الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

الفنان شوقي الموسوي :.حاوره : سلام محمد البناي


حوار الفنان شوقي الموسوي : إن لم يؤثر الفن في الآخر ؛ فهو ليس فناً بل مجرد حرفة !
شوقي الموسوي فنان تشكيلي محترف وأكاديمي وباحث متخصص برسم الكلمات وتتويجها بالاطر اللونية الناطقة ، دائم البحث والتنقيب عن الاثر وصولاً الى الاشياء الجوهرية التي تأخذه الى عوالم جديدة من الابداع .فنان له بصمة واضحة في جسد الفن التشكيلي العراقي من خلال طرحه لجمالية اللوحة وسطوح الفكر والمعنى ، يحاول ان يجد مساحة مشتركة بينه وبين المتلقي وصولاً الى ذروة التفاعل ، اسلوبه التعبيري ينطلق من ذاته الخالصة فهو يرى الاشياء من زوايا مختلفة مؤطرة بهم انساني يستفز مشاعر الآخر وصولاً الى المعنى .في قاموسه يتعامل مع مفردات يومية غاية في الوضوح فهو لايحبذ إقحام المتلقي في دائرة صاخبة وطلاسم لايمكن فكها ألوان لوحاته متوازنة والمكان تأثير واضح على أعماله فالمدينة عنوانه الاثير تذهب اليه ريشته باندفاع عفوي .. ولد الفنان عام 1970 في كربلاء (www.shawqi-almusawi.net) ..حاصل على الدكتوراه في فلسفة الفن الاسلامي وهو عضو في جمعية التشكيليين العراقيين وعضو اتحاد الادباء والكتاب العراقيين وهو ايضاً ناقد فن تشكيلي وهو حاصل على جائزة الابداع للشباب عام 2000 من وزارة الثقافة العراقية ولديه العديد من المشاركات الفنية وله مجموعة من الدراسات والبحوث في النقد والجمال والفلسفة ..طبعت له بعض الكتب اهمها (جغرافية الجدل في الفكر والفلسفة والفن)و(المرئي واللامرئي في الفن الاسلامي) يعمل حاليا استاذا جامعياً في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل .... * أسلوبك التعبيري التجريدي هل هو اقتراب من لحظة التلاشي مع الذات أم هو إصرار على مواكبة المدارس الحديثة ؟ ـ طبعاً هو اقتراب من الذات والانا الآخر .يقال ان الفن بجمبع مراحله وأساليبه الفنية وتمظهراته الشكلية بمثابة تعبير ولكن كل اسلوب له رؤية خاصة تعبر عن الافكار من قوانين محددة له .. وبطبيعة الحال يحتفل التعبير بالذاتية الخالصة والرومانسيةلاقتناص شيء من الجمال المستور في ماوراء المرئيات وبالتالي تجد ان أغلب تجاربي الفنية بشكلٍ عام وتجرربتي الاخير 2012 على قاعة أكد للفنون بشكل خاص (قطاف عنصر الصمت) قد انتهجت أسلوباً محدداً وهو التعبيرية التجريدية الذي يمثل احدى اتجاهات الفن التجريدي وهو منفتح على طروحات مابعد الحداثة المفعمة بالتحديث والترميز والتحزيز والتدوير والتعبير والتجريد على حساب الايقون بعيداً عن التشبيه والتقريرية الساذجة . * حفرياتك في التاريخ هل لها بعد أكاديمي أم انك تروم الغوص في المعرفة من اجل إنضاج تجربتك ؟ ـ اجابتي هي الاثنين معاً ..؛ اذ لايمكن فصل الجانب الاكاديمي الذي استنشق به ومنه كاستاذ فلسفة الفن في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل وبين الجانب الآخر الذي هو المعرفي الذ يصبوا اليه كل فنان أو أديب ..فهما وجهان لجسد واحد (المعرفة) يكمل احدهما الآخر..؛ على اعتبار ان أغلب تجاربي الفنية على مستوى الرسم والنقد التشكيلي تجدها تنطلق من المرجع في عملية التنقيب عن الاثر أو العلامة بحثاً عن المعاني الجوهرية ، من أجل ان تكون تجربتي فيها شيئاً من الامتداد الزمكاني في الفكر والجمال ليمتد الماضي الجميل عبر الفكر الوسيط والحديث الى اللحظة الحاضرة التي تقترح لغةً معاصرة تنفتح على الآخر لتمتد ذهنياً بعد ذلك من خلاله بفعل التعددية في القراءة والصيرورة الفنية فكلنا نتائج لاناس سبقونا – على حد تعبير أدونيس – وهكذا أقوم بانتاج الاسئلة التي تحاول في كل المرات ان تمسك بالاطياف . * عملية ترك المتلقي يدور في ساحة التأويل في لوحاتك ، هل فيها قصدية لأشغال المتلقي في موضوعة لوحاتك أم أن الحداثة لها تأثير على أسلوبك ؟ ـ انا لااترك المتلقي يدور في ساحة التأويل من أجل التأويل بل وجدتني اشتغل على تكوينات فنية وطريقة أدائية تحتفل بطروحات مابعد الحداثة تسمح لان يكون المتلقي مشاركا في العملية الابداعية وليس مستهلكا أو مؤولاً فقط .. بمعنى ان فيها قصدية طبعاً ؛ بوصف انه كل تجربة فنية عليها ان تحتكم من وجهة نظري الشخصية المتواضعة الى شيء من القصدية الواعية المحتكمة الى الخبرة والتراكم(النية) ،كي لاتقع التجربة في فخ الصدفة !! الغير مجدية فتصبح مجرد فقاعة تنتهي بوصولها الى السطح وانفجارها !!.. فقد اعتمدت تقنيات وعمليات تحديثية تحتفل بالتسطيح والتبسيط في تجاربي المتأخرة على وجه الخصوص ، من اجل ان يكون المتلقي منتجاً من خلال وضع فخاخ وأسئلة متعددة الاصوات تجتاح ذهنيته لحظة فعل الاشتباك فتثير فيه توق الى التأويل والتدويل بحدود نظرية التلقي ..حيث ارى ان قيمة العمل الفني يعتمد من وجهة نظري على مايحمله من أسئلة ومايثيره من أفكار لدى الآخر . * هل تخاطب النخبة من خلال غموض بعض لوحاتك ؟ وكيف تصنع جمهورا شعبيا تسحبه برغبة كبيرة إلى أعمالك ؟ ـ ان كان الغموض الذي تقصده يرادف اللامرئي أو المخفي أو المسكوت عنه فأنا أخاطب الآخر من خلاله .. فالفن اعتبره موجه الى الآخر أكان بخبوياً او تعبوياً أم غيرهما ..ولست مع الفن الخاص فقط بالنخبة !! الفن يعتمد على مايمتلكه الآخر من مرجعيات ثقافية ومعرفية وبصرية وان طبيعة الحال اعتمد كما ذكرت سابقاً اسلوب التعبيرية التجريدية الذي يحتفل بالجانب الفكري والجمالي بجانب التقني والذهني المتأثر بطروحات مابعد الحداثة فضلاً هن الجانب الآخر المتمثل بالتعبيري الذ يجد الآخر فيه تكوينات لمفردات واضحة المعنى (الجسد – الهلال – القبة والمنارة – النجمة – النخلة – القارب – الحروف – الايقون ...) فالفن اليوم يحاول ان يصنع جمهوره اينما كان وليس فقط صناعة لوحة بصرية . فان لم يؤثر الفن في الآخر لااعتقد باننا يمكن ان نطلق عليه فناً لربما هو مجرد حرفة .فالفن هو الانسان وهو الآخر والانسان هو الفن . * هل تجد أن المعارض التشكيلية تلقى صدى لدى المتذوق العراقي حاليا ؟ وكيف تنظر للمشهد التشكيلي العراقي الآن والكربلائي خاصة ؟ ـ في الامس كان للفن والمتلقي في العراق حضوراً متميزاً قد القى بظلاله في المنطقة العربية والاسيوية على حد سواء ولكن كان ينقصه التوثيق والتسويق والرعاية وفكرة الاقتناء الذي حاربه نظام الامس في كل المجالات !! ولكن اليوم ونحن نعيش عصر الحرية والديمقراطية والمعلوماتية بدأ الفنان يفكر بتوثيق فنه ومن ثم تسويقه خارج حدود الوطن ولكن هنالك بعض المعوقات الجديدة ظهرت على السطح الثقافي منها الملفات الامنية والصحية والسياسية محلياً واقليمياً ودولياً فكممت الثقافة والتجأت الى التغني بالماضي الجميل ، فضلا عن عدم وجود دور فعال لوزارة الثقافة او جمعيات الفن والتشكيل ..فاصبحت حقيبة الثقافة في المركز الاخير كونها حقيبة غير ربحية !! مما ساهم في هجرت العقول والمبدعين والفنانين بحثا عن الحياة خارج حدود الوطن الممتليء بالاحتلالات والاختلالات مع الاسف . * كيف تختار عناوين معارضك الشخصية.وما هي أهمها على مستوى الإقبال والتأثير ؟ ـ بصراحة يتم في البداية في كل معرض تحديد موضوعة التجربة قبل الشروع بها ومن ثم اجراء دراسات واطلاعات وتكثيف القراءات من أجل اختمار الفكرة والتجربة ومن ثم الشروع بها تشكيلياً وبعد اكتمال التجربة يتم عرضها على النقاد ومداولتها معهم لتقديم التجربة بمقالة او دراسة نقدية مكثفة يتم من خلالها الاتفاق على العنوان لما هو متواجد في التجربة .ومن اهم عنواناتي (خطوط والوان راقصة 1994) و(حساسية الرسم وموسيقاه1999)و(قطاف عنصر الصمت 2012) .اما بخصوص أهمها فاعتقد بانها جميعها مهمة بالنسبة لي لانها متمفصلة مع بعضها البعض .. في حين مدى قبولها او تأثيرها على الاخر فاعتقد ان من يجيب عليها هو الاخر ولست انا .. على اعتبار ان التأثير معني به الآخر المتلقي .

قصص قصيرة جدا ً-عادل كامل

قصص قصيرة جدا ً




عادل كامل
إلى علي السوداني

[انشغالات]
    لم يعد يفكر أيهما سفك دم الآخر، الولد البكر أم الذي ولد بعده، ولم يعد منشغلا ً بأداة القتل، إن كانت لحرث الأرض أم للدفاع عن النفس، ومن استخدمها أولا ً، إنما كان يحدق في الحروف وهو يراها تجري بعضها وراء البعض الآخر، ككائنات لا يعرف أذاهبة إلى الأمام أم عائدة منه، ثم لم يعد منشغلا ً بالكلمات، ولا بالعبارات، ولا ....، من يكون قد فشل في إخفاء فعلته، بل بأصابعه وهي تأخذ لون الورقة، وظل الكلمات، وهو يتساءل أكانت هي التي تجرجره طوال الوقت، خلفها، أم هو الذي كان يهرول وراءها، وأحيانا ً يجري، وهو لم يعد يكترث إن كان قد جاء من الليل إلى النهار، أم من النهار إلى الليل، إنما، في تلك اللحظات، تجمعّت الأصوات، دفعة واحدة، لديه، فوضعها في قاع رأسه، وأوصد عليها الباب، بعد ان تركها نائية عنه، كي يسال نفسه، أيهما كان السبب...، القاتل أم الضحية، وهل كانت أداة القتل شبيهة بهذا الصمت الذي راح يراه يحاصره من الجهات كلها، وهو يكف عن الكتابة...؟
2012
[حوار]

     اقترب منه احد الأطفال، وسأله:
ـ لماذا تجلس وحيدا ً وأنت رأيت الجميع يغادرون ...؟
   هز رأسه بهدوء، وقال للطفل:
ـ ولكني لا اعرف عن أي شيء يبحثون، وماذا يريدون ...! 
فقال الآخر:
ـ إنهم ذهبوا إلى المكان الذي لا موت فيه!
فتمتم العجوز مع نفسه، بصوت مسموع:
ـ ولكن الموت هو الذي أرسلني، إلى هنا!
فصرخ الطفل:
ـ ألا تخاف ان لا تجد مكانا ً لك معهم..؟
ـ بل أخاف ان لا يجدوا لأنفسهم مكانا ً كهذا الذي لا حياة فيه ولا موت!
 وأضاف بصوم حزين:
ـ فما وجدته هنا، يا ولدي، لا يختلف كثيرا ً عن الذي لا وجود له هناك! 
فصرخ الطفل:
ـ سأخبرهم بما فكرت فيه!
   لكن الطفل، سأل نفسه، بعد ان اختفى العجوز، وتوارى عنه، فجأة: هل جئت من المكان الذي لا موت فيه، أم أنا ذاهب إليه...؟!
[وباء]

    سأل الرجل الزمرة التي ألقت القبض عليه:
ـ هل جئتم للقضاء على الوباء، أم على المصابين به ..؟
فسأله احدهم:
ـ كيف خطر على بالك هذا السؤال..؟
  فلم يجب، لأنه لم يعد يرى أحدا ً يفتك بالآخر، إنما رأى، في نهاية الزقاق، كيف استدار الوباء بحثا ً عن زقاق آخر.

[رأس]
     وهو يستعد لمغادرة البيت بحثا ً عن عمل، أمسك برأسه، وحاوره: إن حملتك معي لفت النظر إليك، وإن تركتك هنا، لن يدعوني بأمان..
صمت قليلا ً، عندما بزغت فكرة: ما اذا كان يستطيع ان يجعل رأسه لا مرئيا ً، أو ان يجرد رأسه من رأسه كي لا يلفت الانتباه...!
  ابتسم بلا مبالاة، لأنه عندما عثر على الجواب، لم يعد يتذكر السؤال الذي شغله.
[تحولات]
    استعاد القصص التي قراها في طفولته، عندما كان يتحول فيها الثور إلى نملة، والأسد إلى فأر، والتمساح إلى سمكة، والكركدن إلى دودة صغيرة...، واستعاد القصص التي طالما كان الناس يمسخون فيها فيتحول الرجل إلى سحلية، أو إلى ضفدعة، أو إلى بعوضة، والمرأة تتحول فيها إلى قنفذ، أو تأخذ شكل الأفعى...، فخاف ان يرقد، كي يجد انه تحول إلى حمار، أو إلى حشره ...، لكنه تساءل، في تلك اللحظات، قبل ان يغفو: لكن من ذا الذي يستطيع ان يحدد أي كائن أنا عليه، الآن، طالما لم اعد أرى أحدا ً، ولم يعد يراني الجميع..؟!

[ظلال]
   لسنوات طويلة أمضاها لا يعمل إلا على إخفاء ظله، متجنبا ً الأضواء، والتجمعات، والفضاءات...، ليكتشف، وقد وجد نفسه في مدينة نائية، ان أحدا لم يلتفت إليه، ليس لظله، أو صوته، أو أفكاره، بل لوجوده.  كان العمر قد مضى، دار بخلده، ولا معنى للأسى، أو الآسف، أو الحزن. آنذاك راح يرى ظله يمتد بعيدا ً عنه، وصوته لم يعد يسكن حنجرته، وان أفكاره راحت تتراقص، وسط حشد من الناس، من غير مراقبة، أو خوف. ولكنه رأى احدهم، يمر بمحاذاته، فسأله: ما الذي تبحث عنه..؟ هامسا ً أجاب الآخر، وهو يراقب الآخرين بحذر:
ـ ابحث عن مدينة لا يسرقون ظلي مني فيها!
[طبول]
    جاءته الأصوات موجات متقطعة، تارة كانت شبيهة بنسمات الفجر، خفيضة، باردة، وتارة كانت الأصوات شبيهة بما يحدث في أسواق الصفارين، والحدادين، والساحات العامة. آ ...، ليصطدم برؤية زمر متلاصقة تتقدمها جوقة تقرع الطبول...، وأخرى تدك الأرض دكا ً، فسأل نفسه: ماذا يحدث..؟  قبل ان يعثر على جواب لمح فتى وحيدا ً صامتا ً أعقبه كهل، ومجموعات من الأطفال...، فقال يحدث نفسه، لا غرابة في الأمر، لأن حشدا ً آخر كان يصدر زمجرات لم يسمعها من قبل، ترتفع عاليا ً، لتنخفض، من ثم تزمجر الحناجر، وتهدأ، حتى لم يعد يرى إلا الطريق خاليا ً من المارة. ثم فجأة شاهد أكداسا ً بشرية لها بداية وليس لها نهاية، تهلهل، وتصفق، وتهتف، وترقص، تتقدمها  مجموعات تطلق النار في الهواء، وأخرى تقرع الطبول، وثالثة تنفخ في الأبواق.  مال رأسه إلى الخلف، والى الأمام، فعدله، ليفقد السيطرة على انحرافه نحو اليمين، والى اليسار...، ليجد الشارع خاليا ً من المارة. آ ....، ولم يغادر المكان الذي اختاره للجلوس في المراقبة، فقد بدأ يصغي إلى أصوات نسوة ينحن، وهّن يلطمن، ويمزقن ثيابهن، إنما شاهد بعد ذلك مرور كائنات تداخلت أشكالها، وأصبحت كأنها مركبة، لها رؤوس مكعبة، وأقدام كالخيزران، كانت تصدر أنينا ًشبيهة بالعواء المكتوم. خاف الكهل، لبرهة، من ثم انشغل بالإصغاء إلى حناجر اختلطت أصواتها، فقد كانت تهتف عاليا ً، ثم أعلى، فأعلى، تلاها حشد يرتدي ملابس لا ألوان لها، وأخرى بيضاء، وثالثة، حمراء، ورابعة، بلورية، وخامسة سوداء، وسادسة اختلطت ألوانها، لتلتحق بها، مجموعات تداخلت أشكالها حتى لم يعد يرى إلا كتلة واحدة تصدر صوتا ً شبيها ً بدوي البراكين، وأخرى تزلزل، وثالثة اشد عنفا ً، وقوة، لم تترك له قدرة للإصغاء، لأنه، عندما هم بالمغادرة، وترك موقعه، لم يجد ظلا ً لا لجسده، ولا لصمته، لأنه لم يعد يعرف ماذا حدث بعد ذلك.
2012


[اجتثاث]

     كان قد اجتث، بطرق شتى، خلايا دماغه من الكلمات المثيرة للريبة، والظنون، التي تداخلت بالخزين الغامض الذي تخفيه الكلمات، ومشفراتها، داخل رأسه. فقد عمل على غسلها، وبتر الزائد منها، وتشذيبها، وتطهيرها، ومحوها، درجة انه تنبه لأي رد فعل مضاد قد يواجه عمله هذا، بصفته عملا ً إراديا ً، ويكاد يخلو من الضغوطات.
   وها هو يجلس وحيدا ً في غرفته يحدق في ما تبقى من الخلايا، في ذات صباح حار، ليعيد فحصها، ونبش ما توارى فيها من تلك الكلمات، أو أنصافها، وما يمكن ان تدل عليه، وما اذا كانت قد تحايلت عليه، واخفت ديناميتها، وإرادتها العنيدة بالبقاء، وما اذا كانت قد تسترت على قدراتها على الانبعاث، ومغادرة الحدود التي رسمها لها، فظهر له أنها وديعة، طرية، رخوة، ومنفصلة بعضها عن البعض الآخر، وقد تحولت إلى ما يشبه البذور الجافة، أو شبيهة بذرات خالية من النواة، أو كرات بلا مراكز. فرفع رأسه قليلا ً وحدق في قرص الشمس، لبرهة، فوجد انه لا يستطيع كتم رغبة حادة بالصراخ، ورغبة أخرى بالبكاء، ورغبة ثالثة بالرقص، وأخرى بمغادرة غرفته، في بيته القديم...، لكنه، ما ان حاول النهوض من كرسيه الخشبي، حتى شاهد قرص الشمس وقد تحول إلى بقعة سوداء، بحجم حبة رمل، لا مرئية أو بالكاد استطاع ان يراها بالعدسة المكبرة، وهي تزحف باتجاه خلايا رأسه ، وتندمج، وما ان بحث عنها، حتى رآها توارت، من غير اثر يذكر.
2012



[اعترافات]
ـ  "ليس لدي ّ ما اعترف به.. "  ودار بخلده، انه تم انتزاع كل ما لديه من أسرار، ومعلومات، وصور، ورموز. ليرفع رأسه وهو يحدق في الزمرة التي ألقت القبض عليه، وهي مازالت تواصل استجوابه. فقال احدهم يخاطبه:
ـ "نعرف ذلك ..."
     فوجد الكلمات تغوص في أعماقه النائية، تارة، وليس لديه قدرة تركها تغادر فمه، تارة ثانية. فراح رأسه يتمايل إلى الوراء، والى اليسار، والى اليمين، والى الأمام، من غير كلمات أو ما يشير إلى الأفكار، أو إلى المعاني. مصغيا ً إليهم بشرود:
ـ " نعرف ذلك ...، ولكننا لم نلق القبض عليك بسبب تهمة ما موجه ضدك ..."
ـ " ....."
ـ " بل لأنك أصبحت الآن تعيش بلا تهمة"!
ـ " ......."
ـ " ولهذا قررنا ان نمنحك هذا المفتاح .."
ـ " ..... "
ـ " كي يدور في القفل "
ـ " .... "
ـ " وتختار ركنك هناك، في الغابة، بمحاذاة البحيرة، والجداول، حيث  تجد هناك ما طاب لك ان تختاره من الغلمان، والطعام، والفتيات الباكرات، والخمور،  ....، وكل ما حلمت ان تراه في حياتك الزائلة، هنا، معنا ..."
    بحث عن الكلمات في رأسه، فوجدها تبخرت، تلاشت، ولم تترك أثرا ً يدل عليها. فأشار لهم انه لا يريد الذهاب وحيدا ً، وانه، في الأصل، تخلى عن تلك الأمنية، وانه انشغل بما لا يوصف من شقاء، طالما عذبه وهو يتأمل عذابات البشر..
ـ " ها أنت تفكر ..."!
ـ " .... "
   فحاول ان يعدل نظام الإشارات، ويخبرهم انه لم يقصد عدم الطاعة، أو العصيان، بل قصد ان يتبرع بهذا الاستحقاق لهم، فلم يجد وسيلة لذلك. فخاطبه الآخر بصوت حاد:
ـ " ها أنت ترتكب الإثم ..."
ـ " ..... "
ـ " ولسنا بحاجة إلى وجودك، معنا، بعد اليوم، فاذهب إلى المجهول"
2012
 


الجمعة، 5 أكتوبر 2012

غالب المسعودي - عندما تصل المرارة حد الحلقوم

أربع قصص للأطفال-د. بلقيس الدوسكي

سيرة د. بلقيس الدوسكي ـ
 ولدت في الموصل ـ العراق ـ أكملت دراستها الأولية في كلية الإدارة والاقتصاد ـ بغداد ـ بكالوريوس فنون مسرحية ـ كلية الفنون الجميلة ـ بغداد ـ ماجستير في الفنون المسرحية الكردية. ـ دكتوراه في الأدب والنقد المسرحي الكردي المعاصر. عضو في نقابة الصحفيين العراقيين/ عضو نقابة الفنانين بغداد وكردستان/ عضو اتحاد المسرحين العراقيين. ـ عملت في الصحافة، وفي التلفاز، وقدمت مجموعة من البرامج الفنية والأدبية. ـ أدت سلسلة من الأغنيات باللغة الكردية. ـ تدريسية في جامعة صلاح الدين ـ هولير/ اربيل. ـ لها مؤلفات منشورة في القصة والرواية والنقد المسرحي.....
-------------------------------------------------------





 وجه الحياة الأجمل
د. بلقيس الدوسكي
 قال الأب يخاطب ولده الشاطر: ـ نم يا ولدي، كفاك مطالعة، فالساعة أصبحت متأخرة من الليل. ـ أنا يا بابا، أريد ان أكون متفوقا ً، وفارسا ً في الصف. ـ أنا أشجعك على هذا التفكير، لكن عليك ان ترتاح الآن، ولا تجهد نفسك. ـ ولكن، يا بابا، يجب ان أحفظ دروسي، جيدا ً. ـ ابني العزيز، لا تتعب فكرك أكثر من طاقته.. ـ أنت يا بابا، الم تعدني بهدية عندما أكون متفوقا ً، وقد حصلت على درجات مميزة..؟ ـ ومازلت عند وعدي، ولكن ما هي الهدية التي تحب ان أقدمها إليك في يوم النجاح..؟ ـ باقة ورد لي، وفستان جميل لامي! ـ بكل سرور.. والآن نم، وتصبح على خير. استيقظ الابن صباحا ً وذهب إلى المغسلة لغسل وجهه، واستعمال الفرشاة لتنظيف أسنانه، فقد اعتاد ان ينظفها قبل الفطور، وبعده، وكذلك في أوقات الغداء، والعشاء. ثم حمل حقيبته المدرسية، ووضع فيها الكتب بحسب المنهاج المطلوب لذلك اليوم، وذهب إلى المدرسة. في البيت، قال الزوج لزوجته: ـ ولدنا يحتاج إلى كثير من العناية، ويجب ان نشجعه على هواية يهتم بها منذ الآن. ـ أنا أتمنى ان يكون طبيبا ً، أو محاميا ً، أو مهندسا ً.. ـ هوايته، منذ الآن، هي التي تحدد اختياره، ومستقبله. بعد الظهر، عاد ولدهما الموهوب، من المدرسة، وقال لهما: ـ اليوم فزت، فصفق لي زملائي الطلبة كافة، وشكرتني إدارة مدرستنا. ـ بماذا فزت يا ولدي ...؟ ـ أجبت على الأسئلة كافة، حول احترام الوالدين، وبناء المستقبل، وحب الوطن، والناس، وحماية الطبيعة، والنظافة، وعدم إيذاء الطيور، والحيوانات، ومساعدة الآخرين، لأنها جميعا ً صفات الطالب المجتهد. ـ أحسنت يا ولدي، أحسنت. وقالت أمه له: ـ قل لوالدك، يا ولدي الشاطر، أن لا ينسى الفستان الجديد، عندما تأتي بشهادة النجاح. ـ سأذكره عندما انجح في الامتحان، ولو انك ِ يا أماه تمتلكين العديد من الفساتين الجميلة! ـ وماذا تتمنى ان تكون مستقبلا ً يا ولدي..؟ ـ أتمنى لي، ولزملائي، النجاح بتفوق، أما أمنيتي الخاصة، يا أمي، فهي ان أرى بابا وماما وهما يصغيان إلي ّ وأنا قد أصبحت موسيقيا ً، واعزف ألحانا ً جميلة. فسألته: ـ وما اسم أول لحن ستعزفه لنا..؟ ـ اسمه: لعيون ماما وبابا. ـ يا ولدي الحبيب، لم اعد أفكر في الفستان، بل بالفن الذي اخترته، لأنه سر الحياة، وبهجتها.
 [هيا يا أطفال قريتنا]
 دخل نبيل على الرجال المجتمعين في دار والده وسلم عليهم، وظل واقفا ًوهو يستمع للحوار الجاري بينهم. احدهم ـ ان الشتاء على الأبواب، وعلينا ان نستفيد من أشجار القرية. الثاني ـ ماذا تقصد...؟ احدهم ـ ان نجعل منها حطبا ً للتدفئة وللطبخ. الثالث ـ لكن الأشجار مثمرة، وقد أكلنا الكثير من ثمارها. احدهم ـ ان برد الشتاء لا يرحم. الرابع ـ ماذا تقول يا أبا نبيل ..؟ ـ ارفض قطع الأشجار لسببين: الأول لفائدتها الغذائية، والثاني لأننا نستفيء بظلالها أيام الصيف. احدهم ـ ثم أنها بمثابة الرئة التي تجلب لنا الهواء النقي. الخامس ـ يبدو ان لنبيل رأي آخر، فلنستمع إليه. نبيل ـ إنكم اذا قررتم قطع الأشجار، تظلمون كل أطفال القرية، وأنا واحد منهم.. احدهم ـ كيف يا نبيل..؟ نبيل ـ أنسيتم إننا في الأعياد نجعل من الأشجار أراجيح لنا ونمرح تحت افيائها..؟ الثاني ـ صدقت يا نبيل. نبيل ـ والأشجار هي زينة قريتنا ومصدر غذاؤنا، والحكمة التي سمعتها من والدي تقول: ازرع ولا تقطع. احدهم ـ ولكن يا نبيل، علينا ان نحمي أطفالنا من البرد. نبيل ـ إننا الأطفال نجد متعة في اللعب بين الأشجار فلا تحرمونا منها. السادس ـ أنا أضم صوتي إلى صوت نبيل. آخر ـ وأنا أيضا ً. السابع ـ اذا ً،علينا ان نحافظ على أشجارنا، وأراجيح أطفالنا. آخر ـ بوركت يا نبيل. نبيل ـ اعتذر من أبي ومنكم، لأنني تدخلت في الموضوع بلا استئذان. احدهم ـ من حقك ان تتدخل يا نبيل، لأن لك ولأصدقائك أطفال القرية حصة في الأشجار. نبيل ـ ولأشجارنا حق علينا إن كنا كبارا ً أو صغارا ً، ان نرعاها ونسقيها ونشكر الله على ما تعطينا من ثمارها اللذيذة. احدهم ـ الحمد لله والشكر على نعمه. نبيل ـ وأقول، لو سمح لي أبي.. والده ـ قل يا نبيل. نبيل ـ شكرا يا أبي، الذي أقوله: النهر قريب جدا ً من قريتنا فلماذا لا نتعاون جميعا ً ونشق جدولا ً صغيرا ً نروي به أشجارنا..؟ احدهم ـ فكرة رائعة. الجميع ـ اذا ً، هيا بنا يا رجال قريتنا. نبيل ـ و ... هيا يا أطفال قريتنا نشترك في العمل.
[ملتقى العصافير]
 اليوم يا أصدقائي، هو يوم الجمعة، وقد اتفقنا بالأمس، على ان نقوم بسفرة إلى قضاء المدائن، في صباح هذا اليوم، وسيذهب معنا احد الإباء وإحدى الأمهات للحفاظ علينا. ولكن شرط ان يأخذ كل واحد منا موافقة ذويه، وان نشترك جميعا ً في شراء ما نحتاجه من طعام، أما العم أبو واثق فقد تبرع مشكورا ً بسيارته بلا مقابل. (تصفيق حار لأبي واثق) حضر الآباء والأمهات معلنين موافقتهم على مشاركة أولادهم بهذه السفرة الجميلة، ثم تحركت السيارة وبدأ الأطفال يغنون: بلادنا الجميلة ذات الهواء العليل أنهارها تجري عسلا ً أزهارها عطر القبل وملتقى العصافير في هذه الخميلة. وصلوا إلى المدائن وهم فرحين بهذه السفرة الجميلة، بعد ان ترجلوا من السيارة، فطلب أبو قمر منهم قائلا ً: ـ يا أبنائي الأعزاء، تجمعوا أمامي لأقول لكم كلمة مهمة. استجاب الجميع لطلبه واصطفوا جميعا ً أمامه. فقال لهم: ـ أنا سعيد جدا ً لأنكم اخترتموني في هذه السفرة كي أكون مشرفا ً عليكم ، ومعي عمتكم أم قمر أولا ً، وثانيا ً أرجو ان تحافظوا على النظام والهدوء والاحترام فيما بينكم. لأن الكثير من العوائل الكريمة التي جاءت من كل مكان لزيارة هذه المنطقة السياحية الرائعة ستراقب كل حركاتكم وسكناتكم فكونوا بالمستوى الذي يليق لتكسبوا إعجاب الآخرين. ـ ولكن يا عمنا أبا قمر، أليس من حقنا ان نغنى ونمرح ونرفه عن أنفسنا..؟ ـ من حقكم طبعا ً، ولكن ضمن إطار الذوق الرفيع، فالحياة حديقة واسعة وانتم زهورها وبلابلها. ـ شكرا ً يا عم، وما أحلى هذه السفرة. ـ ولكن يا أعزائي، هل تعرفون ما هي الأبعاد الأخرى لها ...؟ ـ ما هي ؟ ـ ليس المقصود من السفرة هو الترويح عن النفس فحسب، وإنما هناك ما هو الأهم .. ـ مثلا ً يا عم ..؟ ـ أولا ً، التعرف على تاريخ المنطقة، ومن سكنها، ولماذا أطلق عليها هذا الاسم، وما هي الأحداث التاريخية التي شهدتها، وغير ذلك من الأمور ، كي نعلم جميعا ً ان الغاية القصوى من السفرات هي المتعة والفائدة، والآن، لنختار المكان الذي تمارسون فيه ألعابكم والترفيه عن أنفسكم باللهو والغناء. ـ شكرا ً يا عمنا العزيز. ـ لا شكر على واجب يا أحبتي. ـ مكان جميل يا عم. ـ اذا ً، أعطوا لعمتكم أم قمر كل ما لديكم من متاع لتهيئ لكم وجبة الغداء. ـ شكرا ً لعمتنا أم قمر. ـ تذكروا ان المنطقة غاصة بالعوائل وأطفالها، فلا يبتعد أحدكم عن الآخر ويضيع في غمرة الزحام، ويتعبنا في البحث عنه. ـ أمرك مطاع يا عم. بدأ الأطفال يغنون الأغاني الأصيلة التي تدعو إلى الآلفة والمحبة والتعاون واحترام الوالدين وعشق الطبيعة والأرض، حتى تجمع أطفال العوائل الأخرى من حولهم وشاركوهم هذه الاحتفالية الممتعة. لقد جلبوا أنظار كل العوائل ونالوا استحسان الجميع وإعجابهم، ثم مثلوا مسرحية بعنوان (أحفاد الربيع) فأجادوا بأدوارهم، بعد ان صفق الجميع لهم. ثم اصطحبهم أبو قمر في جولة في أرجاء المنطقة وراح يروي لهم تاريخها وأحداثها وكل ما يتعلق بماضيها، فكانت سفرة ترفيهية وثقافية زودتهم بمعلومات لم تكن في حسبانهم. وبعد تجوالهم عادوا فوجدوا أم قمر وقد أعدت لهم وجبة الغداء، ثم جمعوا حاجاتهم، وعادوا وهم يرددون الأغنية الأولى نفسها، فقال أبو قمر لهم: ـ هنيئا ً لكم هذا الفرح، والى سفرات أكثر جمالا ً، وإمتاعا ً.
 [قناديل العلم وفرسانه]
 كانت المنطقة تقع بين ربوع الطبيعة الخلابة، التي تحيط بها مزرعة للجميع، غربا ً، وبين النهر الواسع شمالا ً، والذي كان يبعث على السرور هو ان كل العوائل تعد نفسها أسرة واحدة يسودها الوئام والوفاء، فالكل يهتمون بنظافة أطفالهم، ويساعدونهم على حفظ دروسهم، إضافة إلى المحاضرات التربوية التي تلقى عليهم بين افياء المزرعة التي تهتم برعايتها وسقايتها العوائل تلك. كان الأطفال يفضلون لعبة كرة القدم، وهي هوايتهم المفضلة بعد عودتهم من المدرسة، وفي كل يوم يتبرع احد الآباء ليكون الحكم الذي يدير اللعبة. وفي ذات يوم رفض الأطفال باتفاق الآراء ان يلعب معهم سمير إلا بشرط، سأل الحكم: ـ وما هو هذا الشرط..؟ ـ لأنه خالف أمر والدته، ووالده، ولم يذهب إلى المدرسة. ـ لا .. هذا أمر لا نشجع عليه، ولكن ما هو الشرط ..؟ ـ ان يعتذر من والده ووالدته، ويصطحبهما إلى الملعب، كي نوافق على لعبه معنا اذا طلبوا ذلك منا. اقترب الحكم من سمير واخبره بمضمون الشرط، فهرول سمير إلى البيت، وقبل والدته ووالده، واعتذر منهما، واصطحبهما إلى الملعب، فقال والده يخاطب الجميع: ـ أحبتي، أطفال منطقتنا الجميلة، يتقدم سمير بالاعتذار، وبعدم تكرار خطأه، فسامحوه، واسمحوا له ان يلعب معكم، وشكرا ً لمشاعركم النبيلة. هرول سمير إلى ساحة الملعب، شاعرا ً بالندم، ثم سمحوا له باللعب. كان الحكم يتوسط الساحة، ويدير اللعبة بكل حكمة ودراية وثقة، وقد لاحظ بعض السلبيات خلال الشوطين، الأول والثاني، فدونها وسلمها إلى مدربي الفريقين، ثم انتهت المباراة بهدفين لفريق الطبيعة، وبهدف واحد لفريق العصافير. اجتمع كل مدرب بفريقه وراح يوضح له مؤشرات وملاحظات الحكم، ومنها الابتعاد عن الخشونة، والالتزام الكامل بقانون اللعبة، والتسامح عند التصادم، أو عند سقوط احدهم من الفريق الآخر، والمواظبة على إتمام الواجبات المدرسية، واحترام الوالدين، وإطاعتهما، وتجنب الخصومة فيما بينهم، والابتعاد عن النفاق، والأنانية. فقال احدهم: ـ نريد يوما ً خاصا ً للسباحة. ـ على ان يخصص للذين يجيدون السباحة، أما الذين لا يجيدونها، فليتعلموا السباحة أولا ً، في الجدول الصغير، وبعدها نسمح له بالسباحة في النهر الكبير. وبالمناسبة أقول لعمي أبو سمير، من الضروري جدا ً ان يذهب ولده معه إلى إدارة المدرسة ويعتذر عن غياب ولده سمير، وعلى آبائنا الأفاضل ان يكونوا الظهير المساند للمعلمين الأفاضل في توعية الأطفال وإرشادهم، وان يكون البيت هو المدرسة الثانية. هتف الجميع: ـ عاش العلم، عاش المعلم؟ وقال الآباء: ـ أطفالنا في عيون المستقبل، هم قناديل العلم وفرسانه. درت في أكثر من ثلاثين كتابا ً.
-------------------------------------------------------------------------------------

قصة قصيرة-أخر الفصول-عادل كامل

قصة قصيرة ---------- أخر الفصول
كان يجلس في الحديقة، فوق العشب، تحت ظلال شجرة السدر، وحيداً يتأمل ألوان الفراشات وحركتها المتراقصة بين الأزهار .. فيما كانت زوجته تجلس في الصالة، فوق أريكة كان أشتراها قبل نصف قرن .. تهز رأسها بحركة آلية .. وتحدق في لا شيء. أنتصف النهار، وهما يجلسان هكذا، لا يعرف من ذا الذي همس في أذنه، همساً غامضاً، تسلل إلى خفاياه الداخلية .. فأجاب بصوت خفيض: ـ لا أنتظر شيئاً محدداً .. هناك فراشات بيض ورمادية .. صفراء، وحمراء .. ـ وماذا تفعل بالضبط ؟ ـ أراقب ضوء الشمس .. وأشم الهواء المغبر .. ربما الهواء الصافي .. الملوث قليلاً .. لا أعرف بالضبط .. هل كنت أتكلم مع نفسي .. منذ متى لم أتكلم..؟ ـ مثلي. أنا سعيد لأني أراقب الفراشات الحمراء فوق العشب .. أراقب الهواء الذي يداعب أغصان الأشجار .. ذات مرة وأنا في الخامسة من عمري هبت عاصفة أفقدتني الوعي .. أما الآن فالأغصان ترقص. للأسف يصعب أن نتعلم جميع اللغات .. ترى ماذا تقول الريح .. ماذا تهمس هذه الفراشات بعضها للبعض الآخر .. ماذا تقول الوردة للسماء .. ومع من أتكلم أنا؟ ـ لا أحد يتكلم معي منذ ربع قرن .. منذ ولدت .. ولا أعتقد أنني سأعثر على من يهمس في أذني: أيتها الحلوة .. أيتها الحبيبة. واآسفاه إننا نتكلم بدافع الصمت .. وتبلدنا بدافع الرتابة. ـ يا لها من لغة عصية على الفهم. أكاد أفهم ما تريد أن تقول الفراشات لكنني لم أستطع، منذ ولدت، حتى الآن أن أفهم اللغة البشرية. آ .. عليَّ التزام الصمت. لا جدوى من البحث. في هذا العمر، وأنا أتأمل الفراشات تموت فوق العشب، عن لغة للفهم. أنا لا أعرف مع من أتكلم. المشكلة أني أسمع وهذا يعني أني أتكلم. حمداً للسماء أني لا أصرخ ولا أحد غيري يصرخ .. ـ أنه الهمس .. ـ ولكني كنت أعيش مع امرأة. أو كانت، في يوماً ما، امرأة .. كانت هنا معي، قبل أن تموت شجرة الرمان .. ومع أنها كانت تبكي في نومها إلا أنها كانت تصنع لي الحساء .. وتحدثني عن ملائكة بيض .. والآن يصعب عليّ اكتشاف طريقاً لمعرفة ما يحدث. ربما هي الأخرى تقول: كان في يوم ما، هنا، رجل يعيش معي! .. أي أنا .. أنا الذي لا يستطيع أن يصرخ .. أنا الذي لا يعرف سر هذا الوهن الذي أخذ يفككنا .. ـ كان يحب الطيور .. طيور الحب .. والنباتات التي حولت البيت كله إلى غابة .. حتى أني قلت، قبل نصف قرن أو أكثر أو أقل، أننا تحولنا إلى عصفورين. قال: لا . قال: أننا لابد أن نتحول إلى نبات. وقال لا جدوى من أقناع العبقريات الفذة بهذا .. لا جدوى .. وقال أننا لسنا بالسعداء ولا بالتعساء .. لسنا بالأحياء ولا بالموتى .. ـ لا أتذكر أني تعذبت في حياتي .. أو افتعلت حالة الكذب .. وهكذا كانت تهمس في أذني، يوم كنت أفتعل الكلام، غريب أن يتكلم البشر .. والأغرب أن هناك شكوى من العذاب. - أستمع إلى أصوات غريبة لا أعرف مصدرها .. صرير .. أزيز .. خشخشات .. لا بد أن البيت قد تحول إلى حديقة حيوان. ـ منذ البدء لم تكن لدي أفكار .. ولا حاجة للتفكير .. بعد أن أصبحت متقاعداً، مثلها، أصبحت الحياة ذكرى بيضاء. لست بالحزين ولا بالسعيد وأنا أتعرق بفعل أشعة الشمس. أعتقد أننا في فصل الصيف وليس في فصل الخريف .. لا في الشتاء ولا في الربيع .. أعتقد أننا في الفصل الخامس .. أو في مرحلة ما قبل الفصول، وخارجها .. في الفصل الذي لا أسم له. ربما أنا في الفصول كلها. ـ أعتقد أنه هو الذي كان يبكي في نومه .. إلا أنه أستطاع أن يغريني بعمل الشيء نفسه. لكني منذ عشرين سنة لم أعد أعرف من منا كان يبكي في نومه .. أو حتى في منتصف النهار. لا مناص: كلانا لم يكن يعرف .. ولم يكن أي منا يفكر باتهام الآخر. كنا لا نعترض على أي شيء. الأمر الوحيد الذي اختلفنا عليه، ساعة واحدة في الأقل، من منا يذهب لتسلم الراتب. بعد ساعة قررنا الذهاب معاً .. وأتذكر أن بعض الغرباء ساعدونا بالعودة إلى البيت .. فلا أنا ولا هو كنا يعرف ماذا يحدث له. فقدنا الوعي فجأة .. ثم تنازلنا عنه إلى الأبد. للحق قال لا جدوى من التشبث بنفايات ضارة. ـ عندما دخلت المستشفى .. أو عندما اختفت من البيت .. عرفت أني أنا الذي ضعت. ترى أين تعثر على شيء ضائع، ورفيف عصفور لا ينتمي إلى زمن؟ لقد عثروا عليّ راقداً فوق شجرة السدر هذه .. لم أكن معها ولا بعيداً عنها .. لم أبك، ولكني قاومت النزول إلى الأرض. قلت: الهواء، هنا، لا يؤذي. - لا أعرف من يتكلم .. أتراني حفظت كلماته كلها .. أم أن صداه أمتزج بروحي؟ الغريب أنني في لمحة بصر أستعيد ذكراه .. وذكرى ثلاث أولاد لا يعرف أحد من أختطفهم .. وذكرى الجنين الميت في شهر السادس، وذكرى الفلاح الذي هرب بعد أن ترك خادمتنا الشقية، حسنة الصوت، اليافعة البنية، مرمية مدماة من الأسفل فوق العشب، وذكرى خيانته الوحيدة لي مع بغي جاوزت الستين، ذكراه الأولى التي لوثت تاريخنا الذي حسبناه لن يتكرر في العفة، ذكرى الرجل الذي حسب أنه لم يهزم قط في حروبه كلها، والذي أدار قفاه للعالم، والذي نجح، للحق وحده الغرور، بالاستغناء حتى عن نفسه! يومها قلت: يا للمصيبة، يا رجل. لم يجب على سؤالي على مدى نصف قرن، أنا التي كررت السؤال مرات، ومرات، ثم أخيراً، لم أعد أنتظر شيئاً .. أنني ما أزال أراه يكتم في أعماقه: خيانة بيضاء .. وتلك أقسى ضربة لحروبه ضدي . ـ كنا في حروب سرية مشحونة بالألغاز والأسرار . أنا نفسي أعترف أن ما من امرأة أحبتني أو كان في قلبها الحب الذي أريد .. المرأة، أو الحياة .. فقلت لنفسي: لا أريد أن يتذكرني العالم .. فما أسعى إليه، الآن، وأنا في سن الشروع بالبلادة، لا يتعدى حب ألف صنف من النبات والأشجار وبضعة أنواع من الطيور .. وكلب أتباهى به أمام القديسين، ألف صنف من النبات الذي يشحن دمي بالنسيان وبذكرى مليارات السنين الأولى .. وبطيور تمتعنا بأصوات لا اعتراض عليها: طيور مثل الفراشات لا عمر لها. قلت ذلك وأنا أكتم لوعة طفولة استحالت إلى رماد. ـ يتوقد .. كأنه كسب معركة مستحيلة .. فأصبحت بنظره محض عمر للتندر والأسى. يتوقد وهو يتفسخ في الفصل الذي لا أعرف أهو صيف أم خريف .. يتوقد في العمر الذي لا جدوى فيه من النيران. ولا حتى من الرماد. ـ لا عناد في الأمر .. يومياً أستيقظ، كأنها كارثة لا تريد فصولها أن تكتمل، فأتناول ما تيسر لي من الزاد، ثم أذهب إلى الحديقة .. مثلما فعلت اليوم، متأملاً هذا البهاء الذي لا يوصف، هذا النسيان الذي يفوق مجلدات الهذيان .. ثم أزحف نحو الدار .. نجلس .. نتناول ما يتوفر لدينا من الطعام .. ثم ننام .. لا أحد يعرف ماذا يفعل الآخر .. تقول أنني، أثناء أعز لحظات نومي، أصيح وأبكي، وتقول لي، أنها حتى في أحلامها النادرة تراني أنوح بصمت، بصمت. ـ هو ذا شبح حياتي يدخل .. ملك الملوك منذ الأزل .. أنه يتفقد رعيته الضالة .. تلك الشعوب التي تنام على الجوع، المشردة بالروح، الشاحبة درجة الخلود. هو ذا يتنزه، بين أعظم القادة الذين لم يولدوا بعد، ويصدر أوامره بالسلام .. لا جدوى من العِراك .. لم يقل الحرب. أتذكر أننا فقدنا الجميع في بدء المعارك، قبل نصف قرن. ولما طلب مني أن أحبل كان قد هجرني .. ثم أني كنت في الستين. هو ذا يخاطب النباتات التي عانقت الخلود. يالها من لغة ذهبية بلا أسرار. قال يخاطب شجيرة ماتت منذ سنتين: أنا قلت لا جدوى من الليل ولا من النهار، لا جدوى من إرسال الجميع إلى جهنم .. ولا جدوى من هذه الحكاية التي بلا ربح وبلا خسارة. ثم أخذ يتأمل لوحة كبيرة تجتمع فيها السلالة كاملة .. الجد الخامس وحتى آخر ولد مات كمداً بدافع الحب. صرخ .. أبي. ـ أنه أبي الذي لم يمت بعد. الحاضر .. مثل جدي الذي كان قد عاش كوليرا بغداد، وذلك الطاعون الذي ترك بغداد خاوية ألا من جثث متناثرة هنا وهناك. جدي قال أنه كان ينقل الجثث الثقيلة إلى مقابر بلا أسم. كل أرض مقبرة. أبي قال أن جده طُعن بخنجر مسموم .. وأبي قال لي: هذه هي الحرب. قلت له: لا توجد حرب ولا معارك. صرخ: عندما تكون في الخمسين من عمرك يا ولدي، تدرك حكمتي. ـ أنه يخاطب أفراد السلالة .. الأجداد والأحفاد على حد سواء، ويضحك. هذا الرجل لا يريد أن يتخلى عن عناده. ـ قديسون وكلاب .. فرسان خيول وحمير .. هاهم أجدادي وأولادي .. وها هي التي كانت، في يوم ما، ملهمتي للجنون، جامدة، خامدة، تحدق في لا شيء. ـ دكتاتور .. ولولا الدوار الذي أعاني منه منذ عرفته، لقلت له: لا تكذب. لكني تذكرت أنه كان، حتى في خياناته لي، قد وضعني في سلالة الخلود. يا لهذا العجوز الذي لا يريد أن يتخلى حتى عن أتباعه الموتى: هؤلاء، عشاق النباتات والفراشات والأسماك الصغيرة الملونة .. هؤلاء الذين كانوا يتحدثون عن صفاء الغيوم ووحدة القارات النائية .. هؤلاء الذين ماتوا أو تحولوا إلى تماثيل .. أجل .. لولا ذلك لقلت له: لا تكذب. ـ في اللاشيء .. كلهم يحدقون في لا شيء .. مثل تماثيل .. في لا شيء يحدقون .. أنا لا أعرف ماذا كانوا يريدون، ولا أنا عرفت ماذا أريد. أجدادي الأوائل بلا رموز .. ماتوا بهدوء وأنا الآن الوحيد الذي بلا قبر. سيان .. هم الأحياء وأنا الميت.. ـ دكتاتور .. دكتاتور صغير .. دكتاتور صغير جداً .. دكتاتور بلا صفات، ولا سمات، ولا أوسمة، ولا تأريخ .. دكتاتور مصاب بشيء غير مسمى، ولكنهن لسبب ما، آخر، أعز الموتى إلى روحي: لكني، مثله، أتكلم مع نفسي فقط..! ـ لا .. لا .. إنها ليست الشيخوخة المبكرة أبداً .. أن أجدادي أحياء .. فتيان وفرسان .. أما أنا فلا أعرف ماذا أفعل بهذا العجوز، الغابة الشائكة. وبهذه الذاكرة التي تستيقظ فجأة .. وبهذا العمر الذي أنطفأ في البدء .. ـ بصمت مطلق يتناول طعامه .. وبهدوء يغادر المائدة .. وهذا ما يفعله .. وأفعله أنا أيضاً، في كل يوم .. لا جدوى من الحديث عن أشياء ستحدث أو حدثت في يوم ما .. لا فائدة .. فهو فقد طموحه بعد أن تحرر من مخاوف الجوع .. والإشاعات التي سادت بين عقله وجنونه .. بين نذالته الأزلية وشرفه المبهم. لقد تحدثنا قبل عقد من الزمن عن هذا، فقال معترفاً أن ما شر يدوم أكثر من أي فعل يتسم بنوايا البراءة والعفة: سيان أيتها المرأة، لأننا لا نقول العكس إلا عندما نُسحر بالرغبات وما بعد الحب عمقاً. ـ من منا الذي يعوي؟ ومن منا الذي يكتم عويله ..؟ لقد تحدث أحدهم، قبل ربع قرن عني قائلاً: هذا رجل لا يتحدث ألا مع نفسه. سخف. أنا أتحدث مع الأشجار. اليوم ثرثرت كثيراً مع الفراشات البيض، والرمادية، والحمراء. وخاطبت ظلال شجرة جافة .. وأصغيت إلى صوت صخور مرمرية تعود إلى أزمنة سحيقة في هذه الأرض .. هذا يعني أنني لا أتكلم مع نفسي. ـ في هذه الساعة المتأخرة من الليل، وفي هذا الصمت المرير، وفي سن ما بعد الشيخوخة، أصغي لصوته الغريب: قادمون .. أنهم قادمون. بالفعل سمعت رنين الجرس .. كان الوقت قبيل الفجر .. على أن الظلام كان يملأ الروح، والجسد ثقيل والإعياء يشوش الذاكرة. قلت له: أنهض .. نهض حالاً .. وسار نحو الباب. قادمون .. لكنه لم يعد .. أنا لا أعرف ماذا فعلت خلال ساعة كاملة .. إلا بعد أن نهضت لمعرفة ماذا يحدث. كان زوجي، مثلما عرفته قبل نصف قرن، يتحدث مع السلالات والأبناء والأحفاد .. تلك .. المعلقة فوق الجدار .. اللوحات والصور المرسومة بعناية .. في هذه اللحظة كنت أود أن تكون أمي على قيد الحياة كي تحميني من الرعب الذي هز جسدي العظمي هزاً عنيفاً .. لكني حمدت الله أني سأراها يوم لا أستطيع أن أرى شيئاً. قلت له ماذا تفعل؟ أجاب: علينا أن ننتظر .. كان يتكلم بصوت خالٍ من العاطفة خالٍ من الهموم والمتاعب بل حتى من الأمراض .. وبصوت واهن طلب مني أن اسمح لهم بالدخول .. هؤلاء الأولاد الذين جئنا بهم كي نفقدهم في لمحة بصر. قلت: علينا أن نسقي النباتات التي يهددها الجفاف .. أليس كذلك؟. ـ أجل .. لدينا مئات الشتلات والشجيرات والأشجار المهددة بالجفاف والموت .. لدينا غابة وعلينا أن نتحول إلى عصافير. جنون عاقل .. أنها سيدة فاضلة عندما، على أية حال، أعلنت استحالة عودتهم .. إنها سيدة فاضلة دائماً وألا كيف مكثت معي تنتظر المستحيل .. عودة من لابد أن نذهب إليه .. حسناً، قلت لها: أن مشهد الفراشات، يوم أمس، جعل الحياة محتملة بعض الشيء .. ـ أية فراشات يتحدث عنها .. ومن هم الذين سيعودون؟. أنه لا يريد أن يسقي الأشجار الجافة .. ولا يريد أن يتحدث معي .. - ها أنذا أجلس في الحديقة .. معهم .. ومع الجميع، تحت ظلال شجرة السدر .. بمحاذاة نباتات برية زاهية الألوان، مدركاً أبداً أننا لن نموت ألا في يوم واحد، هي وأنا، وفي لحظة واحدة. فالموت وحده لا يطرق الأبواب، ولا يطلب الاستئذان بالدخول .. الموت الذي يسكن فينا، كأنه الموت الذي عرفناه قبل ملايين السنين .. وكأنه الحب الذي دفعنا ثمنه، موتاً آخر، حباً أبعد في مداه .. وصمتاً يشتمل أعتى الضجات .. كفى يا عجوز .. فالفراشات يحوّمن فوق الأزهار البرية .. ورياح الفصل الخامس بدأت بالهبوب .. وصمت الفصل الخامس أخذ يتوغل في الروح .. وفصل الذاكرة الأخيرة أخذ بالتوقد .. وأخذ بالانطفاء. 9/5/1987

جامعة ديالى ستغدو برتقالة معطاء في نشر ثقافة التسامح.الدكتور رافد علاء الخزاعي

جامعة ديالى ستغدو برتقالة معطاء في نشر ثقافة التسامح. إن جامعة ديالى هي أمل مدينة تحاول النهوض من ركام الإرهاب والدمار والرجوع إلى نضارة البرتقال والرمان عند دعوتي للمشاركة في مؤتمر كلية الطب الثاني لجامعة ديالى الفتية حذرني بعضهم واستهجن الأمر آخرون قالوا أنت ذاهب إلى ساحة إرهاب فاتصلت بالأخ الدكتور حيدر الدهوي الذي قال سآتي لك صباحا لأخذك من البيت وقبل نومي كنت أفكر بالمخاوف والحقيقة ونمت نومه هادئة مطمئنة وقد نهضت فجر يوم الأربعاء وبعد ا ناديت صلاة الفجر خرجت لحديقة المنزل لأشم هواء الفجر النقي ووقتها كانت الكهرباء الوطنية موجودة فأضفت بهدؤ على الجو الايلولي البغدادي الرائع وانأ أشم عبير زهور المنزل واسمع تغريد البلابل والعصافير كأنها تؤدي ترنيمة الشكر والدعاء لرب العزة وبعد إن فطرت في الحديقة دخلت المنزل لأرتب ملابس السفر والمواضيع التي اطرحها وهي عبارة عن ثلاث محاور....المحور الأول هو البحث الذي سأناقشه في الجلسة العلمية وهو عن الحالة المناعية والعلاج بفيتامين إي على مسار مرض الحصبة للبالغين الراقدين في مستشفى اليرموك من الفترة أيلول 2010- نيسان 2011, إما المحور الثاني هو محاضرتي عن داء السعار وأخر المستجدات العلمية حول العمل المنطوي تحت ورشة جمعية الإمراض المشتركة والانتقالية في العراق التي أل أعضائها على السفر معي إلى محافظة ديالى لغرض المشاركة في الورشة ضمن فعاليات موتمر العلمي الثاني لكلية طب ديالى. إما المحور الثالث فهو جمع بعض قصائدي من اجل إلقائها في الأمسية الفنية و الشعرية التي ستقام في المركز الثقافي لجامعة ديالى... وانطلقت السيارة بنا إنا ودكتور حيدر الدهوي في شوارع بغداد باتجاه مدينة البرتقال بعقوبة وصت فيروز يتناغم مع شمس بغداد وهي تحاول النهوض في سمائها ونحن نعبر جسر المثنى على دجلة ونرى الخضرة والماء وحديثنا عن الوجه الحسن ودخلنا نحو طريق الفحامة لاختزال الطريق من الازدحام وقفتنا أول سيطرة بعد الجسر وفيها شاب جميل وهو يبادرنا بالسؤال ماذا أتى بالجميلين من هذا الطريق فأجبناه بضحكة لأننا نحب جمال وجهك المترسم بالشاربين الشباطيين (تمثلا بشوارب الحرس القومي في ثمانية شباط) وهكذا تخلصنا من سؤاله السمج خوفا من العلس و العلس كلمة انتشرت في بغداد واللهجة العراقية بقوة بعد الاحتلال الأمريكي وهي تعني إن احدهم يبعك لقوات الاحتلال او المليشيات أو عصابات الخطف والجريمة المنظمة وخصوصا في السيطرات وهكذا شاهدنا جمال الفحامه وبساتينها ووصلنا الطريق العام لبغداد بعقوبة الجديد ونخترق الحسينية وجديدة الشط والغالبية ونصل بعد ساعة الى بعقوبة وندلف الى المركز الثقافي للجامعة قرب ساحة القدس وهنالك كان وفد الجمعية قد سبقنا وتفاجت بالبني التحتية للمركز الثقافي وخصوصا القاعة والأثاث الفاخر لها والترتيبات الفنية والضيافة وبعد الافتتاح توجهنا الى جلسة ورشة العمل وكانت في غرفة مجلس الجامعة الجميل الفخم وكان التقنيون مستعدون لتلبية متطلبات العرض والصوت بسلاسة وكان رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور فاضل عباس مرحبا بضحكته وبشاشته وحيويته مع الأستاذ عميد الكلية وقد تمثلت المحاور للسعار على وبائية المرض وإعراضه عند الحيوان و الإنسان وطرق التشخيص والوقاية والمقترحات لاستئصاله من العراق وقد وضحت الرؤى وتناغمت للخروج بالتوصيات اللازمة,وبعدها انتقلت انا لإلقاء بحثي في إحدى الجلسات العلمية الأربعة وكان حول الحصبة وسبل الوقاية منها مبني على دراسة أجريت على المرضى البالغين الداخلين لمستشفى اليرموك خلال وبائية المرض وقد كرمت على أثرها بدرع الكلية والجامعة وشهادة تقديرية وبعدها توجهنا إلى وجبة غذاء شهية وبعدها أخذنا قيلولة في إحدى غرف الضيافة الرائعة في المركز الثقافي للجامعة لاستعداد للأمسية المسائية الفنية الشعرية وكانت عائلية وقد أطربنا من فرقة الجالغي البغدادي وبالأغاني التراثية مما أضفى على الجلسة جو من البهجة لأنها الحفلة الاولى للجامعة منذ 2003 تصدح بها الموسيقى وبعدها ارتقى المنصة الدكتور الشاعر حيدر الدهوي ليطربنا بقصائده عن حبيبته بغداد وبعدها ارتقيت المنصة لإلقاء قصائد نالت تجاوب الحضور مما ولد أكثر من طاقة شعرية كامنة من الأستاذة الذين قاموا بإلقاء قصائدهم بعفوية مما نال استحسان الحضور في اكتشاف أشياء وطاقات مخفية عنهم من زملائهم التدريسيين وبعدها حاولت إشاعة الفرح عبر النكات والابتسامات والرسائل حول أهمية الأمل والفرح في بناء الإنسان والعطاء لله أولا دون الانتظار لكلمة الشكر من الآخرين وانتهت الأمسية وحزمنا عائدين لبغداد في الساعة العاشرة مساء وكان الطريق يغص بالسيارات إن الجامعة تغير المدن وتقومها في وجود العدالة والأمان مما يتيح مجال الإبداع والتفوق في ظل وجود إرادة حقيقة من المسؤلين عن الجامعة.

الجمعة، 28 سبتمبر 2012

ثلاث قصص للأطفال-د. بلقيس الدوسكي

ثلاث قصص للأطفال قبلات
سأل الطفل والده: ـ بابا، قلت لي غدا ً نحتفل بعيد ميلاد أمي.. ـ نعم يا حبيبي، وأنا سأقدم لها هدية بهذه المناسبة. فكر لبرهة وسألته: ـ وأنا ..؟ ـ ما بك أنت يا ولدي ..؟ ـ أريد ان أقدم هدية لامي الحبيبة، أيضا ً. ـ ماذا تحب ان تقدم لها..؟ ـ قبلة، وساعة! قال الوالد: ـ القبلة موجودة في شفتيك، أما الساعة فخذ ثمنها، وعليك الاختيار بينهما. ـ أشكرك يا بابا العزيز. ـ اطلب ما تشاء يا حبيبي، فأنت أغلى من كنوز الأرض كلها. ـ وماما ..؟ ـ إنها غالية مثلك أيضا ً. فسأل الطفل والده فجأة: ـ ومن سيغني لها في عيد ميلادها..؟ ـ أنا وأنت، وهناك من سيشاركنا الغناء! ـ من هو ..؟ ـ هو الحب .. ـ وماذا سيغني ..؟ ـ سيقول في أغنيته: يا عيد الميلاد، أنت عطر الغابة، ونور القمر، ونسيم الفجر، فتعال ابتهج معنا! ـ حقا ً، إنها أغنية جميلة. في اليوم التالي أقيمت حفلة عيد الميلاد، وأوقدت الشموع، ليغنيا معا ً بصوت واحد: يا عيد الميلاد.. يا ضوء السماء يا عطر الورود .. وأحلى القبلات يا عيد الميلاد .. يا أحلى الأعياد صفق الجميع لهما، وتبادلت القبلات، وعبارات التهاني، فقدم الأب هديته، وقدم ابنها الصغير قبلاته لها. في اليوم التالي كان الابن يوزع الحلوى لأصدقائه، لكن الابن سأل والده: ـ وأنت، يا بابا، متى عيد ميلادك ..؟ ـ لماذا يا حبيبي..؟ ـ كي أقدم إليك هدية عيد ميلادك، بعد ان تعطيني نقودا ً لشرائها طبعا ً! ابتسم الأب، قائلا ً: ـ سأخبرك قريبا ً بيوم عيد ميلادي.. ـ ولكن لماذا لا نحتفل في هذه الليلة بعيد ميلادك يا بابا ..؟ ابتسم الأب مرة ثانية، وقال له: ـ خذ موافقة ماما أولا ً..ولكن قل لي: لماذا كنت تبكي في صباح هذا اليوم..؟ ـ لأنني رأيت احد الأطفال يمشي على عكازة.. فكر الأب برهة من الزمن، وقال: ـ آ .. هذا هو ذنب أمه أو ذنب والده، لأنهما أهملاه ولم يصطحباه إلى الطبيب، عندما ولد مصابا ً بالكساح .. ـ اذا ً أنا زعلان على أهله .. فقال الأب بصوت رقيق: لهذا طالما طلبت منك ان لا تمشي حافيا ً، وتنظف أسنانك، وان تحترم من هم اكبر منك، مثلما تفعل مع ماما وبابا . قال الطفل بسعادة: ـ أمرك يا بابا. فسأل الأب ابنه: ـ والآن ماذا تطلب مني..؟ قال حالا ً من غير تفكير: ـ أريد ان أقبلك يا بابا. ـ آ .. سلمت، لا أجمل من هذه القبلات. دعوني أقبلكم كان هو الطالب الوحيد الذي ينحني احتراما ً أمام معلمه، عندما يتحدث، ويصغي إليه بإمعان، واحترام، حتى ان إدارة المدرسة كانت تستدعي والده بين الحين والآخر، وتشكره على حسن تربيته لولده الذكي المطيع الحريص على سمعة مدرسته ودروسه والمتفوق دائما ً. فيخرج والده من المدرسة مرفوع الرأس. لقد كان هذا الطالب من اشطر الطلبة في تقديم الفعاليات المدرسية، في المناسبات، مثل إعداد النشرة الجدارية، التي يختار مواضيعها المهمة من الصحف والمجلات. لقد كان المعلم يطرح على الطلبة بين فترة وأخرى مجموعة من الأسئلة ليتصرف من خلال ردودهم على مدى الوعي الذي يتمتعون به. وبدأ بالأسئلة: ـ انهض يا ماجد وقل لنا ماذا تحب ...؟ ـ أحب الانسجام بين أمي وأبي. ـ أحسنت .. وأنت يا ثابت ماذا تحب ..؟ ـ أحب أكلة (الدولمة). ـ وأنت يا نجاح، ماذا تحب ..؟ ـ أحب ان انصح نفسي وزملائي الطلبة على حب مدرستهم والاهتمام بدروسهم وبعدم الغياب والاستفادة من إرشادات وتوجيهات أساتذتهم، وان يهتموا بنظافتهم ونظافة مدرستهم التي تحدد لهم معالم الطريق نحو المستقبل الأجمل والأفضل. ـ شكرا ً يا أستاذي العزيز. ـ أعزائي الطلبة، استفيدوا من أفكار زميلكم الذكي نجاح. بدأ الطلبة يذهبون إلى بيت نجاح ليلا ً ليفسر لهم بعض المعاني الواردة في دروسهم، وقد استقبلهم لفترة طويلة، لكنه توقف أخيرا ً. ـ لماذا يا صديقنا نجاح ..؟ ـ إن لم تعتمدوا على أنفسكم فسوف تبقون تراوحون داخل دائرة الفشل إلى الأبد. ـ لا تتخلى عنا يا زميلنا نجاح. ـ تخلوا انتم أولا ًعن الإهمال، والاتكالية، فانا يا زملائي، أراكم لا تهتمون حتى بكتبكم المدرسية، فهي ممزقة، والتي هي هدية لعقولكم. سمعت إدارة المدرسة هذه النصائح التي قالها نجاح لزملائه، فقررت نقله إلى صف متقدم، بعد اخذ الموافقة على ذلك. فتقدم نجاح نحو إدارة المدرسة وقال باكيا ً من شدة الفرح: ـ دعوني أقبلكم. في عيونكم يتألق المستقبل قبل أمه ووالده ووقف صامتا ً أمامهما، فسأله والده: ـ لقد تبادلنا معك القبل صباح هذا اليوم يا صلاح، فما ـ هو ـ سر هذه القبلات الآن..؟ أجاب: ـ أريد منك يا أبي مبلغا ً من المال، ومن أمي مبلغا ً آخر.. ـ لماذا يا ولدي العزيز..؟ ـ لسبب كاد يبكيني. ـ ما هو هذا السبب يا صلاح..؟ ـ اثنان من زملائي الطلبة، جلسا ينظران إلى زملائهم الذين تجمعوا أمام حانوت المدرسة أثناء الفرصة وهم يشترون الحلوى والمرطبات، فعرفت أنهما لا يملكان ما يشترون به، فتألمت كثيرا ً، حد البكاء. ـ ما ارق قلبك يا ولدي. ـ ثم إنهما يا أبي، ويا أمي، من اهدأ طلاب مدرستنا. ـ وماذا ستفعل بالمبلغ..؟ ـ سأقسمه بينهما غدا ً صباحا ً، وألح عليهما ان يقبلاه هديه مني كزميل لهما. انحدرت دمعة من عيني أمه وقالت له: ـ الشكر لله الذي وهبنا ولدا ً ذكيا ً وكريم النفس. وقال له والده بشيء من العاطفة: ـ كن لهما زميلا ً وصديقا ً وأخا ً.. ـ سأفعل يا أبي، ولكن هناك حالة أخرى. ـ ما هي ..؟ ـ ان إدارة مدرستنا تحبنا ونحبها، وغدا ً سيصادف عيد المعلم، وأنا أريد ان اعبر لها عن مشاعري بهذه المناسبة السعيدة، وأنت يا والدي احد المعلمين، ولكن في مدرسة أخرى. ـ خذ باقة ورد واكتب عليها العبارة التالية: "طلبة الغد الأبهى يهنئون مناهل المعرفة والنور لمناسبة عيد المعلم " ـ إنها أجمل هدية يا أبي وارق عبارة، وستكون الهدية باسم جميع طلبة مدرستنا. في اليوم التالي قدمت باقة الورد إلى إدارة المدرسة باسم جميع الطلبة وبدأت التهاني والأناشيد بهذه المناسبة. هتف صلاح: قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا صفق الجميع بعد ان قدم الطلاب أحر تحياتهم، وأنبل مشاعرهم للمناسبة. فقال مدير المدرسة يخاطب الطلاب: ـ أولادنا الأعزاء، حقا ً لن يتألق المستقبل إلا في عيونكم.

الخميس، 27 سبتمبر 2012

د. محمد البرادعى- سنوات الخداع (الحلقة الاولى)

· د. محمد البرادعى « سنوات الخداع (الحلقة الاولى) ساعدونا على أن نساعدكم». ابتسم الرجل الجالس على الجانب الآخر من المائدة، لكنى لم أقرأ فى تعبيرات وجهه أى سعادة. لقد انبسطت عيناه، وتهدل طرفا فمه. هل كان ذلك حزنا أم إرهاقا؟ لم أتبين ذلك تمامًا. كنا فى التاسع من فبراير عام 2003. كان قد مضى أكثر من اثنى عشر عامًا منذ أصدر مجلس الأمن أول قراراته بفرض عقوبات على العراق. وبعد شهر أو نحوه سيكون هناك غزو جديد للعراق بقيادة الولايات المتحدة. وكان صدام حسين قد وافق مؤخرًا على عودة مفتشى الأمم المتحدة المختصين بالتفتيش على الأسلحة إلى العراق، بينما كنا («هانز بليكس» وأنا)، نقوم بصفتنا رئيسَى الفريقين الدوليَّيْن، بزيارتنا الثالثة إلى بغداد. وكانت تلك ليلتَنا الأخيرة فيها، حيث دعانا وزير الخارجية العراقى ناجى صبرى، إلى العشاء مع أهم مستشارينا ومجموعة من نظرائهم العراقيين. كان المطعم الذي دُعينا إليه هو أرقى المطاعم التي لا تزال باقية في المدينة، فقد تآكلت البنية الأساسية لبغداد حتى النخاع، على نحو أظهر ما أدت إليه العقوبات من آثار. ومع ذلك كان العَشاء أنيقا، والقائمون بالخدمة يتسمون باللياقة، ومفرش المائدة الأحمر غاية فى النظافة. وكان العَشاء حافلا بالأسماك المشوية التى يزخر بها نهر دجلة. وكانت أسياخ الكباب متبلة كأحسن ما يكون، وحفلت المائدة بما هو أكثر: النبيذ، وكانت تلك مفاجأة، ذلك أن قرارًا صدر فى سنة 1994 بمنع تناول الكحوليات فى الأماكن العامة فى العراق. لكن العراقيين رأوا استثناء هذه الليلة إكرامًا لضيوفهم القادمين من الخارج. كان الرجل الجالس على الجانب الآخر من المائدة هو اللواء (الجنرال) عامر حمودى حسن السعدى كبير المستشارين العلميين لصدام حسين، وكانت رتبة «اللواء» هذه فخرية بالأساس. فهو مفاوض مهذب ذو كاريزما واضحة، يحمل درجة الدكتوراه فى الكيمياء الطبيعية ويتحدث الإنجليزية والعربية بنفس الطلاقة، كما أنه يفضّل الملابس المدنية عن الزى العسكرى. ورغم أنه لم يكن عضوًا فى حزب البعث فإنه كان الرجل العلمى الأول فى الحكومة العراقية. اتجهنا («بليكس» وأنا)، بالحديث فى أثناء العشاء نحو موضوع حَرِج: الحاجة إلى مزيد من التعاون، ومزيد من الوثائق. قلنا لهم إنكم تُصرّون على أنه ليست لديكم أسلحة دمار شامل، وتقولون إنكم لم تعيدوا إحياء برامجكم السابقة فى هذا الصدد، ولكننا لا نستطيع أن نغلق هذا الملف هكذا ببساطة رغم أن سجلاتكم لم تكتمل. يلزمنا مزيد من الأدلة، وكلما أبديتم مزيدًا من الشفافية وقدمتم مزيدًا من الوثائق والأدلة المادية، كلما كان ذلك أفضل للعراق على الساحة الدولية. فما الذى تستطيعون تقديمه غير ما قدمتموه فعلا لسد الفجوة فى المعلومات المقدمة من جانبكم؟ «ساعدونا على أن نساعدكم». كان الجالس إلى جانب السعدى هو حسام أمين رئيس مجموعة الاتصال العراقية مع الأمم المتحدة. وقد انحنى إلى الأمام مجيبا «دعونا نتحدث بصراحة. فبداية لا نستطيع أن نعطيكم المزيد، لأنه ليس هناك المزيد الذى يمكن أن نعطيه». واتجه بنظره إلى «بليكس» ثم عاد إلىّ. «وثانيا أنتم لا تستطيعون مساعدتنا لأن هذه الحرب ستقع لا محالة، وما من شىء يمكنكم أو يمكننا القيام به سيحول دون وقوعها. وكلانا يعرف ذلك. أيًّا ما كان ما نقوم به، فهذا أمر تم حسمه». اعتدل فى مقعده، وأومأ السعدى برأسه ولم يقل شيئًا. ظل الحزن باديا فى ابتسامته. وبالرغم من وجهة نظر أمين هذه، فقد رفضتُ الاعتقاد بأن الحرب حتمية، فالوكالة الدولية للطاقة الذرية التى أرأسها، وهى الجهة المسؤولة فى الأمم المتحدة عن التفتيش على الأسلحة النووية، كانت تحرز تقدمًا ملموسًا. كان ذلك يشمل متابعة كل المعلومات التى توافينا بها جهات الاستخبارات، ولكننا لم نتوصل إلى شىء. وفى تقريرى إلى مجلس الأمن، الذى قدمته فى 27 يناير 2003، ذكرت ما يلى «إننا لم نجد حتى اليوم أى دليل على أن العراق قام بإحياء برنامج الأسلحة النووية الخاص به». وقد أثار هذا التصريح نقدًا شديدًا من جانب المسؤولين الغربيين وكبار الإعلاميين الذين أقنعوا أنفسهم بغير ذلك. لكن هؤلاء المنتقدين كانوا يُشيرون إلى ظروف احتمالية مثل: ماذا لو حدث هذا أو ذاك؟ ويعتبرونها أدلة. أما ما قلته أنا فكان هو الحقيقة. ولم تكن الوكالة بعد فى وضع يسمح لها بإبراء ذمة العراق تمامًا. لكننى ألححت على المجلس أن يسمح لعمليات التفتيش أن تأخذ مسارها حتى النهاية. وقلت «إن بضعة أشهر أخرى ستمثل استثمارًا قيمًا فى سبيل السلام». فإذا كانت مبررات الحرب الاستباقية ضد العراق تعتمد على أن صدام حسين أعاد إحياء برامج أسلحة الدمار الشامل، فأين هو الدليل على ذلك؟ وأين هو التهديد المباشر؟ وإذا كان أمين يقول الحقيقة، وأنه لم يعد لدى العراق المزيد الذى يمكن أن تقدمه، فإن ما يعنيه ذلك بوضوح أنه لم يكن هناك أى تهديد. وكان من المؤكد أن حربًا لا مبرر لها سوف تؤدى إلى انقسام خطير فى العلاقة المتعثرة أصلا بين أولئك الذين يملكون الأسلحة النووية وأولئك الذين لا يملكونها. فكلٌّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يملكان أسلحة نووية، ولم يبدِ منهما أى استعداد للتخلى عنها، ومع ذلك فإنهما يهددان العراق بحجة أنه يسعى للحصول على مثل هذه الأسلحة. وبالنسبة إلى كثيرين فى العالم النامى، وفى المجتمعات العربية والإسلامية بوجه خاص، كان ذلك مدعاة للسخرية ونوعًا من عدم الإنصاف الصارخ. كان صدام حسين يتمتع بشعبية نسبية بين الجمهور العربى لمواقفه تجاه معاملة إسرائيل للفلسطينيين، ولموقفه المتحدى للغرب. لم يكن محبوبًا بين الحكام العرب الذين يميل أكثرهم إلى الغرب، ولا سيما بعد غزو الكويت فى سنة 1990، ولكنهم شعروا مع ذلك بالغضب لمعاملة العراق بهذا القدر من الاستهانة بسيادته. ولو أن حربا وقعت فعلا، ولا سيما إذا كانت بسبب تضخيم الاتهامات بشأن أسلحة الدمار الشامل، فإن الشعور بالغضب عبر العالمَيْن العربى والإسلامى سيتصاعد بشدة. ومع مرور الأسابيع واحدًا تلو الآخر، ورغم إيمانى الشديد بقيمة ودور عمليات التفتيش، كان شعورى بعدم الارتياح يتزايد. وكانت نبرة خطاب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتزايد حدة. فقبل أربعة أيام فقط من عَشاء بغداد كان وزير الخارجية الأمريكى كولين باول، قد عرض الأمر على مجلس الأمن، وكان قد أذاع أشرطة لمحادثات هاتفية تم التنصت عليها، وعرض صورًا لمنشآت عراقية صورتْها الأقمار الاصطناعية، وأعلن أن هذه السجلات تدل على «أنماط غريبة من السلوك» من جانب صدام حسين ونظامه، وأنها «سياسة تهرب وخداع». وبالنسبة إلى جماعة المفتشين، كان العرض الذى قدمه باول تجميعا لافتراضات، ووصْفًا لبيانات لم يتم التحقق منها، وتم تفسيرها على أسوأ نحو. لم يكن هناك ما يثبت شيئًا مما يقال. ومع ذلك فإن كثيرًا من المستمعين، ولا سيما غير المتخصصين منهم، رأوا فى حجج «باول» ما يقنعهم. خلال الأسابيع الستة التالية لم يكن بوسع أى تقدم فى عمليات التفتيش، أو فى الجهود الدبلوماسية، أن يسمح بتجنب الأزمة المحدقة. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الوثائق الأساسية للاستخبارات التى تدّعى الربط بين صدام حسين ومحاولة شراء اليورانيوم من النيجر مزيّفة. لكن هذا الكشف لم يكن له سوى أثر محدود. وبدلا من إيجاد حل أو مجرد موقف موحد، انتهى مؤتمر قمة عربى طارئ عُقد فى شرم الشيخ بغير نتيجة. كذلك أخفق اقتراح بريطانى قُدّم فى اللحظة الأخيرة فى تجنب العمليات العسكرية. وفى وقت مبكر من صباح يوم 17 مارس تلقيتُ مكالمة من بعثة الولايات المتحدة فى فيينا تشير علينا بإخراج مفتشينا من بغداد.. كان الغزو على وشك أن يبدأ. «إذا كان هناك خطر يخيّم على العالم فإنه خطر يتشاطر فيه الجميع، وبالمثل إذا كان هناك أمل يراود أمة واحدة فإن هذا الأمل يجب أن يتشاطر فيه الجميع». كانت تلك كلمات الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور، فى سنة 1953 فى خطابه عن «الذَّرّة من أجل السلام» الذى أسفر، بعد أربع سنوات، عن إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كانت الرسالة التى تضمنها ذلك الخطاب رسالة غير عادية، جاءت فى خضم سباق متزايد للتسلح النووى، ووجهت إلى مجتمع دولى لم يكن قد نسى بعد ويلات الحرب العالمية. ومفهوم أيزنهاور عن الذرة من أجل السلام ذلك المفهوم الذى يدعو إلى التعامل مع ما تحققه العلوم النووية من منافع ومن مخاطر على نحو يتعاون فيه جميع أعضاء المجتمع الدولى هو المبدأ الأساسى الذى ترتكز عليه الدبلوماسية النووية. وهو يكاد يعتبر التزاما عالميًّا بتعزيز التعاون التكنولوجى فى الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وبالحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية، وهو التزام مزدوج ينص عليه النظام الأساسى للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعاهدة 1970 الشهيرة بشأن حظر انتشار الأسلحة النووية. وباعتبارى محاميًا مصريًّا شابًّا، وأستاذًا للقانون الدولى فى نيويورك فى أوائل الثمانينيات، شعرتُ بتجاوب مع مفهوم الذرة من أجل السلام. وقد التحقتُ بالوكالة الدولية للطاقة الذرية فى سنة 1984 وأصبحت مستشارًا قانونيًّا لها بعد ذلك بثلاث سنوات. وعندما وقعتْ حرب العراق فى 2003 كان قد مضى علىّ فى منصب المدير العام للوكالة خمس سنوات وعقدان تقريبا منذ التحاقى بها. وقد انخرطتُ فى مهام الوكالة فى مجال الدبلوماسية النووية، لذا فإن قيام حرب بسبب اتهامات لم تثبت بشأن أسلحة دمار شامل، وإبعاد الوكالة عن دورها فى مجال الدبلوماسية النووية، وجعْلها مجرد واجهة لإسباغ الشرعية، كان بالنسبة إلىّ تشويهًا فظيعًا لكل ما كنا ندافع عنه. كان ذلك يتعارض مع الجهود التى بذلها لمدة نصف قرن تقريبا علماء وقانونيون ومفتشون وموظفون عموميون مخلصون من جميع قارات العالم.. كنت مذهولا بما أشهد. والفكرة التى لم تترك رأسى هى تأكدى من أنه ما من شىء يكون «بليكس» أو أنا قد شاهدناه يمكن أن يبرر شنَّ مثل هذه الحرب. وقد سلّم اللواء عامر السعدى شريكى الحزين فى حفل العشاء، نفسه إلى قوات الائتلاف فى 12 أبريل 2003، بعد أن علم أنه كان ترتيبه الثانى والثلاثين فى قائمة العراقيين المطلوبين، والورقة الرابحة فى أوراق الكوتشينة. وقد طلب إلى قناة «ZDF» الألمانية أن تصور استسلامه. وفى حديثه من خلال الكاميرا قال إنه «ليس لدينا أسلحة دمار شامل والزمن كفيل بإثبات صحة ما أقول». كان واضحًا بالنسبة إلىّ عندئذ أن استنتاجنا الأولىّ بشأن الأسلحة النووية كان صحيحا لأنه لم يكن لدى السعدى فى هذا الوقت أى سبب للكذب. وخلال السنوات التى انقضت أكدت مصادر عديدة أن المبرر الذى ذُكر للغزو الذى حدث فى مارس 2003، وهو ادعاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن برامج صدام لأسلحة الدمار الشامل تمثل خطرًا محدقًا لم يكن له أساس. بل إن المجموعة التى شكّلتها الولايات المتحدة لإجراء مسح فى العراق، وأنفقت عليها فى ما بعد مليارات الدولارات للتحقق من أن المفتشين الدوليين كانوا على حق، أكدت أن العراق لم يُعد العمل ببرامجه لأسلحة الدمار الشامل. كما أن التهديد المزعوم الذى تمثله هذه الأسلحة لم يكن هو الدافع الحقيقى للعدوان الذى قامت به الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وكانت مذكرة «داوننج ستريت» الشهيرة المؤرخة فى يوليو 2002، التى تم تسريبها فى ما بعد، مصدرًا من المصادر التى أفادت أن قرار المضى فى الحرب كان قد اتُخذ حتى من قبل أن تبدأ عمليات التفتيش بكثير. وليس بمقدورى، حتى يومنا هذا أن أقرأ مثل هذا الكلام دون أن ينصرف ذهنى للتفكير فى الآلاف من الجنود الذين لقوا حتفهم، ومئات الآلاف من العراقيين المدنيين الذين قُتلوا، وملايين المصابين أو النازحين، والأسر التى تفككت والأرواح التى أزهقت، كما أدهش لأنه لم يحدث المزيد من نقد الذات والمزيد من محاسبة النفس من جانب اللاعبين الرئيسيين. والعار الذى جلبته هذه الحرب التى لم يكن لها أى داعٍ يفرض علينا جميعا البحث فى ما جرى من خطأ فى شأن العراق، وكيف يمكن الانتفاع من دروس هذه المأساة فى الأزمات التى قد تقع مستقبلا. إن التوترات التى يشهدها العالم اليوم حول التطورات النووية، ولا سيما فى ما يتعلق بإيران، تدل على أننا يمكن رغم كل شىء أن نكرر كارثة العراق بما ينطوى عليه ذلك من تداعيات أشد خطورة على أمن العالم، فعندما أنظر إلى التحديات التى لا تزال تواجهنا، فإننى كثيرًا ما أعود إلى مشهد عشائنا فى بغداد فى فبراير 2003، لأنه يجسد الجوانب الأساسية للمأزق الذى نواجهه كمجتمع دولى يبحث عن الأمن الجماعى والدائم: انعدام الثقة بين الثقافات المختلفة، والآثار الضارة لنظام طال أمده يضم مَن يملكون السلاح النووى ومَن لا يملكون، وجنون سياسة شفا الهاوية النووية، وحتمية الفناء إذا لم نستطع أن نتعلم من أخطائنا الماضية. ولمشهد هذا العشاء أهمية كذلك بسبب غياب اللاعبين الأساسيين عنه، أى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللذين كانت قراراتهما ستحدد النتائج. وقد أصبح غيابهم متكررًا فى السنوات التالية وبوجه خاص بالنسبة إلى إيران، فالولايات المتحدة تلقى بظلالها على المفاوضات عن بُعد، وتبلور نتيجتها، بينما هى ترفض المشاركة المباشرة، برغم أن الدبلوماسية النووية عملية تتطلب الانخراط المباشر فيها، وتتطلب ضبط النفس والتزامًا طويل المدى. إنها لا يمكن أن تتم عن بُعد بواسطة الـ«ريموت كنترول». وإذا كان للحوار أن يقوم بدوره كأداة لتسوية التوترات التى يثيرها الانتشار النووى فإنه لا يمكن أن يقتصر على محادثة بين المفتشين والدولة المتهمة، بل يجب أن تنخرط الولايات المتحدة وحلفاؤها فى المناقشة بصورة صادقة، وأن تتحدث إلى مَن تتصور أنهم خصومها، وأن تبرهن بأكثر من مجرد الكلام على التزامها بحل سلمى للتوترات الكامنة. فجميع الأطراف يجب أن تأتى إلى مائدة المفاوضات. لم يكن عشاء بغداد الذى أطلق عليه بعض زملائى ساخرين «العشاء الأخير» إلا واحدًا من الأزمات المتعددة التى أخذت فى الظهور فى أوائل عام 2003. كانت كوريا الشمالية قد طردت لتوها مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين يراقبون «تجميد» منشآتها النووية، وأعلنت عزمها على الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما أننا كنا قد بدأنا اختبار المدى الذى وصل إليه البرنامج النووى الإيرانى، وكنت على وشك القيام، مع عدد من زملائى، بزيارتى الأولى لمنشأة للتخصيب النووى التى يجرى بناؤها بالقرب من «ناتانز» فى إيران. وكانت ليبيا تتهيأ لمفاتحة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فى شأن تفكيك برنامجها لأسلحة الدمار الشامل. وكان أول الملامح العامة لشبكة مبهمة للإمدادات النووية قد أخذ فى الظهور، وهو الذى وجَدْنا من بعد آثارا لنشاطها فى أكثر من ثلاثين دولة. ولدينا الآن معلومات أكثر، بل أكثر كثيرًا، عن كل هذه الحالات للانتشار الفعلى أو المحتمل للأسلحة النووية. ولا تزال الظروف فى إيران وكوريا الشمالية بوجه خاص غامضة وغير قابلة للتوقع. إننا ما زلنا نفتقر إلى منهج عملى تفاعلى للتعامل مع هذه الحالات أو ما يطرأ من مثلها فى المستقبل. إن ما نحتاج إليه هو الالتزام بالدبلوماسية النووية. تمثل العصر النووى الأول فى سباق نحو امتلاك القنبلة الذرية. كان ذلك سباقًا بين عدد قليل نسبيًّا من البلدان التى إما أنها كانت تمتلك التقدم التكنولوجى اللازم لذلك، وإما أنها كانت قادرة على أن تحصل سرًّا على العلوم التى تسمح لها بصنع سلاح نووى. وكانت ذروة هذا السباق، أى تدمير هيروشيما ونجازاكى، هى التى جعلت من الولايات المتحدة الفائزة فى هذا السباق. لكن المتسابقين الآخرين لم يتخلوا عن مساعيهم، فخلال بضع سنوات تمكنت أربع دول أخرى من الحصول على القنبلة الذرية. إن ما نسميه الحرب الباردة كان بمثابة العصر النووى الثانى. فبينما امتلكت عدة دول أسلحة نووية، وواصلت غيرها السعى للحصول على التكنولوجيا النووية، فإن هذا العصر تميز بوجود عملاقين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى، اللذين كانا يجمعان عشرات الألوف من الرؤوس النووية، فى ظل فلسفة عُرفت بـ«MAD»، أى التدمير المتبادل المؤكد، كما عُرفت باسم مُقنّع هو «الردع النووى». وبزغ فجر العصر النووى الثالث، العصر الحالى، عقب تفتت الاتحاد السوفييتى. وقد أخفقت الجماعة السياسية، فى ظل فراغ القوى الذى أعقب ذلك، فى الاستفادة من الفرص المتاحة من أجل نزع السلاح النووى. ونتيجة لذلك تزايد عدد الدول التى بدأت تبحث عن برنامج سرى.. إن لم يكن للحصول على السلاح النووى، فعلى الأقل على دورة كاملة للوقود النووى التى تجعلها قادرة على إنتاج سلاح نووى بسرعة إذا تطلب وضعها الأمنى ذلك. والخطر الأول فى الوقت الراهن ليس سيناريو «MAD» (التدمير المتبادل المؤكد)، أى الإفراغ المتبادل للترسانات النووية الذى يمكن أن يؤدى إلى تدمير المراكز الكبرى للرأسمالية والشيوعية معًا، بل التهديد الناجم عن أعمال حربية ذرية غير متماثلة، أى حصول جماعات متطرفة أو دولة مارقة يرأسها ديكتاتور عدوانى النزعة على أسلحة نووية واستخدامها، أو استخدام سلاح نووى من جانب دولة كبرى ضد دولة غير نووية. هذا وضع غير مستقر بطبيعته، كما أن التطورات التى شهدتها الأعوام الأخيرة ضاعفت من حالة عدم الاستقرار تلك. فقد شهدنا عدوانا، حيث لم يكن هناك تهديد محدق (فى العراق)، وتكاسلا وترددًا، حيث ظهر خطر حقيقى (فى كوريا الشمالية)، وجمودًا طال أمده مقرونا بالشتائم والمواقف العلنية بدلا من الحوار الحقيقى (فى حالة إيران). وفى هذا السياق اكتشفنا شبكة نووية غير مشروعة ومزدهرة على استعداد لتزويد الغير ببرامج نووية خفية. وفى الوقت نفسه استمرت بعض الدول فى الاعتماد على الأسلحة النووية مما يشكل حافزا مستمرًّا لغيرها على اكتسابها. وتعنى حالة عدم الاستقرار هذه أننا فى نهايات العصر النووى الثالث، وأننا بطريقة أو بأخرى أمام مطلع تغيير كبير. فإذا لم نفعل شيئًا، إبقاء على الوضع الراهن لمن يملكون ومَن لا يملكون الإمكانيات النووية، فإنه من المرجح أن يتخذ التغيير شكل تدافع حقيقى نحو الانتشار، وربما -وهو الأسوأ بكثير- يتخذ شكل سلسلة من الاستخدامات المتبادلة للأسلحة النووية. والمؤشرات قد ظهرت فعلا فى شكل ردود فعل الدول المجاورة كلما ظهر أن هناك تهديدًا نوويًّا سواء كان حقيقيًّا أم محتملا. إن تزايد عدد دول الشرق الأوسط التى أصبحت تتحدث عن التكنولوجيا والخبرة النووية أو بدأت فى الحصول عليها إنما هو مجرد مثال على ذلك. كما أن ما يقوله عدد من كبار المسؤولين اليابانيين حول بدء المناقشات بشأن برنامج للتسلح النووى ردًّا على التجربة الأولى لكوريا الشمالية لسلاحها النووى، إنما هو مثال آخر. ومع ذلك فهناك بديل آخر، وهو أن نغير المسار وأن نتبع نهجًا مغايرًا: حل مسألة عدم التماثل من خلال تقدم حقيقى نحو نزع السلاح النووى فى العالم، فالمسارات التى يمكن أن تؤدى بنا إلى مستقبل أكثر أمنًا تتمثل فى إبرام معاهدة جديدة بين عمالقة السلاح النووى لتخفيضه، يتبعها إنشاء منتدى تبدأ فيه الدول التى تملك الأسلحة النووية فى الاضطلاع بمسؤولياتها بشأن ضرورة نزع سلاحها النووى. وإذا كنا نستطيع أن نتعلم من دروس الماضى القريب، وأن نواجه الخطر الحقيقى الذى ينتظرنا، فقد نتمكن من تفادى الفناء المتبادل، وأن نضمن أن يتسم فجر العصر النووى الرابع بحلٍّ للتوترات النووية، وبالتخلص من السلاح النووى، وبسلام دائم

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

هذه الصوره تجمع اشهر واعظم علماء القرن التاسع عشر والقرن العشرين الذين تجمعوا في الاجتماع الاول والاخير سنة 1927 في مؤتمر سولفاي طبعا عميدهم كاعد بالنص الاخ انشتاين Solvay Conference 1927 السطر الاول : Irving Langmuir, Max Planck, Marie Curie, Hendrik Lorentz, Albert Einstein, Pierre Langevin, Charles Eugene Guye, C. T. R. Wilson, Owen W. Richardson السطر الثاني : Peter Debye, Martin Knudson, W. Lawrence Bragg, Hans Kramer, Paul Dirac, Arthur Compton, Louis de Broglie, Max Born, Niels Bohr السطر الثالث : Auguste Piccard, Émile Henriot, Paul Ehrenfest, Edouard Herzen, Théophile de Donder, Erwin Schrodinger, Jules-Emile Vershaffelt, Wolfgang Pauli, Werner Heisenberg, Ralph Howard Fowler, Leon Brillouin. اني الي مدوخني شغله وحده هذوله يروحون للجنه لو للنار ان شاء الله بالجنة لان اكثرهم خدموا البشرية باختراعاتهم

تقرير عن مهرجان التضامن مع العراق

تقرير عن مهرجان التضامن مع العراق أقامت جمعية المستقلين العراقيين في ألمانيا يومي الرابع عشر والخامس عشر من ايلول 2012 مهرجانا وطنيا في برلين تحت شعارات " التسامح والمحبة والأخاء في عراق موحد " .. " لا للكراهية والأحقاد والمتاجرة بالخوف من الآخر , نعم لترسيخ مباديء السلم والوحدة والبناء وصدق الأنتماء والولاء للشعب والوطن ". تحت تلك الشعارات الوطنية الأنسانية , اقامت جمعيتنا مهرجاناً تضامنياً مع العراق , كان الأول في تاريخ الجالية العراقية في المانيا , حيث اعتدنا فيما سبق ان يتضامن البعض مع احزابهم وطوائفهم وقومياتهم ويحتفلوا في مناسباتهم الأجتماعية والدينية والثقافية والسياسية , لكن جمعية المستقلين العراقيين , ارتأت ان التضامن مع العراق يعني التضامن مع الجميع . لقد زخرت ايام المهرجان بفعاليات ناجت الوطن وتغزلت به وتطلعت قلوب المشاركين الى غد افضل له وللمواطن. بعد كلمة الترحيب بالضيوف , وقف الجميع دقيقة واحدة مع قراءة الفاتحة على ارواح شهداء الشعب العراقي , تبعها النشيد الوطني ثم كلمتي الجمعية باللغتين الألمانية والعربية. القي ممثل دولة القانون في اوربا الشيخ مهند الساعدي كلمة ترحيبية .. ثم كلمة المجلس الأعلى القاها السيد حميد كاظم حسين بعدها تليت تحية الثناء والترحيب والتضامن التي بعثها سماحة السيد عمار الحكيم , ثم الكلمة التضامنية لممثل الأخوة المسيحيين القاها الأستاذ ليث يوسف شكور. ولقد شاركنا في المهرجان ايضا السيد عبد الوهاب الياسري الامين العام للجمعيات الاسلامية في ألمانيا وشخصيات عراقية وألمانية . وعلى الرغم من الدعوات والمهاتفات المتكررة, لم يحضر ممثلي المنظمات والأحزاب الكوردية واليسارية , ولم يحضر كذلك سفير جمهورية العراق في ألمانيا السيد حسين الخطيب الذي اناب عنه السيد كمال محمد أحمد مع وفد من منتسبي السفارة في برلين . وحضر ايضا الملحق التجاري العراقي في برلين السيد كاظم مجيد. تم عرض فلم النخيل ( مجزرة النخيل ) للفنان الأستاذ احسان الجيزاني , شاهدنا فيه موت النخيل واقفاً وبعضه مسجياً على تراب الوطن , لوحة حزينة لشاهد على تاريخ المجزرة . الزميل احسان الجزاني , كما عرفناه , حريصاً على نقل تفاصيل الحدث من موقعه شاهداً ومصوراً , وتلك جرأة وشجاعة تميز بها الزميل احسان , نشكره قبل ان نحسده عليها. كان هذا في اليوم الأول للمهرجان الذي لم يخلو من فعاليات اضافية ولقاءات تعارف لتعزيز العلاقات بين المشاركين , حيث اختتم بقراءة التحايا والأعتذارات عن الحضور لبعض المسؤولين وممثلي منظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج . في اليوم التالي 15 / 09 / 2012 , ابتدأ المهرجان في الساعة السادسة مساءً وكانت فقرته الأولى محور تناول حاجة العراق الى توظيف الطاقات الأعلامية في الخارج لدعم العراق في مواجهة الهجوم الأعلامي المأجور الذي يستهدف تشويه الحالة العراقية بالتركيز على السلبيات وتضخيمها وضخ الأشاعات والأكاذيب وحملات التسقيط ليجعل الأبواب مفتوحة امام الدعوات لترجع العراق الى ازمنة جمهوريات الموت والخراب البعثية , جمعية المستقلين العراقيين وعبر مهرجانها ورغم تواضع امكانياتها ’ تصدت لتلك التشويهات والنوايا والأفعال الشريرة , تبعه محور الحوار المباشر بين جمهور الجالية وممثلي بعض اطراف العملية السياسية , فكانت الصراحة وكان الصدق , اللذان اعطيا الحوار نكهة قبول الآخر في اجواء من الشفافية والنفس الديمقراطي. لقد أبدى الحاضرون اهتماما بالغا بالموضوعات المطروحة وطالبوا بالمزيد من النقاش رغم مضاعفة الوقت المخصص لذلك مما يعكس رغبة الجالية في التواصل مع الوطن والتعمق في فهم واقعه الحالي وسماع وجهة نظر الاطراف السياسية من مجريات الامور ومستقبل الوطن . تخللت محاور النقاش فعاليات اجتماعية وثقافية واستراحة عشاء كانت فرصة للتعارف وتبادل الذكريات والأيميلات تعزيزاً للعلاقات الأخوية بين بنات وابناء الجالية العراقية . كان ضمن برنامج المهرجان في يومه الثاني عرض فلم ( الأهوار ) الذي يتناول الجريمة غير المسبوقة في تاريخ الجرائم الكونية ـ تجفيف البيئة التاريخية في جنوب العراق, الفلم للفنان احسان الجيزاني ايضاً , سمعنا وقرأنا عنه وشاهدنا فصولا منه على بعض الفضائيات , وبسبب عطل فني حرمنا من مشاهدة الفلم الذي كنا على شوق لمشاهدته . تأسف الجميع مع فيض من الأعتذار للباحث المتخصص في علم الأجتماع الدكتور حامد السهيل عضو الهيئة الادارية بسبب عدم تمكنه من القاء محاضرته حول ( علاقة المواطن بوطنه ) التي خص بها مهرجان التضامن بسبب ضيق الوقت , نأمل ان نستمع اليها في مهرجان قادم وحبذا لو يكون في الداخل ــ وفي بغداد الحبيبة بالذات ــ أنتهت فعاليات المهرجان ولكن ترسخت في الذاكرة ساعات كرست للوطن االغالي وترددت رغبة الجميع بالمزيد من هذه اللقاءات التي تجمع بنات وأبناء الجالية من مختلف الاماكن ليلتقون في احتفالية وطنية يعيشون اوقاتها وكأنهم على ارض العراق الحبيب . الهيئة الادارية جمعية المستقلين العراقيين في ألمانيا 25 أيلول 2012