الجمعة، 27 أبريل 2012

دعارة الأطفال في البصرة: «انهم طيبو القلب-البصرة - سليم الوزان

دعارة الأطفال في البصرة: «انهم طيبو القلب يحبونني ويجلبون لي الهدايا والسجائر»
كان ناجي في الثانية عشرة من عمره عندما اتجه للعمل حمالا في أسواق البصرة. معوزاً دون أب أو راع يحميه ، سرقته حياة الشارع إلى التدخين وإدمان الأقراص المخدّرة. بعدها بثلاث سنوات انجرف إلى بيع جسده.يدخّن ناجي بشراهة وتبدو نظراته زائغة وهو يسحب عربته الحديد الثقيلة لنقل بضاعة المتسوقين إلى أقرب كراج للسيارات بالعشّار، مركز محافظة البصرة.لم يكترث كثيراً بالسؤال عن سبب انخراطه في بيع جسده، فهو لا يعي شيئاً عن الاستغلال الجنسي أو مصطلحات من هذا النوع. كان يكتفي بابتسامة عريضة قائلا: «حبيبي.. أنا أولا أحصل على المال لأعيش، ومن ثم أحصل على المتعة والوناسة». بحسب فهم ناجي فإن الأشخاص الذين يمارسون الجنس معه «عطوفون وكرماء». ويتابع «انهم طيبو القلب يحبوني ويجلبون لي الملابس والهدايا، والسجائر في بعض الأحيان».ويعيل هذا الطفل ثلاثة أخوة يصغرونه سنّا وأماً فقدت زوجها في حرب 2003. وهو يترك عائلته أياماً لا يسأل عنه أحد. يقول ساخرا «أعود إليهم ومعي نقود ترضيهم وتغلق أفواههم». أكثر من صورة لناجي تجدها تتكرر في أنحاء متفرقة من المحافظة الجنوبية التي اجتذبت ما يناهز المليون نازح من المحافظات الأخرى خلال السنوات القليلة الماضية. أطفال بثياب رثة ووجوه متسخة ينتشرون في أسواق البصرة، يمتهنون أبسط الأعمال وأرذلها.»أبو الجاف» ينادي أحمد على زميله ناجي، وكأنه رجل مكتمل النضوج. أحمد لا يتعاطى «الكبسلة»، لكنه أيضا يعرض جسده الهزيل مقابل خمسة دولارات أو عشرة.يلقب أحمد في السوق - وهو في الرابعة عشرة من عمره- بـ «أبو شهاب»، وينحدر من عائلة جرى تهجيرها من محافظة بابل في 2006 خلال الصراع الطائفي الدموي الذي اندلع بين الشيعة والسنة. «بعد وفاة والدي وجدت نفسي مع عربتي هنا»، بدأ أحمد الكلام عن نفسه، متابعا «لم يتحمل أحد من أقاربنا مسؤوليتنا لذا تركت المدرسة لأعمل حمالا في السوق». يعيش أحمد مع والدته في «الحواسم». تلك المناطق أشبه بأحياء صفيح تحيط المدينة وتضم خليطاً غريباً من العائلات المسحوقة والنازحة من المحافظات الأخرى والمهجّرين جراء الصراع الطائفي. الأهالي يسمون أحزمة البؤس تلك بالحواسم كاشتقاق شعبي تهكمي من حرب 2003 التي دعاها صدام بمعركة الحسم. هكذا بات وصف «الحواسم» يطلق على كل شيء غير قانوني.ومع حالة الانفلات الأمني وسيطرة الميليشيات المسلحة على المدينة بين 2003 و2008 تفاقمت أوضاع هذه الأحياء سوءً، وما زالت الى الآن رغم الاستقرار النسبي تفرخ جيوشاً من الصغار الذين لا يهمهم سوى الحصول على قدر من المال بأي وسيلة. يقول أحمد الذي يبدو عليه الاضطراب والتردد «منزلنا مكون من غرفة واحدة في بيت مشترك مع ثلاث عائلات أخرى»، ويضيف أن أمه تأمره بالعمل كل يوم. «إذا لم أجلب نقودا أنام في الطريق». المتجول في سوق العشار المركزي يعثر بسهولة على رفاق ناجي وأحمد. عشرات من الأطفال الحمالين وباعة أكياس النايلون والمتسولين يتقاتلون على بقايا الطعام والهبات. وإزاء ضعف الأجسام الظاهر وأعمارهم الصغيرة ينقلب هؤلاء في كثير من الأحيان إلى أشخاص خطرين أو عدائيين. أحمد مثلا الذي يبدو انطوائيا وخجولا يخفي تحت ثيابه سكيناً ذا قبضة جلدية. ويبرر ذلك بالقول «يزاحمني بعض الأولاد على مكاني في السوق، وأضطر لمواجهة شباب يكبرونني بالسن، كما أن التحرك في الليل خطر».في أزقة الأسواق تلاحق أحمد وسواه من الأطفال النظرات المريبة والألفاظ المشينة. غير أنه حسب قوله لا يكترث. «مهنة الحمالة لا توفر مردوداً ثابتاً بينما تطالبني أمي بالمال يومياً»، يعلّق. وعلى حد قوله كون علاقات حميمة مع بعض تجار السوق. «هناك رجل يأخذني معه فأبيت معه ليلة أو اثنتين، وفي بعض الأوقات يتركني مع أصدقائه». مضيفا بأن هذا التاجر أصبح «صديقاً للعائلة». وفقا للقانون العراقي تصل عقوبة مستغل الأطفال جنسياً إلى الإعدام أحيانا لكنها قلما تطبق فعليا. أما الطفل فلا عقوبة بحقه إلا في حال ارتكابه جنحة فيودع في ما يسمى بمدرسة إصلاح الفتيان.ورغم تشدد القانون إلا أن الصغار غير محميون، يقول المحامي طارق الابرسيم، «فالشرطة لا تقوم بدورها في مراقبة ظاهرة الاستغلال الجنسي والقوانين لا تطبق». خطة محافظة البصرة في تشكيل قوة من الشرطة المجتمعية على غرار بغداد ومحافظات أخرى للحد من هكذا ظواهر باءت بالفشل. إذ جرى إيقاف عمل الشرطة المجتمعية في آذار (مارس) الماضي بعد وقت قصير من افتتاح أول مركز لها في قضاء الزبير، بسبب اعتراض أعضاء مجلس المحافظة عند طرح الملف على التصويت. ويناط بالشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية متابعة مشكلات الأحياء مع المخاتير والوجهاء ورؤساء العشائر، والتحري عن العابثين بالأمن، ووضع حد لحالات العنف المنتشرة، وهي تعرّف نفسها «وسيطا بين أجهزة الأمن وشرائح المجتمع».وبحسب تجار في سوق العشّار، فإن مستغلي الأطفال معروفون في المنطقة ومن السهل تعقب أثرهم. ويقول (طالب. م) وهو صاحب محل لبيع الألبان أن «لا أحد منا يرغب بالتدخل مخافة منهم والحكومة لا تتدخل هي الأخرى».ويضيف أن «بعض هؤلاء يأتي على دراجات نارية أو في سيارات حديثة وهم أشخاص خطرون جداً يستدرجون الصغار ساعات الظهيرة أو المساء إلى أماكن خاصة ليمارسوا معهم اللواط كما يستغلونهم في الدعارة والسرقة وتعاطي المخدرات». ويشير هذا التاجر إلى أصحاب متاجر آخرين مشهورين في السوق باعتدائهم على الأطفال. «انهم يتفاخرون في جلساتهم الخاصة بعدد الأطفال الذي اعتدوا على براءتهم». لكن المحامي طارق الابريسم يشير إلى أن الكثير من قضايا استغلال الاطفال تحل عشائرياً وبمعزل عن الحكومة. في قضاء الزبير مثلا، الذي يبعد 20 كلم عن مركز البصرة، اكتشف قبل أيام أمر أحد مغتصبي الأطفال، لكن القضية جرى حلها عشائرياً بترحيل الجاني من المنطقة وإرغامه على دفع «الفصل» وهو مبلغ من المال تحدده عشيرة الضحية.فضلا عن الدور الأمني، تغيب برامج الرعاية الاجتماعية لسد حاجة أسر أولئك الاطفال ما يجبرهم على الدخول في علاقات عمل مبكرة وخطرة. فراتب الرعاية الاجتماعية للأسرة المكونة من خمسة أشخاص لا يزيد على 120 ألف دينار (حوالي 100 دولار شهرياً)، وهو مبلغ وصفه وزير العمل والشؤون الاجتماعية نصار الربيعي في معرض انتقاده لموازنة عام 2012 بأنه «يمثل انتهاكا صارخا لقدسية كرامة الانسان العراقي».وكانت الوزارة ضمن ما يسمى «استراتيجية التخفيف من الفقر» حددت الحد الادنى لدخل للعائلة العراقية المكونة من خمسة أشخاص في ظل التضخم الموجود بـ 400 الف دينار عراقي، وهو رقم بعيد جدا عن ما تتقاضاه أسرتي أحمد وناجي. ولا يمكن الكشف عن أعداد الصبية العاملين في الأسواق الذين يتعرضون للاستغلال الجنسي، فأغلبهم يتحاشون التطرق للموضوع، كما أنهم يخضعون لأشخاص يفرضون عليهم التزام الصمت لكن الظاهرة تنتشر بشكل مكثف وفق متابعين في المناطق التي تعرضت للتهجير القسري.واظهرت دراسة تعود للعام 2008 أعدتها منظمة حقوق انسان عراقية ان 72 بالمئة من أطفال الأسر المهجرة في مدينة الناصرية القريبة من البصرة يمارسون أعمالا لا تتناسب مع أعمارهم، مثل تنظيف الشوارع والحمالة، ويمضي بعضهم أكثر من سبع ساعات عمل بشكل متواصل دو راحة. وشملت الدراسة التي أعدتها منظمة الأمل العراقية 411 أسرة لديها 1243 طفلا، وقالت ان هناك منهم من يمارس أفعالا انحرافية مثل بيع العقاقير المخدرة والدعارة. ويقول سامي تومان الناشط في حقوق الانسان، «الأمر لا يختلف كثيرا في البصرة رغم ان مدينتنا هي الأغنى في الموارد والنفط والتجارة البحرية على مستوى العراق». بالنسبة لهذا الناشط، فإن ظاهرة استغلال الأطفال هي وليدة أوضاع غير طبيعية مرّ بها المجتمع العراقي خلال العقود الثلاثة الماضية. ويضيف تومان في هذا الصدد أن «هؤلاء الأطفال لا يمتلكون حق الاعتراض على واقعهم وظروفهم الأسرية وهم ضحايا لمجتمع مفكك ومحطم حكم عليهم بأن تتوقف حياتهم قبل أن تبدأ». ناجي الذي لا يجيد القراءة والكتابة يعبّر بطريقة أخرى عن ذلك: «لا أفكر في يوم غد. أفكر فقط كيف بامكاني ان أمضي يومي هذا»، يقول، ويمضي جارّا عربته في السوق باحثا عن زبون ينتهك ما تبقى لديه من طفولة.

هناك تعليق واحد:

سجاد الوزان يقول...

س ع/ الموضوع يحتاج إلى من يوصله إلى جهات إعلامية وحكومية، فقد أخذ بالأنتشار حقيقة بصورة غير مسبوقة، وشكراً لكم عزيزي سليم الوزان على هذه الالتفاتة القيمة والرائعة والتي تحاكي مآسات وطن سرقه أهله.