الشعائر والرموز من الارواحية الى الاسطورة
د.غالب المسعودي
بالرغم من تراجع المعتقدات الاسطورية, تراجعا هائلا في المجتمعات الحديثة الا انها في الشرق لا تزال تهيكل المخيال الجمعي للانسان المعاصر,رغم ان علم الفلك والفيزياء قد كشف سر خلق الكون, وان علوم ماقبل التاريخ وعلم البيولوجيا قد اثبت ان الحياة قد تطورت في المحيط البدئي, منذ اكثر من اربعة بلايين من السنين, لكن حضور الراسب الاسطوري ,والذي يرمز الى زمن البدايات يشكل عبادة صوفية للماضي,عندما كان الانسان في بدايات تطور وعيه ومحاولات تجاوزه رتبة الانسجام مع محيطه المضطرب. ومحاولاته في البحث عن تفسير للظواهر الطبيعية,كعودة الفصول وتفاوتها ومواجهة الكوارث وتحدياتها, ظل يجتر نفسه, وتصور ان المحيط البيئي الذي يعيش فيه تلفه الارواح ,وارواح الالهة خصوصا ,من الحجر الى الشجر, ولما لم يقنعه ذلك, تحول الى الاحيائية, والتي يتوهم فيها انه على صلة بالاسلاف, على اعتبار ان الاسلاف عندما يموتون ينتقلون الى السماء وذلك بتحولهم الى ارواح صافية, وهم يمتلكون قوة هائلة ,وان كل نشاط انساني لا يباركه الاسلاف يفقد معناه, وهذا بحد ذاته رق نفسي ,بل ربما عصاب استحواذي, يدفع الضحية الى تحقيقه عبثيا او كارثيا في احيان كثيرة,وذلك بعدم استخدام الوعي وهوالمعطل اصلا بمفهوم ان السلف اعرف بمصالح الاحياء من الاحياء انفسهم, وقد يتخذ طقسا سورياليا او دعابة سوداء, وهذه الاكثر نجاحا في المجتمعات الشرقية ومعيار النجاح هو وضع محدد عندما يتكاثر عدد الحاملين لهذه السمات ويقل عدد من يمتلكون وعيا متقدما من وجهة نظر تفدمية, وهنا تكون كلمة الابداع رغم غناها المعنوي بلا معنى, و لايمكن ربطها بافعال الناس ولا بتجربتهم الانسانية, بل ولا تلقى اي قيمة من خلال الاستدلال ,لانها لا تشكل نسقا مع النموذج القديم والمتوارث ,وفي احالة للموضوع الى علم الانثربولوجيا الاجتماعية نجد ان النظرية تبدأ عند الانسان من البسيط الى المركب, وهنا يغدو التناقظ واضحا بين حالة المعرفة المتقدمة والسلوكيات الاجتماعية المتعارفة ,والتي تبدأمن صلة القرابة وعلى فترات محدودة الى الروابط البيئية والاقتصادية داخل مجتمع ما تسوده تقاليد ثقافية لها نفوذها الاجتماعي وهي المسماة بالعرف ,يعززه تراث تليد يؤمن لهم مستقبلا تاريخي غير مشكوك في ارجحيته ,رغم الاخفقات الكثيرة, وهذه الاخفاقات ترجع الى قوى عالمية وبيئية واجتماعية تتهم بمحاولة اعادة صياغة التراث وتحجيمه ,وهي تركز على حساباتها , وهذا يبدو نوع من الاعتراض الهوسي,اذ انه يجب ان يكون هناك فارق بين الوعي بموضوع والموضوع نفسه, وهذه هي مفارقة حلمية على مستوى الواقع و الحلم وموضوع الحلم,والانسان البدائي كان لا يفرق بين الحلم وموضوع الحلم من ناحية واقعية ويعتقد ان ما جرى في حلمه له ابعاد واقعية, وهذه هي حال الذين يعيشون خارج طبيعة العالم, رغم اننا لاننكر ان هناك ارتباط سببي واحيانا ان هناك مصادفة حسية قد تتجاوز الادراك المالوف.وهنا اود التنبيه الى ان الممارسات السحرية القديمة لم تعد ,كافية فالحياة الجديدة تستدعي ركائز جديدة وان المفاصل المهترئة عليها الانسحاب داخل قوقعة الاسطورة , وان الافكار الخاصة بحضارة ما ,من دمى الالهة الى جميع الفنون الرفيعة يمكن معرفتها في عصرنا الحاضر, كونها تمهيد طبيعي لنشوء حضارتنا المعاصرة, والتي يجب ان لا ينمو بداخلها الا ما هو طبيعي ومنسجم مع عصره, ومن حسن الحظ رغم وجود مصاعب الا ان معرفتنا بالمكان تمكننا من تتبع تطورات الطقوس في اطوارها المختلفة,اذ يستمر الموتى في حياتهم الارضية في مكان اخر وعلى الاحفاد خدمتهم, والسؤال كيف نضع في الميزان خمسمائة الف سنة من حياة شبه حيوانية ومن التجوال والاقامة في الكهوف, وعلينا الان ان نحملها على ظهر سقراط وافلاطون, ونحن نعرف ان المليون سنة التي مضت على وجود البشر كانت نوع من الضياع لانهاية له وكان تعبيرا عن عجزه عن مواجهة قوى الطبيعة, وحينما اكتشف الانسان بذكائه التنظيم الاجتماعي عندها بدأت المغامرة الكبرى وأجرى كشف حساب استثمر فيها الشعائر والطقوس البدائية قبل ان تضمحل, بارجاعها الى الماورائيات من اجل استثمارها اقتصاديا وتشكيل الثروة والسيطرة على مصادرها دون ان يضع الانسان في موقعه كونيا , بل في مواجهة مع الكون بموقف يجمع البشر ولا يساوي بينهم في ظل سلطة مطلقة ودون توضيح, واذا كان علينا ان نعرف مصيرنا, يجب ان نصون قناعتنا كافراد منفصلين عن تاريخ العالم ,وكل ماض هو دراما لاتعرف الاعادة, اذ لا يمكننا الحضور شخصيا ومشاهدة الممثلين وان حقيقة ما يترك هي مشاهد سريعة الزوال وما يبقيها متجانسة هو تكرار السرد لتجاوز اخفاقات المعنى, ويبعد الشكوك وان كانت بلا ترتيب وهكذا تشكل هدفا نفعيا دينيا وهو موضع الاهتمام الوحيد واقناع الاتباع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق