية الحديثة والمتنوعة، وإن رواد الحركة التشكيلية تمت دراستهم في الدول الأوربية تحديدا، لاسيما بعد ازدهارها، خلف أعقاب عصر النهضة، ولذلك، كانت تلك المدارس والأساليب الفنية من المصادر المهمة لأزدهار ونمو حركة التشكيل في العالم العربي ومنها العراق، لذلك إتسمت أعمال الفنان - علي النجار - بطابع الحداثة المرنة، ومنها التجريد التعبيري، والسوريالية بطريقته الخاصة التي تتجسد فيها شخوص - هيلامية - الأبعاد والتشخيص البصري، إذ نجد غموض في التلقي المباشر، ولكنه يستوقف المتأمل لأنسيابية المتابعة الزمنية، سواء كان ذلك في موادها المائية الشفافة، أو الزيتية، أو مواد أخرى متنوعة، منفذة على الورق، أو القماش، وفي ما يخص الألوان المائية، فإنها تتسم بالشفافية الهيرمونية الانتقال، ولكنها كثيفة الإشباع اللوني المفروش بعفوية ومهارة عالية، تتجسد فيها الأجساد والأعناق والأطراف، ولكن بصيغ تعبيرية رمزية، وبإختزال تجريدي، أما العامل الآخر الذي أصبح رافدا ملهما يثير الشجون والمشاعر التراجيدية للحماس في صيغ التعبير، هو عامل ما مر به الفنان – علي النجار - بأزمة صحية انتابته بألم ووجع، عام 1993، ولقد كان التجسيد في التعبير لتلك الحالة، هي استمرار ديمومة الحياة، بطريقة الوجود الأثري لمنطق التعبير البصري والتبصيري، والإصرار على تجاوز تلك  المحنة بالصراع المعنوي، والإبداعي، كانت موضوعاتها تتكون من أجساد ممددة على - سديات - تخضع للعلاج والعمليات بسبب أزماتها الصحية، ولقد كانت أعماله الفنية تسمو عليها طابع الخيال الميتافيزيقي مثلما أوصفها الناقد  جبرا إبراهيم جبرا، أما الفنان شاكر حسن آلسعيد فإنه يوصفها بالفنتازيا، والمفهومان يلتقيان في الوصف ذاته، إلا إنني أرى إن أعماله، هي ردود أفعال لواقع مرئي يتصل بتراجيدية الألم الفعلي للبشرية، ومالمسه شخصيا من عوائق فكرية مستقلة أمام منظومات قسرية إجتماعيا وسلطوية،  ولكن اللجوء إلى اللغة الرمزية، هي بسبب سلطات الرقيب القسرية آنذاك، وقبل المغادرة عام 1997، يبقى الفنان - علي النجار -  فنانا متميزا بمواصفاته الأخلاقية المتواضعة والأصيلة، بعيدة عن موجات الترويج الساطع لشخصيات، سادت الحركة التشكيلية في وقتها الحاظر، إلا إن المتابعات الحرة من قبلنا ستوثق وتدون أثر منتجاتهم الإبداعية المتفردة له، ولأمثاله من المتميزين لمراحل أجياله، ولقد تركوا أعمالا في متاحف العراق، منذ عقود تأسيس الحركة التشكيلية، إلا إن تلك الأعمال المهمة لأسماء رائدة ، تم ضياعها وإزالتها كليا بعد عام 2003، وبذلك كل هذه المؤشرات تؤكد على تآمر معلن، على إلغاء، ثم إيقاف التنوع الثقافي الأصيل، ومنه الأعمال التشكيلية في الرسم، والنحت، والخزف، توثيقا، وديمومة .
‏‫


ليست هناك تعليقات: