7 قصص قصيرة جدا ً
عادل كامل
[1] المرة الألف
ـ إنها المرة الألف...، التي تتذوق فيها صدمة عدم التقدم خطوة واحدة إلى الأمام...، وأنت تعرف ذلك، انك، للمرة الألف، لم تحرز تقدما ً...
وأضاف زميله يسأله:
ـ وها أنت، للمرة الألف، تخفق، فهل لديك ما تود ان تخبرني به...؟
أجاب بصوت هاديء:
ـ كلا! فانا، للمرة الألف، لم اكف عن محاولة الخروج من هنا، والتقدم خطوة، نحو الجانب الآخر...، فانا لم افشل، ولم اهزم، ولم اصب بالإعياء...، بالرغم من هذا العدد الكبير من التجارب...، ولكنني لا استطيع القول انني حققت درجة ما في التقدم، أو في النجاح، كي افشل، واهزم، إلا انني لم اخفق في التراجع، والاستسلام، إلى الأبد!
ثم صمت، برهة، ليسأل زميله:
ـ ولكن اخبرني يا صديقي، هل جربت ان تغادر موقعك، هذا الذي لم تغادره، بل ولم تفكر حتى في الذهاب ابعد منه، حتى لو خطوة واحدة...، تسمح لك بتذوق درجات الهزيمة، ودرجات الإخفاق؟!
[2] غريب
غريب...
قال مع نفسه، غريب، وهو يشاهد استعراض الفصائل، الواحد بعد الآخر، تدك الأرض، تهتف، تزعق، وتنشد ... ولم يتفوه بكلمة، نهض وأغلق التلفاز، وغادر غرفته، وجلس في الحديقة محدقا ً في السماء، مخاطبا ً نفسه: إذا كانوا هؤلاء جميعا ً يحملون اسمك، ويهتفون من أجلك، يا الهي، فمن ينصرني؟
ذلك لأنه استعاد مشاهد مماثلة، لم يقدر على محوها من ذاكرته، كان يرى فيها الفصائل، والجحافل، والحشود، تهتف، تزعق، تنشد، وهي تدك الأرض، بحياة الجنرال....، كان يراقبها عبر التلفاز، وحيدا ً داخل الجدران أيضا ً، ثم لم يعد هناك الجنرال، ولم تعد هناك جدران..!
[3] علاقة
في الزريبة، سأل الثور البقرة:
ـ لِم َ أنت حزينة، عابسة، مكفهرة....، وكأنك بانتظار سكين سيدنا القصاب...؟
وأضاف مخاطبا ً نفسه:
ـ فماذا أقول أنا...، بعد ان أرسل سيدنا القصاب الثيران جميعا ً إلى الذبح...؟
لم تجب البقرة إلا بعد ان داعبها الثور، بقرنه، وذيله، فقالت:
ـ هل يكفينا ثور واحد؟!
[4] حرية
عندما نجح السيد س بالهرب من السجن، لم يجد أمامه ملاذا ً آمنا ً له أفضل من الاختباء في حديقة حيوانات المدينة. كان متعبا ً جدا ً، فنام، وعندما استيقظ، نهض، وراح يتجول في الحديقة، وهو يخاطب نفسه:
ـ هذا هو الأسد...، وهذا هو النمر، وهذا هو الفيل، وهذا هو التمساح، وهذا هو الكركدن، وهذا هو الذئب، وهذا هو الدب.....، وجميعها ً ساكنة، هادئة، وهي تبادلني نظراتها بصمت...
ابتسم وقال مع نفسه:
ـ إذا ً أنا هو الوحيد الذي استطاع الهرب من سجنه!
إنما شرد ذهنه لقهقهات آتية من وراء الأشجار، فالتفت إلى صاحبها:
ـ آ ...، أيها الثعلب، آسف انني لم أرك...، ولم أذكرك ...، وأنا استعرضكم وانتم داخل أقفاصكم الجميلة ...، فما الذي يدعوك إلى الضحك..؟
أجاب الثعلب ساخرا ً:
ـ قلت انك نجوت من قفصك، لكنك نسيت انك الآن داخل القفص الأكبر: قفصنا!
[5] خراف
بعد ان ترك البيت، في طريقه إلى عمله، كما يفعل في كل يوم، لا حظ اختفاء النباتات التي زرعها أمام البيت، وانشغل بها طوال سنوات. فلم تعد ثمة ورود، ولا وجود للأزهار البرية النادرة التي حرص ان يراها تتفتح في كل صباح، كما اختفت النباتات المتسلقة ذات الأوراق المدورة، والمستطيلة، والابرية منها أيضا ً، ولم يبق من الشتلات الأفريقية إلا أغصانها الجرداء....
لم يقدر على المشي، وهو يشاهد عددا ً من الخرافات تغادر الزقاق، تاركة خلفها رائحة قاومها، بالامتناع عن التنفس، حتى فقد وعيه، ومات.
[6] رجل وامرأة
طلب من السيدة التي استجابت للقائه، ان تتقدم أمامه، في السير، كي يتبعها، فقالت له:
ـ سأفعل شرط ألا تنظر إلي ّ من الخلف!
تقدمها، وطلب منها ان تلحق به، فقالت:
ـ لم لابد ان يسبق احدنا الآخر، أو يجري خلفه؟
ـ آ .....، هذه حكاية عمرها ملايين السنين!
عندما جلسا بعيدا ً عن الأنظار، في زاوية نصف مضاءة، تردد في النظر في عينيها، ولم يتكلم، ولم يخبرها ان قوة ما تمنعه من ذلك، مع انه ـ كرر بصوت خفيض ـ قد اختارها لنداء يجهل أسبابه، فقالت:
ـ تمشي خلفي...، أو امشي خلفك...، ولكنك لا تستطيع ان تبادلني قبلة واحدة .....!
لم يخبرها انه سيفعل، بعد ان يعالج إحساسه بالخجل، والاضطراب، شرط ألا تحدق في عينيه، إلا بعد ان يتدرب على استنشاق رائحة ما لا تدعه يبحث عن سواها. إنها حكاية عمرها سيمتد إلى ملايين السنين!
[7] وقت
ـ هل عدت من الموت...؟
ـ نعم!
ـ ما الذي فهمته..؟
ـ سيدي، وهل كنت فهمت الحياة، كي افهم الموت!
ـ إذا ً....، عد ...، من حيث أتيت، فلم يحن وقت رحيلنا بعد!
18/12/2014
عادل كامل
[1] المرة الألف
ـ إنها المرة الألف...، التي تتذوق فيها صدمة عدم التقدم خطوة واحدة إلى الأمام...، وأنت تعرف ذلك، انك، للمرة الألف، لم تحرز تقدما ً...
وأضاف زميله يسأله:
ـ وها أنت، للمرة الألف، تخفق، فهل لديك ما تود ان تخبرني به...؟
أجاب بصوت هاديء:
ـ كلا! فانا، للمرة الألف، لم اكف عن محاولة الخروج من هنا، والتقدم خطوة، نحو الجانب الآخر...، فانا لم افشل، ولم اهزم، ولم اصب بالإعياء...، بالرغم من هذا العدد الكبير من التجارب...، ولكنني لا استطيع القول انني حققت درجة ما في التقدم، أو في النجاح، كي افشل، واهزم، إلا انني لم اخفق في التراجع، والاستسلام، إلى الأبد!
ثم صمت، برهة، ليسأل زميله:
ـ ولكن اخبرني يا صديقي، هل جربت ان تغادر موقعك، هذا الذي لم تغادره، بل ولم تفكر حتى في الذهاب ابعد منه، حتى لو خطوة واحدة...، تسمح لك بتذوق درجات الهزيمة، ودرجات الإخفاق؟!
[2] غريب
غريب...
قال مع نفسه، غريب، وهو يشاهد استعراض الفصائل، الواحد بعد الآخر، تدك الأرض، تهتف، تزعق، وتنشد ... ولم يتفوه بكلمة، نهض وأغلق التلفاز، وغادر غرفته، وجلس في الحديقة محدقا ً في السماء، مخاطبا ً نفسه: إذا كانوا هؤلاء جميعا ً يحملون اسمك، ويهتفون من أجلك، يا الهي، فمن ينصرني؟
ذلك لأنه استعاد مشاهد مماثلة، لم يقدر على محوها من ذاكرته، كان يرى فيها الفصائل، والجحافل، والحشود، تهتف، تزعق، تنشد، وهي تدك الأرض، بحياة الجنرال....، كان يراقبها عبر التلفاز، وحيدا ً داخل الجدران أيضا ً، ثم لم يعد هناك الجنرال، ولم تعد هناك جدران..!
[3] علاقة
في الزريبة، سأل الثور البقرة:
ـ لِم َ أنت حزينة، عابسة، مكفهرة....، وكأنك بانتظار سكين سيدنا القصاب...؟
وأضاف مخاطبا ً نفسه:
ـ فماذا أقول أنا...، بعد ان أرسل سيدنا القصاب الثيران جميعا ً إلى الذبح...؟
لم تجب البقرة إلا بعد ان داعبها الثور، بقرنه، وذيله، فقالت:
ـ هل يكفينا ثور واحد؟!
[4] حرية
عندما نجح السيد س بالهرب من السجن، لم يجد أمامه ملاذا ً آمنا ً له أفضل من الاختباء في حديقة حيوانات المدينة. كان متعبا ً جدا ً، فنام، وعندما استيقظ، نهض، وراح يتجول في الحديقة، وهو يخاطب نفسه:
ـ هذا هو الأسد...، وهذا هو النمر، وهذا هو الفيل، وهذا هو التمساح، وهذا هو الكركدن، وهذا هو الذئب، وهذا هو الدب.....، وجميعها ً ساكنة، هادئة، وهي تبادلني نظراتها بصمت...
ابتسم وقال مع نفسه:
ـ إذا ً أنا هو الوحيد الذي استطاع الهرب من سجنه!
إنما شرد ذهنه لقهقهات آتية من وراء الأشجار، فالتفت إلى صاحبها:
ـ آ ...، أيها الثعلب، آسف انني لم أرك...، ولم أذكرك ...، وأنا استعرضكم وانتم داخل أقفاصكم الجميلة ...، فما الذي يدعوك إلى الضحك..؟
أجاب الثعلب ساخرا ً:
ـ قلت انك نجوت من قفصك، لكنك نسيت انك الآن داخل القفص الأكبر: قفصنا!
[5] خراف
بعد ان ترك البيت، في طريقه إلى عمله، كما يفعل في كل يوم، لا حظ اختفاء النباتات التي زرعها أمام البيت، وانشغل بها طوال سنوات. فلم تعد ثمة ورود، ولا وجود للأزهار البرية النادرة التي حرص ان يراها تتفتح في كل صباح، كما اختفت النباتات المتسلقة ذات الأوراق المدورة، والمستطيلة، والابرية منها أيضا ً، ولم يبق من الشتلات الأفريقية إلا أغصانها الجرداء....
لم يقدر على المشي، وهو يشاهد عددا ً من الخرافات تغادر الزقاق، تاركة خلفها رائحة قاومها، بالامتناع عن التنفس، حتى فقد وعيه، ومات.
[6] رجل وامرأة
طلب من السيدة التي استجابت للقائه، ان تتقدم أمامه، في السير، كي يتبعها، فقالت له:
ـ سأفعل شرط ألا تنظر إلي ّ من الخلف!
تقدمها، وطلب منها ان تلحق به، فقالت:
ـ لم لابد ان يسبق احدنا الآخر، أو يجري خلفه؟
ـ آ .....، هذه حكاية عمرها ملايين السنين!
عندما جلسا بعيدا ً عن الأنظار، في زاوية نصف مضاءة، تردد في النظر في عينيها، ولم يتكلم، ولم يخبرها ان قوة ما تمنعه من ذلك، مع انه ـ كرر بصوت خفيض ـ قد اختارها لنداء يجهل أسبابه، فقالت:
ـ تمشي خلفي...، أو امشي خلفك...، ولكنك لا تستطيع ان تبادلني قبلة واحدة .....!
لم يخبرها انه سيفعل، بعد ان يعالج إحساسه بالخجل، والاضطراب، شرط ألا تحدق في عينيه، إلا بعد ان يتدرب على استنشاق رائحة ما لا تدعه يبحث عن سواها. إنها حكاية عمرها سيمتد إلى ملايين السنين!
[7] وقت
ـ هل عدت من الموت...؟
ـ نعم!
ـ ما الذي فهمته..؟
ـ سيدي، وهل كنت فهمت الحياة، كي افهم الموت!
ـ إذا ً....، عد ...، من حيث أتيت، فلم يحن وقت رحيلنا بعد!
18/12/2014