الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

المفكر عبدالله العروي متحدثا عن مفهوم الايديولوجيا-احمد الحلي


المفكر عبد الله العروي متحدثا عن مفهوم الأيديولوجيا

المقلّد لايصغي
أحمد الحلي
بين أيدينا الطبعة السابعة من كتاب " مفهوم الايديولوجيا " للمفكر العربي عبد الله العروي ، والتي صدرت في العام 2003 ، وتناول فيه هذه الموضوعة الشائكة والحيوية " الايديولوجيا " بشيء من التفصيل والإحاطة ، باحثاً في المصادر والمظان عن جذورها وامتداداتها في الفكر العالمي ، وصولاً إلى العصر الذي نحيا فيه والذي شهد الانتحار الجماعي للايديولوجيات " الشمولية " الوضعية . التي إستلمت منها الزمام آيديولوجيات أصولية شرسة يعتقد منظروها أنهم يتلقون الأوامر من السماء ..
يشير الكاتب في مقدمة كتابه المقتضبة الى أن أصل الكتاب محاضرة تم القاؤها من قبله على طلبة كلية الآداب بالرباط تحت إشراف الجمعية الفلسفية ، وكانت المحاضرة بعنوان " ما هي الايديولوجيا " .
في الفصل الأول من الكتاب ، يستقصي الكاتب أصل كلمة " ايديولوجيا " ويعرض مقترحاته بشأنها ، فيقول إن هذه الكلمة دخيلة على جميع اللغات الحية ، وهي تعني لغوياً ، في أصلها الفرنسي ؛ علم الأفكار ، لكنها لم تحتفظ بالمعنى اللغوي ، إذ استعملها الألمان وضمنوها معنىً آخر ، ثم رجعت الى الفرنسية ، فأصبحت دخيلة حتى في لغتها الأصلية ، وهو يرى أن ترجمتها الى اللغة العربية غير مرضية ، ذلك أن العبارات التي تقابلها ؛ منظومة فكرية ، عقيدة ، ذهنية ، الخ ... ، والتي تشير فقط الى معنى واحد من بين معانيها ، غير أنه يضيف : " إننا نجد في العلوم الإسلامية لفظة لعبت دوراً محورياً ، كالدور الذي تلعبه اليوم كلمة ايديولوجيا ، وهي لفظة " الدعوة " في الاستعمال الباطني ، غير أنه من المستحيل احياؤها والاستعاضة بها عن كلمة ايديولوجيا التي انتشرت رغم عدم مطابقتها لأي وزن عربي ، لذا أقترح أن نعربها تماماً وندخلها في قالب من قوالب الصرف العربي ، وسأعطي المثل ، فاستعمل فيما يلي كلمة " ادلوجة " على وزن افعولة وأصرّفها حسب قواعد العربية " .
ويلاحظ أن الكاتب " إستعمل اسلوبه التبسيطي التعليمي في توضيح المرامي التي هو بصددها فيقول ؛ نقول إن فلاناً ينظر الى الأشياء نظرة ادلوجية ، نعني انه يتخير الأشياء ويؤول الوقائع بكيفية تظهرها دائماً مطابقة لما يعتقد أنه الحق ، يتعارض الفكر الادلوجي مع الفكر الموضوعي الذي يخضع للمحيط الخارجي فيتشبع بقوانينه ، ويخلص الى القول : " إن عصرنا الذي يعبد العلوم الطبيعية يرى الفكر الادلوجي بامتعاض كبير ، اذ يعتقد أن الارتباط بمعتقدات مسبقة غير مبنية على تجربة شخصية علامة من علامات المراهقة الفكرية " .
في الفصل الثاني ، يتعرض الكتاب الى المرحلة التاريخية التي سبقت تبلور مفهوم الايديولوجيا ، متناولاً " الإرث الافلاطوني " والتجربة الإسلامية ، حيث يعرض تساؤل أبو حامد الغزالي في كتابه المشهور ( فضائح الباطنية ) : لماذا يعتنق الرجل العاقل دعوة متناقضة البرهان واهية الأساس ؟ ، ويصل الغزالي الى الاستنتاج التالي : إن المسألة ليست من قبيل المنطق ، ولذلك لا تنفع فيها المناظرة الكلامية . ولافتاً في الوقت ذاته الى أن اعتناق الدعوة الباطنية هو دافع نفسي سابق لكل تدبر ، دافع يرجع الى عداوة مستحكمة ضد الدين الإسلامي ، وهو لا يقف عند الخلل العقلي ، بل يعزوه الى العلة الأولى ؛ النزعة التي لا ينفع فيها ولانصح ولا جدال ، يقول في ( القسطاس المستقيم ) : " إن المقلد لا يصغي " .
وفي الفصل الثالث ، وتحت عنوان الادلوجة / قناع ، يعرض المؤلف مشروع فلسفة الأنوار الني بشرت وواكبت عصر النهضة الأوروبية ، والذي يمكن تلخيصه بالمقولة التالية : أصبحت الادلوجة تعني في العرف تلك الأوهام التي يستغلها المتسلطون ( الرهبان والنبلاء والأغنياء ) ليمنعوا عموم الناس من اكتشاف الحقيقة . وينتقل الى ماركس والمصلحة الطبقية ، ونيتشه الذي عاصر مرحلة نشوء الماركسية ، والذي لا يرى في الاشتراكية إلاّ صورة غلّ وحسد الضعفاء ، ثم ينتقل الى فرويد ومنطق الرغبة ، ونجد عنده عبارات نظن أول الأمر أنه نقلها عن نيتشه ، نقرأ مثلاً : " علينا نحن بني الانسان أن لا نهمل الحيواني في طبعنا " ، ولا غرابة في ذلك اذا تذكرنا أن نيتشه كان يعتقد ان الانسان يحتاج الى الأطباء أكثر مما يتحاج الى الفلاسفة . ويستعرض عدداً من التفسيرات الفرويدية حول انتشار الدعاية السياسية ، اي الكيفية التي يقتنع بها الفرد بأدلوجة ما ، ويصبح يرى كل شيء حسب منطق مقولاتها ، " إن التفسير الرائج في أواخر القرن الماضي يعتمد الإيحاء والتلقين ويرى أن الاقناع هو نتيجة هيبة يشعر بها فرد إزاء فرد آخر ، وهذه الهيبة تعمل كالمغناطيس ، فالفرد الذي يملكها يوحي الى الآخرين بآرائه ويفرضها عليهم " .
وعلى العكس من ماركس الذي يرى أن الأيدلوجية تخفي مصلحة طبقية ، يقول نتشه إن القيم الثقافية أوهام ابتدعها المستضعفون لتغطية حقدهم ضد الأسياد ويعلل قوله استناداً إلى قانون الحياة . " ويتوقف الكاتب طويلاً عند هيغل الذي يحيلنا إلى منتسكيو الذي ربط من خلال مؤلفه (روح القوانين ) بين النظام السياسي والقانون المحيط الجغرافي الذي يعيش فيه شعب ما من جهة ، وبين السمات الخلقية التي يتحلى بها أفراد ذلك الشعب من جهة ثانية ، وهكذا نجده يقول أن الفضيلة روح الديمقراطية والانفة روح الملكية والخوف روح الاستبداد ، ويعتقد هيغل أن روح التأريخ واحد لأن قصد التأريخ الانساني العام هو تحقيق الحرية ، فحين تغادر الروح دولة لتحل دولة أخرى فانها تنتقل من حرية إلى حرية أعلى ، وحين تهاجر روح التاريخ ثقافة ما فلأن ظروف حرية اكبر تواجدت في غيرها من الثقافات وهكذا يحكم على كل حقبة تاريخية اعتماداً على معيارين متكاملين : معيارها الخاص بها ومعيار عام هو روح التاريخ الشامل الذي يشخص المطلق . ويضرب مثلاً بالرق ؛ كان أرسطو يبرر الرق قائلاً : إن المنتصر في الحرب يستطيع دائماً أن يقتل المغلوب . لكن في استطاعته أيضاً أن يعطيه الخيار بين الموت والاسترقاق ، من يفضل الحياة على الحرية يصبح عبداً ، وهذا هو عين العدل ، ثم جاءت المسيحية وقالت إن الناس كلهم سواء عند الله وان الروح الفردية لا تستعبد ابداً ، ثم جاء عهد الأنوار وقال إن الناس يولدون أحراراً ، فحكم أن الرق وصمة في التاريخ القديم .
كما أن ماركس ياخذ على المؤرخين " أنهم يسجلون فقط الوقائع الكبرى ، من أحداث سياسية وحروب دينية ونزاعات نظرية ، وأنهم يشاطرون رغماً عنهم أوهام الحقيقة التي يؤرخون لها "
وينقل الكتاب تأكيد ماكس فيبر في الرد على بعض مزاعم الماركسية من أن التأريخ ليس محدثاً في كل مظاهرة ، كانت سمات مثل عقلنة العمل أو الانضباط ، معروفة في اديرة القرون الوسطى ، وفي الجيش الروماني ، بل وحتى في بابل والصين " ، مشيراً إلى أن هناك ظاهرة واحدة لم تكن معروفة وهي الميزة التي كوّنت الرأسمالية الحديثة ويعرفها فيبر هكذا ؛ " كون المرء يعتبر أنه يقوم بواجب أخلاقي عندما يمارس حرفة أو مهنة ... كون الفرد يقوم بعمله وكأنه رسالة " .
أما الفصل السابع فقد خصصه المؤلف عن الأيدلوجيا في العالم العربي ، مسلطاً الضوء على كتابين مهمين صدرا في هذا المجال أولهما الكتاب الضخم المعنون الايدلوجيا الانقلابية " وهو لنديم البيطار الذي صدر في عام 1964 والثاني الايدلوجيا العربية المعاصرة للمؤلف نفسه وقد صدر في العام 1967 ، ويلاحظ المؤلف أن البيطار يظن أن العرب في حاجة إلى عقيدة الجبر التاريخي ليقتنعوا أنهم غير مختارين ، بل أنهم مضطرون إلى تقبل أيدلوجية ثورية ، ويصر البيطار على الاعتقاد بان القدر التاريخي ضروري لأن ذلك الاعتقاد في نظره جزءٌ لا يتجزأ من الادلوجة الانقلابية التي بدونها يستحيل تحرير الانسان وبالتالي تحرير المجتمع العربي ، ويستنتج المؤلف بعد عرض كل هذه المعطيات بأن هدف البيطار عملي أولاً واخيراً ، فهو بالضرورة ذرائعي وتلفيقي ، ثم يلقي الضوء على المصادر التي استقى منها البيطار افكاره بل وانتحلها في كثير من الاحيان مثل ديلتاي ومانهايم والكانطية الجديدة وجورج سويرل وكذلك نتشه .

الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

ستيفن هوكينغ والفيزياء الحديثة-عن موقع شبابيك المنوع


ستيفن هوكينغ: الفيزياء الحديثة تنفي وجود خالق للكون


صلاح أحمد من لندن
يقدم العالم ستيفن هوكينغ في كتابه الجديد نظرية جديدة شاملة تفضي الى أن الإطار العلمي الكبير لا يترك حيزا لخالق للكون.
تعرّف الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" العلّامة الانكليزي الشهير ستيفن هوكينغ بأنه "من أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم، درس في جامعة أكسفورد وحصل منها على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، وتابع دراساته في جامعة كامبريدج للحصول على الدكتوراة في علم الكون. له أبحاث نظرية في هذا العلم وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، وله دراسات في التسلسل الزمني".

وفي مقال إنفردت به صحيفة "تايمز" البريطانية الخميس يخلص هذا العالم الى القول إن الفيزياء الحديثة لا تترك مجالا للإيمان بأي خالق للكون.
ويقول إنه مثلما أزاحت النظرية الدارونية الحاجة الى خالق في مجال علم الأحياء "البيولوجي"، فإن عددًا من النظريات الجديدة أحالت أي دور لخالق للكون عديمة الجدوى والحقيقة.
وكانت الصحيفة تنقل حديث البروفيسير هوكينغ من كتابه المقبل The Grand Design "المشروع العظيم" الذي احتكرت نشر مقتطفات منه على صفحات ملحقها "يوريكا" الخميس. ويسعى فيه العالم الانكليزي للإجابة على السؤال: هل كان الكون بحاجة الى خالق؟ ويقول: "الإجابة هي: لا! وبعيدا عن كون الأمر حادثة لا يمكن تفسيرها الا بأنها تأتت على يد إلهية، فإن ما يعرف باسم "الانفجار الكبير" لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء".
ويقول هوكينغ: "لأن ثمة قانونا مثل الجاذبية، صار بمقدور الكون أن يخلق نفسه من عدم. والخلق العفوي هذا هو السبب في ان هناك شيئا بدلا من لا شيء، وفي وجود الكون ووجودنا نحن". ويمضي قائلا: "عليه يمكن القول إن الكون لم يكن بحاجة الى إله يشعل فتيلا ما لخلقه".
وتقول "تايمز" إن أهمية كتاب البروفيسير هوكينغ تنبع من كونه نكوصا تاما عن آرائه المنشورة سابقا في أمر الأديان. ففي كتابه A Brief History of Time "تاريخ موجز للزمن" الذي أصدره العام 1988، لم يعترض البروفيسير على المعتقدات الدينية، وأوحى بأن فكرة الإله الخالق لا تتعارض مع الفهم العلمي للكون. وقال في ذلك الكتاب: "إذا اكتشفنا نظرية مكمّلَة، تيسر لنا الانتصار النهائي العظيم للعقل البشري، إذ سيكون بوسعنا أن نحيط علما بعقل الخالق".
ولكن الكتاب الأخير "المشروع العظيم"، الذي كتبه البروفيسير هوكينغ بالاشتراك مع الفيزيائي الأميركي لينارد ملوديناو وسينشر في التاسع من الشهر الحالي أو قبل أسبوع من زيارة بابا الفاتيكان لبريطانيا، يقدم نظرية جديدة شاملة تفضي الى أن الإطار العلمي الكبير لا يترك حيزا لخالق للكون.
ويعيد الكتاب تركيب معتقدات السير آيزاك نيوتن القائلة إنه ما كان للكون أن ينشأ عن فوضى، فقط بسبب قوانين الطبيعة، ولذا فهو من خلق إله. ويقول هوكينغ إن الضربة الأولى التي تلقتها تلك المعتقدات جاءت في العام 1992 بتأكيد أن كوكبا ما يدور في فلك نجم بخلاف الشمس. ويقول: "متصادفات الأوضاع الكواكبية - الشمس الواحدة، وحسن الطالع المتمثل في المسافة الصحيحة بين هذه الشمس والأرض، وكتلة الشمس نفسها - تنقص كثيرا من عنصر الإثارة وعنصر الإقناع المتصلين بأي دليل على أن الأرض صممت على نحو يهدف إلى إرضائنا نحن البشر".
ويقول البروفيسور هوكينغ إن الأرجح هو وجود أكوان أخرى تسمى "الكون المتعدد" - وليس مجرد كواكب أخرى - خارج مجموعتنا الشمسية.
ويضيف قوله إنه "إذا كانت نية الإله هي خلق الجنس البشري، فهذا يعني أن ذلك الكون المتعدد بلا غرض يؤديه وبالتالي فلا لزوم له".
ومن جهته رحب عالم الأحياء، البروفيسير البريطاني الملحد ريتشارد دوكينغز الذي اشتهر بكتابه "وهم الإله" (2006)، بنظرية البروفيسور هوكينغ قائلا: "هذه هي الداروينية متعلقة بنسيج الطبيعة نفسها وليس مجرد الكائنات الحية التي تعيش في إطارها، هذا هو ما يقوله هوكينغ بالضبط. لست ملماً بكل تفاصيل الفيزياء لكنني افترضت الشيء نفسه على الدوام".
لكن علماء آخرين أبدوا حماسة أقل، مثل البروفيسير جورج إيليس، البروفيسير في جامعة كيب تاون ورئيس "الجمعية الدولية للعلوم والدين". فهو يقول: "مشكلتي الكبرى مع ما ذهب اليه هوكينغ هي أنه يقدم للجمهور أحد خيارين: العلوم من جهة والدين من الجهة الأخرى". وسيقول معظم الناس: "حسنا.. نختار الدين".، وهكذا تجد العلوم أنها الخاسرة".
ايلاف
****************
ستيفن هوكينج

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
ستيفن هوكينج (بالإنجليزية: Stephen Hawking‏) ولد في أكسفورد، إنجلترا عام 1942 وهو من أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم، درس في جامعة أكسفورد وحصل منها على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، أكمل دراسته في جامعة كامبريدج للحصول على الدكتوراة في علم الكون، له أبحاث نظرية في علم الكون وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، وله دراسات في التسلسل الزمني.
نشأته وتعليمه
كفائته في الفيزياء النظرية
1971 بالتزامن مع عالم الرياضيات روجر بنروز أصدر نظريته التي تثبت رياضيا وعبر نظرية النسبية العامة لأينشتاين بأن الثقوب السوداء أو النجوم المنهارة بالجاذبية هي حالة تفردية في الكون "أي أنها حدث له نقطة بداية في الزمن ".
1974 أثبت نظريا أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعا على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك وسمي هذا الإشعاع باسمه " إشعاع هاوكينج" واستعان بنظريات ميكانيكا الكم وقوانين الديناميكا الحرارية.
طور مع معاونه (جيم هارتل من جامعة كاليفورنيا) نظرية اللاحدود للكون التي غيرت من التصور القديم للحظة الإنفجار الكبير عن نشأة الكون إضافة إلى عدم تعارضها مع أن الكون نظام منتظم ومغلق.
1988 نشر كتابه "موجز تاريخ الزمن" الذي حقق أرقام مبيعات وشهرة عالية ولاعتقاد هوكينج أن الإنسان العادي يجب أن يعرف مبادئ الكون فقد بسط النظريات بشكل سلس.
1993 نشر مقاله بعنوان "الكون الوليد والثقوب السوداء"
2001 نشر كتابه "الكون في قشرة جوز".
2005 نشر نسخة جديدة من كتابه "موجز تاريخ الزمن" لتكون أبسط للقراء.
المرض
أصيب هوكينغ بمرض عصبي وهو في عمر 21 هو مرض التصلب الجانبي ALS وهو مرض مميت لا دواء له وقد ذكر الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين، ومع ذلك جاهد المرض وهو في عمر 68 الآن وهي مدة أطول مما ذكره الأطباء، ذلك المرض جعله مقعدا تماما غير قادر على الحراك، لكن مع ذلك استطاع أن يجاري بل وأن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء رغم أن أيديهم كانت سليمة ويستطيعون أن يكتبوا المعادلات المعقدة ويجروا حساباتهم الطويلة على الورق كان هوكينج وبطريقة لا تصدق يجري هذه الحسابات في ذهنه، ويفخر بأنه حظي بذات اللقب وكرسي الأستاذية الذي حظي به من قبل السير إسحق نيوتن.

مع تطور مرضه وأيضا بسبب إجرائه عملية للقصبة الهوائية بسبب التهاب القصبة، أصبح هوكنج غير قادر على النطق أو تحريك ذراعه أو قدمه أي أصبح غير قادر على الحركة تماما، فقامت شركة انتل للمعالجات والنظم الرقميه بتطوير نظام حاسوب خاص متصل بكرسيه يستطيع هوكينج به التحكم بحركة كرسيه والتخاطب باستخدام صوتا مولد الكترونيا واصدار الاوامر عن طريق حركة عينه وراسه وعن طريق حركة العينين يقوم بإخراج بيانات مخزنة مسبقا في الجهاز تمثل كلمات واوامر. في 20 أبريل 2009.. صرحت جامعة كامبردج بان ستيفن هوكنك مريض جدا وقد اودع مستشفى ادينبروك.
كمؤيد للتعلم
يتميز ستيفن ببديهة عالية حيث أجاب على سؤال "ماذا يأتي قبل الانفجار الكبير في الكون؟" فكانت إجابته أن هذا السؤال يشبه سؤال "ما المكان الذي يقع شمال القطب الشمالي؟" وكانت هذه الاجابة تلخيصا لنظريته حول الكون المغلق والذي بلا حدود.

التقدير والاعتراف
1976 وسام هيوز للجمعية الملكية
1979 ميدالية ألبرت آينشتاين
1982 وسام الامبراطورية البريطانية (القائد)
1985 الميدالية الذهبية للجمعية الفلكية الملكية
1986 عضو في الأكاديمية البابوية للعلوم
1988 وولف نوبل في الفيزياء
1989 جائزة أمير أستورياس في كونكورد
حياته الشخصية
يعتبر هاوكينج نفسه محظوظا بعائلة متميزة وخصوصا زوجته "جين وايلد " التي تزوجها عام 1965، ويعتبر هاوكينج نموذج في التحدي والصبر، ومقاومة المرض وإنجاز ما عجز عنه الأصحاء، إلى الجانب العلمي، يتميز هاوكينج بالدعابة، وهو مساعد للطفولة وقرى الأطفال،

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

لوحات خلف طايع تبحث عن المثالية بعيدا عن الإنسان

الفية الولد الخجول-نص عادل كامل-تقديم مدني صالح-العشر الثالث







العشر الثالث

[1]
سرقت رفاتي .. هذا الريح .. فما جدوى الاعتراض إذا ؟
[2]
كيف أحرر ذاكرتي من قيود .. ما زالت
هداياها تقدم للعابرين ؟
[3]
أنا ولدت هكذا: أعشاب فصول.
[4]
للنسوة .. مثلما للموت .. بيارق ممزقة
ومواكب تذهب إلى المجهول.
[5]
في طريقهن إلى المبغى
كن يتحدثن عن الفارابي .. فيما كنت
في طريقي إلى المنفى
انثر أحلامي فوق الحشائش .
[6]
وا أسفاه .. مضى الموسم .. إنما .. بوفرته
كنت وحيدا .
[7]
خذ خبزك .. ومثله التفاح .. ثم بلا استـئذان
غادرني .
[8]
لست قبيلة ولا امة .. إنما أنا ..
عصفور من رماد.
[9]
ملائكة أسفاري .. إنما روحي
أصابها بعض الاضطراب.
[10]
للعاشق خوذة .. أيضا ..
واأسفاه لا اعرف من سرقها .
[11]
هن نسوة جائعات
يقرأن الطالع .. فيما الذي صعد إلى السماء
لا يغادر جلده .
[12]
اخجل أن اصعد إلى السماء
فيما
اسمي مثقل بالانحناءات .
[13]
ولما أفاقت من الليل .. زنبقتي
توزعت إلى شظايا .
[14]
الينابيع .. من شدة صحوي
أقامت لي قداسا .
[15]
حبيبي تغار منه الزنابق
حبيبي يتوارى الفجر إذا رآه
حبيبي لم يولد .. ولا مثيل له في الصفات !
[16]
كلما أفقت أراها تسكرني بالتراتيل
لا أنا مؤذ أشواك البرية
ولا الذئاب تدنو من غزلاني
كلانا واحد .. لا ليل بعد ولا نهار .

[17]
بأي الينابيع اطهر جثمانك
أنت الذي كانت تغار منك الأنوار .
[18]
يسجد له الليل .. يسبّح له الفجر
ذاك حبيبي الذي لم يأتْ
ذاك أنا الذي ذاهب إليه .
[19]
من أعطاك خبز الخلود
لكي تفنيني فيك ؟
[20]
أعطاني المفتاح.. ولم يقل: الباب مشرّع
أعطاني الموت.. ولم يقل: اتبعني
أعطاني الوعد.. ولم يقل: هذا منفاك!
[21]
وأنا في طريقي إلى التراب
رأيت الشمس تسرق كفني!
وأنا أعود إلى النهار
رأيت ظلي يغادرني إلى الشمس
[22]
حبيبي خجول مثل ملاك مشاكس
حبيبي جميل مثل سنبلة مثقلة بالشمس
حبيبي مثلي .. لا أنا عارف متى يولد
ولا هو عارف متى أموت !
[23]
مثواي الذي باتساع كلمة
تطردني منه الأرض .
[24]
إن أغلقت بابي أو فتحته
القفل يدور .. القفل يدور .
[25]
انك تحرس لؤلؤة مسروقة .. أنا ..
لا احرس إلا النسيان .
[26]
من ظلالي صنعت الفضة
فما أنت صانعه ـ لي ـ من الزوال؟

[27]
يسألونك لم الأرض بسطت .. والجبال شيدت والحدائق ازدهرت .. والملائكة سجدت
قل لان حبيبي مثلي ..
ما أن رأته الشمس حتى غابت
وما أن رآه الليل حتى كشف عن سره
[28]
النشيد الذي نزفه جرحي .. سرقته البلابل
ترى ماذا ستسرق مني أيها الإنسان ؟
[29]
لأي الأسباب تطلقون النار على كوكب
لا ينـزف إلا الضوء ؟
[30]
امن اجل كوكب أكثر انطفاءً
أعطيتني القلم
أم هو ذا زاد الغرباء ؟
[31]
ليس قلبي الذي غنى ولا حنجرتي ..
إنها أصابعي المتناثرة
سرقها الفضاء .. وأضاعها الضوء .
[32]
المشتهاة .. أبدا .. تجعل القيامة هنا
كلمات فوق كلمات .. وطيور توشي بطيور .

[33]
النسوة ينثرّن الزنابق فوق العشب
العشاق يكتمون أسرار الشهوة
أوسمة تسرقها الريح
فيما أنا وبضع أشجار
نزرع حقلا من الذبائح .
[34]
أقاسمك أشلائي: رأس ملاك من صفيح
وصباحان ضائعة في الجداول .
[35]
والآن لنتقاسم غنائم الحرب
لك بضعة ملائكة .. ولي حشد قبور .
[36]
احدهم سرق الشمس .. آخر .. بلا مبالاة نثر
الظلمة فوق الأرض ..
فيما أنا أتجول مع ولد جريح .


[37]
في فاتحة الفجر أصغي لثرثرات أسلحة
وفي آخر الليل .. تسرقني أناشيد المعادن .
[38]
من النهار إلى الليل .. في نسق لا نهائي
استدرج السماء للنـزول
كيّ أتوّج غيومها بالنسيان .
[39]
بينما أنهكهم البحث عن الخبز والذهب
أكون صافٍ .. منورا بالعتمات البهية .
[40]
أباسم القرنفل والجوري .. أضعنا أصابعنا
أم من اجل أميرات غادّرن عصر الوردة ؟
كلانا يتعجل الولادة .. كلانا يتعجل الموت
هو ذا الإنسان .
[42]
هذا الأمير من الأسلحة يستعير كفنه
ومثلي .. في الأحداق يتوارى .
[43]
ليتني أمتلك سرا أفني نفسي فيه
ليت السر امتلكني وغاب!
[44]
هذه الأصابع .. أيضا .. كفت عن البراءة
إنها ريح تتوارى في المنعطفات .
[45]
وضعت الريح نياشينها فوق الضريح
ثم أخذت عشاقها ورحلت .
[46]
لا أرى بين الرجال أكثر مني / بلا مبالاة / ترك قلبه ينحني لبرية جريحة .
[47]
لا .. لا لن تتساوى القرنفلة بالمعادن
وأنا لن أصبح غيمة عند الحاجة
أنا كلمة في كتاب
أنا ورقة في شجرة .


[48]
الليلة تسألني الأرض : ماذا فعلت ؟
أقول: أكنّ أحلامي بالنذور.
[49]
غيمة هبطت في القلب
ثم تركت أغنية بلا كلمات .
[50]
للأموات، مثلي، احتفالات
فكلانا نتبادل الهزائم .. وكلانا نتبادل الأعراس .
[51]
أبترت رقاب أشجع الشجعان..؟
مثلما كلما توقّد النسيان.. تطلق عليه سهاما إضافية .
[52]
الريح التي تراها تبسط ذراعيها
لا تفعل ذلك من اجلنا
إنما هي تحرس هياكل تناثرت في الأحداق .

[53]
كلاهما، النار والأمطار
يمنحان الأفذاذ منا .. الأوسمة تارة
والرماد أبدا .
[54]
قالت أصابعي : كفى .. هناك ولد خجول لا يريد الاستيقاظ .
[55]
لا هي ذاهبة مع العتمة .. لا هي آتية مع النور
أنا الذي اسبق نفسي .. وأنا الذي أتوارى .
[56]
من شدة صحوي غاب الذي منحني الميلاد .
[57]
الليلة قبري أبهى من كل الأعراس
فيه خمور وملائكة وكلمات
ها أنذا لا اعرف غادرتني الحرب
أم ها أنذا أعود إليها..؟
[58]
لأجل المسرات تكتب الريح اسمك
فيما أنا ظلالي تحتفل بالرمال .

[59]
أية أوثان جعلني استيقظ
أم هذا محض افتراء .
[60]
أي نداء هذا الذي أعاد لي صحوي
فيما الفقراء يعقدون صلحا مع الفقراء .
[61]
لا تجرد العهد .. الريح لا تكتب
الريح لا تعرف القراءة .
[62]
كلانا واحد .. لا نهار ولا ليل
كلانا واحد .. نهار وليل .
[63]
خذ ما وهبتني من المسرات
ودع لي لحظة
انثر فيها روحي إلى الكتمان .

[64]
عيناها ملاكان .. جسدها غابة
ياقوت عند الحاجة وشموس في الليل .
[65]
لهذه الصخرة اسم 00 لهذا الجبل لغة 00 لهذه النار أناشيد
أما أنا فلديّ شظايا ذكرى وفرح قليل .
[66]
لتاج الأمير قدمنا النذور 00 قدمنا الضحايا
إنما كانت أرواحنا تتنـزه في البعيد .
[67]
تطرق بابي .. إنها الشمس تدخل – تنحني – ثم إلى المعادن تأخذني
أهذه وعود .. أهذا عرس
إننا عند الانصهار نقف
إننا عند الانتظار نفترق .
ب68]
عيد هذا أم عطلة رسمية
ليس هذا سؤالي .. إنما ماذا أفعل بهذا الضوء ؟
[69]
طالما أنا نائم .. لا أخشى على أحلامي من البرد
[70]
ما الذي يدفعك إلى الظل .. بينما الشمس تنثر ذهبها فوق البحار .
[71]
أنا قارة تعداد سكانها واحد
أنا الواحد .. قارات اثر قارات
القارة واحد .. والواحد قارات .
[72]
لكي لا تعترض عليك الملائكة
لا تؤذ الصخور .
[73]
هذا الحسام التليد.. في متحف الملائكة ..
هذا الحسام .. في يوم ما ..
لا اعرف كيف انحنت له الرؤوس المثقلة بالأحلام‍.
[74]
حدق في الشجرة .. أنت ورقتها بأجنحة تراب.
[75]
يحاصرك الفرح .. كمدية تعمل – أبدا – في القلب
أين أضعنا الأكفان بين هذه المناديل.
[76]
عند الصخور الجبلية .. يأتي حبيبي ويذهب
بينما أنا .. محض نبع يغادر إلى المستحيل.
[77]
كأن الريح تنادي بعضا مني:
امسك بعاصفة ستأخذنا إلى البعيد.
[78]
توهج .. توهج .. هذا هو المحو .
[79]
ماذا فيّ: أزمنة لم تولد، وأخرى تركتني
ابحث عن أعياد لا وجود لها
هو ذا الكنز: لكن لا تتبعني يا عادل.
[80]
لا تأت.. الموتى يحتفلون بعيد الموت
لا تأت
الموت يوزع هدايا والموتى في عيد.
[81]
هم يجمعون الثمار.. أنا انثرها
هم يتعلمون الكلمات.. أنا امحوها
هم يأتون..أنا ارحل.
[82]
لا تأسف: يا عادل، قل لنفسك: لا وقت للأسف.
[83]
الغرقى يتصالحون
لا تأسف
الحرب مازالت نائمة في البحر.
لا تأسف: الغيوم ستأتي بالنار
والأرض بالحدائق
[84]
لا تأت.. لا تأت.. لا تأت
هو ذا السفر
[85]
لا أجد ولا ابحث
أنا، مثل الذي لم يأت، ومثل الذي لم يغادر
أنا لم اعد أشبه نفسي
واأسفاه: وجدت الذي بحثت عنه
أنا لم اعد اعرف نفسي
واأسفاه: الذي وجدته يطلب مني أن ابحث عنه
[86]
الذي ذهب إلى الحرب
لم يأخذني معه
إنما ترك أسلحة لا اعرف ماذا افعل بها.
[87]
الرصاصة التي لم تستقر في راسي
الرصاصة تلك
ها أنا ابحث عنها في رأس آخر
آه..
قبل دقائق لم أكن وحيدا ً.

[88]
في كوخي ماء وخبز .. وأسلحة هاربة من البرد.
[89]
أيضا .. الشهداء يتنزهون في الشوارع .. أيضا.. مرة بعد مرة .. يعودون إلى الخنادق.


[90]
في ّ رماد مثقل بالطلع .. وفي ّ عشاق .. لا اعرف
من نذرهم للبحر ؟
[91]
ذاك الذي تنشد المزامير له.. انه أنا ..
بقايا وعود تبعثرت مثقلة بالنهارات .. اجلس أراقب ..
عرس الكواكب.
[93]
روحي التي في الغابات .. تكويها النار
إنما قدام الملائكة.
[94]
أيبكي هذا البحر أم يغني ..
فيما الغرقى كفوا عن الاحتفالات.
[95]
تلكم الصخرة لماذا تولول .. أسرقت حنجرتي
أم سكنها ملاك ؟


[96]
ماذا تريد مني
أنا استعير سكري من صحوي
واستعير صحوي من الغابات.
[97]
تذكر .. تذكر .. هكذا يتم محو الذاكرة.
[98]
أغلق جنتك أنا فيها النار .. ولا تغلق جمرتك أنا الليل لا تابع له ولا نهار.
[99]
أجزائي تفرقت في ّ .. آه .. ماذا صنعت يا كلي في أجزائي.
[100]
لا تعترض علىّ .. لا تعترض
أنا ولد خجول ضاع مثواه
بينما كلماته
لا تكترث للميلاد .. لا تكترث للوعود.

بتول الخضيري في روايتها الثانية-غايب-احمد الحلي-بغداد



بتول الخضيري في روايتها الثانية ( غايب ) :

غياب عناصر الشدّ الروائي
أحمد الحلي / بغداد

لم يتمالك الناقد الروسي الشهير بيلنسكي نفسه حال انتهائه من قراءة الرواية الأولى لدستويفسكي (المساكين) حتى هتف : يا للروعة ، يا للروعة ! وتنبأ على الفور بولادة أديب روسي كبير .
وهذا هو بالضبط الشعور الذي خالجنا حال انتهائنا من قراءة رواية بتول الخضيري الأولى (كم بدت السماء قريبة) لما تضمنته من لغة شعرية شفيفة وحبكة عراقية آسرة أخذت بألبابنا وأسرت أخيلتنا لدرجة إنها تستحق أن تبقى عالقة في أذهاننا ووجداننا إلى آماد غير منظورة قادمة .
وحين علمنا ، في فترة تواجدنا بعمان بأن الروائية العراقية منشغلة بكتابة عملها الروائي الثاني . استبشرنا خيراً وبقينا نترقب اكتمال عملها وصدوره، كنا تواقين أن نرى ما يمكن أن تفعله هذه الروائية المدهشة التي دخلت عالم الرواية عنوة ومن دون تمهيدات ، في ذات الوقت الذي كان يتسرب إلينا بعض من القلق المشروع من ان الكاتبة ربما لا تستطيع مواصلة ما بدأته في عملها الاول المذهل ، ثم تواردت الإنباء بعد عامٍ على عودتنا إلى العراق ، إثر سقوط النظام السابق بأن الرواية الثانية لبتول صدرت وان عنوانها هو (غايب) .

بنية رواية (غايب) الأساسية
تعتمد حبكة رواية (غايب) الأساس على عناصر متعددة رغم انها حاولت جاهدة ان تحذو حذو مرتسمات وخطوط روايتها السابقة ، وإن ظلت أحداثها محصورة تقريباً في مكان ضيق هو إحدى العمارات السكنية في بغداد خلال فترة الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تمّ فرضه على العراق بعد هزيمة القوات الصدامية في الكويت ، حيث ورد على الغلاف الأخير ، [ (غايب) ، روايتها الثانية هذه ، تتناول أحوال عائلات عراقية تعيش في شقق سكنية بعمارة وسط بغداد ، كوميديا سوداء تزخر بمقارنات بين زمن الخير في عراق السبعينات والزمن المتعب في عراق الحصار والحروب ، اغلب الشخصيات نسائية بسبب اختفاء الرجال في ظروف غير طبيعية لتصبح ام مازن ، قارئة الفنجان ، بمثابة المحلل النفسي لنساء العمارة ] ..

الراوية بطلة الرواية
سرعان ما يعقد قارئ (غايب) مقارنات بين شخصياتها وتلك الواردة في روايتها الأولى، وسيجد أن ثمة توافقات وتواشجات كثيرة ما بين الروايتين ، ويأتي في مقدمة هذه السمات المشتركة اعتماد الرواية على ما تقوم بسرده بطلة الرواية الشابة بشأن تجربتها في الحياة خلال فترة محددة ، غير إننا في رواية (غايب) ومنذ الوهلة الأولى نجد الساردة قد تخطت مرحلة الطفولة والصبا التي ارتكزت عليها بشكل تامّ ثيمة روايتها الأولى ، سنجد إن بطلة (غايب) في مقتبل العمر تفقد أبويها في حادث تحطم سيارة في الصحراء ، حيث يرد ومنذ بداية السطور الأولى للرواية ، (جاء في التقرير الطبي ومذكرة الشرطة إن أبي مهندس النفط ، قد مات قبل أمي ، ربة البيت ، بنصف ساعة ، حدث ذلك أثناء سفرنا بالسيارة من بغداد إلى مقر وظيفته الجديدة في صحراء سيناء ، أدلى شهود عيان ، بأن لفافة صغيرة طارت من نافذة المقعد الأمامي مع فرقعة لغم منسي من بقايا حرب 1967 ، استقرت اللفافة على الرمل ؛ أنا !) .
ويمكن أن يُعدّ هذا المقطع الاستهلالي الأول في الرواية على انه مدخل جميل ومناسب تماماً وفيه من الإيجاز والاحاطة ما يكفي ويغني .
إذن حاولت الكاتبة ترسّم وتتبع مواطن القوة والتصعيد في روايتها السابقة من حيث اعتمادها على العفوية المقتضبة والخالية من الرتوش البلاغية والإطناب واستعراض العضلات اللغوية التي غالباً ما رأينا كتاباً كباراً يقعون فيها مع سبق الإصرار ، وبينما كان استعمال الأمثال الشعبية باللغة الدارجة مناسباً وحيوياً تماماً في (كم بدت السماء) رأيناه في (غايب) يجنح بها نحو الهبوط والإسفاف الواضح .

جوانب من الضعف والإخفاقات
تعج (غايب) بالكثير من الإخفاقات التي وقعت فيها الكتابة يأتي في مقدمتها اختيار موضوع الرواية ، حيث أتضح ومنذ البداية إن الكاتبة وقعت في ذات المطب الذي وقع فيه روائيو الصف الثاني أو الثالث من الكتاب العرب ، ألا وهو اختيار احد الأمكنة السكنية في العاصمة او أية مدينة كبيرة أخرى ، ثم الحديث على لسان شخصيات الرواية عن الوضع العام مع بعض المفارقات الصغيرة التي تحصل لهم ، على ما في ذلك من حتمية الوقوع في التسطيح وعدم إمكان الغوص في أعماق النفس البشرية وتخليق المنلوج الداخلي الذي كان لابد للروائية أن تستثمره باعتباره مصدر قوة واضحاً لديها ويمكنها التعويل عليه .

معلومات خاطئة
لعل من أفدح الأخطاء التي وقعت فيها الكاتبة ، هو أن حصيلتها من المعلومات والتفاصيل عن الأوضاع في داخل العراق إبان فترة الحصار كانت غائمة وشحيحة وغير دقيقة ، ويبدو أن مصدرها الأساس كان يعتمد بشكل كبير على ما تبثه أجهزة السلطة ذاتها ، ومن ثم وسائل الإعلام العربية المحابية لهذه السلطة ، ولم تكلف الكاتبة نفسها عناء سؤال أي فرد من الأعداد الغفيرة من النازحين والمشردين العراقيين المتواجدين بوفرة في عمان ، حيث اختارت الكاتبة أن تقيم ، وحيث كتبت روايتها هذه عن الأحوال في العراق ، فعلى سبيل المثال ، المعلومة الواردة في الصفحة (9) حول ظاهرة انقطاع الكهرباء ولجوء مواطني العراق إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية الأهلية ، حيث يرد ، (الكهرباء ستنقطع بعد قليل لمدة ثلاث ساعات ، زوج خالتي يرفض أن يشتري امبيرات من أصحاب المولدات الخاصة ، سعر الأمبير الواحد المعروض في السوق حالياً ألفا دينار ، عشر امبيرات تشغل المراوح فقط ، والأربعون أمبير تشغل الثلاجة والتلفزيون وربما مروحة واحدة ) .
وهذا كما هو معلوم فيه مبالغة كبيرة غير مسوغة ، أو ما تورده حول المصعد الموجود في العمارة ، حيث تحكي لنا بطريقة تنم عن استخفاف واضح بمستوى فهم ووعي القارئ من أن خالتها كلما شغلت مجفف الشعر يتوقف المصعد .

مشاهد مقززة
تستمر الكاتبة بالتخبط ، حتى تصل إلى مرحلة تعرض علينا من خلالها مشاهد مقززة ومنفردة لا مبرر لها ، فبالإضافة إلى داء الصدفية المصاب به زوج خالتها والذي من أعراضه تقشر جلد الإنسان المستمر وتساقطه ، والذي ربما استطاعت تسويغه لنا من خلال عدد من التعليقات الساخرة الموفقة ، لم يتورع خيال الكاتبة عن الإتيان بمشاهد أخرى لا تتوفر على الحدود الدنيا من المنطق الروائي ، حيث تورد لنا على لسان أحد أبطال روايتها ، إن داء الصدفية ربما أمكن علاجه من خلال شرب المصاب لبول الآخرين ، أو حين تكشف لنا الرواية ، إن (الهام) التي تعمل ممرضة في إحدى المستشفيات والتي هي أهم صديقة لبطلة الرواية ، يتم إلقاء القبض عليها من قبل السلطات لأنها تقوم بتهريب أعضاء بشرية مستغنى عنها (مستأصلة) لغرض إعطائها لعشيقها (القصاب) ، الذي لم تشأ الكاتبة إلاّ أن تسمية (اللحّام) ، حيث يقوم بفرمها ضمن لحم الغنم والبقر وبيعها على الناس ، وغاب عن الكاتبة انه وفي ظل أقسى الظروف لم يُؤْثَر عن الباعة العراقيين إنهم وصلوا إلى هذا الحد من التدني والهمجية ، ولعل أسوأ ما رأيناه هو قيام بعضهم وفي حالات نادرة جداً بذبح الحمير وبيع لحومها على اعتبار انها لحوم عجول ، وحتى في هذه أتضح إن الذي كان يقوم بذلك العمل الشائن هم المصريون الوافدون إلى العراق ، وإذا كانت الكاتبة تتذرع بأنها تفعل ذلك ضمن إطار ما صار يُسمى بالواقعية السحرية في الرواية ، فإن لهذا الفنّ اشتراطاته الخاصة جداً ، وهو ليس فناً منفلتاً تماماً .
ومن الأخطاء (المعلوماتية) التي وقعت فيها الكاتبة إن بطلتها حين تصاب بمرض (الشرجي) في مرحلة صباها ، والذي هو عبارة عن التواء يصيب عضلة الفم ، فتورد لنا إن علاج هذا المرض يتم من خلال عملية جراحية ، وتستحضر لنا قول البروفيسور التركي الذي يقول لخالها (أثناء سفرهم إلى تركيا) ، إن أجرينا العملية الآن ، ستستمر حالة اللاتناسق لديها ، لأن العضلات في الجزء السليم من وجهها ستتابع نموها . وكما هو معلوم ومتعارف عليه (طبياً)، فإن علاج هذا المرض العصبي لا يتم على الإطلاق من خلال إجراء أية عملية جراحية.
وأثناء ذلك تُضمّن الكاتبة روايتها الكثير من القفشات والطرائف المبتسرة ، التي هي أقرب إلى أساليب الصحافة منها إلى روح الكتابة الروائية ، فمثلاً حين تتكلم عن السرقات المتنامية في ظل الحصار ، تورد ما يلي : (أهل العمارة يروون إن احد سارقي الإطارات كان منهمكاً في فك إطارات سيارة ما ، في هذه الأثناء اكتشف إن سارقاً آخر يفتح إطار الجهة الثانية ، قال السارق للسارق الثاني الغريب ، اليمين لك واليسار لي ، ما تسوه نتعارك !)

أو حين نقرأ في خاتمة الفصل الثاني :
(سيدة تقول لصاحبتها : ابني هاجر !
- إلى أين ؟
- وصل بالسلامة إلى نيوزلندا .
تشهق السيدة المستمعة ، ماذا ؟ كيف ترسلينه إلى نيوزلندا ، ماذا عن ثقب الأوزون ؟ ألا تخافين عليه ؟
- عيني ، هو اللي يطلع من ثقب صدام حسين ينخاف عليه من ثقب الأوزون ؟

قراءة الفنجان وتربية النحل
يبدو أن الكاتبة فكرت طويلاً قبل أن يرسو تفكيرها على محوري الرواية ، قراءة الفنجان وتربية النحل ، لما يمتلكه هذان الموضوعان من خصوصية معينة لدى كثير من الناس ، الذين غالباً ما يتملكهم الفضول لمعرفة المزيد عن هذين العالمين .
حيث تضطلع (أم مازن) بقراءة الفنجان ، والتي هي احد ابرز شخصيات الرواية ، والمحور الذي تدور حوله معظم إحداثها ، لاسيما وان (أم مازن) هذه تقوم تحت مظلة عملها كقارئة فنجان بعمليات عديدة ، أعمال السحر وتحضير الأعشاب الطبية ، ومعالجة تهتك غشاء البكارة عند النسوة اللواتي فقدن عذريتهن ، فيذيع خبرها في أجزاء من المدينة ، مما يدفع السلطات إلى أن تدسّ لها من يقوم بمراقبة نشاطاتها بدعوى إنها تقوم بعملية تخريب المجتمع من الداخل . أما المحور الآخر ، والذي هو تربية النحل ، فيضطلع به زوج خالتها المصاب بداء الصدفية ، والذي لم يرزق بولد ، حتى تعارف الجميع على تسميته بـ(أبو غايب) حيث يتضح إن هذا الخال يفشل في بواكير شبابه في أن يحقق ما كان يطمح إليه وهو أن يصبح فناناً ، فيصارحه بعض أساتذته في معهد الفنون في ما يشبه النصيحة والمواساة (عينك ترى جمالية الفن الحقيقي ولكن مع الأسف خطوطك ضعيفة !).

سعد وعادل وجهان لعملة واحدة
ما تلبث بطلة الرواية أن تتعرف على (سعد) الذي يفتح له صالون حلاقة نسائياً في العمارة ، بينما هو في السر يقوم بعمله التجسسي على ساكني العمارة ومراقبة نشاطاتهم ، وتعمل لديه كمساعدة ، ثم يبرز أمامنا شخص آخر في الصالون هو (عادل) الذي يعرّفه سعد عليها ، حيث ينجح في عملية إغوائها رغم التواء فمها المصاب بداء الشرجي بحجة إعجابه بعينيها ، واثناء احتساء الثلاثة للخمر وبعد أن يثملوا يمسك سعد بقلم الكحل ويقوم برسم عين ثالثة لعادل واستقرت ما بين حاجبيه فتقول هي لسعد : فسر لي إذن ، فيقول هذا : لا حاجة للتفسير ، كل الذي قمت به هو عملية تغميق بالكحل لشيء موجود أصلاً ، وبعد أن تتم عملية مداهمة شقة خالتها التي تسكن فيها معهم من قبل رجال الأمن تفاجأ دلال بمشاهدة عادل وهو يرتدي (زيّه العسكري !!) مع رجال الأمن ، وتحاول التكلم معه لكنها لا تستطيع ، إذ هو منهمك بأداء واجبه الأمني لتكتشف الحقيقة المرة أمام عينيها بأن عادل هو احد ضباط الأمن الذين وشوا بخالها بتهمة متعلقة بتهريب التراث العراقي ، وفي اليوم التالي تذهب إلى سعد فيجري بينهما حوار مائع : ويدخل سعد يده في جيبه ليخرج رزمة منتفخة من دولارات وضعها إمامي : هذه لك ! ويقول لها إن هذا المبلغ مرسل من قبل السلطات إليها وهو بمثابة تعويض عن الذي حلّ بعائلتها ، ولا ندري من أين جاءت الكاتبة بهذه الفذلكة المضحكة ، لاسيما وان جميع شرائح المجتمع العراقي تعلم إن السلطات ذاتها لم تكن تتورع عن قبض ثمن الإطلاقات من أهل ذوي الضحايا المعدومين بعد تسليمهم جثث موتاهم !
والانكى من ذلك ، ما يسوقه (سعد) من تبريرٍ لما فعله زميله عادل بعائلتها وبأم مازن ، فبعد أن تسأله ، لماذا فرط بي (عادل) ؟ يقول لها : في اعتقادي انه تعلق بك ، لكن الوطن غالي يا دلال ، وعادل يسهر على راحتنا ، وهو يعلم إن عادل هذا قام بافتضاض بكارتها في إحدى السهرات معها في شقته ، مع ما يعنيه ذلك من إثم وشناعة وبخاصة في مجتمعات عربية وإسلامية كمجتمعاتنا ، فكيف يستقيم منطق من يدعي السهر على حماية الآخرين ، فيما هو يقوم في ذات الوقت بانتهاك حرماتهم وهتك أعراضهم ، على أن ذلك هو بالضبط ما كان يقوم عليه منطق السلطة ذاتها في تعاملها مع مواطنيها .
والذي يمكن أن نخلص إليه بشأن رواية (غايب) ، هو إنها أخفقت تماماً ، ولم تستطع مجاراة المستوى الفني الرفيع الذي بلغته روايتها السابقة (كم بدت السماء قريبة) ، ومع ذلك فإن القارئ يستطيع أن يتلمس إن أداء الطاقة الخلاقة لدى لكاتبة لم يزل موجوداً لديها ، رغم إنها لم تستطيع توظيفه بصورة صحيحة .

وللقصائد قصصها ايضا-بقلم حامد كعيد الجبوري


وللقصائد قصصها أيضاً
حامد كعيد الجبوري
ولادة شاعر تعني الكثير لدى قومه وقبيلته وأمته ، فالشاعر إذاعة متنقلة ، أو صحيفة رائجة منتشرة التوزيع ، بل قل فضائية مرموقة يشار إليها ، هكذا كان الشاعر في ما مضى ، وحين ولادة شاعر لدى قبيلته ينحرون القرابين ويؤدون النذور لشاعرهم و للسانهم القادم ، فالشاعر يؤلب قومه ويرفع من حماسهم بغزوهم للقبائل الأخرى ، وهو من يترجم أفراحهم ، ويرثي سادات قبيلته ، ويهجو القبائل الأخرى ، ومن ألطبيعي أن الشعر الشعبي لا يخرج عن هذه المعادلة ، ولو أنه جاء متأخرا شيئا ما قبالة الشعر الفصيح .
الشعراء الشعبيون أبان ثورة العشرين ، وما قبلها وصل لنا من نتاجهم النزر القليل ، ولو كانت هناك كما هي الآن صحفا ميسرة للقارئ لأغنانا بل لأغنى المكتبة الشعبية بشئ لا يستهان به من هذا النتاج الثر، ولقد وثّق السيد علي الخاقاني بموسوعته الشهيرة عن التراث الشعبي الكثير والغزير من النتاج لشعراء شعبيين دثروا لولا توثيقه وأرشفته لما كتبوا ، وقد نشر هذه القصيدة المشتركة – إشلون باجه - لكبار شعراء الحلة الفيحاء ، ولم يذكر ظروف وحيثيات كتابة هذه القصيدة المشتركة ، لأنه غير معني بهذه الظروف والحيثيات ، ولأن خالي المرحوم الشاعر محمد علي بنيان الجبوري قد وثقها ، ولأن واقعة هذه القصيدة بل ولادتها في بستاننا التي تقع بالطرف الشرقي للحلة المحروسة ، والشاعر المرحوم محمد علي بنيان من كبار شعراء الحلة الشعبيون وهو صاحب القصيدة الشهيرة ( منو مثلي أشتره بيده عذابه / ومنو مثلي أدمروا حالته أحبابه ) .
منتصف العقد الرابع من القرن المنصرم ، وعلى وجه التقريب الأعوام 44 او 45 او 46 بعد 1900 م ، كانت هناك أكثر من وشيجة تشد الشعراء الشعبيون لبعضهم ، ولا يمكن أن نقول أن الجميع كانوا على وفاق تام ، كما هي حالهم أيامنا هذه ، ولم يكن خلافهم آنذاك إلا لأسباب ثقافية محضة ، ففلان من الشعراء لصوته الرخيم يدعى لمأدبة عرس أو ختان ولا يدعى غيره ، وآخر لأنه يكتب القصائد الحسينية التي تثير استعجاب الآخرون ، لذا فهو أكثر عرضة للنقد الأدبي من غيره وهكذا ، ولقد أستهل القصيدة المشتركه (أشلون باجه) الشاعر الشعبي السيد محسن السيد أحمد العميدي ، والسيد محسن هو الذي وقف قبالة المرحوم فيصل الثاني مادحا لينال منه قطعة أرض في قلب الحلة الفيحاء ، ومن الذين ساهموا بهذه القصيدة ، وبالمناسبة فإنها مرتجلة من قبل جميع شعرائها ، الشاعر الشهير الشيخ حسن العذاري صاحب قصيدة ( يهواي دمشي أبهونك ) ، والشاعر الشهير عبد الصاحب عبيد الحلي صاحب الروضة العبيدية في الموال ،والشاعر الشهير الشيخ عبد الحسين صبره الحلي صاحب القصيدة المغناة ( بحشاشتي سهمك مضه / وعكبك علي ضاك الفضه) ، وشعراء أخرون ليسوا بأقل شاعرية ممن ذكرنا ، ولكن بحظوظ إعلامية أقل ، وقصة هذه القصيدة كما يلي ، دعى المرحوم الشاعر محمد علي بنيان – خالي - أصدقاءه الشعراء لجلسة سمر وغداء في بستاننا ، وكانت الدعوى لأكلة ( الباجه) لأن عمل الشاعر محمد علي بنيان الجبوري قصابا ، تولت جدتي لأمي مسألة إنضاجها ، ولم يكن حينذاك ما يسمى ب ( قدور الضغط ) ، ولم تكن حينها الطباخات الغازية ، بل كانت عملية الطبخ بواسطة مخلفات الأشجار والنخيل ( الحطب ، وجذوع النخل اليابسة) ، بعد أن أكملوا الجميع ضيافتهم المعتادة لمثل هذه المناسبة ، ذهب الشاعر محمد علي لجدتي وقال لها ( يمه صبيلني الأكل ) ، أجابته بأن الأكل لم ينضج لحد الآن ، فذهب لأصدقائه المدعوين بشئ من الخبز و ( كيشة تمر) ، بعد أن ألتهموا ماقدم لهم طالبو مضيفهم بالغداء ، فذهب الرجل لأمه ولكن ( الباجات) لا تزل غير مهيأة ، وذهب لهم بما يسد حاجتهم من الأكل ، وهنا تحركت شاعرية السيد محسن العميدي فأنشأ قائلاً وهي من بحر الرمل (الموشح)
إشلون باجه وينذكر تاريخها
بين سيد أوكعتلي وشيخها
***
ومن الجدير ذكره أن من يبدأ بمطلع القصيدة عليه أن يضيف لها رباطا- بيت - آخر لتكملة ما يريد قوله ، مع ملاحظة أن الشاعر أختار قافية صعبة وقليلة المفردات ، وهنا من يقول أن مستهل القصيدة قاله مضيفهم نفسه محمد علي بنيان الجبوري ،وأنا أميل لهذا الرأي لأن من يبدأ قصيدة المساجلة عليه إنهاءها ، بمعنى أن القفل الأخير يكون له ، وهذا ما حصل بهذه القصيدة حيث بيت الختام للشاعر محمد علي بنيان الجبوري ، ووجدت من قال أن المستهل – المطلع – لعبد الحسين صبره ، وأثبت المرحوم علي الخاقاني أن مطلع القصيدة والرباط الذي يليه للسيد محسن العميدي ، وهذا كما قلنا يخالف أصول وقواعد المساجلات المشتركه ، وأردف السيد العميدي مطالبا الجميع المشاركة الآنية المرتجلة وأكمل ما بدأه ،
أبين سيدها أوكعتلي والشيوخ
ومن صريج أسنونهم راسي يدوخ
لو تشوف إلحاهم أملوخيها لوخ
وبعد لا تنشد على تلويخها
****
الشاعر الشيخ حسن العذاري
أملوخه ألحاهم وتلصف من بعيد
وبشعرها بعد من باقي الثريد
على الباجه خلصوا كل الجريد *
وخشع * ماعدها وخلص كل ديخها*
****
الجريد / سعف النخل اليابس ، خشع / جذوع النخيل اليابس ، ديخ / عثق النخل اليابس الخالي من التمر
الشاعر حافظ المله هي
خلص كل ديخ النخل من الشعل
وعلى الباجه دعوتي ما ظن تفل
وكعت أسنوني يربعي أمن الأكل
وعذبتني الكرشه من تمليخها
****
الشاعر عبد الصاحب عبيد الحلي
باجه وأعليها السنون أتحمسن
أنفك عليها الحلك وأتراخه الرسن *
فاز بيها عبد الحسين وحسن *
وفلس منها أجريخها وأمريخها *
****
الرسن / واضح قصده تماما ، عبد الحسين صبره وحسن العذاري ، أجريخها ومريخها / مثل شعبي
الشاعر محمد الطعان
آنه يا خويه الذي منها أفلست
جي كبلها أبساعه (كويايه)* كلت
وأنته يا شيخي الذي بيها فزت
إلي الحنظل وأنت ألك بطيخها
****
(كوبايه) / الكرشة تقطع ويلف بها التمن والكشمش وتخاط بأوراق ( خوص) النخيل ،
الشاعر هادي المرزه الحلي
أشلون باجه وفايزه بيها الربع
أكراعها جالرمح والكرشه درع
أعظامها تضوي مثل ضوي الشمع
والله ريحتها أوصلت مريخها
****
الشاعر صاحب الجعفر البناء
من ضكتها نشط من عندي الجسم
وصار بيه كل فراسه وكل عزم
ولأكلها نوّخت هاي الزلم
الساتر الله أبهاي من تنويخها*
****
الساتر الله هاي من تنويخها / واضحة المقصد تماما
الشيخ عبد الحسين صبره الحلي
كالأباعر نوخوا بزر الفكر
وخلصوا كبل الأكل كيشة تمر
هاي باجه والطلايب ها كثر
أشلون بصرك لو هووا بطبيخها
****
الشاعر عبود الفراتي
لو هوت بطبيخها أتبيض الوجه
يالذي عازمهم أصحه وأنتبه
أيشبخون أبهاي واحدهم شره
وبالمراجل ما نفع تشبيخها
****
الشاعر الشيخ عبد الله المؤمن
الشيخ وسفه ماحظه أبهذا الغده
كلي ي( محمد علي ) إشعامل رده
الصيت للنوره * تره أعظم عُدَه
ما دروا مفعولها أبزرنيخها *
****
النوره / مادة تستعمل للبناء ويضاف لها الزرنيخ لإزالة الشعر
الشاعر الشيخ كريم الداوود
الباجه طيبه و(حسن) إلها مفترس
نوّروها * لوله هلسوها هلس
أفلست منها وكمت أوعظ بالنفس
وسهم روحي من التمر تنسيخها*
****
نوّروها / بمعنى أزالوا الصوف غير المرغوب به بواسطة مادة النوره ، تنسيخها /بمعنى الناسخ والمنسوخ أي أنه لم يحصل على أكلة الباجه وأستعيض عنها بمادة الخبز والتمر،
الشاعر محمد علي بنيان الجبوري صاحب الدعوى والذي يفترض كما قلنا ينهي ما بدأه بقصيدة المساجلة ويقول
سامحوني يا أحبابي أمن القصور*
وأنتو تاج الشعر يل كلكم بدور
طور أكثر بالبُصل وأنثني أبطور
أبروحي أوبخ* وأكثر أبتوبيخها
****
القصور / بمعنى التقصير / أوبخ / بمعنى ألوم وأعاتب وأونب
بعد ذلك نضجت أكلتهم ( الباجات) على أفضل ما يكون ، وأكلوها عن آخرها وتركوا لنا هذا الإرث التراثي الجميل ، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جنانه .

الأحد، 5 سبتمبر 2010

ماذا دار في جزر الواق واق-ثفافة ما بعد السقوط-د.غالب المسعودي

ماذا دارفي جزر الواقواق رؤية نقدية للثقافة بعد السقوط- قاعة الوداد........أنموذجا-قاعة عشت روت.....أنموذجا


بين بداية الكون ونهايته ينحدر الحدث على صهوة الأسطورة دافعا المعرفة نحو غائية تبريرية,جاعلة الذات منسجمة مع ظرفها الموضوعي وأحيانا بتغييب الصراع بين الآني المتفجر والغائب المتخندق في درع الماضي.ولان قلق الفنان ناتج عن صراع بين الصورة الذهنية المتوهجة وبين الواقع الذي لا يخرج عن كيانه الملموس,لذا يتجدد الإحباط.ولكون الفن بكل إشكاله هو نص معرفي فهو لا يحتاج إلى ترجمان لكنه بحاجة إلى لمفاتيح لحل الشفرات,ولان مايدور في جزر الواقواق بعد السقوط هو مسرحية كوميدية بورنوكرافية,وفي مسرح البورنو كل شيء جائز إلا الحيوية والوظيفية والفاعلية تأويليا على المستوى الحضاري....نجد إن قاعات العرض الفني والتي يفترض بها إن تكون حاضنة لخطاب حضاري متقدم يتعامل مع الجمال بلغة شفافة وأثيرية....تكون مشروعا تجاريا خالية من إي قيمه أخلاقية كغيرها من المشاريع الاقتصادية في جزر الواقواق مبنية على سرقات اللفائف والسمسرة في الأروقة الخلفية لعصافير الجراد.وهذا بالتالي ينتج خطابا مبتورا سمته الأساسية براكماتيا هجينة تتشدق بالمقدس وتمارس أفعال خوذتينا بيكار......

والسؤال هل بوسع الفنان إن يتجاوز برحلة سديمية يقرأ العلامات كقراءة الطالع,يقول ألنفري(إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة) وإذا ارتفع السؤال عز الجواب.فليس على المرء إن يقع في شراك الخطيئة لكي يتوب....نراهم يوميا من خلال شاشات العولمة يتقاذفون المفرقعات كل حسب مستواه التكنولوجي...وجوه يعفرها التراب وأخرى تعلن موت الإنسان...فلنقرأ بصمت ونكتب بصمت,ولنتعلم لغة الإشارة....ففي الملاحم الكبرى المسكوت عنه أعظم دلالة,فمنذ عصور ماقبل التاريخ ظل الأثر يتناسل جينيا ليفضح علاماته. وستظل عاريات الليل تهمز ببكارتها في أي طريق لان كل شيء في الوجود يتعرى ويخضع تلقائيا للنشوة........إلا آن هذا الجسد الآدمي المستلب سيصحو من رقدته وسينتقي الشعراء كلماتهم المطرزة بالنور والألوان وستتوهج قصائدهم في الظلام عن روحانية عذبة ..وهكذا يختار الإنسان أحلامه ويختزل الزمن بلحظة ذكية ثم يدنو منه في قلقه إلا خير-د غالب المسعودي

السبت، 4 سبتمبر 2010

قراءة في مجموعة مشرق الغانم-طير تستحم بالرماد-كتابة احمد الحلي




قراءة في مجموعة مشرق الغانم " طير تستحم بالرماد "
الشاعر بوصفه كاهناً ومتنبئاً
احمد الحلي

يبدو أن الشاعر الحديث ما زال بمقدوره أن يضطلع بدوره القديم مجدداً بوصفه كاهناً وساحراً ومتنبئاً في آن معاً ، وهذا ما ينطبق بدرجة أساس مع شاعر المجموعة التي نحن بصددها والمعنونة " طير تستحم بالرماد " للشاعر العراقي المغترب مشرق الغانم والتي أصدرتها له في العام 1997 في طبعة آنيقة دار جفرا للدراسات والنشر في دمشق ، وعلى الرغم من صغر حجم المجموعة ، إذ لا يزيد عدد صفحاتها عن 63 صفحة خالية من الفهرست ، فأنها مليئة بالدلالات الموحية .
يقول الشاعر في مفتتح المجموعة :
من فضة تلمع في الأعالي ، حتى
المصب الأسود لنهرين تخثر فيهما
الدم ، حشدت سربا من الإوز العراقي
وبدأت الطيران عالياً صوب ممالك مندثرة
كنت اسمع النشيد القديم مختلطاً بالريح
تصفر في البراري ، والنجوم هائمة على الرمال
حيث نرى دلالة " نهرين تخثر فيهما الدم " وهو ما سيذكرنا على الفور بالمنحى الذي سبق وسارت عليه قصيدة " رماد المسلة " اللافتة التي فاز بها الشاعر صلاح حسن بجائزة دار الشؤون الثقافية العامة في مفتح التسعينات والتي سرعان ما لاكتها الألسن بعد ذلك بالقيل والقال حتى وصل الأمر ببعض أدعياء الثقافة ممن أتاح لهم النظام السابق أن يتبوءوا مراكز مهمة على خارطة المشهد الثقافي العراقي ، إلى رفع مذكرة حزبية إلى الجهات العليا يطالبون فيها بسحب الجائزة عن الشاعر الرجيم ومحاسبة اللجنة التي قررت منحه الجائزة لأنه لم يفعل شيئاً في قصيدته سوى انه كال السباب لما أسموه بالثوابت الوطنية والقومية وأنه وجه فيها انتقاداته المبطنة إلى الإسلام بحد ذاته بوصفه زحفاً حجازياً صحراوياً طال حضارة ومدنية متقدمة كانت قائمة في العراق آنذاك . واللافت بل والممتع حقاً لدى الشاعر مشرق الغانم هو انه ينتقل في القصيدة الواحدة عبر أجواء متعددة، في القصيدة المعنونة بـ " المُفتتح " نراه يقول ;
كان المشهد خلاباً لشعوب
تستغرق في أحضان مدنها ،
كنت أحسدها ، شعوبٌ
كانت تجيد المتعة !
وواضح إن الشعوب التي عناها الشاعر هنا هي شعوب الدول التي آوت المهاجرين العراقيين بل وكل المهاجرين القادمين من دول لا تحترم فيها إنسانية الإنسان ، نقرأ في ذات القصيدة :
لكن يا أبت ما حكمة هذا الموت ؟
بلاد تقبل قبل الأوان إلى حتفها ،
قبل أن تنشد الفاختة في بئر السماء
قبل أن يصحو النخيل من بلل الظلام !
وسنرى إن عمق الفاجعة سيتوضح ويتجلى أكثر فأكثر
كلما توغلنا في عملية القراءة :
لكننا نحرق في كل فجر قبل الآذان ،
في كل فجر نوقظ الأولاد إلى موت نشتهيه ،
حجر من شجر عتيق لنار لم تنطفئ
مُنذ هبَّ على العراق أول سديم !
سنرى إن الشاعر يغوص في موضوعته الأساس : الحرب ، لاسيما تلك التي دارت رحاها في شمال الوطن ضد أبناء شعبنا الكردي حيث يقول في قصيدة " بدء الطواف " :
كفر الطفل بالرب
حيث رأى الجبل غولاً
والسفح مسلخ " أنفال " !
وبلغة مؤسية مفعمة بالشحنة العاطفية التي تصل حد البكاء :
أنصت إلى العراق :
وأهتف في سري
يا كهف صداي ، ياهداة الطفل
تحت الضجيج ، يا نبيذاً ساح عني
غفلة ، وانكسر !
ولعل أبرز شيء يمكن أن تلاحظه العين الفاحصة في هذه المجموعة المعبرة هو لغة الشاعر المتمكن من أدواته وإيقاع جمله المتواتر ، بالإضافة إلى الصور الشعرية الخلابة التي لا يكف عن صوغها وابتكارها والتي سرعان ما ستذكرنا بصور الشاعر الكردي الشهير شيركوبيكس :
جلس الفاطن في ظلمته
أشعل سيجارة على تلة
كي يسدد قناص آخر الليل
إلى رأسه طلقته !
أو مائدتي حديقة وقلبي سرير نهر لا يفيض
فلماذا لا يهب من الشرق سوى عصف الحريق ؟
سيلجأ الشاعر إلى كهفه الطوطمي شاهراً أدواته البدائية بوجه العصر :
عليّ أن لا ألتفت إلى الخلف أو التف ،
وان أضع في جيبي حصاة
تعينني على عطش الطريق !
وسيتدفق موال الحزن وهو يطرق مسامعنا هادراً :
أنصت إلى العراق : بادية تهرس عظام موتى ،
كانت تنبح منذ ألف عام ، من أطلق عليها اسم الجزيرة ؟
تدور الرمال فيها مثل مغزل ،
وكانت تتقن السطو على حرير القوافل ولما أقفرت الطريق
سطا بدوها الأجلاف على فضة ينابيعي !
وسيصور الشاعر لنا هؤلاء الأجلاف القساة المتحدرين من صحاراهم القاحلة وهم يقيمون احتفالهم وكرنفالهم فوق رأس المأتم :
ينتزعون الليلك من جرف فتنته
ويلقون به إلى موقد الوحش ،
وعلى مقربة ، كنت أسمع شواء وربابة تئز
وطفلاً يرمي جلده خارج النار
وثمة قضية أخرى طالما تناولتها أقلام الشعراء والكتاب ، كل بطريقته الخاصة ، إلا وهي قضية تجفيف الأهوار التي ارتكبتها عقيلة النظام البائد فعجلت بنهايته وسقوطه ، كونها ليست موجهة ضد الإنسان والكائنات فحسب ، وإنما ضد الطبيعة الأم المقدسة :
تطلع الكراكي مشتعلة من فوهات القصب
وألف قبرة تصفق صدى المقتولين هباء
على الماء الذبيح ، يسند ظل غيمة
مضت ، فتحار الطير
من سماء مقفلة ‍‍‍‍!
هناك ، كان البدوي جالساً على ناقته
يدخن الغليون ويحصي الجثث ضاحكاً !

الفية الولد الخجول-نص عادل كامل-تقديم مدني صالح-العشر الثاني




العشر الثاني




[1]
أكل هذه السكاكين لغزال واحد..
أم هذا الغزال – مثلي – يوشي بغزال آخر ؟
[2]
فقط – هم – مثلي - .. أطفال يلعبون مع الموتى
وهم – مثلي – دائما يعشقون الرماد .
[3]
خلف الغابة فضاءات وأصداء
صبية يذهبون إلى المعابد
عشاق يهبطون من البراءة
فيما أمامي عصور تبحث عن رداء .. ومدن عن مأوى
وصخرة تبحث عن كلمات .
[4]
ماذا تريد هذه الصحراء من جريح تحاصره الغزلان.
[5]
خذ .. خوذتي / دخاني / كوخي / زادي
إنما قبل انطفاء الشموس .. لا تتركني أبصر في المواقد .

[6]
أتبحث عن ملائكة في روحي .. أم عن موتى
أم عن عاشق سرقته الفضاءات .
[7]
تلك العصور وزعت – عند سواحلي – هذا الذي تراه يجمع
أشلاء كواكب قادمة .. هذا أنا المنذور للرماد والعواصف
[8]
أهذه فلك تغرق في كفي
أم أن أصابعي تناثرت في السلالات ؟
[9]
حبة قمح هو ذا زادي
حبة قمح أتقاسمها مع قارات في الأحلام .
[10]
أصابعي تناثرت .. ومثلها أسراري .. رقدت في غيمة وذهبت إلى البعيد .
[11]
لا.. لا .. لست وحيدا تماما
عندي رطب .. قمح .. ورداء يجلس بمحاذاة الأزمنة.

[12]
هنا ما بين الحقول رجل يصطاد الأحلام
فلم أعطيته خوذه وطردته من الأشجار .
[13]
خلجان لا تبحث عن سواحل
وهذا الذي تراه .. لا يستجدي البيارق
إنما أعطى أوراقه إلى الأشجار ..
ودمه إلى القبائل.
[14]
أتزرع قمحا للمواسم .. أم تزرعني للعصور ؟
[15]
إذا كنت بلا مأوى خذ كوخي
إذا كنت بلا نور خذ مصباحي
إذا كنت بلا زاد خذ حقلي
إذا كنت بلا قبرٍ .. لا تأخذ
قبري .
[16]
بحر يهدي كنوزه .. أشجار تحتفل بالنار ..
صخور تنثر أسرارها .. فقط ثمة حمل يتتبع ممرات
الذئاب .
[17]
أهذا داري عامر بالرطب والتين والكروم
أم هذا محض كمين للعابرين ؟
[18]
أهذا تل من ذهب أم من ريح
سيان .. أصابعي لديك ومدفني كبير .
[19]
من هذا الآثم الجميل .. من هذا الساكن كوخ الروح
من هذا …
اهو العاشق .. أم العابر نحو الزمان .

[20]
عصور ترقد في ثقب إبرة
وأخرى عندي لا تكف عن العويل .
(21)
أعطاني عاشقي وردة ما ان رايتها حتى صحوت
حتى مت .
(22)
ما أنا فاعل بهذه الكنوز : نجوم .. شموس .. ينابيع
ما أنا فاعل بهذه الكنوز : حدائق .. عشاق .. بحار
ما أنا فاعل بهذه الكنوز : رماد .. رماد .. وفضاءات .
(23)
فقراء يسكنون بيت الريح .. أزمنة تسكن المعادن
وأنا بينهما اصنع هذه الكلمات .. هذا النشيد .
(24)
خمر من الليل في كاسي أدير .. ومن شدة صحوي صارت خطاي للعابرين سبيل .


(25)
نجمة سرقت مني مصباحي .. آنذاك اختفى ظلي
آنذاك كنت بلا ضلال .
(26)
قل للغابات عصاي نخلة .. قل للنجوم مصباحي وردة
قل للعصور البرية بيتي .. قل للضيوف زادي وفير
قل .. قل .. قل
أنا العاشق الأخير .
(27)
ما الذي جاء بك إلى قبري .. ااسكرتك الريح أم جئت في موسم الكروم تقاسمني خمري ؟
(28)
لم صارت روحي مزرعة .. غابة .. ثم مأوى للذئاب ؟
(29)
للبحر موجة .. للعصافير أعراسها .. للنار أزيزها ..
للعصور صداها .. للعابد تراتيله .. للمصلوب صمته .. للعاشق نجواه
للميت ذكراه
إنما للأسلحة دموع لا تتكلم .
(30)
أهذا موسم الروح أم موسم زراعتها
سيان : القاتل هو القتيل .. والقتيل هو القاتل .
(31)
على م تبحث والنخلة عصاك ؟
(32)
من ذا الراقد على امتداد الأرض .. اهو
المنشد أم النشيد ؟
(33)
لكن لم يا ذئب أودعتني حملك ..
أأحرسه أم من ذئب إلى ذئب تصنع الأناشيد
(34)
أكل الأتي يرقد – إذن – في كف .. فيما هناك
من الماضي .. أبدا .. رفيف يلوح بالمجيء.
(35)
ما ان اختفت أصابعي حتى بدأت الكلام .

(36)
معي كتاب وتراب وخواتم لعشاق سيرحلون
ومعي أسلحة وأسرار ونياشين لموتى سيولدون .
(38)
دع الغيمة ترقد في سريري
دع عزلاني في الحدائق
دع عشاقي يتنـزهون
لا توقظني .. دعني أني أمحو كلامي .
(39)
هذا ما رأيت وهذا ما أقول : تحت هذه المدن آلهة نور
هذا ما رأيت وهذا ما أقول : في الأفق موتى سيولدون
هذا ما رأيت وهذا ما أقول : أنا بعض ليل .. وبعض حقول .
(40)
إذا شئت قاسمني ورقة شجرة
إذا شئت ناصفني حفنة تراب
لكن دع أحلامي تهاجر : ثمة نجمة تناديني في الأفق البعيد .
(41)
خذ ثمار حقولي .. خذ أزمنتي كلها
خذ فصولي كلها .. خذ كل بحاري
إنما اترك لي ردائي وبعض حطامي
فانا آت من البعيد
وأنا راحل إلى البعيد .
(42)
من مؤنسي في هذا الليل .. خوذتي سرقت والفجر
عند بابي يقاسمني التراتيل .

(43)
اكتبوا على الأرض كلها لا يرقد هناك .. إلا
ولد خجول .

(44)
أتريد ان تعرف ماذا قالت الغيمة لي
حسنا .. حسنا .. صوب رصاصتك
الغيمة أخذت ردائي .. زادي .. ظلي
صوب .. صوب .. الغيمة سرقتني .
(45)
أهذه الغيوم كلها لي .. حسنا .. اكتب اسمي فوقها وارحل .
(46)
قلبي لا يكتب الشعر .. وا اسفاه قلبي بلا ذاكرة .
(47)
ليس للموتى لدى مدافن .. إنما أنا ابحث عن معول وارض .
(48)
فيما هم يعيدون الحياة للمومياء .. اكرر .. بحثي مرة .. ومرة عن أهرامات ازرع فيها أناشيدي .
(49)
ما الذي جعل الصخور تستدرج روحي إليها
أهذا من اجل تضليل الغيوم .. أم لأوشي بإسرار النجوم .
(50)
أحلامي هناك تتعطر بالانحناءات .. مثلما جنائز
أعلى أعلى .. تستدرجها السماء .
(51)
هي النذور توزع أعراسها .. صفائح .. ذكريات
وحدائق بكل الأسماء .
(52)
فراشات لونها مسروق من جرحي
بيض
لونها مسروق من دمي .
(53)
ما الذي يحدث : أهي عواصف أم هي طيور ترفرف ؟
ما الذي يحدث : أهي أعراس أم شغب جميل
سيان : روحي توزعت بين الصخور .. روحي تناثرت في كل العصور .
(54)
قميصه جريح .. العاشق .. ليته استدار
والتقط أحلامه من الحدائق
(55)
أتسرق نجمة تاهت أم تسرق مني الكلمات
لكلمات نجوم .. ونجومي كلمات .
(56)
فوق العشب : بحار .. عشاق .. بلابل .. وولد
صوته جريح .
(57)
نحن عائلة : إنما الريح جاءت لكي نغدو قبائل .
(58)
قاسمني الجرح مثلما ذات يوم تقاسمنا البرد .
(60)
خذ الفجر واترك لي أصابعي .. خذ الشمس ودع
لي .. نجمة .. تدلني السبيل .
(61)
كم كثيف هذا النور .. ليل بلا حدود
فضاء محاط بالتراتيل .
(62)
أعائد منها أم ذاهب إليها .. تلك المدافن .. بينما في الغابة .. عصفور يلهو بالسيوف .
(63)
أخائف انك سرقت البحر أم نشوان انك موجه ؟
(64)
كلانا .. أنا والعصافير نحرس غابة من الدموع .
(65)
ما لهذه المنقرضات لا تكف عن العواء
ما لهذه الجمرة في روحي حزينة ؟
(66)
انك تصوب بعيدا عن الهدف
أم على ان أكون سهما في قوسك ؟
(67)
ماذا حدث .. إذ ْ تاجك ينـزف
أهذا لأجل غابات بلا حرس !
(68)
أهذه الأسلحة من رفات عشاق
أم انها .. مثلي .. نثرت أسرارها في البحار ؟
(69)
كلانا .. الغزال وأنا مثوانا بلا سقف
إنما هناك زهرة غادرتنا إلى الوديان .
(70)
هذه الغيوم السود .. أجاءت لي برداء أم انها
ستساومني على الجلد ؟

(71)
أيسرق البحر مني دمي لكي تذهب الزوارق إلى البحر !
(72)
ما الذي دفع بالهياكل .. تلك .. والموتى .. للاستقرار في مقلتي.
(73)
أينما كنت القيامة معي .. وأينما كانت أنا قوسها .
(74)
أينما تجولت أو سكنت .. خطاي تسبقني إلى المستحيل .
(75)
أهذا صحو خمر أم سكر هوى
فيما أنا أرى من حولي ملائكة بلا أجنحة .
(76)
لجلدي نوايا ذئب .. ولي عند جلدي وفاء
إنما غاباتي في تشتعل بصمت .
(77)
أتستجدي الشمس من الليل نورها
فيما الليل ولد خجول .
(78)
من في الكلمة ينطق
من في الصخرة ينشد
أكل هذا لعرسي الأخير ؟
(79)
من ذا في الحلم بارك أصابعي لاصطياد الطيور
من ذا في الحلم قلدني وسام الخلود ؟
(80)
ليس لدىّ أصابع .. إذن .. ليس لدىّ كلام .
(81)
انها – مثلي – الغابات .. لا تعرف لم تلك الزنابق
ستطرز صدور الموتى .. مثلما تبارك
أضرحة العشاق .
(82)
أهذا النداء لنبي أم لغريق
سيان
كلانا نجمة اثر نجمة .. نتتبع ممرات المستحيل .

(83)
انها حبة قمح .. انها حبة قمح مثقلة بالشمس
مثل عاشقين ينشدان للصخور .
(84)
ما سر صمت البراعم .. فيما الحرائق .. تشيد كوخها في الجذور ؟
(85)
لطفل فوق العشب أصابع متناثرة .. وثمة شمس .. مع ذلك تنير الحدائق .
(86)
أكل هذا الارتواء .. أيها العاشق .. لاستقبال الجفاف .
(87)
كواكب غرقى في مقلتي .. شموس في فؤادي
تسرق مصباحي .
(88)
هذا ما تبقى لدىّ : ملاك جريح .. وعند الرأس .. ملائكة تناشدني الرحيل .

(89)
سيف عند المثوى .. سيف يوزع أشلائي
هدايا للقادمين
هدايا للراحلين .
(90)
دعنا نتعلم لغة الصخرة
دعنا لا نتكلم لغة الصخرة
هذا أول النشيد .
(91)
بعض كلماتي لا تنحني للفجر .
(92)
لا اكتم أسراري .. إنما ماذا أقول فيما أصابع نجمة
تناثرت فوق الحشائش .
(93)
في روحي خوذة تسرقني إلى البحار .
(94)
هذه المرة الأناشيد .. هذه المرة البراعم .. هذه المرة الكلمات تخرج من الرأس .. توزع قذائفها .. على الحدائق .
(95)
كلاهما .. المدن فوق المدن .. المدن تحت المدن
يرتجفان بردا .
(96)
في مثلما للظلال .. كواكب منطفئة .
ومثلما ستولد أصوات .. هناك ملائكة في المجزرة .
(97)
من نثرني فوق العشب .. من لملمني .. من أعطاني ووهبني ردائي ..
من قال لي : خذ سرك وارحل .
(98)
تلك الغزال تنتسب إلى الشمس .. ذلك الأمير إلى البحار تلك اللؤلؤة إلى الفجر .. أما أنا فأرتل في كوخي آيات الرمال .
(99)
في دمائي بعض خجل الحقول
بعض دلال البلابل
بعض كلام الحكماء
وكثير من صمت الميلاد .
(100)
إنهن نسوة يتحدثن عن آت ٍ
عن راحل غريق
إنهن نسوة يتحدثن أبدا عن ميت بلا ضريح
عن آتٍ لا يجيء
عن راحلٍ لا يعود .