الخميس، 13 يناير 2011
عندما تضيق مساحات الفرح : سهير عبد الرحمن-اللوحة للفنان غالب المسعودي
عندما تضيق مساحات الفرح : سهير عبد الرحمن
من ضيق على الفرح المساحات
حتى ضاقت به الأرض
و اشتد حزنه
و قرر أن يهاجر
فأرض الله .....
واسعة
من وهب الحزن كل هذه
الأراضي
و أعطاه الصك للأبد:
يا حزن هذه...مساحاتك
هاجر الفرح لكوكب..
آخر
وحط على أرضه
و معه ....الحقائب
نام الفرح متعبا في ظل نجمة غافية
استيقظت النجمة و حدقت في فرح...
نائم في ظلها
تعجبت النجمة :
هذا الجمال و بهاء....
و روع
وقعت النجمة في غرام الفرح
قبلته بين عينيه
فاستيقظ..... الفرح
تأبط الفرح ذراع نجمته الحنون
و مضا
نجمة....و فرح
بكى الحزن الأناني
لأنه لم يتلق دعوة لحضور...
العرس
سهير عبد الرحمن
12-1-2011
الأربعاء، 12 يناير 2011
من الدواية يبدأ التغيير !جمال العتابي
من الدواية يبدأ التغيير !جمال العتابي
( الدواية )، قرية تحيط بها الأهوار، المسكونة بالطيور والاسماك، بيوتها من طين، حين ينزل المساء فيها، تغط في الظلام والنوم، إلا من اضواء فوانيس خافتة، مترددة ومهزولة، وأبخرة دخان يلف بيوتها. لو تطلعت اليها، الى سحنتها عند النهار، لانتابك شعور بالاختناق، وانت تتنفس السخام الذي احال الجدران الى كتل سوداء متناثرة، وفي مدى الرؤية البعيد روائح رز، ونظرات عطش ترسم خطوطاً عميقة من الحيرة.
في اربعينيات ذلك العالم تفتحت احداقنا الصغيرة، على نساء متعبات ينقلن الحطب والماء، ويحصدن الزرع وينجبن، وفتيات مفرطات في الحياء. الى حد مرهق، واطفال حفاة تغوص اقدامهم في اطيان تظل عالقة فيها لايام عديدة، ورجال بوجوه شاحبة تبرز فيها عروق محتقنة، واثار تبغ رخيص صبغ اسنانهم المتآكلة بالسواد، لكن في محاجرهم طيبة ونعاس.
شهدت تلك السنوات من القرن الماضي، افتتاح اول مدرسة ابتدائية في تلك القرية القصية من ريف الشطرة، مجموعة من الاكواخ، تبدو من بعيد كالمقابر، تناثرت على تربة لزجة، لايحيطها سوى اعواد القصب والبردي المتيبسة. كل مايحيط بالمكان يوحي بالأنين والأسى. تشاء الصدف ان ينسب اليها نخبة من خريجي ( دار المعلمين الريفية ) التي كانت معهداً فريداً لاعداد معلمين بمهارات تربوية وفنية، ورياضية متقدمة على عصرها. بسبب من نظامها التربوي الاصيل، وبرنامجها العلمي المتقدم، الذي استعار تجارب اوربية مماثلة للتطبيق، فضلاً عن كادرها التدريسي الكفوء، المتسلح بالعلمية والمهنية.
زير، زيران، ازار أمي ازرق، الكلمات الاولى التي خطتها ايادي أولئك المعلمين القادمين من الشطرة على سبورات سوداء، صنعت من طين، عبد جياد العبودي، حسن العتابي، عبدالحسن عيسى، جواد كاظم جويد، هؤلاء وجدوا في تلك البقعة عالماً يتسع لاحلامهم الكبيرة، وفي شحوب الليل نجوماً مضيئة تورق في مخيلتهم، آماناً وشبابيك تطل على مستقبل تزدهر فيه الارض بالورود، المدرسة الطينية كانت مرفأ تستقر فية الأشرعة، لاترحل، تستيقظ فيهم الرغبات كالينبوع.
ماسر كل ذلك الفرح والسعادة التي غمرت معلمي الدواية ؟ غير ايمان بعدالة قضية، ونظام اعتقدوا انه اسلوب الحياة الوحيد، والطريق الامثل للتطور، ويقين صادق وعميق بالافكار.
كانت عدتهم بضعة كتب، واحساساً مرهفاً بالطبيعة من حولهم وتعلقاً حميماً بالناس واطفال المدرسة، وجدوا فيها الملاذ البديل عن واقع يعتريه الأسى والجوع، حيث الطرقات الخاوية الا من بقايا فضلات الحيوانات الهائمة على وجهها، او كلاب سائبة في تلك النفايات، لكنهم متفقون على تحدي هذا الواقع.
العالم يعيش عصر تحولات كبيرة، نهاية الحرب العالمية الثانية، التي حصدت ملايين البشر، اندحار الفاشية، وهزيمة النازية والمانيا الهتلرية التي تسيدت العالم، ولادات قيصرية لانظمة ( اشتراكية ) في اكثر من بلد اوربي بمساعدة الجيش الاحمر، كانوا يستشعرون تلك التحولات ويلتقطون المتغيرات فقط عبر اولئك القادمين من المدينة في فترات متباعدة. لاصلة لهم بعالم اخر.. سوى تلك البقعة التي تحيطها مياه ظلماء حزينة.. مأخوذين ببهجة هلامية، ومنحازين بالطبع لتلك التحولات.
لم يكن القرويون يعبأون بهم كثيراً، سوى انتظارهم موعد تسليم حصصهم من التمر المجفف الرخيص الذي تبرع به عبد لابنائهم الذين امتقعت وجوهم.. ولم تعد لهم القدرة على حفظ الدروس بسبب الجوع. أخذ المعلمون انفسهم مأخذ الجد المغالي فيه حد الايمان بانفسهم مبشرين بافكار تبدو كالاحلام، مهووسين بالامل. انه نوع من الثراء الروحي ليس سواه في ظل المجاعة واللظى، وسط المستنقعات التي تجفف كل قطرات الانسانية.
يبدو عبد جياد الاكثر مرحاً، وتدفقاً في الحيوية من بين زملائه، وفي سنوات لاحقة، تسعفه هذه الروح في الافلات من سطوة الانظمة الاستبدادية واحكامها الجائرة، كان ساخراً، سريع البديهة، حكيماً، يمتاز برهافة الاحساس والاكتفاء بالقليل من متاع الدنيا , كلماته تنساب بلا ضجيج، تسير بحركة طبيعية مع النظام الخفي للأشياء.
قصيدة أحمد فؤاد نجم على مذبحة الأسكندرية
قصيدة أحمد فؤاد نجم على مذبحة الأسكندرية
أحمد فؤاد نجم
ينصر دينك يا بطل
قتلت ناس عُزًّل كتير
ستات، شيوخ وكمان عيال
ازحت عنا خطر كبير
دي ناس بتقول الله محبه
والمحبه دي شئ خطير
إقتل بطرس وإقتل مينا
اللي إخواتهم ماتوا في سينا
واللي ولادهم رقصوا فـي فرحك
واللي فـ ميّتم بيعزّينا
إقتل ماري وطنط تريزا
دول ناس مافيهومشي ولا ميزه
دايمًا كده يبتسموا في وشك
ويقولوا اهلاً خطوه عزيزه
وإقتل برضه عمّك حنا
في اي خناقه بيحوش عنّا
غاوي يصّلح بين الناس
ولا يمكن يوّرد على جنّه
وإقتل سامي ناجي نجيب
اصل الإسم صراحه مريب
يمكن يطلع واحد منهم
او داقق على إيده صليب
ولا اقولّك...إضرب شبرا
والكيت كات وميدان الاوبرا
فجّر واحده في كل مكان
خلّي جيرانهم يصبحوا عبر
لينا رب إسمه الكريم
ها يجي يوم تعرض عليه
تقف امامه و يسأل الشخص ده عملك إيه؟
بأي ذنب تقتله
وفين ومين وإزاي وليه؟
إبقى قول لي يا بطل
ها ترد يومها..
وتقول إيه؟
الاثنين، 10 يناير 2011
انها لوحات الفنانة المبدعة-Anna Kostenko آنا كوستينكو-عن مجموعة حمورابي
هل تصدق انها لوحات فنية و ليست صور فوتوغرافية؟؟
انها لوحات الفنانة المبدعة
Anna Kostenko آنا كوستينكو
ولدت آنا كوستينكو عام 1975 في مدينة كييف - اوكرانيا, و عاشت وعملت
في مدينة كراكوف - بولندا منذ عام 1991 . و تخرجت من اكاديمية الفنون
الجميلة في كراكوف, حيث درست الرسم للفترة من 1993 الى1998
و قد اقامت ثلاثة معارض لاعمالها الفنية في جورجينسن و رسمت العديد من
اللوحات منذ انطلاقتها في عام 1999 , و كونها مغرمة بمختلف الحضارات
ادى الى سفرها الى العديد من الاماكن التي كانت تلهمها اعمالها التي عُرضت
في بلدان كثيرة و منها بولندا و فرنسا و المانيا و آيرلندا و إسبانيا
و فيما يلي مجموعة من اعمالها الرائعة, و التي لولا ان نعلم بانها قدرسمتها
!!!....لاعتقدنا بانها صـــور فوتوغرافية.... انها فعلاً قمـــــة في الابداع
الأحد، 9 يناير 2011
حسين باجي الغزي-بلبل...في القفص....بلبل خارج القفص
حسين باجي الغزي
بلبل..في القفص!!
بلبل خارج القفص!!!
حسين باجي الغزي
تسمر أبو وسام واضطربت جوانحه وهو يرى جمعا من رجال الشرطة بسياراتهم المخيفة وزيهم القتالي ينتشرون إمام داره المتواضعة يتقدمهم اثنان من الضباط أمرين بقسوة بوليسية إن يفسح لهم المجال لإجراء كشف الدلالة على المنزل .
اعترت الرجل الستيني الرجفة وزغللت عيناه. حين اقتاد الشرطي شاب عشريني الملامح يشع نظارة وبهجة ،تلمع بين معصمية الجامعة الحديدية وتبرق كسيف مسلط على رقبة أثم.وزاد من حيرته وهو يتفرس وجه هذا الشاب وعرف انه ابن الجيران(.....) القاطنين في أخر الشارع .
تمالك الرجل رباطة جأشه وتمسك بأخر قواه قائلا ومؤكدا بان بيته لم يسرق منذ إن سكنه قبل عشرين عاما .
إلا إن الأمر زجره قائلا : نعم لقد سرقت داركم واعترفوا على المتهم .
أنكر أبو وسام وحلف بأغلظ الإيمان من انه يعي مايقول بنفيه الواقعة .ثم أن رجلاه لم تطأ مركزا للشرطة لتسجيل واقعة السرقة.
إلا إن الضابط المرسومة على شفتيه سبورتين سوداويتين كنسر هرم . أزاحه من إمامة وزمجر في وجهه بغضب طالبا منه أن لايعيق تنفيذ العدالة .
توسل أبو وسام واستفهم عن المسروقات وضرب أخماسا بأسداس وأستدرك في نفسه بان لاشي عندهم يستحق السرقة.
هنا اعتلت النبرة الإمرة من المسئول موجها كلامه للمتهم
كيف سرقت البلبل0؟؟؟؟؟؟
هنا انفرجت أسارير الرجل وخاطب الجميع مهللا : هذا هو البلبل في قفصه سيادة الضابط لم يسرق أبدا معافى يغرد كل يوم ونصحو على غناءه وهديله ..... تفضلوا لتروه .
لكن الأمر ذو الشاربين الطويلين نهره ثانيتا وبنبره قاسيه .ماطا شفتيه المختبئتين تحت الغمامة السوداء. هل تكذب التحقيق!!! و هل تستهزئ بالقانون !!!!.
تنحى ابو وسام جانبا وهو يستمع إلى الشاب المكبل بالأصفاد وهو يقسم عشرات المرات من إن رجلاه لم تطأ هذه الدار ولم يسرق أحدا في حياته.رغم تعنيف ووعيد مرافقيه . ليعود ثانيتا إلى السيارة الزرقاء المهيبة والأرجل والأيادي تركله وعيون أم مفجوعة بوحيدها ترقب من بعيد ماحل بفلذة قلبها اثر اعتراف ظالم من رفيق له ادعى مشاركته ل (.....) بسرقة بلبل .
لغاية كتابة هذه السطور .
بلبل أبو وسام يلهو في قفصه سعيدا مرحا يعتنى به كثيرا .يطعم ويسقى ,يغرد بالحان شجيه في قفص امن يحميه من الذئاب البشرية يتمتع بمعنى نسبي للحرية . حر من الخوف . حر من تسويف العدالة وشرعنه القانون . ينام ملئ اجفانة ويحلم بشريكة جميلة يتزاوجان ويغردان سويتا وينقمان على الوشاة والإثمين .
مرت سنة وشهران و(......)حبيس القفص الحديدي يستجدي الرحمة والشفقة ويتوسل إلى ذويه من انه يريد ان يذيق طعم الحرية ونعمة الانعتاق ومن أنة برئ طاهر .والذين لم يألوا جهدا بالدفاع عنة وبيع اخر خرقة ثمنا لأتعاب محامي .مستغربين كيف تلتقم الحيتان الكبيرة ماتحفل به شعاب العراق من اللآلئ والياقوت والمرجان ضاحكة ملئ شدقيها من النزاهة والعفة والأمانة .
ولا يزال أبو وسام يتردد من شهور طويلة على أروقة المحكمة ليدلي بشهادته ويقسم عشرات المرات من انه بلبله صحيح معافى حي يرزق. حاملا ريشة مغمسة بدموع بلبه الحزين من إن عصفورا جميلا مثله كان سببا لتعاسة واحد من بني البشر .
الخميس، 6 يناير 2011
قبائلنا-نص غالب المسعودي
قبائلنا
حينما كانت قبائلنا
تصنع ألهتها من تمر
وأنا على لحم بطني
اصنع لمعشوقتي تمثالا من خمر
ومعشوقتي
طيبة ...لذيذة
شفتاها عسل الغابات البكر
ضحكتها اشتهاء
ذات جوع وصباح
ارسلت معشوقتي
Sms
Don’t wait
هدت احلامي
المصنوعة من....................
نشوة صافية ومكعبات ثلج
لن ارد..........!
كي تبقى احلامها وردية
وترنمت باغنية باخوسية
هذا هو سر الدموع
هذا هو عرس الدم
د.غالب المسعودي
الأربعاء، 5 يناير 2011
الفنان عادل كامل-مقاربة ابستميولجية-د.غالب المسعودي-لمناسبة معرضه الالكتروني على موسوعة الفن العراقي
الفنان عادل كامل
مقاربة ابسيتمولوجية
في سبيل الكشف عن المعالم الرئيسية حية لفنان ما في صيغتها المطروحة هنا و بصورة عينية مخصصة نستطيع ان نقدم مجموعة من الإرهاصات التي تبنتها تلك التجربة و دافعت عنها تاريخيا الى المرحلة المعاصرة ، فهي تجد نفسها محاطة من كل الأطراف بالتساؤلات اليائسة و الاستفسارات الحانقة و الغمزات و اللمزات المبطنة و بردود فعل عنيفة أحيانا تنبثق بإلحاح من المرحلة التي يعيش فيها المنجز الفني متمثلا في تناقضه النسبي في حل المسائل المطروحة بدون تحفظ و بين التهافت المنهجي أمام التيار المتصاعد من الماضي المخرج من العدم و دونما قدرة على التنهيج العقلي و لكن دون الانزلاق في مهاوي ( التجريبوية ) الضحلة ، ذلك خليق بنا ان ننتبه أليه انطلاقا من هذه المسالة التي تخضع للمنطق التاريخي و منطلق التجاوز الجدلي اذ ان هذا الاخير يضعنا أمام مهمة الحفاظ على العناصر الحية الإيجابية من تلك التجربة و ذلك بان نرفعها الى صيغة متقدمة عبر صهرها بموقف جديد يكبح تحويلها الى فزاعة ميتافيزيقية في أيدي الجهلة يوجهونها ضد التطور عامة و ضد تطورها هي نفسها من حيث كونها تجربة اكتملت ضمن نسق معروف في سياقها العيني و التطبيقي و أبعادها عن العقم . و انطلاقا من النزعة التي بينها سالفا و التوقف عندها و الدخول الى عالم المنهج الذي اختطه الفنان عادل كامل و لكي لا يحجب ذلك عن أعيننا أمورا فائقة الأهمية و هي الإرهاصات العميقة التي تحققت من خلال تجربته النقدية عن طريق تصور علمي دقيق حول مسالة التاريخ و التراث حتى لو أبقينا معصوبي الأعين تجاه ذلك الآمر . و الجانب الآخر الذي يحدد الفكرة التالية هو الموقف الرؤيوي الذي يضيء مشروعه الثقافي بصورة عامة و يريد لنفسه ان يكون الوريث الشرعي للنهج الذي يمثل الحركة التشكيلية العراقية و العربية و مدى قربه من التراث العالمي . بهذا التصدي الذي آلفي نفسه – الفنان – و في خضم الحدث المتشظي باتجاهات مختلفة لا يخرج عن كونه موقفا إنسانيا تمتزج فيه الأسطورة بالدين بالفن 0
بيد ان المنجز في مجمله لا يرتفع الى مستوى الوعي التاريخي آلا بالتصدي و في الخط العام و في إطار التلوينات المعرفية من الشخصية البطولية و المثل الأخلاقية أو منها جميعا لغرض الحياز على ملكية الأرضية و في حدها الأقصى لبناء المثل لجيل عاش ويلات الحرب و عاش تجارب التحديات الكبرى بكل أبعادها الاجتماعية و الاقتصادية المعقدة و المتشابكة و المترعة بالتوقعات الزئبقية و ليس في وسعنا ان ننكر ان تجربة الفنان امتلكت تلك الأسس و بالمعنى المحدد للكلمة اذ كانت قادرة على تسجيل حياتها و رقيها الحضاري ، فالمدونات لها شروطها الفنية ، كملحمة كلكامش لا يمكن النظر أليها على انها محض تاريخ و لكنها تبقى وثائق هامة لمعرفة الكثير عن تاريخ المنطقة ( العراق ) و كذلك تجارب الفنان المبدع انها بالدرجة الأولى عمل فني غير خاضع لمنطق وأسلوب العمل العلمي التاريخي و لكنه وثيقة مهمة لمتابعة تاريخ المنطقة في العصر الراهن و انه مدونه اكتسبت طابعا محددا و على المختصين مطابقتها مع الأسانيد و التدقيق في صحتها على ان لا تكتنف تلك المقولات الأساطير و المتخيلات العفوية مثلها مثل العلاقات الاجتماعية في إطار صحراوي . ان الأهمية التي يوليها الفنان عادل كامل تكمن في طرحه الأحداث السابقة له و المعاصرة طرحا تاريخيا منطلقا من وحدة الحدث و التنقل من البسيط الى المركب ومن العادي الى المهم فهو في مجمل إنتاجه الفني سواء على صعيد العمل التشكيلي أو القص أو الشعر يعرض أحداثه من التاريخ البشرى بكل أبعاده ليمثل تكثيفا لتطر القيم الاجتماعية و التي شرعت في الصعود في شخصية مرموقة ، ومن هنا يصبح القول بان المرحلة التي عاشها الفنان و المتمثلة بهذه الرؤية و بغض النظر عن وجود تمايزات كبيرة أو صغيرة اتسمت بسمة عميقة و مشتركة لها دلالاتها وهي استشراف الواقع التاريخي لهذه الأمة من موقف الواجهة في احتدام اللحظة التاريخية الذاتية و مبنية على الانتماء لهذه الأرض التي ولد و ترعرع عليها منذ نعومة أظفاره الى حدها الأقصى و المعبر عن الاجتماعي الذي برز بأشكاله و مظاهره المتعددة في الذهنية التـنظيرية مجاوزا الذهنية الجسدية ذهنية الخبرة اليدوية أو كما كتب أر سطو في ما بعد الطبيعة (( ان رجال الخبرة يعرفون فقط الـ (( بان )) أما الـ (( لماذا )) فلا . أما الفنانون فيعرفون الـ (( لماذا )) و السبب .. على العكس من ذلك يشبه العمل اليديون أشياء معينة غير حية .. أننا نقدر من خلال ذلك الفنان ين القادرين عاليا من حيث كونهم اكثر ليس لأنهم قادرون على ، العمل بشكل خاص و إنما يمتلكون (( المفهوم )) و يعرفون الأسباب )) .
لذا يستبين لنا ان الفنان الكبير عادل كامل يرفض كل الصعوبات و الإشكالات التي انتصبت أمامه عائقا دون تكوين وضوح نظري حازم متجاوز التصورات الغائية التي قدمها جمع من المثقفين في مراحل متعددة من تاريخ الحركة الفنية و التشكيلية العراقية تحت كافة الأطر و الصيغ المقترحة من سلفوية ضيقة و النازعة الى تعمية الحدث الاجتماعي و إفقاده شخصيته البشرية العينية و تلفيقوية نفعية فاقدة كل أصالة و موضوعية ، متسلحا بمواقف مستـنيرة متقـدمة خالقا أو ضاعـا من اللا تطابق المنسجم مع الأصول مرة أخرى 0
د 0 غالـــــب الـمسعودي
الخيانة والغدر عند الفرس-خالد عزيز الجاف
الخيانة والغدر عند الفرس عبر تاريخهم الطويل
( الجزء الاول )
خالد عزيز الجاف - برلين من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ " ) آل عمران : 118
سبحان الله التاريخ يعيد نفسه ، ويسطر في صفحاته دروس وعبر للاجيال القادمة ، ويكشف خيانات الفرس عبر تاريخهم الاسود من جرائم بحق جيرانهم من الشعوب الاخرى . فكلما سنحت لهم الفرص تتكرر هذه الجرائم . (فالبغضاء في افواههم ضد العرب والاسلام شديدا وواسعا وكبيرا ، وماتخفي صدورهم اكبر . )
نحن امة عراقية شهدت اكثر الحوادث تنوعا في تاريخ البشرية من مأسي ودمار واحتلال وحصار لكنها لاتملك ثمرة التجربة. فهذا الكم المعرفي التاريخي خال من الخلاصة . جميع الشعوب حولنا يعرفون انفسهم ويفتخرون بقوميتهم واصولهم الا نحن تعوزنا معرفة الذات عبر النظر في مرأة التاريخ ابعد تواريخنا الاحتلال الفارسي واسقاط الدولة البابلية . واقرب تواريخنا الاحتلال المغولي واسقاط الدولة العباسية العربية في بغداد وتدمير الحضارة العربية ، ثم جاء بعده الصراع الفارسي التركي من اجل السيطرة على بغداد والعراق كله . قبل الاسلام كان الخطاب السياسي في العراق عنوانه عجما وعربا ، وفي عصر ظهور الاسلام وفتح العراق كان العنوان دينيا شعاره مسلمون وكفار ، في العصر الحالي انتقل العنوان سياسيا قوميا عنوانه الصراع العربي الفارسي . القضية اذن ليست لها علاقة بالدين الاسلامي والعقائد والفقه والشريعة ، فالعراق بلد غير محظوظ مع جيرانه حتى مع شعبه .
العراقيون شعب يميل الى الفردية والحرية الشخصية والجدل انه لايصلح لبناء الدول والامبراطوريات . العراقيون لم ينجحوا طيلة تاريخهم بعد سقوط دولهم الوطنية ( اكد وسومر وبابل واشور ) ان يغزو غيرهم او يوسعوا حدود بلدهم ، فقد كانت هناك رغبة اقليمية ودولية عبر التاريخ الطويل للتعرض للعراق واحتلاله . لقد اصبحوا عرضة لهجمات متلاحقة. فأذا ظهر زعيم وطني في العراق كما حدث في عهد عبد الكريم قاسم وصدام حسين تتحرك القوى الكبرى لتفرض عليه ارادتها وخططها الاستعمارية لاركاع العراق . لقد كان العراق ومازال حالة فريدة في التاريخ ، لايمكن ان يدع لحاله ليعيش كباقي الشعوب المسالمة . عاش الشعب العراقي ثائرا على مدى تاريخه الطويل ، جاء الامريكان واحتلوا العراق لكنهم يشكون الان من تمرد شعبه.
لو رجعنا دراسة تاريخ العراق القديم سنجد ان اول احتلال للعراق كان احتلال الدولة الفارسية له .
التاريخ ملىء بالعبر والاحداث المؤلمة والمخزية التي سطرها الفرس عبر تاريخهم الطويل المخزى منذ الدولة البابلية ولحد الان ضد الشعب العراقي . من يقرأ تاريخ الفرس ويتصفح احداثه لايجد غير الغدر والخيانة ونقض العهود، واشعال نيران الحروب ضد جيرانهم من الشعوب المسالمة الاخرى. وكل مؤرخ او مطالع لهذا التاريخ لايجد ابدا صفحة نقية بيضاء بين طياته. ان هذا التاريخ الذى سطره الفرس عبر تاريخهم الطويل قائما فى حب السيطرة على اراضى الغير، وشعوب المنطقة. والسؤال الذى يطرح نغسه هنا وبقوة، هل اصبح الفرس الان بعد دخولهم الاسلام اكثر تقوى ام تقية؟؟. فالفرق واسعا بين التقوى والتقية، وسأقدم هنا للقارى الكريم لمحات عن تاريخ الغدر لهؤلاء الفرس الذين ابتلى بهم العرب والمسلمين على مر التاريخ. انهم مشهورين بالخيانة والغدر حتى لاقرب اصدقائهم وحلفائهم المقربين والمرتبطين معهم بمواثيق وعهود . انبثقت الحضارة السومرية في الجنوب في الالف الرابع قبل الميلاد ، واتخذت هذه الحضارة شكلها السياسي والثقافي المتكامل مع قيام الملك ( سرجون الاكدي ) الذي مثل بداية سيادة اللغة الساميةالاكدية وتوحيد الدويلات العراقية وتكوين اول دولة موحدة (2350ق.م) على ارض الرافدين.
الاكديون هم من الأقوام التي هاجرت من جزيرة العرب ماقبل الإسلام والتي استوطنت في أواسط وجنوب العراق منذ مطلع الألف الثالث ق.م على اقل تقدير ، وعاشوا مع السومريين جنباً إلى جنب وكانت هذه الأقوام تتكلم الاكدية التي هي من عائلة اللغات الجزرية (اللغة العربية الأم لهذه اللغات). وفي حدود (2350) ق.م أسست دولتها التي عرفت بالإمبراطورية الاكدية وعاصمتها (أكد) التي لا يعرف موقعها الأصلي في الوقت الحاضر .ولذلك وجدت في اللغة العربية كلمات مستعارة من اللغة السومرية أصلها أكدي وذات جذور عميقة في تربة هذا الوطن وهما أقدم لغتين في بلاد مابين النهرين.
مدينة بابل في وسط العراق لعبت دورا اساسيا كعاصمة حضارية كبرى لفترة الفي عام تعاقبت عليها الكثير من السلالات والدول . . لقد اتخذت لغة العراقيين القدماء تكوينها الثقافي والكتابي من خلال استيعابها اللغة السومرية بما فيها من ثقافة ومعتقدات دينية والخط المسماري السومري. اصبحت الاكدية (بلهجتيها البابلية والآشورية ) لغة العراقيين الرسمية لما يزيد على الالفي عام، وخلفت لنا الآلاف المؤلفة من النصوص والوثائق الطينية التي سمحت لنا من معرفة كل شيء عن حياة العراقيين. .
تشير المصادر التاريخية على ان الاشوريين اتخذوا سنة1080ق.م نينوى عاصمة لهم . فالدولة الآشورية ، بالاضافة الى دورها االمتميز في تطوير الحضارة العراقية بالتكامل مع الدولة البابلية، فأنها ايضا قد تميزت بالروح العسكرية والميل الى التوسع والفتوحات التي جعلت العراقيين يسيطيرون على كل كل بلاد الشام وحتى مصر. ان سكان شمال العراق ما كانوا يختلفون عن باقي العراقيين ، لا من حيث اللغة ولا من حيث الدين، نفس اللغة الاكدية ( بلهجتها الآشورية) . لكن قد طغت عليهم تسمية( آشوريون) نسبة الى اله الثور ، الذي كان مقدسا لديهم اكثر من باقي العراقيين . واللغة السومرية التي ظلت لغة مقدسة لدى جميع السلالات العراقية بجانب لغتهم الاكدية خلال اكثر من الفي عام حتى نهاية بابل في القرن السادس قبل الميلاد
صحيح انه من الناحية السياسية فأن نينوى قد لعبت دورا منافسا لبابل ، وهذا الانقسام بين قطبين في داخل الوطن الواحد، مسألة طبيعية قد وجدت في معظم حضارات التاريخ مثل مصر وغيرها الا ان الوحدة اللغوية والدينية للعراقيين ظلت سائدة طيلة هذه القرون العديدة . لقد سادت اللغة الأكدية وهي من اول واقدم اللغات السامية المعروفة .
على مر التاريخ لم ينج العراق من شر حكام إيران ، بسبب الجغرافيا ، ففي عام ( 539ق.م ) إجتاحت قوات قورش الإخميني مدينة بابل ،واستمر الإحتلال حتى سقوط الدولة الإخمينية على يد الإسكندر المقدوني ( 322ق.م) ، وفي عام (200ق.م) احتلت السلالة الفارسية ( الفرثيون) البلاد ، واستمروا حتى قضى عليهم الساسانيون في عام (224م) ، فاستمر الإحتلال الساساني حتى الفتح الاسلامي عام (640م) ثم قتل آخر ملوكهم في مخبئه عام (651م). ، والصفويون ( 1499م _1722م) ، ثم نادر شاه (1736م _1747م) وقد أكمل الصفويون هذه الأطماع عندما قاموا باحتلال العراق اكثر من مرة ثم نشر أفكارهم بين أبناء العراق والذي لايزال يعاني منها الشعب العراقي .
ان سقوط بابل يعتبر سقوط اخر دولة عراقية وطنية ، واصبح النهرين ساحة صراع القوى العظمى : الايرانيون والاغريق والرومان ، حتى تمكن اخيرا الفرس الساسانيون من فرض سيطرتهم ابتداءا من القرن الثالث حتى القرن السابع ، حيث الفتح العربي الاسلامي . طيلة اكثر من ( 11 ) قرن ظل العراق محكوما من دول تختلف عنه دينيا ولغويا ، ورغم محاولات الايرانيون خلال قرون السيطرة من فرض لغتهم الفارسية وديانتهم الزرادشتية الا ان العراقيين ظلوا على ديانتهم البابلية ولغتهم الآرامية . منذ قبل الميلاد تمكنت اللغة الآرامية ان تصبحت لغة العراقيين السائدة وكذلك لغة سوريا ، والآرامية هذه بالحقيقة هي لغة سامية تكونت من التقاء اللغتين الاكدية العراقية والكنعانية السورية الفلسطينية ، فأن هذه المرحلة تميزت ايضا بالدين الموحد السائد في الشمال والجنوب طيلة عشرات القرون. وهذا الدين العراقي قائم على اساس ( عبادة الكواكب ) وما تتضمنه من معتقدات واساطير والهة متعددة ممثلة للكواكب ومسؤولة عن حياة الانسان والطبيعة . وهذا الدين العراقي شكل اساس(نظام الابراج وعلم التنجيم ) الذي ساد العالم كله ولا زال حتى الآن يتبع نظام الاشهر العراقية حيث البرج الأول هو (الحمل) في(21 آذار) اول يوم في السنة العراقية حيث انبثاق الربيع والخصوبة والميلاد. من المعلوم ان العراقيين القدماء بكل مسمياتهم (سومريون وبابليون وآشوريون)، كان يعتنقون نفس الدين، والذي يقوم على اساس (تقديس عملية الاخصاب في الطبيعة) والمرتبطة بعبادة الآلهة الممثلة للكواكب السبعة المعروفة وقتذاك: ( الشمس والقمر والزهرة وزحل وعطارد والمشتري والمريخ). والعراقيون هم اول من ابدع ما يسمى بـ (علم الابراج) أي الابراج الاثنى عشر المقسمة على اشهر السنة، ابتداءا من شهر نيسان وبرجه الحمل، وهو برج اله الخصب والذكورة(تموز) ويعتبر اول شهر من السنة العراقية، وفيه يخرج تموز من موته(الشتوي) في اعماق الظلمات في اول الربيع لتخصيب الارض. وقد صنع العراقيون الاوثان التي تمثل هذه الاله النجمية، حيث كل اله يمثل طاقة معينة، مثل تموز طاقة الذكورة، وعشتار طاقة الانوثة، وايل طاقة الخلق العظمى حيث هو زعيم الالهة. ان هذه الديمومة ( الحضارية ـ اللغوية ـ الدينية ) لدى العراقيين متأتية من طبيعة ارض النهرين وقدرتها على هضم الاقوام الجديدة واستيعاب ثقافتها المختلفة وصهرها في روح ومياه النهرين الخالدين وحضارتهما الأصيلة.
لم تنقطع اطماع الفرس بوادى الرافدين يوما ، هدفها للتمدد وبسط النفوذ في الدولة المجاورة لها واذا ماتم استقراء التاريخ فأنه يرينا العجب العجاب ، وقد عانت اور المدينة السومرية التى انطلقت منها اولى اللبنات لحضارة عظيمة فيما بعد عانت من تلك الاطماع كثيرا ، ومازال حدث اجتياحها من قبل العيلاميين فى اواخر حكم (ابى - سين) مسجلا حتى يومنا هذا فى مرثية قل نظيرها . وفى اواخر العهد البابلى ايام (نبوخذنصر) دخل كورش الفارسى غازيا فخرب مدينة بابل ، وكانت اور من ضمن المدن التى امر هذا الملك بتدميرها ، لانهاء دورها الحضارى الريادى . وعندما هاجم الفرس بابل كان بنشاصر وصيا عن والده نبونيد الذى كان مقيما فى مدينة تيماء ، وقاد قطعات الجيش فى الميدان ، ولكن الجيش الفارسى دحره وقتله (بالتواطؤ مع يهود السبى فى بابل) ويقال انهم اخذوا نبونيد اسيرا عند سقوط بابل ، واستولى كورش على ممتلكاته . ويبدوا ان كورش عبد الطريق الى هجومه بحملة من الدعاية البذيئة ضد الملك نبونيد لتشويه شخصه واخلاقه وبعد الاحتلال استمتع كورش بطمس معالم نصب نبونيد التذكارية . فالحالة الرهيبة من الدمار فى اور التى اصابت مبانى نبونيد تعزى بكل وضوح الى اعمال الفرس البربرية التخريبية المتعمدة (كما فعلوا بالعراق الحالى عند اجتياح قوات الغدر الامريكية للاراضى العراقى)
وعندما سقطت بابل تحت أقدام الجيوش الفارسية كان كهنة الإله البابلي (مردوك) يسجلون بأوامر كورش إن الإله مردوك رب بابل قد استدعى قورش لفتحها , وذلك فى المرسوم القائل على لسان مردوك انه ( بعد إن نظر فى كل البلدان ومحصها بحثا عن ملك تقي يكون من قلبه فليأخذ بيده نادى الملك قورش باسمه , وناشده السيطرة على الكون وأمره بالسير إلى مدينته هو (مدينة مردوك ) بابل , ودون معركة او قتال سمح له بدخول بابل ) والملك قورش فتح بابل بناء على طلب كبير أربابها , كذلك فعل مع بقية آلهة الدول المفتوحة , كذلك فعل مع يهوه , ويقول فى مرسوم أخر ( حين دخلت بابل أخذت برعاية شئون بابل الداخلية ومقدساتها . ففرح مردوك المليك العظيم لاعمالى المباركة , وباركني أنا كورش الملك الذي يجله ) وتمكن قورش من اجتذاب كهنة ديانات البلاد المفتوحة إلى جانبة وخاصة بنى اسرائيل , وهم من جانبهم ضمنوا له ولاء رعاياهم بما لديهم من أوامر إلهية يوحى بها . وقد سمح لبنى اسرائيل بالعودة إلى أورشليم لأنه تلقى أوامر يهوه بذلك . فالضربة القاصمة التى وقعت لاور فى اثناء الاحتلال الفارسى دمرت كل شىء فى ارض الرافدين، فأصبحت المدينة المنكوبة بابل حتى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد مدينة خراب ، وكومة انقاض وتماثيل محطمة بعد ان كانت مدينة مزدهرة كثيفة السكان .
اما اليهود قد برروا وصفهم لكورش الإخميني بأنه نبي مرسل وذلك بسبب إنقاذه دهاقنتهم من الأسر البابلي, على الرغم من علمهم ان كورش هذا كان قد قتل زوج خالته وتزوج بها لكي يصبح وريثا للعرش بعد موت جده لامه و توقفت حضارة وادي الرافدين منذ سقوط بابل في (539) قبل الميلاد على يد الفرس الأخمينيين حتى القرن السابع حيث الفتح العربي الاسلامي، أي ما يقرب (11) قرناً. يمكن تشبيها بالفترة المظلمةالتي اعقبت سقوط الدولة العراقية العباسية. ليس فقط من ناحية الانحطاط الحضاري الشامل الذي سادها، ولكن لأن العراق قد خضع ايضا لنفس القوى الاقليمية التي تنافست على احتلاله بعد سقوط الدولة العباسية، وهي ايران (بمختلف سلالاتها البارثية والاخمينية والساسانية)والاناضول واوربا( بمختلف سلالته الاغريقية والرومانية والبيزنطية).. لكن في هذه الحقبة، كانت الغلبة للسيطرة الايرانية، التي دامت اكثر من تسعة قرون: الاخمينيون (قرنان)، البارثيون (ثلاثة قرون)، الساسانيون (اربعة قرون)، وقد قطعت السيطرة الايرانية بسيطرة اغريقية دامت قرنين، بين القرن الرابع والثاني ق.م.
منذ ان اسس كورش دولته الفارسية عام 559 قبل الميلاد بعد ان تمكن من جمع القبائل الايرانية المشتتة من حوله وكان ينحت صوره على الحجر ويضعها في مواقع مهمة من المدن التابعة لحكمه ، ومنها تلك الصورة العظيمة التي نحتها في مسقط رأسه (بازار غاد) بالقرب من شيراز ، وكان الفرس يركعون امام هذه الصور حين يمرون بها وربما سجدوا لها ورفعوا اليها مظالمهم من وكلاء الملك او من الاقطاعيين او من عصابات اللصوص التي كانت تستولي بالقوة على محاصيلهم ، والمجتمع الفارسي انذاك مجتمع زراعي اغلبه من الفلاحين وقلة قليلة من الاقطاعيين والمتنفذين في الدولة هم الذين يملكون الارض . وقد عين كورش مراقبا عند كل منحوتة من منحوتاته ينقل اليه سلوك الناس ومخاطباتهم لصوره ، ويعمل قدر الامكان على الاستجابة لبعضها ، وكأنه تلقى ادعيتهم وهو في سمائه العليا واستجاب لها لتزداد قدسيته في نفوس الناس البسطاء . وفي زمن كورش قاد ذلك الى التفاف الفرس بقوة حول ملكهم واندفعوا خلفه يخوضون غمار الحروب وتمكن كورش من عقد حلف مع نبونيد نصر ملك بابل القوي ليتفرغ لمهام اخرى ومواجهة قوى اخرى بينما سعى نبونيد نصر بهذا الخلف الى تكوين قاعدة له ضد مملكة ( ماد ) وقد كفاه حليفه كورش شر الميديين فقد هاجمهم واستولى على عاصمتهم ( اكباتان ) وتعني مدينة الملوك وهي مدينة همدان حاليا . واسر اخر ملوكهم ( ايشتو ويغي ) وضم جنود وضباط الجيش الميديين الى جيشه . ويمكن وصف هذا العهد بأنه عهد ظهور وتأسيس الدولة الفارسية . وفيه صار ينظر الى كورش كأله لايقهر ، ولكنه وبسبب الغنائم واتساع مملكته وتوزيع اقطاعياته على الحاشية والضباط انقسم المجتمع الفارسي الى طبقات متمايزة اغنياء وفقراء .
وفي زمن كورش اصبح الجيش الفارسي الاخميني اكثر تنظيما واقوى عدة وتم تقسيمه الى قوات راكبة وقوات راجلة ، لم يكن احد يقدر على مواجهتها ، وبذلك اصبح الجيش الفارسي لايعرف الهزيمة ، ولم ينفع بابل تحالفها مع كورش فقد اعد العدة لها بذكاء ودهاء وحذر ذلك انها كانت تمثل الحصن المنيع في وجهه وفي وجه طموحاته في السيطرة على الشرق الاوسط ومصر وسواحل البحر الابيض . وفعلا هاجم كورش بابل العظيمة واستولى عليها ، واطلق سراح السبي البابلي من اليهود واعادهم الى فلسطين . الا ان كورش قتل في معركة ضد البربر في شمالي افريقا قبل ان يلحق جيشه هزيمة نهائية بالبربر . واعيدت جثته ليدفن في مملكته فارس . وقد حيكت حوله الاساطير كملك الهي .
اما عن الملك البابلي نبونيد فأنه يعتبر من قبل المؤرخون المعاصرون اخر ملوك بابل الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد اول باحث ومنقب اثار في التاريخ ، لانه قام بحملة في انحاء العراق والشام التي كانت تحت الحكم البابلي من اجل البحث عن كتابات الاسلاف واعادة الحيا ة الى الاثار المندثرة منذ الاف السنين. وكان يميل الى الاعتزال بعيدا عن الحكم والتفكير بأسرار الخليقة وطرح الاسئلة المصيرية العصية عن الفهم عن معنى الحياة وسر الموت .. وكان يحب التجوال فيى البراري والاختلاط بقبائلها . وقد اكتشف ان انحطاط ديانة المشرق الى طقوس شكلية يتعيش عليها الكهنة بماديات الحياة هو فقدان الايمان عند المواطنين بأي قوى عليا وتلاشى اي مبرر للدفاع عن الوطن والكفاح من اجل المستقبل . كانت والدة نبونيد تقية جدا ومتعلقة بأله القمر (سين) وتقدسه اكثر من مردوخ ملك الالهة. وكانت مملكة بابل والشام ومصر تعيش انذاك اكثر حقبها انطاطا كأي حضارة مريضة هرمة تتهيأ للسقوط امام القبائل الرعوية الارية الاسيوية الفتية التي اجتاحت غرب اسيا وبدأت تنشأ الممالك القوية في ايران والاناضول . وبعد تفكير طويل وحوارات مع الحكماء والفقهاء في الشام اقتنع نبونيد ان لاخلاص للناس من هذه الكارثة الا بخلاص النفوس من الاثام التي تنخرها نخرا وتفسدها . وكانت مشكلة ديانة اهل الشام دهرية لاتؤمن بالحياة الاخرى بل تعتقد بأن الجنة والنار هنا في الحياة الدنيا ، بينما ديانة مصر التي كان افضل مافيها هي فكرة (البعث والحساب) وخلود المؤمن في الجنة الموعودة .
شرع نبونيد في الاعلان عن هذه الديانة الجديدة في بابل عاصمة مملكته الا انه اصطدم بردود فعل عنيفة من قبل الكهنة الذين شعروا بأن هذا المعتقد الجديد يهدد سلطانهم الديني ، وراحوا يتأمرون مع الدولة الفارسية التي كانت تهدد بأجتياح البلاد ، وبعد ان فقد الامل في نشر معتقده الجديد قرر اللجوء والاعتزال فى الاماكن النائية ونشر مبادئه في البوادي والصحارى ونشر دعوته بين الناس على ان (ايل) الله هو اله جميع البشر في كل مكان وزمان ، بل هو اله الكون بأجمعه . وكلف ابنه (بيلشاصر) نائبا عنه في ادارة شؤون مملكته بابل ، وابتنى له عاصمة دينية في جنوب بادية الشام (التيماء) وجمع حوله الزهاد والمريدين ، ويقضي اكثر اوقاته في الصلاة ل (ايل) كي يبعث رسوله (البعل المخلص) ليهدي شعبه وينقذهم من الخراب والانحطاط ومع مرور الزمن تحولت التيماء الى قبلة للقبائل البدوية التي راحت تنتشر بينها هذه الديانة الجديدة حتى وصلت الجزيرة العربية كلها واليمن وسيناء . الا ان جيوش الاخمينيين اجتاحوا مدينة بابل بعد خيانة رجال الكهنوت وتعاونهم مع الغازي . اما بالنسبة للملك نبونيد فلا احد يعرف مصيره بعد سقوط بابل هناك من يعتقدبأنه انه هرب واعتزل في البادية هو واتباعه البابليين وامتزجوا مع قبائل البادية وتزوجوا وانحدروا الى الجنوب في اعماق الحجاز على سواحل البحر الاحمر ، وهم الذين اسسوا مدن يثرب ومكة .
وقد اصبح الملك نبونيد مقدسا عند اتباعه ومريديه الكثير منهم يعتقدون بانه المهدي المنتظر صاحب الزمان الذي سيظهر ذات يوم لينقذ الناس من الظلم والجبروت والفساد ويمكن اعتبار ان نبؤة نبونيد انه من هذه السلالة البابلية التي سكنت ارض الجزيرة العربية سيظهر نبي المستقبل من قبيلة قريش التي تنحدر من سلالة اسماعيل عليه السلام وامه الذين قطنوا الصحراء ومنهم انحدر اجداد العرب المستعربة . وقد لعبت قبيلة قريش دورا قياديا في توحيد قبائل الجزييرة العربية ، حتى انبثق الاسلام ليحقق احفاد بابل نبؤات الملك الصالح نبونيد .
طيلة التاريخ ظلت منطقة نينوى شمال العراق حلقة الوصل التي تربط العراق بمنطقة الشام وعموم البحر المتوسط. فمن خلال نينوى ومنذ القرن الاول الميلادي بدأت المسيحية السورية الفلسطينية تنتشر في شمال النهرين وباقي العراق حتى اصبحت في القرن الثالث الميلادي ديانة الاغلبية الساحقة من السكان ، تذكر المصادر الرومانية والآرامية أن (القديس توما) ثم بعده (مار عدي) من تلامذة السيد المسيح، مع تلميذه (مار ماري) هم الذين بشروا بالمسيحية في العراق، اولا في شماله ثم في وسطه وجنوبه. وقد شيد (مار ماري) ( ت 82 م) أول كنيسة في بلدة (كوخي) قرب المدائن، وقد وسعها مار عبد المسيح الحيري. وفيها تكونت (بطريكية) او قيادة (مرجعية) الكنيسية العراقية ومقرها في (المدائن ـ جنوب بغداد) وتسمى رسميا بكنيسة (بابل) ويطلق عليها المؤرخون احيانا (كنيسة فارس) بسبب خضوع العراق لفارس. وتتفرع الكنيسة العراقية الى فروع كنسية في كل انحاء النهرين ويطلق على كل فرع تسمية(ابريشية)، وانتشرت الكنائس والاديرة النسطورية حتى الاحواز والبحرين وقطرايا ( امارة قطر الحالية ) . ان اهم انجاز حضاري قامت به المسيحية العراقية انها افتتحت مدرسة في كل كنيسة وفي كل قرية ومدينة، فصار تعليم القراءة والكتابة والعلوم جزءا من النشاط الديني والايماني. وكانت هذه الخطوة بداية خروج العراقيين من قمقمهم الظلامي نحو افق النور والتحرر.
كانت السلطات الايرانية، بين فترة واخرى، تشن حملات قمع واغتصاب وقتل ضد المسيحيين. كانت الحملات متقطعة، سرعان ما تهدأ وتتخلها فترات سلم وتعاون وتقرب من قبل الملوك. وحسب المصادر المسيحية فان هذه الحملات المتقطعة خلال عدة قرون، كلفت مئات الآلاف من الشهداء. وقد ذكر المؤرخ المسيحي العراقي(ماري بن سليمان)، ان الملك (شاهبور) خلال ما اطلق عليه (الاضطهاد الاربعيني) الذي دام اربعين عاما في القرن الرابع م، قتل حوالي مئة وستين الف في بلدات شمال العراق، واكثر من ثلاثين الف في بلدات الفرات. وقد اكد المؤرخ العراقي المسلم المسعودي هذا الرقم(التنبيه والاشراف ص149). وحتى (القديس شمعون) وهو جاثليق (المرجع الاعلى) الكنيسة العراقية، الذي اعدمه الملك الفارسي مع اختيه لم يسلم من ايديهم ..
عموما هنالك سببان للاضطهاد، اولهما شعور الملوك والموابدة(رجال الدين المجوس) بأن المسيحية العراقية بدأت تشكل خطرا كبيرا على المجوسية وبدأت تكتسحها في داخل معاقلها بحيث ان هنالك الكثير من اقارب الملك والحاشية بدأوا يدخلون المسيحية، وان كنيسة المدائن العراقية تحولت الى زعيمة ومقر، ليس فقط للكنائس العراقية، بل لما يحصى من الكنائس المنتشرة في جميع انحاء الامبراطورية الفارسية حتى حدود الصين، بل ان المبشرين العراقين نشروا المسحية حتى في الهند وفي انحاء الجزيرة العربية. وهذا يعني ان العراقيين بدأوى يعوضوعن خضوعهم السياسي بهيمنة روحية دينية سوف تشكل اساس مستقبلي لانطلاقتهم الحضارية والسياسية والتي حصلت في الفترة العباسية.
بدأ السلطات الايرانية تدرك بأن هذا النشاط المسيحي العراقي ما هو الا بداية استعادة اهل العراق لدورهم القيادي، دينيا على الاقل. يضاف الى ذلك سبب ثاني، يتمثل بخوف الملوك الفرس من تعاون المسيحيين العراقيين مع الرومان ثم البيزنط الذي كانو على نفس الدين. رغم ان العراقيين تحولوا بغالبيتهم الساحقة في القرن الخامس الميلادي، الى مذهب (النسطورية) المخالفة لمذهب البيزنط. يلاحظ عموما ان الكثير من فترات الاضطهاد كانت مرتبطة بطبيعة العلاقة مع الامبراطورية البيزنطية الحاكمة في سوريا. فعندما تتوتر العلاقة بين الدوليتين، يبدأ الفرس يعاملون المسيحيين العراقيين كـ (طابور خامس) تابع للدولة البيزنطية. فيشرعون بعمليات انتقام وحشي سريع ضدهم والتركيز على اعدام الشخصيات الدينية النشطة، وسلب املاكهم.
تميزت المسيحية العراقية منذ البداية بأنشقاقها عن الكنيسة البيزنطية وتبني مذهب ( نسطور ) الذي اصبح مذهب الكنيسة العراقية التي سميت رسيما بـ ( كنيسة بابل ) . مع هذه الاغلبية المسيحية النسطورية التي تضاهي حوالي 90 % من السكان مع اقليات من المذهب اليعقوبي السوري واليهود والصابئة والمذهب المانوي البابلي. اما نينوى فقد كثر فيها ايضا اتباع المذهب المسيحي الشامي ( اليعقوبي) بحكم علاقتها الخاصة مع الشام.
خلال اكثر من 11 قرن غابت تماما اية دولة عراقية، وتحول فيها الوطن الى ساحة للحروب وللمنافسة وثورات وتمردات فاشلة قام بها العراقيون. رغم السيطرة الايرانية الغالبة، الا ان الرومان والبيزنط عندما كانوا ينجحون احيانا باجتياح العراق كانوا ينتقمون من العراقيين قتلا وحرقا لمدنهم. فالامبراطور الروماني (تريانوس) بعدما فتح (المدائن) سنة(115م) اضرم لهيب الاضطهاد في العراقيين واهلك منهم الكثيرين.
لكن رغم الضعف السياسي العسكري للعراقيين ، فأن اهل النهرين قد تمكنوا من الحفاظ على هويتهم السكانية والثقافية والدينية المتميزة عن إلايرانيين والاغريق. وقد تعرضت الثقافة العراقية الى تغيير جذري من الناحيتين، اللغوية والدينية. واكبر دليل على عمق الهوية العراقية وتجذرها، ان هذا التغيير اللغوي والديني لم يأتي بـتأثير القوى الايرانية والاغريقية المهيمنة، بل هو تطور داخلي طبيعي. من الناحية اللغوية، فقد حلت اللغة الآرامية (العراقية الشامية) محل اللغة الاكدية، وهاتين اللغتين قريبتين لبعض فهن من نفس الاصل. وقد فرضت الآرامية نفسها من خلال الكتابة الابجدية(الحروفية) التي اخترعها الشاميون وحلت محل الكتابة العراقية المسمارية(الرمزية) التي لم تعد تواكب العصر. اما من الناحية الدينية فقد صمد العراقيون بوجه التأثير الايراني المجوسي والديانة الاغريقية، وظلوا محافظين على ديانة اسلافهم (عبادة الكواكب) حتى القرن الاول الميلادي، حيث بدأت تحل بالتدريج الديانة المسيحية الشامية. لقد بلغت قوة العراقيين الحضارية انهم فرضوا الكثير من ميراثاتهم الثقافية على المحتلين انفسهم. إذ تحولت اللغة الآرامية (السريانية) لغة الثقافة الأولى في الامبراطورية الإيرانية نفسها، وانحصرت اللغة الفارسية (البهلوية) في البلاط الحاكم ورجال الدين المجوس. بل ان الايرانيين اقتبسوا الابجدية السريانية لكتابة لغتهم البهلوية، بعد تخليهم عن الكتابة المسمارية العراقية ايضا!
ومع انبثاق المسيحية في بلاد الشام في القرن الأول الميلادي، بدأت بالتدريج تتسرب الى العراق من القسم الشمالي (الرها ونصيبين) ثم نينوى وكرخاسلوخ (الاسم السرياني لكركوك) حتى ولاية بابل ومنها الى ولاية ميسان والبصرة والاهواز في الجنوب . ولم يمضي القرن الرابع الميلادي حتى اصبح المسيحية ديانة الغالبية الساحقة من العراقيين وتكونت الكنائس في جميع القرى والمدن العراقية. وكانت هذه المسيحية مصحوبة بتيارات عرفانية(صوفية)، قادمة من الشام ومصر، مع بعض التأثيرات الإغريقية. كان هناك ايضاً تواجد مهم لطوائف يهودية نشطة في انحاء النهرين، بالاضافة الى الصابئة الذي يعتبر اول دين(عرفاني ـ غنوصي) ممهد للديانة المسيحية. كذلك تعتبر (المانوية) لمؤسسها (النبي ماني البابلي)اهم الطوائف العراقية التي نجحت ان تنافس المسيحية، وتمكنت ان تصبح ديانة عالمية مقرها في بابل.
يمكن تقسيم هذه الفترة الطويلة الممتدة خلال (11) قرن، الى حقبتين:
يتبع في الجزء الثاني بإذن الله
د.غالب المسعودي-حاوره عبد علي حمد الجنابي
مبدعون
غالب المسعودي.. الطبيب المتعدد المواهب
أجرى الحوار
عبد علي حمد الجنابي
--------------------------------------------------------------------------------
رائد من الأوائل في طب وجراحة الفكين والأسنان ، طبيب خرج على المألوف الطبي ، والخروج له محاذيره وتداعياته التي غالبا ما تكون سلبية ، وغالب المسعودي الذي غالب عدة مواهب ، توغل فيها وغاص بعمقها فأصبح متميزا في كل تلك المواهب حتى صار يشار اليه بالبنان ، والرسم واحدة من تلك المواهب التي تعامل معها باندفاع وفاعلية منذ نعومة أظفاره وهو تلميذ في الصف الأول الابتدائي عندما أثارت إحدى لوحاته دهشة معلم الرسم الذي قرر إشراكه بمعرض النشاط المدرسي .
صحتك إلتقت الفنان الدكتور غالب المسعودي في داره الفارهة التي ضاقت ذرعا بمئات اللوحات الفنية والمؤلفات والكتب والمنحوتات ذات القيمة الفنية العالية ، وشتى الفنون الأدبية والثقافية التي يصعب حصرها.
كيف تأتى لك معرفة كل هذه المواهب وممارستها؟
- لأن فهمي للإنسان ليس كما يفهمه غيري ، فالانسان خارج حالته البيولوجية منبع للعطاء والبناء والابداع والفكر وليس هناك مساومة لفهمي له.
- هل ان الدراسة الواسعة والقراءة المستمرة والمتنوعة صقلت شخصيتك بهذا المستوى؟
- ليس ذلك بالضرورة ، واني لم أكن مطالعا جيدا لما في بطون الكتب ، ولم أكن باحثا في دهاليزها. - وغير الرسم ماذا عن مواهبك ونشاطاتك الأخرى؟
- اللغة والخط العربي ، وفي اللغة وجدت لغة الضاد بأنقى حالاتها في فترة ما بين عصر الجاهلية وعصر صدر الاسلام ثم بدأت النقاوة بالهبوط والانكسار تدريجيا في العصر الأموي والعباسي وصولا الى تاريخنا الحديث والمعاصر .
- والخط ، هل غازلته يوما؟
- انا من عشاق الخط ولكنني لست كلاسيكيا وأنجزت عدة مخطوطات في الخط العربي.
- هل مارست الخط بشكل معلن؟
- انا مستمر بممارسة الخط حيث وجدت ابن البواب قد أجاد وحامد الأمدي قد أرسى دعائم الخط ثم هاشم البغدادي الذي وضع لمساته ليكون بذلك سيد الخطاطين العرب.
- متى تعلمت الخط ؟
- تعلمته وانا تلميذ في الابتدائية حيث أتقنت خط الرقعة ثم تدربت على الأنواع الأخرى وأجدت في النسخ والإجازة والثلث.
- هل ترى نفسك كخطاط مع مدرسة هاشم البغدادي؟
- كانت بداية انطلاقي من هذه المدرسة واستطعت ان أجانس بين الفن التشكيلي والقواعد إذ نجحت بفضل الله بإنشاء مدرسة فنية جديدة أسميتها مدرسة (حروفية التحدي) وهي عبارة عن جمع فني بين الخط والتشكيل والرسم والكتابة ، وهي بمثابة تلاقح ما بين الحروف المسمارية والحروف العربية المعروفة وقد أصبحت مدرستي متداولة عالميا بفضل شبكة الإنترنت ومن خلال أحد مواقعي ، ومن خلال هذه المدرسة استطيع القول بأنني تمكنت من كسر القواعد التقليدية المتبعة والخروج بالحرف الى فضاء جديد أكثر ندية حيث يكون للحرف دورا بارزا ومكملا للوحة تجريدية كانت او انطباعية على حد سواء.
- وماذا عن تذوقك للخط ؟
- في الواقع تراني عندما أسير أركز بالنظر على ما مكتوب ومخطوط في الأزقة والشوارع والأسواق والأبنية العامة لأمرين أولهما دقة وجمالية وهندسة ورسم الحرف والأخر معنى المخطوطة .
- هل هنالك مصاعب تواجهك أثناء رسم لوحة تعبيرية .
- ليس هنالك صعوبة محددة لأنني أدخل اللوحة من أصعب أماكنها، وعندما أجتازها لا يبقى سوى المناطق اليسيرة.
- يقال ان النحت من أصعب الفنون ، كيف تراه أنت؟
- النحت ليس صعبا ، لكنه يتطلب بعض الجهود العضلية كالطرق والنقر والحك وما الى ذلك. لكن الصعوبة تكمن في اختيار الألوان فهي من أدق الأمور الفنية والتي يمكن ان تغير كثيرا في معنى اللوحة مثلا :لوحة تشكيلية اللون الأصفر فيها بقدر حبة الحمص فلو لم أضعه في لتغير معنى اللوحة بالكامل .
وعند مشاهدتنا لعدد من اللوحات كان واضحا عليها بروز المعالم المسمارية التي ظهرت جليا في الكثير من اللوحات ذات الأسلوب البابلي وكان استخدام اللون بشكل بانورامي بارز وبأسلوب نحتي أخاذ.
- حضور بابل في لوحاتك يدفعنا بالسؤال عن ماذا تعني لك بابل؟
- بابل أنجزت حضارة للدنيا بكل تفاصيلها ومضامينها حيث اشتغل البابليون بالتدوين والكتابة اللتان هما روح التاريخ والثقافة ثم شرّعوا القوانين فكانت مسلة حمورابي خير شاهد على التدوين الحضاري للقانون ، وفي بابل أبتكرت وسائل كثيرة للطب والصيدلة والفن المعماري المتمثل بالقصور والمعابد ونحتوا أسد بابل بأسلوب رصين صمد بوجه أعتى الضروف وأقساها وعلى مدى آلاف السنين .
ثم اختفى الدكتور غالب المسعودي فجأة ، وبعد برهة وجيزة عاد حاملا معه مجسم نحتي صغير لأسد بابل تتمثل فيه الدقة والروعة والجمال والإبداع وحتى قاعدتع المستطيلة المائلة كان قد زينها بحروف مدرسة (حروفية التحدي) وهي قصيدة رائعة يمكنك قراءتها رغم ميولها المسمارية ..
وأجول بنظري في باحة الدار الممتلئة بما يخلب اللب من ابداعات وأكياس لا تسعها الدار من آلاف المقالات الصحفية ومئات اللوحات وعشرات المؤلفات والكتب وعشرات القطع النحتية وأعمال فنية أخرى كثيرة تستفزك ان تستفسر عنها .
- كل ما رأيته واطلعت عليه من أعمال ونتاجات مضافا اليه دوامك الرسمي اليومي في المستشفى وعملك في العيادة المسائية وانجاز اعمالك الأخرىووقت راحتك ، كيف تقسم ساعات يومك وسط هذا الخضم ؟ وهل هنالك أزمة وقت تعيشها لأنجاز كل تلك المفردات اليومية؟
- لم أمر أبدا بأزمة وقت حيث قمت منذ أيام حياتي الطلابية وحتى أصبحت طبيبا بترشيد وقتي واستثماره بشكل محسوب .
- ومع ذلك فأعمالك تتطلب متسعا من الوقت لإنجازها لا يكفيه وقت الانسان الاعتيادي. - هذا صحيح ، لكنني أنام من اليوم الواحد ذو الأربع وعشرين ساعة ثلاثة ساعات فقط والأحدى وعشرون ساعة المتبقية تتوزع بشكل انسيابي بين الدوام والعيادة المسائية وأعمالي التي أمارسها، حيث انني على قناعة تامة بأن ثلاثة ساعات نوم كافية لإعادة وتنشيط خلايا الجسم البشري للإحدى وعشرين ساعة المتبقية.
- وماذا أنجزت على الصعيد الطبي الذي هو مهنتك الأساسية؟
- انا الآن الرائد الأول في اختصاصي في محافظة بابل، حيث نلت شهادة البورد في طب وجراحة الفكين والأسنان ، ولم يحصل عليها أي طبيب في بابل من حيث الريادة.
- هذه الأعمال والفنون بكافة تنويعاتها لا تخلو من حس موسيقي مرهف.
- نعم انا عازف موسيقي ، وعلى صعيد الموسيقى في التاريخ، فالبابليون برعوا بذلك والعراق قديما وحديثا بلد الموسيقى الجميلة وبلد الألحان والملحنين ، ولعل أبرزها تلك التي صيغت في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، وتلك الفترة بحق هي فترة العصر الذهبي لمدرسة الغناء العراقي الأصيل .
ويضيف الدكتور المسعودي قائلا : باكورة الإبداع الموسيقي هو الملحن العراقي أذكر منهم أصحاب الريادة عباس جميل ورضا علي وفاروق هلال وغيرهم ولعل أكثرهم وقعا على النفس كان ذلك الشاب (في وقتها) الاستاذ الملحن كوكب حمزة الذي أجاد في موسيقاه ولحن للعديد من المبدعين الرواد مثل فؤاد سالم وحسين نعمة وسعدون جابر وفاضل عواد ومائدة نزهت ورياض أحمد وغيرهم وهؤلاء هم أركان تاريخ الغناء العراقي المعاصر ولكن للأسف فالمبدع العراقي طورد وهجّـر وحكم عليه بلإعدام غيابيا، وبقيت الساحة الإبداعية فارغة .
- ما آخر أعمالك؟
- ليس لي عمل أخير ما دامت هنالك شمس وفرات وإرث حضاري ونخيل .
- من من المبدعين وضعوا بصمتهم في ذاكرة المسعودي ؟
- بإختصار المتنبي والجواهري إثنان لا يقهران ،ومن النحاتين والادباء جواد سليم ،علي جواد الطاهر، جبار الكواز ، وغيرهم.
- ما جديدك الأدبي؟
- أصدرت ثلاثة دواوين شعرية هي: قصائد حب الى ايساكيلا ، فصول الى ننماخ ، عندليب من الجنائن المعلقة.، بالاضافة الى قصائد شعرية مترجمة الى الإنكليزية فضلا عن مرستي (حروفية التحدي) ومدرستي أقرب الى التجريد التعبيري.
الأحد، 2 يناير 2011
اما اتاتورك او جودو-سيد القمني
http://quemny.blog.com/إما أتاتورك أو جودو
العلمانية هي الترجمة العربية للمفردة الإنجليزية (سيكيولاريزم) ، و مقابلها الفرنسي (لاييك). و هي بفتح العين تعني الدنيا أو العالم المحسوس الدنيوي الأرضي الذي نعيش فيه ، أي أن اهتمامها يركز على هذا العالم المرئي لتطويره و اكتشاف قوانينه و السيطرة عليه من أجل صالح الفرد و المجتمع و الإنسانية جمعاء لانه محل معاشها و لا سبيل للتعامل معه إلا بأدواته ، و هذه الأدوات يلخصها لفظ العلمانية بكسر العين ، أي العلم كمُنتًج و فعل عقل بشري في الواقع الحسي. حيث ثبت أن مجال الدين و عالمه لم يستطع أن يفعل هذا في الواقع لاختلاف منطقه عن منطق العالم الدنيوي ، ففي العالم الإلهي يجوز كسر كل القواعد التي لايمكن كسرها في عالمنا الدنيوى ، لأن منطقه كن فيكون دون ترتيب منطقي حسبما نفهم عن المنطق في عالمنا الدنيوي لذلك كانت نتائج محاولة تطبيقه على الواقع الدنيوي سلبية دوما ، و لم يستطع أن يقدم لهذا الواقع حلولا لمشاكله بل زاد هذه المشاكل و عقدًها ، و دخلت الإنسانية حروبا دينية كانت هي الأعنف و الأكثر دموية في تاريخ البشرية.
و بنظرة بسيطة إلى ما حققه العلم منذ وضع فرنسيس بيكون أصول منهج التفكير العلمي ، نجده قد حقق في قرنين مالم تستطع كل النبوات تحقيقه ، و أصبح الإنسان اليوم يعيش خير القرون أما أعظم القرون فهو الاّتي و ليس الماضي ، بعد أن قضى المنهج العلمي في التفكير على الأمراض الوبائية الفتاكة التي كانت تُبيد نصف البشرية في كل مرة ، و على المستوى الاجتماعي انتهى إلى تصالح طوائف و عناصرالمجتمع في عقد إجتماعي يرعى الصالح العام للجميع على التساوي أمام القانون ، و على المستوى القانوني تم إرساء مبادئ حقوقية هي الأرقى بالمطلق من كل ما جاءت به النبوات من تفريق و تحزيب بين أطياف المجتمع. ناهيك عن المُخترَعات و الكشوف التي وسًعت نظرة الإنسان للكون و يسًرَت حياة البشر ليعيشوا رفاهية لم ينعم بها أحد من الأنبياء ذاتهم.
و من ثم فإن العلمانية بفتح العين أو بكسرها مصطلح واحد لمعينين لا ينفك أحدهما عن الاّخر ولا يقوم أحدهما بدون الأّخر.
و في زمن سيادة الفكر الديني ، كان كل دين يرى أن رَبَه هو الرب الحقيقي و يعترف بأرباب أخرى لكنه يراها إما زائفة و إما لا ترقى لمستوى رب هذا الدين ، موسى كان يناجي ربه “من مثلك بين الاّلهة يارب” ، ووصايا الرب التوراتي لعباده:”لا تجعل لك اّلهة أخرى أمامي” ، و المسيحية أنهت المسألة بضربة لازبٍ عندما أنزلت الإله بنفسه إلى الأرض ليُنهي زمن النبوات بحضوره الشخصي ، و عداه بعد ذلك أنبياء كذبة يدعون إلى اّلهة كذبة.
الإسلام تحدث عن اللات و العُزى و نَسرا و يعوق و ود وسواع و اّلهة أخرى ، لكنه راّها لا تنفع و لا تضر و لا يوجد إله واحد صحيح سوى الله رب الإسلام. و خلال التاريخ كانت الأوامر الدينية تُحرض أتباعها ضد أصحاب الأديان الأخرى ليقتتلوا فيما بينهم لينصر كل منهم إلهه ، أو ليستعيد أصحاب دين أراضيهم المقدسة التي يعيش فيها أصحاب أديان مخالفة لهم ، دون ان يفكر هؤلاء الأتباع لماذا تكلفهم اّلهتُهم بذلك ، فالاّلهة جميعا في عالم ميتافيزيقي واحد مفارق و يمكنها إنهاء مشاكلها في عالمها مع بعضها دون معونة بشرية ، فتتقاتل و يذبح بعضها بعضا حتى لا يبقى سوى إله واحد للجميع و تنتهي المشكلة. بل ان هذه الأديان انقسمت فرقا و شيعا و مذاهب أدت إلى مزيد من بحور الدم البشري المُراق لأجل عيون الاّلهة و الأحبار و الباباوات و الفقهاء و الخلفاء ، كل الأنبياء جاءوا للبشرية بمعجزات لم يحدث أن نفعت البشرية في شئ ، كانت كلها استعمال مرة واحدة ، فلا بقيت عصا موسى لنشق بها الأنهار و نُفجر العيون ، و لم يُنشئ المسيح مستشفى واحدا رغم براعته الطبية (حسب الرؤية الإسلامية له كنبي بارع في الطب) ، و لم يعلم تلامذته هذه البراعة ، و الإصرار في بلادنا على تطبيق معطيات الدين على حياة الناس و المجتمع و السياسة و الاقتصاد و المعرفة طبا و هندسة و فيزياء و كيمياء..الخ ، لا يرى أن منطق عالم الدين و اللاهوت يختلف بالكلية عن منطق عالم الدنيا ، و يعرفونه بأنه عالم الغيب ، و مع ذلك يبحثون في هذا الغيب الغائب و يضعون المصنفات مجلدات تملأ أرفف المكتبة العربية دون أن يحقق ذلك في واقعنا سوى العيش في أوهام لا علاقة لها بمطالب الدنيا و المجتمع الأنساني. كلها عن الله و صفاته و شكله و الملائكة و الجان و العرش والسراط وعذاب القبر و الجنة و درجاتها و جهنم و صنوفها ، و كله مما لا يمكن الحديث عنه لعدم وقوعه تحت إدراكنا .
في المنطق اللاهوتي يمكن لعصا سحرية أن تشق البحار و تفجر العيون ، و يتحدث النمل و يفهم سليمان قولها و يتبسم منه ، و تحبل الصخرة و تلد ناقة الله و فصيلها معها ، و تَبيد الشعوب العاصية بصيحة ، و طيور تُلقى بحجارة من سجيل ، و حصان بجناحين يحمل النبي لبيت المقدس ، و سلم من نور يعرُج منه النبي إلى السماوات و يعود و لازال فراشه دافئا ، هذا كله يخرج بالكلية عن منطق عالمنا الدنيوي ولا تستطيعه سوى الآلهة. فإذا أمكن لأهل الدين ماداموا هم العارفين بأسرار السماء و يريدون تطبيق قولها المقدس على الأرض ، أن يستعيدوا لنا الأهم من القطع والجلد والسلخ ، مثل العصا السحرية لإكثار الخيروتحويل الأراضي المقدسة من بلاقع صحراوية إلى جنات تجري من تحتها الأنهار ، و أن يجعلوا الصخور تلد نوقا ، و ان يتمكنوا من إشفاء الأكمة و إحياء الميت و أن يسخروا الجن لإعمار الأرض كما فعل سليمان ، أو أن يستعيدوا بساط الريح باعتباره جميل ومُريح (رحم الله فريد الأطرش) !! وحتى نستغني عن الطائرات و كوارثها و إزعاجها و تكاليفها ، أو يأتونا بالبراق ليستخدمه أولي الأمر منا والمشايخ في ترحالهم كركوبة أصيلة من تراثنا وغير مستوردة ، يكونوا قد أكدوا لنا إمكانية تطبيق المنطق الإلهي الديني على الأرض ، و تكون لهم السيادة دون أن يعترض مٌعترض ، و هو ما لا يمكن حدوثه لاختلاف المنطق الإلهي الذي يمكنه بالقدرات الربانية أن يفعل ما يشاء ، عن منطق الحياة الدنيا التي تعتمد على الدرس و الملاحظة و التجربة و الخطأ و التعلم من الخطأ لتلافيه مستقبلا ، فليس فيه شئ ثابت أو مٌطلَق الصحة كما في عالم الألوهية الثابت لا يريم حراكا أو تغيرا وسبحان من يغير ولا يتغير !!! .
لقد كرًس صاحب هذا القلم عمره من أجل تقديم قراءة للدين الإسلامي تؤدي لتخلصه مما يكبل المسلمين عن اللحاق بالدول الحرة الكريمة ، دون ان يؤدي ذلك إلى أي خسائر لما هو عزيز في الدين على نفوس المسلمين ، و يُرضى كل الأطراف الدينية الأخرى تقريبا ، فكان أن تلقى ردودا أسوأ من أي مواقف تقف ضد الإسلام صراحة و بوضوح وتبخسه وتسفهه ، فنحن إزاء تجار دين لن يتنازلوا عن فريستهم من شعوب بلادنا ، و هي شعوب تم تزييف وعيها فلم تعد ترى سوى فكر واحد (إن كان يصح تسميته فكرا) و عداه هو باطل الأباطيل و قبض الريح ، وتكلست مفاصل الفهم و تحجرت العقول و القلوب ، و انتكسوا إلى المرحلة البدائية ، إلى زمن التقرب للاّلهة بدم الأضاحي البشرية.
تصورتُ لزمن طويل أهدرت فيه جهداً و عمراً من أجل إرساء مدخل لإصلاح الإسلام من داخله ، لكن في ظل تغول السلطات الدينية و السلطات السياسية المتحالفة مع رأس المال ، و استثمار السلطة السياسية لهذا المناخ الديني و تقويته و دعمه لمزيد من استمرار وجودها على رقبة الفريسة و كل منهم يريد نصيبا أكبر ، فلا حل عندي الاّن سوى أن يظهر في بلادنا اتاتورك عربي ، و هو ما كنت أرفضه حتى وقت قريب إيمانا مني بوجوب أن يبدأ الأصلاح من أسفل و بالناس. لكن ما وصلنا إليه من فساد و انهيار و تعدد المفترسين ، و قبل أن يصبح البشر في بلادنا مجرد كائنات بدائية قياسا على عالم إنسانية مختلف عنا يتباعد عنا كل ليلة بمسافات ضوئية ، فإن أتاتورك عربي يصبح المطلب الراهن و المُلٍح ، و هو بدوره مالا نرى عليه أي علامات في المستقبل المنظور. بعد أن اخترق الإسلام السياسي أجهزة الشرطة و جهاز القضاء و جهاز الإعلام و جهاز الخارجية و الجيش ، و لم يبق مفصل في الوطن إلا و انيابهم مغروسة فيه بتحالف مطاط مع الانظمة السياسية الحاكمة و أصحاب رأس المال من كبار التجار و كبار المشايخ و كبار الراقصات مدا و جذرا بينهم ، لو كان شعرة ماانقطعت. و نظل نحن الفريسة التي استساغت العبودية ، أواستسلمت للضواري كل منها يمسك بعضو في جسدها ، و لم تعد تطمع سوى في مكان بالجنة أو بالنار ، لا فرق. المهم الخروج من هذا العالم الذي هوالجنة في بلاد الحريات و هو الأشد من الجحيم فى بلادنا المؤمنة
أتاتورك
ولأني علماني لا أومن بحتميات ويقين لا يتغير ، فإن التغير يظل احتمالا للاستمرار في الحياة ، ورغم هذا السواد والقتامة وتحول جهلاء السوقة الى علماء الأمة دون بصيص نور في الأفق المنظور ، فإن مثلي لايستطيع التوقف عن العمل والتخلي عن الحلم ، فبدون هذا الحلم لايكون هناك معنى للوجود أصلا ، إضافة إلى الجانب الشخصي فإني لوتوقفت عن الاهتمام بقضية الأوطان والحقوق واستمرار الخوض في أوكار الثعابين بما أكتبه فإني ميت حتما كسيراً محسوراً. وهو مالا أرضاه لنفسي ولا لقرائي الذين هم سر الاستمرار أملا فيهم بعد رحلة العمر الطويلة. حتى نمهد الطريق لأتاتورك عربي ، أو بانتظار متغيرات مفاجئة في مسار الأحداث العالمية ، متغيرات إعجازية غير متوقعة كإعجاز بن لادن في سبتمبر 2001 بما يدفع العالم كله للتكاتف ضد هذا الوحش المنفلت ، وبما نعمل نكون مستعدين لهذا الآتي بما يؤدي للتغيير في بلادنا ، أو لا يحدث لاهذا ولا ذاك وننتهي بالخروج من دائرة النوع المسمي بالإنسانية ، ونكتشف أننا كنا طوال هذا العمر والجهد ننتظر جودو …. الذي لايأتي .
Posted by المجموعة الليبرالية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)