الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

لقطات فوتوغرافية اثرت في العالم



في 22يوليو 1975 سمع مصور جريدة بوسطن هيرالد بواسطة جهاز الالتقاط الخاص عن حريق وقع في شارع ملبورو في بوسطن فذهب لمكان الحريق ليلتقط هذه الصورة للسيدة ديانا بريتن وفتاة صغيرة وهما تسقطان من المبنى الذي كانتا تعيشان فيه قبل الحريق. ديانا توفت في لحظة اصطدامها بالأرض لكن الطفلة عاشت لحسن الحظ لان رجل اطفاء حاول حمايتها وديانا من قوة الارتطام فنجح معها وفشل مع الاخرى.
حاز ستانلي جي فورمن على جائزة ال Pulitzer على تغطيته للحريق بالصور لكن الاهم من الجائزة أن عمله مهد لفرض قوانين صارمه بما يتعلق بحوادث الحريق وشروط السلامه في بوسطن والولايات الأمريكية الاخرى.




صورة حزينة لفتاة ال 13 اوميرا سنشيز التي ظلت حبيسة المياه والاسمنت لمدة 3 أيام اثر بركان نيفادو دلرويز في كولومبيا في 14 نوفمبر 1985 والذي راح ضحيته مايعادل ال 2500 انسان.توفت اوميرا بعد فترة قصيرة من انقاذها لتسبب الصورة الكثير من المشاكل للمصور الذي اتهم بعدم الانسانية واستغلال ماساة الفتاة للتصوير بدلا من محاولة انقاذها باسرع وقت. كذلك تسببت الصورة لمشاكل للمصور مع الحكومة الكولومبية التي ادركت بكون الصور تلك دلالة على فشلها وعدم كفائتها في التدخل لانقاذ الشعب في الكوارث.




التقط هذه الصورة المصور مالكوم براون في 11 يونيو 1963 عندما قام الراهب الفيتنامي ثيك كونق دس باشعال نفسه حتى الموت في احد أشهر واكثر شوارع سايقون ازدحاما .جاء الحادث كاعتراض ومحاولة لفت النظر لمشكلة رهبان البوذية الذين عانوا تحت نظام ديم الكاثوليكي الذي تحكم في جنوب فيتنام حينها.كان الرهبان يطالبون بحقوق تتساوى مع الرهبان المسيحين لكن النظام مارس عليهم القمع ومنعهم و من رفع اعلامهم الخاصة ومن ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم.
الغريب ان الراهب لم يتحرك من مكانه اثناء احتراقه ولم يصدر عنه اي صوت!




حظى المصور ماكس اقيليرى عام 1999على فرصة العمر عندما سمح له بتصوير واحدة من اهم عمليات تصحيح تشوه السباينا بايفيديا .تمت هذه العملية الرائدة على الجنين صامويل سويتسر الذي لم يكن يتجاوز وقتها ال 21اسبوع وهو لا يزال في رحم امه.
يقول اقيليرا"خلال العملية التصحيحية اخرج صامويل ذراعه من الفتحة الجراحية في رحم امه. رفع الجراح ذراع صامويل لنفاجأ به يمسك اصبع الجراح الذي هز اصبعه في محاولة لاختبار قوة الجنين الذي تشبث باصبع الجراح ولم يتركها.في تلك اللحظة كان لها تأثير عميق علي كمصور يحكي القصص خلال عدسة كامرته ".عندما ولد صامويل لاحقا اعتبر اول جنين يولد مرتين.



بعد القبض على تشي جيفارا واعدامه قام قاتليه بدعوة مجموعة من المصورين لالتقاط هذه الصورة ليثبتوا للجميع موت "تشي العظيم"فيخفت تاثيره على متبعيه. لكن الصورة اضافت بعدا أعمق لاسطورة تشي لم يحسب لها قاتليه أي حساب لأن معجبيه قاموا بمقارنة ملامح تشي المتسامحه مع المسيح.





كان ويلهلم كونراد رونتجن اول من تلقى جائزة نوبل للفيزياء فى عام 1901 وهي جائزة يستحقها بسبب اكتشافه الذي يعد ثورة في عالم الطب وكان رونتجن قد اجرى سلسلة من التجارب لاحظ معها انبثاق وهج فلوري من الباريوم بلاتينوكيانيدي . جمع رونتجن ملاحظاته تلك وساعدته زوجته التي قدمت كفها لتجاربه وقام بتصوير اول اشعة سينية سهلت للعالم النظر لجسم الانسان من الداخل بدون التدخل الجراحي.




اودلف هتلر امام برج ايفل في باريس عام 1940 وعلى يساره معاونه المهندس البرت سبير



أول صورة عامة لغيمة ناقازاكي بعد القاء القنبلة عليها في 9 اغسطس 1945 والتي تسببت بمقتل 150000 نسمة وتسببت بدمار اعظم بسبب الحرارة العالية والاشعاع والريح التي نشرتها. كانت القنبلة الذرية الاولى القيت على هيروشيما في 6 اغسطس قتلن مايقارب ال 80000 انسان لكن اليابان لم تستسلم مما دفع امريكا لالقاء قنبلتها الثانية. وكان طيار ال B-29 شارلز سويني متجها بالقنبلة نحو Kokura Arsenal عندما منعه الضباب من الرؤية فتوجه لنقازاكي بدلا عنها.





كارثة منطاد هيدنبيرق لم تكن الحادثة الجوية الاسوأ لكنها كانت الوحيدة التي صورت وقتها ويقال ان هذه الصورة التي التقطت في 6مايو 1937 انهت صناعة السفر بالمنطاد. قتل في هذه الكارثة 35 من اصل 97 من ركاب المنطاد زيبلن الذي كان يعتبر حتى تلك اللحظة اكثر وسائل السفر الجوي امانا والتي كانت متاحه ايامها.

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

قصة قصيرة,خطاب العرش الأخير:عادل كامل





قصة قصيرة

خطاب العرش الأخير

عادل كامل

لم تكن العواصف قد هدأت ، ولا أصوات قرع الطبول في الشوارع ، عندما استدعت الملكة كبار حكماء القصر .. كانت في الواقع تقوم بآخر محاولة لتفسير فوضى رموز أحلامها الرديئة . وهذا ما دار بخلدها ، وهي ترتدي أفخر ما لديها من ملابس القصر ، وتسير ، بهدوء غريب ، باتجاه صالة الحكماء . تلك الصالة التي دخلتها قبل نصف قرن ، لمعالجة أحزان القلب الغامضة .
حدقت في وجوه الحكماء .. كانوا ثلاثة .. وكان كل منهم يحسب ألف حساب لهذا المساء الأخير في حياة ملكة الملوك ، التي حكمت البلاد ، مائة سنة وعشر سنوات إضافية .
قالت بصوت واهن ، إنما لا يخلو من إنذارات :
- لم تعد لدينا مشاكل تذكر .. إنما تقدم العمر بي ومضى كأنه لم يكن .. وتلك مشكلة لم تعالج . في الواقع كنت أحلم ان أبقى فلاحة ، أزرع الأرض ، في مكان خالٍ من الصخب ، بدل هذا الشعور المؤلم بالعجز والوهن .
ووجهت السؤال إلى البروفسور الأول :
- فماذا فعلت ، أنت ، أيها الأحمق ، لحل مشكلات الألم السعيد ؟
لاشيء .. لاشيء .. عدا الألم ألا بعد الذي يجعل النهايات متساوية في الأخير . هل أخبرت الكاهنة ، وأجهزة التذكر الضوئية ، بالعجز الأزلي لعقولنا بسبب التصورات الكسولة ؟ لم تفعل شيئاً يذكر ، باستثناء تحسن النوع البديل ، ولكنك أهملت بتكاسل القضايا الكبرى .
سكتت ، صاحبة الجلالة ، بإشارة من الجهاز الذي كانت تراقبه ، ويصدر لها الإشارات . وكان البروفسور قد تلقى الكلمات بخيال مرح ، ورحابة .. فقد كانت (( أم البلاد )) و (( القمر الأبدي )) و (( منقذة الإنقاذ )) تجد سلواها بهذه الكلمات مع خاصتها . أجل . قال لنفسه ، بحيل لا يكتشفها جهاز كشف الضمائر ، أنها أعظم داعرة لا تقل سوداوية من الموت في مستنقع ، ومن الزواج بحمقاء واحدة لا تجيد ألا تحويل الذهب الى تراب . أجل ، أنها المقدسة ذاتها التي يمر عليها الزمن مرتجفاً . وأسكت عمل العقل عنده ، ليتفحص محياها ، في مساء السخط والعواصف والحرب الغامضة التي لا تريد ان تضع أوزارها ، ليصدم وهي توجه الكلام أليه :
- لقد آن أوان أن أتخلى عن هذا العرش ، تصوّر ، أيها الطبيب الفذ ، تصوّر .. لقد آن أوان أن أموت .
ثم ضحكت . ووجهت خطابها للحكيم الثاني :
- تصوّر .. أني لن أبقى ألا .. ذكرى .. كلمات في سجلات هذه المملكة الفاسدة . تصوّر ، سأطوى كما تطوى الصفحات .. ها .. ها .. تصوّر .. أيها الأخ الذي كشفت له أم البلاد خفاياها ، تصوّر ، أني ، أني أنا ، أني التي حكمت بالعدل العادل ، مائة سنة وعشر سنوات ، سأدفن ، مثل بقرة مجنونة ، مثل أية أرملة شمطاء ، مثل أية شاعرة لم يسعفها الجسد باستئذان دخول شياطين الجمال المر . قل لي ..
ورفعت صوتها :
- ألا ترى ان الشعر أكذوبة . ؟
قال وهو يعالج دوار الرأس الذي يفقده الوعي :
- يا جلالة الملكة ، لم أشتغل ألا بمعالجة أمراض الجسد .. ولم أشتغل بمعالجة أمراض الكلام
تابعت ساخرة :
- المشكلة التي كادت على إمبراطورية عظمى ، مثل إمبراطوريتنا ، ان تغيب ، أمسكت بها أنا .. تلك هي مشكلة الكلام والكتابة ، بعد ذلك .
وقالت وهي تغادر كرسي العرش ، وتقف أمامه :
- أني أموت أيها السيد .. أيها العبد . وهذا هو آخر يوم لي في الدنيا . أي أني سأسلم المملكة لولدي العجوز المخرف الذي ينقب في ذاكرة الهواء . أصغ : ألا تعتقد أني مصابة بداء الحب .. وليس بأي ذهان أو بأي مرض من أمراض بلور الفضاءات .
أجاب بتردد :
- الإمبراطورية بخير .. وحبك لمليارات الذرات الحية هو سر خلودك .
- ولن أغادر.. ؟ وصرخت :
- ولن أذهب أرقد وحيدة تحت التراب في هذا البرد ؟ ولن أذهب جثة هامدة والحرب مشتعلة .. ها .. أيها الولد العاق أني لم أعد محاربة .. ولا أحد سيصدر أوامره الى الفرسان .. ولا أحد سيصنع للناس الأبرياء الأعياد . تصوّر ، أن الموتى سيدفنون فوقي .. بل وستدفن الماشية .. والكلاب .. ثم ، بعد ذلك ، تولد الأشياء الأخرى .
عادت الى كرسيها . وقالت تخاطب نفسها :
- كان عليّ ان أكون شاعرة ..
لكن الجهاز أشار لها بكلمات دارت بخلدها [ (( كنتِ أعظم شاعرة بالكلمات وبالصمت . من ذا الذي حكم ألف عام ومائة عام مضافة ؟ من ذا وضع أسمه في كل مكان . )) – (( من ذا كان قد حول الهواء الى مسرات ؟ ومن ذا الذي لا تصفق له الأبدية الى أبد الآبدين .. )) ]
- أجل .. هذا الجهاز غدا يكذب عليّ .. مثلما تكذبون عليّ ، في عقولكم .. أتعرفون ماذا قال لي ..
صرخ الجهاز :
- إنذار .. إنذار .. إنذار .
وساد الصمت .
قالت وهي تستعيد ذاكرتها :
- أه .. أيها البروفسور .. كنت أتحدث عن اللغة .. وعن الحب .. وهي مقارنة مقرفة لديكم أيها العلماء .. ولكني أشعر أننا كنا غير جادين في إدارة شؤون الوعي .. مثلما كنا في معالجات قضايا التسامي . لقد كنت أعتقد أني خالدة .. بينما اكتشف الآن أني مريضة بالحب ! امرأة تسلمت دفة القيادة وهي في الأربعين ، وحكمت ألف ومائة عام .. تشعر أنها ، كانت لا تعرف لماذا لم تصبح فلاحة أو شاعرة .. بدل ان تشغلها مشاغل حكم الحكم ..
وصرخت :
- كأن العواصف وحدها تعرف ذلك .
وساد الصمت برهة ، ثم قالت متابعة :
- ولا أحد سيقود الجند الى النصر . ها .. لا تسخر أيها الحكيم الثالث ، حكيم قلبي ، لا تسخر وأنت تقول لنفسك : ان المملكة هي التي تترنح . فأنا أسمعك ، أسمعك الآن تقول ، أني أترنح . كلا : أني للحق أعيش الدور الذي لم أعشه من قبل .
ثم سألته :
- نولد ونموت .. ونموت ونولد .. قل لي ماذا فعلتم لحل هذه المشكلة . ؟ ألم أقل ، قبل قرن ، لا نريد ان نموت ..
لم يجب . فقالت ، على غير عادتها ، بهدوء :
- أنا التي تموت الآن .. أيها الجنرال .. لكنك لم تفعل شيئاً . كنت لا تبحث ألا عن ثروتك .. وأخيراً علمت أنك تنصلت عن الواجب .. ألم أقل لك أننا لم نكن نفكر ألا بالشعب المتمتع بذكاء كبار الآلهة .. أنا لم أتطرق الى المستحيلات – وسأتكلم عنها اليوم ، قبل ان أدفن تحت أقدام الكلاب السائبة – أي أنك ، دفعت بالسكان الى الاستسلام بعيداً عن الشك الذي عذبني ..
نهض وركع أمامها :
- أبداً .
وأسترسل :
- لقد كنت أؤدي واجبي بأمانة . لكني كنت أفكر ان لا تموت الذكرى ، وان لا تمحو الأسماء الاسم ..
- ها .. وان لا تُمسح أقدامنا من فوق الرمال .. أيها الولد ، هذه هي الأكذوبة .. ولكي لا تشعر بالفزع ، قبل ان يحل أوانه ، أقول لك : لا أسماء هناك .
وضغطت على زر بالقرب منها ، ثم عدلت من جلستها ، وقالت للحكماء الثلاثة :
- أني سأرحل .. في هذا اليوم .. وهذه ليست مشكلة مملكة كبرى .. أو مشكلة إطلاقاً . ان الوعي يبحث عن بؤس آخر .
وقالت بمرح ، وهي تنهض من كرسيها :
- أنا أسأل نفسي ، يومياً ، منذ قرن ، لماذا لم ابق فلاحة وصرت ملكة .. ولماذا لم أمت ، مع مليارات الموتى ، بدل إثارة هذا السؤال : ما جدوى اختراع الأسئلة إذاً كنت أقدر ان أنحدر مع الغروب الى الصمت ؟ والآن أيها السفلة آن أوان قتلكم . أنت .. الأول : هل لديك كلمات أخيرة :
- أبداً : الذاكرة صماء . فأنا تعلمت ان لا أتعلم . ففي الحرب الكبرى علمت الجند الواجب الأول : الحرب هي الحرب وهي الكرامة . وعلمت نفسي ان لا أشك بهذا الواجب ، ما قبله أو ما بعده ، وقلت : الذاكرة محض استثناء لعمر مكبل بالخرائب . أجل يا جلالة المقدسة ذات الصولجان الشامخ ، لا يوجد ألا ما لدينا من كثافة كل الباطل في هذا الحضور ، هنا ، لديك ، وتحت ملكات الوعي ألا بعد للإنقاذ . أجل ، أننا تعلمنا ان نحتمي بظل شجرة لهذا القصر من أجل وهم حماية الوهم الأكبر . أني يا سيدة النجوم والقلائد والثروات القادمة تعلمت ان يكون سلسلة من الأستئذانات .
عاطت :
- أيها المؤرخ .. أنا لم أمت بعد .
- لم اقل ذلك . في الواقع لا يوجد موت بالمرة ..
- أيها الجرذ .. تعال .. أني أود أن أنتف لحيتك الطويلة .. بل أود ان أراك تتلاشى مع الهواء . لكني لن أفعل ذلك الآن . بل أسأل نفسي : لماذا كذبتم عليّ كثيراً . آخ : أنا أعرف ذلك كله . فقد كانت مخلوقاتي توازي وهم اللغة والكلام . مع ذلك لا أغفر لك .. فماذا تود ان تقول ؟
- بالدقة .. لا بد ان يلقى خطاب العرش .. أما بصدد القضايا التي تخص حياتي .. فأنا .. يا جلالة الملكة ، سأغادر ، حالاً .. ولا قدر ، ألا له قدره ..
قالت :
- أذهب .
لكنها ، قبل ان يغادر ، كانت أمرت ان يمنح آخر أعظم أوسمة البلاد حتى أنه – كما ظهر في شاشات التلفاز – يسير منحنياً .
قالت للثاني :
- وماذا عن النصر إذاً ؟
- لقد حسم منذ زمن بعيد ..
صرخت :
- أيها الخائن .. من ذا الذي حسم الكلمات ؟ لقد كانت الحياة لعبة ، لكنها لم تكن جميلة لتسكت ضوضاء السكان . أنا عشقت الهواء والمزارع .. وبسطاء الناس .. ثم جاءت هذه الأجهزة .. وأعترف لك أني خربت أكبر وأعظم شبكة صنعت حتى الآن .. أجل .. خربتها بنفسي .. وأمرت تدمير كل تلك الضمائر التي تراقب الضمائر .. بل وخربت العقل الكلي لهذا الخراب .. فماذا تقول ؟
- سيدتي .. سأغادر .. سأذهب الى الفرن .. وأستسلم لموتى .. فأنا هو العبد المخلص لإسراره .
ثم قالت للثالث : والآن .. ماذا ترى . ؟
- يا جلالة الملكة .. أننا نستطيع ان نعيدك الى الحياة : نركب لك العظام ، والذاكرة ، واستلام التوجيهات الجديدة ..
سألته بحذر :
- ماذا قلت ؟
- قلت أننا نستطيع ان نعيد لك الحياة ، سنة بعد سنة .. وعقد بعد عقد .. وقرن بعد قرن ..
وضحك متابعاً :
- ولا يقترب منكِ الموت ..
ضحكت ، قائلة :
- أنا لا أريد ألا ان يقترب مني هذا الشبح . لأني لا أريده أن يزعجني هناك ، في العالم الأخر .
- لا أبداً .
لكنها تابعت آمرة :
- هو ذا قدرك ..
- أعرفه .. فأنا كنت أومن به منذ البدء . لكنها نادته :
- وقلبي .. قلبي .. ؟
ورفعت صوتها بغضب :
- قلبي الذي سيكف عن إصدار الأوامر .. قلبي الذي عشق هذا الوجود ، ماذا عنه؟
- أنه يدور .. يدق .. يعمل مثل نجمة .
- مثل …
وكانت وحيدة : دائماً ، يأتي الموت خاتمة للاحتفالات .. يأتي ليعدل وهمه ، بوهم أبعد . وتناولت شراب الأرض المسكر ، وذاقت الكروم والثمار كلها ، واستعادت مجد الأتي من الزمن ، وكان عليها ، وهي تراقب الزمن ، المتحرك في ثباته ، ان تلقي خطاب العرش ، الخطاب الأخير للأمة . لكنها قالت لنفسها ، وهي تقف أمام المرآة المزركشة بالأزمنة والآثار الروحية :
- أنهم غادروني بلا أسف .. والآن لا أحد لديّ ، في عزلتي .. مع هذه اللحظة التي حاولت ان أتجانس معها ، وأتوحد ، وأقول : وداعاً أيها التطابق ! وداعاً أيها العالم .. أيها الوهم .
ثم أفاقت . وطلبت وزيرها الخاص بها ، وأمرته بإحضار الحكماء الثلاثة :
- لكنهم ذهبوا إلى الهواء . ماتوا يا جلالة العظيمة .. يا أمنا في الزمن كله .
- ماتوا .. من أمر بقتلهم .. ؟
- أنت .. يا جلالة الملكة .. أنت قلت لهم ان يغادروا الدنيا ..
وقالت لنفسها : لم يعد لديّ أي كلام . وهو ذا الذي كنت أعرفه منذ البدء .. فلكم قلت لنفسي : عندما لا يكون هناك أي كلام .. فما معنى ان نتكلم ؟ آه . أني لست حزينة وأنا أغادر هذا القصر القيد ..
طرقت الباب . قالت : أدخل . وكانت تعرف ان أبنها الوحيد هو الطارق . قالت له : كنت أعرف ذلك .
وجلس بهدوء ، ولم يتكلم . قالت :
- أيها العجوز .. هل تستطيع ان تحكم هذا الشعب ..
رفع رأسه قليلاً وقال بلا مبالاة :
- نعم .. فأنا علمتني الحكمة ان تأليف أكبر وأعظم كتاب أيسر لي من تربية طفل ..
- ماذا تقول .. يا ولي العهد ؟
- أقول : ان إدارة دفة الحكم أيسر لي من قيادة سفينة صغيرة في بحر !
صرخت :
- يا آلهتي أني أموت لأسباب وهمية .
ووجهت كلامها أليه :
- وماذا تريد إذاً ؟
- أريد ان أعود الى كوخي القديم ..
وكادت تفقد الوعي . لكنها أمرت ان تعاد الحياة الى الحكماء الثلاثة . وجاءوا حالاً . قالوا بصوت موّحد :
- نعم .. هل من واجب لم ينفذ بعد .. ؟
- نعم .. أننا سنذهب الى الموت معاً . فالدولة انتهت ..
قال الأول : أنه الجنون .. فالدولة ستبدأ .
وقال الثاني : بل الحياة ستبدأ مرة ثانية .. وثالثة .. بعدنا .
وقال الثالث : ولا أحد يتذكر أحد .
نهض ولي العهد وقال لكبير القصر : أقبض على الجميع .
قالت الملكة : لكني لم ألق خطابي الأخير .
قال بصوت هادئ : تم أعداده ، يا جلالة الملكة ..
قالت : وهل هناك ملكة تتكلم باسمي .
قال : نعم .. هناك الشعب كله ..
ثم راحت تضحك بجنون : يا ولدي كان عليّ ان أعترف لك قبل ان تتكوّن : أنا كنت قد دفنتك قبل ان تولد .
صرخ ولي العهد :
- كذب .
ثم طلب من كبير أمراء القصر بحجز الأربعة ، في قفص واحد . قالت الأم :
- أنت معنا .. ألا تعرف .. أنت تعمق موتك ..
- أعرف .. مثلما كنت أعرف تاريخك كله .
[ (( ليس لديّ تاريخ محدد . فأنا ولدت ملكة وقلت : سأموت ملكة . جاء هذا الولد الوحيد يحدث الاضطراب .. وقلت : حسناً .. ثم عالجت مشكلاته . تركته يتحرر من فزعه . لكنه كان يخطط لعالم آخر . وتلك بديهة . أنا نفسي لم أصنع مجد الألف عام ومائة عام ألا بالسياق نفسه . وقلت للسكان : الخطر يوّحد الكل ، ضد الخطر ، وليس ضد الكل . قلت التاريخ لن يبدأ ألا عندما ينتهي التاريخ . لكن هذا العجوز آمر بحرقي في سجون الملفات السرية .. فلا أحد سيطلع على تاريخي ، ولا يتعرف ، على مجد النوايا التي حكمت بها ، لإنقاذ رعيتي من الهلاك . ثم ها أنا هالكة وحدي بعد فشل إطالة عمر الوهم . لا تاج هناك ولا وزراء ولا عبيد . هناك الصمت الوحيد الذي كف عن التصفيق وأعلن ، بهدوء الحكماء ، ان الخلود ليس بحاجة إلى كلمات )) ]

الأحد، 11 سبتمبر 2011

هادي جلو مرعي


هادي جلو مرعي
سبحان الحي الذي لايموت,سبحان من بيده ملكوت كل شئ...
عظم الله لكم الأجر..البقاء لله..لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم..إنا لله وإنا إليه راجعون..
كلمات قيلت وتقال كلما مات إنسان أو قتل,ولاتكون كافية أبدا لتسلية صاحب المصاب (إبن ,أو زوجة ,أو أم ثكلى, أو بنت يتمت وهي صغيرة)..
كان اللقاء الأخير لي بالصديق هادي المهدي في عزاء زوج شقيقتي ,وكان الوقت رمضان ..في تلك الليلة رفعت يدي له بالتحية مودعا,كان يجلس والصديق نصير غدير الى كافتريا في حي الكرادة,وبعدها بقي التواصل عبر الفيس بوك,حتى الخميس الذي قتل فيه..
لم أعد اعبأ بالذين يزايدون, ولا بالذين يتهمون هذه الجهة أو تلك,فمنهم من يرمي التهمة بساحة الحكومة ,وغيرهم بساحة المعارضة,ومنهم من يرى الجريمة محاولة لخلط الأوراق في بلد لم تعد فيه من أوراق سوى تلك التي تلعب بها رياح المزايدات الرخيصة والمملة.
ليس مهما فالرجل قد تلقى الرصاصة في الرأس الممتلئ بدوامات القهر ,وعواصف الأفكار التي ( تودي وتجيب) وبلاحلول..هذا الرأس لم يجد الحل,لكنه وجد الرصاصة التي أراحته من (همها وغمها),,كارهون كثر سيهزأون بالكلمات التي أنسجها عنه, وربما سيضحكون..لكني أعرف عمن أكتب,أعرفه جيدا..وأنا لاأكتب عن شخص كرهه البعض, وأحبه غيرهم,بل عن قصة عراقية يومية ,وعن حراك اللحظة بين الإنسان ومعاناته,وخاصة أننا في العراق لا نمتلك الأهلية لنعد سوانا سيئين ويستحقون القتل فكلنا اسوأ من بعضنا,والشرفاء هم الذين يستحقهم القتل لأن صوتهم كان مدويا الى الدرجة التي تدفع بالقاتل ليكون قاتلا ( في دائرة الشيطان) ,وجزءا من مسيرة الطغاة والقتلة عبر التاريخ الإنساني الحافل بالسواد.
من قتل هادي؟أنا أعرفه جيدا ,أو أعرفهم جيدا,فهم بشر مثلنا لكن الفرق بيننا وبينهم إنهم يجيدون إستخدام المسدس, ويعرفون كيف تتحرك الرصاصة ,وبأي إتجاه ,وبأي رأس لابد ترتطم, وتخترق, وتغيب , وتدفع به الى آخر الأنات التي بعدها السكون الأبدي, ليرتاح القاتل ومن دفعه لبعض الوقت بإنتظار صوت آخر, ورأس آخر,,,
القتلة لايفهمون أن الرؤوس لاتنتهي...هم لايستطيعون التخلص من خالق الرؤوس مهما حاولوا, وهو سيدفع بالمزيد منها الى ساحة الحرب مثلما سيدفعون هم بالمزيد من المسدسات والرصاص .
هادي واحد من ملايين العراقيين الذين قتلوا لآلاف الأسباب ,وبملايين من الطرق..
للأسف ,القاتل مجهول الهوية كالعادة ,والقتيل يدفن كالعادة,والعزاء يقام على روحه كالعادة..!
hadeejalu@yahoo.com

السبت، 10 سبتمبر 2011

رحلة مع تحولات مفصلية2 (من عميل خائن إلى رمز وطني)-عزيز الحاج



رحلة مع تحولات مفصلية2 (من عميل خائن إلى رمز وطني)

عزيز الحاج

من عميل خائن إلى رمز وطني

إنها قصة السياسي العراقي عبد المحسن السعدون، والتي تصلح درسا ونموذجا لتبدل الأحكام على الرجالات العامة في موجة عاطفية عارمة للجماهير. هذا النمط من تغيير التقييم والأحكام يختلف عن تغير أحكام مؤرخين وباحثين لشخصيات وأحداث تاريخية، رصدوا وبحثوا ليجدوا أن ما كان يعتبر حدثا إيجابيا كان بالنسبة لظروفه سلبيا وبالعكس، كما رأينا مثلا من "حرب الجهاد" مع العثمانيين، أو ليكتشفوا أن تهمة منسوبة لشخصية شهيرة وظلت رائجة قرونا كانت بلا أساس، ومثل ذلك ما نسب لماري أنطوانيت عندما طالبت الجماهير بالخبز وما قيل على لسانها "أعطوهم الكيك- الحلوى-"؛ فقد تبين منذ أقل من ست سنوات للمؤرخين الفرنسيين أن ما نسب للملكة كان رواية اختلقها بعض الثوار للتحريض والتأجيج، وأن ماري أنطوانيت كانت امرأة عصرية وزاهدة أصلا في حياة البلاط، وقد أجبرتها العائلة الملكية النمساوية على الزواج من الملك الفرنسي لاعتبارات سياسية. ولعل من المستحسن أيضا هنا ذكر رواية ضرب شرطية تونسية للضحية بلعزيزي، إذ، بعد اعتقالها وبهدلتها شهورا، أطلق سراحها بعد أن بين القضاء عدم صحة الرواية.

السعدون كان سياسيا لامعا وشغل منصب رئاسة الوزراء ثلاث مرات في العشرينيات. وقد كان واقعا بين ضغوط معارضة وطنية متشنجة تريد غير الممكن، أي تحقيق المطالب الاستقلالية دفعة واحدة، وبين حسابات وضغوط بعض رجالات الإدارة البريطانية في العراق. وكما يقول عبد الرزاق الحسني، فقد كان السعدون يعتقد أن التدرج في العلاقات العراقية – العراقية أمر لابد منه، وأنه ليس من المصلحة التقحم في الأمور، والاستعجال في الطلب. وقد دفعته ضغوط المعارضة في حكومته الثانية للاصطدام مع المعتمد السامي البريطاني [أواخر 1928] واستقال، وهو ما دفع بالإنجليز لبعض التراجع، فعاد لرئاسة حكومة جديدة؛ ولكن اشتدت الضغوط الوطنية عليه لممارسة التشدد، ووجد نفسه محاصرا، ولحد أن آخر جلسة نيابية حضرها كانت نارية ومتأججة المشاعر. وهكذا رأى السعدون نفسه يواجه حملات المعارضة من المعارضة، وحتى من نواب محسوبين عليه، فلم يجد مخرجا غير الانتحار، وترك وصية مثيرة وتاريخية لولده، يقول فيه:ا" اعف عني لما ارتكبته من جناية لأني سئمت هذه الحياة التي لم أجد فيها لذة وذوقا وشرفا. الأمة تنتظر خدمة. الإنجليز لا يوافقون. ليس لي ظهير. العراقيون طلاب الاستقلال ضعفاء، عاجزون، وبعيدون كثيرا عن الاستقلال. وهم عاجزون عن تقدير نصائح أرباب الناموس من أمثالي. يظنون أني خائن للوطن، وعبد للإنجليز. ما أعظم هذه المصيبة! أنا الفدائي، الأشد إخلاصا لوطني، قد كابدت أنواع التحقير والمذلات في سبيل هذه البقعة المباركة التي عاش فيها آبائي وأجدادي مرفهين."
ما أن أذيع الخبر، حتى انفجرت عفويةً العاطفةُ الشعبية مرة واحدة بسبب مصيره المفجع، فراحت الجماهير تندبه وتبكيه في شوارع امتلأت بهم، وانقلبت حفلات الأفراح وولائم السمر إلى مآتم ومباكي، كما يقول الحسني. وهكذا تحول لرمز وطني، بل ولشهيد. يقول المفكر الفرنسي غوستاف لوبون [ قرن 19 ] عما يصفه ب" الجمهور النفسي":
" الظاهرة التي تدهشنا أكثر في الجمهور النفسي هي التالية: أيا تكن اهتماماتهم ومزاجهم أو ذكاؤهم، فإن مجرد تحولهم إلى جمهور يزودهم بنوع من الروح الجماعية، وهذه الروح تجعلهم يحسون ويفكرون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي كان سيحس بها ويفكر ويتحرك كل فرد منهم لو كان معزولا. وبعض الأفكار والعواطف لا تنبثق أو لا تتحول إلى فعل إلا لدى الأفراد المنضوين في صفوف الجماهير"[ تلخيص وعرض د. حنان هلسة لكتاب "سيكولوجية الجماهير" في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان سيكولوجية الجماهير].

في هذه الحالة العراقية الملموسة لقد أصابت الجماهير، قبل أي تحليل سياسي متعمق وشامل الجوانب لشخصية وسياسات السعدون، وإنما كان هو الانفجار العاطفي الجماعي، المتأثر بحدث مأساوي، والانفجارات العاطفية للحشد الجماهيري قد تصيب لصالح قضايا عادلة وقد تخطئ وتنحرف نحو العنف والثأر والدمار، وتنجرف وراء نزوات وغرائز شديدة الهيجان، وهو ما شوهد في الثورة الفرنسية، وفي الأيام الأولى لثورة 14 تموز، وفي بعض الانفجارات الحالية في الشارع العربي. وأحكام العواطف الشعبية تختلف كما قلنا عن الأحكام المدروسة، والموضوعية، والموثقة للباحثين والمؤرخين. وما فهمته من قراءاتي هو أن الحكم السياسي على السعدون يبيح القول بأنه كان شخصية وطنية لامعة عمل ما في وسعه في ظرف معقد وصعب، ولكن المتشددين وطنية، والعاملين تحت شعار " إما كل شيء وإما لا شيء"، يتحملون جزءا كبيرا من مسئولية انتحاره المأساوي.

إن العهد الملكي في العراق كان بين قطبين ناريين: فريق متشدد من الطبقة الحاكمة من أمثال نوري السعيد بالدرجة الأولى، ومعه رشيد عالي وياسين الهاشمي وعلى جودت الأيوبي وناجي شوكت وطه الهاشمي وغيرهم، وبين ساسة وطنيين متشددين باسم الاستقلال التام، والذين كان همهم الأول خدمة العراق وشعبه وعانوا الكثير من أجل ذلك، أمثال جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي والشيوعيين وبقية اليساريين والديمقراطيين، ومن انضم إليهم من بعض رجال الحكم مثل حكمت سليمان.

وقد ورث جيل الأربعينات وما يعدها من الوطنيين إرث التشنج السياسي، الذي فجر نفسه بكل قوة تخريبية بعد 14 تموز 1958.

ذات يوم من عام 1950 نصح الزعيم الديمقراطي الراحل كامل الجادرجي أعضاء حزبه بمعالجة الأوضاع السياسية بعقلية صلبة ومرنة في آن واحد. قال " يجب أن نكون صلبين في القضايا الأساسية التي لا يجوز التنازل عنها مطلقا، كما يجب أن نكون مرنين فيما عدا ذلك." [من كتاب أوراق كامل الجادرجي، ص 497، من إعداد نصير الجادرجي].

كان الجادرجي يقصد تفسير رفضه لطلب من طالبوه بالتوقيع على النداء العالمي لأنصار السلام العالمي، حيث اعتبر تلك الحركة شيوعية وبدفع سوفيتي، وأن توقيعه، كرئيس لحزب ديمقراطي ليبرالي، سوف يضع حزبه في قفص الاتهام بالشيوعية. وأعتقد أن الجادرجي كان محقا هنا، فحركة أنصار السلام، كحركة عدم الانحياز، ولدتا في ظروف الحرب الباردة، وبدفع سوفيتي للتحريض ضد الغرب وأميركا خاصة. والدليل أن كل نداءات الحركتين كانت توجه اتهامات التسلح والعدوان للغرب وحده متجاهلة التمدد السوفيتي حتى في أفريقا، وحمى التسلح النووي السوفيتي. وقد ثبت عند التوقيع على اتفاقيات سالت الأولى مدى تفوق الترسانة النووية السوفيتية على الترسانة الأميركية.

ولكن الجادرجي شارك في حكومة أول انقلاب عسكري في العراق والمنطقة العربية، وهيأ للانقلاب، وشارك في بيانه المعلن. ومع ذلك، فإنه اتخذ موقفا متصلبا وجافا من عبد الكريم قاسم. وهنا التناقض. وبالعكس، فإن حزبه شارك في حكومة نوري السعيد عام 1946، التي كانت تهيئ لانتخابات بينما زج الحزب الشيوعي بقواه للتظاهر ضد حكومة نوري السعيد. وأعتقد أن مرونة الجادرجي كانت مفيدة للكشف عن سوء نوايا السعيد وعدم جديته، ولكن مظاهرة الشيوعيين، [اعتقلت شخصيا فيها] والتنديد بمشاركة حزب الجادرجي كانا في غير محلهما.
إن العهد الملكي لم يكن جحيما وإن لم يخل من محطات سلبية ودموية مدانة، كطغيان الإقطاع، وكسلسلة الإعدامات في الأربعينات [لقادة عسكريين قوميين، ولقادة قوميين أكراد، ولزعماء شيوعيين]، واحتكار نوري السعيد للساحة السياسية إلا قليلا، وتزييف الانتخابات، وبعض ممارسات التعصب الطائفي، وكمحنة اليهود العراقيين: استباحةً، وتهجيرا، ليخسر العراق طائفة من أبنائه المحبين له، ومن قدموا له خدمات كبرى.
العهد الملكي تميز، في الوقت نفسه، بنهضة تعليمية مهمة، وحركة ثقافية وفنية بارزة، وقام بعدد من الإصلاحات الاقتصادية والعمرانية المتميزة. وكانت هناك أحزاب رغم ضربها قانونيا من وقت لآخر، وصحافة حرة مؤثرة برغم التضييق عليها من حين لحين. وحتى البرلمانات ذات الانتخابات المزيفة كانت تشهد أصواتاً معارضة قوية تثير مشاكل شعبية ووطنية مهمة أحيانا، وتدين الاعتداءات على السجناء السياسيين، وكانت محاضرها تنشر في الصحافة.

أما جيل وطنيي الأربعينات والخمسينيات، وأنا منهم، فقد ظل يدين حكومات ذلك العهد مهما فعلت، ومارس المعارضة من أجل المعارضة. مثلا لم نرد الاعتراف بأهمية مجلس الإعمار وما حققه من مشاريع لصالح البلاد، بل اعتبرناه في خدمة الإقطاع والاستعمار؛ ومثلا عارضنا اتفاقية المناصفة النفطية ورفعنا بدل ذلك شعار التأميم الذي لم تكن ظروفه ناضجة، بل كان الإقدام عليه يعني في ذلك الوقت خسران العراق لعائداتنا النفطية، وحصار الاحتكارات النفطية لنفطنا واقتصادنا. واليوم يجب التساؤل عن معارضة معاهدة 1930: هل كانت صحيحة أم أن تلك المعاهدة كانت خطوة للأمام بالنسبة للانتداب وسمحت بدخول العراق لعصبة الأمم؟ وهو ما أراه. وكذلك معاهدة بورتسموث لعام 1948، والتي عارضتها القوى المعارضة كلها، وهيجت الشارع في وثبة شعبية دامية [خاصة في معركة الجسر] وما قدم الشعب من تضحيات غالية بالدم الزكي. إن من الواجب تمجيد شعبنا وتضحياته وشهدائه، ولكن ربما تجب إعادة النظر في الموقف من تلك المعاهدة، وما إذا لم يكن الأكثر واقعية المطالبة بتعديل بعض بنودها بالاتجاه الإيجابي يدلا من المطالبة دفعة واحدة بإلغاء المعاهدات مع بريطانيا وجلاء القوات. وهكذا كان موقف المعارضة، بكل تياراتها واتجاهاتها، من حزب الاستقلال القومي، فالديمقراطي الليبرالي، فاليسار من شيوعيين وغيرهم.

هذه أسئلة مطلوب طرحها وتبادل الرأي حولها. وثمة من الكتاب العراقيين من يشاركونني الرأي هنا ولكن آخرين من اليساريين يكتبون وكأن القوى الوطنية لم تخطئ أبدا، وكأن العهد الملكي كان شرا كله.
ربما سيقول البعض إن هذا التساؤل هو " تخريف" أواخر العمر، وجحود بالأمجاد الثورية؛ ولكن هذا ما أراه.
إن دماء المواطنين والمناضلين أغلى من أن نضحي بها في سياسات غير واقعية وغير مرنة وفق الظروف. وقد دفع الشيوعيون العراقيون خاصة، مع جماهيرهم، ثمنا باهظا في حالات غير قليلة، ومنها في معارك متهورة داخل السجون مع السجانة وقوات الشرطة. وغيفارا، الذي لا تزال جماهير غفيرة في العالم تمجد روح التضحية ونكران الذات لديه، ألم يجازف بدخول معركة فاشلة مقدما مع نظام دولة أخرى وببضعة مقاتلين؟! وفق أية موازين قوى يا ترى كان يأمل النصر؟!
**
ملحق: فيصل الأول:
للعهد الملكي رموز لا تزال مشعة بحسها الوطني ورفض الطائفية والتمييز العرقي، والتطلع للتقدم بالعراق ليلحق بموكب الحضارة الحديثة، ومن اجل حياة أفضل للمواطن.
في مقدمة هذه الرموز الملك فيصل الأول نفسه، الذي، رغم أنه لم يكن عراقيا، كان وفيا للعراق وحريصا على تماسك الشعب ورفاهه.
مهمة فيصل الأول لم تكن سهلة وهو غير العراقي ومستدعى لحكم العراق من دولة غربية "كافرة"، مع أن لفيفا من ساسة العراق -من شيعة وسنة- كانوا قد نادوا بتنصيبه. كان فيصل الأول يواجه الضغوط البريطانية، وضغوط المعارضة الوطنية التي كانت تطالب بمطالب غير واقعية في تلك المرحلة، وكذلك بتشدد رجال الدين الشيعة. كما واجه تمردات مسلحة، كردية وقبلية، واحتدام المنافسات والصراعات داخل صفوف الحكم.
لكن اكبر الصعوبات أمام فيصل الأول كانت في أنه ورث مجتمعا شديد التخلف، يحرم فيه رجال الدين تعليم الفتيات، وقراءة الصحف، وحتى ركوب القطار باعتبار كل ذلك بدعا من الكفار. وورث شعبا غير متماسك، منقسما على نفسه بفعل العصبيات التي أشغلتها سياسات العثمانيين. لقد تولى أمر شعب كان – على حد تعبيره- "هلاميا"- مقارنة بالشعوب المتماسكة. وهذا ما كتبه قبيل وفاته في مذكرته الشهيرة التي وزعها على لفيف محدود من ساسة العراق المقربين. فقد رأي أن على الساسة أن يكونوا "حكماء مدبرين، وفي عين الوقت أقوياء، مادة ومعنى، غر مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معا، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي؛ لا ينقادون إلى تأثيرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة تستوجب الرد."
هكذا أراد من رجالات الحكم ولكن جهوده لم تفلح دائما بسبب طموحات وخصومات رجالات الحكم.
إن أفكار فيصل الأول وسياسته تصلح مرشدا لحكام العراق، كما هي أيضا فضائل وخصال عبد الكريم قاسم. فثمة مشترك كبير بينهما وتلك هي المفارقة، أي المشترك بين ملك وبين رئيس جمهورية قامت على أنقاض الملكية. وكان فيصل الأول مثالا للتواضع والحرص على الثروة الوطنية، وكان يقبل بالخضوع لحزم وزير ماليته ساسون حسقيل في ضبط نفقات البلاط نفسه. وكان ساسون حسقيل معروفا بالتشدد في الحسابات، ومن ذلك جاء التعبير الشعبي العراقي عهد ذاك " لا تحسقلها".

كان فيصل الأول يقول:
" إنه لمن المحزن والمضحك المبكي معا أن نقوم بتشييد أبنية ضخمة بمصاريف باهظة، وطرق معبدة بملايين الروبيات، ولا ننسى الاختلاسات والتصرف بأموال هذه الأمة المسكينة، التي لم تشاهد معملا يصنع لها شيئا من حاجاتها. وإني أحب أن أرى معملا لنسيج القطن بدلا من دار حكومة، وأود أن أرى معملا للزجاج بدلا من قصر ملكي." فما أروع! ويا له من درس بليغ لحكام اليوم وكبار موظفي الدولة وقد صرنا في مقدمة دول الفساد!

وفي خطاب له في السليمانية عام 1931 قال الملك فيصل الأول:
" لا يخفى عليكم أن الدين لله، والوطن لنا جميعا. فهذه الجبال، وهذه الوديان الجميلة، هي ملك لباقي سكان ألوية [محافظات] البلاد العراقية الأخرى. كما أرى أن كل شبر في تلك الألوية لسكان اللواء حق فيه. أقول أكثر من ذلك: كل قطرة من دم سكان هذا اللواء هي من دم العراقيين جميعا، وكلهم إخوان في الوطن، لا يؤخرهم عن خدمته شيء. وأما الدين والمذهب، فهو لله، ويلزم أن يبقى بين الرب وعبده في حدود الجوامع والكنائس." ألم يكن عبد الكريم قاسم يقول الشيء نفسه في وضع آخر؟؟

وأخيرا لا بد من ملاحظة هامة، وهي أن العراق لم يرث خرابا من العثمانيين. وكما مر، فقد تمت في أواخر العهد العثماني بعض الإصلاحات الإدارية الهامة التي ورثها الاحتلال والانتداب البريطانيان وطوروها، مع وضع ركائز جديدة وهامة لبناء دولة عراقية حديثة- طبعا من منطلق مصالحهم أولا. ولذا فإن فيصل الأول لم يبنِ لوحده الدولة العراقية، بل ساعده البريطانيون، وساهم في بنائها الساسة العراقيون المجربون.
********

الخميس، 8 سبتمبر 2011

قصة قصيرة-جلالة الملك:عادل كامل



قصة قصيرة


جلالة الملك

عادل كامل
لم يدر بخلد أحد ، أبان تفاقم الجفاف ، ان يدعو جلالة الملك حاشيته وأمراء الغيوم والرمال والنجوم للبت في مشكلات المملكة .. فهو لم يخرج من غرفته على مدى فصل كامل ، كما لم يغادر قصره الملكي المشيد من الذهب وعظام حوريات الكواكب البعيدة منذ عام .
كانت قاعة القصر بلا شكل محدد ، لأنها مزينة بتحف وكنوز ومحنطات تعود إلى ما قبل ظهور الإنسان فوق الكوكب ، تلك التي توهم أكبر الأخلاقيين والفلاسفة بأن العالم مازال يمتلك فرص النجاة .. بإمكانات تأجيل وقوع الكارثة.. وهذا ما كان يدور من همس بين الحضور . كان الخدم يرتدون زيهم الشفاف المصنوع من غبار الفراغ الفضائي ، ويؤدون أعمالهم بدقة اعتمدت آخر تجليات نظام المعلومات وحسابات تراكم الخبرة والضعف البشري ، وفي الواقع منذ ان يكون المرء في القصر ، لا يمتلك قدرة تذكر الأسباب التي دعته إلى هذا الاجتماع ، أو لماذا هو موجود هنا أصلاً ، فالأجهزة المتحكمة بالمخيلة والضمائر توجه نمط الحوار والأفكار .. ومثل هذه الحقيقة يشهد عليها أمير الصوت والكلام الذي ندد بنظام العالم الجائر ، هذا العالم الذي جعل للكلام معنى مقلوباً .
لم تكن الأصوات عالية .. إلا ان الحبور أمتزج بانعكاسات أضواء القاعة المتغيرة الشكل .. فقد كانت الجدران تستدير ، والسقف يغير ثرياته ، مثلما النوافذ تعرض للمدعوين شتى الأفلام النادرة عن حقائق ما بعد الوعي وما قبل شيوع مبدأ الوفاء الأبدي ، كان الجميع بانتظار جلالة الملك ، على الأقل لتقديم البركات ورؤيته بعد انتشار شائعات غامضة عن زيادة وزنه نصف ذرة .
وزع أمراء الطعام الولائم التي تسبق خطاب العرش ، وهو تقليد معمول به منذ استولى الملك على البلاد وغير أسمها وسكانها وشكلها ليناسب أسمه وشخصيته وشكله . ومنذ ذلك الزمن لم يدر بخلد سكان البلاد ان عالماً آخر يمكن ان يوجد غير عالمهم .. بل صار الجميع على يقين بأن العالم هو القصر ولا أحد له حق السيادة على موارد النبل الروحية للبشرية من الشمال إلى الجنوب ومن السماء الى الأرض ألا جلالة الملك ، مثل هذه القناعة لم تعد تناقش أو تشغل بال أحد .. فالأجهزة الجماهيرية قد أدت عملها وصنعت مملكة فولاذية لن تهزم لأنه لا أعداء لها عدا ذلك العدو الأحمر الذي ترنح وتمرغ بالوحل ومات . والعدو الأحمر في الواقع محض تخيلات صنعتها أجهزة الصوت والكلام السري من أجل إعطاء جلالة الملك هيمنة تليق بمن يحكم مليار مليار ذرة من الغبار الابدي .. لكن الناس ، بعد ربع قرن من حكمة ، غير مكترثين لشيء . أنهم سعداء لدرجة أنهم لا يفكرون بالسعادة ذاتها ، وحتى واقع الجفاف الأخير الذي مازال يهدد نصف سكان البلاد بالتحجر والموت بلا آثام معلنة قيل أنه غير أكيد أو إشاعة لكي يظهر جلالة الملك لحظات يراه فيه الناس ولم يزد ذرة من وزنه القديم .
وعلى كل ظهرت أميرة الأميرات ورقصت في ركنها الماسي تسحر الجميع ساعات وساعات . ولم تتعب ولم يتعب من معها .. كنّ من نور غريب لا هو بالسماوي ولا هو بالأرضي ، بل قيل أنهن من اختراعات جلالة الملك .. فقد كان جلالته من أشهر علماء العصور قاطبة بتحويل الهواء الى جواهر .. وتحويل السمك إلى بشر .. واختراع الذهب من الدخان .. وهو وحده الذي استطاع ان يتزوج نصف نساء المملكة وربع نساء الكوكب البعيدة وان تكون ذريته ، وان لم يرها ، بعدد رمال البلاد . فقد كان كل وليد منذ توليه العرش يعد أبناً له . أما الفتيات ، فكن يدخلن في خدمة وزراء السعادة والمسرات والخدمات المضادة للفناء البشري . وهو أيضاً الذي رسخ عقيدة ان سلالته ، بل هو شخصياً ، لن يتفسخ أو يموت . ولهذا لا توجد كلمة بديلة أو مماثلة للكلمات القديمة في ذاكرة سكان البلاد .
ولم يضجر أحد من شيء . ان أعواماً بكاملها يمكن ان تمضي دون شعور بالزمن .. ذلك ببساطة ان الزمن هو الأخر لا وجود له . قبل ربع قرن قال جلالته في خطاب إلغاء الفقراء وإلغاء الجهل وإلغاء المرض ان الزمن صنعه الأعداء . وتكفي كلمة من هذا النوع لتصير قانون الجميع المطلق . لأن الجميع مسحوا من ذاكرتهم أي عصيان يصنعه الخيال . كما ان الجميع ، في احتفال حاشد لا أول ولا أخر له ، تتنازلوا عن مهام الرأس وتم حينئذ التبرع بالأدمغة لصناعة أحد جدران القصر ، مثلما تبرعوا بأسنانهم لبناء أعظم صرح يمثل بقايا بربريات سكان الغاب . وفي الواقع لم يعد لديهم ما يتبرعون به .. وقد جعل ذلك ، حسب كتاب المملكة الكبير ، بطيب خاطر .. أما أسماء الناس ، فأنها حسب أراء العلماء ، ليست مهمة ان وجدت أو لم توجد .. لأنها في حقيقة الأمر تنتمي الى عصر ما قبل تتويج جلالة الملك .. من ثم فليس هناك مشاعر خاصة ، على الرغم من ان هناك نصف مليار طن من الورق كرست لكتابة سيرة وحياة جلالة الملك وخوارقه ، وقد شارك أبناء الصحراء والجبال والبحار الخفية فيها .. حتى ان من لم يسهم في هذه الموسوعة الفريدة التي تحمل عنوان [ آخر السلالات الحية : آخر الملوك ] يذل بوصمة عار أنه على قيد الحياة .
وفي غفلة من الزمن ، بعد انتهاء حفلات الرقص البلورية ، وخوارق السحرة المستلهمة من إبداعات صاحب الجلالة ، ظهر حفيد الملك ، وهو شاب شاحب طويل القامة ، وجلس حيث مكانه الخاص . ولم يتكلم . وقد لاحظ ان عليه ان يبذل جهداً جباراً لفهم أسرار الأب بخلق حاشية كهذه تؤدي دورها من غير حاجة إلى أوامر .. بل والى أي شيء آخر .. فالجميع رسموا في الأعماق صورة أبن الأرض الذي نوره لا يغيب .. ولم يزعجه هذا الخاطر ، لأن الابن قد ضمن البقاء حياً في عصر جلالة الملك الذي قال أنه الأخير لا في سلالته وإنما هو آخر من أمتلك أسرار اختراع الزمن وإبداع الأجساد البلورية وأنه الأخير حتى مع نفسه !
كان الحفيد الذي أنجبته عشرة نساء ، وهو الابن الوحيد منذ البدء الذي تنقل بين رحم ورحم حتى خرج الى الحياة وهو يصدر أمره الأول بحرق أرحام الأمهات .. لا يحرق في مكان محدد .. أنه يخترع المشهد الذي يشبع رغباته ، وهو الأمر الذي لا يتعارض مع إرشادات صاحب الجلالة ، وفي الواقع لم يكن يرغب بالعصيان أو التمرد .. أنه مثقل بالأوسمة وليس من رغبة ألا وتحققت قبل ان تمر بخاطره .
نظر مرة ثانية في المجهول ، وابتسم بلا مبالاة ، ابتسامة زرعت الفزع في أعماق الجميع .. فبعد لحظة وجيزة تجمد الدم في رؤوس الأمراء .. لأنهم كانوا على علم بالأوامر الصادرة من الملك نفسه . لكنه واجه الأمر بوليمة أمير وسرعان ما عاد المرح إلى الوجوه .
ولم يكن لأحد الرغبة بالحوار عن ساعة حضور جلالة الملك أو الحديث عن الجفاف أو الحذر من حرب ضد نجوم مجهولة .. فقد كانت إبداعات ما بعد الذرة تفكر نيابة عن الجميع ، الأمر الذي لم يعد فيه أي معنى للمراقبة ، فقد كانت بعض العلامات تصدر كضرورة لمثل هذه المشاهد .
وسرعان ما دارت بعض الرؤوس القديمة في الفضاء . لم يكن للمشهد من تأثير أو لغظ .. فقد كان الجميع يتفحصون لوحة بيضاء قيل أنها كانت وثيقة الصلح مع كوكب النور المشع ، ذلك الذي غدا كتلة ثقيلة سوداء الآن ، وتلك اللوحة لا أحد يعرف كيف رسمت أو بأية مادة نفذت .. فهي مشعة في العتمة ومعتمة في النور .. تظهر فيما الأشكال ثم تختفي ، كما تصير مرآة أو تتحول الى شاشة لنقل أخبار الكون السحيق .. وهي الأخبار الوحيدة التي يتداولها الناس لأنها تخص مصائرهم القادمة .. وعلى كل فأن أحداً لم يعنيه مثل هذا المصير أو ينشغل به برهة .. فبعد ان شيد أعظم نصب من حدقات الأطفال صار الأبصار ترفاً لا يتمتع بع ألا صاحب الجلالة .. وحتى حفيده الوحيد الذي أنجبته عشرة أرحام قال ان الملك وحده هو المبصر .. ثم اختفت اللوحة البيضاء ليدخل أمير المعارضة الصالة .. كان يتمتع بكراهية الجميع ، وهي الغريزة الوحيدة التي سمح جلالته لها بالبقاء كذكرى لسني الحياة البلهاء التي عاشها البدو مع جمالهم ومدرعاتهم التي زرعت في الصحراء ، ذكرى ضرورية لمقارنتها بالوضع القائم . تلك الكراهية حركت مشاعر أيام الأعدامات الجماعية التي كان الشعب يحتفل فيها مثلما يحتفل بعيد نزول الآلهة الى وديان الجبال .. فلم تكن ثمة مسرة عند العامة تفوق مشهد بتر الأعضاء وقطع الأعناق وسلخ الجلود .. وعلى الرغم من ان تلك الأعدامات كانت تمر بهدوء ألا أنها كانت تترك أثراً فريداً لدى المعارضة .. ذلك لأنها تؤكد قانون الانقسام بين البشر .. ألا ان جلالة الملك ، حسب كلمات أمير الكراهية قد أزال الفوارق وجعل الناس سواسية أمام قدرهم الأخير .. فالناس يولدون لأمر واحد هو معرفة ان الملك صنع من الصحراء جنة لا مثيل لها في كوكب آخر .. والناس يموتون لنقل أخبار جلالته الى العالم البعيد الذي لا يرجع منه ألا من بعثهم جلالته لسماع أخبار الحروب والمنازعات الدائمة بين الموتى .. فليس للعقلاء في عصره مشاكل أو خلافات ، لقد أزال من وجه الصحراء كل شقاء .. وحتى عام استنجاده بآلاف الأجساد الحديدية الغريبة محى ذكراه من رؤوس الأحفاد ولم يسمح لأحد بتذكر أي شيء من ذلك الاحتلال .. والناس في حقيقة الأمر لا تصدعهم مشاكل التذكر أو ضرورة النسيان .. فهم سعداء في حياتهم اليومية يولدون ويموتون بأمر الملك ، وليست الكراهية التي قال عنها أميرها بأنها من الماضي ألا صفحة منسية في كتاب المملكة الكبير .. إنما كان أمير الكراهية يتمتع بخصال تفوق أمير النار والتراب والموت .. فهو الوحيد الذي يحرس ويشم رائحة العمل في الظلام ضد نظام جلالة الملك ، وعلى الرغم من أنه نفي وجود جفاف يزحف من بيت الى بيت ومن إنسان الى آخر ألا أنه لفت الأنظار لوجود رائحة كريهة في الصالة لا تليق بها وأنها قد تكدر صفو مشاعر الملك الدفينة .. فالجميع يعرفون ان غضبه لبرهة من الزمن قد تودي برؤوس نصف الذكور ومئات الأمراء هؤلاء الذين سيتنازل عنهم بإشارة عابرة . وفي الواقع ان ذلك الغضب هو سمة جلالته ، لكي يعترف الشعب بأن مخلفات العصور القديمة لم تقبر نهائياً أو الى الأبد ، فالكراهية مثلاً هي مثل الدم يسري في الجسد . كذلك فهم الحشد ان من يبحث عن سعادة مختلفة سيذهب طواعية الى ساحة الأعدامات ويطلق على نفسه النار .. وهذا ما حصل قبل أيام عند اشتداد أزمة الجفاف حيث نفّذ أمير الحياة الموت بنفسه وهو يقول أنه لم يعد يحتمل البغضاء فيه التي أفسدت عليه نعيم الملك وخلود القوانين المبجلة ، كذلك قال أمير الكراهية بأن الحب ليس غريزة بل هو نظام المعلومات بالغ الدقة الذي يحرك الوسائل والغايات معاً لتحقيق أهداف وشعارات وعناوين ألف عام قادم في خطة تحقيق الوفرة لسكان الصحراء والجبال والبحار .. فليس هناك ضرورة للخيال المضطرب أو زراعة الآمال الوهمية . وأشاد بنظام الجوع عند عامة الناس مشيراً بيقين ان أمير الوفرة سيسد أفواه البشر بالقناعات والمناقشات والثقافة المتزنة والأيمان الورع بأن البشر لا يكسبون لدنياهم ماهو ألا الخير المطلوب لأخرتهم ، وان الطعام ليس ضرورة كالولع بالجمال وخوارق الكون ومشهد الفلك تحوّم بين الفضاءات اللا نهائية .. فهو يتكلم بيقين زوال الغرائز واندثار شوائب مخلوقات الجسد .. وهكذا صار الكل على معرفة ان نظام اللا جوع هو الذي سنه جلالة الملك .. وحتى أنه عندما أستنجد بالأعداء لحماية عرشه الذهبي المشيّد من كنوز الوهم وحقائق الأرض فأنه قصد ان يقول للعالم ان الغرائز كريهة .. الأمر الذي لم يفسد على الناس مسرتهم أو أعمالهم اليومية . بل قيل ان المملكة بأمر جلالته استعادت لغرائزها البهية .. وعلى الرغم من ان لا أحد كانت تعنيه الكلمات أو تأويلها فأن سرية وجلاء الكلام كان يؤخذ مأخذ التبجيل .. جميع الكلمات مقدسة حتى التي لا علاقة لها بالمعتقدات .. فكل كلمة ينطق بها جلالته هي حجارة في جدار خلود المملكة .. وهكذا كان الحوار يدور همساً وعلانية بعد ان انزوى أمير الكراهية وراح يتناول شريحة من فخذ فعلي لأمير الوهم .. كان يتلذذ برائحة اللا معنى ، وقيل أنه أستمر يتناول طعامه حتى مات .
كانت القاعة تتسع بالحشود الجديدة .. أمراء النار يأتون مع أحفادهم .. وأمراء بلا أمارة يتندرون عن شائعات الجفاف والموت المعلن في ساحات العاصمة والمدن الكبرى .. ويتندرون بأصوات مختلفة حول أمور حسبوها خالدة .. وللحق فأن أحداً ما من الحشد الكبير لم ينظر الى ساعته أو يتحدث عن الزمن .. فجلالة الملك سيأتي وسيلقي خطابه في وقت من الأوقات .. بل ثمة إشاعة سرت بين الجميع ان جلالته قد لا يأتي وإنما هو ينطق بالكلمات المتداولة ما بينهم .. فليس للحضور الجسدي ضرورة . كذلك قال أحد الأمراء لنفسه ان جلالته يكمن في سريات الروح . لكن هذا الأمير غادر القاعة مع حمايته وحاشيته نحو ساحة الأعدامات وقتل نفسه معترفاً ان الجفاف قد أصابه بلوثة .. وأنه لا يستطيع البقاء على قيد الحياة بعد ان لوثه اللا ولاء للعرش . وكانت تلك الكلمة بمثابة قانون لأن المملكة لم تسمح بوجود مثل هذه الازدواجية . فالأجهزة الجديدة صارت تعشق عملها كأنها كائنات حية ، فهي تصدر الأوامر التي ترضي مشاعر جلالة الملك ، حتى قيل أنها كانت هي التي تصور له أوامر ممارسات العادات اليومية مثل مضاجعة ألف امرأة ليلة اكتمال البدر وتناول طعام الفجر والتلذذ بخمور لا أحد يعرف كيف صنعت . لكن هذه الإشاعة دفنتها الأجهزة الإلكترونية بالغة الدقة وحسمت الأمر بأن الملك هو الذي منحها قدرة الخيال الخصب لقيادة البلاد وتلافي العثرات ان حصلت . ثم ان هذه الأجهزة ذاتها تمتلك قانون النسيان ، لأنها لا تعبر ألا عن إرادة جلالة الملك ، قبل توليه العرش ، وبعد زواله إن شاء هو ذلك ، كما أكدت آخر معلومات هذه الأجهزة ، ان الملك وحده هو الملك .
على أن حضوره لم يكن مباغتاً في فجر ذلك اليوم البارد ، بل كان صاعقة حسب من شاهده ، وهو يدخل القاعة ، من غير تاج أو أوسمة . وقد جلس في مكانه المرصع بأثمن معادن الفضاء وبجواهر لم يرها أحد من قبل ، من غير كلام .. كان يحدق في الجميع بذهول تام .. ثم نهض لينهض الجميع ، وجلس ، دخن سيكاره الماسي ، ورسم ابتسامة أعادت للجميع بعض الاطمئنان . لكنه لم يفلح بإخفاء قلقه الذي استولى عليه درجة أنه تجاهل التقاليد التي أرساها . فراح يداعب أميرة الرقص ويتحدث أليها عن جفاف الهواء في القاعة وعن أحلامه الغريبة وعن شعوره بالوهن . ولم يكن بمقدور أحد ، حتى هؤلاء المكلفين بمثل تلك القضايا ، من التدخل في وضع حد لأعراض الحمى الروحية التي دبت الى جسده ، لأنه وحده كان القادر على فعل ذلك .. وهو حر تماماً ، مثلما أعلنت الأجهزة وثبت معلومة مفادها ان الملك يعاني من الصداع النفسي .
فكر برهة ان يعلن زواجه الجديد .. لولا أنه لم يختر أو لم يعثر على زوجة صالحة أبدية .. ففي الواقع يعد جلالته الوحيد الأعزب طوال حياته على الرغم من أنه الأب الشرعي للأبناء والأحفاد الذين لا يحملون أي أسم عدا أسم المملكة .. وهؤلاء يعاملون كأمراء في العادة .. وهم الذين يعملون على حراسته الشخصية .. بالرغم من ان أمير إبادة الأعداء أعلن عن سلامة الأمة من الفوضى ومن الأعداء .. فالحب المطلق هو الذي ساد وهو الذي يتحكم بالعلاقات .. ليس هناك فقراء أو سجون أو غبن أو شرطة أو محاكم أو خرائب .. بل ليس هناك دولة أصلاً عدا المملكة التي يحكمها جلالته .. وكان الملك يعرف ذلك ، بل قالوا أنه ذاته كان قد خرج وتفقد ويلات الجفاف وتألم كثيراً لأنها حصلت خارج إرادته العليا .. وأنه لا يحلم ألا ان يرى الغيوم مشبعة بالمطر تعيد للأرض حياتها التي يتذكرها يوم كان فقيراً بلا أب ولا أم وقرر ان يحكم البلاد وان يعيد لها أسوارها التي تحميها من الأعداء . ألا ان الأمور كلها جرت على نحو مختلف .. فقد استطاع بالفعل ان يقضي على الأعداء بالأعداء .. وان يتحالف مع الظلام ضد الظلام ذاته .. ولم يكن يفكر ألا بالقضاء على الغرائز التي ، عملياً ، حسم أمرها عند العامة ولم يفلح بحسمها في جسده الملكي .
نهض وسار نحو الباب الكبرى التي طالما فتحها وتأمل شعبه المحتشد الذي كان يتجمع بانتظاره .. وقبل ان يفتح الباب ببرهة دار بخلده ان فكرة الزواج محض ملهاة فقرر بالفعل إصدار أمر بإلغاء الزواج وإنشاء وزارة تتولى الإنجاب وتعديل نظام الأسرة .. كما أصدر أمره بإلغاء الجيش والقوات المسلحة ..
كانت أوامره تنفذ من غير ان يصّرح بها أو يعلنها ، فقد كان يعاني من تعب في لسانه وثقل في فكيه .. ألا ان الأجهزة كانت تسبقه في تحقيق رغباته المتسامية .. أنها وحدها أدركت لكم هو كان يشعر بالأسى للضعف البشري الذي يدمر الذاكرة والذي لا مناص منه .
فتح الباب وحدق في الفضاء البعيد . لم يكن ثمة أحد هناك .. عدا الرمال والرياح تمر مشبعة بذكريات الماضي .. لا أحد أقترب منه .. ولا حتى حفيده الوحيد الذي أدرك ان لا جدوى من التدخل .. فالجفاف قد قضى على الأعداء مثلما آباد سكان البلاد .
في القاعة ، وفي مكانه الفسيح ، أخذ يداعب كلابه التي أسرها في آخر معاركه .. وهي معارك لا أحد يعرف متى حدثت وضد من .. لكن كتاب المملكة الكبير يشرح ذلك بإسهاب . وفي صفحاته الأخيرة دوّن بوضوح ان جلالته قد أقصى الأمراء كافة من مناصبهم ودفعهم بهدوء إلى ساحة النوم وعين كلابه بديلاً عنهم في أرفع المناصب وأكثرها حساسية .. فبعد عام الجفاف لم يعد هناك في الوجود ألا الملك وحيداً يصدر أوامره لنفسه ولا أحد سواه . وعندما كان يشعر بغرائز الضجر يخاطب أجهزته ويتسلى معها ، حتى قيل أنها ، بسبب طيشه ، أمرها بإنهاء حياته . لكنها في بادئ الأمر لم تنفذ ذلك الأمر ولم تستجب له ، فقد أعادته إلى قريته حيث ولد فيها .. وهناك ، كان جلالة الملك بلا كلاب ولا أمراء . فقد كان الجفاف يزحف اليه ، وييبس له أجزاء جسده ، وُيسكت فيه آخر الكلمات .
1991
AdeL_kameL_47@yahoo.com

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

الجمع بالواو والنون بين الآرامية والعربية والعامية العراقية-فهيم عيسى السليم


الجمع بالواو والنون بين الآرامية والعربية والعامية العراقية
فهيم عيسى السليم
من المعروف أن المندائية وهي لهجة من السريانية التي هي فرع من الآرامية تستخدم الواو والنون في جمع المذكر عاقلاً وغير عاقل وغيره من غير المؤنث وتخلو المندائية من جمع التكسير .المندائية تستخدم ذلك للأفعال أيضاً كما في الأمثلة التالية :
( كد الوات زويكون قريبتون سون ميا ودكيا نفشيكون )
الترجمة العربية
( واٍذ تقربوا أزواجكم طهروا أنفسكم بالماء وزكوها )
(ياهبتون بيمينكم لا تمرون لسمالكون كد ياهبتون لسمالكون لبيمينكم لا تمرون)
الترجمة العربية
(اٍن وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم واٍن وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم)
ناجية مراني-مفاهيم صابئية مندائية ص 16 وص17 وسنعتمد هذا المصدر إضافة للسان العرب مراراً في سياق المقال
اٍن نفس هذا النوع من الجمع باٍستخدام الواو والنون موجود بطبيعة الحال في العربية وهو المعروف بجمع المذكر السالم والمستعمل فقط للمفرد المذكر العاقل وما يعد من لواحق جمع المذكر السالم
والقاعدة في العربية هي:
تعريف جمع المذكر السالم : هو ما دل على أكثر من اثنين بزيادة واو ـ مضموم ما قبلها ـ ونون ، على مفردة ، في حالة الرفع ، أو ياء ـ مكسور ما قبلها ـ ونون في حالتي النصب ، والجر ، وسلم بناء مفرده عند الجمع . نحو : سافر المحمدون . وفاز المجتهدون .
شروط جمعه : يشترط فيما يجمع جمعا مذكرا سالما الشروط الآتية :
1 ـ أن يكون علما لمذكر عاقل ، خاليا من التأنيث والتركيب .
فلا يصح جمع مثل " رجل ، وغلام " ونظائرها لأنهما ليسا بأعلام ، وإنما هما اسما جنس . فلا نقول : رجلون ، وغلامون. فإذا كان علما غير مذكر لم يجمع جمع مذكر سالما .فلا نقول في " هند " هندون ، ولا في " زينب " زينبون . وكذلك إذا كان علما لمذكر غير عاقل . فلا يقال في " لاحق " ــ اسم فرس ــ لاحقون .
2 ـ أ ـ أن يكون صفة لمذكر عاقل خالية من التاء ، وصالحة لدخول التاء عليها . نحو : ماهر : ماهرون ، عاقل : عاقلون ، جالس جالسون . والصفات السابقة ، وأشباهها صالحة لدخول التاء عليها . فنقول : ماهرة ، وعاقلة .
ب ـ أو وصف على وزن أفعل التفضيل . نحو : أعظم ، وأكبر ،. نقول : أعظمون ، وأكبرون ،
وكذلك إذا كانت الصفة مما يستوي فيها المذكر والمؤنث . مثل : صبور ، وغيور ، وغريق ، وجريح ، وذلك لعدم قبولها تاء التأنيث . فلا نقول : صبورون ، وغيورون ، وقتيلون .
ما يلحق بجمع المذكر السالم : يلحق بجمع المذكر السالم في إعرابه ما ورد عن العرب مجموعا بالواو والنون ، ولكنه لم يستوف الشروط السابق ذكرها ، وذلك مثل :
1 ـ ألفاظ العقود من عشرين إلى تسعين 2 ـ أهلون ، لأن مفرده أهل 3 ـ أولو 4 ـ عالمون ، جمع عالم 5 ـ علِّيون 6 ـ أرضون ، اسم جنس جامد مؤنث 7 ـ سنون ، وعضون ، وعزون ، وتبون ، ومئون ، وظبون ، وكرون ، ونظائرها 8 ـ بنون : جمع ابن ، اسم جنس جامد ، ويكسَّر مفرده عند الجمع . 9 ـ يلحق بجمع المذكر السالم أيضا ما سمي من الأسماء المجموعة بالواو والنون ، أو الياء والنون . مثل : عابدين ، وزيدين ، وعلبين . نقول : جاء عابدون ، وصافحت زيدين .
النص منقول من الموقع التالي
www.drmosad.com/index19.htm
ومن خلال مطالعاتي لاحظت أن تخريج النحاة العرب فيما يخص ما يلحق بجمع المذكر السالم غير سليم و عند التحليل الدقيق وجدت سبباً آخر في جمعه بالواو والنون لا علاقة له من قريب أو بعيد بجمع المذكر السالم في اللغة العربية فهي جموع أخذت الواو والنون على القواعد الآرامية للجمع وليس على القواعد العربية وأن أغلبها أو أصولها موجودة في واحدة من اللغات أو اللهجات العراقية القديمة السومرية الأكدية الآرامية السريانية والمندائية ولهذا تبدو شاذة عند إدراجها ضمن جمع المذكر السالم و حاولت جمعها فكان أشهرها
سعدون زيدون خلدون حمدون طيفون زهرون ميسون بيضون عبدون سرجون فرعون حصرون خيّون زيتون شمعون كمّون ملكون نبتون صابون أرضون طولون عجلون سيحون نطرون زينون شمشون أدمون سحنون زرقون هارون قارون حيون مارون
ويجب أن أسارع هنا للقول أن النون هنا ليست من أصل الفعل مثل غبن مغبون وسكن مسكون وحنّ حنّون وغير ذلك مما هو على شاكلتها ولا علاقة له البتة بموضوع بحثنا هذا.
الجمع بالواو والنون في العامية العراقية
وجدت عند البحث الدقيق أن العامية العراقية بما رافقها من كلمات وتعابير آرامية قد إحتفظت ببعض الكلمات المهمة على نفس السياق
بيت بيتون بيتونة
درب دربون دربونة
صم صمون صمونة :الصم والصمون العلاقة واضحة بين الصَم(من صم يصم صماً أي سد) وإنتقلت الى صم الكف أي لمها وسدها وجمعها الآرامي العراقي صمون ومفرده صمونة
زغيّر زغيرون زغيرونة محرفة عن صغير وواردة في المندائية زطر
رز رازون رازونة (أنظر لسان العرب الجزء الخامس باب رزّ)
شويّة شويون شويونة
جمل جملان جملون(إشتقت من الجمل المحدب الظهر)
قند قندون
ومن خلال تلمس ما حصل في العامية العراقية من جمع الكلمات أعلاه على قواعد الأرامية وليس على قواعد العربية نستطيع وبسهولة الوصول الى التالي فيما سبق من الأمثال وسنبدأ بما ورد في القرآن الكريم وحيرة المفسرين واللغوين العرب وتساؤلهم المشروع عن سر هذا الجمع الغريب
أرض أرضون والسليم القول اراضي كونه مؤنث وقد وردت في السومرية والأكدية وفي المندائية أردا وقد تعجب مؤلف لسان العرب عن كيفية جمع أرض على أرضون وهي لمؤنث غير عاقل
زيت زيتون زيتونة والسليم القول زيوت وزيتونات
وردت في اللغات القديمة ومنها المندائية بصيغة زيتا وجمعها زيتون
كما وردت كلمة عالمون في القرآن الكريم
عالم عالمان عالمون
وعدوها من لواحق جمع المذكر السالم وقد وردت في المندائية ألما بمعنى عالم دنيا خلق
فرْع فرعان فرعون
وهو جمع آرامي سليم والكلمة واردة في المندائية (فرا :فرع برعم ،أثمر ومنها فيرا بمعنى فرع او برعم أو ثمر /أنظر معجم المفردات المندائية لناجية المراني ص 253 ضمن المصدر آنف الذكر) وعلى غراره كل ماعده النحاة العرب ظلماً وعدواناً من لواحق جمع المذكر السالم
فكلمة سعْد مثلاً هي مصدر وإستخدامها كإسم علم لا يجيز جمعها جمعاً مذكراً سالماً والواضح أن جمعها آرامي وليس عربي بدليل أن بعضها ليست إسماً علماً مذكراً بل وأن بعضها أسماء مفردة مؤنثة أو جموع تكسير وإليكم التفاصيل
سعّد سعدان سعدون وتشبهها زيد زيدان زيدون وكذلك حمد حمدان حمدون وحمد واردة في المندائية همد
أما الباقيات وهن الأكثرية فتؤكد ما ذهبت إليه
خُلد خلدان خلدون فخلد ليست إسم علم ولم تستخدم كذلك
طيف طيفان طيفون
زهر زهران زهرون (وزهرون إسم إختص بابناء الطائفة المندائية في حين أن زهران ينتشر في مصر)
ميس ميسان ميسون
من الغريب أن كل الكتب والمفسرين والمؤرخين والنحاة لم يلتفتوا الى هذه العلاقة الرائعة وجرى الخلط غير المقصود بحيث أن أحداً لم يردْ ميسان أبداً الى أصلها الطبيعي وهو مثنى ميس وكذلك لم يلتفت أحد الى كون ميسون هو جمع ميس وأتحدى النحاة العرب أن يردوا ميسون الى لواحق جمع المذكر السالم!
بيض بيضان بيضون بيضة
من الواضح أن بيض لا يمكن أن تجمع جمعاً عربياً على بيضون وهي تشبه تماماً زيت وبيت
عبد عبدان عبدون
اوردت الباحثة ناجية المراني في معجم المفردات المندائية (ص 204) نصاً يتعلق بأصل هذه الكلمة:النص
أبد:عبد،عمل،خدم
والكلمة واردة في اللغات السامية الأخرى كالكدية والفينيقية والآرامية القديمة والعبرية،وقد تطور معنى العبادة فأصبح القيام على خدمة الله.والمعاجم العربية تفرق بين العبد الذي يقوم على عبادة الله،وبين العبد الذي يخدم مولاه(إنتهى النص)
سرْج سرجان سرجون
مرة أخرى لم يقل أحد أن سرجون من سرْج رغم وضوح ذلك وسرج كلمة مندائية أنظر معجم المفردات المندائية لناجية المراني ص251
حصر حصران حصرون واردة في المندائية هسر
خيّ خيون :واردة في المندائية أها
شمع شمعون شمعة: واضح أن شمعون لا يمكن أن تكون من لواحق جمع المذكر السالم كون شمع على غرار زيت وبيض مجموعة هنا جمعاً آرامياً كونها موجودة في الآرامية وتجمع بالواو والنون ودخلت للعربية وإستخدمت فيها ولا زالت.
كم كمون: العلاقة بين الكمون والكم تشبه تماماً الصم والصمون عدى عن كون العلاقة واضحة بين الصم(من صم يصم صماً أي سد) وإنتقلت الى صم الكف أي لمها وسدها وجمعها الآرامي العراقي صمون في حين أن كم جمعت في الفصحى على أكمام وهو برعم كل شجرة مثمرة ولكن لم أعثر على السبب الذي جعل نبات الكمون بالذات يستولي على التسمية من بين جميع النباتات الأخرى.
ملك ملكان ملكون : أميل الى أن ملكون هو جمع مُلك وما يقابله في العربية هو أملاك ليس جمع مَلك الذي يجمع على ملوك وهي أكدية من ملكو
نبت نبتون: الربط هنا أن نبتون هو إله الماء لدى الرومان ولابد أن له علاقة بالنبات بشكل أو بآخر
صاب صابون : أنظر مادة صاب في لسان العرب
طول طولان طولون
عجل عجلان عجلون
سيح سيحان سيحون
نطر نطرون: تقول ناجية المراني نطر بمعنى نظر وراقب وحرس وتأتي بمعنى إنتظر ومنها مطراثي وهو مكان الإنتظار والكلمة واردة في الأكدية نطارو(مفاهيم صابئية مندائية ص244)
زين زينان زينون
شمش شمشون: في المندائية شامش في السومرية سمس
أدم أدمون : آدم أبو البشر أدمو دمو :أدمة ومنها أدموتا أو دموتا وتعني آدمية الإنسان او حقيقته الإنسانية او وازعه وضميره(نفس المصدر)
سحن سحنون
زرق زرقون وحرفت الى زركون
هار هاران هارون: هورا في المندائية هور بياض ومنها هوران أو هورنان أي حران أو حوران أي الأرض البيضاء النقية (نفس المصدر)
قار قارون : القار والقير واردة في المندائية قيرا
حي حيان حيون : واردة في المندائية هي أي حي
مارا مارون : في المندائية مارا مولى سيد مالك(أنظر مفاهيم صابئية مندائية ص235)
عربية:مرء
أكدية :مارو رجل
عربية جنوبية:مولى،رب
جمعت على مارون ومنها ماروني ومارونية
يتضح مما تقدم أن إلحاق هذه الجموع بجمع المذكر السالم بإعتباره ورد في كلام العرب مجموعاً بالواو والنون جاء إضطراراً وتخريجاً غير موفق وكان الأجدى والأوفق هو ردها الى أصولها السريانية المندائية الآرامية الأكدية والإعتراف أن لغات المنطقة قد تداخلت وتشابكت واخذت من بعضها البعض لتقارب أصولها وجذورها وتطابقها في حالات كثيرة.
أوكلاند نيوزيلاند
4أيلول 2011

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

سلاح الفوضى الخلاقة-نوري جاسم المياحي


سلاح الفوضى الخلاقة
نوري جاسم المياحي
قد لاينتبه البعض الى ان الفوضى الخلاقة اصبحت سلاح جديد اثبتت التجارب العملية الماضية نجاحه وفعاليته على الارضفي العراق ةبقية البلدان ...لتحقيق الاهداف الاستعمارية في الاستيلاء على ثروة الشعوب واسعبادها من جديد وكسر ارادتها الوطنية المقاومة لاطماع الطامعين من خلال ما يلي :-
--- اول خطوة هي بكشف حقيقة الانظمة الدكتاتورية التي نصبتها الدول الاستعمارية ووفرت سبل الاستمرارية لها لعقود من الزمن ...وبعد ان استهلكت هذه الانظمة ..رفعوا الحماية عنها وتركوا الشعوب تتعامل مباشرة مع جلاديها اولا بتشجيعها على الاحتجاح بالتظاهر والاعتصامات وتطويره الى التمرد المسلح الذي يتحول بعدها الى النهب والتخريب وفلتان الوضع الامني كما حدث غي ليبيا ..وهذا السيناريو بدأ بتطبيقه بعد تفتيت الاتحاد السوفستي وانهيار الانظمة الاشتراكية في المعسكر الشرقي ..
--- سلاح الفوضى الخلاقة يستخدم بعد ان تهيأ كل الظروف من خلال ...اضعاف النظام وافقاده السيطرة بتوسيع الهوة بينه وبين الشعب ...تدريجيا وبصبرطويل ... ورجوعا للتاريخ نجد ان اول فخ نصب لصدام حسين عندما شجعوه لغزو الكويت واستخدام القوة العسكرية المفرطة لتدمير قدرات العراق كما تعرفون وبعدها وقوع جريمة برجي منهاتن التي كانت ذريعة لتدمير افغانستان بحجة القضاء على القاعدة وبن لادن واعلن الرئيس الامريكي بوش دول الشر كهدف اولي وكونها حاضنة للارهاب الدولي وهي كوريا الشمالية وايران والعراق .. وقد نجحوا في العراق نجاحا باهرا ولازالوا يحاولون مع كوريا وايران ...من خلال النفس الطويلوانتظار الظروف الملائمة لتدميرهما ... ومن خلال التقرب على الخطوط الخارجية ...اي الالتفات الى الانظمة الحليفة او الصديقة لهاتين الدولتين .. واسقاطها او اخراجها من معادلة القوة تدريجيا وواحدة تلو الاخرى وكما يحدث الان في سوريا يعقبها لبنان ومن ثم توجيه ضربة قاصمة لايران وبعدها يسدل الستار على اهم قضية مثيرة للاضطرابات وهي قضية فلسطين ( طبيعي هذا التخطيط الاستراتيجي لضمان امن اسرائيل) وتامين منابع النفط غي الشرق الاوسط ...
--- تحقيق الهدف الاستراتيجي القديم الجديد وهو احكام سيطرة الشركات الاستعمارية الاحتكارية الغربية على منابع النفط في العالم ... وامن دولة اسرائيل بصفتها الدولة المتحكمة براس المال العالمي والاصول المالية للشركات الاحتكارية الام ..ومن الغباء ان لا ننتبه الى مسلسل اسقاط الاهداف واحدا تلو الاخر من الشيشان الى افغانستان مرورا بالدول الاسلامية في ما يسمى باواسط اسيا ..الى ايران والعراق وسوريا واليمن في اسيا ... اما في افريقيا فبدأوأ بنيجريا والسودان والجزائر ولم يتوقفوا لحد اليوم ... مصر ..ليبيا .. حتى فنزويلا لم تسلم من شرورهم .. العامل المشترك لهذه الدول اما فيها خزين نفطي او نخطوط نقل البترول ..أو تمثل تهديد محتمل لامن دولة اسرائيل كلبنان مثلا ..ولو يقال مؤخرا بوجود النفط او الغاز في مياهها الاقليمية ...
--- السلاح المستخدم لخلق الفوضى الخلاقة ..اولا ..الضغط السياسي من خلال المؤسسات الدولية والاعلامية والانظمة الحليفة ...والوسيلة الاخطر هم العملاء والمأجورين في الداخل ودول المهجر .. وبما ان الانظمة القائمة هي بالاساس رجعية وقمعية ومعادية لشعوبها .. فيسهل خداع الشعوب باسم الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الانسان للثورة ضد هذه الانظمة كما يحدث اليوم بربيع الثورات ...وكلها احلام سرمدية للمواطن المحروم والمظلوم ... نجد من السهولة خداعه لينتفض هائجا متمردا على انظمته القمعية مندفعا لحرق الاخضر واليابس ...ناسيا انه يسهل الامر لمخططي الفوضى !!!وبنفس الوقت ...لاتدرك دول الغرب الاستعماري ...ان هذا السلاح سيرتد ضدها في المستقبل القريب او البعيد ...وانني اتوقع ان شركات النفط ستكون هدف للقوى الوطنية بعد الصحوة وستحارب بشدة مصالحها ...لان من عادة الشعوب لاتسكت على ظلم مهما طال الزمن ...علما ان الفقروالبؤس في العالم سيزداد نتيجة عوامل عديدة لامجال لشرحها ومنها ستتركز الثروات بايدي قلة من الناس مما يدفع الكثرة للتمرد ...وهذه حقيقة تاريخية لاجدال فيها ...
--- استخدام سلاح العقوبات والحصار مستغلين سيطرتهم على مجلس الامن الدولي ...لاجبار الدول على محاصرة الهدف واخضاعه لارادتهم ...وفي الحقيقة الواضحة ان سلاح الحصار والعقوبات هو من اسلحة الدمار الشامل الجديدة ...لان دمارها تصيب جماهير الشعب ولا تؤثر في النظام الحاكم ...واية دراسة موضوعية لما اصاب الشعب العراقي بسبب الحصار الذي استمر لمدة 13 سنة وموت مئات الالوف من العراقيين من جراءه لاكبر دليل على ذلك ... في حين لم تؤثر على صدام حسين وحاشيته ...وعندما تاكدوا من الفشل وعدم نجاح الحصار والعقوبات لجأوا لاستخدام القوة العسكرية لتدمير ما تبقي من قوة وصمود للشعب والنظام في ان واحد ...
--- لجأوا للاستخدام المفرط للقوة العسكرية والاسلحة الفتاكة لتحقيق اهدافهم كوسيلة سريعة واقناع المواطن المسحوق اصلا انه سيتخلص من النظام القائم وقمعه واضطهاده بسرعة ...ولهذا نراه يتقبل على مضض ومخدوعا بالتخريب الهائل للبنى التحتية في بلاده ...في خضم هذه الفوضى ا لتدميرية ...للاسف ينسى ان ما بناه اباءه واجداده خلال عقود طويله تدمره القوة العسكرية الغاشمة بايام قلائل ويستحيل اعادة بناءها ...لان النفوس قد دمرت ايضا ..والعراق وافغانستان وحتى في سوريا سيبقى لجرح ينزف لعقود طويلة ...وما يحدث في ليبيا خير شاهد وقائم على ذلك .. نفس سيناريوا العراق طبقوه ..وانني اعتقد انه لن تقوم قائمة من جديد للشعب الليبي لان الجروح وصلت للعظم بين ابناء شعب لازال عشائريا ...وتقدر بعض الاوساط عدد قتلى الشعب الليبي ب50 الف قتيل ... وهذا العدد يقارب ما قتله الامريكان في قنبلة هيروشيما .. ولا ننسى ان استمرار القتل لعدة سنوات مقبلة ...فالله اعلم كم سيكون عدد الضحايا ... التي ستسقط بسبب جنون الاحمق القذافي ..عدوالشعب والانسانية ..
--- لابد للمراقب السياسي ان يشيد بموقف روسيا الاتحادية تجاه محاولات الغرب الاستعماري من اخضاع سوريا لارادتهم الشريرة ..ان موقف روسيا والصين في مجلس الامن ضد تمرير مشروع القرار الامريكي الغربي لفرض عقوبات على سوريا...هذا الموقف جدير بالاحترام والتقدير ...ليس لانه مساعدة للرئيس بشار الاسد او لحزب البعث الحاكم او للنظام السوري عامة ...وانما هو موقف اخلاقي وانساني قد يجنب الشعب السوري وتحميه من السقوط في الفوضى الخلاقة وتدمير وطنه وكل منجزات هذا الشعب المسكين ..كما فعلو مع الشعب العراقي والليبي والافغاني وغيرهم بحجج غير مقنعة للمواطن البسيط فكيف لدولة عظمى كروسيا الاتحادية والصين ؟؟؟... ان الاوان للقيادة الروسية ان تضع حدا لاندفاع شركات النفط والسلاح في قتل وتدمير الشعوب من خلال تسخير كل الامكانيات السياسية والاقتصادية والعسكرية وتقف بوجه اندفاع الثور الامريكي الهائج ..لان الشعوب الضعيفة لاتتمكن لوحدها الصمود في وجه هذه الهجمة الاستعمارية ..
--- الفوضي الخلاقة والعنف والارهاب كلها وجوه متعددة لعملة واحدة ...ما يحدث اليوم في العراق على مستوى العملية السياسية فوضى خلاقة بامتياز وذلك عن طريق قتل الابرياء بالتفجيرات المختلفة والقمع والارهاب ..وخلط الحابل بالنابل .. انا لاافهم كيف ان القاعدة او الميليشيات الاسلامية الاخرى تقتل فقراء المسلمين في الجوامع والحسينيات وهي دور عبادة للمسلمين بحجة الحرب على الكفاراو المحتلين ...اي منطق مفلوج هذا ؟؟؟ ومن يصدقه ؟؟؟ في الاونة الاخيرة يلاحظ استهداف كوادر قيادية من حزب الدعوة الشيعي بالاغتيالات ..يقابلها استهداف كوادر من قيادة الحزب الاسلامي السنة بالاغتيالات ..و الهدف واضح وهو اشعال الفتنة الطائفية ..والهاء المواطنين وتخويفهم من عودة الفتنة الطائفية ليسكتوا عن الواقع المزري لكل مرافق الحياة ... والمستفيد من هذه الحالة ...الاحتلال المرفوض شعبيا ...ودول الجوار كالكويت والسعودية وتركيا وايرانواسرائيل ..والتي تريد ابقاء العراق ممزقا ضعيفا منهوبا ... والمستفيدين الاكثر وضوحا وسطوعا هم السياسين الموجودين في السلطة حاليا ...بعد ان انفضحت سياستهم الخرقاء وقيادتهم الفاشلة وعمالتهم للاجنبي ودول الجوار ...ولكي يلهوا الشعب بالتخويف مما سيحدث مستقبلا .. لان السد قد ينهار والسيول قد تجرف كل من يصادفها ..وقد يغرق المركب ...علما ان جميعهم يركبون نفس المركب ..وهذا يعني ان الجميع سيغرق ...ومن هنا نجد ان جميع الكتل السياسية على اختلاف مشاربها متضامنة متكافلة فيما بينها على العبور بسلام ومن خلال اختلاق الازمات وفوضى التصريحات واختلاق المعارك الاعلامية الوهمية...ومنها كمثل تعيين الوزراء الامنين ومجلس السياسات وانسحاب الامريكان...وكأن امن العراقيين الفقراء سيحققه الوزير زيد او عمر من هذه الكتلة او تلك ...والمواطن متاكد من نفاقهم وكذبهم ..يفتعلون حروبا ومعارك وازمات الكثير منها وهمية كقضايا الفساد مثلا ...ان الاوان لايقاف هذه المهازلة التي يدفع المواطن المسكين ثمنها دما زكيا من دماء ابناءه ...فكل مايجري اصبح يثير الريبة والشكوك ..سواء في العلاقات الدولية او الاقليمية او الوطنية ..فمن سيضع حدا لهذه الفوضى والعنف والارهاب ؟؟؟؟لا احد يعرف !!!!وهل ستدرك الشعوب أي مسلخ يقادون اليه ؟؟؟
اللهم احفظ العراق واهله ..اينما حلوا او ارتحلوا ...
--

الأحد، 4 سبتمبر 2011

في غياب الرائد خالص عزمي-طه سالم يتذكر:


في غياب الرائد خالص عزمي
طه سالم يتذكر:
انطفاء شمعة العراق الوقادة

بغداد: د.علي عبد المحسن علي
انتقل إلى جوار ربه الأديب والصحفي المبدع (خالص عزمي) الذي نال دبلوم الصحافة من مصر عام 1950 واصدر مجلة الأسبوع الأدبية عام 1952 ، تخرج من كلية الحقوق- جامعة بغداد عام 1954 وزاوج بين العمل الصحفي وممارسة المحاماة ، تطرق إلى التاريخ الخاص بالعراق وبريطانيا من خلال رسالة الماجستير من جامعة لندن (كنجز كولج) والتي بعنوان الرقابة البرلمانية على الحكم في العراق وبريطانيا – دراسة مقارنة في القانون الدستوري في عام 1962 اصدر جريدة بغداد نيوز وأصبح رئيس تحرير صحيفة بغداد اوبزيرفر عام 1967 ، تحدث الفنان القدير (طه سالم) عن مذكراته مع الصحفي المبدع خالص عزمي وقال : كان اللقاء الأول في المتوسطة الغربية عام 1946 وكنت بالصف الأول وخالص عزمي في الصف الثالث،علاقتنا سطحية ، كان يرتدي ملابس فاخرة مما يدل على كونه من ذوي الأغنياء يتمتع خالص بحس فكاهي وكان آنذاك مراسلا لإحدى الصحف ... في احد الأيام التقيت المرحوم الأستاذ المبدع (إبراهيم جلال) ، واصل الفنان طه سالم بالحديث وقال : قال لي إبراهيم جلال الفنان خالص عزمي يطلبك لأمر ما ، في بداية عام 1965 التقيت بخالص عزمي فاخبرني بأنه يروم العمل في برنامج تلفزيوني طويل وقته ما يقارب الساعة والنصف يتناول سيرة إحدى الشخصيات العراقية المؤثرة على الساحة العراقية آنذاك انه الصحفي المرحوم (إبراهيم صالح شكر) ، إذ يقوم خالص عزمي بالإعداد والتقديم وأقوم أنا بالتمثيل بإدارة المخرج (عمو زكي) والبرنامج عبارة عن مقابلة أو لقاء بين الصحفي والشخصية ، تم دراسة أبعاد الشخصية الدرامية (الطبيعي-الاجتماعي-النفسي) ، كتب خالص عزمي البرنامج وكان بحدود 30 صفحة وكلها اسماء أعلام لشخصيات وزراء وأرقام لتواريخ معينة وأحداث وتم إجازة هذا البرنامج للتلفزيون وكان آنذاك يسجل بفيديو بدائي لا يحوي مونتاج الكتروني فإذا توقف الممثل في إحدى الكلمات يعاد البرنامج إلى البداية وقد نال البرنامج إعجاب الشرائح المختلفة للجمهور لما تضمنه من حقائق وأداء مؤثر حتى إن عائلة صالح شكر جاءتني وعلامات الحزن بادية على وجوه الجميع لأنهم تأثروا بأدائي للشخصية وأحس الجميع باني والدهم . واسترسل الفنان طه سالم بالقول اتفقنا أنا وخالص عزمي على شخصية أخرى هي الشاعر الشعبي (ملة عبود الكرخي) واستمر البحث والتنقيب عن الآثار الفكرية والشعبية والجذور الأصلية لهذا الشاعر الساخر الذي استخدم مفردات شعبية محيرة بالإضافة إلى استخدامه اللهجة الخاصة بجانب الكرخ والتي تختلف بعض الشيء عن لهجة الرصافة فضلا عن صعوبة الحركات التي كان يقوم بها الكرخي وأديت الشخصية بنجاح باهر ومنقطع النظير. تم تناول علاقة خالص بالفنان (طه سالم ) لما لها من أهمية في التعرف على خالص عزمي بدقة وحتى يتمكن الباحثون في مجال (خالص عزمي) من معرفة طبيعة الظروف السياسية في تلك الفترة بدقة . استمر حديث الفنان (طه سالم ) ثالث شخصية اشتركت مع (خالص عزمي) في تقديمها للتلفزيون هي شخصية (احمد عزت الاعظمي) وهي شخصية ذات ميول اجتماعية وسياسية وفكرية . بدا الفنان (طه سالم ) كأنه منقبا في التاريخ الخاص بالعراق عندما أعقب قائلا : الشخصية الرابعة التي تم الاتفاق على تقديمها للتلفزيون هي (احمد فهمي المدرس) المعروفة بالعلم والمعرفة والأدب والأخير هو أستاذ كلية المعلمين في بغداد . أما الزهاوي فقدمه المرحوم (يعقوب القره غولي) بعد أن رشحته أنا لكونه من الفنانين الجيدين وهو قريب الشكل إلى شكل وهيئة الزهاوي . واصل الفنان (طه سالم) بسرد تجاربه مع (خالص عزمي) بالقول كتبت مسرحية (طنطل) وقدمتها إلى وزارة الإنشاد لغرض الحصول على الإجازة ، وكان الوزير (مالك دوهان الحسن) والرقيب رفضا الإجازة المسرحية وقال الأخير عنها إنها اخطر ما يكون إلى الدولة والى رئيس الجمهورية (عبد الرحمن عارف) لان اسم طنطل يعني دربونة أبو الطنطل التي تحوي بيت عبد الرحمن عارف وعبد السلام عارف والفنان طه سالم يعنيهما في هذه المسرحية وذهبت إلى صديقي (خالص عزمي) والذي كان يشغل منصب مدير عام وزارة الإرشاد وعرضت عليه الأمر واخذ النص بيده وذكر بأنه قرأ سابقا المسرحية وحازت على إعجابه بما طرحته من فكر يسابق العصر آنذاك فذهب بالنص إلى الوزير وتحاور معه وأقنعه بان هذا النص لا يمت بصلة إلى بيت عارف ولا الطنطل الذي يحكى عنه وإنما الطنطل هنا كرمز أسطوري ليس إلا فأجاز النص على مسؤوليته وعرض النص على المسرح القومي القديم في كرادة مريم فاحدث تأثيرا كبيرا في الوسط الثقافي والفني المسرحي وكتب عنه العديد من النقاد منهم (حميد رشيد) وصحيفة الأوبزيرفر الانكليزية التي تناولته تحت عنوان قائد التجديد الدرامي في العراق الفنان طه سالم وكتب عنها كذلك (جبران خليل جبران) تحت عنوان أشكال مسرحية جديدة عن مضامين جريئة كما كتب عنها كذلك الأستاذ يوسف العاني . انتهى حديث الفنان طه سالم
من كل ما تقدم تمخضت النقاط الآتية :-
1- هناك سوء فهم من بعض رموز السلطة آنذاك لأهداف الفنان المسرحي النبيلة.
2- خالص عزمي فنان واعي ومدرك لمتطلبات وآلام وحاجات مجتمعه لذلك فهو يتقبل وجهات نظر الفنانين الآخرين.
3- كان الفنانون الأوائل بمثابة الباحثين الحقيقيين عن الحقيقة لان ديدنهم الصدق بالهدف ورغم عدم وجود الانترنت وغيره من الوسائل المعاصرة المتوفرة للفنانين والباحثين في الوقت الحاضر والذين معظمهم يعتمد على الانترنت والوسائل السهلة بالبحث والتنقيب، رغم عدم توافر كل ذلك عند الفنانين الأوائل لذا كانت نتاجا تهم الأدبية والفنية والنقدية بمستوى متقدم حينذاك لأنهم لم يعتمدوا فقط على القراءة من المصادر بل اعتمدوا كذلك على تجاربهم العملية بجدية واندفاع مما أدى إلى ظهور نتاجات فنية وأدبية ونقدية جيدة في ذلك الوقت .
4- الفنان الحقيقي هو المعبر عن آلام وهموم وتطلعات شعبه وأمته في كل زمان ومكان.
5- رغم عدم اهتمام الحكومات السابقة التي حكمت العراق كحكومة عبد السلام عارف بالفن والبرامج التلفزيونية آنذاك والتقنية البدائية المستخدمة في تصوير ومونتاج البرامج التلفزيونية فقد كان لتلك البرامج صدا كبير بين الأوساط الشعبية والمثقفة لان الإخلاص في العمل هو المهيمن الرئيسي في هكذا أعمال .
* المكان بيت الفنان طه سالم . الزمان 1/8/2011 في الساعة الحادية عشرة والربع صباحا.

السبت، 3 سبتمبر 2011

قصة قصيرة-قصة إمبراطور:عادل كامل


قصة قصيرة

قصة إمبراطور
عادل كامل

لم تعلن ، ولن يطلع عليها أحد ، تلك القرارات التي كان يصدرها ، فتنفذ قبل ان يأمر بها .. فقد كان أتباعه يدركون بالحدس الإمبراطوري أفكاره .. فخلال حكمه الذي دام ألف عام ، أصدر مالا يحصى من القرارات الهامة ، جميعها اعتبرت من أسرار الشعب . وفي الواقع كان البشر ينفذون الأوامر باعتبارها جزءاً من الحياة . لكن بعض الدول والممالك والجمهوريات المجاورة كانت تبحث عن الفضائح الداخلية .. وكانت تستقيها بطرق غامضة ، فليس ثمة آي شخص كان قد تعاون مع الأجنبي .. أو سرب شيئاً من الأوامر الخاصة ، لقد أعلن للسكان ، عند تسلمه الحكم ، ان القدر اختاره .. فصفق الشعب له سنوات وسنوات .. وكان كل جيل جديد يولد يصفق له ويؤمن بهذا القدر .. لقد صفق له الشعب لدرجة ان العالم كله سمع الصوت المدوي الهادر كأنه آت من الفضاء البعيد .. ولم يكن بمقدور أحد إفساد ذلك الاحتفال .. ألا ان الإمبراطور ، بنفسه طلب من الشعب الركون الى السكينة والهدوء .. فهدأ الشعب ، وأنصرف الى أعماله اليومية .
وعشية الأيام التي تلت الاضطرابات النفسية التي حصلت في الغابات ، أصدر آمره بذبح حاشيته كلها .. ولم تحدث ضجة في آي مكان من أرجاء المعمورة . فقد ذبح ، بهدوء ، ليلة عيد ميلاده ، ستة آلاف جارية وألف غلام . وهم في الواقع كانوا يتمتعون بحس وجمال .. ولم يعترض الوزراء أو كبار قادته على ذلك القرار .. فقد صنع لهم مجزرة عابرة بدل فيها جميع أتباعه بشخصيات جديدة .
لم تكن ثمة مؤامرات أو محاولة للإطاحة به . كان الشعب كله يؤمن أنه سيبقى الى الأبد . لذلك صارت وليمة الوزراء وكبار القادة عيداً وطنياً .. وكان الشعب بأسره قد خرج الى الشوارع يصفق بغبطة لكل وزير يذبح وتقطع أجزاء جسده الى قطع لا مرئية .
تلك الليلة ، والأيام التالية ، شهدت أكثر الاحتفالات شهرة ، فقد دعا الشعب الى وليمة الوزراء . وكان الناس يتحدثون عن نكهة الطعام النادر .
ففي خطابه عشية المذبحة ، وبعد ان تم إخماد الاضطرابات التي حدثت في الغابات ، تحدث عن لذائذ الطعام الإمبراطوري .
على أنه بعد أسبوع أصدر أمره بتعيين عشرة آلاف جارية .. وثلاثة آلاف غلام .. وأمر النساء بالإنجاب لتجديد نسل الإمبراطورية ..
ولم يذكر التاريخ ولا كتب المؤرخين وليمة الوزراء ألا باعتبارها ليلة وطنية . أما ذبح الجواري والغلمان وكبار القادة فلم يشر أليها آي مؤرخ ولم ترد في آي كتاب .
وفي الواقع لم تكن ثمة كتب ، عدا التي تصدر على نحو شخصي وسري . فقد أعلن الإمبراطور للناس ان السعادة هدف الحياة ولهذا السبب أحرق الشعب جميع الكتب ، عدا خطاباته وكتبه وقصة ميلاده .
وذات مرة تساءل / ما هي السعادة ؟ فلم يجب أي إنسان عن سؤاله .. فضحك .. وأعترف لنفسه بأنه أضاع سعادته .. وأنه سيكتشفها في ذات يوم .. صفق الشعب .. صفق فترة طويلة من الزمن .
ألا ان وليمة الوزراء أثارت انتباه بعض الأجانب ، وقليلاً من الضجة ، التي خمدت عشية ذبح الجواري والغلمان ، عندما غادر جلالته قصره صباحاً وراح يتجول في شوارع المدينة ، لقد حول المذبحة لصالحه .. فصفق الشعب له طويلاً .. ولم يعد الأجانب والصحافة الخارجية ووسائل الأعلام جميعاً تتحدث عن المجزرتين .. فقد أعترف سيادته في خطاب له ، وهو في متنزه عام ، ان بتر العضو العاطل الفاسد ، من الشؤون الداخلية .
وحول ذلك اليوم الى عرس وطني .. فأطلق سراح السجناء ، ووزع الهدايا على الجميع . وقال ان القدر الذي اختاره ، يجعله أكثر بسالة في حسم الأمور .. وأمر ، في توجيهاته يومئذ ، ان تزال جميع الرسوم والجداريات والتماثيل التي أقيمت له . فالإمبراطور في الذاكرة . وقال :
- سنشّيد أعظم دولة حديثة . وسخر من الأعداء بشدة . قائلاً ، أنه سيشن الحرب دفاعاً عن المثل العليا .
وفي مساء ذلك اليوم ، بعد جولته الحرة التفقدية ، عاد الى القصر ، وأجتمع بالقيادات العليا للدولة ، وأستمر الاجتماع ثلاثة أيام متتالية .
فخطط للحرب وشرح الأسباب وعوامل النصر . وتحدث عن النبات الجديد المدهش الذي ينمو في الهواء . وعن استخراج المعادن من الماء . وعن رؤية المستقبل بأجهزة جديدة . فصفق الشعب له حتى كادت السماء ان تتصدع ، على حد تعبير وزير الكلام .. وقال أنه سيحل مشكلة المجاعة في العالم كله حتى نهاية الوجود البشري .
وفي ذلك الاجتماع قال ان الشعب أطلق عليه ألف لقب وصفة . وأنه الآن ، بعد تطهير العقول من الخرافات ، وبعد إزالة الصور والأوثان والأساطير ، لا يريد ألا لقباً جديداً وبسيطاً . فأنا هو الجندي الذي أختاره القدر للإنقاذ . لكن الشعب أختار له ألف لقب آخر .. وضجت الناس .. وصفقت له .. فقال أنه الإمبراطور الذي اختاره القدر .. إذاً .. ان حكم الأرض لا يمثل شيئاً .. وقال يخاطب نفسه : أنه سيتقدم نحو الأبعاد الخفية في السماء . وعملياً كانت الأمة تتذكر كيف قاد بنفسه حرب الكواكب التي دامت أكثر من نصف قرن ، وكيف أنقذ البشرية من الفناء الأكيد . كانت تلك الحرب الطاحنة بمثابة الدرس الأول للشعب . ذلك لأنه ، بنفسه ، قادها وكان مثال المقاتل ، على حد تعبير الشعب ، وقال بصوت أرعب الأعداء ، أنه لن يموت ألا بعد تحرير الإنسان من فزعه الروحي .. فالإنسان الذي جاء من العدم لن يذهب الى العدم .. أنه الكائن الوحيد الذي اختاره الرب للخلود . لا جنة ولا نار ، الإنسان هو الرب . فصفق الشعب طويلاً .. وقال ، بعد مجزرة عابرة أخرى ، راح ضحيتها قادة الأشجار والمعادن والطاقة ، ان تطهير الذات يبدأ بالذات . فصفق الشعب ، صّفق وكأنه سيصفق الى البد .
وأمر في ختام الاجتماع ان تقام ولائم جديدة . فلم يتحدث آي وزير .. فقد كان الجميع يدركون أنهم ، في لحظة ما ، سيتحولون الى وليمة .
وفي تلك الليلة قالت زوجته له : أنك لرغباتي ذبحت ثلاثة آلاف جارية وألف غلام .. ونصف الوزراء .. فمتى تشن الحرب ؟ قال لها ، وكان يحدثها بالهاتف :
- ستبدأ الحرب .
فقالت زوجته له :
- الشعب يصغي إليك منذ ثلاثة أيام .. ألا يكفي ذلك ؟!
غادر القصر لفترة وجيزة ، ثم عاد .. ولا أحد يعرف كيف ذبح الإمبراطور جلالة الإمبراطورة ، إنما أعترف لقادته أنها كانت تتعاون مع الأعداء ، أنها ليست السيدة الأولى في العالم .
- ذهب زمنها .
وبعد دقائق عاد الى تأملاته ، وبدأ يحدق في وجوه قادته . ثم أمر بإقامة نصب للمرأة ، قائلاً : أنها تأتينا بالمحاربين . فالأرض ، أرضنا ، مثل العالم .. كلاهما ..
وسكت لدقيقة .. ليقول :
- مهددان بالفناء ! من غير المرأة العالم كله يتحول الى خراب ..
فصفقت له النساء .. في أرجاء العام كله . وصفقن له لسنوات وعقود .. فهو الأب الحنون والأخ الكبير لكل أنثى ولدت أو ستلد في الزمن القادم .. حتى ان الراحلة أشارت في حديث سري ان عملية ذبح ثلاثة آلاف جارية لم تكن سوى هفوة .. وان على نساء الأمة معالجة الأمر بالإنجاب ، أشعار الذي قصده الإمبراطور والذي أشرف على تطبيقه وزير النسل والأعضاء الداخلية .. فالإمبراطور كان يخطط لتأديب الجيران وحماية أسوار الإمبراطورية .. وهذا ما أعلنه في خطابه للأمة وحدد فيه أدق التفاصيل . فالجيران الأعداء لا يمكن إهمال حركاتهم .. وبالفعل جند الأمة كلها ، وبدأت حرب المائة عام . وأشتد أوارها . فقاتلت الأمة قتال الأجداد القدامى .. وكانت الحرب تبتلع الأجيال .. وكاد الزمن يتوقف لولا ان الحرب نفسها قد استنفدت أسبابها ، فعادت الأشياء القديمة الى وضعها السابق . وفي يوم وقف النزف الدموي كانت الأمة تتكون من النساء والأطفال والإمبراطور وكبار قادته .. وكانت قصة ذبح الجواري والغلمان ووليمة الوزراء قد مضى عليها الزمن ولم يعد يتذكرها أحد . بل لم يعد يصدقها أحد . فبعد النصر انشغلت نساء الأمة بمهام البناء وإنجاز المراحل التي كان يخطط لها سيادته . ان نصف مليار امرأة ناضجة معدات للإخصاب يمكنهن إعادة المسيرة على نحو أفضل . كذلك قال في خطاب النصر ان وزارة النسل والأعضاء الداخلية ستوّزع مستلزمات الإنجاب .. وبالفعل لم تعد هناك امرأة غير مخصبة .. وعلى مدى سنوات قليلة عادت نسبة الرجال الى وضعها المطلوب .. ونسى الناس الحرب والمجازر الخفية .. ولم يتطرق الشعب الى الأسرى .. بل تجاهلهم .. لأن آلاف الأسرى توزعوا على القارات .. بل قيل ان المحاربين كانوا يذهبون متطوعين الى الحرب للفرار من جحيمهم الخاص . وفي الواقع ليس ثمة حقيقة في هذا كله . فالمعارك كانت أكثر من طاحنة . ثمة فرقة مكونة من مليون مقاتل أعلن عن فقدانها التام في معركة واحدة لم تطلق فيها رصاصة . وهناك فرق أخرى وجحافل اختفت من الوجود للأسباب ذاتها .
كان جلالة الإمبراطور يعرف ذلك . وفي خطاب النصر أعترف ان الدماء التي نزفت على مدى مائة عام تكفي لإغراق العالم .. ألا ان القدر شاء ذلك .. ولم يبح لأحد أنه كان لا يعرف ماذا يريد .. إنما قال أنه كان يحلم .. وقال أنه مازال يحلم ان يكون ، في يوم ما ، جندياً في الجيش . ويعود يعيش بلا فرقة من الحرس تحيطه وتحرسه من الجهات كلها .. يعود يلعب بالطين ويجلس في المقهى .. ويتنفس بعيداً عن أوامر أساتذة الهواء .. كان يود لو مات في أول معركة بدل ان يشهد عام النصر .. فقد كانت آثار الحرب بادية على محياه .. وفي الواقع كان يعاني من الأزمة قبل ان يولد .. فأجداد الإمبراطور ، جميعاً ، بلا استثناء ، صنعهم القدر ودمرهم أيضاً . وهذا هو كلام جلالته في خطاب النصر .. وقال ان الحياة ستعود الى مجراها الواقعي ، على الرغم من أنه يكن لها الاحتقار الأزلي :
- فأنا أحلم بالسعادة الأبدية لجميع أتباعي .. أننا لم نحقق أحلامنا ، و أسفاه .. إنما الزمن القادم سيكون لصالح الأحفاد والإمبراطورية ..
وأعترف للسيدة زوجته الجديدة أنه يشعر بحزن غامض وبلا جدوى الأشياء .. فقالت له ، وكانت شبه غافية والمطر يسقط بشدة ، هو ذا جزء من قدرك ..
وفي تلك الليلة ذبح الإمبراطور جميع الجواري والغلمان والوزراء وكبار القادة .. عدا كاتبه المكلف بتدوين سيرة حياته . آي أن هذا الشخص الذي يروي لكم ، تحت تأثير الرعب والفزع والخوف والموت كل كلمة كتبتها في هذه القصة .. فقد شاهدت الإمبراطور بنفسه يضع جلالة الإمبراطورة في قدر يغلي .. ثم بعد ساعة ، بال في القدر ، وبعدها ، صنع له خدمه الطعام من ذلك القدر .
سألني مرة : أتعرف بماذا أحلم ؟
قلت : جلالة الإمبراطور هو الذي يقول ذلك ..
قال : لا .. أنا أريد ان العب بالطين .. أريد ان أتنزه في الشوارع .. أهرول . أبكي .. أرقص .. أحب .
في تلك الليلة ، كان الابن ، الإمبراطور الابن ، قد خلع الأب من مناصبه كلها . وكاد الأب يموت ، لكن زوجته أنقذته :
- غادر هذا المكان .. غادر ..
في تلك الليلة ، في الحديقة السرية للقصر ـ تحدث الإمبراطور المخلوع ، بعد خطاب النصر ، الى جواريه ، بالصمت . ثم توغل بعيداً عنهن ، بعد ان أعترف لهن بأن القدر هو القدر . فضحكت واحدة منهن قائلة : أهو القدر أم القدر ؟ متشفية بالإمبراطورة التي سلُقت . فقال القدر هو القدر وهذا يكفي . وكّن يضحكن .. وهن يرتجفن رعباً ..
ألا أنه غادرهن . لم يكن يشعر ألا بالضجر البشري ، ولم يكن بحاجة الى لذة أو متعة ، لقد ارتوى .. كذلك قال لنفسه وهو يزور مقبرة الأجداد . أجل . وبكى لحظة ، ثم آفاق وهو يخاطب والده الراقد في قبور الخالدين :
- أنا قدت القدر على مدى ألف عام !
وقال لجده :
- أنها مقبرة كبيرة .. كبيرة جداً .. وأنا الآن لا أريد ان أعيش ولا أريد ان أموت .. لقد علمت الناس المسرة والحب .. لكني لم اعرف قط المسرة ولا الحب .. أيها الجد المقدس أني دافعت عن البلاد .. وصنعت النصر .. وقاتلت .. وجعلت البلاد تعود بعد هذه الحرب الطويلة ، الى واقعها :
ورفع صوته :
- أيها الموتى سأكون الى جانبكم ..
صرخ أحدهم :
- ماذا تقول ؟
قال الإمبراطور المخلوع : من أنت وماذا تريد ؟
فقال أنه صاحب الموسوعة الإمبراطورية ، وأنه كتب كل الأشياء الخاصة بالعائلة والقصر والدولة .
- ولكن لماذا أنت هنا في هذه المقبرة ؟
- كنت أتحدث الى الموتى ..
قال الإمبراطور :
- وماذا كانت النتيجة ؟
قال الكاتب : الموتى لا يتكلمون ..
ولم يسمح الإمبراطور له بالكلام .. بل سأله : وكيف نجوت من الموت ؟
فقال الأخر بهدوء : لم أغادر قصرك !
- والآن ماذا تفعل هنا ؟
- أنا في القصر يا جلالة الإمبراطور .. !
- هنا ؟
- أجل !
كانت المقبرة تمتد بعيداً في الأفق .. والريح تهب باردة . فسأل الإمبراطور كاتب القصر :
- والآن ماذا بإمكاننا ان نفعل ؟
- أنه الفصل الأخير يا سيدي ..
فضحك الإمبراطور .. وهرول .. وتوقف .. وطلب من كاتبه سيكاراً .
- آه .. لأول مرة أكتشف أني أنا الإمبراطور الحقيقي ..
- الإمبراطور بلا إمبراطورية !
- أجل أيها الكاتب .. أني الآن سيد نفسي ..
وطلب من الكاتب زجاجة خمر .. ثم طلب منه أن يجلس تحت ظل شجرة .. كان يتحدث بطلاقة .. ولم يكن يخطب .. بل كان يتكلم بهدوء :
- هذا آخر يوم لي .. إذاً .. آي أني أعيش آخر مسراتي .. وأشار الى الأفق :
- أنظر الى الموتى السعداء .. أني سأكون أحدهم .. إذاً .. وتابع :
- لقد قدت البلاد ألف عام .. وسأكون ، أخيراً ، جثة هامدة .. نفاية .. والآن أرجوك لا تدوّن ..
وقال ساخراً :
- أنك ستبدأ بكتابة قصة الإمبراطور الجديد .. أجل .. أن الكتب مثل المقابر .. والكاتب حفار قبور .. ها .. أليس كذلك أيها الولد الشاطر .. ؟
وضحك . كان يشرب بسرعة ، وبنشوة :
- ما الذي سيبقى من أفعالنا كلها .. كلمات .. كلمات .. أي هراء هو ذا ... ورفع صوته :
- كان عليّ ان أترك الإمبراطورية منذ خمسمائة عام وأعيش حياتي كإنسان آخر .. يا للروعة ان يعيش الإنسان في الهواء الطلق .. يتنفس .. ويتجول بحرية في أي مكان يشاء ..
وحلمت . فقال كاتبه له بهدوء :
- أنها الحتمية يا سيدي ..
- أعرف .. مثلما اخترت الحياة لا بد ان أقتنع بالنهاية .. أني سأذهب الى القبر الذي أشرفت على تأسيسه .. الى جانب أجدادي وآبائي ..
وصرخ فجأة :
- لن أرقد الى جانب هؤلاء الأوغاد .. !
- أين ستذهب .. يا سيدي .. ؟
- الى النهر ..
- غريب ..
- كلا .. فأنا لا أريد ان يكون هناك قبراً لي .. لا أريد الاستماع الى كلمات السكان .. أريد – صدقني – الهدوء الأبدي .. من الصمت الى الصمت .. لا أريد ان أترك أثراً ..
- ولمن يكون هذا الصرح الشامخ سيدي ..
- للحاكم الجديد ..
وضحك ، متابعاً كلماته الأولى :
- في الواقع لا أريد ان أعود الى أي شيء .. لقد ضجرت .. وكان هذا هو قدري .
وسأل كاتبه :
- قل لي ، برب هذه البلاد ، أكنت أستطيع ان اذبح ولي العهد أم لم أكن اقدر ..
- كنت تقدر .. يا سيدي . كنت تقدر ..
- ولم أفعل ذلك .. لأني كنت أومن بالمسيرة .. ألا أني الآن لا أريد ان أرقد تحت التراب .. أريد ان أرقد في المجهول .. في الماء وفي الهواء ..
وصمت طويلاً ، ليقول لكاتبه :
- لدي أمنية واحدة الآن ..
- قل يا سيدي .. قل .. أني أصغي لك ..
- أريدك أن تحرق خطاباتي .. والكتب التي صدرت عني وحولي ..
فقال كاتبه بهدوء :
- لقد نفذ وصيتك جلالة الإمبراطور الجديد ..
- حسناً فعل ! ها .. ليكتب سيرته الآن .. وبعد ذلك .. ليحرقها أيضاً .. أنها الدورات .. ألم أقل لك أيها الكاتب أنها محض حكايات وبلا معنى في الأخير ..
- نعم .. يا سيدي .. وهذا هو معناها ..
- ألم أقل لك أنها حكايات بدأت بالصمت .. ولا بد أن تنتهي بالصمت أيضاً ..
- نعم .. يا سيدي .. بدأت بالصمت .. وستنتهي بالصمت ..
- لا تنسى ان تقول : أيضاً ..
- لا .. يا سيدي .. سأقول : أيضاً !

( شرود مع جواد )عايدة الربيعي)


( شرود مع جواد )
(لقد تمثل جواد سليم بغداد بعد أن هضم سحرها) *
(عايدة الربيعي)
هاهيَ ارضي ،
تفتر شني كتاباً، ليطالعني الزمن كفرحةٍ معطلة
لا مرسى لي ...
أضيعُ بعض الشئ !
أموتُ كبائعةٍ للحزن
في فكر السير المشغول بالمارة
في الأصيل تغفو الشمس ،تغمض عينيها،
(تغرق في عين حمئةٍ
تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها ستراً )
تختبئ هناك حيث لا أحب أن أكون ؟
تنسحب بسكينة
يتمطى وشاحها لينشر بفرشاته ألوانا برتقالية الحس..
مساء هامس، بغدادي المعنى
يتلو ترانيمه على مسامعي التي كادت تصاب بالصمم لحين من الدهر.
انه الاختلال
( معان ) تطرق الذاكرة طرقا يسيرا ينكفئ على الأبواب ،
يعتصم.
فأتذكر
امضي في فسحة زمنية يتحدد أوانها ، ولوجي في متاهة شاردة
أتسلق بذلك الشرود اليانع
اقبع في ركن أواصل النظر..
سادرة من نافذة سكون ألذات
ذلك السكون الراشد الذي يؤول بي إلى طفولة هامسة
صور..
صور لطيفة أتذكر
فأتذكر( نصب الحرية ) اغرق في خيال سابق
أشجار ونخلات ذهبية ب(برحها) الكثيف
تستظل تحت أرجاءها بركة ماء
وحوض تسبح فوقه، متراقصة إوزات تعزف بصمت أوبرا الاحتفال بشخوص( جواد سليم )، تلك الأجنحة كرفيف أهداب فتاة خجلة.
آهٍ.. ( ياموزارت ) كم هو جميل أن تجتمع موسيقاك ببجعات ( سليم) ،وفي ذاكرة ترنو إلى زمن قصي ؟ تحتضنني الذاكرة في ( حديقة الأمة )،تحديداً تحت ( نصب الحرية)
طفلة تجهل تلك الطلاسم والرموز
يتعسر حلها حينها أو فك رموزها ؟كل ما تمثله آنذاك (إيحاءات مبهمة )
تزداد إبهاما كلما أطلت الرؤى نحوها، وصوب ذلك الصرح الغريب،
فأرجع لأطعم إوزات البركة، بفتات الخبز
ذلك هو المساء في بغدادي
حينها،وكما أتذكره اليوم، تختل فرحتها وتتجمد البركة فلا إوزات قربها !
البركة آسنة ،ونصب الحرية باق ٍ لم يسرقوه بعد، وكما خططوا له قبل حين
اختلال ...
اختلال
سيلوذ بالفرار حتما يوما ما ، ولم يخلد كما أنت يا (جواد) ؛
( فالاختلال لاصرح له، ولا إوزات تسبح بقربه )
في يوم ما، قريب كما قربي من الشمس الآن
ستحتضن أطفالي تلك الحديقة،
ولكن!
هذه المرة سأشرح لهم، ما الذي قاله ( جواد) حين ( استنطق الحجر )
وكيف اصرخه كل هذا الزمن!
أنا وأولادي وأحفادهم، ننحني لك يا( جواد)
بغداد، أوجعوك بسياطهم ؟
ويحهم، فأنت ( أم جواد)
يا بلد( جواد)
احك لي ،كل يوم أقصوصة الحرية
التي علمني إياها تحت نصب الحرية.

.........................
*المقصود (جواد سليم) النحاة العراقي.
*مقولة من صحيفة الأديب.
*(نصب الحرية) ،رائعة جواد سليم في بغداد ساحة ميدان الحرية
*(حديقة الأمة) حديقة وسط بغداد بجانب النصب