الأحد، 10 مايو 2015

ابعد من القًسم.. !-عادل كامل



ابعد من القًسم.. !


عادل كامل
هناك حوار قصير جرى ـ أمامي ـ بين قاض ٍ ومشتكى عليه. وقد طلب القاضي من المتهم أن ينفي الاتهام بالقسم! لكن الأخير رفض! وقال للقاضي: إن لم تصدق .. فان القسم ـ بحد ذات ـ إدانة!!
لا اعرف لماذا ذكرني هذا المشهد بأحاديث كثيرة وصاخبة تجري بين الناس، أساسها، بالدرجة الأولى: الشك ـ لكن ليس بالمعنى الذي ذهب إليه الغزالي أو الفيلسوف الفرنسي ديكارت ـ  وإنما بمعنى عدم الثقة!
ففي الأدب أو الفن ـ على سبيل المثال ـ تثار أسئلة حول أهمية المنجزات [ المعرفية ] ـ خاصة أن التقييم والنقد يأتي متأخرا ً إن لم يغب نهائيا ً! ـ ومدى صدقها بما يتضمنه الإبداع من إشكاليات مزدوجة بين المبدع وبين من يتولى منحه الشرعية من جهة.. والعمل بما يتضمنه معالجات غير مناسبة او مغامرة أو مخالفة، من جهة أخرى.
هنا تتشكل صعوبات القناعات وما هو ابعد من الرضا والاستحواذ والهيمنة. فالإبداع  عمل ـ كما في أكثر الآثار حيوية  ورمزية كالدمى الطينية وتماثيل عشتار وجذور الكتابة العراقية ـ لا يتوقف عند قواعد ثابتة أو نهايات لا تقبل الدحض.. وإلا لغدا الوجود بصفته مجموعة آلات ـ لا  غاية له سوى إنتاج زواله: عبر الاستهلاك! مع أن الواقع غير [ الشعري ـ الروحي ـ الجمالي ] ينسحب على المشهد عامة، وهو الذي شكل سمة ما من سمات الحضارات المتعاقبة.
لكن العمل على دحض [الأشياء] أو الروحي المقيد داخلها، لم يحصل بمحض المغامرة أو المصادفة.. فثمة ما بعد المعرفة ذاتها: ما بعد إنتاج الموت!! الذي أعطى دينامية سمحت باختراع المجهول  بالدرجة الأولى! ـ: هذا الإبداع الاستثنائي، يماثل، لغز تكّون بذور  الخلق البكر: إن مادة البذرة، متوفرة، بيد أنها ليست محض معادلات قابلة للإدراك. لكن هل هذا هو [ ما وراء الطبيعة ـ الميتافيزيقا ] أو هو علم الروح..؟ أو ـ: الذهاب وراء عصور الاغتراب والتصادم..؟ لا   تتحد الإجابات بقرارات المنتج ـ التكنوقراطي المعاصر أو القديم ـ ولا بالربح ومكونات لغز الملكية [ السلعة ] بل على العكس: انه قدرة التحرر منها، ومن نظام راسخ وعنيد يجعل إنتاج [الاستهلاك] عقبة قابلة للدحض.  هذا العمل ليس بحاجة إلى شهادة ! أو نفي.. وليس حاجة إلى قاض ٍ [ ناقد ـ أو مؤرخ ] أو شهود: انه ظاهرة تمتلك ديمومتها عبر أكثر المناطق قسوة، وعزلة: لأنها لا تحدث إلا في مساحة بلا حافات! بالرغم من كل قيود شروط حضورها في عالم غير قابل إلا للذهاب بعيدا ً في المجهول!!


الفنان السوداني عمانوئيل جال: رمز لمستقبل السودان-بقلم ماكس أنّاس ترجمة علي مصباح


الفنان السوداني عمانوئيل جال:
رمز لمستقبل السودان


بقلم ماكس أنّاس
ترجمة علي مصباح




لقد تغلب عمانوئيل جال موسيقيا على الصراعات في بلده السودان.



"وقف إطلاق النار" عنوان آخر أسطوانة للفنان السوداني الشاب عمانوئيل جال بالاشتراك مع الموسيقي عبد القادر سالم، نجم موسيقى الرقص والمقاهي في شمال السودان. ماكس أناس يعرفنا بالفنان الشاب الذي قضى طفولته كجندي قي جيش تحرير السودان.

أشهر قليلة فقط مرت على صدور قرص CD بعنوان "Rough Guide to the Music of Sudan"-"دليل عام للموسيقي السودانية". وكما هو معتاد مما تتميز به إنجازات مؤسسة Londoner Labels Musik Network من دقة وإتقان، يسعى هذا القرص أيضا إلى تقديم صورة وافية عن بلاد بأكملها من خلال الموسيقى.

وهو أمر على غاية من الصعوبة بالنسبة للسودان: والأمر لا يتعلق هنا بالتناقض القائم بين التقليدي والحديث فحسب، بل وكذلك بالتناقض الذي يقابل بين الشمال والجنوب، والإسلام والمسيحية، وذلك على طول خط الحدود التي أقامتها الحرب الأهلية في الفترة السابقة.

بعد الاطلاع على محتوى هذا القرص تكون هناك رغبة ملحة في الاستماع إلى المزيد من الموسيقى لواحد من الفنانين الذين يحتويهم. مقطوعة "غوا" للفنان عمانوئيل جال هي بمثابة وعد باسطوانة قادمة.

في البداية يجد المستمع نفسه منشدّا إلى صوت كورس نسائي، ثم يُسمع صوت رجالي في نغمة ناعمة قبل أن يشرع جال في آداء مقاطعه المقفّاة ذات المنحى السردي الطفيف.

مقتصد جدا في استعمال الآلات مع قليل من الإيقاع وبعض المُواءات الآلية الطفيفة ليجد المستمع نفسه في الآخر يباغت بانتهاء المقطوعة على نغمات الأصوات النسوية، وفي داخله رغبة وحيدة: مزيدا من ذلك!

طفولة في الخدمة العسكرية

"غوا" مقطوعة حول السلام : صيحة من أجل السلام، يوضح عمانوئيل جال، شاب في منتصف العشرينات من العمر: "إنها تعني أن الناس يريدون العودة إلى بلادهم، ولم تعد لهم رغبة في أن تظل حياتهم وقفا على المساعدات الأجنبية."

جال أصيل جنوب السودان. لأكثر من عشرين سنة تضطرم نيران حرب أهلية في البلاد؛ حرب انفصالية بين الجنوب ذي الأغلبية المسيحية والشمال المسلم الذي توجد به العاصمة المركزية بالخرطوم.

وقد أرغم جال في طفولته على الالتحاق بفيالق الجنود الأطفال التابعة لجيش تحرير السودان للمشاركة في الحرب.

بعد "غوا" تأتي الآن اسطوانة بكاملها بعنوان ‚Ceasefire’ –"وقف إطلاق النار". لكنها جاءت مختلفة تماما عما كان يمكن أن يمثل متابعة منطقية للمقطوعة الأولى ذات النجاح الكبير. ‚Ceasefire’ عمل مشترك بين عمانوئيل جال والموسيقي الكبير عبد القادر سالم، نجم موسيقى الرقص والمقاهي في شمال السودان، الفنان الذي تنقل كثيرا بين البلدان وقدم عروضا في أشهر القاعات العالمية.

 هذه الإسطوانة تمثل أكثر من قرص موسيقي عادي، بل هي إلماحة سياسية: "أردنا أن نثبت أن عملا مشتركا بين مسيحي ومسلم أمر ممكن، و’Ceasefire’ هي رمز لرؤية؛ رمز لمستقبل السودان."

لجال في هذه الاسطوانة نصيب الأسد، وله مقطوعات أكثر مما لعبد القادر سالم، كما أن حضوره في أغاني سالم أكثر من حضور هذا الأخير في مقطوعاته هو. يستعمل مغني الراب جال المساحة التي تمنحها الموسيقى العربية لسالم كخلفية ينضد فوقها بصفة انتقائية مقتصدة كلمات نصه الذي يتلاءم في الأصل مع موسيقى "البيتس".

وبالمقابل لا تتعدى مداخلات سالم في مقطوعات جال بعض النغمات التصالحية من تخته الجازيّ(Combo) بواسطة الساكسوفون في أغلب الأحيان أو العود. وبالرغم من النوايا السياسية التي تمثل خلفية هذه الاسطوانة فإن هذا العمل المشترك، وذلك هو ما يثير الدهشة، قد نجح في أن يسفر عن اسطوانة ذات مستوى جيد.

في الموسيقى تكمن قوة خاصة

إن الحديث مع عمانوئيل جال يعني دوما التحول بسرعة إلى مجال السياسة: "الموسيقى تتوجه إلى الروح. إن لديها سلطة قوية. فهي تجعل الناس يصارعون، وهي تجعل الناس يتحابّون، وهي التي تحدث التواصل بين الناس."- " الموسيقى قادرة على إتيان أشياء لا تقدر عليها بقية وسائل الإعلام. فكل ما لا يستطيع أن يعبر عن نفسه على أعمدة الصحف، وكل ما لا ينبغي له أن يقال في الراديو، تستطيع الموسيقى أن توصله."- "إن الموسيقى قادرة على تقريب الناس."

إن من سيرى في الجملة الأخيرة مجرد كلام سطحي لا يستطيع أن يدرك ما الذي يمكن أن تعنيه هذه الكلمات في بلاد مدمّرة بالتناحر مثل السودان. يراهن جال على أن الوحدة السياسية بإمكانها أن تتوصل إلى التغلب على الانقسامات العرقية والدينية – تماما مثل ما تقدمه ‚Ceasefire’ كنموذج:

"إنه تحد موجه إلى الحكومة التي عليها أن تبرهن الآن على أنها تريد فعلا القيام بشيء ما لصالح البشر." أما عن موت الزعيم السابق للمتمردين الانفصاليين جون قرنق الذي لقي حتفه أواخر شهر يولية/تموز الماضي في حادث طائرة ، فإن جال يرى في ذلك فرصة يمكن أن تكون إيجابية:

"إن ذلك قد جعل الجنوب يلتف على وحدته من جديد. والزعيم الذي تبِعه يتمتع بشرعية ديمقراطية أفضل."

أصدر جال في كينيا اسطوانة مغايرة تماما، عنوانها "غوا" مثل مقطوعته المنفردة. وقد أثار حركية داخل السوق المحلية المزدهرة للراب. "أردت في الواقع فقط أن أرى إن كان الناس سيحبون موسيقاي... ولم يكن لي أن أتصور أنه سيكون لي مثل هذا النجاح الكبير."

لكن لا بد من تضافر عوامل عدة كيما يحصل نجاح ما. فقصة الطفولة العسكرية لوحدها لا يمكنها أن تصنع نجما فنيا شعبيا لا في إفريقيا ولا في أوروبا.

لكن إذا ما انضافت إلى القصة أغنية مثل "غوا"، ورافق ذلك مشروع موسيقي سياسي مثير للجدل مثل ‚Ceasefire’ فإن الأشياء ستأخذ عندها منحى أكثر ديناميكية. إما عما إذا كان السودان سيتخذ له من مثال جال وعبد القادر نموذجا فذلك ما يظل مسألة مفتوحة للمستقبل.



السبت، 9 مايو 2015

القاعدة..أم...الاستثناء .. !-عادل كامل


 القاعدة..أم...الاستثناء .. !
عادل كامل


·   في الصحافة، كما في المنتديات الثقافية، أو في المقاهي الأدبية، يحدث أحيانا ً أن تتيح بعض الحالات، لعدد من [الأشخاص] مسؤوليات الإشراف، أو التنسيق، أو التوجيه في مجالات تسهم بتحديد صلاحيات لها صلة بجانب من جوانب الثقافة .. وتحدث، كما قلت [أحيانا] أن تنقلب المعادلات...كأن يصبح النادل المتحدث الأول! أو العكس..! وقد يكلف المحرر، أو من لا علاقة له بالتحرير، والكتابة، المسؤول الأول...
·   ولا ضرورة لذكر الأمثلة، في بلدان تنتمي إلى ما يسمى بالعالم [الثالث]: فهي ترسم مشهدا لإيذاء الثقافة وليس إلى العكس.. ولا ضرورة أيضا ً لذكر الأسماء ـ: لان الثقافة، كما تعلمنا، هي ثمرة روافد لا تحصى، وعملية البناء الثقافي تبقى متصلة بالواقع الاجتماعي والنفسي والمعرفي في مجموع تحولاته ومصائره.. وليس محض ازدهار لعدد من الآراء والمواقف الشخصية أو الانحيازات أو الأمزجة...الخ
·   وتتيح لطلاب المعرفة، وكل متابع دقيق، وهو يفكك التاريخ الثقافي للقرن الماضي، في حدود واقعنا، تمييز أي الأدوار لا يمكن إغفالها، في المجالين: الايجابي أو السلبي..مادامت الثقافة هي مرآة المجتمع وسجله الزاخر بالعلامات والرموز والتشفيرات... فالمؤسسة الثقافية تتطلب وعيا ً يوازي أهدافها ..لأنها ستمثل الصيرورة الكلية لمجموع التفاعلات والإبداعات والاختلافات والمتضادات، بعيدا عن الأحادية...
·   ألا توضح مكتبة [أشور بانيبال] بكنوزها الفريدة أنها لم تكن أقدم مكتبة متكاملة في العالم، بل من أكثر المكتبات دقة في عمل المؤسسة وأهدافها الحضارية. فقد حفظت لنا المسار الدقيق للمنجز السومري والاكدي والبابلي والكلداني ..الخ عبر الملاحم والفنون وعلوم الكيمياء والرياضيات والفلك.. إلى جانب  الرقم الموثقة للحياة اليومية في أندر تفاصيلها ...
·   فهل استطعنا، عبر القرن الماضي، أن ننجز ما تم انجازه قبل أكثر من [27] قرناً ؟  من العمل المنظم ومن الخبرة ومن الحرص.. فقد تأسست بتضافر أفضل العناصر وأكثرها كفاءة وإخلاصا في النظر إلى الثقافة بصفتها جزءا من حضارة، شاملة، تكاملت فيها عناصر الإبداع .. ومن القيم النبيلة، إن كانت أخلاقية أو جمالية أو تقنية، في هذا الحقل الذي يستحق أن يكون إضاءة لجهود تحرص أن لا تزول بزوال المتغيرات، وان تبقى شديدة الصلة بالأبعاد الاجتماعية والثقافية والحضارية...؟


المستشرق الألماني كارل هاينريش بيكَر والاستشراق الألماني:-بقلم هرمانّ هورستكوتّه ترجمة رائد الباش



المستشرق الألماني كارل هاينريش بيكَر والاستشراق الألماني:
وداعا أيها الشرق!

بقلم هرمانّ هورستكوتّه
ترجمة رائد الباش






الحضارة الإسلامية نسيج من العلاقات ما بين الدين والسياسة والاقتصاد، حسب مفهوم المستشرف بيكر.




يتناول البادث ألكسندر هريدي في كتابه الصادر حديثا كارل هاينريش بيكَر، إحدى الشخصيات الأساسية في الاستشراق الألماني ويظهر دوره في ترسيخ أفكار نمطية عن الشرق. تقرير هرمان هورستكوته.

لقد درج في العالم الغربي منذ عهد طويل سؤال مفاده: "هل يتوافق الإسلام مع ... كذا وكذا"؟ وشرط التوافق هو: حقوق الإنسان والديموقراطية والقوانين الدولية إلخ. وألكسندر هريدي، الخبير الشاب يعتبر صورة للإسلام كهذه "شاملة ومشكوك فيها بسبب تعميمها" بناءً فكريًا محضا، يحاول "تفكيكه".

إن كارل هاينريش بيكَر هو النموذج الأَفضل لهذا الغرض. فمن جهة كان البروفيسور بيكَر يحب الحديث عن "حضارة" إسلامية كنسيج من العلاقات ما بين الدين والسياسة والاقتصاد، نسيج موحّد عابر للقارات؛ وبذلك استطاع بيكَر أَنْ يجعل نسيج العلاقات هذا منذ عام 1910 في أَلمانيا حقلاً علميًا مستقلاً له أَساتذته الجامعيون الخاصون في بعض الجامعات.

ولكن من جهة أخرى كان بيكَر يُدرِّس أيضًا: أَنّ "دولة الخلافة المركزية شكّلت الاطار لهذه الحضارة المتكاملة"، ولكن دولة الخلافة المركزية غير موجودة الآن، وذلك منذ سبعمائة عام. وعلى حد وصف بيكَر فإن "عالمية الإسلام" باتت من ذلك الحين ليس إلاّ "نظرية سياسية" غريبة عن الواقع.

كأنما يعلق على يوطوبيا الأَمة الذي ترددها شبكة القاعدة الارهابية وعلى "الصورة المعادية للإسلام" في الغرب على حد سواء. وفي المقابل كان بيكر قبل حوالي مائة عام متأكدا من أن "الحياة اليومية يشكل الفرق الكبير بين مختلف الشعوب“.

الإسلام كحليف

1908 حصل بيكَر على منصب أستاذ جامعي وكان عمره لم يتجاوز الثلاثين عامًا وذلك لدى المعهد الاستعماري في مدينة هامبورغ. وكان يرى (تمامًا حسب مجرى التفكير العادي للإمبريالية الأوروبية) المبرّر الأخلاقي للاستعمار في "تمدين" الشعوب المستعْمَرة.


برّأ إدوارد سعيد "الدراسات الاستشراقية الأَلمانية"من الاستدلالات الامبريالية – رأي خاطئ، كما يبين ألكسندر هريدي في كتابه. وبحسب رأي بيكَر فإنّ الإسلام على كل حال ليس خصمًا، مثلما يعتقد الكثيرون، إنما حليف. فالإسلام يخلق - مثلما يرى بيكَر - في أفريقيا خاصة و"بأسلوب أَوسع بكثير جدًا مما يمكن للبعثات التبشيرية المسيحية تحقيقه، روحًا للآداب ولحسن السلوك، وما يُستند عليه وجدانيًا، وبهذا فهو يؤسس لما قبل حضارة راقية".

بيد أَنّ المشكلة الكبرى تكمن في "تحديث الإسلام". كما أَنّ "مستقبل الإسلام" يقوم فقط "في ملاءمته مع الحياة الفكرية الأوروبية"، وبتعبير معاصر إذن في إسلام-أوروبي (عالمي). والشيء الحاسم لذلك هو - برأي بيكَر: كون الدين أمرًا خاصًا في عالم علماني، عالم وضعي بدأ في أوروبا مع عصر النهضة (أي فيما تغلب تسميته في يومنا هذا بعصر التنوير).

إذا ما نظر المرء لدى بيكَر، فمن الممكن أَنْ يوفّر على نفسه كمًا كبيرًا من الكتب الاختصاصية والتوجيهية الاجتماعية والسياسية والمعنية بتاريخ الفكر.

جذور فكرية مشتركة

يقول بيكَر، الذي يعتبر بمثابة أبو الدراسات الإسلامية في أَلمانيا، إنّ دين محمد لا يقف عقبة في طريق التقدّم الحضاري؛ إذ أَنّ الجذور الفكرية للدين الإسلامي هي نفس التي لأوروبا المعاصرة والممتدة إلى العصور القديمة - إلى الفكر الهيليني واليهودي والمسيحي القديم. بيد أَنّ الركود هو علامة مميّزة للشرق، الذي يمدّه بيكَر تبعًا لشروط ما حتى اليابان.

يعلّق هريدي على ذلك منتقدًا، أَنّ كارل هاينريش بيكَر، يفترض مصطلح الشرق "افتراضًا مُستدل عليه من المُفترض“ ويستخدمه باعتباره آخر سبب بديهي بذاته للتراجع في التطوّر بالمقارنة مع أوروبا. كما يعتبر بيكَر أن كل أَشكال هذا المصطلح سلبية:

فمن الناحية السياسية نجد الشرق مطبوعًا بطابع التعسّف والاستبداد/الحكم المطلق؛ ومن الناحية الاجتماعية فهو مطبوع بطابع الإيمان اليومي بالقضاء والقدر - هذا الإيمان الذي يمكن أَنْ يتحوّل إلى إيمان ديني؛ أما من الناحية السياسية فإنّ المجتمعات المعنية في الشرق هي مجتمعات غير منتجة.

المصطلحان شرق/غرب غير صالحين للاستعمال!

وعليه فإنّ "الشرق" كما يبدو هو الرمز الذي كان يستخدم في تلك الفترة لما يطلق عليه في يومنا هذا اسم "الدول النامية" على خلاف الغرب. بيد أَنّ بيكَر لم يكن على الاطلاق فاقدًا للأَمل: "إنّ نظام التعليم الشرقي ليس مسألة دينية خالصة. فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنهضة الاقتصادية في بلد شرقي ما، من خلال فتح المجال للطاقات المختلفة".

من المدهش، كيف تحدد منذ مائة عام على الأَقل الآراء الحاسمة في الغرب عن العالم غير المطبوع بطابع أوروبي من خلال وجهات النظر عينها. يطالب هريدي باستبعاد "المصطلحين المتقابلين غير المتوازيين“ (شرق/غرب) من هذا الخطاب.

لقد نادى إدوارد سعيد بذلك قبل ثلاثين عامًا تقريبًا في كتابه "الاستشراق - صورة الغرب عن الشرق"، إلاّ أنه برّأ "الدراسات الاستشراقية الأَلمانية" بشكل صريح من الاستدلالات الامبريالية – رأي خاطئ، كما يبين ألكسندر هريدي في كتابه.

ــــــــــــــ

* هرمانّ هورستكوتّه، أستاذ في الجامعة التقنية في آخن وصحفي مختص بشؤون التعليم.

أَلكسندر هريدي: نموذج "الحضارة الإسلامية" - أو تأسيس علوم الدراسات الإسلامية الأَلمانية من خلال كارل هاينريش بيكَر (١٨٧٨ - ١٩٣٣)؛ صدر هذا الكتاب عن دار نشر إرغون، ضمن سلسلة: أَخبار عن تاريخ المجتمع والحضارة في العالم الإسلامي، المجلد الـ١٩، ڤورتسبوغ ٢٠٠٥.

ألكسندر هريدى (١٩٦٧) تخصص فى الدراسات الإسلامية والحقوق والعلوم الاجتماعية. وفى الفترة بين ١٩٩٧ وحتى ١٩٩٩ عين مديراً لمكتب الجمعية الأهلية الهولندية "للحوار العربى الأوروبى بين المواطنين" فى الرباط. كما شغل منصب مدير مكتب تمثيل الهيئة الألمانية للتبادل العلمى بالقاهرة من ١٩٩٩ وحتى ٢٠٠٥، ويعمل حاليا في مقر الهيئة في بون. واشترك أخيرا في إعداد الكتاب "الرقص على الحبل الغربي الشرقي"

نص-سالمة صالح : المانيا


نص


رؤية



سالمة صالح : المانيا



أنظر إلى هذه الصفحة
أنظر إليها جيدا
سترى صورة ما،
بيتا،
حجرا،
بابا مغلقة،
نافذة مفتوحة،
كسرة من زجاج نافذة حطمها انفجار
شظية من خشب
شجرة تعرت من أوراقها
سحابة تدفعها الريح
بيتا هدمته القنابل
شبحا يبحث بين الأنقاض عن شيء ما
ربما عن رقية تبقيه على قيد الحياة
أنظر إليه
إنه ينحني
يزيح شيئا ما جانبا
يلتقط شيئا
يقربه من وجهه
يلقي به ثانية
ليس هذا ما كان يبحث عنه
أنظر جيدا
ألم تر شيئا
رجلا يبتعد
طيرا يحط على غصن عار
نجمة تومض
شهابا يهوي
ألم تر شيئا
إن كنت لم تر شيئا
فقد رأيت ألليل بلا شك....
--------------


طفلة الماء-عبدالرزاق الربيعي

طفلة الماء

عبدالرزاق الربيعي

دلل الطير الذي يمسك بيديك
دلّله
 كما دللك جدك جلجامش
بعد ان يبست عشبة الموت
وخلعت الافعى ثوب شيخوختها

دلل النور
الذي يهطل
من غيمة النور
وانقر الدهشة في عين الليل

دلل الوردة
التي تلمع في قلب الحجر
ولا تضع عروتها في جيبك
لئلا يذبل السياج

دلل  النجمة التي هبطت على راحة قلبك
كي لا ينكمش الافق
ويتيه ابن السبيل

دلل الملائكة
كي يحف بك المطلق
وحين يتداعى ضوء عصاك
ينحني
ليقبل مجذافك القابض على قبضة الشمس

دلل الزهرة التي تسير جوارك
او تضطجع على خريف صدرك
حين تهتز ارجوحة الافق بعينيها
الناعمتين
مثل هواء صلاة الفجر

دلل ضوء الشمعة
وهو يفتح الطريق
للريح كي تمر
ويمر المطر
بخفة خبر موت عاجل

دلل النسمة
التي صلت على ذراع  شجرة المحيطات
النابتة عند خطوط الطول والعرض

دلل الفجر
الذي رأى طفلة الماء المبللة بالظل
تتسرب
من ثقب الطوفان
لتنام على كتف جلجامش




 


قصة قصيرة المصيدة -عادل كامل

قصة قصيرة

المصيدة



عادل كامل
     شاهد ـ عبر شاشة الحديقة ـ أسدا ً يفترس ثورا ً بريا ً، ففكر أن يعترض، لدي مدير الجناح، بضرورة منع عرض الأفلام المحرضة على الكراهية، والعنف، لكنه استدرك، أن مسؤول الجناح سيخبر الإدارة، بخلاف ذلك، وبضرورة عرضها مادامت تعمل على إدانة العهد البائد. ومادامت هذه الأفلام تأجج الغضب، والتوتر، وتعمل على إشاعة الفوضى، والتمرد.
   ولا يتذكر الثور كيف انتهى الفلم، فقد عرضوا فلما ً يوضح دفاعات القرود ضد الغزاة، فقال لنفسه، ما شأني. بانتظار مشاهدة فلم يروي حكاية حمامة أضربت عن الطعام، بعد أن فقدت شريكها.
    نهض، ومازالت مشاهد الافتراس تستفزه درجة انه وجد نفسه وسط قطيع النعاج، بدل أن يذهب إلى زريبة الأبقار، أو حتى إلى حظيرة الخيول والحمير، قال الكبش الذي استقبله بحفاوة:
ـ زيارة سعيدة..، أيها الأب ..
   انتبه لنفسه: ما الذي افعله هنا ...؟ وبدأ بالتراجع. صاح الكبش:
ـ إلى أين...، فلم نصدق حضورك...، كي تغادر...؟
ـ سأعود.
     ليعود ويجلس فوق العشب، يتأمل مشاهد جديدة. كانت المعركة تجري بالسلاح الأبيض، داخل الخنادق، والسماء تمطر، محدقا ً في بساطيل الجنود، تغطس في الوحل، ثم تتداخل الأجساد، بعضها بالبعض الآخر، فقال: ما شأني!
   لم تكن المشاهد ملونة، دار بخلده، فهي قديمة. لأنه لمح البساطيل بلون غامق، والغيوم، هي الأخرى لا تختلف إلا بالدرجة عن باقي الأشكال، والصور..
     أرسل نظره إلى الأجنحة، عامة، وتخيل أقسام الحديقة، وزرائبها، بركها، وباقي أقسامها، ولم يسترع انتباهه الحدود العازلة بين الأنواع، والفصائل، بل ولم يأبه لوجود القضبان، والمشبكات، والحواجز....، إنما شعر انه لا يقوى على الحركة، وان خدرا ً ما بدأ يتسلل إلى جسده، فيمنعه من التراجع، أو التقدم.
      رفع رأسه قليلا ً ولمح الأسد، في الشاشة، يقوم بحركات استعراضية، ويخاطب الثور. أصغى. كان الصوت خفيضا ً، مما اضطره للاقتراب، فسمع الأسد يقول للثور:
ـ دعنا نتصالح!
فقال الثور:
ـ ومن يشهد على هذه المصالحة...، بعد أن أصبحت وحيدا ً بين مخالبك وأنيابك...، ولا احد معي من أفراد القطيع...؟
ـ أنا اشهد! ألا تثق بوعدي...؟
     لم يجب. فقال الأسد:
ـ لن افترسك...، وسأدعك ترحل...، هل اتفقنا...؟
ـ غريب...، أنا لا اصدق!
    همس الأسد في اذن الثور: أصغ إلي ّ جيدا ً....، لقد رأيت كابوسا ً مروعا ً قبل ان ...، امسك بك...!
ـ هل كان ملونا ً؟
ـ بل ولم أر فيه إلا عاصفة هوجاء، خالية من الأصوات، اقتلعت الغابة، ودمرتها، ومحتنا من الوجود...، ثم رأيتكم تزحفون علينا من الجهات كلها....، والبعض منكم كان يهبط من السماء بأجنحة بيضاء مع المطر ...؟
ـ نحن لا نفعل ذلك، سيدي.
ـ في الكابوس...
   وسأل الأسد الثور:
ـ ولأنك كنت ضحيت بحياتك من اجل سلامة أبناء عشيرتك...، ولم تهرب...، فمن يضمن إن القطيع لن يشن هجوما ً مدمرا ً ضدنا ....، ثأرا ً لك ...، وحماية لأبنائكم وأحفادكم من الأذى والانقراض....؟
ـ آ ...، فهمت.
ـ جيد.
     دوى انفجار هز ارض الحديقة بأسرها. فانقطع التيار الكهربائي، فقال الثور لنفسه، حقا ً إنها قصة غريبة...، مصالحة تجري في العراء...، بين أسد طليق، وثور أسير...، للأسف...
   لكزه الكبش من الخلف، ففز الثور مذعورا ً:
ـ لم ترجع إلى زريبتك؟
 أجاب الثور:
ـ انتظر إصلاح التيار الكهربائي ... لأرى نهاية المصالحة!
ـ أية مصالحة؟
ـ آ ....، أرجوك، عد إلى نعاجك وتمتع بليلة خالية من الضوضاء...،  فانا أفكر بإجراء مصالحة ...
ـ مع من....؟
ـ مع هذا الأسد القابع خلف القضبان...؟
ـ آ .....، حسبت انك ستتصالح مع نفسك أولا ً...؟
ـ يبدو انك تتمتع بروح الدعابة، أم أصبحت شفافا ً...؟
    لم يدعه يكمل:
ـ  لقد سمعت احد الخطباء يهاجم الأشرار من البشر هجوما ً لاذعا ً حتى وصفهم بالنعاج!
ـ جيد...، ولم يصفهم بالثيران؟
ـ لا...، يا سيدي، فانا نفسي طالما حلمت ان أمي ولدتني مثلك...، كي ادخل أسفار التاريخ، وحكايات الجان، وأفلام رعاة البقر...!
ـ أقترب..
ـ ها أنا اقترب...
كم أنت مرح، فضلا ً عن اتزان عقلك!
ـ سيدي، ومن قال ان لدي ّ عقل...؟
ـ قبل قليل كنت تحتج على مقارنة الأشرار من الناس بالنعاج..
ـ آ .....، دعك من التذكر....، دعنا نتسلى!
فقال له الثور:
ـ أنا هربت من الزريبة لأنهم سيرسلونني غدا ً إلى الأبدية!
ـ يا للعيد! مبروك!
ـ يا نعجة؟
ـ سيدي، أنا ذكر....، أنا كبش...، أم لم تعد تميز بينهما، أم أصبت بعمى الإدراك؟
ـ يا أنثى....!
ـ اقسم لك أنا أصبحت جدا ً ولي حشد من الأبناء، والأحفاد...، بل وأحفادي أصبحوا أجدادا ً،  وجميع من تراهم هم من نطفتي، وينحدرون مني...!
ـ يا لسعادة قطيع النعاج!
ـ حتى أنت ...؟
ـ اسمع...، قلت لك: سأذبح! أي، غدا ً، سيكون يوما ً فاصلا ً بين وجودي وعدمه!
ـ سيدي...
ـ أصبحت  تفكر وكأنك تخيلت نفسك ثورا ً سماويا ً...؟
ـ اقترب...، اقترب.
    وهمس بصوت يخلو من الكلمات:
ـ بالفعل أنا هو هذا الذي قرأت عنه في الأساطير....
ـ آووووووه...، الآن، فهمت، فهناك معضلة إذا ً...؟
ـ لا...، لا توجد معضلة، توجد نذالة؟
ـ آسف ...، تعرف إنني عشت سنوات طويلة مع النعاج حتى لم اعد....
ـ واضح.....، لا تعتذر!
     عاد التيار الكهربائي، وعادت الشاشة تبث برامجها:
ـ دعنا نكمل نهاية الحكاية..
ضحك الكبش:
ـ هذه صور من المعركة...!
ـ آ ...، نعم، انظر...، الأقدام تزحف، تدك الأرض، الانفجاريات...، الطائرات تقصف....، الدخان ينتشر، الغيوم تتقدم...، انظر...، البساطيل تغطس في الوحل...!
همس الكبش بخوف:
ـ أغبياء!
ـ كيف عرفت...؟
ـ القصاب قال لي ذلك!
  بشرود سأله:
ـ ماذا قال لك...؟
ـ قال إن الحرب لم تبق من النعاج إلا هذا العدد الضئيل....، فلولا هذه الحرب لكنا حافظنا على قطيعنا من الإبادة...، ومن الاجتثاث...!
ـ وأنت صدقت القصاب...؟
ـ لا! لم أصدقه، لكنه قال إنهم خسروا الكثير من البشر لأسباب غبية...، فبدل أن يتصالحوا ويعمروا ويعملوا معا ً حولوا حياتهم إلى ساحة حرب طاحنة وراح احدهم يفتك بالآخر من اجل إن .....، يهزم الجميع!
     ضحك الثور وهو يشاهد عبر الشاشة: عاصفة حمراء تغطي ارض المعركة. قال الكبش هامسا ً من غير كلمات:
ـ لأن القصاب اخبرني بأنه استبدل رأسه برأس نعجة!
ـ آ...وووو...ه، ولم يستبدله برأس ثور...؟
ـ لا...، لأنه لم يبق من الثيران أحدا ً لم يرسل لإحراز النصر، إلا سيادتك!
ـ أخرس! الم اطلب منك أن ترجع إلى نعاجك ولا تقلقني...، فهذا هو آخر ليل لي أرى فيه الدنيا!
ـ لا تحزن...، سيدي، تنتظرك أزمنة سعيدة، حيث الظلمات ستكون شفافة!
ـ كيف عرفت؟
ـ إدارة الحديقة أعلنت ان كل من ولد، هنا، لن يذهب إلى الجحيم!
     لوي الثور عنقه، مبتعدا ً عن الكبش ونعاجه، مع انه مازال يستعيد صور الحرب، ويصغي إلى أصوات البساطيل تغطس في الوحل!
    ووقف يتأمل القفص الكبير، حتى خاله بلا نهاية. فقال للأسد:
ـ أنا كرموني بالطابق الأرضي! وباقي الطوابق وزعت بحسب الوزن!
    تخيلها عمارة شاهقة، فعّدل الأسد عبارته وقال:
ـ إنها ناطحة سحاب تليق بالمواليد الجدد...، والآن، أراك مكفهر كأنك خسرت الحرب ...، مع إنها انتهت منذ زمن بعيد!
ـ لا أنا لم اخسرها...، ولكني لم اكسبها.
ـ آ ...، تذكرت حكايتنا في البرية، والمصالحة ...، فقد كان عملا ً استثنائيا ً....، مع ان عشيرتك هاجمتنا وأنزلت فينا الهزيمة!
ـ عشيرتي...؟
ـ لقد تعاونت مع الصيادين الأشرار...،  وتم اجتثاثنا من الغابات، ومن البراري...
ـ ولان ما الذي تريده مني...؟
ـ كلما أريده هو العودة إلى شروط المصالحة...
ـ أنا لم اخل بها...، مع انه لم يبق لي من الحياة إلا ساعات هذا الليل...!
ـ هل سيرسلونك إلى جبهات الموت...؟
ـ تستطيع القول: لا تريث في الأمر....، فالجيوش ـ هي الأخرى ـ تزحف على بطونها!
ـ هناك النعاج، الماعز، الزرافات، الأرانب، والخنازير ...؟
ـ لا ...، جنودنا يفضلون لحم الثيران!
    حزن الأسد، وتمتم مع نفسه بصوت مسموع:
ـ كنت آمل ان تقدم لي يد المساعدة وتعمل على إرسالي إلى السيرك ....
قال الثور من غير تفكير:
ـ لن ترسل إلى الحرب، بل ستهرم هنا، داخل قفصك، وتتعفن! ولن تبول عليك الثعالب!
ـ اسكت!
ـ ماذا قلت كي اسكت...؟
ـ ذكرت سيدنا المدير...!
ـ لا تكترث ....، الإشاعات كثيرة وقد اختلطت الأوراق ولم يعد من يكترث لها...
     فقال الأسد بصوت ناعم:
ـ لدي ّ فكرة ...؛ سأنقذك فيها....، أو .... ادعهم يتريثون في إرسال لحمك إلى جبهات القتال!
     شرد ذهن الثور وراح يصغي:
ـ ان تتبرع بجلدك للأبطال البواسل....، فمادمنا جميعا ً أوفياء لحديقتنا...، فانك تستطيع ان تقدم درسا ً في القيم، والمعايير الوطنية.
ـ أتبرع بجلدي...؟
ـ ليس الآن....، بل بعد تبلغ حجما ً كبيرا ً...، حيث جلدك يصلح لصناعة اكبر عدد من البساطيل، ذات المواصفات الخاصة!  فأنت تعرف كم تشتهر حديقتنا بجلود ثيرانها الأصيلة؟
ـ فكرة جيدة! وماذا عن لحمي....، فهم اليوم يعيشون أزمة اقتصادية خانقة وندرة في العملات بعد انخفاض أسعار البترول...؟
ـ المسألة بسيطة فأنت ستتحدث عن أهمية الجلود وليس عن اللحم المتوفر...، لدى الخراف والنعاج والحمير...
ـ آ .....، يا لها من فكرة عبقرية...، لكن ماذا افعل للقصاب الذي سيأتي مع يزوغ الفجر...؟
ـ اسمع...، ما عليك إلا ان تستخدم قوتك في تحطيم باب هذا القفص اللعين...، فاخرج وأتربص به حتى إذا ما جاء فجرا ً حتى امسك به...، واعقد معه مصالحة!
ـ ضدي...؟
ـ لا ...، بل من أجلك...؟
ـ من يضمن....، فانا، يا سيدي، سأموت، ولم أر مخلوقا ً  عمل عملا ً يستحق الذكر! عدا الوشاية، والغدر، والنهب، والتزوير، والتشهير ...
ـ دعك من الظن...، فالمستقبل ليس وهما ً..
ـ كما ترغب..، سيدي.
   وجاء الكبش مسرعا ً وهو في حالة ذعر:
ـ ماذا حدث...؟
ـ القصاب ...، القصاب سيدي، القصاب يبحث عنك؟
      فقال الثور للأسد:
ـ هيا، جاء دورك...، كما وعدتني.
صاح الأسد في الثور:
ـ دعنا نهرب...
   صاح الكبش بالثور:
ـ تريث...، انه لم يأت لذبحك....، بل جاء لتساعده على الهرب!
ـ أساعده ...، وماذا افعل من اجله...؟
   قال الكبش:
ـ يمكنك ان تخفيه في رحم واحدة من البقرات السمان!
ـ وماذا لو بحثوا عنه ولم يجدوه...؟
ـ ما شأننا...، الحديقة كبيرة، وقد يكون لاذ بالفرار هربا ً من الخدمة العسكرية....؟
   قال الأسد:
ـ الفكرة جيدة..
    صاح الكبش وهو يحدق في شاشة التلفاز:
ـ يا للرعب....، انظروا ....، السماء اكفهرت ...، ولا أمل لنا بالنجاة...؟
    لاذ الجميع محتمين بقفص الأسد بعد ان عدلوا القضبان. كانت السماء تمطر حمما ً وتتساقط الحجارة حمراء متوهجة فوق الأجنحة، والبحيرات، والزرائب، والكهوف...
   وقف القصاب بباب القفص وصاح:
ـ أين انتم.....، أيها الأبطال الميامين.....؟
   مد الثور رأسه هامسا ً:
ـ لا تتهور ...، فأنت أول المتخاذلين...
ـ من ...؟
ـ أنا الثور السماوي الذي حطم رؤوس أجدادك!
ـ آ ...، أيها الثور اللعين...، آن لي ان استدعي الأرانب...؟
ـ ولماذا الأرانب...؟
ـ كي تشعر بالخجل...، وتحس بالحياء!
ـ ولكنك ستوزع لحمي....، وجلدي ستصنع منه أحذية ...، وإنا مازالت في مقتبل العمر...
ـ سأخصيك!
ـ لقد تم أخصائي ...، مع السيد الأسد...، ومع هذا الكبش الذي اختبأ في جحر الجرذان!
     انهالت الحجارة، والشظايا، وامتلأت السماء بالنار، وارتفعت أعمدة الدخان.
صاح الكبش:
ـ الحديقة تحترق!
   صرخ القصاب:
ـ أنا لا اصدق هذا .....، فالحمم مازالت تتدفق من الشاشة!
ـ بل وتأتي من وراء الأسوار ...، فلم تعد هناك شاشة، ولا حديقة!
     همس الثور في أذن الأسد:
ـ دعنا نجري مصالحة...، هيا ادعوا القصاب إلى عقد جلسة طارئة...
ـ أين هو القصاب ...، أنا لا أراه ....، لقد التهمته نيران المحرقة!
ـ آ .....، انظر....، لقد ظهرت الأشباح!
ـ دعنا نحتمي بالحفر، وبالمغارات...
ـ لا فائدة...، فالأرض تحترق، والحجارة تذوب، والتراب تحول إلى لهب...
ـ آ ...، دعونا نستنجد....، ونطلب الغفران.
    وظهر شبح القصاب يلوّح بالسكين، فسأل الثور الأسد:
ـ ماذا سنفعل...؟
   صرخ الأسد في وجه القصاب:
ـ هل تبحث عنا...؟
ـ من انتم...؟
ـ لو كنت تعرف من نحن ...، لعرفت من تكون...؟
ـ اختلطت ...، اقسم لكم اختلطت علينا الحقائق بالأوهام، فانا لم اعد أميز بين البلبل والكركدن، ولا بين الأفعى وبين السمكة....!
   حدق الثور في عيني الأسد:
ـ ماذا تفعل...؟
ـ اجري مصالحة!
ـ لم تبق من لحمي شيئا ً للجنود البواسل....!
فقال الأسد للقصاب:
ـ لم اترك لك حتى الجلد!
   احكم القصاب إغلاق باب القفص، وراح يقهقه:
ـ وقعتم في المصيدة، أيها الأغبياء!
وخاطب الأسد:
ـ أما أنت ...، فلن تخرج من عرينك هذا إلى الأبد!
5/5/2015


تبادل ألماني - عربي لصحفيي الصفحات الثقافية:-الثقافة ودورها في دعم الديموقراطية



تبادل ألماني - عربي لصحفيي الصفحات الثقافية:
الثقافة ودورها في دعم الديموقراطية




الصفحات الثقافية في الصحف العربية بحاجة ضرورية إلى تجديد.




بقلم مارتينا صبرا
ترجمة يوسف حجازي




 تبادل الخبرات بين صحفيي صفحات ثقافية ألمان وعرب هو هدف المشروع الذي تنظمه مؤسسة هاينريش بول حاليا. أربعة صحفيين من مصر ولبنان والمغرب وفلسطين زاروا ألمانيا في شهر آب/أغسطس الماضي. وسيسافر في المقابل أربعة صحفيين ألمان إلى بيروت ورام الله والإسكندرية ومراكش. تقرير مارتينا صبرا.

أنجز الصحفيون الأربعة الشباب، القادمون من مصر ولبنان والمغرب وفلسطين، برنامج عمل مكثف، دام خمسة وعشرين يوما. إلتقوا زملاء لهم، تعرفوا على وسائط الإعلام الناطقة بالعربية في المانيا، زاروا مشاريع ثقافية، شاركوا في مؤتمر، وسمعوا الكثير عن التاريخ الألماني.

الشاعر المغربي الشاب، مراسل الصفحة الثقافية لصحيفة عربية كبيرة، وعضو هيئة تحرير الجريدة الثقافية المستقلة "زوايا"، ياسين عدنان يقول: "كانت زيارة معسكر الإعتقال في زاكسنهاوزن مهمة جداً بالنسبة لي. إعتدنا في المغرب على أن نرى رابطاً ما بين الإبادة النازية والصراع في الشرق الأوسط ومعاناة الفلسطينيين. هنا اتضح لي أن هذا ليس سوى أحد الأبعاد وحسب".

ويضيف ياسين عدنان، بأنه تمنى لو كان هناك مزيد من الوقت كي يتعمق في مثل هذه المواضيع. "لم يكن لدينا الوقت الكافي لنقوم بأبحاثنا الخاصة. وكانت لدي الرغبة لمعرفة المزيد عن عمل زميلتي في جريدة "برلينرتسايتونغ"، التي ستزوروني في الخريف المقبل في المغرب".

ووافقه زميله الفلسطيني نجوان رشيد الرأي: يحتاج صحفيو الصفحات الثقافية الفلسطينيين للدعم بشكل ملِّح: "نواجه مشاكل كبيرة في التواصل بسبب منع التجوال، وحواجز التفتيش وبسبب الجدار. الفنانون والجمهور ومحررو الصفحات الثقافية لا يستطيعون الوصول واللقاء في كثير من الأحيان. ويتم إفتتاح معارض لا يزورها أحد. لكن ثمة نقص في الوعي أيضاً، في هيئات التحرير قبل أي مكان آخر. ولا يمكن التحدث، عندنا في فلسطين، عن تقارير إخبارية ثقافية". الكلمة كبيرة، يقولها ممتعضاً.

دور الثقافة في عملية الدمقرطة

عليا ريان، الأخصائية في تاريخ الفن والعلوم السياسية، التي نظمت –اللقاء التبادلي العربي الألماني بين صحفيي الصفحات الثقافية– في مؤسسة هاينريش بوِل، على قناعة تامة بأن عرض التقارير الثقافية النقدية يساعد على نشر ثقافة سياسية ديمقراطية.

الفنانون في العالم العربي، هم حالياً الأكثر قدرة على تسمية المعضلات المجتمعية بمسمياتها، حسب رأي ريان: "المجموعات المحلية، التي تُعنى بشؤون المجتمع وتناقش المعضلات، على عكس الدولة، تثير إهتمامنا. هذه الوظيفة التي يقوم بها الإعلام في ألمانيا وأوروبا، يقوم بها الفنانون إلى حد ما في العالم العربي. يلعب صحفيو الصفحات الثقافية دورا هاما، إذ أن لديهم الإمكانية لنشر الأفكار النقدية على نطاق واسع".

هل يشكل الصحفيُّون المختصون في شؤون الثقافة محركا لرأي عام نقدي؟ هذا ما لم يوافق عليه المشاركون بلا شروط، في المؤتمر الذي عقد في إطار التبادل الصحفي في برلين، تحت عنوان "الإعلام، الفن والمجتمع المدني".

فقد احتج الصحفي راينر ماير على إزدياد التقارير الثقافية الإخبارية التجارية في المانيا، في حقل السينما والفنون التشكيلية وبالأخص الأدب: تزداد مراجعات الكتب في الصحافة، ليس بسبب جودة الكتب، بل لأن دُور النشر تضع الإعلانات في الصحف في ذات الفترة الزمنية، وكثير من الصحفيين لا يقرأون الكتب التي ينصحون بها، بل ينسخون الإعلانات الصحفية التي توزعها دور النشر، بدواعي ضيق الوقت أو الكسل.

ويؤكد أكثم سليمان، مراسل محطة الجزيرة في ألمانيا، أن الشروط في العالم العربي أكثر تعقيداً: ثلث العرب لا يجيدون القراءة والكتابة، عدد نسخ الصحف المطبوعة ضئيل، و بسبب إرتفاع الأسعار لا يستطع حتى المتعلمون شراء الصحف، ناهيك عن الكتب.

الفضائيات العربية والثقافة

وينتقد ياسين عدنان الفضائيات العربية، لإعتقادها بأنه يمكنها بشكل أو بآخر أن تستغني عن البرامج والتقارير الثقافية. "بدلاً من ذلك، تغرقنا وسائط الإعلام البصرية السمعية بالسياسة"، كما يقول الصحفي المغربي محتجاً، ويضيف "بيد أننا لسنا كائنات سياسية وحسب، بل بشر لنا إهتماماتنا ذات المناحي والثقافات المتعددة ".

وتحتد الأزمة من خلال مفهوم غامض للثقافة، يميل للمحافظة، وخصوصاً في الإعلام العربي المطبوع، بحسب ياسين عدنان. بينما تتناول الصحافة المغربية الناطقة بالفرنسية الإتجاهات الجديدة وثقافة الشباب المغاربية، مثل الهيب هوب وبريك دانس، ترفض الصحافة الناطقة بالعربية هذا التطور المُستلْهَم من العولمة، بإعتباره إستيراد ثقافي غربي، بالرغم من أن مغني الهيب هوب المغاربة، يؤدون أغانيهم بالعربية.

اليوم كما في السابق، يهيمن الشعر والموسيقى التقليدية والمقالات المطوَّلة التي تتناول الأسئلة النظرية على الحيز الأكبر من الصفحات الثقافية العربية، بحسب ياسين عدنان.

نلاحظ، على الرغم من كل ما سبق، بدايات جدية مهنية حديثة لتقديم الأخبار الثقافية. نشرات مستقلة على نحو مجلة "زوايا" التي تصدر في بيروت تنشر مقالات عن مستجدات الثقافة العربية والغربية.

ويزداد باضطراد عدد الفنانين الذين يستخدمون الشبكة والهواتف الجوالة كي يحققوا إشهاراً ذاتياً وليرفعوا من وتيرة الضغط على وسائل الإعلام السائدة. أقصر الطرق للوصول إلى الجمهور العريض، يمر أيضاً في العالم العربي عبر وسيط الإعلام السائد –التلفزيون: "لذا يجب أن يتجاوز إهتمامنا وسائط الإعلام غير الرسمية والشبكة"، كما يقول المغربي ياسين عدنان. "وسائط الإعلام العربية الرسمية تحتاج أيضاً للتجديد".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ