ضحايا وقصص قصيرة أخرى
[ ـ" انه لمن الغريب والمثير لأقصى درجات الأسى أن نلاحظ كيف إن سباق التسلح يدمر الحس الأخلاقي. فانا لو تسببت عمدا ً بإصابة شخص بالسرطان وجب أن اعتبر وحشا ً، غير أنني إذا ما تسببت عمدا ً بإصابة آلاف الناس بالسرطان اعتبرت وطنيا ً نبيلا ً"]
بيرتراند راسل
[ـ سيدي...، علينا أن نعرف ماذا يريد العدو...، كي نحاوره، ونتصالح معه.؟
ـ يا حمار...، نحن مازلنا غير متصالحين مع أنفسنا..، فهل باستطاعتنا أن نعرف ماذا يريد هذا العدو ، كي نعرف ماذا نريد؟!؟]
عادل كامل
[1] ضحايا
ـ جد لي حلا ً لمعضلة الإناث، فهن يضاعفن الولادات، كلما حصل نقص في عدد أفراد القطيع. إنهن لا يمتنعن عن إنتاج المزيد من الضحايا، إزاء تزايد الهجمات علينا، بل يعملن، كما تعمل البكتريا والجراثيم، كلما حاولت القضاء عليها، استحدثت دفاعات تجدد إرادتها على إنتاج المزيد من المواليد ...
وأضاف:
ـ أريد أن تجد لي حلا ً لهذا العويل والصراخ والنحيب الدائم بين الأمهات الثكالى، لا يضربن عن إنتاج الضحايا، ولا يعرفن ماذا يفعلن إزاء تزداد شراهة الأعداء في طلب المزيد...؟
ـ حتى لو فكرن بالإضراب..، والامتناع عن الحمل والولادة، فإنهن ـ سيدي ـ سيعرضن القطيع برمته إلى الانقراض، والزوال؟
ـ تقصد انه لا توجد حلول سليمة تضع حدا ً للمعضلة، وإنهن عاجزات إلا على ديمومتها؟
ـ أنت تتحدث ـ سيدي ـ عن برمجة ترجع إلى ملايين الملايين من السنين...
ـ ولكني أيضا ً أتحدث عن الأمهات اللائي ينجبن المزيد من الأبناء، أما يرسلوهم للموت في الحروب، وأما العيش تحت خط الفقر، وأما للتشرد والسكن في المنافي ...؟
ـ آ ...، فهمت قصدك...، فأنت مازلت تحلم بوجود قانون يحد من التضخم، من ناحية، ومن الفقر المدقع، من ناحية ثانية؟
ـ أحسنت! بدل أن نرى هذه المشاهد المروعة لأشلاء الموتى وكأن برنامجها مازال مستمدا ً من أصوله الضاربة بالقدم...، إن الإناث لم يعد يكترثن لخسائرهن، حتى لو ملأن الدنيا عويلا ً وصراخا ً واستغاثات، بل يصررن بعناد غريب على إرضاء أفواه المفترسات الأكثر شراسة، بطيب خاطر!
ـ سيدي ...، لو لم يحرصن على أداء هذا الواجب على أكمل وجه...، فان الحياة بأكملها ستتعرض للاندثار، والزوال.
ـ ها أنت لا تفكر إلا بالقانون الذي يحمي الجائرين، وبالقانون الذي يجعل من الإناث أنفسهن ضحايا لا عمل لديهن إلا على إدامة المجازر....؟!
ـ آ ....، اذهب وأسأل الحوت كم ألف ألف سمكة تكفيه في الوجبة الواحدة؟
ـ أسأل من؟
ـ اذهب وأسأل هؤلاء....، ولا تسأل الأمهات الشبيهات بالمصانع لا عمل لديها إلا على زيادة الإنتاج ومضاعفته، أو الطرد! فهن لا يمتلكن إلا عبوديتهن..، من جهة، وعلى إنتاج عبيد لا يمتلكون إلا عبوديتهم، من جهة ثانية.
ـ ها أنت تسد أبواب المستقبل علينا؟
ـ لا ...، إن أبواب المستقبل مشرعة أبدا ً...، فمن يفقد الأمل كمن ارتكب ما لم يرتكبه القاتل الأول...، ولا القاتل الأخير!
ـ هكذا سنمضي في مشاهدة استعراضات أسلحة الفتك، والدمار...، لا نعرف، بعد استخدامها، من سيبقى على قيد الحياة ...؟
ـ لا تكترث...، فالجنة تحت أقدام الأمهات!
ـ والجحيم؟
ـ سيدي، من يتذوق مرارات هذه الدنيا، لا يسمح إلا للقلة التي تهاب الجحيم، إن كان في عالمنا، أو في العالم الآخر!
[2] عبور
اقترب منه كثيرا ً:
ـ أنت تتألم كثيرا ً ..، ولكنك لا تعمل على معالجة ألمك، بل كأنك لا تريد أن تتخلص منه؟
لم يجب. فعاد يخاطبه:
ـ بل كأنك وجدت في ألمك فرحك الوحيد...، مثل من يتتبع موته برزانة، وهدوء؟
رفع رأسه قليلا ً:
ـ هذا غير صحيح! فانا لا اجلد نفسي، ولا أعاقبها، ولكن ماذا افعل عندما لا امتلك إلا أن أرى النكبات تحدث الواحدة بعد الأخرى، عبر الشاشات...، وأنا وحيد معزول أعيش أيامي الأخيرة...، سوى أن اكتم لوعتي وافضحها، بشهادة تبدو، كما قلت، تضاعف سقمي، وأوجاعي؟
ـ لكن النكبات تقترب منك، زاحفة، وكأنك بانتظارها، وليس هي من تسعى إليك!
ـ وماذا افعل سوى أن استقبلها، وأنا أسير جسد غدا فائضا ً، وبحواس عاطلة عن العمل، وبإرادة عمياء!
ـ كأنك لا تريد حتى أن تنجو...؟
ـ آ ...، إنا لم اختر ألمي،...، فهل ترغب أن ادع الألم يمشي وحيدا ً ولا أشاطره عبوره نحو المجهول؟
[3] ثور ليس للبيع
رأى الغراب ثورا ً ضخما ً يقف وسط المزرعة وينادي:
ـ رأسي للإيجار!
فاقترب الغراب منه وسأله:
ـ أنا اشتريه، فهل تبيعه؟
ـ آ ...، سيدي، أنا لم يعد لدي ّ رأس للبيع...، بل للإيجار!
ـ لم افهم؟
ـ سيدي هو من اشترى رأسي، ولما وجده لا يساوي شيئا ً، قرر أن يعرضه للإيجار، فانا لا يحق لي أن أبيع شيئا ً لا امتلكه!
ـ بالعكس...، كان على سيدك أن يبيع رأسك!
ـ سيدي يقول: المزرعة التي لا ثيران فيها لا حكمة فيها أبدا ً!
[4] قطيع
خاطبت الحمامة رفيقها، وهما يراقبان قطيعا ً من الخراف:
ـ مع أن عدد أفراد هذا القطيع لا يحصى...، إلا أنني لم اسمع خروفا ً واحدا ً قال كلمة تختلف عن باقي أفراد القطيع؟!
ـ اقترح عليك أن تصبح خروفا ً لتعرف الحقيقة عن قرب!
ـ لم يكن هذا ـ هو ـ قصدي، بل سألتك لماذا يذهبون إلى المسلخ وهم يهتفون بصوت واحد؟
ـ أعود وأقول لك أن تصبح خروفا ً كي تخبرني بالحقيقة!
ـ لا أريد أن اذهب إلى الموت وأنا لم اقل كلمتي بعد!
ـ إذا ً ...، ليس لديك إلا أن تتمتع بصوت القطيع الموحد...، وأنت تنتظر الموت!
[5] مرة أخيرة
ـ هل تصدق ...، أن ما تراه...، لن تراه مرة ثانية؟
ـ اجل!
ـ غريب..، انك أجبت ببرود، بلا تردد، ومن غير خوف؟
ـ لأنني مازلت لا اصدق هل حقا ً أنني رأيت كل هذا الذي لن أراه مرة ثانية، والى الأبد؟
[6] سخرية
ـ أتعرف لماذا انقرضت اللقالق، في حديقتنا؟
ـ لم يعد الأطفال يسألون أمهاتهم: من أين جئنا؟
ـ لا! ...، بل لأن الأمهات لم يعد لديهن إجابات مراوغة!
ـ آ ...، أرجوك اشرح لي قصدك؟
ـ ألا ترى أن الشرح، في هذه القضية، يفسد المعنى؟
ـ لا تراوغ!
ـ لو كنت راوغت لقلت لك: اللقالق لم تعد تحتمل أكاذيب الأمهات...، والآن لم يعد الأطفال يصدقون أكاذيب أمهاتهم...، كما أن الأمهات لم يعد لديهن أولاد يسألون أسئلة لا تثير إلا السخرية!
[7] كفن
ـ ما الذي يؤلمك...؟
فرد عليه بصوت مرح:
ـ هذه هي المعضلة...؛ أمضيت حياتي كلها أتألم من اجل قضايا لا تستدعي الألم...، والآن، وأنا استعد للمغادرة، لا أتألم من اجل قضايا تستحق ما هو اكبر من الألم!
ـ هذا هو التوازن...، أليس كذلك؟
ـ لا ...، هذا هو الذي منحني اللامبالاة السعيدة: انك توهمت انك كنت على صواب، فعندما كان عليك أن تتعلم كيف تكون صادقا ً، لم تفعل...، وعندما تحتم عليك أن تراوغ لم تفعل...، وقد فات أوان المحاسبة!
ـ ها أنا أجدك تتألم؟
ـ ربما ...، ولكنه الألم الذي يماثل عمل الكفن وهو يتستر على الجسد!
[8] عزاء
بعد غيابهم لسنوات طويلة، حتى كاد لا يتذكرهم، عادوا... فسألهم، الواحد بعد الآخر:
ـ أين ذهبت...، وماذا رأيت؟
ـ ذهبت إلى كوكب كافة سكانه يعملون..، فصرت اعمل مثلهم، وهكذا أمضيت حياتي أتنعم بالأمن والسلام.
ـ وأنت؟
ـ أنا ذهبت إلى قارة لا يعرف سكانها سوى الرقص..، فرحت ارقص حتى صرت واحدا ً منهم.
ـ وأنت؟
ـ أنا عثرت على بلاد لا يعرف سكانها إلا المرح...، والغناء، بعد انجاز الواجب، فصرت اغني في العمل، واعمل فرحا ً بما اعمل.
ـ وأنت؟
ـ أنا ذهبت إلى مدينة لا يوجد فيها أشرار...، فدربوني، حتى عشت حياة خالية من الشر ومن الشقاء.
ـ وأنت..؟
ـ أنا ذهبت إلى عالم آخر...، مختلف، حيث الجميع يعملون، كما تعمل خلية النحل، يرقصون، ويغنون، حتى كدت أنسى أن هناك خاتمة للحياة.
ـ وأنت...؟
ـ أنا رأيت ما لم أره من قبل...، فلم أر قويا ً ولا ضعيفا ً، لا غنيا ً ولا فقيرا ً، لم أر أحدا ً يحمل سلاحا ً، ولم أر مكظوما ً، لم أر أيتاما ً، ولا أرامل ولا ثكالى ولا معاقين ولا عاطلين....، لم أر سجونا ً ولا بيوت للعجزة، ولم أر بيوتا ً للدعارة، لم أر مصحات ...، حتى أني عندما أفقت أدركت أني أمضيت حياتي وأنا لا اعرف اهو حلم حياتي، أم أني أصبحت مأوى للأحلام!
ـ آ ... يا أحفادي، آن لكم أن تقتربوا مني ...، وتقيموا مناحة علي ّ...، آن لكم أن تحفروا لي قبرا ً...، فانا ليس لدي ّ ما يروى...، فقد آن لكم أن تشاركوني البكاء، للحظة، آمل أن لا تدوم...، بانتظار عودة أحفاد أحفادكم إلينا، كي لا يجدوا سوى الرماد..، وهذا الغبار، ويشاركوننا العزاء، والبكاء!
[9] حلم
قال الحمل لامه:
ـ سمعت الواعظ يقول أن الإله سيعاقب الذئاب بنار خالدة في جهنم ...
ـ الم أخبرك أن حياتنا، يا عزيزي، في هذه الحديقة، وجيزة..
ـ ها، ها، أصبحت تتحدثين مثله، كي أبقى احلم بحديقة خالية من الذئاب!
[10] دعوات
وهو محاصر من الجهات كلها، داخل مغارته، مع أفراد عشيرته، سمع فأرا ً يهمس في آذنه:
ـ لابد انك لم تدعو اله غابتنا لإنقاذنا من هذه الوحوش...؟
ـ الم اقل لك انه استجاب لندائي فأبقانا أحياء حتى هذا اليوم...، وإلا من أنقذنا من أنياب هذه القطط، ومخالبها...؟
ـ أرجوك ..، ادعوه...، أن ينقذنا مرة واحدة أخيرة...
ـ يا حمار...، وما علاقة إلهنا بنا بعد أن انزل الطاعون والجذام والفزع في قلوب أعدائنا!
ـ هذه هي المعضلة، أعدائنا يموتون فزعا ً، ونحن نموت جوعا ً..، فلا تعرف دعوة من استجاب لها اله هذه الغابة، دعوات الوحوش أم دعواتنا...، فمنحهم الصبر بانتظار هربنا، لافتراسنا، ونحن منحنا هذه الثقوب كي تخمد أنفاسنا فيها!
[11] مسرة!
ـ متى تشعر بالمسرة...؟
ـ عندما يبلغ العجز في ّ ذروته وقد فشل في أن يخمد أنفاسي، فأقول: يا لها من مناعة نادرة حتى إنها لم تسلبني لذّة الحلم بالموت!
[12] حروب
ـ رأيت البحر يغلي، كأننا في قدر، ورأيت الغيوم تسقط حجارة من نار، ورأيت السماء تطبق علينا...، ثم أفقت، فما هو تأويلك لهذا الحلم وتفسيره الصحيح؟
ـ يا أحمق...، هذه هي الحقيقة، فبعد أن نزول، ربما سنحلم بالعثور على مستنقع لم تصله ويلات الحروب!
[13] مفارقة
ـ الآن فقط عرفت لماذا ينتصر الحمقى والأشرار!
ـ لماذا...؟
ـ لأنهم لا يستمدون قوة بطشهم إلا من الأحلام المستحيلة للأكثر ذكاء ً فوق هذه الأرض!
[14] ملاذ
سأل الغراب حمامة كانت تراقب ـ معه ـ الاشتباكات:
ـ لِم َ تحصل هذه الحروب التي لن تترك سوى الدمار، والخراب؟
ـ هذه هي المهزلة...، فهؤلاء الأقوياء الذين يمتلكون المغارات، بعد الاستيلاء على الغابات، وعلى مصادر المياه ...، يواجهون هؤلاء الذين لا يمتلكون حتى حق الدفاع عن حفرهم التي تركت لهم، مع المياه الآسنة، والدغل...
فقالت الحمامة بسخرية:
ـ إنها ليست مهزلة فحسب، بل لا اسم لها...، لأن ما ترك لهم من حفر، ومستنقعات، ودغل، تركت لهم كي يواصلوا العمل من اجل هؤلاء الذين يمتلكون الغابة!
ـ وهم يعرفون؟
ـ هم لا يعرفون، في الغالب، ولكن ماذا لو عرفوا، وهم لا يمتلكون إلا أجسادهم يبحثون لها عن حفر يدفنوها فيها!
قال الغراب:
ـ أنا سأمنحهم أجنحة للطيران!
ضحكت الحمامة بأسى عميق:
ـ وهل تركوا لهم ملاذا ً للخلاص؟
[15] مفترسات
خاطب الأرنب جاره بعد بزوغ أشعة الشمس، وملأت فضاء الغابة:
ـ الآن تستطيع أن تعترف للعالم بما فعلوه بك، خلال ظلمات الليل.
ـ ألا تغلق فمك وتدعني أموت بسلام!
ـ آ...، ماذا فعل بك الخوف؟
ـ إذا كانت مفترسات الليل قد تركتنا على قيد الحياة، فمفترسات النهار لن تترك لنا حتى على اثر!
[16] حمقى
ـ هل تعتقد أن الإله قاس ٍ حد انه يرى الأطفال يذبحون ويقتلون ولا يفعل شيئا ً لهم؟
ـ يا أحمق..، انه يمتحن صبر الأمهات!
ـ آ..، لو لم أعرفك، لقلت كلاما ً آخر..
ـ وأنت ماذا تقول؟
ـ أنا اعتقد أن الأمهات هن ّ من نذرن أولادهن!
ـ من اجل أن يتسلى القتلة بسفك دمائهم البيضاء؟
ـ لا..، يا أحمق، بل تحديا ً لهم، لأنهن لن يتوقفن عن مضاعفة الإنجاب!
[17] ديمقراطية
ـ أتعرف ما هو أفضل تعريف للديمقراطية؟
ـ أن يجري الحوار بين النار والماء، من غير هزيمة احد على حساب الآخر!
ـ جيد! هذا ما قيل قبل قرون طويلة..، ماذا عن اليوم؟
ـ أن تبقى تحاور الجدار حتى تدرك انه سينطق بما هو ابعد من صمته!
ـ هذا هو بمثابة الهزيمة المكللة بالنصر؟
ـ يا حمار...، ومتى انتصر الهواء على التراب، ومتى انتصرت النار على الوحل...، ومتى انتصرت الظلمات على النور؟
ـ ولكن هل وصفك لي بالحمار هو جزء من الديمقراطية؟
ـ عندما تصغي إلى صمت الصخور ستدرك إنها لم تخرج إلا من رحم اعتى البراكين غضبا ً، وأكثرها قسوة!
[18] الكنز!
ـ أراك لم تعد تخاف حتى من الموت؟
ـ سيدي، من يتذوق مرارات هذه الحياة، يدرك...للآسف، إنها لا تساوي شيئا ً وأنت تمتلك الكنز!
ـ ولكن موتك يمنح الجائرين علوا ً آخر...؟
ـ بالاقتراب من ذروته!
ـ ألا ترى انك تتحدث بلا حول ولا قوة؟
ـ اخبرني...، لطفا ً، كم عمرت الديناصورات، كم عاشت الخراتيت، كم...، وكم سيدوم أمد الشمس، وكم سيطول عمر هذه الحديقة؟
ـ ها أنت ـ سيدي ـ تساوي بين الجلاد والضحية؟
ـ آ ...، لِم َ تحرجني، وتربكني وأنا استعد للرحيل، وأنت مازلت لا ترى المشهد إلا في مقدمته؟!
[19] إضراب
بعد أن أضربت الحمير عن النهيق، اثر أوامر صدرت باستبدال الشعير والبرسيم بعلف مستورد مصنع من المواد غير الطبيعية...، سأل المدير مساعده:
ـ ما هي أهداف هذا الإضراب؟
ـ لا غايات له، إلا عدم الاشتراك بالهتاف لمجدك؟
صمت المدير برهة، ليسأل مساعده:
ـ وهل لهذا الإضراب اثر في باقي المواشي، والبهائم، والدواب؟
أجاب المساعد حالا ً:
ـ نعم، نعم سيدي، فالنعاج هي الأخرى كفت عن الترنم باسمك، والبغال كفت عن المشاركة بالاحتفالات، والضفادع لم تعد تنق أيضا ً.
ـ البغال..، آ .. حتى البغال؟
ـ أصابتها العدوى...، سيدي.
ـ وما الحل؟
ـ سيدي، لدينا الحل الوحيد المجرب ألا وهو حرمانها من العلف..، كي تدرك إنها ستموت جوعا ً، قبل أن نرسلها إلى السباع والذئاب والنمور ...!
لكن كبير الحمير تقدم بطلب لمقابلة السيد المدير، فأذن له، فسأله المدير:
ـ تفضل..، قل ما لديك.
ـ سيدي، إن الأعلاف الجديدة..، تجعلنا نهتف بأسماء الشركات المصدرة للعلف...، ولهذا قررنا إعلان الصمت، وليس إعلان الإضراب!
ضحك المدير بقهقهة متقطعة:
ـ كنت اعرف أن ولائكم لي بلا حدود...، بل وأنا أشاطركم صمتكم أيضا ً!
[20] النملة والفيل
وقفت النملة فوق رأس الفيل، وقالت له:
ـ كم أنت عظيم، يا سيدي!
وأضافت:
ـ حتى أني كلما هتفت امجد عظمتك، أجد أني لم افعل شيئا ً..!
هز الفيل خرطومه، وقال لها:
ـ هذه هي المعضلة...، كلما سمعتك تهفين بحياتي، أدرك أني لم اقدر إخلاصك، وعظمتك أيضا ً!
ضحكت النملة:
ـ أتسخر مني؟
ـ بل اسخر من القدر الذي جعل عظمتي مقترنة بهتافك لي، أيتها النملة العزيزة!
5/1/2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق