الجمعة، 20 فبراير 2015

آمال الزهاوي ... وداعا ً- وكالة أنباء الشعر- محمد السيد








آمال الزهاوي ... وداعا ً






وكالة أنباء الشعر- محمد السيد

أنتقد ناشطون وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والكتاب العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، إهمال الحالة الصحية للشاعرة آمال الزهاوي، التي رحلت صباح اليوم الأربعاء(18/2/2015) بعد معاناة طويلة مع المرض. وأشاروا في تغريدات لهم، بأن الفقيدة تعد أحد أهم الأسماء القليلة التي تصدرت المشهد الشعري والإبداعي في العراق بعد نازك الملائكة. وأعربوا عن استياءهم للتهميش واللامبالاة التي تم التعامل بها مع الشاعرة أثناء أزمتها المرضية.وفي تصريح إعلامي له، أنتقد الشاعر جواد الحطاب، تقاعس اتحاد الأدباء عن تلبية اتصاله وطلبه منهم إرسال طبيب إلى بيتها لكونها مقعدة ولا تستطيع الذهاب إلى المستشفى أو مراجعة الطبيب وليس معها سوى ابنتها؛ ولكنه للأسف -كما يقول- لم يسمع من الاتحاد سوى الوعود؛ بل لم يكلّف احد منهم حتى الاتصال بابنتها كـ "أداء واجب" على الأقل، لتنتقل إلى مغفرة من الله ورحمة وسعها السماوات والأرض.اتحاد الأدباء العراقي، نعي اليوم رحيل الشاعرة آمال الزهاوي. مشيدا بتجربتها ومسيرتها الإبداعية.وتعد الشاعرة آمال الزهاوي من شاعرات العراق المميزات، بدأت تجربتها في الستينيات وتخرجت من قسم اللغة العربية من كلية الآداب، وكان لديها نشاط في مجال الكتابة الأدبية والشعرية وأصبحت اسما أدبيا وثقافيا طيلة السبعينات والثمانينات كما لها مساهمات في كتابة المقالات السياسية في الصحافة العربية وكذلك الريبورتاجات .



الأربعاء، 18 فبراير 2015

مغامر في بحار المواهب المخنوقة-كاظم فنجان الحمامي




مغامر في بحار المواهب المخنوقة


كاظم فنجان الحمامي

مغامر عراقي آخر تجاوز بجرأته حدود المعقول، وتخطى بمواهبه المتعددة جدران المستحيل. عمل نجاراً وبحاراً ورباناً ومدرساً ونادلاً ومقاولاً وبائعاً ومترجماً ومحرراً ومستشاراً. مارس أصعب المهن حتى أتقنها، وأجاد اللغات الحية كلها حتى اختلطت عنده المعاني والمفردات في محطات الغربة. سافر إلى معظم أقطار الأرض من دون جواز سفر أو بجوازات مزورة. مر بمرافئها ومطاراتها ونقاطها التفتيشية. تعرض للسجن والاعتقال في البلدان البعيدة حتى امتلأت ذاكرته بالصور والمواقف العجيبة. تشابكت عنده خطوط الطول والعرض. وقطع المسافات بكل الطرق، فتقاربت عنده القارات وازدحمت في محفظته العملات الأجنبية المتناقضة، وتكورت في حقيبته بطاقات التذاكر البحرية والجوية والبرية. لكنه لم يذق طعم الاستقرار منذ ولادته في (ذي قار) عام 1953، ولم ينعم بالأجواء العائلية المنتظمة منذ وفات والده، ولم ينل استحقاقاته الوظيفية والتقاعدية منذ اليوم الذي ترك فيه العمل على سفن صيد الأسماك، ومنذ اليوم الذي غادر فيه العمل على سفن (ناقلات) النفط العراقية.
اسمه الكامل: محمد جواد علي القرةغولي. وعنوان وظيفته الرسمي: (ربان أعالي البحار). لكنه يعد موسوعة (لسانية) متنقلة تثير للدهشة، وحجة (لغوية) لا يستهان بها، فهو يجيد العربية والانجليزية والاسبانية والايطالية والبرتغالية والروسية إجادة تامة، ويستطيع التفاهم باللغات الفرنسية والهولندية والأمازيغية والسواحلية والفارسية.
أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدينة (الناصرية)، ثم ترك دراسته ليلتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان، فسكن في مخيم النهر البارد بطرابلس، لكنه استجاب لنداءات والدته بالعودة، فرجع إلى العراق ليكمل دراسته الثانوية عام 1975، ويلتحق بالكلية البحرية بمصر، لكنه ترك الدراسة في مرحلتها الثانية فعاد إلى العراق ليلتحق بأكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية، التي افتتحت في البصرة. وكان من ضمن طلاب دفعتها الأولى عام 1979.
صدرت الأوامر بتعيينه في أسطول الصيد العراقي، لكنه سافر إلى ايطاليا عن طريق لبنان ليعمل في صفوف إحدى المنظمات اليسارية، فعمل في فلورنسا في المهن الحرفية الحرة، ثم سافر إلى الجزائر بأوراق مزورة، فسكن في مدينة (الأغواط) ليعمل في تدريس اللغة الانجليزية، ثم سافر إلى سوريا ليعود إلى العراق مختبئا تحت المقاعد الخلفية في سيارة كبيرة، فعبر الحدود من دون أن يكتشفوا أمره. 
التحق من جديد بسفن شركة صيد الأسماك ليعمل عليها حتى عام 1985، فعمل على سفن: الرزازة، وساوة، والساحل العربي، والبحر العربي، ودجلة، والفرات، وزين القوس، ثم تحول للعمل في أسطول ناقلات النفط العراقية التي كان يديرها الراحل (عبد الجليل الجلبي)، فعمل على الناقلات: عين زالة، وجمبور، وكركوك، وطارق بن زياد.
أكمل في الثمانينات قاموسه البحري الأول، الذي صدر عام 1985عن الدار العربية للموسوعات، وعمل مدرساً للغة الانجليزية في المعهد التقني وفي إعدادية العشار المسائية للبنات، لكنه ترك أعماله كلها في البصرة، وانتقل إلى بغداد ليعمل حتى عام 1997 في بيع الأدوات الاحتياطية للسيارات، ويعمل في المساء في قسم الإنصات التابع لوزارة الإعلام مستفيداً من مواهبه اللغوية المتعددة، من دون أن يقطع ارتباطه بشركة ناقلات النفط العراقية، التي كانت معطلة تماماً بسبب تداعيات الحرب والحصار.
عمل بعد ذلك رباناً على سفينة متخصصة بنقل الأسمنت بين الموانئ الإيرانية والإماراتية، لكنه ترك عمله هناك ليسافر أولاً إلى جزيرة مالطا، ثم إلى ايطاليا بواسطة زوارق التهريب، فوصل إلى سواحلها بوجهه المبلل بالتعاسة. كان بحوزته جوازه البحري وبضعة دولارات. ركب القطار إلى روما، ثم غادرها إلى باريس بقطار آخر. توقف القطار فجأة للتفتيش في محطة حدودية، فقرر صاحبنا ولوج مقصورة تضم ثلاث بنات يابانيات. جلس بينهن مؤقتا لحين انتهاء التفتيش. جاءت المفتشة (الشرطية) فناولها جوازه المثخن بالأختام، فابتسمت له واعتذرت منه. 
وصل باريس مرهقاً، فقرر الذهاب إلى هولندا بقطار لا يتوقف إلا في أمستردام، لكنه عاد مسرعاً إلى ألمانيا استجابة لمشورة زميله الكابتن (علي عبد الحسين). وصل ألمانيا وتوجه إلى الشرطة ليبلغهم بطلب اللجوء الإنساني. فأسكنوه في سفينة عائمة في نهر الراين. حصل على الإقامة وجواز الأمم المتحدة، لكنه قرر الرجوع إلى الإمارات ليعمل على سفينة كانت متوقفة في جزيرة (باتام) الاندونيسية.
كان صاحبنا مصاباً بجنون القراءة والسفر، فآنسته القراءة وأنهكه السفر. وجد نفسه بعد هذا الترحال الطويل في أمس الحاجة للعودة إلى العراق، فركب سفينة متوجهة إلى البصرة ليذهب مباشرة إلى بغداد.
عمل عام 2001 في قسم الترجمة بوزارة الإعلام، ثم أصبح كبيراً للمترجمين، فوجد الراحة والمتعة في عمله الجديد. كان يتحدث بكل اللغات التي يجيدها، لكنه كان يعمل في المساء كسائق تاكسي، ثم عمل مع المفتشين الدوليين بوظيفة مترجم أقدم، فكان يتقطع ألماً لمنظر المنشآت الصناعية المدمرة، والثكنات العسكرية المهجورة. عمل بعد ذلك مع وكالات الأنباء الدولية. كانت بدايته مع التلفزيون الكوري ثم الياباني، ثم شبكة CNN وشبكة BBC فكان شاهداً على تقلبات الأحداث السياسية.
كان ضحية لدور الطباعة والنشر، التي سرقت منه أروع كتبه المترجمة. أغلب الظن أن كتاب (جواسيس جدعون)، أو كتاب ( عشرون عملية للموساد)، أو كتاب (على أجنحة النسور) من بين تلك الكتب المسروقة من حقيبته الممزقة، وربما كان ذلك باعثاً ومحرضاً لتعرضه للاغتيال عام 2004 بعيارين ناريين، فسقط مضرجاً بدمه على قارعة الطري.
يقولون: (عمر الشقي بقي)، كان يرى بأم عينه كيف تهرب منه السيارات المارة بجسده المسجى على الرصيف. هرع إليه رجل شهم، فأسعفه وحمله على كتفيه حتى أوصلة إلى مستشفى اليرموك، فرقد هناك لأشهر طويلة. تماثل بعدها للشفاء، فقرر السفر إلى مصر لتجديد شهادته البحرية، ثم عمل في ميناء (طرطوس) على السفن السورية. كان يستثمر وقته في عرض البحر لإشباع رغباته الجامحة في القراءة والتثقيف الذاتي، حصل بعدها على عقد للعمل في السودان، فمنعوه من دخول (الخرطوم)، وأعادوه بطائرة أثيوبية إلى (أديس أبابا)، ثم أرجعوه إلى مطار القاهرة. لم تستطع المخابرات المصرية فك لغز الشفرة التي يحملها هذا المغامر التائه في بحار المواهب المخنوقة. قالوا له: سنعيدك إلى سوريا، فقال لهم ساخراً: سترفضني سوريا وتعيدني إليكم، ثم طلب منهم إعادته إلى العراق، فرجع إلى بغداد بخفي حنين.     
عمل بعد ذلك رباناً بديلاً متنقلا بين العراق والإمارات على سفينة الركاب (مردف)، ثم عمل رباناً أصيلاً على سفن نقل الأسمنت بين الباكستان والعراق، أنتقل بعدها للعمل بدرجة ربان على ناقلات النفط اليمنية، وما أن انتهى عقده في خليج عدن حتى عاد إلى بغداد، لكنه عرج في طريقه نحو المعاهد البحرية الأردنية، فعمل فيها عام 2011 بوظيفة محاضر بمرتب شهري ضئيل. ثم حصل على عقد للعمل بوظيفة مدرس في المعهد البحري في جزيرة مالطا، لكنه وجد نفسه يعيش في عزلة تامة وسط هذه الجزيرة الصغيرة، فقرر العودة للتدريس في الأردن على أمل تحسن أوضاع العراق. 
أكتشف (القرة غولي) متأخراً أن العمر يجري بخطوات متسارعة نحو محطات اللاعودة، فألقى مرساته في مرافئ بلجيكا، وانتهز وجوده هناك ليعادل شهادته البحرية بالمستوى البلجيكي، وحصل على شهادة ربان من المعاهد الهولندية، مستغلاً وقته في بناء بيته الجديد في ضواحي بروكسل، وترميم مستقبله المتصدع، والتفرغ لأسرته.  
كان هذا ملخصاً مقتضباً لقصة حقيقية خاض تفاصيلها هذا الربان المغامر، وصاحب المواهب المتعددة، والأفكار المتقدة، لكنه يعيش الآن خارج العراق صفر اليدين، سبع صنايع والبخت ضايع، لم تستفد من خبراته معاهدنا البحرية، ولم تستعن بمهاراته مؤسساتنا البحرية، حتى أنه لم ينل استحقاقاته التقاعدية مقابل خدمته الطويلة في أسطول شركة صيد الأسماك، أو في أسطول ناقلات النفط.
ختاماً نقول: ما أكثر الربابنة العراقيين الذين رفعوا أشرعتهم بوجه الريح، فجنحت بهم بوصلتهم في بحار الغربة والشتات. ثم اختفوا في المحطات النائية من دون أن يحتضنهم العراق. . . 


السبت، 14 فبراير 2015

قصة قصيرة-عصر الحرير:عادل كامل

قصة قصيرة



عصر الحرير


-
     بعد ان تحول الهمس إلى لغط، والأخير إلى قصص تسندها الشواهد، وبعد ان تحولت الإشاعات إلى أدلة، والشك إلى وقائع ملموسة، والظن إلى ثوابت، آنذاك اتسعت مساحة  الفوضى، والجدل، فشملت أقسام الحديقة برمتها، من غير استثناء. لقد بدأ ذلك كله على نحو غامض، فقد تناقلوا ـ قالت الحمامة للغراب ـ أخبار مبهمة، ضبابية، وقيل هوائية، عن ولادات غريبة....؛ فاللبؤة وضعت غزالا ً، والدبة ولدت نعجة، والخنزير ولد فقمة، وابن أوى وضع تمساحا ً، والأسد ولد مهرا ً، والأتان وضعت كومة من الكرات الصغيرة، والكركدن ولد نعامة، والنمر ولد سمكة....
ـ غير سارة هذه الأخبار.
قالت الحمامة فرد الغراب:
ـ لم تعد أخبارا ً، ولا أوهاما ً، ولا ظنونا ً، فانا بنفسي رأيت الفصائل الجديدة تزحف نحو الساحة الكبرى...
ـ لإعلان التمرد أم لإعلان العصيان؟
ـ لا اعرف.
ـ ما الذي وجدته بالضبط، مادمت كنت رأيت المشهد ببصرك؟
ـ ربما هي نهاية عصر حديقتنا!
ضحكت الحمامة ساخرة:
ـ دعنا من النهايات...، فأنت تعرف ان نهاية العالم وضعت عند فاتحته...، فانا لا تفزعني الحقائق، مادامت نهاية عالمنا مقترنة بمقدماته..، لكن ـ أرجوك ـ اخبرني ما الذي جرى بالضبط، من غير وشوشة، أو تهويل..
   راح الغراب يفكر، ولم يجب. فسألته الحمامة:
ـ دعني اسمع صوتك.
ذهل، وأجاب بخوف:
ـ لا امتلك قدرة على النطق...، فانا أفكر! لكن كيف حصل ووضع التيس قنفذا ً، والثور حبل وأنجب مخلوقات آلية، والبعوض راح يلد حبيبات تتحول إلى عصافير، والى ديدان طائرة، وكيف ولدت الحوت مخلوقات لا هي برمائية ولا هي مفترسة..
ـ غريب.
ـ والأغرب ان هذه المخلوقات المستحدثة كانت تطالب باسترداد حقوقها التي سلبت منها...، فانا سمعت زعيمهم يفكر! أي لا ينطق، لا يعوي، لا ينبح، لا يستغيث، ولا يستنجد!
صعقت الحمامة:
ـ أرجوك اشرح لي...، فانا انتمي إلى عصر الثدييات، وأسلافي من الزواحف...، فدمائي خليط من الشوائب والبذور والأضواء والظلمات.
ضحك الغراب، متسائلا ً:
ـ وهل انتمي إلى غير هذه العصور الـ ...؟
ـ دعك من المزاح، ومن الغزل، وقل لي ما الذي جرى في حديقتنا الخالدة؟
ـ عجيب...، فها أنا أدرك ان وجودنا غدا  ًعتيقا ً، باليا ً، مندثرا ً...، بالأحرى لا وجود لنا بالمرة!
   هز الغراب رأسه، وعبر بالذبذبات. ففهمت الحمامة انه قال لها ان التمرد ليس إلا الشرارة. فطلبت الحمامة منه:
ـ لا تتعجل، لا تسرع .. أرجوك..
فقال الغرب:
ـ هذه الكائنات، يا عزيزتي، ليست وهمية، ولا افتراضية، ولا من صنع الذهن، أو الخيال...، بل ولا من صنع المباديء، ولا من صنع الأيديولوجيات!
تساءلت بشرود:
ـ أن يلد الأسد سحلية، والدب فأرا ً، والحية تلد أرنبا ً برأس كوسج، والنمر يلد قردا ً...وتطلب مني ان لا  أتعجب ..؟
    تمايلت الحمامة، وكادت تفقد توازنها، فسألته:
ـ ماذا يريدون...؟
ـ لا يريدون شيئا ً! لأنهم أدركوا ان إعادة حقوقهم لا معنى له، ليس لأن ذلك بحكم المستحيل، بل لأنه فقد شرعيته...!
ـ ولكنك لم تخبرني من هم، أصلهم، جذورهم، وكيف امتلكوا إرادة الحضور ...؟
ـ هم، هم، هم الضحايا ....، قلت لك، هم الطرائد، والمظلومين، والمغدور بهم، المذبوحين، المحروقين، والممزقين شر ممزق، وهم أجزاء أجزاء الأصل الأول الذي استحال إلى طعام، والى براز، والى تراب!
ـ آ ...، فهمت، ولكن لماذا لا تعاد لهم حقوقهم...؟
أجاب بصوت متوتر:
ـ الم ْ أخبرك بان زمنك ولى...، وبرمجتك عفى عليها الدهر، وانك أصبحت عتيقة، غير صالة للاستخدام، ولا حتى للكلام!
ـ أتضرع إليك، اشرح لي، فقد أتعلم وأنا ـ كما تعلم ـ شغوفة بالمعرفة، فانا لا أريد ان أموت ضحية عقلي المفقود، ولا ضحية إرادتي المستلبة، ولا أحلامي الغائبة.
ـ حسنا ً، يا حمامتي،  فبعد ان استبدلت الأدوار، اقصد ادوار الإنجاب والإخصاب والتناسل، وصارت الذكور تحمل بدل الإناث، ظهرت الفجيعة! وبدأ العصر الذهبي للظلمات!
ـ ماذا قلت؟
ـ قلت لا نهاية لفعل الغوايات، ولا خاتمة للولادات. فالكل يغتصب الكل كي يمتد المحكوم عليهم بالزوال...!
ـ حتى من غير معاشرة شرعية، ومن غير اتصال مباشر..؟
ـ لا حاجة لهذه الممارسات بعد اليوم، فهؤلاء هم ضحايا البراري والغابات والمستنقعات والكهوف والثقوب والشقوق والخرائب ...، هم الطرائد التي تم اقتناصها، وافتراسها، واغتصابها، وقد أصبحت تتشبث بدفاعات استثنائية، فسكنت أجساد جلاديها، ومغتصبيها...، كي تتكون مرة ثانية، وثالثة، وعاشرة، والى ما لا نهاية...، لتطالب بالعدالة!
ـ فهمت! فانا للمرة الأولى أفكر! ولكن ماذا بعد ذلك..؟
ـ لم يطالبوا بإنزال العقاب، أو بالثار، أو بالانتقام ...، فلو حصل ذلك فستكون النهاية قد بلغت ذروتها، فقد أكدوا ان مطاليبهم تستدعي استحداث فصائل لا تعوي، لا تولول، لا تنوح، لا تزأر، لا نهق، ولا تنبح ...، أي الانتقال من عصر الحواس والعقل إلى عصر ..
ـ لا تغلق فمك، تكلم، يا غرابي السعيد!
ـ إلى ...، إلى ...، إلى ...
وسكت، معترفا ً بأنه لا يمتلك أداة للتعبير، والإيصال، والتوضيح.
ـ فالأصوات التي تحولت إلى كلمات أصبحت أدواة متحجرة، بالية، حجرية، لقى، آثار، ونفايات، مثل أكوام من المزابل والخردوات والمخلفات.
ـ ها أنت تؤكد انه آن أوان زوال عهد حديقتنا الغناء؟
ـ اسمعي، يا حمامتي الجميلة..
ـ أنا مصغية لك يا غرابي العاشق!
ـ هناك، في خلايانا، يحدث ما اجهله، فانا أصبحت أفكر في الذي لا أفكر فيه!
فسألته بصوت فزع:
ـ وأنت من ولدك؟
ـ آ ....، بدأت أتلمس  وجودا ً آخر غير وجودي.
ـ ماذا تقول...؟
مسترسلا ً:
ـ دعيني انظم إلى رفاقي...، وأشاركهم المطالبة بحقوقنا.
ـ وأنا ؟
فسألها بشرود:
ـ أكان جدك حمامة؟
   لم يفزعها سؤاله، ولم يصدمها، بل بدأت ترفرف، كأنها فقدت ثقلها، وراحت تحّوم، وتدور، ثم اقتربت منه:
ـ طالما أحسست ان في ّ أضواء، وفي ومضات كائنات أخرى، إشعاعات، ملامس حريرية، ذبذبات ناعمة، غزل ابيض...!
ـ ها، أيتها المسكينة، أنت أيضا ً سلبت حقوقك منك...، فكم مرة اغتصبك اللقلق، والنسر، والبوم، والصقر...، ومن يعلم ربما هناك ...
ـ تقصد افترسني!
ـ لا فارق، ولا اختلاف إلا بحدود أخطاء التعبير، واللسان، فالاغتصاب مفهوم بلغ ذروته!
لم تجب. كانت تفكر. فراح الغراب يتتبع ذبذباتها الصادرة عن دماغها، حتى لكزها:
ـ أفيقي...، حبيبتي، آن لنا ان لا نعوي، لا ننبح، لا نولول، ولا نغرد أيضا ً.
فسألته بعد لحظة صمت:
ـ أأنت من هذا الجنس المستحدث...، يا ابن الضبع...؟
ـ لا اعرف ...، فالحقائق تؤكد ان السيد المدير لم تلده عنزة، ولم تحبل به خنزيرة، لا أبوه فيل ولا أمه بغي، فقد شاهدوه يغطس في البركة ولم يخرج منها إلا برأس سلحفاة، وذيل طاووس، وأصابعه تحولت إلى مجسات، فمه ثقب، وانفه تحول إلى بندول...، وقالوا انه اخذ يمشي فوق الحبال، مثل بطة، ثم تحول إلى حرباء، بعدها باض بيضة سوداء...، فصفقوا له طويلا ً، وهتفت له الحناجر بحرارة..!
  قربت الحمامة رأسها من الغراب:
ـ قلت لي ان والدك كان تمساحا ً، وان أمك كانت غزالا ً ...؟
ـ آ ...، متى تحدث الصدمة، متى تدركين ان الكلمات دفنت مع الديناصورات.
ـ ماذا افعل..؟
ـ دعيني أخبرك بما رأيت...؟
ـ ألا يكفي هذا كي أحبل بكلماتك؟
ـ كم أنت خجولة! كأن أمك من الجن، وجدك من الريح! فانا رأيت التمساح عند البركة يلد من فمه، ومن باقي الثقوب، وقد انشق ظهره أيضا ً، آلاف الثيران ..، الغزلان، والضفادع...، بل وولد كائنات شبيهة بالبشر الأسوياء، فانا سمعت صدمات الولادة، وسمعت نهاياتها. لأن التمساح عاد يسترجع فرائسه، فراح يبتلع، من غير مضغ، كل ما تقيأه.
ـ يفترس أولاده؟
ـ هذه نظرية عتيقة، يا جميلتي، فالأب لا يفترس، ولا يغتصب، ولا يعتدي...، بل يدّخر!
ـ آ ....، هذه إذا ً نهاية عصرنا يا سيدي؟
ـ لا ...، فالذئاب، مثل الليوث، والنمور، والفهود، والصقور...، راحت تخرج أثقالها...، فتدب فوق البسيطة، حتى امتلأت، وفاضت، فنشبت الحرب، فراح الجميع يشترك في ذبح الجميع، وراح الكل يغتصب الكل، وراح الضعيف يأكل القوي، والنحيل يقطع رقبة البدين، حتى صارت النساء طعاما ً للضواري، والأطفال حرقوا أحياء، وانتشرت بدعة السحل، وشطر الأجساد، وبقر البطون، وقطع الأعضاء التناسلية ... عدا بتر الآذان، وجدع الأنوف، وقطع اللسان، وخلع الأسنان، وحشوا المؤخرات بالقنافذ،، فازدهر فرية المخبر، والتنكيل بكل عالم، وفاهم، وحكيم،  لأن الجميع صار يعمل على إبادة الجميع، واجتثاثه، ومحوه من الوجود...، حتى بزغ فجر الاستنارة، وهو ما يسمى بعصر الحرير، قيل انه ارق من شفافية المال الزلال. فبدأت الأسود تستعيد، مثل شقيقاتها المفترسات، الحملان، الأرانب، الطيور، والأسماك...، حتى ظهر المدير، فجأة، برأس نحلة، وأقدام ماموث، له ألف جناح، وخمسة آلاف عين، ومائة ألف قضيب....؛ هائجا ً، لم يترك ذكرا ً، ولم يترك حجرا ً، ولم يترك عذراء، إلا واغتصبهم. وكان هذا هو عصر التراب، ثم أعقبه عصر النحاس...، ليمتد وينصهر بعصر الشفافية.
لكزته:
ـ الم ْ تتعب..، الم تصب بالوهن...، الم ترتو..، الم تشبع...، الم ْ تكتف؟
ـ هو ...، هو...، لم يرتو ولم يشبع ولم يكتف، بل قال انه مثل النار كلما توهجت قالت هل من مزيد، هل من مزيد من الأولاد، ومن البنات، من الحجارة ومن الشجر، حتى كاد عصر الشفافية ان يبلغ نهايته، لولا ان السيد المدير عاد ورشح للزعامة...، فحصل على ألف بالمائة، ومليار أخرى هبطت وخرجت ووفدت من كل فج غريب تؤكد طهارته، صفاءه، وانتمائه إلى الخالدين. فلا احد تجرأ أو لمّح بامرأة أو غزال أو لبؤة حبلت به، فهو لم يأت من الهواء، ولم يخرج من الماء، لا شوائب اختلطت بومضات تعاليمه، حجته انه من غير حجة، وبرهانه ليس بحاجة إلى براهين! ولكنه لم يدع الإلوهية، أو النبوة، وإنما عملت الدعاية طوال ساعات النهار والليل بوصفه لا يقل شأنا ً عنهما.
  تركت الحمامة رأٍسها يتمايل، بين جناحيه:
ـ أكمل..، أرجوك، فانا أكاد أدمن عليك!
فسألها:
ـ أكان جدك ثورا ً وحشيا ً، أم سمسارا ً ناعما ً، أم تاجرا ً رقيقا ً، أم مدير شركة عابرة للحدود، وعابرة للعبور، عبورية الأصل وعبورية الاستحداث، أم كان أميرا ً للرمال، والدخان ..؟
ـ آه...، وهل أبقيت لي قدرة على الرد؟
    خرجت الحروف من غير صوت، تومض، بموجات قصيرة، وأخرى لا مرئية،  مثل إشعاعات فوق ضوئية تداخلت بالمرور والعبور من الأسفل إلى اليسار، ومن اليمين إلى القاع، مكورة، ومقعرة، تدور مع المغزل، فيتضاعف النسج، ويمتد في سواحل المجهول.
ـ كفى، فأنت مثلي ...، لم تلدك الكلمات!
وسمعها تولول:
ـ بل أنا ضحيتها.
مسرعا ً أضاف:
ـ لقد أصبحت، يا وردتي، بعد هذا العرس، من الماضي...، فقد انحدرت إلى الفناء!
متابعا ً، قال قبل ان يغيب، يوصيها:
ـ  لا تتركي حديقتك، لا تتخلي عن قفصك، لا تخربي عشك، ولا تتعاوني مع الغرباء!
فصاحت بحزن بالغ:
ـ أين ستذهب، أين تهاجر، ولماذا تهجرني، وتتركني للظلمات؟
ـ سأبحث عن كوكب لا أجد فيه من يصغي إلي ّ، ولا أجد أحدا ً أتكلم معه، لعلي اعثر على ركن لا أجد فيه من يفترسني، ولا أفكر في افتراسه، لا يشي بي ولا ابغضه، لعلي لا أجد من لا يؤذيني، من غير سبب، وان لا أؤذيه مهما كان السبب!
قالت تنوح:
ـ لن تجد ..، يا حبيبي، لن تجد!
    عندما غاب، بحثت الحمامة عن فمها، فلم تجده.
6/2/2015

العثور على مستشفى فضائي وسط البصرة-كاظم فنجان الحمامي


العثور على مستشفى فضائي وسط البصرة

كاظم فنجان الحمامي

الفضائيون في العراق حالة متأصلة وليست ظاهرة عابرة، فما أكثرهم في الجيش والشرطة والمؤسسات المدنية الأخرى. إذ لم يعد الأمر غامضاً على الناس، فالفضائيون هبطوا علينا من كواكب الفوضى، ثم انتشروا في كل مكان. بيد أن الجديد في الموضوع أننا عثرنا في البصرة على مستشفى متكامل الطوابق والأروقة والردهات والصالات والتأثيث والتجهيز والتشجير. لكنه مستشفى فضائي من النوع الهوائي، حتى تصميمه الخارجي يوحي لك بأنه من مدن الفضاء الخارجي.
كانت هذه البناية عبارة عن دار قديمة من دور الاستراحة التابعة لشركة نفط الجنوب، فقرر الأستاذ جبار اللعيبي، المدير الأسبق لشركة نفط الجنوب، تحويلها إلى صرح طبي كبير يوفر العناية الطبية والرعاية الصحية للعاملين في النفط ، ويقدم لهم العلاج المجاني. وما أروع المشاريع الخدمية التي نفذها هذا الرجل المبدع في البصرة.
يتميز المستشفى بواجهاته الجميلة، وسعته السريرية الكبيرة. يتكون من أربعة أجنحة. لكل جناح ثلاثة طوابق مع ملحق إضافي خاص لصالات العمليات. وغرف منفصلة لأجهزة السونار والمفراس والرنين المغناطيسي ومنظومات الأشعة السينية.
لقد فكرت شركة نفط الجنوب بتشغيل المستشفى على غرار مستشفى شركة نفط الكويت، الذي تزينت به مدينة الأحمدي، ويتكون من أربعة طوابق وسرداب، وتقدر طاقته الاستيعابية بنحو (400) سرير، وقد خصصت الكويت هذا المستشفى لموظفي القطاع النفطي العاملين والمتقاعدين وعائلاتهم.
أغلب الظن أن شركة نفط الجنوب فكرت بتشغيله وإدارته على غرار المستشفى الإيراني الكبير التابع لمصافي النفط في عبادان، والذي يطلقون علية: (بيمارستان بزرﮒ نفت)، وتعني المستشفى النفطي الكبير. فالشركات النفطية العملاقة لها مستشفياتها ومنتجعاتها الصحية المنتشرة في عموم البلدان الخليجية.
ثم هبت رياح الاعتراض، فما كل ما تتمنى شركة نفط الجنوب تدركه، فقد جرت رياح وزارة الصحة بعكس الاتجاه الذي سارت عليه تلك الشركة العريقة. فعلى الرغم من تكامل المستشفى من الألف إلى الياء، وعلى الرغم من استعداد وزارة النفط لجلب أرقى الأطباء والخبراء من داخل العراق وخارجه، أسوة بمستشفيات القطاع الخاص. لم توافق وزارة الصحة على منح التراخيص الرسمية لتشغيل المستشفى على الطريقة التي فكرت بها شركة نفط الجنوب. فتعطلت أنشطته، وتحولت بنايته إلى قلعة فضائية مهجورة. لا فائدة ترتجى منها بسبب تأرجح مصيرها بين وزارة النفط ووزارة الصحة، فلا النفط تتخلى عن مشاريعها وبرامجها الخدمية الحديثة، ولا الصحة ترضى باستبعادها وتغييب دورها. وهكذا كان مصير المستشفى الرقود في ردهات التعطيل والتأجيل.
سمعنا قبل بضعة أيام أن شركة نفط الجنوب عقدت العزم على شراء أربع طائرات عمودية لضمان سرعة الوصول إلى مواقعها المتباعدة والمتناثرة في البادية الجنوبية، فهل ستتحول ملكية الطائرات إلى طيران الجيش ؟. أم تتحول إلى شركة الخطوط الجوية ؟. أم يكون مصيرها مثل مصير هذا المستشفى الفضائي ؟. وجيب ليل واخذ عتابة.

ألا تخجلون من ميسي يا لصوص بغداد ؟-كاظم فنجان الحمامي


ألا تخجلون من ميسي يا لصوص بغداد ؟

كاظم فنجان الحمامي

طفلة عراقية يتيمة من ضواحي بغداد، اسمها الحقيقي (حنين). قررت حلق شعرها وارتداء قميص اللاعب الدولي (ميسي)، وتظاهرت برجولة مصطنعة لتدفع عربتها اليدوية في الساحات والمحال التجارية. تارة تعمل بوظيفة (حمّال)، وتارة تمارس التسول في تقاطعات الشوارع الكبيرة حتى تحصل على النقود لتطعم الأفواه الجائعة، وتملئ البطون الخاوية، وتوفر احتياجات أسرتها الفقيرة المؤلفة من بنات قاصرات وأرامل عاجزات.
الطفلة (ميسي) دليل قاطع على نذالة المسؤولين والمتنفذين في أغنى أقطار كوكب الأرض، ودليل على تردي مستويات العدالة الاجتماعية، وتأرجح توازنها المعيشي، ودليل على غياب منظمات المجتمع المدني في أرض السواد. ودليل دامغ على سوء إدارة هيئات الضمان الاجتماعي، وسوء التصرف بأموال المحسنين وحرمان المعوزين من الرعاية والعناية.
فتاة عراقية بعمر الورد. لم تلتحق برياض الأطفال أسوة بأقرانها، لم تتمتع بطفولتها. لقد فُطمتها الأقدار على الجوع والذل، فرضعت من أثداء الفاقة والحرمان. لم تذق طعم السعادة، ولم تجد لقمة العيش في بيت أمها، فخرجت مضطرة للبحث عن الرزق الحلال برداء وحذاء الولد الشاطر (ميسي).
لو اطلعت على ولائم المفسدين والحرامية لوليت منهم فرارا، ولملئت منهم رعبا، فالإسراف في تناول أشهى المأكولات وألذ الأطعمة، وما يرافقها من بذخ برمكي، وتبطر ملكي هي العلامات الفارقة في لقاءات كبار المسؤولين.
حتى الحرامية أنفسهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء هذه المشاهد المزرية. فالمفسدون في العراق فقدوا مروءتهم، وتجردوا من إنسانيتهم، وانشغلوا بالمهاترات والمناكفات والعداوات المفتعلة.
قبل بضعة أيام كانت الممثلة الأمريكية (الكافرة جداً) توزع الطعام لفقراء العراق، وتشيد البيوت لنساء العراق، وتخصص الرواتب المجزية لأيتام العراق، بينما انصرف المؤمنون جداً والمتظاهرون بالورع والتقوى نحو شراء العقارات والبساتين وبناء القصور الفاخرة واقتناء العربات الفخمة. وتبادل الخواتم والمسابح الثمينة.
دعونا نختبر مروءة ميسي هذه المرة، ونترجم له هذه المقالة إلى اللغة الاسبانية، ثم نرسلها إلى ناديه برشلونة أو إلى بيته في الأرجنتين. هل تظنون أنه سيقف مكتوف الأيدي ويرفض تقديم يد العون والمساعدة لهذه الفتاة التي حملت اسمه وارتدت قميصه ؟. كلا وألف كلا، أغلب الظن أنة سيسدد صفعة حرة مباشرة إلى أصحاب الوجوه الزئبقية، وسيجل أفضل ركلاته البهلوانية ضد الذين جلبوا لنا الفقر والعار والتخلف. وربما يحزم حقائبه ويأتي إلى بغداد ليزور (حنين) في بيتها (كوخها).
ألا لعنة الله على الذين تسببوا في إفقار شعبنا المنكوب، ولعنة الله على الذين سرقوا طعامنا من أفواهنا، وحرموا البائسين من لقمة العيش.

ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين

نصب الحرية لجواد سليم . ملحمة شعب وذاكرة حضارية - القسم الثالث-عادل كامل



عادل كامل

نصب الحرية لجواد سليم . ملحمة شعب وذاكرة حضارية - القسم الثالث[5] تمرين في الرؤية ـ في الحرية
نصب من غير قاعدة، مقارنة بتقاليد إقامة النصب والتماثيل، القديمة منها أو المعاصرة، مما سيشكل مفارقة مع نظام عمل دفن البذرة ـ وانبعاثها، أولا ً، ومع ما هو راسخ، ومتعارف عليه، ثانيا ً، فهل كان لا شعور جواد سليم موازيا ً لدينامية النصب: الحرية، كي يقيّد جداريته ويكبلها بثقلها ـ وهي مكونة من بوابة مستطيلة بخمسين مترا ً طولا ً، وبعرض ثمانية أمتار، وبسمك متر واحد، ومرتفعة عن الأرض بخمسة أمتار ـ أم تاركا ً لا شعور العلامة، النصب برمته، لا يسمح للمشاهد إلا ان يرفع رأسه ـ بعد قرون من الرداءة تمتد إلى ما قبل احتلال بغداد 1258 ـ غالبا ً، إلى ما فوق الأفق ـ الأرض، للقراءة، والمشاهدة..؟ وسيسمح لنا الاستقصاء للإجابة، بمعرفة أراء (الملايين) التي اضطرت ـ وهي تدّرب على الحرية عبر لا شعورها ـ النظر إلى الأعلى، عن قرب، أو عن بعد، كي يعيد النصب، معالجة اعقد إشكالية درسها حكماء بابل، بالاستناد إلى فلاسفة سومر، حول جوهر (العدالة)،(1) ولماذا لم تجد، في الغالب، تطبيقات تناسبها، وهل خطر ببال جواد سليم، وقد أكد ذات مرة انه تعلم كيف ينسى الذي تعلمه،(2)، انه صاغ طريقة في الرؤية تقول ان الحرية ـ كالعدالة ـ تشترط ان لا تجعل من الإنسان (معاقبا ً) أو ان يكون محض ضحية، جاعلا ً من النظر إلى ما فوق (التراب) دافعا ًعفويا ً، من غير قيود، للتسامي ـ ولكن ليس على حساب الإنسان، بل بتحرره من القيود التي وجد نفسه مكبلا ً بها ـ كي لا يمتد زمن كمون (البذرة) طويلا ً، والى ما لانهاية، حيث النظر إلى أعلى، يماثل عمل البذور التي تمد جذورها عميقا ً في الأرض، كي تعانق براعمها الشمس. 

ليس هذا محض تأويل يسمح بالعثور على تسويغ لدحض موت: الفن ـ وموت الفنان ـ بحسب هيجل وصولا ً إلى رولان بارت ـ وإنما ممارسة عملية طالما وجدها جواد سليم لديه، منهجا ً ينقله من العشوائية ـ بالتجريب ـ إلى أسس الفن، في أقدم أزمنته، وفي أكثرها حداثة، حيث تشتغل المشفرات بإنتاج تدشينات تكاد تتقاطع مع مقولة سقراط: لا جديد تحت الشمس، إذ ْ، مع كل قراءة، يولد المتلقي ـ كي تأخذ الدورة قانونها ـ ليتكّون الجديد، بدحض قديمه، مثلما من الصعب ان يتم سلب (أحلام) العقول التي ولدت (حرة)، بحسب أممية قوانين العدالة، وكليتها.
فأسلوب النظر، كتمرين في الرؤية، منح النصب قدرة إقامة علاقة مع الآخر، حيث الأجيال، تمر، وفي الواقع، يمر النصب، معها، كي يتجاوز معنى انه محض (لافتة) نحو العلامة اللاشعورية، التي أقامت جذورها عميقا ً في الذاكرة، كي يكون انبثاقها، مماثلا ً، لعمل البذرة: من الأرض نحو الشمس. وهو جوهر مفهوم الخصب، في حضارة وادي الرافدين، بحسب أساطير تموز وعشتار.

وما دام اللاشعور ـ بل والتحرر من قيود الوعي نحو تحرير مناطقه السحيقة أو النائية ـ سيغدو درسا ً في التذوق، وبحسابات بسيطة، سيغدو النصب ـ بكتلته الضخمة المرتفعة فوق الأرض، المكونة من الاسمنت والحديد والبرونز ـ خارج عمل الجاذبية! فالأطنان المعلقة في الهواء، وجدت رابطا ً خفيا ً شبيها ً بعلاقة الساق ما بين أعالي الشجرة وجذورها، إلا ان هذه (الساق) هي الأخرى، تعمل عمل النسغ، وشبيهة بعمل القوى غير المباشرة للديمومة.
فهل ثمة لغز ما، استبدل قوانين الجاذبة، بمنطقها، بقانون آخر لم يشعرنا بما دونه النصب (الملحمة)، من أزمنة ثقيلة، توازي، رمزيا ً، ثقل شخوص البرونز، وحجارة قاعدتيه أيضا ً. وهي تخاطب خيال المتلقي، وذاكرته، وقد ارتفعت من الأسفل، نحو الأمل ..؟

ومع ان وعي جواد سليم حافظ على ديناميته الواقعية، كاعترافه بان الفن العراقي، كالشعب، ارتبط بالأرض ..، لم يبلغ الكمال ولم يعرف الانحطاط..." متابعا ً " مبتغاه الدائم الحرية في التعبير إذ ْ حتى في فن آشور الرسمي فان الفنان الحقيقي ينطق خلال مأساة الحيوان الجريح" (3) ، إلا ان لا وعيه، ورهافته، وتجريبيته، شكلت دافعا ً للعثور على إجابة صاغها ما يكل أنجلو ـ وأكدها بيكاسو ـ بأنه يجد، أو يكتشف، ولا يصنع، أو يستحدث، أو يخترع، حيث بذل جواد جهدا ً، حد الموت ـ وكقدر طالما عرفّه يونغ وكأنه مدوّن عبر تتابعه المستقبلي وليس ارتدادا ً نحو مقدماته حسب ـ كي يصنع، ويستحدث، وينتج (اكتشافه)، وكي يمنح استحداثه مفهوم الاثاري وهو يعثر على الأثر ـ الكنز.
معادلة لا تنغلق بحدود التوازن بين المقدمات والنهايات، وبين الذاكرة والمخيال، وبين اللا جديد والجديد، أو بين التراث والمعاصرة، أو ان الحي من الميت، والميت من الحي ..الخ، فحسب، بل تضعنا في المفهوم الأكثر تعقيدا ً للعلامة ـ كماركة خاصة بنوع يحدد هوية السلعة ـ بصفتها، كما قال ماركس، كم مشبعة بالميتافيزيقا. على ان (الميتافيزيقا)، بهذا المعنى، ليس محض تصوّرات أو أقنعة تم عزلها عن عللها، ودوافعها، ومكوناتها، وإنما للذهاب ـ عند ماركس وعند جواد سليم ـ نحو حركة حلزونية، لا ترتد، بل تتقدم، حاملة معها مشفراتها، بالكتابة أو بالفن نحو ما هو ابعد منهما، ألا وهو ديمومة ان الانشغال بالحرية، حتى عندما لا يقود إلى ذروتها، لا يقارن بمن لم يجعل منها نبراسا ً للانعتاق، والتحرر.
وفي أحاديثي الطويلة مع الفنان إسماعيل فتاح، عبر نصف القرن الماضي، لم أجد مقولة دقيقة ـ وإن بدت شعرية ـ كالتي منحت فتاح، هو الآخر، نظاما ً مستمدا ً من القانون الذي سمح لجلجامش ـ علامة لديموزي ـ، ان لا يُدفن، ويجتاز طبقات الظلمة، إلا بالعمل، حيث ان النحت العراقي الحديث، لم ـ ولن ـ يمر إلا من تحت نصب الحرية، مثلما خرجت الرواية الروسية، من معطف غوغول.
1 ـ حول الفقر في وادي الرافدين، يستشهد بلند الحيدري بالنص السومري التالي" اذا ما مات رجل فقير لا تحاول إعادته إلى الحياة فهو اذا امتلك الخبز عدم الملح وإذا امتلك الملح عدم الخبز، فإذا كان لديه اللحم لم يكن لديه البهار وإذا كان لديه البهار عدم اللحم... الثراء صعب المنال، ولكن الفقر معنا ليس للفقير سلطة" بلند الحيدري [لمحة عن العامل في الفن العراقي] مجلة الرواق، وزارة الثقافة والفنون ـ بغداد 1978 ص4 وما بعدها. وفي الأصل هناك محاورة حملت عنوان (العادل المعاقب) تفصح عن تعقيدات للمشكلة الطبقية.
2 ـ جواد سليم ونصب الحرية ـ مصدر سابق ص 72
3 ـ جواد سليم. دليل المعرض السنوي السابع للرسم، المعهد الثقافي البريطاني ـ 1958

[6] الرؤية ـ والتحولات
لو لم يتم تفكيك الإمبراطورية العثمانية، بعد الحرب العالمية الأولى، كنهاية دورة، والبدء بدورة أخرى، وبعد حروب أدت إلى تراجعها، وتخليها عن الأجزاء التي استولت عليها، لكان العراق، ومعه باقي الأقاليم، غير مهيأ لتحولات وتصادمات، ستجري بين تقاليد بدت راسخة، وثابتة، وأخرى عملت على بناء تصورات، وعادات، وأخلاقيات مغايرة. انه ليس صراعا ً بين (القديم) وبين (المعاصر) إلا بصفته يحيلنا إلى صراع: أدوات ـ وما تنتجه هذه الأدوات من أفكار، ومُثل، وتحولات. فالأشكال المستحدثة (كالأنظمة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية) ما هي إلا علاقة هذه الأشكال بمحركاتها ـ ومكوناتها العميقة.
فلم تجر ثورات علمية، أو معرفية، ولم تحدث تراكمات ثقافية خلال قرون طويلة تعاقبت الحكومات فيها، عدا الانتفاضات، وأحداث التمرد المتفرقة، التي حصلت، في الغالب، بتراكم الظلم، حد الجور، وقد قمعت، في الغالب، بقسوة.
على ان بعض اعقد نزعات الإنسان نحو (الانعتاق)، لم تدمر، حتى بالقضاء على محركاتها، ورموزها. لا لأن بنية الوجود قائمة على ملغزات ـ إن كانت مادية تاريخية أو محض تصورات مثالية وخيالية ـ بمعزل عن تلبية أساسيات الحياة: الغذاء، والصحة، والتعليم، مع قليل من الرفاهية!

ويبدو ان استقرار العراق، النسبي، بعد تشكل أول حكومة (1921)، وصولا ً إلى الحدث الأبرز، في العام (1958) مهد لظهور هذا الشعور بان الإنسان لا يولد في الظلام، ويدّب في ممراته الحالكة، كي يدفن فيه، كما كان ألجواهري يكرر الحكمة الصينية القديمة: يولد الإنسان في الحزن، ويعيش فيه، ثم لا قبر له غير ان يدفن في الحزن! وإنما كانت ثمة (ومضات) و (هواجس) و (إرادات) ـ بفعل لقاء الحضارات وتصادماتها أيضا ً ـ أدت إلى أساليب تدشن للمرة الأولى، بالرغم من امتداد جذورها عميقا ً في التاريخ ـ وفي الذاكرة، ومنها العناية بالثقافة، والمعرفة، والفنون ..
ولهذه الأسباب، ومنذ نهاية عشرينيات القرن الماضي، ظهرت مؤشرات بناء جيل ـ في الحقول كافة ـ سيشكل نواة جيل حمل اسم: الرواد؛ في الطب، الحقوق، التاريخ، إلى جانب الثقافة، في المسرح، والرسم، والموسيقا، والنحت، والسينما، والرواية، وفي حقول العلوم الاجتماعية، والفكرية..الخ
ومع ظهور موارد جاءت مثل هبة، من غير جهد يذكر، وهو (البترول) فان ثمة تحولات ستفرض أنساقها باستحداث عادات كان من الصعب ان تحدث، في العصور الماضية، ومنذ ألف عام.
فظهر هذا الجيل، وظهرت كوكبة من الأسماء، لم تتكون، من غير مفهوم (التحديث) والعمل المضني من اجل (الحرية) والسلم المجتمعي، والدخول في العصر.
لكن هذا لم يجر فوق خشبة المسرح، للترفيه، بل بكفاح مرير، وعنيد، فوق ارض وادي الرافدين، والعراق الحديث. كفاح لم يتشكل إلا بتضافر الأدوات الحديثة في إعادة بناء حاضر البلاد، ومستقبلها.
الأسماء التي مازالت جهودها جديرة بالاستذكار، ستمنح هؤلاء (الرواد) قدرات في استعادة أزمنتها الرائدة، في: الكتابة، والتعليم، والزراعة، والصناعة، وفي المخترعات، والمعرفة، والملاحم، وفي الفنون والثقافة، مثلما في العدالة والشرائع، كي تتكامل معادلة الحياة بين العمل والرفاهية، وبين الكد والسعادة، وبين الحاضر وما بعده.
ومسيرة جواد سليم، منذ نشأته، أولى هذه الموضوعات، ترابطها، بما كان قد شكل حكمة في حضارات وادي الرافدين: العمل ـ العدالة. على انهما ـ في فترات تقصر أو تطول ـ يغيبان، أو يتعثران، أو يتراجعان، فتسود الفوضى، وترتد الحياة إلى الحقب المظلمة. 

كان جواد سليم، في الأصل، يمتلك موهبة خاصة، حد الاستثناء، بالعثور على حلول لهذه المعضلات ـ على صعيد الفن ـ متقدما ً على أقرانه، (1) ولكن المهمة لم تكن بحاجة إلى حياة واحدة، فكيف اذا به يتعرض للإجهاد، بين فترة وأخرى، حتى كانت ثمة همسات تتحدث عن رحيله، قبل انجاز نصب الحرية..؟
ولكن جواد سليم مكث يعمل ضمن حدود أكثر الموضوعات حساسية: الموت ـ الحياة، بموازاة: الظلم ـ العدالة، كي يستعيد أسئلة جلجامش، أو عبقرية كاتب الملحمة، حيث لم يترك موضوع الموت ـ الغياب، إلا ديمومة للحياة ذاتها.
فجواد سليم، منذ جداريته (البنّاء) حلم ان يروي قصة الشعب، بتنوعه، وبأزمنته، وما عاناه من فترات قاحلة، امتدت إلى قرون، كي يبني، خارج نطاق المحترف، وبعيدا ً عن مفاهيم النحت المتعارف عليها، وبعيدا ً عن تلبية ذائقة النخبة الاجتماعية، صرحا ً استمد أسسه من الذات الجمعية للشعب، وبخطاب امتلك أدواته الحديثة.
فالغياب، وإن هو لا يقهر، إلا ان معالجته بالحضور، سيغدو معادلا ً للحقيقة ذاتها التي قامت عليها الثورات، في مجالات الحياة المختلفة، مما دفع بالخطاب الفني إلى ذروته: دينامية العبور من عصر إلى آخر، حيث (الحرية) تعيد إنتاج من يمنحها تطبيقاتها العملية.
ففي النصب الملحمي، إذا ً، يتصاعد (الحدث) عبر رموزه المختارة، بعناية، وعبر حركته الدرامية، كي لا يتوقف عند علامة أخيرة، بل بحركة دائرية، استمدها جواد سليم، بوعي أو بالحفر في ذاكرته السحيقة، من مفهوم الدورة، كأقصى حكمة استنبطها حكماء سومر: ان الحرية لا تأتي من العدم، بل لا يصنعها إلا الإنسان، بالعمل. وهو درس آخر استقاه جواد من محاورة الراعي والفلاح ـ وهي قصة ستشكل منحى مغايرا لها في التنصيصات القادمة ـ حيث سيكمل ما أنتجه الراعي ـ الجوال ـ وما أنتجه المزارع ـ المستقر في الأرض ـ لفك اعقد تناقض حاصل بما تنتجه وسائل الإنتاج، وتؤدي إليه من صراع جوهره الملكية ـ بمعنى التراكم ـ، ومصيرها عبر صراع الطبقات. ففي النصب، ثمة نزعة إنسانية، تتخذ من العلاقات حوارا ً، بتوتراته، لن يقود إلى الدمار، بل ليشكل بنراما جمالية، تحافظ على قانون ان الحرية، لا تنبني إلا برؤية كائنات حرة، ولا تتقاطع، بالتصادم، أو بالتدمير. فجواد سليم كتب، في العام 1944، إشارة تؤكد هذا المنحى: " إنني كثيرا ً ما امثل دور النحات بالمؤلف الموسيقي. فالمؤلف الموسيقي تتعلق درجة إنتاجه بكثرة سامعيه: فكلما كثروا كثر إنتاجه واخذ شكلا ً أرقى وأنفس، وكلما قلوا صغرت انتاجاته وقلت قيمتها..." لأن هذه المقارنة ستقود إلى " سعة رسالتها مع النصب الموضوع في احد الميادين والذي يعطي فكرة نبيلة عالية لكل سائر"
فالنصب، في ذهن جواد، تمثل خلاصة تفكير دائم بالحرية، في مواجهة القهر ـ والموت، إن كان شخصيا ً أو قد يمتد ليشمل مساحة اكبر من المكونات. فالفن ليس تحديا ً للغياب، أو ترويضا ً له، بل هو الطريق ذاته مهما كان وعرا ً، وشاقا ً، وهو الذي يسمح للبذرة ان تحفر جذورها في أعتى الصخور صلابة، كي تورق، مادامت الشمس لا تكمن خرجها فحسب، وإنما لأنها تكمن في أعماقها أيضا ً.

* صدر الكتاب عن دار الأديب ـ عمان ـ 2014
1 ـ لعل إعجاب الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا ً له مبرراته، وليس محض هوى، أو لأسباب أخرى. وهذا ما كان يغيض الفنان خالد الرحال، فيقول: لماذا لن يولد فنان كجواد إلا بعد قرون..، بالرغم من الاحترام العميق الذي طالما أعرب عنه تجاه عبقرية جواد سليم.
2 ـ نصب الحرية ، مصدر سابق ص 63

الجمعة، 13 فبراير 2015

إهي عفطة عنز إهي زهكة روح-د.غالب المسعودي

إهي عفطة عنز
إهي زهكة روح
د.غالب المسعودي
إهي...... إهي عفطة عنز.....إهي
 زهكَة روح
سجينة ضلع
 وبالضلع
جنهة تنوح
  تجي وتروح
او ما تتلايم
 كلي جروح
منثور الملح فوكيَ
أفزن من مشية القاري
يلوبح ظهرية....!
هو مو بس ملح........!
الملح الماتبزة الكَاع
جنة جفية عرس
اليشمهة يلوع
والمشتهي
 يذب دموع
والماشي
يكَول
 طين خاوة
 يمشطون الشعر
 بيه ..................!
وأنا أدري ألشعر وية الشعر
 ما يتخاوون............
شأرتجي من الكَاع
غير الملح
أنا حبيتج
جنج ملح للكاع
أو وعي للكاع
 أو صدك للكاع
جا لمن خلصن إسنيني
ترحين او تجافيني
أنا حبيتج
لمن يشتكي  الموت من إلموت
إشكد ضام أسرار
بكَد بكثرهن ضام إعطور
 وفوكَ هاي وذيج
أنا احلم بألسؤال
سؤالي
يجفل ألخاطر
 جنة
برد كانون
أهو....والَكَيض متخاوين.........!
إو فوكَ هذا او ذاك
 انا احلم يبووووو............ أشبية............؟
جا ما شفتي....................!
بدلة ألزفة
كحلج
 وألعيون دموع
جا ما شفتي البعد
و ألعشكَ
إش............ سوة.......؟
ياكل إعظامي
وشوي............... شوي
يتهوة .................
وشوفي شوفي..........
 شوفي
شوفي.............................!
 إرموشج الزعلانة
إشكَد
عالت...................
 مو انت اللي كلتي
إش رببك............ الله علية.............؟
مو انت اللي كلتي
ذبني بشط الحلة
او لا تقرة الفاتحة علية
ليش من النهر عطشان
تكوللي شسوي ..العطلة خلصت
تخلين الذيب يتنمرد علية.........!
ألدهرأليوم..............
صوب تفكتة

اعلى كَلبي
 وكَال أرمي.................؟
 كَتلة مو انت الموت.............!
إرمي............
هد تفكَتة
 إو مات جدامي..................
شرد لبعيد................
هو يدري
المايخاف من الموت
عاشك
يتمنى للروح  تطلع.........
 إو ما تجي وتروح
أوتبقى تنوح
إهي غفطة عنز..............
لو شركَت لو غربت
الميت ما تميتة
جروح ...............

الاثنين، 9 فبراير 2015

قصة قصيرة ما بعد الشفافية- عادل كامل


 قصة قصيرة

ما بعد الشفافية


عادل كامل
ـ  لم نترك مكانا ً لم تصله ..
     وتابع الغراب قراءة الرسالة، مرة ثانية، بصوت متوتر:
ـ أجسادنا...، فقد اعددنا ما يكفي للمهمة.
أجاب الهدهد:
ـ كانت لدينا معلومات مؤكدة عن تسلل عدد كبير من الفئران الانتحارية، وقد برمجت برمجة متقنة، وبمشاركة فصائل من الجرذان، والصراصير، والخنافس، وأبو جعل، وغيرها من المخلوقات الوضيعة.
تساءل الببغاء:
ـ إذا كان القضاء عليهم لا ينهي الفتنة، ولا يقلل الخسائر، فلماذا لم نمنحهم حقوقهم المشروعة، بدل هذه المناورات التي قد لا تقود إلى الحسم، والسلام...؟
  خاطب الثعلب الغراب:
ـ لطفا ً أكمل..
تابع الغراب:
ـ وقد تضمنت مخططاتهم نسف الأسوار، وهدم الأقفاص، وتخريب الأجنحة، والمغارات، بغية إطلاق سراح الجميع.
صاح  الثعلب:
ـ هذا بمثابة إعلان حرب!
أجابت المستشارة:
ـ كما قال خبير المعلومات، السيد الهدد، فان المؤامرة ستذهب ابعد من إثارة الفتنة، وابعد من إشعال الحرب، وابعد من الهدم، والقتل، والتخريب...، فالمؤامرة تستهدف محونا من الوجود!
   ارتبك الثعلب قليلا ً، وأجاب بغضب:
ـ أغلق فمك...، فاليأس خيانة، والخوف تخاذل، والتردد جريمة! فكيف وأنت تبث كل ما يحبط العزائم، ويبث روح الهزيمة؟
قال الغراب:
ـ سيدي، لقد تم هدم الجناح الغربي، وما جاوره، ففرت الحمير، والبغال، والجاموس، والإبل، والماعز، وحتى التماسيح تضررت من موجة التفجيرات، والأعمال التخريبية...، ومن القتل العشوائي، واستبدال النظام بالعشوائية!
أجاب الثعلب بصوت بدت عليه الحيرة، والتردد، والأسى:
ـ هل نتخلى عن مجدنا، وحديقتنا...، للجرذان، والضفادع، والفئران...؟
ـ سيدي، إنهم يزحفون، بمساندة الأفاعي، وبمشاركة فصائل من الضباع، والذئاب، وبنات أوى، ومجاميع من القطط المتوحشة، والكلاب السائبة.
قالت الببغاء:
ـ هذا ليس إعلان حرب، بل هو الخراب.
فسأل الثعلب الهدهد:
ـ أين كنت...؟
أجاب الهدهد:
ـ أخبرناكم بأدق المعلومات، ومنها التي لم تقع، والتي مازالت تدور في العقول! فماذا كانت أجراءتكم، سوى التراخي، وعدم التصديق، والشك، وهي التي مهدت للتمرد الذي تحول إلى عصيان، والأخير أصبح ثورة!
صرخ الثعلب مرددا ً:
ـ ثورة، ثورة،  لا أريد ان اسمع هذه الكلمة,
متابعا ً أضاف:
ـ أيها الأسد، وأنت أيها النمر، وأنت أيها الفيل ...، لنعقد جلسة طارئة واتخاذ ما يلزم.
ضحك الحمار:
ـ سيدي، انظر...؛ الفئران ارتدت أحزمة ناسفة، والجرذان تحولت إلى ألغام موقوتة، والضباع جاءت بالعربات المفخخة، وفصائل أخرى عزمت على نسف الحديقة ومحو علاماتها، من اجل استبدالكم او قتلكم!
تمتم الثعلب مع نفسه بصوت مسموع:
ـ أنا لا اعرف من اجل من يموتون، الحمقى، لم يفطنوا حتى للمناورة!
أجابت الغزال:
ـ من اجل الكرامة.
وأضاف الثور:
ـ والحرية.
وقال الكبش:
ـ والرفاهية!
سأل الثعلب مساعده باستغراب:
ـ من منع عنهم الكرامة والحرية والرفاهية...؟
   لم يجب عليه احد من الحضور. فتساءل مرة ثانية:
ـ من حرمهم من الهواء والماء والضوء والأمن والرخاء ....اخبروني...؟
   لم يتفوه احد بكلمة. فصرخ الثعلب في وجه الأسد:
ـ أيها الخائن!
جرجروه عنوة حتى توارى. قال الثعلب:
ـ أعطوهم الرفاهية، ثم وزعوا الكرامة، وانثروا لهم الحرية!
صاح التمساح:
ـ أيها الزعيم، لم يتركوا حجرا ً فوق حجر، ولا بيتا، ولا مؤسسة، ولا مغارة، ولا جناحا ً، ولا قفصا ً...، إلا وأشعلوا النيران فيها، ونسفوها، وخربوها شر تخريب، بعد نهبها، وسرقتها! وما نحن الآن سوى زمرة أشباح ضالة  كأنها جذوع خاوية محشوة بالهواء!
   دوى انفجار، تبعه آخر، فقال الثعلب بصوت عال ٍ:
ـ أيها البواسل، أيها الفرسان، أيها الأبطال....، إلى الحرب!
ضحك البغل يخاطب الماعز:
ـ مع من يتكلم زعيمنا الخالد...؟
   ودوى انفجار ثالث، ورابع، ثم انهالت القذائف فوق الساحة الكبرى، بعد ان اخترقت الجرذان الممرات المحصنة، حيث بدأت تدوي انفجارات في الأجنحة، والإسطبلات، والمغارات، والزرائب، وقد تم احتلال مركز الحديقة، بعد ان خربت التماثيل، ومزقت الصور، ونسفت شاشة الحديقة، وبعد اقتلاع الأشجار، وتخريب المرافق الأخرى.
     في الملجأ المحصن، قال الثعلب لمساعديه، بصوت مرح، رزين:
ـ محض سحابة، هواء في شبك، زوبعة في فنجان...، فما ان تنتهي هذه اللعاب، وما ان تخمد حرب الجميع ضد الجميع، حتى يبدأ عصر الأنوار: عصر المصالحة!
دخل قائد الحمايات مضطربا ً وقال:
ـ، سيدي..، امسكوا بالقائد، ومزقوه شر ممزق، وسحلوه، ومسحوه بتراب الأرض، وهو صار ممحوا ً محوا ً...، والقصة بدأت هكذا ـ سيدي الكبير دام زمنك إلى ابد الآبدين ـ أراد السيد القائد ان يتباهى بمجد حديقتنا، وقوانينها، وقوتها التي لا تقهر، إلا ان الموجات الانتحارية راحت تزحف من الجهات كافة، من الحفر، ومن الشقوق، وتخرج من الأنهار، ومن الآبار، ومن المستنقعات، وتهبط من السماء، تتساقط مثل اسماك تنفجر حال ملامستها الأرض....، فلم يبق شيئا ً في حديقتنا إلا وتحول إلى رماد، وركام، وأنقاض، وغبار!
   ابتسم المدير، وسأل الأسد الذي لا يعرف كيف دخل:
ـ ماذا تفعل هنا..؟
ـ سيدي...، طالما أخبرتك ان الحرب لا تجري فوق الأرض..، بل داخل العقول!
كاد المدير ان يفطس من الضحك، حتى لم يقدر على الوقوف، فسقط أرضا ً، ثم لوّح بأصابعه ساخرا ً:
ـ إن كانت الحرب تجري فوق الأرض، او في العقول، فالبركان انفجر، والأرض زلزلت، والطوفان وقع...، مادمنا نحتمي داخل هذه الملاجئ المحصنة، فليس علينا إلا ان تكتمل دورة الغضب....
ساد صمت، بدده الخنزير بسؤال:
ـ إذا تحولت حديقتنا إلى رماد، وغبار، فعلى من تحكم، أيها الزعيم الخالد؟
نهض المدير، واقترب منه:
ـ وهل صدقت، في يوم من الأيام، ان حديقة كانت هناك...؟!
ـ آ ...، طالما قلت ذلك لنفسي!
أومأ المدير لحمايته باستبعاده. فصرخ:
ـ انتظر ...سيدي الأبدي، دعني أكمل، فانا قصدت شيئا ً آخر غير الذي دار ببالك!
قال المدير:
ـ انتبه، أتعلب علينا، أم أصبحت تجديد المناورة، والتمويه؟
ـ أنا لا العب، ولا أناور، ولا أموه...، فانأ لا ارقص، ولا اعوي، ولا اشتكي...، فانا طالما استنتجت ان زعامتك شبيهة بالجواهر الخالصة، ولا علاقة لها بما حدث، وما فعله الرعاء، وما ارتكبه القطيع من شناعات، وخساسات، ونذلات، وسفك دماء، والآن ...، بعد ان تخمد النار، لن يعد للثعابين، ولا الفئران، ولا الأرانب، ولا العقارب، ولا القمل، ولا الكلاب من وجود، ولا حضور، ولا حتى بقايا أطياف! ذلك لأن زمنك الذي انتظرناه طويلا ً، يكون قد بدأ ...، فبعد ان تختفي هذه الزعانف، والزوائد، والدهماء، والرعاع، والفتات،  وبعد ان نجمع رمادها ونذره في الريح...، يبدأ زمنك الجميل، زمن نهاية الجور، والطغيان، فتسود المودة، ويعم الرخاء.
ـ آ ..، آسف...، يا لك من عقل!
فتابع الآخر:
ـ ثم سيولد الجنس الناعم، فانا، مع الدب، والسيدة الببغاء، ومع فصائل النمور الشفافة، فكرنا بعصر ما بعد الرماد، والحرائق، والفوضى. سيدي، فالحقول ستورق، والسماء توزع حلوها، والآبار تتدفق، مثل الينابيع، بالماء الزلال، الخالي من بقايا الجثث، والمواد المشعة، ومن بيوض الضفادع، وبقايا المياه الثقيلة، والضوء سيوزع من غير حساب، بدءا ً بزمن الرفاهية، ونهاية الظلمات!
ـ اقترب.
  اقترب الخنزير:
ـ لم يحن الأوان بعد....، أيها العقل العبقري، لأنني انتظر ان تكمل مهمتك.
ـ أمرك سيدي.
ـ لأن عليك ان تغذي الحرب، فلا تدع يوما ً يمضي من غير مذابح، فلا تدع أحدا لأحد، فالخراب لم يبلغ غايته بعد!
ـ أمرك سيدي.
   ثم استدرك الخنزير:
ـ لكن ماذا لو ...، لم نتمكن من إبادتهم...، ومن محوهم...، وماذا لو لم يبقوا لنا سوى هذا الجحر...؟
ـ آ ...!
ثم أضاف المدير:
ـ لا تجزع...، سنغادر إلى كوكب بعيد!
ـ حقا ً، هكذا نجونا...! فبعد ان انقرضت الماموثات، والديناصورات، والوحوش العملاقة، وهكذا ـ يا زعيمنا الخالد ـ سيبدأ عصرك الزاهي المجيد. فبعد ان أصبح العالم القديم غير صالح للأوهام، ومن غير تمويهات، ستكون وحدك الجدير بالزعامة، حيث الشعب الناعم، تأمره فلا يعصي، تنهاه فلا يعترض، تذّله فلا يعترض، تعاقبه فلا يستغيث، تجتثه فلا يعترض....، ليشّيد حديقة لا خراتيت فيها، لا رعاع ولا بنات أوى، لا قمل ولا خفافيش، لا عميان ولا مثلثات لا مكعبات ولا أوبئة ولا سرطانات، لا إشعاعات تهددنا بالموت اليومي، ولا طوفانات، لا براكين ولا أساطير ولا خرافات، آنذاك تهدم الحدود، وتردم الفجوات، وتمحى الحافات، فتعود الريح تنشد نشيدك الأبدي: لا أضداد ولا خلافات ولا مخالفات، لا عصيان ولا جنح ولا شطحات، لا شيخوخة ولا علل ولا هذيانات، يا مديرنا الكبير، فأنت قفل الباب، وأنت مفتاحها، يا مديرنا يا مديرنا، العدم عند أسوارك يأتيك بالهدايا، والشموس تهديك الأنوار، وبهائمك الناعمة تمجدك ليل نهار.
6/2/2015