الجمعة، 20 أبريل 2012

الحداثة تتجاوز عبثية سيزيف-د. غالب المسعودي





الحداثة تتجاوز عبثية سيزيف

د. غالب المسعودي

الى الصحفي الرائع احمد عبد الحسين.

من الميثولوجيات الاغريقية اسطورة سيزيف والذي حكمت عليه الالهة برفع صخرة الى قمة جبل, انه يقوم بمهمة لن تنتهي ولكنه يكافح وهو يعلم انه سيكلل بالفشل , وعلى المرء ان يتصور سيزيف سعيدا وهو يعلم ان كيانه كله مكرس من اجل لا شيء, ويقوم بمهمة لاتنتهي,وهنا يبرز التحدي بسؤال ملغم, هل الحداثة تمثل عبثية الانسان.....؟

وحسب رأي غيورغي كاتشيف, الذي يرجع اصول الحداثة الاوربية الجديدة, والتي ادت الى نمط معاصر من الادب, الى تخوم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ,وهذه ترجع الى اواسط الالف الاول الميلادي ,اي من موروث قومي يتطور قبل عصر النهضة ,على قرابة الف عام .وعليه لا يمكن فهم عصر النهضة الا باعتباره نفيا مضمونيا لما كان قائما من قبل. وهكذا تكون النزعة الى الحداثة والتي يجب ان تطابق حزمة من الحاجات غير قابلة للتبديل ,وان الدوغماتية تنبعث داخل العالم اللافلسفي, وليس داخل الكيان المعرفي, والاستحصال يبقى داخل حدود, وهذه اشكالية عبر العصور, و التوسط بين الذات والظرف الموضوعي, يربح اللغة تنويرا ,على اعتبار ان كل شيء منجز والذي يعني بنفس الوقت ان لا شيء منجز, وبالتالي يزيح الاثقال العقلية والمركزية من النظرة الشكوكية الى هيمنة القوى الميتافيزيقية على جوهر ذات الانسان الجاهل, عندما يكون مجردا وموضوعا سلبيا ,وهو يزيح صفات الذات النشطة الى الوراء, على الرغم من توق الذات الى تطابقها واقعيا مع الحقائق المعروفة, وهنا يخيم جو من الوثوق بنقاء النشاط الجمعي الذي لا يتميز بأبداع و تحدث الازمات ويبدأ التأويل, والتأويل لا يحل الازمة بل يعقدها ,لان الاخفاق في رسم اوضاع جديدة يعبر عن ازمة الذات, وهكذا, تبرز هنا النتيجة الحتمية لازمة الذات, وهي عدم القدرة على التجديد وان الاصرار هو مقابل للعدمية ,و اي اعتراض ضخم ينافي الصيرورة الكونية, مع تداخل هذه التقنية تنحدر مسيرة الجاهل والمستذل في صوغ المرويات ,وما الحداثة بفعل قابل للفحص العقلاني لكي تحسم النهاية ,والموت له كلمة النهاية في مستقبل البشر, وان بناء الاشكال الجديدة وتحديث البنية لا يمنحنا الاستقلال ,وقد لا يفضي الى التجاوز بوجود محيط أنثروبولوجي يستنزف مكونات العقل ويغلق دائريا تطلعات الانسان بواسطة انتشار فعالية المركز واهمال فعالية الحافة, وما دام الموت هو حتمية ثقيلة فأنه يجعل كل مشروع انساني عقيما ,رغم ثقل التحديات وعمليات الهدم المستمرة ,لان صدمة عدم العودة تمنع التركيب وتمحو الاجراءات الاساسية في تحصيل النتيجة, وهذه ثنائية مرت عصور طويلة على نضجها وان ما لا يدرك بعصور طويلة لا يمكن ادراكه بأزمنة قصيرة, والرغبة القائمة على التقليد و ان كان غير مفتوح على المستقبل وهويواجه رفضا منهجيا وهذا امر طبيعي, ومنطقي , هكذا يصبح المعنى فارغا ضمن اطار الثقافات الانسانية المعاصرة , والضحية يظل معرضا للهفوات ولو عفويا, وان مفهوم الانتشار اصبح احد اهم سمات ثقافتنا المعاصرة وذلك بالتأثر والتأثير واستخدام عناصر الاستعارة والاستقلالية المنفتحة, لكن الفكر الطقوسي لا يزال يعمل على تكرار الاواليات المؤسسة, وهنا لا بد له ان يستعمل شيء من العنف, او بعض اشكاله والتي ترتبط اساسا بالأزمة التضحوية اكثر من ارتباطها بالمنقذ للجماعة, وهذا يرجع الى زمن تكون فيه الازمنة مشوشة ولم تكن الالهة قد امتصت العنف بشكل قرباني بعد,والضحية الاسطورية تكون دائما من الفرق الضائعة وبشكل يرضي السلطة, وهكذا تمارس التراجيديا فعلتها باستخفاف ويكون سيزيف ضحية الهة الاولمب ,وهو حامل اسطوري ومعرفي ينفتح في مختلف المراحل في فضاء الحياة ,عندما تكون الثقافة متوارثة من الخطيئة الاصلية, فان اصل الكون سيكون خطيئة محايثة ,وبالتالي تستمر الذرائعيات تمسرح ذاتها وان الحداثة وما بعدها ما هي الا غواية وتلغيم الجسد بما هو شهوي, ينقل العدوى وهذه احدى خاصيات العقل العصابي لأنه يطابق التوليف الجنساني مع وهم معقلن, وزخم علاماتي يمتاز بالجمود اللامتناهي, لكن الحداثة في الواقع فعل مركب لها سمة الحبكة و تشكل ملحمة تنجز معناها, وهذا العالم موسوعة معارف قبل كل شيء.

ليست هناك تعليقات: