السبت، 4 مايو 2013

(يا خشوف العله المجريه وأبنكم فزّز الدوريه )-الشاعر الشيخ ( حسن العذاري )-حامد كعيد الجبوري


                          (يا خشوف العله المجريه وأبنكم فزّز الدوريه )
الشاعر الشيخ ( حسن العذاري )
حامد كعيد الجبوري
   لم أستفد كثيرا من التجارب التي سبقتني لأني لم أأرشف كما يفعل غيري مع ما يحيط بهم من تدوين كل شاردة وواردة ، ومرة دعاني الصديق  أ د ( صباح نوري المرزوك ) أن لا أترك شيئا دون أن أسجل له ملاحظاتي الشخصية كما يفعل هو ، أو كما يسجل الشاعر صلاح اللبان والباحث كاظم السيد علي ، وحين أردت الكتابة  عن الشاعر الكبير الشيخ ( حسن العذاري ) اضطررت الرجوع لديوانه الذي أصدره قريب الشاعر الأستاذ ( محمد حمزه العذاري ) ومما سمعته وأحفظه بذاكرتي مما تحدث به الراحل الشاعر  سليم العزاوي  عن المترجم له .
       غنى الراحل الكبير ( ناظم الغزالي ) أغنيته المعروفة ( يا خشوف ) ولم يذكر حينها  مؤلف هذا النص ، ومن أجل الأمانة الثقافية نقول أن هذا النص هو للشاعر المرحوم الشيخ حسن العذاري وكما أثبت ذلك في ديوانه الذي أصدره قريبه الباحث ( محمد حمزه العذاري )  ، وحسن العذاري من ناحية ( محاويل الإمام ) وهي ناحية زراعية يخترقها من الجنوب  نهر يسمونه ( المجرية ) والنهر متفرع من شط الحلة ، لذا كتب قصيدته الشيخ حسن العذاري قائلا ( يا خشوف العله المجرية / أبنكم فزز الدورية / وأبنكم صابني ورماني / وسهام لحظه بالحشه مرميه )  ، غيّر فيها الراحل ناظم الغزالي مفردة ( المجرية ) الى ( الفختية ) وهي طائر الفاختة المعروف ، وللشيخ حسن العذاري قصيدة جميلة لا تزل الذائقة الشعبية ترددها في مناسبات الأفراح وهي ( يهواي دمشي بهونك / خافن تغث الكامه / ليما تصد بعيونك / خليت نعلة نامه / وينه اليدور وينه ويجسب ألي الراحه / ولفي تره نياشينه وجنات إله وضاحه  ) والقصيدة كما أصطلح عليها العروضيون الشعبيون  من وزن ( المثمن الهجيني ) .  
     ولد شاعرنا في مدينة الحلة عام 1889 م ، ،وتلقى الشيخ ( حسن العذاري ) من والده بعض المفاهيم التربوية والدينية ، ثم لازم الشيخ ( علي العذاري ) الصغير وأخذ عنه الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم ، ثم تتلمذ على يد مشايخ آل العذاري وأخذ عنهم الحديث وعلوم تفسير  القرآن واللغة في النجف الأشرف ، وقد بلورت النجف الأشرف المواقف الوطنية لشاعرنا الشيخ حسن العذاري فقد تصدى مع أقرانه للحكم العثماني أبان ثورة النجف الكبرى عام 1914 م ، ولأنه من الحلة الفيحاء فقد ألتحق بصفوف الثوار عام 1915 م وقاتل مع أبناء مدينته في ما يسمى ب ( دكة عاكف ) ، وللشاعر الشيخ ( حسن العذاري ) وهو بعنفوان شبابه  مواقف وأشعار لا تنسى أثناء ثورة العشرين ، ( كلنه نموت دون الوطن ودنه / ولو جدم علينه الحتم ودنه / كلمن وصل حدنه وكرب ودنه / (للمظلم خله يودونه ) ) ، والمظلم إشارة للقبر ، وله لثورة العشرين أيضا ( أحنه أوي التفك والدان ولمات / ولا نركن الحكم الجور والدان / عدنه يحتي المظيوم والمات / ( يتشرب من حد ماضينه )) ، ونلاحظ أيضا أن بناء هذا المقطع والذي قبله مبني على وزن الأبوذية ( الهزج ) ، ولكنه يختمه ببحر الخبب وهي ( الهوسة ) ، وكان مثل هذا البناء الشعري مستساغا يوم ذاك ، وسبب انتقال الشيخ العذاري الى النجف الأشرف هو وفاة والده وهو بعمر سبع سنين فأخذته أمه الى أخواله من ( آل المطيري   ) في النجف الأشرف ، وتتحدث أخت الشاعر حسن العذاري وهي الشاعرة  (الملاية صفية ) موصفة حياة أسرتها بتلك المرحلة فتقول ( وين أهل الرحم وين أهل المروه / متدرون الدهر بمرارتي أشسوه / بعدني أرضع حليب أمي وجار وياي / يتيمه أمحيره والهظم فت أحشاي / بالحلة عشت ما بين هاي وهاي / وتدرون اليتيم أشلون يتلوه ) .
تزوج الشيخ ( حسن العذاري ) وهو في سن الأربعين أو بعد الأربعين قليلا من امرأة تسكن قرية الإمام ومن عائلة ( الكوام ) لمرقد الإمام ( أبو محمد الحسن الأسمر ) ويذكر أنه غادر الى بغداد لمدة ثلاثة سنين ولم نعرف سببا لذلك ، ومن الطرف التي تناقلها أقاربه أن زوجته طلبت منه أن يجلب لها من السوق ( بامية وطماطم ) ولم تكن تعرف بذهابه الى بغداد ، وبعد ثلاثة سنين عاد لداره جالبا معه ما طلبته زوجته منه ، وفي العام 1935 م تزوج شاعرنا ثانية بزوجة أرملة من أهالي الحلة ومن عشائر ( الجبور ) وأنجب منها بنتين ، ورغم قلة ما في اليد فقد كان شاعرنا رحمه الله قنوعا صابرا أبيا ولم يتكسب بشعره طارقا أبواب الميسورين والتجار وأهل المناصب الحكومية وهو شاعر الفصحى والشعبي ويقول بهذا الباب ( ينكل بي دهري ولم يدر أنني / صبور وأهوال الزمان تهون ) ، ويقول أيضا ( وأكل كسيرة من خبز أهلي أحب ألي من أكل الرغيف ) ، لقد أطلع الشيخ ( حسن العذاري ) على الحضارات الشرقية وتعلم اللغة الفارسية من أخيه وأخته وضمن قصائده بمفردات أو بيتا كاملا من اللغة الفارسية ( هندونه سي أبيا نجر / وكت شام وكت ظهر / دكعد يبو خدود الحمر / من الغزال عيونه ) ، ولأن شاعرنا كتب الفصحى والعامية فقد أبدع بشعر ( الملمع ) ، ( يا رشئا عذب قلبي فهل / فد يوم قز القرط تنطيني / وسهمك الفتاك في مهجتي / جنك تريد أتحش مصاريني )  ، وشاعرنا طرق كل أغراض الشعر من مدح ورثاء ووجدان وهجاء واجتماعيات وأخوا نيات ومساجلات مع مجايليه من الشعراء ، وفي حفل زواج صديقه الشاعر ( صاحب عبيد الحلي ) يقول بأحد مقاطعها ( عادت ليالي الونسه / ورد الفرح عالعاده / كلبي أنطلق من حبسه / وصدرت بعفو الراده / والجنس عاد الجنسه / كلمن عرف معتاده ) ،   وله هذا الأبوذية التي يقفلها ب( هوسة ) مفتخرا ومعتزا بقوميته وبعروبته ( الدخيل أنجان بينه أنضام وأنساب / صحيحين الحسب بالكتب وأنساب / كلمن عال بينه أنشتم وأنساب / ( مكسور أنرده الديوانه ) )  ، وكتب شاعرنا ( حسن العذاري ) الكثير من مراثي ومدائح آل البيت الأطهار عليهم السلام رددتها حناجر المنشدون لآل البيت ( ع ) ، ومن جميل ( أبوذياته ) وهو يذكر خصال النساء و يقول ( أشو طارش موده مايه منجن / واليعرف مكرجن مايه منجن / أنتن ريع كلبي مايه منجن / لو ساعه تجن ما هيه سويه ) ، وله من بديع ( موالاته ) قائلا ( سهمك رماني ومضه وبحشاش جبدي مرك / وحنت لحالي الكفر لاجن دليلك مرك / كل اللمحني بجه وأشتمر عني ومرك / ياليت كل المركني لاوجه أبيته / وأعمه يظل لايمي بيدي وجبيته / أني لوني أيحصل عندي وجبيته / آنه أعله زيجي ولك لو زاد عندي مرك ) ، وأخيرا توقف قلب هذا الشاعر الكبير الشيخ حسن العذاري عام 1952 م في مدينة الحلة ودفن في النجف الأشرف .       

ليست هناك تعليقات: