الأربعاء، 29 يوليو 2015

قراءات نقدية-قراءة في قصص ( الحلم بوزيرة ) لمحمد الاحمد-خالد علي ياس


قراءات نقدية
قراءة في قصص ( الحلم بوزيرة ) لمحمد الاحمد
خالد علي ياس


     وعليه تتبين درجة الكتابة في قصص (الحلم بوزيرة) لمحمد الأحمد والصادرة عن دار الشؤون– 2010 بوصفها علامة سيميائية دالة على المرحلة التي انتجت فيها من (شتاء 96) أبعد زمن فيها الى (2010) اقرب زمن فيها وهو زمن طباعتها، بمعنى، انها تتبلور ضمن رؤية تاريخية للنص محكومة بأربع عشرة سنة فيها الكثير من التحولات المعرفية والسياسية ساعدت على صياغة درجتها، وفي الوقت ذاته هي مثال واضح لما ينتج من كتابات راهنة في الساحة الثقافية في العراق ، واعني بذلك هي مثال من خلال افضل نصوصها الدالة ( فضاء كله دم ، الدروب التي لا تتصل بطريق، نهض الاب ، ليلة اخرى، حكاية الاسرة، المقامة ( 3 ، 4 ، 5 ) من قصة خمس مقامات في السياسة والجوع ).
    واللافت في الامر ان وعي انتاج كتابة مغايرة، حاضر في نصوص المجموعة من خلال لغتها الصريحة او من خلال التكنيك الشكلي فيها، ويتضح ذلك في النص الاخير من المجموعة (النص علم العلوم ومنه يجتاف العصر) الذي هو سرد خاص بتجربة الكتابة عند القاص " ان الكتابة قد تطوف حروفاً متناثرة بين جزيئات الكتاب، مؤثرين ان نجمع الدم والموقف فلا نحيد عن عزمنا اللبيب الا بالكتابة المتفجرة كالدم الخارج نزفاً من جرح عميق " ص116 وهو ما يؤكد المهمة الاكتشافية للكتابة للواقع الذي انتجت فيه والبحث الدؤوب عن الحرية، يقول الراوي الممسرح في قصة (خسارة متأزمة بالفقدان) التي تكشف لغتها واسلوبها فكرة التداخل بالاجناس في الكتابة الادبية: " انا الروائي ونصوصي متداخلة بحصافة الحرية التي اكتبها، ابتكرها. فلا عجب من الشعر الذي تمتلئ به حريتي، بالقص الذي تبتكره مخيلتي" ص113 في كتابها النقدي المهم (الكتابة: تحوّل في التحوّل) تطرح يمنى العيد الاسئلة الآتية: كيف تبني الكتابة في حاضر يبنيها أو يهدمها فيشكل الهدم موضوعاً يبنيها؟ كيف يتكوّن النص الكتابي في ظل سلطة تمحو وتهدم كل شيء؟ كيف للدوال ان تتشكل وتولد نسق قولها حين تعيش المدلولات حالة التكسر والموت واحتمالات الولادة المرتجّة؟ وهي اسئلة تتحدد اصولها المعرفية في الذات المنتجة للكتابة وتأثرها فعلياً بمرحلة انتاجها في ظل واقع نصي يكون علاماته اللغوية بتجاذب مع واقع معيش ، وهذا هو العمل التحريضي للكتابة الذي يؤكد  عبد الله  الغذّامي بشأنه انه فعل مضاد مع الذات، لأن الكتابة عمل انتقائي يصطفي من الفعل والذاكرة (الكتابة ضد الكتابة – ص7 ) لذلك ومن خلال هذه الذات المفعمة بالذاكرة بوعي وقصدية أم لا، جاء عدد النصوص في الحلم بوزيرة (14) قصة وهو يتناسب ويتساوى مع الزمن الذي يقدمه السرد ( زمن الانتاج) (14 سنة) .
    في قصة (فضاء كله دم) يتلقى القارئ قصة هادئة محايدة تعالج موضوعتها باسلوب رومانسي لعلاقة عاطفية وهي علاقة من طرف واحد ممثلة بشاب اعتيادي يعشق زميلته في العمل على غير علم منها، ويتخذ لهذه الحادثة البسيطة شكل الراوي الممسرح في العمل الذي يروي حكايته اليومية، ويدوم ذلك على مساحة خمس وحدات سردية مروية بأسلوب ذاتي استرجاعي يفرض زمناً سردياً منحنياً، غير ان الوحدة السردية المتكررة على مدار زمن سرد الحكاية الاصلية تؤدي انقلاباً واضحاً فيها، حيث يتحول معها الراوي الى سارد معاين عن بعد يرتدي جلباب الوظيفة الايديولوجية  "الاخبار في التلفاز اكثر سرعة ودوياً، وتتناقض متضاربة.. كأنها تتذابح" ص7-9-11-13 حيث يتحول الراوي الذي يخبر الاحداث الى السارد الذي يوجه القارئ نحو قناعة معينة ارتبطت هنا بالوضع الامني السيئ الذي ينبئ عن كارثة حقيقية، مما يحيل الى هزيمة وانهيار امام ظرف خارجي لا يمكن التصالح معه لأنه مرتبط بنمط الوجود الذي ترتبط به قصدية العمل وهو منتج ضمن سياق وضعي محدد ثقافياً، لذلك تغدو هذه الوحدة السردية المكررة (4 مرات) بوصفها بناءً سمفونياً ما إن يتركه النص حتى يعود اليه كونه نغماً اساسياً لا يمكن التخلي عنه، ليرسخ الشعور بالهزيمة التي تمنى بها الشخصيات، وهو ما ينكشف فيما بعد على انفجار مدوٍ واشلاء متناثرة في الفضاء وموت للحبيبة (رمز الامل)، ولكي يُنجح القاص القالب الفني الذي اختاره لقصته، وهو قالب معبر بشكل جيد عن الوضع الفوضوي في المجتمع وثقافة المرحلة التي انتج فيها النص، وازن بين شكلي الصوت الذي يقدم الاحداث في موقعه وشكله وبين اسلوب تقديم الشخصية، فمرة يؤكد بدا شيء من الاصرار والكفاح فهو تفاؤل (قراءات في الادب والنقد – ص190) وهو كلام صائب تماماً لكننا نختلف مع الناقد في القانون الذي سنه بوصفه مبدأً اصيلاً في صياغة الرؤية وتحديد نوع الكتابة، حيث يستعير من هيغل صياغته التي تؤكد بأن " البطل في التعليم الرأسمالي يبدأ ماجنا عربيداً ثم لا يلبث ان ينتهي الى احد امرين فإما الامتثال للآلية الاجتماعية، واما الوحدة والعزلة " وهذا كلام لا ينطبق بشكل كامل على منظومتنا الاجتماعية التي لم تكتمل فيها الرؤية الاقتصادية ولم تثبت مفاهيم الفكر الرأسمالي، لان ذلك يتطلب تحولاً فكرياً شاملاً لم يتحقق بعد في مجتمعاتنا، فضلاً عن ذلك، نؤكد ان المؤثر الاكثر واقعية في منظومتنا الفكرية هو التحول السياسي وما يرتبط به من سلطة معلنة او خفية، لذلك كانت كتابات الفئة المثقفة في اغلبها نابعة من (رؤية منهزمة) بسبب الحيف الكبير الذي نالته هذه الفئة في ظل الظرف السياسي والسلطة المتحكمة في مقدرات الامور، فتحددت بذلك درجة كتابتها.


هرمنا.. هرمنا-كمال أخلاقي

شعر
هرمنا.. هرمنا
كمال أخلاقي



 1
الشجرة التي تقف في وجه العاصفة
تلوح لها الأغصان
خلفها وقفت
ألوح لعظمة الظلال

2
الكلمات ضريح هواء
أسلحة يئست منها الحروب
صدأ في النحاس
طين على صفحة ماء يجف
لانراه
لانراه
الكلمات غبار

3
هرمنا..هرمنا
خلف نافذة الوقت
إرتفع الهتاف الى أفق الغمام
الى سماء العنفوان
حدقت العيون
العيون
التي طالما حفر فيها اليأس أباره
من أجل هاته الأزهار
ومن أجل لحظة الذهول تلك
إزدهر الربيع في حضرة النشيد
بهاءا مطرزا بسبائك الذهب
الدموية.

4
             على غصن شجرة قاحلة
          عصفور و عصفورة
               تهامسا وتحابا
              الى غصن شجرة وارفة
                حلقا
              ليتهامسا ويتحابا

5
بين أروقة الندم و الفجائع
يمضي ملوحا بمنديله
لرائحة الجلنار والحبق البعيدة
مبهورا بالريح
يفترع الحقل الليلي الهائل
كأعمى
يصرخ :
" سيكون هناك غد يا رفيقي"
يا قيصر السأم
يا نشيد الأزل
يا قوس قزح المتوج برذاذ الموت الشفاف
يا قصب الناي الحزين
سيكون هناك غد يا رفيقي
 سيكون


سورين كييركيغور ( 1813 – 1855 ) شذرات -ترجمة واعداد عدنان المبارك





سورين كييركيغور  ( 1813 – 1855 )
 
 شذرات

ترجمة واعداد عدنان المبارك

2015
تمهيد :
         الإشكالية الأساسية التي عذبت كييركيغور وسادت في جميع مؤلفاته  هي الشعور  بعبث الوجود البشري إزاء  القوة الشاملة ولامنتهى الله أو أزاء عدم الايمان بالله والأخذ بوجود غير مكترث تماما لمصير الانسان ، وهناك أيضا اللامبالاة إزاء الطبيعة الدائمة الحضور.  وقد نعتبر كامل أعماله محض  تحد ألقاه بوجه العالم المسيحي ودعوة الى مراجعة ايمانه إزاء مثل هذه المفارقة  للوجود الذي يعتبر من أعمال الرب.
        في مؤلفه (  مراحل في  طريق الحياة  ) من عام 1843 فرّق كييركيغور بين ثلاث مراحل من تطور الشخصية :
1- الأستيتيكية  التي تتميز  بهيمنة الرغبات الأنانية ، وأن تحقيق تلك الرغبات يعتمد على الشروط الخارجية ، وقد تبين أن المزاج الأساسي  هو اليأس النابع من الوعي باحتمال فقدان تلك الشروط.
2- الأخلاقية  التي يختار الفرد فيها نفسه كوجود خاص به  ومستقلا عن  الشروط الخارجية  وملتحقا بالمجتمع. وهذه المرحلة  تثير الشعور بالذنب الناتج عن ادراك  الفرد لميله الى الشر ، كما أن هذه المرحلة هي نقد  لكل اخلاقيات المجتمع اللوثري والمرساة على الواجب ، وهذه الأخلاقيات تنتهي بالنفاق ولأن لا أحد قادرا بقواه الخاصة على أداء كل  الواجبات.
3- الدينية التي تعني تعرّف الفرد في النفس على أنه مذنب و ضرورةعودته الى الله. بهذه الصورة يعثرعلى الحقيقة عن النفس وعلى مكانه الصحيح ، وهذه مرحلة من المفروض أن يأخذ بها كل انسان. ويرى كييركيغور  أن من الضروري ابداء العون للذين هم في المرحلتين السابقتين والطامحين الى الدخول في الثالثة. وفي أعماله قام كييركيغور، عبر السخرية الشبيهة بتلك السقراطية ، بمحاولة الدخول في حوار مع أناس المرحلتين السابقتين واقناعهم بالدخول في الثالثة. وهذه الفكرة  تلقى تعبيرا لها في الأعمال التالية مثل ( المرض المميت ) . فهنا كشف الجزء الأول من الكتاب عن الصعود التدريجي للوعي بالذات. وهذا الوعي يتمثل بتحقيق نوعية جديدة للوجود  وحضور الذات أمام الرب أيضا.
    لقد قسّم كييركيغور المرحلة الدينية الى فصلين. الأول يخص الانسان المؤمن لكنه سجين دوغمات الكنيسة  ومستبعد من قبل قوانينها الصارمة. والفصل الثاني هو عن الانسان المؤمن عميقا بوجود الله لكنه في الوقت نفسه يبحث عن السبل الكفيلة بتحقيق كمال النفس. ويرى كييكيغور أن مثل هذا التحقيق صعب للغاية الا أنه ينبغي مواصلة السير في هذا الدرب.
    في ( المرض المميت ) من عام 1848 توقف كييركيغورأمام  إشكالية الموت الروحي لكن وفق المفاهيم المسيحية. ويرى هنا أن التحرر من اليأس يعني الخلاص وأن المرض الجسدي ليس ب(المرض المميت ) بل هو مجرد انتقال الى حياة جديدة في حين أن الموت الروحي هو الشيء الأخير أي اليأس.
    في ( الخوف و الرعشة ) من عام 1843  يطرح كييركيغور أسئلته عن الصلة بين الأخلاقيات والدين –هل  الاعمال غير المقبولة من قبل الأخلاقيات يبررها الواجب إزاء الله ؟ هل يمكن الكلام عن  وجود مثل هذا الواجب ؟  وهل يعني كونك ( فارس الايمان ) تجاهل العبثيات التي يقود اليها الايمان الأعمى ؟ اليس من الأحسن  الدوران في  مثل هذه السلبية ؟
     كما يقول  لودفيغ فيتغينشتاين  فصل كييركيغور بكل وضوح بين الايمان والحكمة  فبرأيه أن الحكمة تفتقد الشغف . أنها ليست بقرار بل هي تحليل للعالم . وعلى العكس من ذلك  يكون الايمان الذي هو شغف ولذلك يدفع ( فرسان الايمان )  في اللاعقلانية .
    معلوم أن كييركيغور كتب أعماله في عزلة تامة وبمعزل عن كل التيارات الفلسفية. وبعد موته بخمسين سنة أصبحت أعماله وحيا  لفلاسفة أمثال ياسبرز وهايديغير  سارتر وغيرهم.

* * *

لا تكون الحياة  مفهومة  الا في النظر الى  الخلف لكن يجب أن تكون معاشة في النظر الى الأمام.
*
 لم يخاطبنا المسيح من خلال حياته فقط  بل خاطبنا أيضا  في موته.
*
  للحياة قواها  المخفية  التي لانكتشفها الا في الحياة.

*
  يطالب الناس بحرية الكلام  كتعويض عن حرية التفكير التي نادرا ما يستخدمونها.
*

 الأمل هو عاطفة تخص ما هو ممكن.
*
 أن تخدع نفسك بدافع  الحب هو  أكبر خديعة ،  انها خسارة أبدية  لا يمكن إصلاحها  لا في الزمن ولا في الأبدية.
*
  أعلى وأجمل الأشياء  في الحياة  ليس في أنك سمعت عنها ولا رأيت  بل في أن تريد الحياة.
*
 حياتنا تعبّر دائما عن نتيجة أفكارنا المهيمنة.
*
 في اثناء المرحلة الأولى من حياة الانسان  يكون الخطر الأكبر في أن لا يجازف.
*
 من هو الشاعر ؟  شخص غير سعيد يخبيء قلقه العميق في القلب ، لكن فمه قد تشكل بالصورة التي تتحول التنهدات والصرخات  فيه الى موسيقى جميلة.
*
مهمة المصلّي ليس  التأثير على الله  بل بالأحرى تغيير  طبيعة الصلي.
*

الطاغية يموت وينتهي دوره ،  أما الشهيد  فيموت لكن دوره يبدأ.
*
 أبانا  الذي في السماوات !  حين تستيقظ  الأفكار عنك في القلوب لاتدعها تستيقظ كالطير المفزوع  بل مثل الطفل  الذي استيقظ من نومه وابتسامة سماوية على وجهه.
*
 الله يخلق من لاشيء . رائع أن تقول  نعم كي تتأكد ، لكن  ما هو الأروع أنه حوّل الخطاة  الى قديسين.
*
هناك طريقتان كي تكون  أحمق . الأولى  أن تصدق بما ليس هو حقيقة ، و الأخرى  أن لا تصدق بما هو حقيقة.
*
 الحب هو كل شيء  ، هو يعطي كل شيء ، ويأخذ كل شيء أيضا.
*
ليست الحياة بمشكلة ينبغي حلها  ، بل الواقع الذي علينا تجربته.
*
ليس المكان حيث نتنفس بل حيث  نحب ونحيا.
*
 من يحوّلني الى علامة انما ينفي وجودي.
*
 تجمع النقائض الرجال وتنتج الجمال والانسجام  في العلاقات تماما مثلما ينتج برد الشتاء زهور الثلج على زجاج النافذة والتي تختفي حين يأتيها الدفء.


*
 السأم هو جذر كل أنواع الشر  - الرفض اليائس للذات.
*
حين تقرأ  كلمة ( الله ) عليك أن تقول  باستمرار  للنفس : (  انها تتكلم معي وعني ).
*
 انه أمر عقيم  تماما أن تعارك  العالم  في حين أن العراك ينبغي أن يكون مع النفس.
*
 يبدو جوهريا  في علاقاتنا وكل جهودنا  حين نركز  فقط على ماهو الأهم.
*
 من دون مجازفة  يكون الأيمان أمرا مستحيلا.
*


 الحقيقة ليست بشيء يمكنك أن تقبله بسهولة وسرعة. أنت بالتأكيد لايمكنك أن تنام  وتحلم  بها ، كلا ، عليك أن تحاول وتدخل معركة وتعاني اذا أردت  نيل الحقيقة  لنفسك. وهو محض وهم أن تفكر بأن العلاقة مع الحقيقة طريق مختصر ، مقطع قصير يجعلك تستغني عن الكفاح من أجلها.
*
 الحياة في هذا الوجود الوقتي لن تصبح أبدا مفهومة ، ولذلك لن أعثر في أيّ لحظة على السكينة  متخذا موقع النظر الى الوراء.
*
أشعر فيما اذا كان هناك بيدق في لعبة الشطرنج  أفكر بنقله حين يقول غريمي : هذا البيدق لا يمكن نقله.
*
 أن تقف على ساق  واحدة  كي تثبت وجود الله  هو أمر أكثر صعوبة  من الركوع والتفكير بالله.
*
اكبر مقامرة هي  فقدان النفس  ، وقد تحدث ببالغ الهدوء في العالم  كما لو أن لاشيء هناك. أية خسارة أخرى لا يمكن أن تحدث بمثل هذا الهدوء – فقدان اليد أو الساق أو خمسة دولارات ، أو الزوجة  الى آخره – بالتأكيد ستكون هذه ملحوظة.
*
 الأحسن  أن  تفقد نفسك في العاطفة من أن تفقد العاطفة.
*
 الشكل الأعمق لليأس أن تختار نفسا أخرى.
*
 وجدت أني  أملك  أقل فأقل لقوله الى أن أصبحت في النهاية  ساكتا ، وبدأت أستمع. اكتشفت  في الصمت صوت الله.
*
أمر بالغ الخطورة أن  تروح الى الأبدية ومعك فرص منعتها بنفسك من ان تكون وقائعا. هناك امكاتية أن تحدث إشارة من الله. وعلى واحدنا أن يتبعها.
*
هو شيء مهم  أن أعثر على  الحقيقة التي هي حقيقتي ، والفكرة  التي من أجلها أرغب في الحياة أو الموت.
*
 الحب لا يغيّر المحبوب بل يغيّر نفسه.
*


 وهذا أحد التعاريف المهمة  للمسيحية كلها : نقيض الخطيئة  ليس الفضيلة بل الايمان.
*
 انها حالة طبيعية للقلب محاولة  بناء هويته حول شيء عدا الله.
*
  الشيء  الذي يثير أكثر من غيره مخافة الجبن هو القرار.
*
 الدرب الذي كانت بدايته طيبة هو كسب نصف المعركة . الشيء المهم أن تكون البداية ثم المضي قدما.
*
 مادة الايمان ( المسيحي ) ليس التعليم بل المعلم.
*
 بعيدا عن ذلك الكسل الذي هو جذر الشر ،  يكون هو بالأحرى  الخير الحقيقي الوحيد.
*
الفلسفة هي ممرضة الحياة والتي تعتني بنا لكنها لا ترضعنا.
*
 الحقيقة مصيدة  لايمكنك  امتلاكها من دون أن تمتلكك.
*
 الايمان هو أرفع عاطفة  في الانسان .
*
 الكثيرون في كل جيل لا يمضون بعيدا لكن لا أحد  يروح أبعد.
*
أكثرية الناس تحيا  سعيدة أو مهمومة ، وهم يجلسون  جانبا ولا يسهمون في الرقص.
*
  الألم قادر على حجب كل صوت دنيوي لكن صوت الأبدية  في انسان لا يمكن قمعه.
*
 العباقرة شبيهون  بالعواصف الرعدية ، هم يمضون  ضد الريح  ويفزعون الناس وينظفون الهواء.
*
هناك أشخاص  كثيرون  وصلوا الى نتائج في موضوع الحياة ، وهم  شبيهون بالتلاميذ الذي يخدعون معلمهم حين يستنسخون الجواب من كتاب  لم يستخلصوا منه شيئا.
*
 أينما  يوجد اثنان  توجد اللاحقيقة.
*

القلق هو دوار الحرية .
*
من الممكن خداع الإنسان بشتى الطرق ، لكن هناك سبيلين رئيسيين : حين يصدق بأن هذا ليس الحقيقة لكنه يخدع أيضا حين لايصدق بأن هذا هو الحقيقة.
*
الذاتوية subjectivity هي الحقيقة.
*
  اللامنتهى والأزلية هما الوثوق الوحيد والأكبر.
*
الضرورة في أن يكون الإنسان أخر غير ذاته تصبح عنده مصدر أعمق يأس.
*
 اليأس هو عند الحدود حيث تلتقي إنتفاضة الأنانية الخائفة بالصورة البائسة للجسارة العنودة والمليئة بالكبرياء ، في عجز متساو.
 *
الوجود الإنساني يرافقه اليأس دائما. فاليأس هو الأساس الشرعي للحرية
*
الشك هو يأس التفكير ، والتفكير شك الشخصية ...
*
الشك واليأس  يعودان الى منطقتين مختلفتين تماما ، والجوانب المختلفة للنفس تنظم في الحركة .أما اليأس فهو التعبير عن الشخصية المطلقة ، إن الشك قائم في التفكير حسب.


*
 نعيم اللافعل بعيد عن أن يكون مصدر كل سوء ، بالأحرى هو الخير الحقيقي الوحيد.

*
 الإنسان يشعر دائما بأنه شيء أكثر مما حققه ، إذن أي شيء كان قد حققه ، ليس بمقدوره أن يجد فيه عزاء ، غبطة ، سعادة .
*
خوفٌ أقل يعني روحا أكثر.

*
 الحشد ليس هو الحقيقة ، فهذه هي دائما في الأقلية.

*
الأمكانيات مفزعة أكثر من الواقع.

*
 الصفة الأكثر ميزة للحشد هي الثرثرة الفارغة.

*

 من يهرب الى المستقبل هو جبان ، و الى الماضي هو هيدوني ، و الإنسان الحقيقي من يواصل البقاء في الحاضر ويريده أن يتكرر.

*
لكل حالة خونتها.

*
 ينبغي إمتلاك شجاعة ليست بالقليلة كي يظهر المرء كما هو في الحقيقة.

*
 كي تحيا بصورة إعتيادية عليك أن تملك الكثير من الجرأة.

*
كل حقيقة هي صادقة الى حد معيّن. وإذا تجاوزت الحدود يظهر الطباق counterpoint وتكف عن أن تكون حقيقة.

*
 أمر مضحك أن تفهم كل شيء من دون فهم نفسك.

*
 إن كامل نشاطي الكتابي هو في الوقت ذاته تطوري الخاص الذي فيه أفكر أعمق فأعمق بأفكاري ومهمتي.

*
المسيح لا يريد من يعجبون به بل من يحاكونه.

*
 الإنسان هو تركيبٌ للامنتهى والمنتهى ، للدنيوية والأبدية ، للحرية والضرورة ، بكلمة واحدة هو مرَّكب.

*
في القديم عرف الناس القليل لكن هذا ( القليل ) حرّك مشاعرهم. أما اليوم يعرف الناس الكثير لكن هذا ( الكثير ) يحرّك سطحهم حسب و بصورة كاريكاتورية.

*
سخرية الحياة أن الإنسان يحيا الى الأمام و يفهم الى الوراء.

*
 تكون الضرورة في أن تكون آخر وليس نفسك هي بالنسبة للإنسان مصدر أعمق يأس.


*
 السكوت الأكثر وثوقا من بين كل أحوال السكوت ، ليس أن تسكت بل أن تتكلم.

*
 ليس هناك صداقة حقيقة من دون ضمير يقظ .

*
 لا تبحث عن العدالة ، يمكنك أن تكون حرا وأنت تحمل القيود.

*
 الانسان الحقيقي من يرغب بالتكرار.

*
هناك ناس تمنحهم الأوسمة الشرف ، وناس يمنحونها الشرف.

*
 الشيخوخة تحقق أحلام الشباب ، نرى هذا في مثال جوناثان سويفت : في شبابه بنى دارا للمجانين ، وفي شيخوخته ذهب الى هناك.

*
 ما يسميه الإنسان البدائي بالمفزع ويعتبره من أشد القضايا رهبة ، يراه المسيحي محض وهم ( …) ، ما يخيف الطفل هو لاشيء لدى البالغ.

*
 يجب تسديد ضربة مميتة للأمل الأرضي [ الدنيوي ] ، فحينها فقط يمكن إنقاذ الأمل الحقيقي.

*
 علماء التوراة عرفوا أين على المسيح أن يولد لكنهم مكثوا في أورشليم ولم يحركوا ساكنا. أما ملوك المجوس الثلاثة لم يعرفوا شيئا غير شائعة ، إلا أن هذه الشائعة حرّكت مشاعرهم ودفعتهم الى القيام بسفر بعيد.

*
معظم الناس ذاتيون بالنسبة لنفوسهم ، وموضوعيون بالنسبة للآخرين  جميعا ، ويكونوا أحيانا بالغي الموضوعية.

*
في أزماننا تدهور للغاية شأن تأليف الكتب ، فالناس يكتبون عن أشياء لم يمعنوا التفكير بها ، وعاشوها الى درجة أقل.

*
 مصدر كل أحوال بؤسنا عقد المقارنات.

*
 يقال إن الإنسان يندم عشر مرات على أنه ثرثار ، ومرة واحدة فقط على أنه سكت. ولماذا ؟ لأن الكلام هو عامل خارجي قد يملك عواقب مؤسفة للقائل به ، وهكذا هوالواقع. وحين يصمت ؟ يكون الصمت الخطر الأكبر. فالإنسان الذي يصمت متروك لنفسه وليس هناك من واقع يعينه.

*
 الدمعة هي أغلى لؤلؤة.

*
 روحي حزينة الى درجة أن أي فكرة لا تأتيها بالعزاء ، أيّ خفقة جناحين لن ترفعها في فضاء الأثير ، وإذا تحركت تحلق واطئا فوق الأرض مثل الطير الذي وقع في هبوب الإعصار. على عالمي الداخلي يسيطر الجمود والخوف ، وكما الشعور بالزلزال الأرضي.

*
عندي سرّ للإيداع . من أودعه ؟ الصدى ؟ هو يخونني. النجوم ؟ هي باردة . البشر ؟ هم لا يفهمون ...

*
 يتجاوز إبراهيم حدود ما هو أخلاقي … إذن ، إما أن الأخلاقي ليس بالشيء الأسمى وإما أن إبراهيم ضائع.

*
يحدث أكبر إستياء حين يؤمن الإنسان بأن ما يتخطى إمكانيات العقل البشري هو أمر ممكن لدى لله.

*
 لست قادرا على القيام بقفزة الإيمان ، لا أقدر على غلق عيني وأقفز واثقا ومن دون أن أشهد هاوية العبث.

*
 في مملكة البراءة يسود السلام و الهدوء ، لكن عداهما هناك شيء آخر … ما هو ؟ العدم. وماذا يسبّب ؟ يوقظ الخوف …

*
لو كان مسموحا لي أن أعبّر عن أمنية لتمنيت أن لا يكون هناك أيّ قاريء بمثل هذا العمق كي يسأل : وإذا لم يرتكب آدم الخطيئة ؟

*
قيل الكثير في موضوع جوهر الخطيئة الأولى ، لكن حصل السكوت عن المرتبة الرئيسية : الخوف. فتعريفها الحقيقي نجده هنا. الخوف قوة غريبة خارجية تستحوذ على الفرد الذي هو عاجز عن التحرر من سلطتها.


*
الأخلاق تعتبر كل إنسان عبدا لها .

*
 في الحكم المسبق للموضوعية objectiveness أُعطِيت قوة شبيهة بقوة رأس ميدوزا والتي خدمتها لتحجّر الموضوعية ، فالحرية لا تريد أن يختفي هذا السحر.

*
هناك من يتردد أما م الإختيار : هل يثق بالله أم لا ؟ أما أنا فلا أملك حرية الإختيار.  فأنا أدرك ، بصعوبة ، حريتي ، ولأن الضرورة هيمنت عليّ تماما. أنا لا أختار الطريق الى الله ، ولأن الخيار لايعود لي.

*
 تحمّل أيوب كل شيء  الى أن جاء اليه أصدقاؤه كي يمنحونه العزاء ، فحينها  بدأ صبره ينفد.

*
منذ أن تفاقم السأم  صار جذر كل شر ، لا غرابة أذن في أن العالم يتقهقر وينتشر الشر.  وهذا يمكن متابعته منذ بداية العالم. الآلهة كانوا سأمين ، ولذلك خلقوا الكائنات البشرية.
*
  يعتقد الناس  بأنه من غير المكن محبة الأعداء الذين  يصعب عليهم  تحمل منظر واحد  يعود الى غيرهم. طيّب ،  أغمض عينيك  وحينها سيكون عدوك  شبيها بجارك.
*
أرى كل شيء بوضوح تام : أرى وضعين ممكنين  - بمقدورك أن تأخذ بأحدهما : اما الأول واما الثان .  رأيي الصريح   ونصيحتى الودية : خذ هذا أولا تأخذه ، ففي الحالتين  ستكون نادما.
*
 الشدائد لا تقرّب الناس من بعضهم بعضا  فقط بل تجعلهم أصدقاء بصورة جميلة.
*
كيف جئت الى العالم ؟  ولماذا لم يسألوني عن ذلك ، ولماذا لم يخبروني بالقوانبن واللوائح بل  صهرت في الصفوف كما طفل اختطفوه كي يعمل على ظهر سفينة ؟  كيف تورطت في الصفقة الكبرى المسماة بالراهن أم الواقع ؟  ولماذا كان عليّ التورط ؟  أليست هي مسألة أختيار ؟ واذا كنت مرغما على ذلك أين هو من يدير كل هذا  - فلدي شيء أريد قوله عن الأمر. ألا يوجد مدير ؟  و لمن أوجه شكايتي ؟
*
الأقلية هي أقوى من الأكثرية دائما ولأنها تشكلت عموما  بفضل  من لديهم رأيهم حقا.
*
 اذا كان كل واحد يقدّر عمله  بالاعتماد على النتائج فسوف لن يبدأ أبدا.
*
 ينبغي ، أساسا ، اعتبار الحقيقة على خلاف  مع هذا العالم الذي لم يكن طيّبا أبدا و سوف لن يكون  ، ولأن الأكثرية لا ترغب بالحقيقة.

*
غرزت اصبعي في الوجود. لا رائحة هناك. أين أنا ؟  ومن أنا ؟ ما هذا الشيء المسمى بالعالم ؟ وما تعنيه هذه الكلمة ؟

*
 من غير الممكن  أن تكون موجودا بلا شغف  passion.

*
 حزني هو قلعتي.

*
 السعادة هي  أكبر مكان مخف  لليأس.

*
 موقفي هو حياد مسلح.

*
 لماذا يقلق تذكر الماضي الذي من غير الممكن جعله حاضرا ؟

*
كلمة ( لا )  لا تخفي أيّ شيء  لكن كلمة ( نعم ) قد تصبح بكل بساطة خداعا.

*
من الواجب  أن يفقه العقل أن هناك  أشياء  لا يمكن  فهمها...

*
عموما يكون التوق الى العزلة علامة  على أن الروح باقية في الشخص  ، وهي المعيار لأي روح هناك.

*
في  احمرارالوجنة الغامض ينعكس وهج القلب.

*
قد يكون سوء حظ في حياتي أني قد اهتممت في الكثير جدا وليس بشيء واحد وبكل حزم ، وكل اهتماماتي  لم تخضع لواحد لكنها كانت جميعها متكافئة.

*
حياتنا تعبّر  دائما عن نتائج  أفكارنا  السائدة.

*
للحياة قواها المخفية التي لا يمكنك اكتشافها الا حين تحيا.

*
.

 لا تنس أن تحب النفس.

*
القلق هو دوار  الحرية.

*
من دون ايمان نتعثر بذرة قش، ومع الايمان  ننقل الجبل .

*
 الله يعرف الفرد وليس الجمع.

*
كي نهرب من إرادة الله اخترعنا العلم ... وندافع عن أنفسنا  مختفين وراء احباطاتنا.

*
الانسان  الذي رغب في  استهلاك الحياة دخل طريق اليأس,,,

*
 يشعر الانسان دائما  بأنه اكثر مما حققه ، اذن فأي شيء يحققه سوف لن يأتيه بالسكينة والرضا والسعادة.

*
اذا فعلت أم لم تفعل  فستندم في الحالتين.

*
خوف أقل يعني روحا أكبر .

*
حيت أصبحت صلاتي باطنية وأكثر تركيزا صرت أملك  ما لدي لقوله أقل فأقل . وفي الأخير حل السكوت.

*
من يخدع نفسه يحول دون  حصوله على الأبدية .فهذه  لا تسمح بأن يهزأ منها  أحد ...

*
من يعيش متمسكا بالأخلاق  يجد على الدوام مخرجا...

*
الرجل في زوجته يحب نفسه .

*
 الامكانيت مفزعة أكثر من الواقع .

*
 الأكثر وثوقا من أنواع السكوت  ليس أن تسكت بل أن تتكلم .

*
 الأقوى دائما من  يطبق راحتي اليدين تأهبا للصلاة.

*
ليست  المساومة بالشيء الاخلاقي .

*
لا صداقة حقيقة هناك بدون دقة وحذر.

*
الله لا يترك مخلوقة لمصيره. بالأحرى الانسان من يترك خالقه.

*
 كل كاتب  ديني وداع ومعلم  يتفادى الأخطار والأماكن حيث يلتقي بها ومعاقل الشر أيضا أنما هو محتال.

*
الناس يفهموني قليلا الى درجة أنهم  لا يفهمون شكاياتي من أنهم لا يفهموني .

*
 العالم يتألف من فرص الحب  وحدها.


*
يجب أن يكون هناك قدر ليس بالصغير من الشجاعة  كي يظهر المرء كما هو حقا.

*
ينبغي  محق  الأمل الأرضي ، فحينها فقط يمكن انقاذ الأمل الحقيقي.

*
العالمون بالتوراة عرفوا أين من المنتظر أن يولد المسيح ، لكنهم جلسوا هادئين في أورشليم. ملوك المجوس الثلاثة لم يعرفوا سوى الشائعة الا أنها أثارتهم  الى درجة أنهم قرروا القيام بسفر طويل.

*
في كل زيجة  ليس الطريق  صعبا بل  الصعوبات هي الطريق.

*
في زمننا  تدهور للغاية  تأليف الكتب ، فالناس يكتبون عن أشياء  لم يفكروا بها  أبدا ، و بقدر أصغر عاشوها.

*
في عالم الحيوان  يكون الفرد اقل أهمية  من النوع . وما يميز النوع البشري أن الفرد قد اصبح  مخلوقا وفق صورة الرب ، وهذا معناه أن الفرد أعلى من النوع.

*
أمر مضحك  أن تفهم كل شيء ومن دون أن تفهم نفسك.

*
 أفعال الفضائح يشيعها الرجال لاغيرهم.

*
هذه معجزة  الحياة : كل شخص حذر يعرف أن لا علم هناك قادرا على معرفة من هو هذا الشخص.

*
الخطيئة  هي في ذاتها انفصال عن الخير ، لكن اليأس  بسبب الخطيئة هو  أنفصال للمرة الثانية .


*
الانسان ككائن فيزيقي  يتوجه دائما الى  الخارج ظانا بأن سعادته هناك ، وفي النهاية  يتوجه الى الداخل ويكتشف  أن  المصدر هو  هناك.

*
 أسمع صراخ المرأة في ساعة   الولادة ، وأنظر الى الانسان الذي يكافح عند حدوده النهائية ، و بعدها أخبرني فيما أذا كان شيء يبدأ وينتهي هكذا يمكن أن يكون مخصصا للمسرة.

*
كآبتي  هي العشيقة الأكثر وفاء ، فلاغرابة في أني أعود الى الحب.

*
الأكثر ايلاما في الوجود هو تذكر المستقبل  وخاصة ذلك الذي  سوف لن تملكه أبدا.

*
ابعد المفارقة عن المفكر تملك حينها بروفسورا .

*
ماذا سيحدث  لو كان كل شيء في العالم محض سوء فهم ، وماذا سيحدث اذا كانت الضحكات دموعا حقا ؟

*
الانسان الفخور  يريد دائما  أن يعمل الشيء الصحيح ، الشيء العظيم ، لكنه يريد عمل ذلك  بقواه الخاصة  و لذلك لايقاتل الانسان  بل الله.

*
المغامرة تسبب القلق  لكنها ليست مضيعة للنفس ... وأن تغامر في الأعالي يعني ذلك وعيا بالذات.

*
ما الفارق ! تحت سماء الجمال ( الاستيتيكا ) كل شيء  منتهك ، جميل ، وعابر ! وحين تصل الأخلاقيات ethics   الى المشهد  يصبح كل شيء  حادا ومملا بلا حدود.

*
اذا كان المرء  عاجزا عن النسيان سوف لن يحقق الكثير.

*
لو حفرت  كتابة على شاهد قبري  لما رجوت  سوى أن تحفر كلمة واحدة : ( فرد ).

*
الفرد في يأسه هو يائس بسبب شيء ... في اليأس لهذا السبب  هو في الواقع يائس من نفسه أولا، يريد التخلص من النفس  ، وفي  اليأس من أنه يريد مثل هذا التخلص  يكون الصيغة  لكل حالات اليأس.


*
اذا أردت أن تكون مكروها لدى الله  أركض مع القطيع.

*
 أصاب الوضع الحالي للعالم والحياة كلها المرض. ولو كنت طبيبا  وسألوني عن النصيحة لأجبت : (  اخلقوا  الصمت ! )

*
تاكتيك أن تمرن  النفس على أن تكون مبهما  enigmatic مع كل شخص. صديقي الشاب  يفترض أن لا أحد هناك يتعب نفسه في  حزر لغزي  - اذن أيّة بهجة ستلقاها في ذلك ؟

*
 لدي صديق واحد  وهو الصدى. ولم هو صديقي ؟ لأني احب حزني  ولن يأخذه الصدى مني . أنا لدي كاتم أسراري الوحيد  وهو صمت الليل . ولم هو كاتم اسراري ؟  لأنه يبقى صامتا.

*
المفكر بدون مفارقات  شبيه بالعاشق من دون شعور : عادية بائسة.

*
في ميلانخولياي العظيمة أنا أحب الحياة  ولأني أعشق ميلانخولاي.

*
لذا لا تخدع النفس ! من بين جميع الخداعين  خف من نفسك!

*
واحد يقدّم النصيحة ومن موقع آمن.

*
انه هزء مخيف ويلاغة ساخرة  من العصر الحديث حين يكون الموقف الوحيد من العزلة  جعلها عقابا وعقوبة سجن.

*
نظرا  لخطورته الكبرى يصبح الموت ضوء يحوي العواطف  الكبرى ، الطيبة منها والسيئة ، وهكذا يصبح شفافا لاتحد من نطاقه المظاهر الخارجية الكاذبة.

*
كما معلوم  هناك حشرات  تفنى اثناء الاخصاب. وهي حالة مسّرة  :  الحياة أرفع لحظة بهجة والأجمل يرافقها الموت.

*
الزواج يدفع الفرد صوب رباط مع العادات والتقاليد ، وهذه  مثل الريح والطقس لايمكن التنبؤ بهما.

*
للذكاء تفوّق الى درجة أنه يحوّر المهمة الحقيقية الى واقع غير فعلي وألعاب.

*
 المفاهيم مثل الأفراد لديها تأريخها ومثلهم هي قادرة على تحمل ويلات الزمن  لكن من خلال كل هذا تحتفظ بنوع من الحنين  الى مشاهد من الطفولة.

*
الايمان  أعلى عاطفة  في الانسان.


*

أنت ولدت مرة في هذا العالم  ، و ها أنك تقدمت في العمر كي تموت.

*
العندليب المتواضع لا يطلب من أي أحد الاستماع اليه  ، لكنه فخور أيضا  بعدم الاهتمام بأن هناك من يستمع اليه أو لا يستمع.

*
أشعر بأن االكيل قد طفح وأني بلا فرحة  وعاجز عن ملْ النفس  وحتى أني أعجز عن تصور أّي شيء  يمكن أن يطمن النفس ولا حتى نعيم السماء.

*
الحب هو أمر مليء بالغبطة  حين يوحد المتساويين  لكنه المنتصر الذي  يساوي اللامتساوي بالمتساوي في الحب.

*

المفارقة الكبرى  للتفكير : انه يريد أن يكتشف  تلك الفكرة التي يعجز عن التفكير بها.

*
غالبما يسافر الناس الى العالم كله كي يشاهدوا الأنهار والجبال  ونجوما جديدة و طيورا زاهية الألوان وسمكا وأجناسا غريبة من البشر و يصدمون  حين  يبحقلون في الوجود وكل اعتقادهم  بأنهم رأوا شيئا.

*
 أنا أفضل أن أكون راعي خنازير تفهمني على أن أكون شاعرا لا يفهمني الناس.

*
ليس الشاعر رسولا ، فهو لا يفعل شيئا سوى طرد شياطيننا بقوة الشيطان.

*
لاتكون الشخصية ناضجة الا حين يجعل الانسان من الحقيقة حقيقته.

*
في قعر العداء بين الغرباء  تكمن اللامبالاة.

*
 ربما تعذب معاناة جديدة نفسك.

*
ليست القضية في ( أن تكون أو لا تكون ) بل في كيف من المفروض أن نكون  لغاية أن لا نكون..

*
الناس  المستقرون على مستو  من اليأس قد يتسامحون  ويسمّونه سعادة.

*
 لو كان بمقدوري أن  أصف دواء واحدا  لجميع أمراض العالم المعاصر  لرغبت  بوصف الصمت.

*
أنا ذاهب لصيد ألف من  الوحوش في أعماق نفسي.

*
من تعلّم  كيف يقلق بالطريقة الصحيحة  يكون قد تعلم  الأقصى.



*
ما أنا بحاجتي اليه فعلا  أن يكون واضحا لدي ما عليّ عمله وليس ما عليّ معرفته  عدا القدر اللازم من المعرفة  التي تسبق العمل.

*
النوم هو ذروة العبقرية .

*
الأمل هو الشغف بالممكن.

   

                              * * *


الثلاثاء، 28 يوليو 2015

قصة قصيرة-تتمات-عادل كامل




 قصة قصيرة

تتمات

عادل كامل


    ظن انه يتكلم بفم مغلق، كلا، وظن انه يصّوت، كلا ...، دار بباله، لأن الأصوات لا وجود لها، ولا اثر للكلمات، إنما وجد ما يشبه الرنين، الوشوشة، وما يماثل لغطا ً مبهما ً امتزجت فيه الأصداء بالصمت، من غير ذبذبات، أو علامات محددة، تدوي داخل رأسه بطريقة تخيلها لا تنتظر التأويل، أو تستدعي التفسير، أو الشرح...
ـ لا ترفع رأسك عاليا ً كي لا ترى ما يحدث فوق الأرض، ولا تخفضه كثيرا ً كي لا ترى ما يحدث في السماء...
   وسأل نفسه: كيف أكون وحيدا ً وأنا مازالت تلاحقني الأصداء...، منذ نشأت، وهي تعيدني إلى أصولها؛ فأصير صوتا ً في الفراغات، وفجوة في الفضاءات؟
ـ لا تسرع كي تتعثر وأنت وحيد في الدرب...، ولا تتعثر كي لا تجد من ينتشلك عند السقوط...؟
    ود لو ابتسم، أو وجد وسيلة للامتناع عن مخاطبة ذاته، ومحاورتها، فقد كاد يفك لغز الانشطار، ولغز تعددية الذوات، وتقاطعاتها، لو لم يردم الفجوات بينه وبين ماضيه الذي غدا ممتدا ً، وبين الامتداد الذي رآه في مداه وقد ارتد إلى لحظة الشروع: الصفر!
ـ لا تغلو بطلب النزاهة وأنت لا تقدر على قهر القيود...، ولا تتشدد على الظالمين وكأن العدل آت ٍ لا ريب من قدومه ... إنها... دورة.. تدور ... ولست فيها  أكثر من تتمة... تتمة.. التتمات!
   عندما رفع رأسه، لبرهة، وألقى نظره إلى الحديقة، وشاهد نهايات الأشجار، تغطي الأجنحة، لذ ّ له أن يتمتع بزرقة السماء، خالية من الغيوم ـ قال خالية من الشوائب ـ  وإنها ـ بلا إرادة متابعا أضاف ـ حفزته لاستنشاق عطر الورود، ممتزجا ً بما كان يحمله الهواء من الزرائب، والجداول، والحظائر...، من عفن،  سمح له بتصوّر ما شيد، منذ قرون، من أنفاق وسراديب وجحور وممرات ومجاري تحت الحديقة.....، ظلمات مستترة ومخبأة وليس لها نهايات، وان ما كان يراه، ليس إلا صورة افتراضية، شبيهة بالسراب أو الوهم، وما رسم من جنات، للحديقة المترامية الأطراف. وراح يتخّيل الحد الفاصل....بينهما؛ كالجدار الذي شغل بصره، وهو يتلقى الضربات، واللكمات،  وكالحد الفاصل بين فضاء لا حدود له وبين قاع ٍ يمتد بعيدا ً من غير نهايات، يجعل ما يجري ـ في الأعلى ـ مغايرا ً لكل ما كان سمعه، وقراءه، وعرفه عما كان يجري في الظلمات. كان المثال المتداول إن ما من احد عاد منه، وسمح له حتى بالعودة الرمزية للحديث عن الغائبين...، وإلا كيف تحول اندثارهم إلى إقامة أكثر حضور  من حتمية الغياب، ملاحقة له، ذاق بسببها شتى المرارات، لكنه سرعان ما تدرب على التحايل، بعلم يستند إلى الثوابت، والتجريب، مثل القول إن الواحد هو الواحد، ولا حاجة إلى الصفر، أو الثاني...، وتلك قضية كادت تؤدي بحياته، لو لم يعلن توبته، واعترافه بان العدد هو تراكم الواحد وان للصفر مكانة شبيهة بدور العامل المساعد الذي يماثل ناقل المرض الذي لا يصاب بالعدوى، فلا ينتظر العقاب.
ـ امش...!
   ذلك لأن أجزاء الثانية، دار بخلده أيضا ً، لا تتوقف عند عدد....، فالواسع يليه الأوسع،  والصغير لا يستقيم من غير الأصغر... فالا متناهي مزدوج طالما يمتلك النسق نفسه...
  فلم يتحرك، لم يمش، كأن نهايات ما بعد الأكبر التقت بنهايات ما قبل الأصغر، وقد تهدم الفاصل ما بينهما، إن لم يكن ـ هو تحديدا ً ـ وهما ً، واحد أشكال الوجود الافتراضي. لكنه تسمر كي يشعر أن الجزء اللامحدود من الثانية، لا يقبل الانتساب إلى أية جهة من الجهات: جزء تام وخالص!
ـ أمش...
   وبصوت أعلى سمع الأمر. ولم يمش، لم يتحرك، متخيلا ً ـ من غير تشوش أو اضطراب ـ انه امسك بالجزء الذي لا يمكن عزله عن الأبدية ـ إنما ـ ما معنى الأزل؟  فعاد  وأكد انه لم يسمح للجزء إلا ليكتمل ويغدو خالصا ً...، فلم يعد يستطيع رؤية زرقة السماء خالية من الشوائب، بعد أن لمح جانبا ً من السور يرتفع أعلى من نهايات الأشجار، فخطرت بباله مليارات مليارات مليارات المغازل وقد غزلت منسوجات سردية وشفاهية سمعها وعاشها ومحاها ثم عاد ودوّنها وأغفلها ومحا محوها، وهي تمر ـ تعبر ـ عبر زمن مازالت مقدماته تمتد أعمق من فاتحته، ونهاية تذهب ابعد أي قدرة له لوضع خاتمة لها...

[2]


    لم يعد بحاجة ليتخّيل الممرات وهي تفضي إلى أخرى، فقد خرج من سرداب ودخل في آخر، متجها نحو جحر تلاه آخر حتى أحس بركلة تركت جسده النحيل يتكوم في نهاية حفرة استنشق رائحة كادت تفقده قواه على المراقبة ...،  ولا يعرف كم مكث فيها، فالظلام شديد درجة انه لم يعد يكترث اهو في زاغور أم في شق أم في جب...، إلا أن شدة العتمة أضاءت له ما كان رآه قبل النزول إلى العالم السفلي: سلاسل أقفاص وزرائب وأجنحة ومكعبات وصالات مستطيلة حديدية تمتد من جناح إلى آخر عبر فواصل ومنافذ تشرف عليها لجان خاصة...، فخّمن بشك لا يدحض إنها كانت الوجه الأول للحديقة...الصورة، وانه غدا جزءا ً من ممتلكات الوجه الثاني لها...
ـ أنهض...
   أحس انه لم يعد يقوى على الإفلات من قوة الجذب لولا انه ترك للأمل أن لا يسبقه بالرحيل، فتعكز بجدار الممر المتصلب، الخشن، مستدلا ً برائحة ما فراح يتتبعها حتى وجد انه يتوقف عند صخرة كبيرة تلمسها بقدميه، منتظرا ً أوامر لا ينوي الاعتراض عليها. فهل كنت بلغت القاع ....لولا ...؟ دار بباله، ثم ترك الظلام يمتزج بمشاعر خالية من المودة، إنما اخمد فيها غضبه، ولوعته المستديمة....، متوقعا ً ما سيحدث له.
ـ والآن ...؟
    استعاد وعيه اثر سماعه من يطلب منه الإصغاء..
ـ لا خيار إلا بحسم الأمر...
    ود لو قال: مادامت القضية باطلة في أصلها، فما الجدوى من مناقشتها.... ؟ ولكنه لم يرد. فعاد الآخر إلى الكلام:
ـ إنها ليست باطلة ـ كما خطر ببالك ـ وإلا هل الإله يصنع ما لا جدوى منه...، لتسفه أنت مثلا ً ...؟
انه يدخلني إلى الجحيم...، حتى قبل أن يعرف إذا ما سأعلن التوبة..؟ ودار بخلده، انه ـ بالفعل ـ كما في الحياة الأولى، فليس عليك إلا أن تختار الذي لا يتقاطع مع حدد لك...
فقال الآخر:
ـ لو كانت باطلة فان هذا كله عناء لا طائل منه...
   كان يود لو اعترف باستحالة العثور على رد يسلم من الدحض، عبر سلسلة تمتد كي لا تترك، في نهاية المطاف، أثرا ً لها ....، لكنه لم يجد ما ينطق به.
ـ هل أضعت فمك أم تاهت عليك الكلمات...، أيها الأرنب الوديع...؟
ـ ....
ـ أم كنت ترغب أن تبّلغ المدير بأمر تنجو منه ...؟
   وظن إن الصمت لا يفضحه، فاستبدله بحكمة قديمة تقول إذا كنت لا تقدر على دحر عدوك فتعلم كيف تتجنبه..
ـ يا للسخرية.... حولتنا إلى أعداء! ونحن لا نرغب إلا بتقديم العون لك...!
   كاد يصرخ ويخبره انه طالما فكر بالهرب من الحديقة والخلاص من ضواريها، لولا  فزعه من المجهول...، فمكث فيها بانتظار معجزة...، ولم تحدث، فواصل هو ومن معه بإنجاب المزيد من الأرانب...، حتى كان الخوف واحدا ً من أكثر عواملها مقاومة للحد منها...، فكلما بالغوا بالقسوة حد الجور فقد كانت أعدادها تتضاعف بمعادلة رياضية...، لتزداد شراسة الأعداء، وشراهته ...، فكانوا يفرطون في التناسل، لتلافي النقص، والفزع من الانقراض، فكان العدو يزهو ...، وتزدهر عنجهيته، بحثا ً عن الطرائد...، فيما الأخيرة تجد ألف ألف وسيلة بالإنجاب، لتلافي الانقراض...، فما العمل...؟
ـ يبدو انك عنيد مثل أسلافك...، فلا أنت عملت معنا، بحكمتك، وكسبت الكثير، ولا أنت هربت فنجوت...، ولا أنت وجدت سبيلا ً لمقاومتنا محولا ً انتصاراتنا إلى هزأة، وسخف....؟
   هز رأسه، فوجده أثقل من أن يرفعه، فقد شعر إن الظلمات كلها تكومت داخله، فإذا كان ـ قبل النزول إلى الأسفل ـ قد تبعثرت عليه المنافذ، وتداخلت، مختلطة، ومنصهرة بالتمويهات والمواعظ والفزع، فكيف سينجو، بعد أن جرد منها تماما ً؟ لكن فمه ضاع منه، وكأن ما أراد أن ينطق به لا وجود له، وانه ـ كما في السابق ـ  انشغل بشغل شبيه بالماء يصير ثلجا ً ثم ماء ً ثم بخارا ً  ثم مطرا ً ثم ثلجا ً ثم ماء ً ثم بخارا ً ثم ....
     ترك رأسه يدور بمعزل عن لحظة لا مبالاة عصفت به، فقد تخيل قفا العملة، كوجهها، كل منهما يكمل عمل الآخر...، وانه إذا كان نجا وسلم في الأولى فهل باستطاعته سبر أغوار الظلمات...، بعد أن امتدت اللحظة حتى لم يعد يميز بين الصورة وقفاها...؟ فالذي خسره في الأولى لن يقلب المعادلة في الثانية....، تذكر انه كثيرا ً ما احتمى بالقليل بدل الاستزادة...، فما فائدة أن تحصل على ما ليس لك.. بل كرر مرات ومرات انه لم يعد واعظا ً، ولا معلما ً، ولا مرشدا ً...، ولا دليلا ً.....، فممرات الشمس لا تفضي إلا إلى باب الموت، وباب الموت ما أن تنغلق فلا يدور فيها المفتاح، وإن دار، فلا يخرج منها إلا من لم يدخلها!
ـ تلعب... من اجل التمويه... والغواية ..؟
جمّع قواه:
ـ  لو قصدت اللعب لكنت تتبع ظلي الآن....، وليس أن تحتجزني...، لترسلني إلى جهنم...؟
ـ اعرف ... أيها الزعيم، لأنك عملت على ذلك، وجرجرت القطعان خلفك، لأنك كنت عثرت على جرثومة الهدم...، فانصاعت لك الدواب، والطير، وما بينهما....!
ـ أنا لم افعل إلا ما كان المدير يفعله ...!
ـ لقد خرجت على طاعته...
ـ وهو خرج على طاعتنا ..؟
ـ من انتم.... ؟
ـ نحن الحثالات ...، البهائم... النمل...
ـ فلم فعلت ذلك...، وأنت ترى النهاية دانية من غير ريب..؟
ـ ولكن لِم َ المدير ارتكب فعلا ً كان الأولى به أن يدعه للرعاع!
   ساد الصمت ممتزجا ً بكثافة الظلام داخل حجرة مغلقة خالية من الأصوات، لكنه سمع ضجة، سرعان ما تلاشت، فعاد الصمت.
    فكر انه لم يكن ارتكب إلا ما لابد من ارتكابه، ولم يفق إلا وقد ذهب ابعد من منها: اللعبة التي كلما عمل على تجنبها وجد انه يذهب عميقا ً في متاهاتها.
   وأحس بحرارة جسد يقترب منه:
ـ آن لك أن تقول كلمة...، أما ترتفع إلى الأعالي...، وأما تنحدر معها إلى أسفل سافلين....؟
ـ وهل هناك حضيض أسفل من هذا الحضيض...؟
     ولم يقاوم ضحكة امتزجت بكلماته:
ـ فانا لم أتشبث بالأولى...، ولا حول لي ولا قوة برفض الثانية، فأية كلمة باستطاعتها أن تخدعني، وأنا أمضيت حياتي في العثرات...، فأية كلمة بإمكانها أن تكون عقارا ً لداء، هو، في الأصل، سابق على حامليه...، كالإثم لو لم يكن وجوده سابقا ً علينا فما الفائدة من تجنبه...؟ ها، ستقول انه الامتحان... أتمتحن من حددت له النهاية قبل فاتحتها، أم هذا كله هذيان عقل شارد...؟
ـ ها أنت عدت تجدف...؟
ـ أنا ...
   وسكت، متابعا ً التنفس بصعوبة، لندرة الهواء:
ـ من أكون ... أنا... داخل مكان لا حدود له... أتعرف معنى اللا مكان....، كي تلهو بي، وتتلذذ، بلعبة علينا أن نلعبها، حتى لو كان وجودنا غائبا ً...، فمن أنا كي يكون لفعلي معنى....، إلا معنى اللهو، الأشد فكاهة من التنكيل والعقاب...؟
ـ في الأقل...، ستعاقب، لأن كلماتك لا تليق بمقام سيدنا ..
ـ المدير...؟
ـ ...


[3]



  مد أصابعه فلم يجد أثرا ً لأحد: ثمة جدران فقدت ملمسها، دائرية، تتسع وتضيق لتتسع، سمحت له بتخيّل انه داخل حفرة:
ـ ويطلب مني ...، للنجاة بجلدي: أن استبدل ما رأيته بما لم أره!
   سمع ذبذبات صوت يخاطبه:
ـ آن لك أن لا ترتكب حماقة تؤدي بك إلى ..
وأضاف الآخر:
ـ  فانا لا اقدر أن أوجز مسافة اللانهائي بخطوة الشروع، آنذاك أكون كمن أختزل البحر بقطرة ماء...، ولا أريد أن أوجز الأصوات بحوار أنت ـ قبلي ـ تعرف لا جدواه...، فأقول لك: أد واجبك وامض!
ـ ...
ـ لا تتعجل....، فانا أمهلتك...
ـ ها...، كما نسجتم، بهدوء، الحكاية كاملة..؛ ثور أعمى يدور ويدور للحصول على أمل النجاة...فان توقف أرسل إلى المسلخ، وإن لم يتوقف مات وهو يدور...
ـ أي ثور...، وأية دورة...، وأنا اعمل لصالحك...؟
ـ كأنني لم أبصر في الوحل الأعمى، بعد مضي هذه السنين، لتبشرني بالضوء...، فالحكاية، أيها الحارس، لا علاقة لها بك أو بي. فدعهم يختتمون الحفلة، معي، كي تبحث عن آخر لعله يهن، ويتراخى، ويستسلم لكم...
وأضاف:
ـ فانا اوهن من أن أكون واهنا ً، ليس لأن الداء لم يبق بي عضوا ً سليما ً، بل لأنني أنا هو الداء نفسه!
ـ لا تتعجل....، قلت لك لا تتعجل...، لأن كل من يفقد الأمل كأنه هدم الحديقة بأركانها!
ـ فهمت.
   وردد مع نفسه: علي ّ أن اخبره بما لم اخبر نفسي. ورفع صوته:
ـ أنا سأختار جهنم، ولا اختار إلا أبديتها!،  بدل أن اختار الحديقة بنعيمها، وترفها، وبذخها. فالعذاب هناك، في أعلى عليين أو في أسفل السافلين، يجعل موتي مساويا ً لحياتي. واعلم ـ أيها الحارس ـ أنا لا أعاقب نفسي، لذّة من اجل العقاب، أو للتسوية، أو للتشفي، أو للراحة التي يحصل عليها الآثم، كما لم اسع لتطهيرها، بل هذه خلاصة حكاية تساوي بين الأضداد، لتذهب ابعد منهما. وأنا اعرف انك لا تعرف، ولا تريد أن تعرف، أو لأنك لا تستطيع أن تعرف، فك ملغزات هذا الوضوح...، ما دام الصفر هو الرحم الذي تكونت فيه الأعداد! فقس على ذلك، فدعني امشي نحو مصيري بدل أن تتلذذ وأنت تراني أدور، وأدور...! فانا أيضا ً أراك تدور، وتدور!
ـ لا معصية، ولا خطيئة بلغها احد كمعصيتك، وخطيئتك، أيها العجوز ...؟
ـ تقصد: لا مؤمن بلغ إيمانه  هذه الدرجة، أم تقصد إنني ذهبت ابعد من الإيمان..؟
ـ ها أنت تقلب الموازين...، فتستبدل النعيم بالعذاب، والليل بالنهار، والمرض بالعافية، والجنة بالنار ...؟
ـ أنا لم افعل ذلك...، ببساطة قلت لك: أنا بإرادتي ـ إن كانت تامة أو مازالت في طريقها إلى الاكتمال ـ اخترت الذي صورته كقفاها! فلا أقنعة ولا لعب ولا مكر ولا خساسة ولا غدر ولا نذالة ولا عهر ولا خداع ولا تمويه!
ـ قسما ً بالآلهة العليا كلها أنا لم أر من يذهب بإرادته ليطرق باب العالم السفلي ويقول: افتحوا.... فانا أتشهى العذاب أكثر بكثير من الراغبين بالنعيم والمسرات؟
ـ نعم!
ـ لم أر من يختار الجحيم...، بهذا التلذذ وبهذا الشوق حد الهوس ...
وسكت، ثم سأله بفزع:
ـ من أنت...؟ ربما أنت هو ...هو ...؟
ـ لا!
ـ ما أدراني... فقد تكون هو أنت الشيطان نفسه...؟
ـ لا...، لا تخلط، ولا تدع عقلك يضطرب، فلو كنت الشيطان لكنت أنا من يقودك في هذا العالم!
ـ آ ...، أيها الإله العظيم...، أصبحت اجهل من يقود من... فانا لا امتلك الا صلاحيات محدودة، في هذا التحقيق ...
ـ تقصد في هذه اللعبة؟
، هل تسمي التحقيق لعبة...؟
ـ أيها...، فإذا كنت السابق فانا اللاحق...، والعكس صحيح، وإذا كنت الصورة فانا قفاها...، والعكس صحيح، فانا لا أظنك لعبت...، وموهت، بل أنت اخترت أن توهمنا....، وأنا اخترت أن أوهم نفسي!
ـ آ ...، ها أنت تتلمس باب الرحمة؟
ـ دعنا منها، ومن أية رحمة! دعنا من الشفقة، ودعنا من الغفران، دعنا من النار والشيطان والجحيم...، فانا اعرف لماذا أنا هنا...، بل ولماذا تأمل أن استبدل أقوالي ـ مع إنكم حصلتم على كل المستور والمخبأ ـ بدل أن تسلمني إلى أول كلب....، أو تترك الضفادع تنهش ما تبقى من جسدي...، في هذا المستنقع.
ـ لماذا...؟
ـ حتى لو أجبت بحدود السؤال، فلا احد باستطاعته عزل ما سيولد من الأسئلة...، ليس لأن الدورة تذهب ابعد منك ومني، بل لأنها  تعمل بما لا يمكن معرفته، وفك ملغزاته...، لأن هذا المحدود ـ بيني وبيني ـ شبيه بما آمنت به، وشبيه بما عملت على تفنيده.
ـ ولكن ـ اخبرني ـ كيف جرجرت الجماعات، خلفك...، كيف صدقوا انك ستهدم عرشنا، وتقوض أركان حديقتنا الخالدة...؟
ـ تقصد ...، كيف ولماذا وقعت في كمين الغواية...، وكيف نذرت حياتي للنمل، والبعوض، والبرغوث، والضفادع، والقمل ...؟
ـ أكمل...
ـ لا فوارق تذكر بيننا..، فالقطعان كانت مذلة، جائعة، منخورة، رثة، عقيم، وجودها يساوي عدمه...، أي ـ بإيجاز ـ ممحوة، فسمعت من يهمش في روحي: دعها تعمل بقدرها! قدر استبدال القدر بقدر..، والدرب بدرب، والوهم بوهم! دعها تستعيد ما تم اغتصابه منها...، فتقدمت، وهتفت: اتبعوني....، وقبل أن أكمل كلامي رأيت الجماعات تتبعها جماعات....!
ـ قدتها إلى الجحيم..، فثكلت الأمهات، ورملت الزوجات، أرسلت الفتيان إلى الموت والباقي إلى المصحات، شردت العوائل، وخربت الديار، هجرت ونفيت، ثم ....، بعد غيابهم، رحت تتبع أثرهم!
ـ الم أخبرك بما حل بها، قبل التيه وبعده، حتى إنها راحت تلتهم الحجر والتراب والسراب لعلها تجد ما يسد رمقها... فالبهائم إن جاعت لا تترك قفصا ً إلا وحطمته، ولا تترك نفقا ً إلا وهدمته، وهكذا لم يعد يعنيها إن كان الجنة هي قاع الجحيم، أم كان الجحيم هو قاع الجنة.... وهذا ليس خلطا ً للأوراق، والتصورات، وليس هذيانا ً يهذي به مشرد، هرم، فقد أوهامه، بل لأن الجحيم ليس إلا بابا من أبواب النعيم!

[4]


ـ سأخبرك بما قرأت، فوق ألواح الطين...، حكاية صارت بعمر الزمن...، لا إجابات فيها، ولا أسئلة، حكاية قلت لي أن مقدماتها باطلة، فماذا ستكون عليه نهاياتها؟ وأنا رأيت الدنيا كما رآها كاتب تلك الحكاية...
ـ ....
ـ فالإله كان مجتمعا ً لتدارس شؤون الدنيا ....، عندما لمح الشيطان حاضرا ً في مجلسه! وأنت لا تسأل كيف دخل، ومن سمح له بالدخول؟ فسأله الإله: ماذا تفعل في مجلسنا؟  ـ وكأن مجلس الإله متاحا ً لمن هب ودب ـ  فقال له: جئت أراهنك! فاستغرب الاله ـ كما في النص المدوّن فوق الالواح ـ وسأله: وعلى م َ يراهنني..؟ قال: على عبدك ايوب...؟ فقال الإله: هو عبدي المخلص! فقال له: سأغويه، لترى انك راهنت على من سيجدف بك؟ أجاب الإله: لا تقدر... فقال له: أمهلني!
ـ ...
ـ فراح الإله ينزل بأيوب شتى المصائب، والنكبات، فاخذ منه ماشيته، واهلك زرعه، ومزق عشيرته، وأمات أهله ....، ثم أوقعه في العلل... فما جدف أيوب، ولا ارتكب معصية!
ـ كان الإله على حق؟
ـ ها...، لكن أيوب قال للإله: من منا لا يعرف ماذا يعمل...؟ من منا الأكثر إصابة بالمرض...؟
ـ الإله لا يمرض!
ـ أنا أتحدث عما ورد في النص الذي دوّن قبل عصرنا بسبعة آلاف عام!
ـ ...
ـ  لكن لا المغزل كف الدوران، ولا الأصابع كفت عن الغزل، ولا العزل نفد ...!
ـ ماذا تقصد...؟
ـ اقصد إنها حكاية بحدود معناها!
ـ أرجوك...، الآن أنا أتضرع إليك...
ـ وماذا لو أخبرتك...
ـ سأقول انك اخترت بابا ً... حتى لو كان ضيقا ً، بدل الجحيم!
ـ لن أغوى أكثر من مرة....، مع أن وجودي ـ هنا ـ يفند ذلك. فأنت قلت الحقيقة كاملة وهي لن تذهب ابعد من النهاية التي أعدت لي، ولك ....، على السواء! لأنك لن تجد بريئا ً من غير طاغية، فكل منهما يخترع الآخر اختراعا ً، وإن غاب احدهما، فلا معنى لوجود الآخر! أما نظرية توزيع الظلم بعدالة، فإنها تماثل توزيع العدل بالقسوة والجور! وأنت سمعت ما قاله احدهم بضرورة وجود دكتاتور ديمقراطي!



[5]

ـ فهل يصح أن يحاور الإله من سينزل بهم شتى صنوف العذاب، الإله الذي خلق الشيطان، وخلقهم، كي ينتظر نهاية الامتحان ـ الذي صاغه هو نفسه، والذي هو من صنعه...، وليس من صنع اله آخر...؟ هل يصح أن تردد مليارات مليارات مليارات الحناجر إن الإله واحد واحد واحد...، وما أراد إثباته انه بلا شريك، وهو بلا شريك... وهو واحد...، ثم، كيف تصدق وهمك وكأنه حقيقة، وأنا مازالت اذهب بعيدا ً ـ وابعد من كل بعيد ـ في تفحص ما احسبه حقيقة كي لا أؤذي طيرا ً، ولا أن اقطع ورقة شجر، أو اسحق نملة تائهة، أو ارفع صوتي...، فهل العدل أن ترى الظلم ولا تفتح فمك بكلمة...؟ أنا ـ وأنا اجهل من أغواني ـ فتحت فمي، فرأيت الأفواه تزمجر.....، وها أنا بين يديك...من أجلك وليس من اجل نفسي! فإذا كنت ترى الجماعات تلد الأخرى الشبيه بالبعوض والبرغوث والصراصير محكومة بقدرها، لعلها تحصل على ما خسرته....، فانا ارغب أن أراك تهلك من غير أن تربح وهمك! وأنا اهلك من غير أن أرى الحقيقة ـ كالتي رأيتها ـ وجعلت طاغية، وجعلت مني ضحية..؟ لأنني حتى لو لم أنقذتك، من وهمك، فلا احد ينقذني من الحقيقة التي لم احسبها أكثر من مفازة.....، عثرة، علي ّ اجتيازها، إنما هل كانت هناك حقيقة...، وهل كانت أوهامنا قد صاغت أدوارنا، وأفعالنا، وأيدينا مثل عقولنا مكبلة بالخمول والتراخي ... والأوهام؟ أكان هذا الحلم حقيقة....، كالسراب، بينما الفراغ يمتد ولن يضيق إلا باتساع لا محدود...؟ فهل أنت اخترت دورك، بدل أن تختار الدور الذي وجدت مصيري مكبلا ً به...؟ هل أنا حقا ً سأختار الدور نفسه لو لم اسمع عويل الضحايا...، واختار دورك، غير مكترث لرؤية الفقر الظالم ينخر في أشلاء المليارات المليارات المليارات....؟ أكنت سأعمل لكسب ما ليس لي...، ولن استرد ما اغتصب مني...، لو كنت استبدلت الشقاء بالرخاء، والشحة بالوفرة، والمرض بالعافية، والسجن بالحرية....؟ أكنت سأستبدل هذه المدينة المدفونة تحت المدن...، بجناح يطل على المستنقع، وأنا..... استنشق عفنه المتدفق من السواحل.... الأولى..، قبل أن يصنع الوهم اصلب الحقائق، وقبل أن يتحول اصلبها إلى غبار...والى فراغات...، أم إن الحقائق ـ مثل إلهك الوثني ـ لا يستقيم إلا بمثل  هذه الغوايات، وبمثل هذه التمويهات، وفي مثل هذه الحديقة...؟



[6]


ـ والآن: لا أنا امتلك قدرة على غوايتك، كي تستبدل الجنة بالجحيم، والنعيم بالشقاء، والصحة بالسقم، والأمان بالفزع…، ولا أنت تمتلك سبيلا ً إلى قهري…، فمن منا كانت خطته على صواب….، مادامت الحقيقة حبلت بالوهم، ومادام الوهم هو الذي حبل بها…، وذلك لأن المسافة بينهما لا تفصح إلا عن المسافة ذاتها بين اللا موجود وقد غدا وجودا ً، وكالوجود الذي غدا عدما ً…
ـ أصبحت تتحدث مثلي! أيها الجلاد…، فلا تجادل، لأن مهمتك أن لا تتعثر…، وما عليك إلا أن تنفذ ما أمرت به….، وما علي ّ…، إلا أن ازداد صلابة في الحفاظ على ما أنا عليه….
ـ انك لم تبق لي حتى أن أتضرع إليك….، كي تحّل محلي، وكي نتبادل الأدوار، من اجل أن أؤدي دورك…؟
ـ لِم َ تفعل ذلك…، فانا لم اعمل على قهرك، كما فعلت أنت…، لم اسع لاجتثاثك، وإيذاؤك، أو إنزال البلاء بك، أو قهرك…، كما فعلت معي…، لم اعمل على حرمانك أو التشهير بك..، كما فعلت معي…، لم اعمل كي أراك تتدلى…، وتتعفن، وتذهب مع الريح!
ـ ما الذي كنت تريده إذا ً…؟
ـ كنت اعمل على قهر كل ما كنت أريد...
ـ من اجل من...؟
ـ هنا، وهنا تكمن المعضلة، يا عزيزي! فهل كنت اعمل هذا من اجل نفسي كي احصل على ما لا يجعلني اغطس، وامضي عمري في الظلمات، وانتقل من حفرة إلى أخرى، أم أن اقهر هذا الذي لا يقهر...؟ فإذا كان الإله يمتلك قصدا ً ما دفنه فينا، فأي لغز هذا الذي لا نمتلك إلا أن ننفذه، حتى لو كان عصيا ً، مع أن العصيان بحد ذاته طاعة! فأنت تستطيع أن تراه يتربع فوق، في قمة الهرم، فيما ترى، في الأسفل، وتحت، في المناطق المعتمة، وعلى امتداد القاعدة، هذه المخلوقات تكد، وتشقى، ولن تعرف شيئا ً مما دار بخلد الإله، أو ما دار في الأعلى!
ـ ...
ـ ولأن الأعلى سيبقى خارج نطاق من هم في الأسفل، فان أحدا ً لن يقدر على تفنيد القانون، ولا العمل وفق بنوده، من ناحية، كما أن مخلوقات القاع، والمستنقعات، والزرائب، لا تمتلك أن تذهب ابعد من حدودها، فان آثامها ستبقى بيضاء، وإن شأت لا لون لها، من ناحية ثانية!
ـ .....
ـ ولأنني طالما تخيلت المساواة ذاتها ـ الشبيهة بالرحمة والغفران ـ تماثل القسوة، فإنها في نهاية المطاق تذهب ابعد من حدودها دائما ً....!
ـ آووو ...ه، أين ذهبت...، حتى أظنك نذرت حياتها من اجلنا...؟
ـ لا من أجلكم، ولا من اجلنا...، ولا من اجل نفسي...!
ـ ....
ـ فالإله لم يخترع الشر...، ولا الأشرار اتخذوا من الإله ذريعة...، ذلك لأن الحكاية في أصلها، مثلها مثل الذي تراه يحدق في الذي هو خارج نطاق قدراته على الرؤية، فتراه لا يقول شيئا ً إلا كي يقول أشياء كلها تبقى تكمل بعضها البعض الآخر ولكن لا الأعلى رأى شيئا ً، ولا الأسفل كف عن التحديق! حكاية تعيد نسج نفسها بكل ما يتم استحداثه من أدوات...، ومعارف...، فالمستحدث يزيح العتيق، كالبراعم لا تترك ورقة إلا وأسقطتها، كي تحبل بالذي سيزيحها، هي أيضا ً... أما الحديث عن السيد المدير....، مديرنا، مدير حديقتنا، الذي أوكل لك مهمة إعادتي إلى الحظيرة، والى زمرته، فلا يمتلك إلا أن يمضي في تلافي العثرات...، لأن فشله ليس نجاحا ً لمن سيمحوه، بل حقيقة مرارتها  لا تقل علقما ً عن لذائد شهد النعيم...، فان لم تنفذ الأمر الذي أوكل إليك ...، فانك سترافقني بإرادتك للبحث عن أمل بالعثور على مكان لا حقائق فيه شبيهة بالأوهام، ولا أوهاما ً فيه تبدو كالحقائق!
ـ آه ...، هذا هو الجحيم، بل اشد منه عذابا ً، وهولا ً...، أيها المعلم...؟ فان لم تذهب إليه بنفسك، أتاك، فان لم ترحب به، فانه لن يكترث...، لا بك، ولا بي...، لأنه لم ـ ولن ـ يبوح بالذي كان علينا أن لا نتركه، بإرادتنا أو من غيرها، مادام المؤجل يكمل بعضه بعضا ً، مثل تتمات بانتظارها تتمات!                            Az4445363@gmail.com

27/7/2015

لا تحولات في ( الوضاء )- عدنان المبارك


لا تحولات في ( الوضاء )




 عدنان المبارك
- التغيّر عملية يغزو المستقبل عبرها حياتنا. ألفين توفلر
ALVIN TOFFLER في كتابه ( صدمة المستقبل )


بقينا طويلا لا نعرف هل هي تجربة ناجحة أم لا . فهذا الرجل لا يزال يتصرف كانسان مسالم بعيد عن الاعتداء على الآخرين. شطر من العلماء يرى أن التفاعلات الداخلية تستغرق بعض الوقت. المهم أنه كانت هناك إجراءات احترازية لضمان سلامة الآخرين ، فهذا التركيب الجديد بالغ الخطورة ،و سأحاول أن أوضح المسألة بلغتي غير المتخصصة بالطبع :
هكذا مضى حوالي العام ولا شيء جديدا مما دفع المتشككين الى الاعتراف بصحة موقف ( لننتظر لكن ليس طويلا ). جريدتنا الألكترونية كانت تأخذ بالموقف الوسط : لا مع المتفائلين ولا مع المتشائمين مما يعني الأخذ بالموقف الموضوعي. برأيي ، وليس رأيي وحده بالطبع ، هي تجربة غريبة رغم أن الجميع مقتنع بريادتها وبالغ أهميتها. التجربة ، وكانت قد جرت ببالغ السرية ، تخص ما يسمى بالتأشيب الجيني أو إعادة التركيب الجيني أو التوليف الجيني
Genetic recombination . ولكي أفهم أكثر جمعت الكثير من المصادر. باختصار كانت العملية استنبات ميول في الانسان مأخوذة من الصنف الوحشي . ها أن بعض نتائج تلك العملية أخذت بالظهور. هم أعطوا ذلك الرجل اسما مستعارا ( الوضّاء ). من المفاجآت أن ( الوضاء ) لم تستيقظ فيه غرائز جديدة – نمرية وأسدية وابن أوية وأفعوانية فقط بل وصلت النتائج الى عالم خارج بيولوجي كالأخلاق مثلا. صار( الوضاء ) بالغ الدهاء ، بالغ الذكاء ، ذا حس متطور فوق العادة بكل ما له صلة بالواقع العام الذي تعامل معه عجينة بين أصابعه يفعل بها ما يشاء. معلوم أننا جميعا ، وحتى القديسين ، يملكون الميول الوحشية المذكورة ومعها اللامبالاة بالقيم الأخلاقية. فيما يخصني أنا لا أميل كثيرا الى الكتابة عن مثل هذه القضايا ، لكنه العمل مع رئيس للتحرير كهذا : فرض لاعقلاني في أحوال عدة لارادته وكلمته ، فهو بستشيط غضبا اذا لم تقبل فورا.
زرت المختبر في أثناء تواجد الوضّاء ( تظاهرت بأن الأمر حدث صدفة ). كان محقا من قال بأنه ينبغي أنتظار النتائج، فالتفاعلات داخل هذا الرجل ليست بالسريعة ، الا أن هناك جديدا ، ففحوصات الوعي والذاكرة والنفاذ الى بعض مناطق اللاوعي تؤكد بأن الوضاء يمربحالة جديدة ، ومن هنا اقتضت مراقبته طوال الوقت. أجاب أحدهم على سؤالي : ماهو هذا الجديد ؟ الوضّاء شطب في وعيه ، بل في جيناته ، على كل المدوّنات الاخلاقية.
مفهوم أني أعرف الكثير عنه ، فرئيسي المتطرف في الانضباط والدقة الى حد اللامعقول ، طلب مني جمع كل ما يتوفر عن هذا الرجل. اذن كان موظفا متواضعا في الدائرة التي تتفرغ للتأثيرات الصوتية على البيئة ( كما تعرفون كان رئيس الجمهورية السابق قد صادق على بضعة قوانين صارمة بهذا الخصوص ). وعرف بوداعته وانعدام أيّ ميل لديه الى الاعتراض بل حتى التعبير عن رأيه وعدم فرضه على الآخرين.
كان عليّ بحكم عملي ( تفلية ) تأريخنا الأحدث أي منذ دخولنا الألفية الثالثة ومجيء العقود الثلاثة الأولى خاصة بالكثير من المفاجآت المثيرة. ومن يقرأ هذه القصة ولا يتذكر جيدا ما حصل في العقد الثالث عليّ الكلام عن ( الانقلاب ) الذي حدث عندنا نتيجة تفاهم من طراز معيّن بين القوى الكبرى في العالم أي الاتحاد الأوربي ( كما معلوم انضمت روسيا اليه قبل ست سنوات ) والولايات المتحدة والصين ( حذفت كلمة " الشعبية " من اسمها بعد انضمام تايوان ومنغوليا اليها بعد مفاوضات طويلة ومساومات. كما لابد من القول ان الصين لاتزال تتمتع بامتيازات على رأسها حرية التوظيف في أفريقيا خاصة ) ، ولمن لا يتابع أخبار العالم بانتظام جرى أكبر انقلابين في شرقنا الأوسط : الزوال التدريجي لنظام المرشد في ايران والغلق النهائي لملفها النووي ، وانحسار التأثير الوهابي في السعودية وصيرورتها نموذجا ليبراليا احتذت به معظم دول المنطقة ( وقد لا يعرف الجميع بأن تلك الأماكن المقدسة في السعودية انفصلت عن الدولة وتمت هنا محاكاة النموذج الفاتيكاني). أعود الى قضية الوضّاء : كان قد حكم عليه بالسجن المؤبد ، فعقوبة الإعدام ملغاة من قبل أكثر من عشرين سنة ، ولهذا السبب اختارته تلك الدائرة العلمية كأرنب مختبري خصص لتلك التجربة. وقد يتبادر الى ذهن أحدكم : ما الذي فعله مثل هذا الانسان الوديع كي يلقى مثل هذه العقوبة القاسية ؟ في الحقيقة يكون ما فعله يستحق عقوبة أشد ، فهو قد ذبح زوجته وأمها مع سبق الإصرار أي أنه خطط للجريمة ولم تأت عفوا. تظاهر بالطبع أن القتل حدث بعد أن اشتاط غيظا نتيجة ( كل الاهانات والاضطهادات التي لحقت بي على يد هاتين المرأتين ). تفاصيل الجريمة مفزعة حقا. نحر الاثنتين بسكين مطبخ طويلة ثم قلع عيني الحماة وحزّ لسانها ثم انتقل الى الزوجة كي ( أزيد بالسكين وجهها القبيح قبحا ). عند قراءتي ما حصل في المحاكمة انتبهت الى أن الوضّاء كان يتكلم حينها بكل وداعة. باعتقادي أن هذا الشيء قرر آنذاك اختياره لتلك التجربة.
كان هناك فريق من العلماء قد سخر من التجربة بل أعلن بأن الغرض الحقيقي منها بقي مجهولا ولا يستبعد أن يكون اثارة من أجل الاثارة . صار عندي أكثر من مائتي صفحة. الا أن رئيسي لم يسمح بنشرها منتظرا النتيجة النهائية للتجربة. ثمة صوت فيّ يقول بوضوح : رئيسك محق. ستجيء النتيجة قريبا بل وفي هذا الشهر ، أكيد أنها كلفت كثيرا لكن كان من الصحيح القيام بها. ففي الانسان بقي كثير من الدهاليز التي لم يسلط عليها الضوء بعد. فيما يتعلق بريبورتاجي بهذا الخصوص لابد من القول بكل صراحة ان كل مكتشفاتنا العلمية والأخلاقية ( الثانية هي بأكثر من النصف مداهنة ومرائية بل ذليلة تحت هيمنة هذه الأديان ، وهي قد روّضت ، عبر قرون ، إرادة الانسان ) لا تبدل الكثير في طينة هذا المخلوق. وقد يأتي اصلاح جذري لجوهر الانسان كأن يكون مسالما كالغزال أو قلبيا كالدلفين الخ.
صحت التوقعات ، فها أن النتيجة لم تأت بالجديد ، وكل ما أعلن عنه كان خطة لتجارب أخرى. رئيسي لم يمانع اذا قمت باستعراض سريع لمسيرة الانسان التي توميء بصورة بينّة الى أنه قاتل وضحية. وغالبما يحدث أنه الأول والثانية في الوقت ذاته. ها أني في هذه الأيام ، وبسبب هذا الريبورتاج الذي لا حاجة اليه اطلاقا ، ضحية ، وفي أحسن الأحوال أنتظرعملا جديدا من رئيسي...
في الختام لدي ملاحظات صغيرة ( وافق الرئيس على ادراج معظمها في ريبورتاجي ) عما حدث ويحدث فينا وفي حضارتنا التي خلت اليوم من الحروب بعد ترويض وتنويرعدد ليس بالقليل من الشعوب التي كانت حواضنا للارهاب والشقاءات على الصعيدين المحلي والعالمي :
في عام 1970 صدر كتاب توفلر ( صدمة المستقبل ) أي مرّت أكثر من سبعة عقود ، لكن ما يدعو الى الاستغراب أن الكثير من فرضياته لم تكن مجرد فنتازيا ، فهو يشّخص حقيقة أنه ( حصل الكثير جدا من التغيرات في فترة قصيرة من الوقت ) ، وقد اتيحت لي فرصة مشاهدة ذلك الفلم التسجيلي المكرس للكتاب والذي أخرج بعدعامين من صدوره ، وكان المعلّق أورسون ويلز. فلم مثير حقا. لا أعرف ، هكذا تلقيته ، علما بأنه يتحدث عن وقائع تأريخية وليس تنبوءات. مثلا تكلم طويلا عن ظاهرة ( الفيض الإعلامي
information overload ) التي قلبت الأحوال النفسية والذهنية رأسا على عقب. وفيما يخصنا نحن هذا البلد الذي خضع لأكثر من عملية تعقيم وتطهير وغسل دماغ للتخلص من كل ادران التأريخ وليس المعاصر فقط ، التقيت بعدد ممن قرأ الكتاب حينها ، وكان انطباعهم الأول أن الكلام في الكتاب لا يخص العراق بالذات بل تلك البلدان التي كانت قد تخلصت من زمان من كل أدران التأريخ. واضح أنها لم تكن معجزة بل عملا مثابرا خطوة بعد خطوة لحصر الدين في قفص حديدي محكم وتنقية العادات والتقاليد من كل ما تراكم فيها من نفايات. ولم أحتج الى مخيلة خصبة كي أتصور نفسي عائشا قبل أكثر من نصف قرن ، فحينها لحدث شيء آخر وليس صدمة المستقبل بل صدمة الماضي الذي كان يتنفس ويعربد بلا حدود وقيود.
اعجبتني ( شذرات ) من كتاب ألفين توفلير ( صدمة المستقبل ) يشخّص فيها بصورة باهرة ما نحن عليه الآن وما كنّاه ( أي عام 1970 حين صدر الكتاب ) :
- كانت هناك ظنون بأن الاقتصاد الجديد قد انتهى في لندن في عام 1830 وانتهت الثورة الصناعية ، لأن بضعة مصانع للنسيج أقفلت في مانتشيستر.
- اعلن أحد الخبراء حينها أن حيوية بالغة الكبر بعد محاولات بناء عربة بلا حصان لاتعني سوى محدوديات في التفكير...
- في عام 1865 طمأن كاتب من احدى الصحف قراءه : ( نعرف من مصادر موثوق بها أنه أمر غير ممكن كي يستطيع أحدهم أن ينقل أخبارا عبر الأسلاك. عدا ذلك وحتى لو كان ممكنا لما وجد هذا الشيء استخداما عمليا له ). بعدها بعشر سنوات لا أكثر صمّم بيل في مختبره الهاتف الأول .
- الأميّون في المستقبل ليسوا هم الناس الذين لا يعرفون القراءة بل هؤلاء الذين لا يقدرون على التعلم .
- التغيّر ليس بالضروري للحياة فهو الحياة نفسها.
- لايمكن للانسان العيش في مجتمع خارج على السيطرة. فالتكنوقراطيون يعانون من قصر النظر.هم يفكرون ، آليّا ، بالمنافع الفورية وما بعدها. انهم أبناء جيل جديد غير ناضجين.
لدي ملاحظأت أكثر الا أن رئيس التحرير لم يسمح ، وكما قلت ، بنشرها كلها. طيّب ، ملاحظتي الأخيرة : لست وحدي من يحلم بحياة أخرى بعيدة عن مثل هذه الهيمنة الألكترونية المرعبة ، التسطيح الاستهلاكي وأردأ أنواع الهيدونية - هذا الثالوث الذي أحتل كل معابد الانسان .أظن أن المكابرين وحدهم ومن على عينيه غشاوة ينكرون هذه الصيغة الجديدة للجهنم التي أخترعها ذلك الرب غير العاقل تماما...


أستر بارك – تموز / يوليو 2015

إلى أين يسير العالم؟-علي بداي

ِ
إلى أين يسير العالم؟

علي بداي

أثار "توماس بيكيتي " Thomas Pekitty " الأستاذ في
"كلية الاقتصاد في باريس" والمولود في 1971 عبر كتابة "
رأس المال في القرن الواحد والعشرين" ضجة تعدت الأوساط
الأكاديمية إلى قطاعات جماهيرية واسعة في أميركا وبلدان
أوروبية كثيرة، امتدت من الطلاب والصحفيين والإعلاميين
ورجال المال والأعمال والاقتصاديين وعلماء الاجتماع لتنتهي
برجال الدولة.
ولربما يشكل نفاد الكتاب من المكتبات بسرعة فائقة استثنائية سابقة تدل
على الأهمية البالغة له، وتلبيته لحاجة ملحة لدى القراء في أميركا وأوروبا،
رغم أن الكتاب ليس رواية مغامرات بوليسية، ولا حكايات سحرية مثل
حكايات "هاري بوتر" ، ولامذكرات نجمة سينما من هووليود أو يوميات
بوش عن حرب احتلال العراق وما تتضمنه من أسرار وخفايا. الكتاب هو
كتاب اقتصاد ببيانات وارقام وتحليلات وجداول وكان من المنطقي وهو
بهذا الصفة أن ينتشر في أوساط محددة كباقي كتب الاقتصاد ذات الشعبية
4
المحدودة، لكن النتيجة المفاجئة للكثيرين التي توصل اليها الكتاب بعد بحث
مضن كانت من الأهمية أن تلاقفته الأيدي وطارت شهرته في الآفاق .
بدأ "بيكيتي" مع مجموعة من زملائه ومنهمإيمانول سايزمن جامعة
كاليفورنيا رحلة الغوص في أرشيف أكثر من 05 دولة بادئ ا من العام 1661
منتهي ا باقتصاد القرن الواحد والعشرين ليحلل بعمق وصبر معطيات أكثر
من مئتي سنة من البيانات المفصلة المتعلقة بتطور الرأسمالية في العالم
الغني وبعض الأسواق الناشئة الكبيرة من حيث النظام الضريبي، وتوزيع
الثروة ، ومستويات الدخل، ورواتب الموظفين في فترة صعود وتطور
الرأسمالية حتى وقتنا الحالي .
يظهر كتاب "بيكيتي" مشابها ً من حيث أسلوب البحث والعرض لكتاب
رأس الماللكارل ماركس، وفي حين تنبأ ماركس بانهيار الرأسمالية
بوصفه نتيجة حتمية لتناقضاتها وهو ما سيقود إلى بناء الجنة على الأرض
بقيادة البروليتاريا ، لا يرى "بيكيتي" في المستقبل نظاما ً جديد ا بديلا بل
هو يتحدث عن نمو بطيء يحصل خلاله أصحاب رأس المال الموسرون
على حصص أضخم وأضخم من الثروة العالمية والدخول أي مزيد ا من
تعميق الفوارق في المعيشة داخل مجتمعات أوروبا وأميركا .
شكلت النتيجة التي توصل اليها "بيكيتي أشبه بجرس إنذار : " أن عهد
الفوارق الطبقية والاجتماعية الحادة الذي شهده العالم الرأسمالي في القرن
التاسع عشر لم يكن استثناء في تأريخ الرأسمالية بل انه أقرب الى القاعدة".
مجتمعات الرفاه والنمو المتصاعد وفق ا له مهددة من قبل الرأسمالية ذاتها
التي تسير بخطى حثيثة نحو تركيز معظم الثروة بيد قلة تتحكم بمصير
الكثرة الباقية .
وبهذا يحذر "بيكيتي" من أن خطر عدم المساواة سوف يصل إلى
المستويات التي تسبب الاضطراب الاجتماعي الشديد وهذا ما لم يكن يطرأ
على بال أي أوروبي: " يجب أن لا ننسى أن الديمقراطية لا تنمو ولا تزدهر
في مجتمع تتعمق الفوارق بين أبنائه باستمرار ".
ومن بين ما يعرضه في الكتاب: في أميركا يستحوذ الآن 16 بالمائة فقط من
السكان على 56 بالمائة من الثروة ويتشارك الباقون وهم 06 بالمئة في
النصف المتبقي ، حول ذلك يقول" بيكيتي" أن فرق الدخل في_بداية
5
الرأسمالية كان بين المالكين والعاملين أما الآن فهو بين العاملين أنفسهم
حيث أن راتب موظف القمة عام 1056 في اميركا) مثلا مدراء الشركات
وأعضاء المجالس القيادية في البنوك( كان اكثر من راتب الموظف
المتوسط بعشرين مرة أما الآن فيزيد عليه بأكثر من مئتي مرة .
لنا أن نتساءل: لو كان كتاب "بيكيتي" صدر في وقت غير هذا الذي صدر
به هل كان له ذلك الصدى المدوي في اوسع الأوساط ؟ الجواب الاكثر
اقناع ا هو لا، لقد صدر في وقت أزمة طويلة وركود لم يسبق له مثيل
تعيشه أميركا وأوروبا والأقتصاد العالمي كله .
فالأوروبي الذي كان ينظر الى أنظمة الضمان الاجتماعي التي سنت في
أعقاب الحرب العالمية الثانية باعتبارها ثمرة تطور "الرأسمالية الناضجة"،
بدأ الآن يكتشف انها كانت بمعظمها ردود افعال على ماكان يتم تقديمه
للناس على الجانب الآخر من قبل الطرف المنافس الاتحاد السوفييتي وبلدان
اوروبا الشرقية التي الغت وجود طبقة ملاك وسائل الانتاج واعادت توزيع
الثروة داخل المجتمع بشكل خدمات اجتماعية شبه مجانية مثل الصحة
والاسكان والتعليم والنقل وثقافة مفتوحة للجميع .
وفي الحقيقة بدأ الأوروبيون يلمسون التقلص التدريجي في الأنفاق على
الخدمات الاجتماعية والصحية منذ سقوط جدار برلين العام 1006 دون أن
يثير ذلك التقلص الشك في نفوسهم بعلاقة ما بين هذا التقلص وانهيار نظام
أوروبا الشرقية الاشتراكية، إذ أن الأعداد الفكري للأجيال في أميركا
واوروبا الغربية قد رسخ في العقول أن أنظمة أوروبا الاشتراكية هي انظمة
استبدادية معادية لشعوب الغرب الاوروبي قامعة للحريات وحقوق الانسان
لذلك فان سقوطها لا يمكن الا أن يعني انتصار ا لمذهب أوروبا الغربية القائم
على إقتصاد السوق الحر والمزاحمة الحرة ومن ثم مزيد ا من النمو
والازدهار الاقتصادي والاجتماعي .
أنه اختبار تأريخي لقدرة الأميركيين والأوروبيين على النظر بموضوعية
الى نظامهم الاجتماعي والتخلص من آثار طرق التفكير المفروضة أثناء
الحرب الباردة ..ولربما توجب الإقرار ببعض التراجعات التي لابد منها،
ولربما أكثر من ذلك: انتظار الأسوأ...خلخلة الاستقرار الاقتصادي
والاجتماعي بفعل خلل توزيع الثروة.
مجلة(تموز) مالمو ـ 2015