الخميس، 21 أكتوبر 2010

الشاعر السيد جعفر الحلي وقامة الرشأ المهفهف-حامد كعيد الجبوري


الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي
و قامة الرشأ المهفهف
حامد كعيد الجبوري
أبو يحيى السيد جعفر بن حمد بن محمد حسن بن كامل بن منصور بن كمال الدين ، ينتهي نسبه الى الحسين ذي الدمعة ، الى الحسين بن علي أبن أبي طالب عليهم السلام ، وتسمى عائلتهم بالحلة الفيحاء بآل كمال الدين ، ويسكن أجداده بقرية السادة التي تبعد عن مركز الحلة الفيحاء بحوالي كيلو متران تقريبا .
ولد الشاعر السيد جعفر الحلي سنة 1277 هجرية ، وتوفي سنة 1315 هجرية وعمره ثمان وثلاثون سنة هجرية ، ومعلوم أن السنة الهجرية تقل عن السنة الميلادية باثني عشر يوما ، ونحن الآن بسنة 1431 هجرية ، بمعنى أن السيد جعفر الحلي توفي قبل مائة وستة عشر سنة ودفن بالنجف الأشرف .
ولادة الشاعر المعروف السيد حيدر الحلي عام 1246 هجرية ، بمعنى أن السيد جعفر الحلي ولد وعمر السيد حيدر 31 سنة ، وتوفي السيد حيدر الحلي قبل وفاة السيد جعفر الحلي بأحد عشر سنة أي بسنة 1416 هجرية ، وكل هذه المقارنة والتواريخ الهجرية لنتعرف كم عاش السيد جعفر الحلي كشاعر مع السيد حيدر الحلي ، فلو افترضنا بزوغ فجر شاعريته وشهرته – السيد جعفر - بعمر العشرون سنة فننتج أنه عاش مع السيد حيدر الحلي كشاعر يشار له أكثر من عشر سنين قليلا ، وهذه العشر سنين كانت ثقيلة على كُبّار شعراء ذلك العصر ، فالسيد جعفر الحلي بدأ يسرق الأضواء ويسحبها نحوه بمختلف المجالس والمنتديات الثقافية التي تعقد ببيوت مراجع الدين آنذاك .
يتحدث الأستاذ الباحث والأديب الشيخ محمد علي اليعقوبي ببابلياته عن شاعرنا السيد جعفر الحلي ويقول عنه بأنه شاعر كثير النظم ومجيد بأغلب ما كتب من الشعر ، وكان يحاكي أو يقتبس أو يضمن بعضا من قصائده ممن سبقوه سواء الشعر الجاهلي وصولا لشعراء جيله ، وقد قرأت ما أورده الشيخ اليعقوبي فوجدت أن الصور التي أتى بها السيد جعفر الحلي تختلف عما ذهب إليه الشيخ اليعقوبي برأيه المحترم ومثلا لذلك
درت الخطوب بأنك أبن جلاها ... ولثغر كل ثنية طلاع
يقول الشيخ اليعقوبي بأن ذلك مأخوذ من سحيم بن وثيل الرياحي الذي يقول
أنا أبن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
ولا أدري هل لذكره أبن جلا علاقة بالموضوع فالبيت الذي يذكره السيد جعفر لا يشبه بمعناه ما أراد الشاعر الرياحي ، وكذلك يؤاخذ السيد جعفر الحلي لأخذه عجزا كاملا من قصيدة الشاعر الشيخ كاظم الأوزري الذي يقول
وأقبل النصر يسعى نحوه عجلا ... مسعى غلام الى مولاه مبتدر
ويقول السيد جعفر الحلي
قد أقبلت نحوه تسعى على عجل ... ( وأقبل النصر يسعى نحوه عجلا )
ويذهب الشيخ اليعقوبي لأكثر من ذلك ، ولست هنا منتصرا للسيد جعفر الحلي ولكني لا أجد فيما قاله السيد جعفر الحلي مع الشاعر أبو فراس الحمداني بشئ من صلة ، وهناك أكثر من حديث بهذا الإتجاه ، وأنا أرى أن ما جاء به السيد جعفر الحلي غير ما جاء به ابو فراس الحمداني ، يقول السيد جعفر الحلي
الحب للرجل البعيد مقرب ... والبغض للرحم القريب مبعد
في ما يقول الشاعر أبو فراس الحمداني
كانت مودة سلمان له رحما ... ولم تكن بين نوح وأبنه رحم
وأورد الشيخ اليعقوبي رحمه الله الكثير من هذه التناصات التي أجد أنها أتت من غير باب أتى بها السيد جعفر الحلي رحمه الله .
كان السيد جعفر الحلي ذكيا وقارئا نهما لسيرة من تقدمه من الشعراء ، ومتابعا ومتتبعا لأخبار الأولين وأحاديثهم ، وترك الحلة الفيحاء وهو بعمر الخامسة عشر سنة ليتجه صوب النجف الأشرف حاضرة العلماء ومنجبة الشعراء، ودرس الفقه والشريعة على يد والده وأخوته وكبار علماء عصره كالشيخ عباس بن الشيخ علي كاشف الغطاء ، والشيخ محمد طه نجف ، وكان السيد جعفر سريع البديهة يرتجل البيت والبيتان بأحايين لا تحصى ، وكان يداعب أصدقائه شعرا ، وأن ذهب لزيارة أحدهم ولم يجده يترك له أكثر من بيت يستحضره آنيا ، ويقول الشاعر الشيخ السماوي عنه ، كتبت قصيدة وقرأتها على مسامع السيد جعفر الحلي وقلت فيها
فلو أشكو الذي لا قيت منها ... الى جبل لهال على الرمال
ولو أشكو الذي لا قيت منها ... لدهري رق لي ورثى لحالي
وأكملت قصيدتي له ، فقال لي – السيد جعفر - أستمع لي بعد أن أبدلت قافية قصيدتك الى حرف السين ،
فلو أشكو الذي لا قيت منها ... الى جبل لدكدك وهو راسي
ولو أشكو الذي لا قيت منها ... لدهري رق لي ما كان قاسي
فأعقبه الشيخ السماوي مجاريا إياه
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...الى وعل لخر من الرواسي
فقال السيد جعفر الحلي
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...الى عمرو لظل بغير باس
فقلت مجاريا له
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...الى الحنفي بات بلا قياس
فقال السيد جعفر الحلي
ولو أشكو الذي لا قيت منها ...لإبراهيم بات بلا جناس
وضحك الإثنان وأوقفا هذه المجاراة ، وإبراهيم المذكور شاعر صديق لهما يشغف بالجناس ، ومن أجمل ما يروى عن سرعة بديهيته أنه كان يدرس بإشراف أحد الأساتذة بالشريعة مع صحبة له ، ومن المعتاد تعطيل الدروس الفقهية في شهر رمضان نهارا وتعطى عوضا عنها بعد الفطور عشاءا وبصحن أمير المؤمنين (ع) ، وكانت الحضرة العلوية غير معبدة بالآجر بل كانت عبارة عن أرض رملية ، وأثناء المحاضرة نهض الأستاذ مذعورا لوجود شئ ما تحته ، وحين نهوضه فإذا هي أفعى ذهبت حيث تريد دون أن تمس أو تلسع الأستاذ ، نظر السيد جعفر لذلك وأنشأ قائلا
لا تحسبوا حية الأرض التي التصقت ... في حجر سيدنا رامت به فزعا
لكنها من صنوف الجن مذ سمعت .... بالوحي يتلى فجاءته لتستمعا
ولم يملك الأستاذ إلا أن يخلع عباءته ويهديها للشاعر الحلي السيد جعفر ، ومرة أخرى رأى جمهرة من الناس وهي تصوب بصرها نحو السماء ، فرفع رأسه معهم ليشاهد صقرا مفترسا يطرد حمامة يتعقبها وهي تحاول الهروب من مخالبه القاتلة ، وبدون وعي أو بوعي رمت بنفسها من سماءها العالية صوب قبة أمير المؤمنين علي (ع) ونجت من موت محقق ، لأن الصقور تخاف أن تطير قريبة من الأرض ، كانت هذه الصورة مدعاة لأن يقول السيد جعفر الحلي هذان البيتان ،
جاءت سليمان الزمان حمامة ... والموت يلمع في جناحي خاطف
من علم الورقاء أن محلكم ... حرم وأنك ملجأ للخائف
ويروى أن السيد جعفر الحلي رحمه الله كان حاد الطبع لا يترك له حقا إلا أخذه ، ومع حدة طبعه كان لينا ويتعامل بالسيئة أن بدت بالحسنة ، متأسيا بأجداه عليهم السلام ، وفي هذا الباب يقول
جازِ الإساءة بالإحسان أن صدرت ... من أمرءٍ زلة تدعو الى الغضب
سجية النخل من يضربه في حجر ... جازاه عن ضربه بالبسر والرُطب
كذلك الصدف البحري أن فلقوا ... أعلاه كافأهم باللؤلؤ الرَطِب
وإن تكررت الإساءة وتكرر العفو لأكثر من مرة عد تخاذلا ومضيعة للحقوق ، ونرى ذلك مجسدا ما دار بينه وبين أحد مراجع الدين آنذاك وهو السيد إبراهيم ، وكان السيد إبراهيم يأخذ دروسه منه ويصلي خلفه ، ومعلوم أن طلبة العلم آنذاك ليس لديهم ما يسد رمقهم إلا القليل ، ورأى يوما خادما للسيد إبراهيم يحمل قفصا مملوء بالديكة ، فقال للخادم لمن هذا القفص ، أجابه الخادم إنه لسيدي إبراهيم لأنه لا يأكل من الدجاج إلا الديوك ، ولهذه الحادثة أمتنع السيد جعفر من الصلاة خلف السيد إبراهيم ، بعد مدة أسمعه أستاذه السيد إبراهيم عتبا لعدم حضوره صلاة الجماعة معه ، فأجابه السيد مرتجلا هذه الأبيات
أحب أن أصلي كل يوم ... وراءك في العشي وفي الغداة
ولكن ليس لي في البيت ديك .... ينبهني لأوقات الصلاة
وأستمر الخلاف بينهما وترك دروس هذا الأستاذ بل وبدأ يكتب قصائده ضده محرضا الطلبة – طلبة العلم – لتركه وترك درسه ويقول
يا مرسلا فضل العمامة خدعة ... أصبحت ذا فضل على إبليس
خشنت ثوبك كي تنعم زوجة ... لبست بزهدك حلية الطاووس
أن كان كل مقدس هو هكذا .... يا رب فحفظنا من التقديس
ومعلوم أن رجال الدين سابقا ولا حقا لهم سلطة كبيرة ، ومن خلال هذه السلطة فقد هدر السيد إبراهيم دم الشاعر السيد جعفر الحلي ، بسبب هذه الأبيات ، ومعلوم أيضا أن هناك الكثير ممن يود التقرب لله من خلال هؤلاء العلماء ، فلذا أصبحت حياة السيد جعفر الحلي مهددة من قبل العامة لتنفذ أمر مرجعها ، لذا هرب السيد جعفر الحلي عائدا لمسقط رأسه الحلة الفيحاء وخلع عمته ولبس الكوفية والعقال ، بعد أيام قليلة قرر السيد جعفر الحلي العودة للنجف لجلب عائلته وأطفاله ، وليلا دخل لزقاق داره ، والزقاق مغلق لا يفضي لشارع أو زقاق آخر ، وهو يحمل بيديه أمتعته البسيطة ومن خلفه زوجته وأطفاله فإذا بسراج يسير خلفه السيد إبراهيم الذي هجاه شاعرنا ، وما هي إلا لحظات وأستل مرافقو السيد إبراهيم – المرجع – سيوفهم للإجهاز على الشاعر السيد جعفر تلبية لنداء المرجع الفقيه ، وقربة الى الله تعالى بتنفيذ تلك الفتوى الظالمة ، لم يكترث السيد جعفر الحلي بالذي رآه وتقدم صوب المرجع ، أشار المرجع للسيافين بعدم تنفيذ شئ ، وصل السيد جعفر قبالة المرجع مرتجلا هذه الأبيات
رأيت ( إبراهيم ) رؤيا بها ... أضحى ك ( إسماعيلها ) جعفر
ها آنذا جئتك مستسلما ... يا أبتي أفعل بيّ ما تؤمر
نزلا هاذان البيتان بقلب المرجع مباشرة وقال للسيافيين ، أتركوه إنه ينحت من قلبه ، بمعنى أن عمره قصير بسبب هذه الإرهاصات الشعرية التي لا يقدر عليها أحد ، وفعلا مات السيد جعفر الحلي عن ثمان وثلاثون سنة هجرية ، والأبيات التي قالها الشاعر الذي عدّ المرجع السيد إبراهيم وكأنه النبي إبراهيم الخليل (ع) ، وجعل نفسه – الشاعر – بمثابة النبي إسماعيل الذبيح ( ع ) ، وهنا أدرك السيد المرجع بأن الله لم يأمره بذبح السيد جعفر الحلي لذا وهبه حياته .
ومن طريف سرعة بديهية السيد جعفر الحلي بقول الشعر ارتجالا ، ما قاله بعد مطر ربيعي سقى البادية النجفية وطاب هواءها ، فدعا صديقا له وهو الشيخ العلامة هادي كاشف الغطاء للنزهة حول غدير تجمع من مياه المطر هناك ، فأبى الشيخ الخروج معه فأنشأ قائلا
عذيري منك إذ تأبى إتباعي ... على حق ومن لي بالعذير
ومن عجب بأنك ( جعفري ) ... وترغب عن أحاديث ( الغدير )
فلو لا حظنا استعارته لمفردة جعفري وما يعني للجعفري الغدير .
كتب السيد جعفر الحلي بكل أغراض الشعر من مدح وهجاء ورثاء وغزل وباب إلأخوانيات وأجاد بكل ما كتب من أغراض ، والسيد أن رثى يفي المرثي حقه ، وإن هجا وكما تقدم فإن هجاءه يعد إخماد جذوة المهجو ، وهناك بابا نادرا ما يتناوله الشعراء وهو التشطير والتخميس ، فإن أعجب أحد الشعراء بقصيدة شاعر غيره ، أخذ تلك القصيدة وشطرها ، ومعنى التشطير أن يضيف عجزا للصدر وصدرا للعجز لنهاية القصيدة ، أو الأبيات التي أحبها من ذلك الشاعر ، ومثال لذلك تشطيره أبياتا من قصيدة العلامة السيد حسين القزويني والتي بعث بها من الديار المقدسة أثناء تأديته مراسم الحج ،
( طاب النسيم بطيبة ) ... وجلا السرور بها مدامه
علقت بها أرواحنا ..... ( وحلت لنا فيها الإقامه )
( دار توارثنا بها ) ..... شرفا يدوم الى القيامه
ولنا بحوزتها انتهى ..... ( إرث النبوة والإمامه)
( كم من كريم ليس ) ... تأخذه بمكرمة ملامه
حلف المكارم ليس ..... ( نأباه ولا يأبى الكرامه )
( قد زارها بسلامة ) ... وبنى على الجوزا خيامه
ودعا القبائل للقرى ..... ( منه وأقرأكم سلامه )
الأبيات المقوسة هي القصيدة الأصل للسيد حسين القزويني ، والأبيات غير المقوسة هي للسيد جعفر الحلي ، والتشطير ليس بسهل الصنعة على الشعراء ، فعلى الشاعر المشطر محاكاة شاعر القصيدة ولا يهم إن حول المدح لهجاء بل عليه ملاحظة قوة سبك القصيدة ، فإن جاءت أقل سباكة من منشئها حُسبت على الشاعر المشطر لا له، وللتخميس عملية تختلف عن التشطير ، والتخميس يأخذ بيتا من شاعر ما ويضاف له أربعة أشطر والشطر الخامس يعود لمنشئ القصيدة وهكذا .
السيد جعفر الحلي مولع بحل الألغاز الشعرية التي يرسلها له الأصدقاء من الشعراء ومن تلك الألغاز ما أرسله الشاعر السيد حسين القزويني ملغزا بمفردة الصقر حيث يقول
ما أسم ثلاثي على طرده ... يفعل فعل الضيغم الخادر
وعكسه يصدر من جاهل ... تهواه نفس الرجل الفاجر
وإن يكن أوسطه أولا .... كان رفيع السمك للناظر
فأجابه السيد جعفر
يا آمري في حل ألغازه ... سمعا وطوعا لك من آمر
هذا الذي يذعر سرب الظبا ... والسرب في أمن من الذاعر
وكان السيد الحلي رحمه الله محبا كشعراء عصره التاريخ الشعري ، والتاريخ الشعري مسألة صنعة حسابية أقرب منها للشاعرية ، ومعلوم أن لكل حرف باللغة العربية له قوة حسابية يعرفها المختصون ، ولها دلالات والتزامات لسنا بصددها ، ومن جيد ما تركه تاريخا شعريا مؤرخا عام وصول أسلاك البرق ( التلغراف ) الى النجف الأشرف بعهد السلطان العثماني عبد الحميد عام 1313 هجرية
فالتلغراف لبلدة النجف انتهى ... أرخ أجل يأتيك بالأخبار
وله أبيات يؤرخ وفاة العلامة حبيب الله الرشتي سنة 1312 هجرية
بكته الملة الغرا فأرخ ... بكى لحبيبها الشرع الشريف
وأرخ وفاة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سنة 1308 هجرية قائلا
مذ توفى أرخوه ... ثلم الإسلام ثلمه
ومن جميل غزله قوله
بسرك وهو للصب افتضاح ... أجد منك صدك أم مزاح
ترى أن الوصال لنا حرام ... وقتل العاشقين هو المباح
أحن إليك إن ناحت حمام ... على غصن تميل به الرياح
تهيج حشا كجمرة مقلتيها ... فتخفق مثلما خفق الجناح
وما وجد الحمامة مثل وجدي ... فنغمتها غناء لا نواح
وأين من المسهد عين ورق ... غفت ليلا ونبهها الصباح
ومن روائع الغزل العربي ما قاله السيد جعفر الحلي بقصيدته الغزلية التي غناها المطرب العراقي العربي الكبير ناظم الغزالي
يا قامة الرشا المهفهف ميلي ... بظماي منك لموضع التقبيل
رشأ أطل دمي وفي وجناته ... وبنانه أثر الدم المطلول
يا قاتلي باللحظ أول مرة ... أجهز بثانية على المقتول
مثل فديتك بي ولو بك مثلوا ... شمس الضحى لم أرض بالتمثيل
فالظلم منك علي غير مذمم ... والصبر مني عنك غير جميل
أتلو صحائف وجنتيك وأنت في .. سكر الصبا لم تدري بالأنجيل
أفهل نظمت لئالئا من أدمعي ... سمطين حول رضابك المعسول
أشكوا الى عينيك من سقمي بها ... شكوى عليل بالهوى لعليل
فعليك من ليل الصدود شباهة ... لكنها في فرعك المسدول
وعلى قوامك من نحولي مسحة ... لكنها في خصرك المهزول
لي حاجة عند البخيل بنيلها ... ما أصعب الحاجات عند بخيل
ويصم عني سمعه وأنا الذي ... لم أصغ فيه ملام عذولي
وأخيرا نصل لرثائه لآل البيت عليهم السلام ، وهي مراثي كثيرة سنأخذ مثلين أحدهما للإمام الحسين ( ع ) وهي ترتل من على منابر المسلمين ، ومثل آخر للأمام العباس ( ع ) ، قال راثيا جده الحسين ( ع )
بأبي أفدي قتيلا بالطفوف ... مزقت أحشاءه بيض السيوف
............
يوم نادى وعلى السيف أنحنى ... أيها القوم أنسبوني من أنا
فأجابوه بأطراف القنى ... وإليه زحفت تلك الصفوف
............
بين من يطلب في ثار أبيه ... ومن أستتبع بالشرك ذويه
فأحاطت زمر الأعداء فيه .... فهو فرد وأعاديه ألوف
..................
الى أن يقول مستصرخا المسلمين لنجدة الحق وأهله
لم يفدنا لطمنا راح براح ... لا ولا ينفعنا طول النياح
فمتى نلطم بالبيض الصفاح ... أوجها قد جدعت منا الأنوف
.... .........
ميميته العصماء برثاء العباس ( ع )
------------------------
وأبرز ما كتب في هذا الباب - مراثي آل البيت - قصيدته الميمية بحق الإمام العباس ( ع ) ، وهي أروع ما كُتب للعباس ( ع ) برأي أغلب النقاد ورواد المجالس ، وقد نشرت في كراس خاص سمي بالقصائد الخالدات ، ولا يوجد منبرا حسينيا إلا وقرأت هذه القصيدة من خلاله ، والقصيدة التي أعني لها قصة يكاد لا يعرفها إلا القلة ، ومفادها أن المرجعية الشيعية الدينية ارتأت أن يكون لها حضورا في مدينة سامراء ، ومن المعلوم أن سامراء التي تحوي قبر العسكريين ( ع ) يكاد يكون مذهبها الديني غير المذهب الشيعي ، فذهب أحد المراجع الى سامراء المقدسة وأصطحب قسما من طلبة العلوم الدينية معه ، وباركت الحكومة العثمانية هذا التحرك من قبل المرجع لغرض رص الصف الإسلامي من خلال تلاقح أفكار المذهبين ، وحين وصول المرجع الى سامراء وانتشار العمة الدينية الشيعية فيها ، حبذ الكثير من أهالي سامراء هذه الخطوة وباركها طالما أنها ستفتح أبوابا للرزق لأهالي المدينة ، وصمت الآخرون ممن عارض احتراما لرأي الأغلبية الساحقة من أهالي سامراء ، وحدثت أكثر من مصاهرة وعلاقة بين الطرفين ، وحين قدوم شهر محرم الحرام بطقوسه الدينية التي تمارس داخل الصحن الشريف ، خاطب المرجع الديني الشاعر السيد جعفر الحلي الذي كان مع هؤلاء الطلبة وقال له ، يا سيد جعفر ليلة غد ستكون لعمك الإمام العباس فهيأ قصيدة لذلك ، والغريب أن السيد جعفر الحلي رحمه الله لم يستطع كتابة أي بيت من القصيدة ولا حتى مطلعها ، وكان الفصل صيفا وهم يفترشون السطح للمرقد الشريف ليقضوا لياليهم الصيفية فيه ، مسك ورقته وقلمه وأخذ يجوب الصحن والسطح ذهابا وإيابا إلا أن ملكة الشعر لم تحضره ، وهو يصارع ذلك آيس من أن ينجز ما يريد ، لذا قرر أن يستخرج إحدى القصائد القديمة بحق العباس ( ع ) لتقرأ ، أُذّن لصلاة الفجر وأدى صلاته وذهب الى فراشه وهو يحاول أن يجد مخرجا لذلك ، تقلب على فراشه ونزل خيط الفجر رويدا رويدا ، ولاح في الأفق الضياء فأطبق عينيه لينام وإذا بسلطان الشعر بل مارده قد أمره بالنهوض ليستهل قصيدته قائلا
وجه الصباح علي ليل مظلم ... وربيع أيامي علي محرم
والليل يشهد لي بأني ساهر ... مذ طاب للناس الرقاد وهوموا
قلقاً تقلبني الهموم بمضجعي ... ويعود فكري في الزمان ويتهم
أو موتته بين الصفوف أحبها ... هي دين معشريّ الذين تقدموا
ما راعهم إلا تقحم ضيغم ... غيران يعجم لفظه ويدمدم
عبست وجوه القوم خوف الموت ... والعباس فيهم ضاحك متبسم
قلب اليمين على الشمال وغاص .. في الأوساط يحصد بالرؤؤس ويحطم
وثنا أبو الفضل الفوارس نكصا ... فرأوا أشد ثباتهم أن يهزموا
ما كر ذو بأس له متقدما ... إلا وفر ورأسه المتقدم
صبغ الخيول برمحه حتى غدا ... سيان أشقر لونها والأدهم
بطل تورث من أبيه شجاعة ... فيها أنوف بني الضلالة ترغم
فأنصاع يخطب بالجماجم والكلا ... فالسيف ينثر والمثقف ينظم
أوتشتكي العطش الفواطم عنده ... وبصدر صعدته الفرات المفعم
ولو أستقى نهر المجرة لارتقى ... وطويل ذابله إليه سلم
لو لا القضى لمحا الوجود بسيفه ... والله يقضي ما يشاء ويحكم
وهوى بجنب العلقمي فليته ... للشاربين به يداف العلقم
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه ... بين الخيام وبينه متقسم
قد رام يلثمه فلم يرّ موضعا ... لم يدمه حر السلاح فيلثم
أأخي يهنيك النعيم ولم أخل ... ترضى بأن أرزى وأنت منعم
أأخي من يحمي بنات محمد ... أن صرن يسترحمن من لا يرحم
هونت يبن أبي مصارع فتيتي ... والجرح يسكنه الذي هو أألم
يا مالكا صدر الشريعة أنني ... لقليل عمري في بكاك متمم
والقصيدة طويلة اخترت لكم منها ما ذكرت .
...............................
المصادر
* : سحر بابل وسجع البلابل / ديوان السيد جعفر الحلي
* : البابليات الجزء الثالث للباحث والمؤرخ الشيخ محمد علي اليعقوبي / نبذة عن حياة الشاعر السيد جعفر الحلي

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

جمل ثقيلة ومروعة-علي السوداني



جمل ثقيلة ومروعة
علي السوداني
جمل ضخمة تمطر فوق وجه البلاد . جمل ضخمة وقاسية ومروعة وسخيفة . جمل كما فزّاعات ترفرف لحرامي مفترض . خيال مآتة لصيد عصافير الغفلة . جمل مثل جثث محشاة بقطن أو بقش مبلول تسد مسد القلب والكبد والمخ . جمل شكسبيرية تتدعبل على دكة الفرجة . جمل من دون جوهر ولا رحمة كأنها طعم صدأ في حلق يابس . جمل مشهورة صائحة . واحدة اسمها " خطوة في الأتجاه الصحيح " ، وهذه استعملت عندما كانت البلاد المريضة تنزع ملابسها قطعة بعد قطعة ، واذ تعرت حتى من وصلة التوت ، قيل لها : هل من مزيد ؟ جملة سامّة ثانية صاحت أن عبود عبد العال " يقف على مسافة واحدة من الجميع " لكن الحق والحقيقة هي أن عبّوداَ انما يحب هذا المكون ويكره ذاك . عبود يسوس العربة والحصان والسيارة من مقعد خلفي صوب وجهة لا فرار منها ولا مفر . عبود ينادي بعالي الصوت ان هلموا هلموا الى " حكومة وحدة وشراكة وطنية " فلا تشوف الرعية وحدة ولا تسمع شراكة ولا تحس وطنية لأن عبود القاسي يبشرهم بخرافة فرصة تأريخية مستعادة . أقطار وأمصار الجوار والطوق ، تتفرعن وترسم السبّابات في الهواء وتريد عراقاَ واحداَ موحداَ ينام الكل بحضنه ، لكن السبّابات ستتكسّر تالياَ وتنوخ وتبصم على بياض ، واللعاب سيسيل والحناجر ستطقطق اذا ما مدّ لها عبود القوي ، انبوب نفط أسود وبوري غاز مسال وسوقاَ مشاعة تغسل شعرها بشامبو صحون وتلون قدر مرقها بمعجون فاسد وتداوي جرحها بكبسولة دواء تسميها الناس " أكسباير " حينها ستقع حفلة التبويس والتعصير وسيسمع ، قوياَ واضحاَ ، تبويق أمصار الطوق والجيرة " أن دورها هو دور مشورة ونصح وحب ، وأن اهل بلاد ما بين القهرين ، هم أدرى بشعابها " لكم شأنكم ولنا شأننا . قيل أن واحداَ من مداميك قوة هذي البلاد انما يكمن في تلك الفسيفساء الجميلة من طوائف واقوام وملل ونحل . يا لها من كذبة مجلجلة ، لأننا لو كنا من لون وهوى واحد ، لما وقعت فتنة ولما أهدر دم ولما هجّرت ناس ولما شال سائق التاكسي هويتين واحدة لكرخ بغداد والأخرى لرصافتها . رجل الدين في بلادي أقوى واذكى من رجل السياسة أذ ان بمستطاع عمامة واحدة وجلباب ، تحريك ملايين مملينة من البشر وتوجيهها الوجهة التي تحب ، لكن شاحنة عملاقة من رجال ونساء سياسة ، لن يكون بمقدورهم تحريك وتثوير محلة . رجل الدين الشاطر هذه السنة ، يغمض عيناَ واحدة عن باب حانة مفتوح ورقصة باليه فوق خشبة مهملة ، ويصم أذناَ عن وصلة غناء مدلوقة على أعتاب أبي نؤاس ، لكنه على أوشال العام القادم ، سيشوي رأس بصل حار على أذن كل من غنى وموسق وشرب ورقص وكتب خارج اطار اللوحة . بلادي مرهقة وتعبانة وحائرة . الغزاة الأوغاد الأوباش الحرامية يتركونها مثل طريدة موشوم جسمها بزفة من كيّات سكائر . بلاد مدماة ضاع دمها بين القبائل . جمل ثقيلة . ثقيلة ومروعة . مروعة وقاسية . قاسية وكذابة . كذابة وسخيفة . بلاد تئن ، وانت تئن ولا حول لك ولها ، ولا حيل ولا حيلة . جمل مكرورة ودبقة ومملة ومهينة . تصبحون على خير .

الجواهري في اي طرطرا.......تطرطري-رواء الجصاني




الجواهري في : "أي طرطرا ... تطرطري"
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
في عام 1946 ينشر الجواهري قصيدته الذائعة الصيت "أي طرطرا ... تطرطري" في أجواء احتقان سياسي واجتماعي متعاظم في البلاد، قد يقارنه البعض بسوء، او بحسن نية، مع كثير من الوقائع التي يعيشها عراق اليوم... وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد أزيد من ستين عاماً...
أي طرطرا ، تطرطري .. تقدمي ، تأخري
تشيعي ، تسنني .. تهودي ، تنصري
تكردي ، تعربي .. تهاتري بالعنصر
تعممي ، تبرنطي .. تعقلي ، تسدري
تزيدي ، تزبدي .. تعنزي ، تشمري
في زمن الذرّ إلى بداوة تقهقري
وان كان المقطع السابق تناول تورية ً ومباشرة ً شخصيات البلاد المؤثرة آنذاك، ونال منها في مناح سياسية معلومة، يعود الجواهري في سياق القصيدة ذات الأكثر من ثمانين بيتاً ، لينتقد الأوضاع الاجتماعية والمدنية وغيرها، وبشكل قاس ٍ لحدود بعيدة... ولربما تسود هنا ومن جديد مقولة: ما أشبه الليلة بالبارحة في الكثير من الشجون، والشؤون العراقية ... وتباً للمتسببين :
أي طرطرا تطرطري .. وهللي ، وكبري
وطبلي لكل من يُخزي الفتى ، وزمري
وعطري قاذورة ، وبالمديح بخري
والبسي الغبي والاحمق ، ثوب عبقر
وافرغي على المخانيث دروع عنتر
طولي على "كسرى"، ولا تُعنيّ بتاج "قيصر"
... شامخة شموخ قرن الثور بين البقرِ
وبحسب ما ندعي، ومعنا غزير من المتابعين ، فان الرائية الجواهرية هذه قد حظيت بجماهيرية لا حدود لها، وحتى عند النخب السياسية التي عنتها أبيات القصيد فراحت امثلة على ألسن الناس، وكأنها تنطق باسمهم، وتكشف احوالهم، وأوضاع البلاد السائدة حينئذ ٍ، بكل التفاصيل والعناوين... ولم يضاهها في الشعبية والانتشار، كما نزعم ثانية، سوى تنويمة الجياع التي نظمها الشاعر الخالد عام 1951 والتي فيها الكثير من الموحيات والمتشابهات مع "طرطريته" الشهيرة:
نامي جياعَ الشَّعْـبِ نامي ، حَرَسَتْكِ آلِهـة ُالطَّعـامِ
نامي فـإنْ لم تشبَعِـي مِنْ يَقْظـةٍ فمِنَ المنـامِ
نامي على زُبَدِ الوعـود يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ فـي جُـنْحِ الظـلامِ
تَتَنَوَّري قُـرْصَ الرغيـفِ كَـدَوْرةِ البدرِ التمـامِ
نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَـوْمُ المرءِ في الكُـرَبِ الجِسَامِ
نامي إلى يَــوْمِ النشورِ ويـومَ يُـؤْذََنُ بالقِيَـامِ
نامـي على المستنقعـاتِ تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ كـأنَّـهُ سَجْعُ الحَمَامِ
وعلى ما نرى أيضاً فان ديوان الجواهري العامر لا يشمل كثيراً على مثل تيّنك الفريدتين، وان جاءت أبيات بعض القصائد الأخرى، حاملة بهذا القدر أو ذاك من السخرية الجادة الكثير والمؤثر... ومن بينها في "عبادة الشر" (عام 1933) ومطلعها: دعْ النبلَ للعاجز ِ القـُـعدد ، وما اسطعتَ من مغنم ٍ فازددِ ... أو تلكم الموجهة إلى الملاكم الدولي الأشهر في حينه، أواسط السبعينات، محمد علي كلاي وخاطبه فيها قائلاً: شِسْعٌ لنعلك كل مَوهبة، وفداء زندِك كل موهوبِ ...
وللمزيد، نوثق هنا، إلى ان رائية طرطرا الشهيرة قد جاءت على وزن القصيدة الدبدبية القديمة المعروفة "أي دبدبي، تدبدبى ... أنا عليّ المغربي"... وعلى ما ندري فثمة أبيات عديدة أخرى في "طرطرية "الجواهري حُجبت عن النشر، في ديوانه على الأقل، لأنها شملت أسماء صريحة، لعدد من القادة والزعماء السياسيين آنذاك، وقد عرف بعضهم بها، فتوسط، وترجى، بعدم النشر... وقد استجاب الشاعر لذلك بعد مماطلات، مقصودة على ما نعتقد...
... وختاماً ، دعونا نستمع سوية لمقطع ثالث وأخير من "اي طرطرا" الجواهرية ، وفيها ، وكالعادة ،من العبر ، ما يفيض :
اي طرطرا سيري على نهجهُم والاثر ِ
تقلبي تقلب الدهر، بشتى الغير ِ
تصرفي كما تشائين ، ولا تعتذري
لمن ؟! أ َللناس !! وهم حثالة في سقر
ام للقوانين؟ ... وما جاءت بغير الهذر
ام للضمير، والضمير صنع هذا البشر
لمن؟ أ للتاريخ؟ وهو في يد المحّبر
ام للمقاييس اقتضاهن اختلاف النظر؟
.. أن اخا طرطر من كل المقاييس ، بري


ملف صوتي عبر الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/audio/audio/283952.html

مع تحيات مركز الجواهري في براغ

الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

لوردة صغيرة زرقاء-الشاعر عبد الجبار عباس-تخطيط غالب المسعودي


لوردة صغيرة زرقاء.....
من نال منها لمحة ظل الى الابد....
اسيرها التائه في وعورة الشعاب
يخالها تلوح في ضفائر الشجر
او رقصة الشعاع فوق صفحة النهر.....
حتى اذا ما مد للقطاف يد
عادت له بجفنة السراب....................
شاخت غصون غابة الحجر
وغاب جيل اثر جيل اثرجيل..................
ولم تزل تلوح في المنام او في قدح الشراب
باسمة بخصرها النحيل
صبية ناهدة كانها القدر

الشاعر عبد الجبار عباس
من ديوان اشواك الوردة الزرقاء

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

رسالة من شالا-نص شالا


رسالة من شالا
تهب رائحة الخريف.....فتستيقظ في روحي مشاعر شتى
حنين طاغ,ووحدة قاتلة,
اتمنى لو اني نورسة فاحلق عاليا......
وبلا حدود,لو ان لي يختا وسط البحر الامس موجه بحنين
لو ان لي نافذة اطل منها على وطني لكن هيهات(اناروحي حمامة مفرفحة وبالكن حاصرهه الجلب)

شالا

الفية الولد الخجول-عادل كامل-العشر السابع-تقديم مدني صالح



العشر السابع



[1]
قلبي كلمات .. كلمات .. إنما قارات من صمت.
[2]
أنا الآن احرس الليل .. فيما زنابق خجلي .. غادرتني.
[3]
وحدهم مثلي .. الموتى .. لا ينطقون ..
إذ ْ وحدهم يولدون قبل الفجر.
[4]
احرس الريح .. فيما قلبي .. خالٍ من الحروب .
[5]
كوخي في الفضاء .. فلماذا اسأل الريح : أين غيومي؟
[6]
لا تعرف الرمال إلا غزالها الجريح ..
وأنا لم ْ اعرف
أكثر من مسافة غابت بين المسافات.

[7]
فطوري قليل من الخوف .. وصيامي أحلام ..
عيدي لا مبالاة .. كذلك رأسي يحتفل بالمجازر.

[8]
بعض حدائقي سجون .. لكن جميع سجوني حدائق.
[9]
أحرس موتى ..
مثلما الريح تحرس زنابقها الخجولة.
[10]
أقول: من أدلك الطريق: من أضاعك الطريق .؟
أقول: هو ذا الطريق !
[11]
لدىّ ليل ينام مع الملائكة .. ولدىّ جراح لا تساومني.
[12]
لدىّ خوذة لا تتحدث عن الحرب .. وفي كوخي شهيد لا يتحدث عن السلام.
[13]
روحي تتحدث عن الأسلحة .. فيما أصابعي
تكتب تاريخ الماء.
[14]
يذهبون حيث كلماتي .. مثلي .. تتجدد بلا مبالاة أزهى.
[15]
معي أسلحة حزينة .. إنما انحنت لها الشموس.
[16]
في آخر الليل .. أو في أول الفجر .. الموتى .. مثلي .. لا يتذمرون.
[17]
اذهب إلى كواكب بعيدة .. أحيانا .. فلماذا تتساءل: أين كنت ؟
[18]
هنا أنا دائماً .. معي سكاكين لا تنحني.
[19]
أحيانا لا اعرف كيف أقول:
السنابل كفت عن صداقتها للشمس.
[20]
لا مواسم للموت .. جميعها مواسم غزال
جريح.

[21]
الريح لا تتكلم .. إنما لن تسرق أحلامك.

[22]
كفت .. بعد الحروب .. المعادن عن البكاء .. مثلي: ابتسم بلا أوامر.
[23]
الليل غادرني بلا أعذار .. إنما عند الفجر .. ساومني على الخلود.
[24]
احدنا سيغادر ظله .. لست أنا .. لا أنت .. إنما احدنا سيغادر ظله.
[25]
شهدائي لملموني .. وأخذوني إلى السلام.
[26]
إنها انحناءات تسبق الوعود .. واأسفاه
انها وعود تسبق الانحناءات.
[27]
هذا الصوت .. عند الفجر .. اعرفه .. إنما صوتي كان ينام فوق العشب.

[28]
لماذا انحنت الصحراء .. ذات مرة .. لغزال جريح؟
[29]
لدىّ .. بلا أعذار .. موتى لا يعرفون من أضاع أضرحتهم.
[30]
مثلي .. بعض العصافير .. لا تعرف لماذا تغني؟
[31]
دائماً لا أتساءل: ولكن ماذا تقول الريح
عندما أكف عن الإجابات ؟
[32]
اعرف: لا قبر لي .. إنما كواكبي كثيرة .. وأصابعي حدائق.
[33]
نطقت بعض جراح الأرض .. المستقبل ينشد ماضيه، فيما جراحي .. تتجول بين الكواكب.
[34]
ملاك جريح .. مثلي .. يرقد بلا مبالاة .. فوق السكاكين.
[35]
لا تأتيك الكلمات مثلما يأتوك الضيوف
ولا يأتوك الغرباء .. مثلما يغادرك الصمت.
[36]
بعض أفراحي سيوف حزينة .. وبعض غزلاني
ولائم للعابرين.
[37]
تذكر انك أغنية ينشدها المجهول.
[38]
في كوخي أنبياء جرحى .. ذئاب جائعة .. وولد سرقوا أعياده.
[39]
في دمائي بعض فاكهة مرة .. وبعض آلهة.. لا اعرف لماذا يرقصون.
[40]
بعض خجلي سرقته مني الشمس
إنما
من أضاع هذا العالم ؟
[41]
فيما أصابعي تتوقد .. بعض النجوم تسرق ظلامي.
[42]
في هذا الليل .. خوذتي حزينة .. وجسدي لا يكف عن البكاء.
(43)
لدىّ ملائكة .. أنا لدىّ أعداء ظرفاء أيضا.
[44]
لست نبياً .. لكن أصابعي لا تغريني بالصمت.
[45]
هذا بعض كلام الأرض .. وهذا بعض كلامي
ترى من سرق زاد الأرض .. ومن أعطاني كلامي.
[46]
لا لغة بعد اليوم .. جراحي تنطق.
[47]
وكأن .. وكأن الأرض تستدير لاستقامتي.
[48]
من أنت .. أنا هنا .. أنا هنا .. لا أتحدث إلا مع الشمس.
[49]
لنحتفل: دعنا من شعوب لا تعرف الرقص
لنحتفل: دعنا من أشجار لا تتكلم.
[50]
إذا دعاك المجهول إليه .. لا تسرق إلا أوسمته
ولا توزعها إلا على الشهداء.
[51]
هل شاهدتم جبلاً يتجول في الوادي ..
أنا رأيت .. عشاقا ً بلا رسالات.
[52]
إذا دعتك الأشجار إليها .. آنذاك تعلم الصمت.
[53]
كلانا مملكة من لؤلؤ .. كلانا مهاجر غريق ..
كلانا اسمه ضاع في الطريق.
[54]
في مقلتي جبل جريح .. وفيالق من عشاق موتى.
[55]
دخلت القصيدة قلبي ولم تخرج .. مثلما الأضرحة غادرتني ولم تعد.
[56]
وهذا أمير لا نعرف أسرق البراري .. أم جاءنا بالرمال ..
وهذا أمير لا نعرف .. أمطرود من الجنة .. أم جاءنا بقليل من الأوهام
وهذا أمير لا نعرف .. أيسرق زادنا .. أم يمنحنا السلام.
[57]
ما زالوا يتساءلون من أنت .. فيما الشمس ترقد عند قدميك.
[58]
جميعاً إلى المنفى .. ما دامت الملائكة أعلنت العصيان.
[59]
وكأن السيوف صنعت من دمائي
لا كأنها سرقت بعض غبار الشمس.
[60]
كلانا وحيد .. الشمس في مغيبها .. وأنا في الشروق.
[61]
أوصيكم: لا تذهبوا إلى غابة صريحة
أوصيكم: لا تتحدثوا مع عاشق جريح.
[62]
كواكب ما أثقلها
عندي .. وعندي .. أينما ذهبت أجد أعراس ومسرات.
[63]
كلانا في ضريح .. مثلما الشمس لا تبصر بعيداً.
[64]
إذا ذهبت اتركني .. إذا جئت لا تدعني وحيداً.
[65]
عندي سنبلة تتكلم .. وبضع بلابل لا تتحدث عن شيء.
[66]
لِمَ تغار النجمة مني .. وأنا بعض ظلام ..
وأنا بعض ظلال .. وأنا بعض زنابق .



[67]
دع .. دع .. دع .. الموسيقى لا تخاف.
[68]
أهداني كواكبه وتركتني وحيداً.
[69]
لا تعرف من أين يأتون .. لا تعرف أين يذهبون
مثلما أفراحي لا تعرف ماذا تفعل ؟
[70]
عندي شموس لا تحصى أشعتها ..
إنما عندي عتمة لا أريد أن تكسر نوافذها.
[71]
أتجرح أصابعي الفجر .. فيما أنا .. ربما الريح تأتيني بقليل من الأحلام.
[72]
بعض خجلي مسروق من الشمس .. إنما لماذا سرق الليل أضرحتي؟


[73]
سكاكيني في خنادقها لا تكف عن العراك.
[74]
أعالج صحوي بالسكر .. وأعالج سكري بالهوى .. وأعالج أوهامي بالنياشين.
[75]
لِمَ يتدخل الليل في شؤوني .. فانا ليس لدىّ
إلا سرير قديم.
[76]
في الريح أرى وجه حبيبي
وفي حبيبي دعوني أضيع.
[78]
هو ذا الفجر .. الجميع نيام .. عدا عصفور لا يعرف ذلك.
[79]
واسرق خيطا من الفجر عله ينجيني .. فيما الشموس أثقلتها شموسي.
[80]
لا أحب فجراً يجرح فراشة .. ولا أحب زنبقة تموت معي.
[81]
لِمَ السماء تسرق زرقة عيني .. فيما لدى كنوز من الأسرار؟
[82]
عصفور مات في الفجر .. عصفور مات يغني .. مثلي في الفجر.
[83]
أسرق صفائي من الجنون .. واسرق بعض أحلامي من الموتى.
[84]
مثل الريح أعود إلى غابتي . أعود إلى غابة بلا غزلان.
[85]
لِمَ تتشاجر العصافير والفجر لم يجرح بعد؟
[86]
اعرف أني سأنهض من قبر في الريح ..
إنما لا اعرف لماذا الريح تنحني.
[87]
ليس هذا بعض خيال .. بل هذا سكر مستعار من الصحو.
[88]
وهذا فجر ينـزف مثلي .. قلائد لعروس ستولد ذات يوم.

[89]
لا تسرق جرحي مني .. دعه يتكلم.
[90]
أقول هذه ليست قصائد .. إنما الشعر آخر كلمات الموتى.
[91]
إنما لماذا لم يأت الليل .. والفجر معي جريح.
[92]
مخيمات .. مخيمات .. مخيمات .. إنما لا تسكنها البلابل
مخيمات .. مخيمات .. مخيمات .. إنما تسكنها أصابع متناثرة.
[93]
ولدىّ رأس جميل .. لكنه في متحف.
[94]
ماذا تريد مني .. وأنت تبحث عني بين يدي ّ ؟
[95]
اسكت أيها الفجر
عظام حبيبي نائمة
اسكت أنا قيد الاستيقاظ.
[96]
ويسرق الليل بعض عتمتي
هكذا يتجاهل أني وهبته النهار.
[97]
لست مهجرياً .. بل أنا بعض شظايا أمة.
[98]
ولست ، مرة ثانية .. صخرة في حرب ..
بل أنا شظايا بلابل.
[99]
طلبوني الليلة إلى الموت .. قلت هذه مسرتي
لكنهم أعطوني بعض ما تركته من زاد.
[100]
لا تقل البلابل ماذا قالت .. قل مثلي:
لا تتركها تصمت.

الناس على دين ملوكها-بقلم حامد كعيد الجبوري


إضاءة

الناس على دين ملوكها

حامد كعيد الجبوري

بعد الغزو – قناعتي هكذا – الإسلامي الغطاء لبلاد الفرس بقيادة سعد بن ابي وقاص ، وفتح العراق بمعركة القادسية ، وقتل قائد الجيش الفارسي ، واحتلال منطقة المدائن والتي تحتوي على طاق كسرى الشهير ، ودخول جيش الغزاة الأعراب لغنيمة – النهب - القصور والممتلكات الفارسية ، أسرت حينها أبنتا ( كسرى أنو شروان) ونهبت كل ممتلكات الدولة الفارسية ، ومن تلك المنهوبات قطيفة ( سجادة ) بطول 100 يارد وعرض 40 يارد ، مفروشة بإيوان كسرى كما يقول أبن أبي الحديد المعتزلي بكتابه شرح نهج البلاغة لعلي ( ع ) ، ومن المنهوبات أيضا تاج كسرى وأقراط نسائه وحلاهن والأحجار الكريمة غالية الثمن والنفيسة ، وسيوف وخناجر تعود لكسرى ، وحينما وضعت أمام سعد أبن أبي وقاص وزعها على جنده باستثناء القطيفة وحلي نساء كسرى وتاج عرشه وبنتا كسرى وخاطب الجند قائلا ، أتعف أنفسكم عنها ، قالوا له وما تصنع بها ، أجابهم أرسلها لأمير المؤمنين عمر ( رض ) ليرى رأيه فيها ، قالوا له أصنع ما شئت ، وفعلا هيئ لها الجمال لتحملها وخاصة القطيفة ، ويقول أبن أبي الحديد إنها وضعت على أكثر من عشرين جملا لحملها ، وحين وصولها للمدينة المنورة مساءا وإخبار أمير المؤمنين عمر ( رض ) بوصولها أخرج شرطته لحراستها ، وفي الصباح جلس لتوزيعها على المسلمين ، أبنتا كسرى أحداهن للحسين أبن علي ( ع ) ، والأخرى لعبد الله بن عمر ( رض ) ، والقطيفة مزقت بالسيوف ووزعت على المسلمين ، وقبل أن يوزع النفائس الصغيرة من أقراط وغيرها ومن ضمنها تاج كسرى ، نهض سراقة وقال لعمر أن التاج وأساور كسرى وهبه لي رسول الله ( ص ) ، ومعلوم أن ( سراقة ) كان يتبع – يقفو- الأثر ولا يخطئ ، وقصته مع الرسول الأعظم لها مورد آخر ، وهنا حدق عمر ( رض ) مليا بما وجده أمامه من حلي وغيرها مما خف وزنه وغلا ثمنه ، بمعنى أن المقاتل كان يستطيع سرقتها ولا يخبر أحدا بغنيمته ، وقال عمر ( رض ) وهو ينظر لجلاسه ، إن قوما أدوها لأمناء ، أجابه الجمع ممن حضر مجلسه ( عففت فعفت الرعية ) ، هذا ما أورده أبن أبي الحديد بشرحه .

ولو عكسنا ذلك لواقعنا الحالي واستشراء المرض الفتاك بدوائر الدولة العراقية من سرقة وهدر للمال العام بتعمد وغيره ، ومنح رخص وجولات التراخيص باجتهاد شخصي من قبل فلان وفلان ، ولو دققنا بشكل جدي بما رسمته منظمة الشفافية الدولية ، وحصول العراق بالمرتبة الثانية بالفساد الإداري والمالي ، وبظل هذه الشفافية المفرطة ، والفيسيفساء العراقية قليلة الوجود بل ندرته عالميا ، لعرفنا سبب تفشي هذه الرذيلة بدوائر دولتنا الجديدة ، ويمكن لنا استنتاج ما يدور ونعزوه لجملة أسباب منها ، أن المال السائب يعلم على السرقة ، وبما أن الكبير من الموظفين يسرق فأن الباب مفتوح على مصراعيه للصغير ليحذو حذو كبيره ، لأن الناس على دين ملوكها ، ولأن دولة رئيس الوزراء لا صلاحية إدارية ورقابية له إلا إعلاميا لمتابعة المفسدين بسبب المحاصصة التي أتت به كما أتت بالآخرين ، وتأكيد لقولنا أن رئيس الوزراء لا قدرة له على التدخل لتغيير رئيس اللجنة الأولمبية العراقية التي تدار من خارج الحدود ، فكيف سيتسنى له محاسبة المقصر والسارق وغيره ، للإضاءة ............فقط .

الفنان التشكيلي غالب المسعودي-حاوره خضير الزيدي


الفنان التشكيلي الدكتور غالب المسعودي: اسعى الى تحرير العقل الثاني! اجرى الحوار: خضير الزيدي كيف تتجذر الرموز الكونية داخل اعماق الانسان وهل للوحة التعبيرية او التجريدية ان تعمق فكرة الموت والحياة والعدم داخل سطحها التصويري. من يستطيع ان يوظف انثيالات كهذه ووجدان كهذا وكهذا تشظي سوى انامل الفنان المبدع ربما وجدنا فنانا مثل الدكتور غالب المسعودي يسير بنا الى ذلك الطريق دون ان نلتفت الى الوراء واذا كان (الامام) مسرحا لحركة ومشهد فان طريق الوراء يبدو للانسان صوتا متعمقا يحاول ان يعيد انكسار الطبيعة الى شكلها الاول الى براءتها الاولى. الفنان غالب المسعودي يعمق فكرة الانسان والحرية وربما يبدو هذا الحوار للمتلقي انه تشكيل للوحة اخرى ولكن هو جذوة عالية في طريق ذاكرة الانسانية الهاربة من صوت الدبابات والطائرات التي تملأ السماء. لكي يهيمن الزمن على لوحته ونظرته وربما وجوده المثال الاعلى للجمال هو اللوحة المثال الابقى لكيان الانسان هو التشكيل الحقيقة المتبقية من رموز عالم الانسان هو تكوين اللوحة وسطحها التصويري. * انت تقترب من التجريد وهناك ارتباط وثيق لك به هل هو تمجيد لفكرة الروح وعالم الاساطير او هو سر للمغامرة والاقتراب من فضاء الحرية؟ -في الحقيقة انا فنان تجريدي وهذه كانت نصيحة استاذي الكبير الفنان جميل حمودي عندما زارني في معرضي الثاني والذي افتتحه بيديه الكريمتين وقال لي مساحتك هي التجريد لانه تمجيد لعالم الفكر وعالم الروح وهو الحرية بعينها لان التجريد هو اعمق منطقة في الفكر وهي كما في لغة الفلسفة هي لغة كل الاشكال لانها تصنع الجمال الكامن في النفس وهي بنية متقدمة نحو الافق اللامتناهي فالازهار تتفتح من البراعم وهذا نهوض من الموت الى الولادة. * اشكال اللوحات تختلف لديك من طبيعة الى اخرى ولكن روحيتها واحدة فهل تعيد فيها تشكيل نواة الروح او هي انزلاق يتحول من لوحة الى اخرى؟ في مجال العمل الفني الروح واحدة والانزلاق مسألة حتمية لكنها ككرة الثلج كلما انزلقت على السفح البارد ازداد حجمها وتاتي الروح لتحملها الى القمة كما يحمل سيزيف صخرته لتبدأ رحلة اخرى من المشاق وهي التي تمثل بؤرة الروح وعندها تبدا رحلة اخرى من جديد لان الفنان عندما يصعد الى القمة سينزلق الى مهاوي الردي فالبصمات فوق الواح الطين كلها تحكي مراحل الوعي والصراع لصالح فضاءات مازالت تمتلك سحرها الابعد. *تبدو اجزاء اللوحة لديك في انتماء وجودي لم تزل توظف المشهد الحياتي بصيغة الاقنعة، يا ترى متى يتم الكشف عن الوجه الحقيقي لروح اللوحة؟ من منا لايسير بلا قناع فالاقنعة حقيقة وجودية واحيانا يطغي قناع فتراه هو الوجود باسره واللوحة لاتستعير الاقنعة كما هو في المسرح لانها الروح الحقيقية لما يعتمل داخل الفنان وهي تمثل الفنان بروحه وتمثل الوجود بصياغته المعلنة اذ انه ليس هناك تناقض من ناحية وجودية بين العمل الفني وروح الفنان. *تكويناتك تثير في داخل المتلقي اسئلة وجودية هل تشعرك هذه اللعبة بحضور الخيال والذاكرة وتراكمات اللاشعور؟ ان اول اهداف الفن منذ عصور سحيقة في القديم هو اثارة الاسئلة فالفنان في عصر الصيد كان عندما يرسم حيوانا كان يثير الاسئلة لدى ساكني الكهوف هل هذا هو الحيوان الذي نراه او هو رمز الحيوان الذي سيصطادونه وهذا بالطبع مرتبط من الناحية الوجودية باستمرار حياة الجماعة وكله مرتبط بالمتخيل والذاكرة وانا اسمي اللاشعور هو العقل الثاني والذي يمارس وظائفه بعيداً عن الانا الاعلى وله برنامجه الخاص ويمكن ان يستعمل الحواس لصالحه وبالتالي يبني تراكماته الخاصة، فانا اسعى الى تحرير العقل الثاني من رقابة العقل الاول او الوصول الى نوع من الانسجام بينهما لبلوغ الغاية وهي الجمال الحر في انسيابه البليغ في تعبيريته. *في تجسيداتك التحام لوني كأنه (مكون جمالي) يترك في المتلقي دهشة.. هل هناك من سر في جسد اللوحة تريد ان تجعله دائما في خفاء؟ هو السر والذي يجب ان يبقى في خفاء والسر هو الشفرة التي ازرعها في جسد اللوحة وهو الدهشة التي تصدم قارئ النص وهوالتحام في مكونات العمل، وعلاقة الجزء بالكل وعلاقة الكل بالمكونات، انا لااختفي خلف جسد اللوحة بل هو الجمال الذي يناور داخل روحي من اجل اضفاء الشرعية على المنجز، اللوحة اتصورها كمقطوعة موسيقية مفرداتها لاتترجم الى اي لغة لكن بمجملها تؤلف عالما من الانسجام يتناغم مع احساسات المتلقي ومع عالمي الذاتي. *هل في المستقبل القريب نكتشف فيك روح النحات مثلا وايماءة الممثل وفكرة المجسد وربما نكتشف فيك فكرة الفيلسوف؟ ان فكرة الفيلسوف تتلخص في اعادة صياغة فكرة الاشياء اذ كان مساعدو هيفاستوس (الذي يشع في النار) جن من مارج من نار ابرزهم السيقلوب الذين كانوا يساعدون في اذكاء الكبير عند بركان اثينا ومما يذكر ان هؤلاء السيقلوب هم الذين خفوا لشد ازر زيوس في صراعه ضد الجبابرة وهم الذين زودوه بالرعد والصاعقة والبرق وكان لهم دور في تطور الحضارة، لذا كان على الفنان ان يؤكد في تجربته على الرؤية الحضارية القادرة على كشف العلاقات والروابط التي يعجز عن ادراكها الذهن العادي وهذا لايتحقق الا بالانتباه الى حيوية الفن وخطورة دوره في بناء الحضارة ولكي نحصل على ذلك لابد من اعطاء الفن دوره الحقيقي، الفن المعتمد على الاصالة والمرجعية... الفن الخالق لاسطورته الحالية. *مَن مِن الاسماء التشكيلية تؤول اليه في المشهد التشكيلي العراقي؟ ها انت ايها الفنان تتوحد من خلال كل سنوات العذاب من اي المسافات تجيء العواطف وانت تحمل ذلك على راحة يديك عارية يسكنها تصوف من نوع خاص يتعانق الخوف مع الرغبة ليصبح كيانا واحدا لاتستطيع ان تهزه الريح واذا كان الصمت ابلغ وسيلة للتعبير عن غليان الروح وانينها فان في تكميم الصمت لهو المانع من تشظي الجسد الذي الم به الالم وقبل كل ذلك التركيز الداخلي والروحي حيث المملكة الحقيقية للحرية فالصمت اعلى مراحل صياح الانبياء

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

اطلالة على ديوان الشاعر المبدع حامد كعيد الجبوري(ضمير ابيض) بقلم عبد اللطيف الربيعي



إطلالة على ديوان الشاعر المبدع حامد كعيد الجبوري
( ضمير أبيض )
عبد اللطيف الربيعي
إن الأدب حب وجهاد وصدق في معاملة النفس والحياة ، حيث قناعة الأديب المثقف بأن ما هو حسنُ وخيّر لا يستحيل تحقيقه ، وان الشعر لا يقوّم كيانه إلا بلغة تشكل تشكيلا خاصاً ، حيث يستعير توجهه من خصوبة اللغة وازدهارها وحتى تصل القصيدة يجب أن يقدمها الشاعر في تنقلات مدهشة مؤطرة بالثقافة وهكذا كانت القصيدة المكتوبة في ديوان الشاعر المميز حامد كعيد الجبوري الذي يحمل عنوان ( ضمير أبيض ) الصادر عام 2010 م .
كتب الشاعر حامد الجبوري بحق صديقه الشاعر المغترب رياض النعماني قصيدة بعنوان ضمير أبيض نقرأ منها
وكحت عين
باكت ثوب عمرك زمت النهدين
وبضحكة غنج تشبر طولك النعناع
وغسلت بالنهر دشداشة الغربه
الهذاك الصوب عبرت
عينها المشحوف
والصفصاف ظلها
والبلابل بيت
فكم هو جميل هذا التشكيل الصوري الذي أضفى حركة قريبة للنفس ، وفي قصيدة ( فرفحتلك ) يتألق الشاعر في رسم جملها الشعرية ،
ويا حبيبي الدهر
ناصب للصبر ويّاي موده
وكمت أشم كل طيف منك
وأنت سارح
العمر شئ نسبي فعمرك بقدر ما تشعر والحب يتنقل بحرية لا توقفه القوافي ( هوه الخمسين )
ممحله الروح ينهش بالكلب عاكول ... صيهود الليالي ويرحل أهلالي
دريض والعمر يزحف على الخمسين ... وتحذر من هوى الخمسين جتالي
في قصيدة تبا للسياسة يضرب على أوتار القلوب ليذكرها بنشيد الوطنية
أمير الغيره يسرج مهرة النوماس ... مثل عبد الكريم الحبته الفقره
................................( عمر ) قاد الصحابه أبحكمته وفكره
لو ( حيدر علي ) يملكله بس الثوب ... من كد ما يركعه ملت الإبره
نرفض كل كراسي أمريكه تصنعها ... كرسينه جريد وبيدنه أنجره
وينجح الشاعر حامد الجبوري في مجاراة الرمز العراقي مظفر النواب بقصيدة أيام المزبن
شو طلع سوياط العنب .... من أمس كاضي أمنظف
أيام المزبن كضن ........ دكضن يا أيام اللف
ويجاري أيضا قصيدة الجواهري الكبير طرطره
يا هو التسأله يدعي ... جايب شهادة دكتره
دكتور والله أشهد إلك ... من المريدي أمزوره
وطفولة الشاعر الجبوري تشده لأصدقائه من كل الأديان والمذاهب ، إنها الطفولة البريئة يحركها الأمل القادم ،
أوكف أبنص العكد
وأصيح حد ينكطع صوتي
إجانه العيد
كعدوا إجانه العيد
وفي قصيدة صبر مفطوم أجاد بصياغة جملها الشعرية فجاءت مبهرة للجميع
فراكين المحطه وصاح بيها الريل ... ويا ريل اليجيب العمر ويرده
أشكد شايل ترافه يا نبع بربين ... يميل من الطراوه وينكسر عضده
نحلة عسل آنه ع الورد تعتاش ... وأنت من الجدم حد راسك الورده
في قصيدة ضيف فقره التي كتب عنها أكثر من ناقد لأنها متعددة الدلالات وكتبت بحق الشاعر الراحل محمد الغريب العراقي الأصيل كما يسميه الجبوري
من يمره الليل ضيف
يفرش إتراب القوافي
ويلتحف ثوب السماء
أيضيفه بسماط القصيدة
وكل شطر ينزف دماء
ويقدم الفرات دعوة لحامد الجبوري ليرضع منه الدفء فيشبعه شعرا وحنينا
وأعتنيتك يا الفرات
وكورت روحي أبسواجيك حمامه
يالفرات وما سمعنه بوجه ضيفك
نشف ما يك
ويكتب الجبوري عن مدينته الحلة قصيدة فخر وحب
الحله موطن علم منبع للعراق ... الحله للينتسب إلها أتعله
والنواعير أبحضن ميها تبات ... أمديرمه الشفتين عين أمكحله
ولحامد الجبوري هتاف واضح جلي ، لا للتفرقة لا للعنف لا للطائفية لا للاحتلال ، سلاحه القلم فيصرخ محرضا وداعيا بقصيدة أركب ع الصعاب
ألوي أقيودك وعض النواجذ ... وعلى أعيون الجبان أتضيك وسعه
صاعود المجد ميلكط أنجوم ... يجيب الشمس للدنيه أعله ضلعه
أمي يا ملهمتي كيف لي أن لا أصلي من أجلك ، ولا أن أحبك ، وهل يمكنني أن أطير بعيدا عنك عندما غنيت لي أجمل تراتيلك وأنا في حضنك وبسمائك الصافية
يا نسمة فجر والدنيه كيظ الكيظ ... يا مكسر الفي أتفيض بالحنه
تمنيت الشفاف أتصير بالرجلين ... أبوس أتراب بيتج وأكتحل منه
لقد إستطاع الشاعر المبدع حامد كعيد الجبوري بديوانه البكر ضمير أبيض أن يتمثل طاقات الخيال الشعبي ببعديه الفلكلوري والميثولوجيا ، فأعتنى بوضوح بعنصر الزمن والمكان ذي الارتباط الوثيق بعنصر الزمان فكانت الحبكة والشخصية والصورة والمونولوج دعائم لقصائد ديوانه ( ضمير أبيض )

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

مات طالب السوداني....الضحك شحيح الان-نص علي السوداني



مات طالب السوداني .. الضحك شحيح الآن
علي السوداني
البارحة فرشت مائدتي متأخراَ ، واحداَ وحيداَ مستوحداَ مستوحشاَ . وجه نؤاس يكاد يزرف قلبي . ايمان تستعيد تنويمة وحيدة خليل " دللّول يلولد يبني دللّول " ونؤاس الليلة ، يكحل جفنه الغمض . ليلتك تتكوّم فوق طاولتك كما جنازة مؤجلة . لكن ثمة دهشات الهية بديعة . رسالة تلفونية مكرورة تغريك بنظّارة طبية مجانية ان أشتريت أختها بفلوس . المسألة لا تخلو من تلغيز ودوخة ستؤدي حتماَ الى ضحكة ببلاش . ثمة متسع من ليلك يا فتى . سيكون المفتتح فيروزياَ رقيقاَ طائراَ كجنح فراشة ، والمنتهى دامياَ مقلّى فوق حنجرة سلمان المنكوب . المنظر يقبض الروح . زرعة صفراء مكسور ظهرها ، مشتولة في سندانة . عواء كلب وحيد . الليلة تؤثث بالتراتب . مانشيت تلفزيوني مشمور خارج كرزات العائلة : مات طالب السوداني بالسكتة القاضية . مرّ المانشيت سريعاَ كجرذ نازل من رازونة طين . حتى اللحظة ، لم يكن النبأ الوامض يقيناَ . كان عليّ أن أقرأ من جديد وأنطر . ربما هذه واحدة من قفشات طالب . مانشيتات عن الحكومة والرئيس والوحدة الوطنية وفوائد القهوة وثقب الأوزون وفتى أسمر جديد خرج من ظهر مايكل جاكسون ، ثم النبأ اليقين الذي جاء هذه المرة ، واضحاَ ومشعاَ وقوياَ . طالب هو صديقي وكان اقترح عليّ قبل ثماني عشرة سنة ، أن أقيم حفلة توقيع كتابي الأول ، فوق دكة عالية تنزرع عند باب سوق مريدي المشهور . أنا أحب طالب السوداني واحب شعره وصعلكته وتوقيعاته الموجعة ، وهو يستأهل مني الليلة مرثية عظيمة لم تكتب من قبل . سأنظف مائدتي وأطهّرها وأعطرها بالذكر وبالذكرى ، وأرمي كأس العرق في سطل الزبل وأسوّد البياض بموجع الكلام . حتى الآن ، لا حرف أفتتح به المعلّقة . على المراثي ان تكون موجعة ووقورة ، لكنني كلما أعدت تلاوة وتجويد مانشيت موت طالب ، متّ من الضحك عليّ وعليه وعلى البلاد التي جارت علينا . مرة ، قال كاظم الحجاج في واحدة من فلتاته البديعات ، أن عارضات الأزياء الناحلات ، لم يكلّفن الرب طيناَ كثيراَ . شكراَ كاظم عزيزي . لقد عاونتني في فك باب العصيان ، وطالب - مثله مثلهنّ - لم يكلف الله الجميل الكريم ، طينا كثيراَ . كان كومة عظام في كيس متنقّل . قمت على حيلي وشلت بيميني زجاجة العرق وبشمالي وشالة الكأس . سأبدأ فوراَ بتبديل المشهد . طالب يستاهل . صيوان فاتحة عملاق وسمّاعات رصاصية معوّجة وقوّالة نائحة تصيح : يا شيّال تابوته ، خلّه يمر بعياله . المانشيت المدهش يدور ، والتلفزيون يصير جنازة ، لكن المرثية لم تكن مؤلمة كما أشتهيت . ثمة قهقهات أرضية من حسن النواب ونصيف الناصري وضياء سالم ومنذر عبد الحر وحسين الصعلوك وسلام الأسود وحمزة الحلفي . مرثية كمال سبتي كانت أجمل وأحلى من مرثية طالب السوداني . طالب سيزعل . عياله سيزعلون . الناس كلها ستزعل عليّ ، لذا سأعيد تأثيث المرأى . مفردة المرأى ، أحسن من مفردة المشهد . سأزرع بطل العرق في خاصرة المائدة . سأترس الكأس صرفاَ وسكّاَ . سأيمم وجهي شطر وجه الولد نؤاس . سأكتب قصيدة . قصيدة نثر كما خططت . المسألة سهلة . سأفكك المكتوب وأطش الحروف وأسيّب النهايات . سأستعين ب " يو تيوب " جنازة ناظم الغزالي و " اني ليحزنني أن تذهبوا به " وسأقول لحمزة الحسن : لا يا صاحبي ، ليس لديّ منديل بكاء فائضا . سيفرح طالب وسيشتري لي وصلة أرض عند مدفنه . طالب كائن شاعر شاطر طيب ضحّاك . لقد خدع صاحب دكة المغسل ، ودسّ بجيب كفنه كمشة دنانير ، وهناك ، سيصنع لي مائدة مذهلة وتراتيل من دفتر " طز " !!