متابعات
عالمية
كاترين
مانسفيلد أميرة السرد القصير
اسماعيل
غزالي
فتاة
نيوزيلندا المتمرّدة، كاترين مانسفيلد (1888/1923)، اسم ودود ولدود في شجرة القصّة
الكونية . انحازتْ لحبّ القصّة القصيرة في إنجلترا، وانتدبتْها ملاذاً أثيراً
لحياتها العاصفة التي لازمتها التّعاسة والخيبة . وكان بيتُ القصّة القصيرة وطناً
ومنفى، يتردّد فيه رجعُ أصداءِ سيرتها المتوتّرة .
براعة الدقّة .
صرامة الحدث .
شعرية الصّدمة .
تذويت اللّغة والمونولوج المبطّن .
براعة الدقّة .
صرامة الحدث .
شعرية الصّدمة .
تذويت اللّغة والمونولوج المبطّن .
إضافة إلى الإيقاع المتخلّق عن تعالق السوناتات في نصوصها الحكائية، هي أقانيم
شديدة الحضور في كتابة كاترين مانسفيلد السّردية، وبها اجترحتْ إبداعيّة نصّها
القصصي الفريد، الذي خبرتْ فيه دروس تشيخوف وموباسان . ففي بيدرها الخاص، عالجتْ
غلال لحظة زمنها، وحلجتْ القشور عن جواهر القطاف الصّعب، واستأثرتْ بزمّرد الحكاية
.
(الرّياح تهبّ)، نموذج قصصيّ ساطع، يتمثّل مهارة وفذاذة هذه الكاتبة الأثيرة، ويستضمر البديع من مناخ ذاتها ومغامرتها . القصة تحكي عن فتاة متمرّدة، ترصد انفعالات شخصيتها عبر تداعيات يوم تهبّ فيه الرياح بشكل متعاقب . تنبغ كاترين مانسفيلد في وضع القارئ داخل اللحظة القلقة للحكي، فيتناهى إلى سمعه صفير الرياح ومهبّها المريب والمثير في آن .
فالفتاة تبدي سخطاً في الأوّل من عصف الرياح الذي تختبل له الأشياء المعتادة، ويمتدّ هذا السّخط إلى الأسرة حين تقول لأمّها إلى الجحيم . يلتمع معدن القصّة في مشهد الدّرس الموسيقي، حيث آلية التّصوير تلتقط العناصر الحسّية لما يقع في حجرة الدّرس مع المستر روبين هذا الذي يجلس إلى جانبها على كرسي البيانو ويفرد لها مشاعر خاصّة وتعاملاً استثنائيّاً، فيعزفان معاً من ريبرتوار الروائع الكلاسيكيّة بدل نوتات المقرّر الدراسي . تباغتهما ماري سوانسن الفتاة الأخرى القادمة إلى درسها قبل الموعد ويرجعان رغماً عنهما إلى التقيّد بالدرس .
الحياة مخيفة! قالت الفتاة ماتيلدا لنفسها عندما شمّت رائحة الربيع في قميص المستر روبن وقد كان خدّها لصيقاً ببدلته الصّوفية . (هنا المفارقة التي يصنعها الموقف الحكائي لرؤية القصّة، حيث يشقّ خطّ الرّبيع بقوّة دائرة الخريف) . المفارقة التي تشكّل التحوّل في خطّية النّص:
إذ ما يني السّخط على الرّياح يتحوّل إلى مديح ضمني حيث تتمازج الرّياح والموسيقا في سلك واحد مفتول، عندما تتساءل الفتاة ماتيلدا: ألم يكتب أحدهم قصيدة للرّياح؟ وكأنّ القصّة هنا، تسرق من الشّعر قبس ناره وتتحوّل إلى قصيدة نثرية . يرسّخ هذا المنحى في النصّ، موضوع الموسيقا من جهة والبنية الإيقاعية الخفيّة للقصّة ويتقوّى بتكرار كلمة الرياح وتناسلها من جهة ثانية .
القصّة منسوجة على منوال ثلاثي التواتر:
لحظة الفزع الأولى مع استيقاظ ماتيلدا من نومها واكتشاف صرير الرياح كعلامة على نهاية الصيف وبداية الخريف الذي تسِمُهُ بالقبيح، وامتعاضها من أمّها التي تحاول منعها من ثني طرف قبّعتها بينما تقطف الأقحوان في الحديقة .
لحظة درس الموسيقا الذي تفتر فيه حدّة هجاء الرياح بحضور المستر روبين وعزف كلاسيكيات الموسيقا .
لحظة المتنزه على السّاحل، مع بوجي والرّجوع بالحكي النّوستالجي إلى ذكريات الطفولة .
في القصّة جملة مسنونة يمكن أن تنسحب على ذات المؤلّفة بامتياز من دون أن يعني الأمرُ اقترافَ إسقاط خشن: (امرأة بطبع مأساوي قاتم، يلفّها البياض، جلستْ على إحدى الصّخور، مشبكة ركبتيها، واضعة ذقنها بين يديها) .
لم تكن فيرجينيا وولف، تجامل في كلمة اعترافها: (إنّها الكاتبة الوحيدة التي أغار منها)، وهما معاً إلى جانب د . ه . لورنس، كانتا من أعضاء حلقة (بلوسبيري) الأدبيّة .
رغم موجة الانتقاد القاسية التي تكبّدتها القاصة البديعة في عصرها، فقد استطاعتْ بذائقتها الرّفيعة ومغامرتها السّديدة وألمعيتها الجليلة أن تضخّ هواء جديداً في حديقة السّرد، وشيّدتْ بكتابتها المكثّفة لمدرسة قصصيّة، كان لها التأثير الواسع في أجيال القصّة في القرن الماضي ولا يزال التأثير العاتي نفسه يلقي بظلاله على نماذج من كتابة القصّةالمعاصرة .
طرز مانسفيلد الحكائي البديع، خلّدها كنجمة قطب في سماء القصّة، وإنْ عاشتْ حياة قصيرة لا تتعدّى 35 سنة، أودى بها مرض السلّ، الذي عاشت فترة قاسية من عمرها تحاربه متنقّلة بين المستشفيات، كتنقّلها السابق بين أكثر من عاشق، إلى أن تزوّجت النّاقد والكاتب (جون ميدلتون موراي) .
ولا غرابة أن تكون حياتها مثل قصّة قصيرة، لتماهيها المطلق مع هذاالفنّ السّردي الوامض .الفنّ الذي أخلصتْ له بقسوة وغرام وإتقان، لم يطو ذكرها بعد غيابها كأميرة للسّرد القصير، وخلدتْ بخلوده ضدّ سطوة النّسيان
(الرّياح تهبّ)، نموذج قصصيّ ساطع، يتمثّل مهارة وفذاذة هذه الكاتبة الأثيرة، ويستضمر البديع من مناخ ذاتها ومغامرتها . القصة تحكي عن فتاة متمرّدة، ترصد انفعالات شخصيتها عبر تداعيات يوم تهبّ فيه الرياح بشكل متعاقب . تنبغ كاترين مانسفيلد في وضع القارئ داخل اللحظة القلقة للحكي، فيتناهى إلى سمعه صفير الرياح ومهبّها المريب والمثير في آن .
فالفتاة تبدي سخطاً في الأوّل من عصف الرياح الذي تختبل له الأشياء المعتادة، ويمتدّ هذا السّخط إلى الأسرة حين تقول لأمّها إلى الجحيم . يلتمع معدن القصّة في مشهد الدّرس الموسيقي، حيث آلية التّصوير تلتقط العناصر الحسّية لما يقع في حجرة الدّرس مع المستر روبين هذا الذي يجلس إلى جانبها على كرسي البيانو ويفرد لها مشاعر خاصّة وتعاملاً استثنائيّاً، فيعزفان معاً من ريبرتوار الروائع الكلاسيكيّة بدل نوتات المقرّر الدراسي . تباغتهما ماري سوانسن الفتاة الأخرى القادمة إلى درسها قبل الموعد ويرجعان رغماً عنهما إلى التقيّد بالدرس .
الحياة مخيفة! قالت الفتاة ماتيلدا لنفسها عندما شمّت رائحة الربيع في قميص المستر روبن وقد كان خدّها لصيقاً ببدلته الصّوفية . (هنا المفارقة التي يصنعها الموقف الحكائي لرؤية القصّة، حيث يشقّ خطّ الرّبيع بقوّة دائرة الخريف) . المفارقة التي تشكّل التحوّل في خطّية النّص:
إذ ما يني السّخط على الرّياح يتحوّل إلى مديح ضمني حيث تتمازج الرّياح والموسيقا في سلك واحد مفتول، عندما تتساءل الفتاة ماتيلدا: ألم يكتب أحدهم قصيدة للرّياح؟ وكأنّ القصّة هنا، تسرق من الشّعر قبس ناره وتتحوّل إلى قصيدة نثرية . يرسّخ هذا المنحى في النصّ، موضوع الموسيقا من جهة والبنية الإيقاعية الخفيّة للقصّة ويتقوّى بتكرار كلمة الرياح وتناسلها من جهة ثانية .
القصّة منسوجة على منوال ثلاثي التواتر:
لحظة الفزع الأولى مع استيقاظ ماتيلدا من نومها واكتشاف صرير الرياح كعلامة على نهاية الصيف وبداية الخريف الذي تسِمُهُ بالقبيح، وامتعاضها من أمّها التي تحاول منعها من ثني طرف قبّعتها بينما تقطف الأقحوان في الحديقة .
لحظة درس الموسيقا الذي تفتر فيه حدّة هجاء الرياح بحضور المستر روبين وعزف كلاسيكيات الموسيقا .
لحظة المتنزه على السّاحل، مع بوجي والرّجوع بالحكي النّوستالجي إلى ذكريات الطفولة .
في القصّة جملة مسنونة يمكن أن تنسحب على ذات المؤلّفة بامتياز من دون أن يعني الأمرُ اقترافَ إسقاط خشن: (امرأة بطبع مأساوي قاتم، يلفّها البياض، جلستْ على إحدى الصّخور، مشبكة ركبتيها، واضعة ذقنها بين يديها) .
لم تكن فيرجينيا وولف، تجامل في كلمة اعترافها: (إنّها الكاتبة الوحيدة التي أغار منها)، وهما معاً إلى جانب د . ه . لورنس، كانتا من أعضاء حلقة (بلوسبيري) الأدبيّة .
رغم موجة الانتقاد القاسية التي تكبّدتها القاصة البديعة في عصرها، فقد استطاعتْ بذائقتها الرّفيعة ومغامرتها السّديدة وألمعيتها الجليلة أن تضخّ هواء جديداً في حديقة السّرد، وشيّدتْ بكتابتها المكثّفة لمدرسة قصصيّة، كان لها التأثير الواسع في أجيال القصّة في القرن الماضي ولا يزال التأثير العاتي نفسه يلقي بظلاله على نماذج من كتابة القصّةالمعاصرة .
طرز مانسفيلد الحكائي البديع، خلّدها كنجمة قطب في سماء القصّة، وإنْ عاشتْ حياة قصيرة لا تتعدّى 35 سنة، أودى بها مرض السلّ، الذي عاشت فترة قاسية من عمرها تحاربه متنقّلة بين المستشفيات، كتنقّلها السابق بين أكثر من عاشق، إلى أن تزوّجت النّاقد والكاتب (جون ميدلتون موراي) .
ولا غرابة أن تكون حياتها مثل قصّة قصيرة، لتماهيها المطلق مع هذاالفنّ السّردي الوامض .الفنّ الذي أخلصتْ له بقسوة وغرام وإتقان، لم يطو ذكرها بعد غيابها كأميرة للسّرد القصير، وخلدتْ بخلوده ضدّ سطوة النّسيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق