الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

قراءة في ديوان (جامع العسل) للشاعر ذياب الشاهين ثنائية الوطن والمرأة-أحمد الحلي



قراءة في ديوان (جامع العسل) للشاعر ذياب الشاهين
ثنائية الوطن والمرأة
أحمد الحلي

منذ سنوات عديدة ، أُتيح لي أن أتعرّف إلى الشاعر ذياب شاهين ، ووقفت عن كثبٍ على تجربته في كتابة النصوص  الشعرية وتنظيراته اللافتة حول أوزان الشعر العربي ، وأحسب أن تجربته الشعرية بصفة خاصة كانت تنمو نمواً بطيئاً ولكن باطراد ودأب ، وقد استقر في خلدي أنه يحمل في داخله صبر اليرقة ومثابرتها والتي اختارت أن تدفن ذاتها  لأمدٍ معين في شرنقة ، ثم ما تلبث أن تشقّها لتطير في فضاءات الله الفسيحة ...
بين أيدينا آخر دواوينه النثرية ، التي صدرت مؤخراً عن دار النسيم بمصر ، وهو بعنوان ( جامع العسل) ، وقد تضمن عدداً من القصائد التي كُتب معظمها وفق طريقة التفعيلة ، وتتمحور موضوعاتها حول  ثنائية ؛ الوطن والمرأة ، وما بينهما من تواشج وتقاطع ، تماهي أو تشظي ...
والشاعر ، كما يتبدّى لنا منذ الوهلة الأولى مهموم ومشغول بقضايا وطنه وما يكابده ويعانيه يومياً  المحرومون والمهمّشون  ، وهو هنا لا يتردد في أن يكون ضميرهم ولسانهم الناطق ، حاملاً على كاهله كل الهموم والمكابدات ، وفي أحيانٍ كثيرة نراه يثور ولا يتردد في إعلان غضبه على من يقفون خلف المأساة من سارقي المال العام  ممن يستأثرون بخيرات البلاد من المتخندقين خلف الشعارات الدينية التي وجدوا فيها ضالتهم دريئتهم المثلى ضد كل من يحاول إقصاءهم أو تنحيتهم عن صدارة المشهد  ، بينما غالبية المواطنين يرزحون تحت نير البؤس والفاقة والعوز الشديد ، إلا أن الشاعر سرعان ما ينتبه ، إلى أن هؤلاء اللصوص والأفاقين إنما وصلوا إلى مناصبهم ومراكزهم بتصويت الناس العاديين لهم في مراكز الاقتراع مرة بعد مرة  ، فنراه يقول ؛
وأنى لي أن أُفرّقَ
بين قطيع خرافٍ وكومةِ أفاّقين !
ولحساسية الشاعر المفرطة ، بإزاء ما يجري من حوله من منغّصات ، نراه يقول ؛
أتراني متّ حيث ولدتُ أم أنني في كلّ غروبٍ أموت .
واستكمالاً لذات المنحى ، نراه  يقول في قصيدة (هباء) ؛
اشتهيتُ ميتةً تأخذ بذراعي قبلَ أن يسقط من جبيني قمر !
وعلى ذات الوتر ، وضمن إطار الكوميديا السوداء ، نقرأ ؛
لا أكثرَ سواداً من دخّان ظهيرةٍ في الرصافة
سوى وجوه المهرّجين ، سعيدةٌ بصيفِكِ يا بغداد
فسادتُكِ يستمنون على الأرائكِ
والخضراءُ فردوسُ الثعالبِ
وما حولهم جحيمُ المعدمين!

وهناك قصيدة بعنوان ( قل يا أيها الفاسقون) ، صاغها الشاعر وفق النمط القرآني  ، إلا أنه وجّه من خلالها سهامه اللاذعة للصوص الجدد ، نقرأ ؛
قل يا أيها الفاسقون ، لا أكتب ما تكتبون ، ولا أقرأ ما تقرأون  ، دجلة براءٌ منكم ، والفراتُ أجاجٌ في حلوقكم
وفي قصيدة أخرى بعنوان (الشمس ما عادت أجمل ) ، نراه يعمد إلى تصعيد وتيرة نبرته المحتجة ، ضد أولئك الجاثمين فوق رقاب الناس باسم الدين ، فنراه وهو يشجب ويستنكر تعاليمهم القاسية المتعسفة ؛
انزلي ثوبَكِ ، ليمسَّ قدميك الصغيرتين ، كي لا تُفسدي وضوءَ اللصوص !
وما يفتأ أن يلوذ بها دريئةً بوجههم ؛
ضمّيني تحتَ جديلتيكِ
كي لا تستبيحَ دمي فتاوى الملثّمين !
وهو يرى أنه لا أمل يُرتجى من هؤلاء ؛
أيةُ بشرى سيُطلقها لصوصُ البيتِ ، وأيُّ أملٍ يرسله الملتحون ؟
ثم يعود بنا الشاعر ، إلى الحال المزرية ، التي وصلت إليها مدينته من حيث الإهمال وتردي الخدمات ؛
فالشوارعُ  ترفل بالوحول
والمزابلُ تؤثث محلتنا
كما تؤثث الحكومةُ الطرقَ بنقاط التفتيش !
ونقاط التفتيش هذه ، والت تشكل عاقاً نفسياً ، سيتكرر ذكرها في الديوان عدداً من المرات ؛
* لا قانون يحمي شوكَ ذكورتي
ورمّانَ أنوثتِكِ من التفتيش !
ليصل إلى الخلاصة التي ستشكل مفارقة ؛
أأصفّق للدكتاتور أم أبصق في وجه الحرية ؟
سيأخذ الحلمُ المستحيلُ شاعرنا إلى أسئلةٍ من دون إجابات ؛
هل أحلُمُ ببغداد خضراء من دون منطقةٍ خضراء !
وفي صورة أخرى ، أراد لها الشاعر أن تكون معبّرة عن الأسى وحجم الفجيعة ، ولكنها خرجت على هيئةٍ كاريكاتيرية ، وه ما يدخل في إطار المضحك المبكي على حد قول المتنبي ، حيث نقرأ في قصيدة "حب عند سيطرة الزوراء" ؛
والشعبُ الأعزلُ ، كُتبَ عليه المشيُ ، إلى يوم يبعثون ،
وها هو يمسي ، يمشي ، يمشي ، فالمشيُ رياضته الفضلى
أتراه يمشي لإمامٍ لم يظهر بعدُ مدفونٍ عند علاوي الحلة ؟
وهو هنا يقدم ما يشبه مرثية لبغداد وفجيعتها ؛
في بغداد الحياةُ لُغزٌ كبير ، لا فرق بين البلبلِ والأفعى !
على أننا سنرى الشاعر ، وهو  يثوب إلى نفسه ، سنره يجد عزاءه وخلاصه من خلال المرأة ، التي تمتلك المفاتيح السرية لسعادته ، وأنها وحدها قادرة على انتشاله مما هو فيه من اليأس وفقدان الأمل ، نراه يقول في قصيدة (أجنحة الرحمة) ؛
ما الحياةُ سوى أن أكون قربَكِ وتكونين قربي !
ويخاطبها قائلاً ؛
يا لي من روحٍ وحيدةٍ
لو تُعطينني شيئاً من الألم ، أفضل من كوني شبحاً !
وهو يجد منتهى سعادته بالقرب منها  ؛
ما أجمل تقبيل عينيكِ ، حقاً كنتُ أتساءل ؛
لو كان لقلبي شفتانِ !
ويصل معها إلى ذروة الحميمية ؛
فأنا لا أطمعُ ، في أكثرِ من نهدٍ منكِ على صدري
كي نقتسمَ النبضَ ، ويهدأ قلبي المجنون !
وهو يقول في قصيدة ( هباء) ؛
ضعي وردتين على قبري ، وستنطق الشاهدة !
وسنجد أن وحشته ستستبد به حين يلتفت فلا يراها موجودة بقربه ؛
يشتمني الفجرُ ، حين يراني نائماً دون امرأةٍ قربي !
وفي المحصلة  نستطيع أن نرصد عدداً من المقاطع تصب في هذا المنحى الأثير إلى قلب الشاعر ؛
* عسلُ شفاهِكِ يذكّرني برغيفٍ لم آكله بعد !
* حين لا مستْ ساقاكِ ساقيَّ ، ألا يستحقُّ صلاةً من خبأكِ في دربِ حياتي!
* يا حبيبتي الشهيةُ ، آهِ لو تفورين ، كوني تنّوراً لمرةٍ واحدة !
* يا لعيوني حينما تلاحقانِ نحلةً أسكرها العطرُ !
* لا أملك زاداً ، إلا عشقكِ وذنوبي !
* أنى لي أن أعلّق على صدرِكِ ، باقةَ النجوم الطافية ، على شط بابلَ الحزين !
* هاتي سكّيناً ، لنقطعَ شريانَ الوجدِ
فنحنُ أسارى عشقٍ لا يرحم !
* ما أجمل شفتيكِ حينما
تبوحانِ لي بقُبلٍ لن أتذوّقها أبداً !

* آهِ سيدتي ، أما آن لنا أن نستمتعَ
بالهامشِ الذي رُمينا فيه عَسَفاً
اكشفي لي عن سُرّتكِ الفضيّة !
وفي نهاية الديوان ، وفي وبالتحديد في قصيدة (ثياب الأسئلة) نراه وهو يطلق صرخته المدوية  التي تعبر عن  عمق اختلاجاته ؛
أبحث عن روحي ، فلا أرى
سوى حمامةٍ كُسرَ جناحُها !


ليست هناك تعليقات: