قصة قصيرة
الذراع
إلى: يوسف الصائغ بعد قليل من الطرقات، فتح ( ص ) الباب، ليجد ثلاثة يرتدون الملابس الزرقاء وقد ارتسمت على أفواههم ابتسامة موحدة، وكاد لا يميز أيا ً منهم عن الآخر في الطول واللون والشكل عامة .. فبادرهم بالسؤال : ـ " هل تفتشون عن أحد ؟ " قالوا : ـ " كلا " أطمأن نسبيا ً ، فتشجع قائلا ً : ـ " تفضلوا .. أنني .. " قالوا بصيغة سؤال : ـ " الم ْ تفقد ذراعك ؟ " كان يعرف أنه فقد ذراعه منذ زمن بعيد .. فقال : ـ " هذا أكيد ! " وكاد يحدثهم عن السبب لولا أنه قرر ألا يورط نفسه في كلمة زائدة قد تؤدي به إلى ما لا يحمد عقباه . فقالوا : ـ " لقد عثرنا عليها " . صرخ بصوت مذعور، بصوت مخنوق : ـ " عظيم " . بيد أنه أضاف بصوت مرتجف : ـ " هل هذا أكيد ؟ " ـ " طبعا ً .. طبعا ً .. وهل لديك شك ؟ " ـ " أبدا ً .. وما الداعي للشك؟ " قال : ـ " لكنني لست بحاجة إليها " ذلك لأنه، قال بصوت مسموع، قد ألف حياته من غير ذراع .. بل أنه لا يريد أن تعود اليه ابدا ً : ذلك لأنه لم يرد أن ترجع فترجع بسببها ذكريات قديمة بالغة الاسى . ـ " لقد .. " وتلعثم متابعا ً : ـ " وما حاجتي إليها، بعد هذه السنوات ؟! " نظروا نظرة ثاقبة واحدة فشعر أن جسده يرتخي، يرتجف، وهو يسنده إلى الجدار.. كان يرى ثلاثة أشباح في شبح واحد : صفر .. لون ترابي مبيض .. مسود .. فيزداد زرقة فجأة .. ثم يعود لون التراب .." ترى ما الذي يمكن أن أقوله ؟" كذلك دار بخلده أنه لن يفسد حياته الهادئة بأعتراض . فقال : ـ " أشكركم .. إنني أشكركم .. " قالوا : ـ " على م َ تشكرنا ؟ " أجاب وهو يكتم صرخات كاد تغادره : ـ " على ... " وتلعثم مرة ثانية . لكنهم سألوه : ـ " إذا ً فقدت ذراعك ..؟ " ـ " نعم .. لا .. نعم لا .. " قالوا بصوت مرتفع وموحد: ـ " حدد ! " قال بعد تعاقب شهيق وزفير شديدين محاولا ً الحفاظ على الثبات في وقفته : ـ " إنني .. لا .. لا .. لا أعترض " صمتوا ثم قالوا في الحال: ـ " خذ " أمسك برزمة صغيرة .. ولم يعد يرى أيا ً منهم .. وعندما دخل إلى البيت جلس يستعيد قواه .. ولا يعرف متى آفاق من الاغماءة عندما فتح الرزمة ليجد فيها ثمة عظما ً واحدا ً مثلوما ً من الوسط والاطراف . مجلة اليمامة السعودية / العدد 890 / 1406 للهجرة
إلى: يوسف الصائغ بعد قليل من الطرقات، فتح ( ص ) الباب، ليجد ثلاثة يرتدون الملابس الزرقاء وقد ارتسمت على أفواههم ابتسامة موحدة، وكاد لا يميز أيا ً منهم عن الآخر في الطول واللون والشكل عامة .. فبادرهم بالسؤال : ـ " هل تفتشون عن أحد ؟ " قالوا : ـ " كلا " أطمأن نسبيا ً ، فتشجع قائلا ً : ـ " تفضلوا .. أنني .. " قالوا بصيغة سؤال : ـ " الم ْ تفقد ذراعك ؟ " كان يعرف أنه فقد ذراعه منذ زمن بعيد .. فقال : ـ " هذا أكيد ! " وكاد يحدثهم عن السبب لولا أنه قرر ألا يورط نفسه في كلمة زائدة قد تؤدي به إلى ما لا يحمد عقباه . فقالوا : ـ " لقد عثرنا عليها " . صرخ بصوت مذعور، بصوت مخنوق : ـ " عظيم " . بيد أنه أضاف بصوت مرتجف : ـ " هل هذا أكيد ؟ " ـ " طبعا ً .. طبعا ً .. وهل لديك شك ؟ " ـ " أبدا ً .. وما الداعي للشك؟ " قال : ـ " لكنني لست بحاجة إليها " ذلك لأنه، قال بصوت مسموع، قد ألف حياته من غير ذراع .. بل أنه لا يريد أن تعود اليه ابدا ً : ذلك لأنه لم يرد أن ترجع فترجع بسببها ذكريات قديمة بالغة الاسى . ـ " لقد .. " وتلعثم متابعا ً : ـ " وما حاجتي إليها، بعد هذه السنوات ؟! " نظروا نظرة ثاقبة واحدة فشعر أن جسده يرتخي، يرتجف، وهو يسنده إلى الجدار.. كان يرى ثلاثة أشباح في شبح واحد : صفر .. لون ترابي مبيض .. مسود .. فيزداد زرقة فجأة .. ثم يعود لون التراب .." ترى ما الذي يمكن أن أقوله ؟" كذلك دار بخلده أنه لن يفسد حياته الهادئة بأعتراض . فقال : ـ " أشكركم .. إنني أشكركم .. " قالوا : ـ " على م َ تشكرنا ؟ " أجاب وهو يكتم صرخات كاد تغادره : ـ " على ... " وتلعثم مرة ثانية . لكنهم سألوه : ـ " إذا ً فقدت ذراعك ..؟ " ـ " نعم .. لا .. نعم لا .. " قالوا بصوت مرتفع وموحد: ـ " حدد ! " قال بعد تعاقب شهيق وزفير شديدين محاولا ً الحفاظ على الثبات في وقفته : ـ " إنني .. لا .. لا .. لا أعترض " صمتوا ثم قالوا في الحال: ـ " خذ " أمسك برزمة صغيرة .. ولم يعد يرى أيا ً منهم .. وعندما دخل إلى البيت جلس يستعيد قواه .. ولا يعرف متى آفاق من الاغماءة عندما فتح الرزمة ليجد فيها ثمة عظما ً واحدا ً مثلوما ً من الوسط والاطراف . مجلة اليمامة السعودية / العدد 890 / 1406 للهجرة