السبت، 23 مايو 2015

هلاوس أعلنت التوبة بالثمل -نجاح زهران فلسطين

هلاوس أعلنت التوبة  بالثمل

 

تذكّرت غفوة الأشجار بظلالها
سر الوجود
وقوعي بمأزق الإدراك
كنت طفلة على حافة الوعي
لم أختبر الحياة بإنائي
من سيأكل ثمرة تمردي
تبكي الطريق بفرائسها الى مدرسة الوظيفة
أتذكر أنني نسيت غباري على فيض الأماني
ركلت الهواء بعتمة المداد
خارج الزمن
بروح دقت الفجر بحرية السحاب
أقسمت على أناشيد الحرائق لظل في الغياب
وكان علي الإحتفاظ بكتف النار
ومملكة النداءات لتذكر صوتي من مائها
إمرأة أنا الآن في مزادات الإسم
دارجة بطقوس لا ضمان لها بمعاجم النور
أتدحرج قليلا ربما أجد توبة وزعت ترابها على منحدرات الطين
تذكرت رسائل استكبرت قبل تحذيري
حوتة إبتلعها السر
على سجية الحرمات تلتهم قلبا يافعا من أرض التكوين
وكنت أتأمل قراءة القول القائل لهاتفك النّقّال أن الخاتمة لن تعود بظهيرتي
وبكلّ سرور الحلم الوحيد والصور التي أتت به تذكرتُ تيه الحضارة وهي تفارق الحنين
وطبق من الأبجدية بيد نادل يسجد ليوجا من السلام
و تذكرتُ
ماذا؟
إجماع حقيقي لدموع الحنين الشاملة لتخفيف الشعور بالتوتر
نازلة من يوم إحتفى بالاهتمام
لا ...يهمّ،أنني تذكرت الشجرة النائمة ولا طفولة أرهقتها مقاسات التنشئة على فخذ الرعاية
أو كهولة أطلقت توقير التجانس لخلفيات الإهتمام
أو حياة كونتها أطباق القدر
لوجه يهرب بعيدا نحو المعصية
والآن وقد صرت بصدد تعرية الخطى من الكلام
كبدي مزروع من حوله الدهر
قتّال من ورائه شرر وما كنت مطر ولا أوراق متساقطة
وكنت أخاف من تاريخ العباءات بحلمي
أتذكر أحبائي المارون في أريكتي
وافلاس الوقت بغيابهم ولم يعمر الرجاء حضورهم الي ثانية
رافقت النهارات المدمنة على هدهدة الزمان بجلسات عائلية
لكني ما زلت رضيعة ضائعة بالبحث عن حلمة السماء
أقبل هلاوس أبو النوس حين مرّ على الشِعر ليعلن التوبة من حبه للثمل
فرض تعذب بالشرر نام على أجفاني القرفصاء
أنا الآن أخط الحريق في ذهن الجنون بإسم مفازة ضيعت الكتابة
وسكرة البخور بمناجم الحياة
آسفة ربما يحملني هذا المسحوق الآدمي وفي قلبي لا يذاع له حريق أو طرفة عين
لتطبق علي القبور المضيئة بسباتها ولغة ترحل بدروبي
وشخص ، قبل قليل نام بمركبي على الريح ليثير حفيظة العناق
برنامج لحفلة أبدية ،
قلت قبل ان أبدأ: ماذا أحمل بقارورة إنساني وقد قبضته رعايا الهزيمة والأساطير؟
منحت خطوط يدي وعاءا من ماء وتراب يبنت به غيري من حدقّة الجرار المليئة
بالحياة
ولم أعد أتذكر العدّ للنجمة الآتية



نجاح زهران
فلسطين

غالب المسعودي - لعبة (قصة سُريالية)

مستويات البوح في القصة السريالية ( متاهة التماسيح ) للدكتور غالب المسعودي -د أنور غني الموسوي



مستويات البوح في القصة السريالية ( متاهة التماسيح ) للدكتور غالب المسعودي
د أنور غني الموسوي

لا ريب ان الرمزية قد احدثت تطورا مهما في التعبير الادبي ، الا ان الانتقالة الجوهرية في فكرة الابداع و التلقي كانت في الحركة السريالية و ما تبعها من حركات تعبيرية . فصار تعدد مستويات البوح و الايحاء من سمات العمل الابداعي  . ففي جوار البوح و التعبير الآني للعبارة و المقطع و باسلوب الكتابة ، فان لتراكم التعبيرات و طبيعة انتشارها في النص وسط علاقات تعبيرية معقدة تعطي زخما و طاقة تعبيرية عالية للغة ، تحققت انظمة عالية متعددة من التعبير على ايدي السرياليين و التعبيريين .
في قصة ( متاهة التماسيح ) السريالية للاديب و الفنان التشكيلي العراقي الدكتور غالب المسعودي ، نجد تلك التوظيفات و انظمة البوح المعقدة و مستوياته المتعددة حاضرا و بوضوح ممثلة نموذجا للغة تعبيرية  تتعدد فيها مستويات البوح   . و من المفيد ان نورد القصة أولا :


متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية (
د.غالب المسعودي
المتاهة الأرض التي يتوه فيها السالك ،  ولايكاد يعرف فيها طريقاً, ويراد بها في ألأساطير مبنى التّيه ذو الممرات الفرعية المعقدة الذي بناه ديدالوس للملك مينوس ملك كريت ، حسب الأسطورة الإغريقية، وأراد مينوس أن يجعل منها سجنًا للوحش الذي يسمى الميناتور, إذ كان يضحَّى بسبعة من شباب أثينا، وسبع عذارى لهذا الوحش كل سنة(ملاحظة نحن نضحي أكثر).
قبل أن يوقد مصباح النوم, هو يخاف النوم في الظلمة, نسي أن التلفاز موصول بالكهرباء الوطنية (في حينها كانت لاتوجد وطنية), أضاءت الشاشة, برنامج عن الحياة البرية للتماسيح في بوتسوانا , سمع بدموع التماسيح , أسنان التماسيح ,علاقة الديناصورات بالتماسيح, لكنه لم يعرف أن التماسيح تبني تحت الماء متاهة, تصور أنها تبنيها لأجل أن تسحب فريستها وتأكلها بهدوء, دون تطفل الأخرين وخصوصاً الحيوانات ألقمامة, إلا أن الباحثين أثبتوا أنها لاتستعملها لهذا الغرض(التماسيح لاترى في الظلمة وهي تحت الماء), وضع وسادته تحت رأسه, إستغرق في نوم عميق بعد أن تبللت أطرافه وظهره بالعرق ,نصحوه أن يشرب ماء مالح ,هو شرب ماء العلقم,علامات ألأستفهام تنمو في مخيلته ,لم متاهة التماسيح ,هناك متاهات في الحياة ثمة متاهة بين الحرمين, ثمة متاهة في المدينة القديمة, بعضها يوصلك الى جنة تحت أرضية, بعضها يوفر لك الفاكهة في غير موسمها, وهناك متاهة السياسة العراقية ,وهناك متاهة النسيان, يبدو إنه إستغرق كثيراً, في حلمه تصور نفسه في الفردوس, تقف أمامه وجها لوجه جنيته التي اطاحت بحياته, ومن أجلها راح شهيداً, لكي يضمن أن تكون نهايته الجنة بلا حساب ,قال لها حبيبتي ها نحن في الفردوس تمني , فاكهة أعطانيها الرب, عصير محلى , خمر ليس فيها غول, أنهار عسل, أنهار لبن مزكى كرائحة عطرك يوم إلتقينا لأول مرة ,قالت له أمهلني لحظة لأستطلع أمنياتي,هل هناك ولدان مخلدون يحملون أباريق من فضة وكأنهم الؤلؤ المكنون.........؟ ,رد الصدى نعم ها نحن, قالت لهم دلوني على الفاكهة المحرمة, كانت لنا سلوى في الدنيا ,نأكلها بغير إشتهاء,وهذا ذو رائحة الجرذ أطعمني إيها رغم أنفي ,ألا تعلموا كم أنا مشتاقة أن يسقينيها ولد أو ولدان ويكفوني شر هذا الذي يتابعني حتى الفردوس, سأختار سبعة , أنا أعرف أن خيارته إثنان وسبعون ,لكن عليكم أن تتبعوني الى متاهتي رغم أن رضوان وكل حراس الفردوس يعرفون مساحتها,إلا أن متاهتي تسكنها آلهة المغاليق, ترّجع الصدى لن ينال منها أحد, متاهتي هي رعب المكان, إنها متاهة الجسد في الأولى, وقفت على أطراف أصابعها, خلعت أهدابها ,لم يكن العري مذموما في الفردوس, في زاوية مظلمة من متاهتها استدرجت سبعة ولدان ,قالت للأول إخلع نعليك ,إنك بالوادي المقدس طوى, لم يصغي لأنه كان بلا نعل, قالت للثاني أفرد جناحيك, لم يصغي ,لم يكن طائراً ,قالت للثالث أطفيء نارك في ملعقتي, لم يصغي كله من نار, جاء دور السابع, كان يطوف حول رأس الشهيد, ناولها رسالة منه حذفتها في الماء الآسن (لايوجد في الفردوس ماء آسن) لكنها ظنت أنه موجود, قالت له أنت خياري الأخير, دع شهيدك وأغمرني بقبلة, قال لها أنزلي رأسك الى الأسفل, وجدت حوضه وما تحته ممسوح كلعبة مانيكان بلاستيكية, ضحك الشهيد, غادر جنة عدن, شغل التلفاز رأى إن أسباب بناء التماسيح لمتاهتها هو سبب نفسي ,عندما تتعرض لضغط ما تلجأ اليها لأخذ قسط من الراحة, ثم تعود لمزاولة حياتها العادية, لكن مشكلته أن متاهته هي مساحة وطن ,والتماسيح قمامة ,لم يتسع له المكان إستشهد ثانية.
-------------
في هذا النص للبوح مستويات ، فهناك بوح على مستوى الفكرة ، و على مستوى السرد ، و على مستوى الصور و الايحاءات .
فاما الفكرة فمن الظاهر ان المؤلف قد عبأ نصه بافكار و هواجس و رؤى كثيرة ، نقلها النص بلغة واضحة و صريحة و احيانا ايحائية .فبين التيه العريض و على مستويات مختلفة و التي تذهب فيه الارواح و السنين ، فالحيرة و الوهم و اللامعنى ، و الوحوش البشرية و من يعتاش على دماء الناس و حياتهم ، كلها نجدها حاضرة في مراجعة و طلب مراجعة للفكرة و الفكر .
و اما البوح على مستوى السرد فمن الواضح ان سريالية النص تمثل طبقة للبوح و شكلا تعبيريا اخر عن التيه و الضباب  و الوهم و حياة كالحلم في عدم منطقيتها و التباس امورها ، فينتقل السرد بشكل عشوائي لا منطقي بين المقاطع و الاحداث بشبكة ترابطات بعيدة تحقق سريالية واضحة في النص .
و اما على مستوى الصور ففي النص مقاطع و عبارات اعتراضية و جزئية تتسم بايحائية و توظيفات بوحية عالية كما في قوله :
(وأراد مينوس أن يجعل منها سجنًا للوحش الذي يسمى الميناتور, إذ كان يضحَّى بسبعة من شباب أثينا، وسبع عذارى لهذا الوحش كل سنة(ملاحظة نحن نضحي أكثر). )
فبعد مقدمة تعريف المتاهة بين سبب وجودها الاسطوري ، و يبين انها لاجل الحماية من الوحش و باسلوب ارتدادي ينقدح استفهام مبطن بانه ما السبب الحالي لهذه المتاهة ؟ و تغير عنوانها و معناها فصارت و سيلة الوحش البشري  لصيد الضعفاء في عالم الغاب الجديد .
و يقول :
(لكنه لم يعرف أن التماسيح تبني تحت الماء متاهة, تصور أنها تبنيها لأجل أن تسحب فريستها وتأكلها بهدوء, دون تطفل الأخرين وخصوصاً الحيوانات ألقمامة, إلا أن الباحثين أثبتوا أنها لاتستعملها لهذا الغرض(التماسيح لاترى في الظلمة وهي تحت الماء),
هنا شعور و اشعار بامور خفية و ان الامور في عالم المتاهات ليست كما تبدو ، و ان الظاهر ليس كل شيء ، كما ان هنا يظهر سلطة العلم في عصر العولمة و عدم كفاية الافكار الموروثة و الاسطورية .
و يصل الى الثيمة الرئيسية في النص :
(وضع وسادته تحت رأسه, إستغرق في نوم عميق بعد أن تبللت أطرافه وظهره بالعرق ,نصحوه أن يشرب ماء مالح , هو شرب ماء العلقم ,علامات ألأستفهام تنمو في مخيلته ,لم متاهة التماسيح ,هناك متاهات في الحياة )
بيان شخصية البطل الرئيسي في القصة وسط هذا المزاج العام من التيه و الوهم ، نجد وصفه بالتعرق و الضغف و الحاجة للماء المالح انه يمثل الانسان التائه في هذه المتاهات ، كما انه لا يعرف مصلحته و ربما يسعى نحو المرارة بارادته و ربما بدافع و قوى خارجة عن ارادته حتى انه شرب العلقم ثم يستحضر المتاهات المحلية بالسياسة العراقية و العميقة في المعتقدات ثم في الحياة كلها كما هي خاتمة النص .
الا انه مع ذلك هو لا يزال قادرا على التساؤل ، و يستفهم ، و ايضا مدرك للوضع و الواقع ، لكن مجمل الاحداث و السرد يظهر انه عاجز و واهم .
ثم يغرق البطل و يوغل في وهمه و حلمه حتى يصل الى امنياته و تمنياته العميقة و غاية مناه ، فيرى نفسه في الفردوس و ايضا يكون لديه تصورات غير صحيحة ، حتى في هذا الجانب الذي عليه ان يتحفظ فيه على اعتقادته و افكاره    ،وفق تساؤلات كبيرة بين تطلعاته  و تطلعات الاشياء و الامور
بتصور خيالي :
(,قال لها حبيبتي ها نحن في الفردوس تمني , فاكهة أعطانيها الرب, عصير محلى , خمر ليس فيها غول, أنهار عسل, أنهار لبن مزكى كرائحة عطرك يوم إلتقينا لأول مرة ,قالت له أمهلني لحظة لأستطلع أمنياتي )
ثم يفيق او يتشظى اكثر فيعود الى العلم و سلطته ، فتصدمه الحقيقة بان للمتاهة سبب اخر لم يكن بباله ولا تشبه وجوده حيث انه :
(شغل التلفاز رأى إن أسباب بناء التماسيح لمتاهتها هو سبب نفسي ,عندما تتعرض لضغط ما تلجأ اليها لأخذ قسط من الراحة, ثم تعود لمزاولة حياتها العادية, لكن مشكلته أن متاهته هي مساحة وطن ,والتماسيح قمامة ,لم يتسع له المكان إستشهد ثانية. )
هكذا يجد نفسه في متاهة كبيرة تأسر كل شيء متاهة الوطن ، و متاهة النفس و الافكار ، انه نص لا يترك صغيرة و لا كبيرة الا تخبرك و تعلمك و تدلك على التيه و المتاهاة في حياة الانسان المعاصر .


الجمعة، 22 مايو 2015

قصة قصيرة-موكب سعادة المدير-عادل كامل

قصة قصيرة


موكب سعادة المدير


عادل كامل
     أفاق الفهد مذعورا ً، اثر سماعة أصوات عالية، فسأل جاره:
ـ ما الذي حدث...؟
ـ يقولون إن السيد المدير يقوم بجولة تفقدية...، وربما سيمر بجناحنا.
ـ آ .....
   تراجع إلى الخلف، للعودة إلى مغارته، لكن الآخر مكث يناديه:
ـ لا جدوى من الاختباء، والتستر...، والتواري عن الأنظار، ولا جدوى من ترك الأمور تجري وكأنها لا تعنينا، ولا تعنيك أنت تحديدا ً، أيها الجار العزيز...!
هز الفهد رأسه بارتباك:
ـ ولكن بماذا نخبر سعادة المدير...، وهل سيصغي إلينا...، وأنت تسمع الجميع يهتفون، ويهللون، ويزعقون، وينشدون مرحبين بزيارته الميمونة...؟
   وأغلق فمه، فقال الآخر:
ـ أنا أتكلم من أجلك، فلو مكثت متواريا ً، بعيدا ً عن الأنظار، والمراقبة، والرصد....، فسيعتقدون بأنك مازالت تنوي الهرب...، أو ...
ـ أنا لم انو الفرار، والكل عرف ذلك...، فلقد حسمت الأمر: فانا سأرجع إلى المكان الذي خرجت منه، فما الجدوى من البحث عن قبر آخر...؟
ـ إذا ً لا تفضح نفسك، ولا تثر غبارا ً ...، فعندما لا تقف معنا وترحب بمقدمه فسيظنون انك تعمل كما تعمل الديدان في الحفر المظلمة! تنخر وتنخر بصمت حتى ما أن تلامس الريح جدرانها حتى تتهاوى!
ـ يا جاري العجوز...، الكل يعلم إنني أصبحت فائضا ً عن الدنيا، مثلما الدنيا أصبحت فائضة علي ّ. فلا أنا اعرف ماذا تريد، ولا هي تريد أن تقول لي شيئا ً.
ـ أيها الجار العزيز، وأنت في نهاية أيامك، تعصف بك العلل، وجسدك مصاب بالوهن، والضعف، وبصرك كليل، وسمعك وحده مازال حادا ً...، أنا لم اطلب منك أن تستقبله...، بالترحيب، والتصفيق، والزغاريد، والأناشيد...، بل أن تقف معنا لتطرد عن نفسك الشبهات!
ـ ولكني أقف في مركزها؟
ـ لا يراك احد وأنت تقف معنا في هذا المركز، بينما ستكون مرئيا ً في غيابك!
ـ يا جاري...، مهما فعلت: فانا مشبوه!  فان صرت معهم سيقولون انظر ها هو تنازل عن كبرياءه، وإن لم افعل فإنهم بانتظار أن اركّع، كما يفعلون بالكلاب....!
ـ وأنا، يا جاري، مثلك لم احصل من هذه الدنيا على شيء يذكر....، فدعنا نمضي شيخوختنا بهدوء، وسلام، وهذا كل ما في الأمر.

   ارتفعت الأصوات، مرحبة بالمدير، فقال الفهد لنفسه؛ ما شأني...، لكنه قرر أن يتقدم خطوة نحو الأمام، مبتعدا ً عن مغارته، لإثبات وجوده، فقال جاره يخاطبه:
ـ دعنا نتقدم خطوة أخرى ...،لأن سيادته سيمر، وربما سيستمع إلى شكاوانا...
ـ آ ...، هذا ما كنت أخشاه.
    مرت بقرة يتبعها ثور، ومر ديك تجري خلفه دجاجاته، فقال الفهد لنفسه: لا احد امشي خلفه، ولا احد يمشي خلفي!
فاخبره جاره القط الأسود:
ـ تقصد لا احد يسمعك، ولم تعد تجد من تتكلم معه...؟
     لم يصدم، بل اعترف بان المعضلة باتت غير قابلة للحل:
ـ ليس لأنهم يسعون لمعالجتها، بل، على العكس، إنهم يسعون إلى حلها، وبهذا باتت الحلول مستحيلة!
ـ أية معضلة...؟
ـ حتى أنت، لم تعد تفكر بها، وبوجودها.
وأردف متابعا ً:
ـ فالجميع غير معني بما كان  قد شغلنا أيام زمان....، في شبابنا.
ـ آ ...، أيها الفهد الحزين، ما الجدوى من إضاعة الوقت بالبحث عن حلول لمشكلة لا وجود لها، في الأصل....، ألم ْ تخبرني ذات مرة بان المشكلة القابلة للحل شبيهة بالتي لا يمكن حلها، فكلاهما لا يقدمان ولا يؤخران في ديمومة هذا الذي يذهب ابعد من الجميع...؟
ـ كان ذلك منذ زمن بعيد....، أما الآن، فها أنت تخرجني من جحري كي أرى هذه الحشود الكبيرة، ترقص، وتهتف، وتنشد، وتزعق، وتلهو، وتصرخ باستقبال سعادته ....؟
فقال القط الأسود:
ـ الم تكن أيام السرداب شديدة البرودة، وحالكة الظلمات...، وأنت قلت لي: دع الشمس تتمتع برؤية آثامها!
     مر قطيع الذئاب يقوده حمار ابيض، وآخر للثيران يقوده جرذ، اقتربا من الفهد:
ـ حسنا ً... فعلت! لا تكترث، اخبر مديرنا بما يشغلك!
فقال للجرذ من غير تفكير:
ـ لم يعد لدي ّ ما يشغلني!  لقد كنا نعيش في البرية، والصحارى، فالقوا القبض علينا، وقالوا لنا: لا ظلم بعد اليوم!
ضحك الجرذ وخاطب الثيران والذئاب:
ـ هذا هو صديقي في السرداب، كم كان صلبا ً، وعنيدا ً!
وقال للفهد:
ـ وهذا القطيع الذي تراه أمامك، هو فصيل  من حرسي الخاص!
قال القط الأسود للجرذ:
ـ سيدي...، قال الفهد لك بوضوح إن الرفاهية تعني توفر إرادة التغيير...، وقال لك مادامت إرادة التغيير لا تتقاطع مع عدمها، فان الانشغال بالتغيير سيغدو لهوا ً أو عبثا ً أو وزرا ً على كاهل أصحابه...؟
ـ جميل.
   وقال الجرذ للذئاب والثيران:
ـ لا تكمن قوته هذا القط الأسود في مخالبه، ولا في لونه المخيف، المشع فزعا ً، ولا في سرعة جريه التي فاقت سرعة الغزلان والنمور ...، بل في رأسه!
ـ آ ...، كم أنا ممتن لك...، سيدي.
   ضحك الفهد:
ـ عندما كنا نظن إن لنا رؤوسا ً...؟
   فخاطبه الجرذ:
ـ مازالت الحرية تشغلك، أيها المسكين؟
ـ لا، لا، لا....،ولا القيود!
رد القط الأسود:
ـ انه على صواب...، فمادامت مصائرنا معدة لنا، كمصائر الديدان والحشرات والقوارض والخنافس والعناكب....،  فان تمرد الأسود والضباع والتماسيح يغدو بلا معنى ...، لكن مادامت اللعبة لا تلعب إلا بوصفها لعبة...، فان من لم يشترك فيها لا يفقد دوره أبدا ً!
هز الجرذ رأسه وقال للذئاب والثيران:
ـ لنتقدم....
وخاطب الفهد:
ـ تستطيع العودة إلى الصحراء التي انزعوها منك!
ضحك الفهد:
ـ وهل تركوا شبرا ً منها لنا، وهل تركوا لنا ثقبا ً للاختباء، والدفن!
غادروا.
فسأل القط الأسود الفهد:
ـ هل فهمت شيئا ً...؟
ـ نعم!
ـ ماذا فهمت...؟
ـ إن الهواء غير الصالح للتنفس، كالماء، والغذاء...، لم يعد معضلة، لأننا جميعا ً، بعد اجتثاثنا من بريتنا، ومن غاباتنا، ومن ودياننا، سنمضي ما تبقى من أعمارنا هنا داخل هذه الأقفاص!
ـ هل نرجع إلى مغاراتنا ونردم فتحاتها...؟
ـ سيان...، لكن هل هكذا يتم الاستقبال...، ألا تتذكر الأزمنة السابقة ...؟
ـ اخبرني، سيدي، ماذا باستطاعة النعاج، والضفادع، وبنات أوى، والأسماك، والخنافس، والبرغوث، والبعوض...، غير أن يتشبثوا بمواقعهم وألا يطردوا، ويهجروا، ويشردوا....، في المنافي، والقفار...؟
ـ حقا ً لا توجد مشكلة، عندما أصبحنا جميعا ً أسرى!
ضحك وقال متندرا ً:
ـ كأنك اكتشفت الزمن؟!
ـ بل أكثر.
ـ لم افهم...؟
ـ نحن أسرى هذا الوهم الذي صار اصلب من اشد المعادن صلابة. أسرى سراب، ونوادر حريات، ومخاوف عقاب، وغياب عقول...، فمادمنا لم نستطع أن نمشي فوق الوحل، فها أنت ترى استحالة وجود قوة تمنع أن يغطينا هذا الوحل!
ـ عدنا إلى أزمنة الظلمات، والكهوف...
همس الفهد:
ـ أخشى أن نفقدها...، ونصبح كالبرغوث والبعوض والخفافيش والصراصير لا عمل لنا غير الهتاف، والاستغاثة، وطلب الغفران...!
قال القط الأسود:
ـ أحيانا ً أسأل نفسي: لولا هذا المدير...، هذا الزعيم....، لكانوا أعادونا إلى السراديب، أو أرسلونا إلى المحرقة؟
ـ لا ....، لم ـ ولن يفعلوا ذلك ...، لأن اللعبة تتطلب وجودنا!
ـ بهذا العدد ....يولدون بالقوة ويرحلون بأقوى منها، فلا ناقة لهم بولادتهم، ولا بعير يتركون من بعد موتهم...؟!
ـ كهذا العدد الكبير من المبتهجين، والمصفقين، والمغفلين ..
ـ آ ...، فهمت، فان لم تكن مغفلا ً بإرادتك، بوعيك، بعقلك، فلن تكون مغفلا ً إلا بالسليقة!
   مر بعير يمشي خلفه فيل، وخلفهما بنات أوى، ومن ثم مر سرب من القطا، والحمامات، والنسور، والسلاحف،..
فضحك القط الأسود:
ـ كل من نجا من الطوفان، جاء يقدم الشكر، والطاعة، والولاء...، والنذور.
   ارتفعت الأصوات مرحبة تدوي باقتراب موكب سعادة السيد المدير، فسمع الفهد صقرا ً يخاطب بومه:
ـ جيد...، فقد يفكر بزيارة مغارتنا؟
قال القط للفهد:
ـ الكل رآك....، والكل قال: ها هو معنا!
ـ وماذا لو كنت مكثت في مغارتي....، ما الذي يحدث؟
ـ سيقولون: غاب الفهد!
ـ وما الفارق...، إن شاركتهم أو لم أشاركهم، إن خرجت أو لم اخرج...، إن كنت معهم أو كنت ضدهم....، فالنتيجة واحدة!
ـ أغلق فمك...، أرجوك، إنها ليست واحدة، فقد يراك المدير وقد يستدعيك ويستمع إليك!
   ضحك الفهد:
ـ سيدي، ليس للسيد المدير صلاحيات تذكر...، فلو فكر بالإصلاح، لفعل...، وشرع في التنفيذ....، كي يعاقب!
ـ لا تذهب بعيدا ً في ... الظن..!
ـ ليس ظنا ً، وإلا لماذا لم يفعل..؟
ـ دعنا ننتظر.
   ومر حصان يمشي خلف زرافة:
ـ ها لو ...
رد الفهد:
ـ مرحبا ً.
    وشاهد الأسد يمشي خلف لبؤته، فقالت اللبؤة تحدث الأسد:
ـ ها هو السيد الفهد...، على قيد الحياة، لم تجر تصفيته، كما لم يهرب.
فقال الفهد لهما:
ـ لقد تم إطلاق سراحي، منذ زمن بعيد...، وأنا الآن أعيش بكامل حريتي في هذه المغارة.
هز الأسد رأسه:
ـ أنت تعيش في المغارة....، وأنا أعيش في القفص!
ـ لا تكترث....، فالبرية أصبحت من الماضي، عتيقة، مضى زمنها، عجوز وقد هرمت مفاتنها!
وأردف بنشوة لم يخفها:
ـ ثم ماذا جنينا منها غير الذي تعرفه....، احدنا يفترس الآخر...، واحدنا يهرب من الآخر...، واحدنا يتربص بالأخر ...، فأما أن تفترس الأقل قوة، وأما أن يفترسك الأشد منك مكرا ً!
ضحكت اللبؤة:
ـ أنت على حق...، فالسلام الذي نتمتع به، هنا، لا يختلف كثيرا ً عن فوضى الماضي ورعبه، فكلاهما ينتهيان نهاية واحدة. وهذا هو رأي حكماء الأسود!
قال القط الأسود للبؤة:
ـ حتى أنت...؟
ـ ما شأنك أنت...، فانا لم أروض بعد!
   وارتفعت الأصوات آتية من وراء الأشجار، ومن الممرات، ومن ضفاف الأنهار، والجداول الخلفية، ومن الكهوف، والمستنقعات، ومن وراء المرتفعات، والأسوار، والحيطان العالية...، مدوّية.  فقال الحصان للأسد:
ـ هذه هي الشفافية، سيدي، لا تختلف كثيرا عن عمل الأنظمة التي تشتغل كما تشتغل الساعة!
أجاب الفهد جاره:
ـ الم اقل لك: دعني أفطس في حفرتي...؟
ـ أسكت....، فالذبذبات قد تفضحنا. فأنت تعرف كيف أصبحوا يفككون مشفرات صمتنا، وكل ما ننوي أن نتفوه به، أو نعمله!
ـ يا جاري...، كل ما في الأمر لن انتظر مزيدا ً من الوقت... فدعني أعود إلى المكان الوحيد الذي أجد نفسي فيه محميا ً، وكأنني عدت نطفة!
    فسألت اللبؤة الفهد:
ـ متى يظهر، يبزغ، يطل علينا.....، سيادته؟
    رد الأسد عليها:
ـ ما شأنك، يا لبؤتي الغالية، إن ظهر أو لم يظهر، إن بزغ أو غاب، إن أتي أو ذهب...، المهم إننا نؤدي ما علينا بهذا الاستعداد لاستقبال فخامته...، مع هذه الملايين، الملايين، الملايين ...!
فسأل القط الأسود الأسد:
ـ ما هي أخبار السيرك، سيدي...؟
ـ أي سيرك...؟
ـ سيركنا....، الذي تترأسه؟
ـ آ .....، إنهم يعيدون النظر فيه...، فالقرود لديها مشكلات...، والفيلة تعاني من هوس البدانة، والضفادع لا تريد الاندماج بالبعوض، والنمور تعاني من الخمول، والبرغوث ينوي الاستقلال عن حديقتنا، والنسور عجّزت، والديناصورات مربكة أن تظهر من غير رهبتها القديمة...، فأي سيرك تتحدث عنه...، ثم انه غدا يتقاطع مع أعراف أسلافنا، واجددنا العظام.
ـ صحيح، آسف، سيدي، أخذتني الغفلة.
وأضاف القط يسأل الأسد بصوت خفيض:
ـ آ ...، ما هي مشكلة القرود...؟
ـ يقول زعيمها إن زمن الرفاهية قد يفضي إلى الخراب...، بل وأكد ذلك بدلالة إن الرفاهية ليست غاية، ذلك لأنه لا توجد غايات من غير وسائل، ومادامت الوسائل باطلة فكيف يتسنى عزل الشوائب عن نهاياتها...؛ فهو يرى مادام الأصل قد انبثق عن جرثومة العفن الأولى فان عصر الرفاهية هذا لا يقدر أن يتلافى خاتمته الكامنة في المقدمات!
ـ آ ...، أنا أيضا ً قلت لنفسي: كم أنت بدين! فهناك إفراط في الوزن، وثقل في التفكير، ووهن في الذاكرة، وتراخي في ....
صاحت اللبؤة:
ـ اجل، اجل، اجل... فالوقت كله يمضيه في النوم، ويتخيل انه يستمتع بماضيه.
ـ آ ...
   تابع الأسد بنشوة:
ـ ومتى احلم إذا لم تدعوني ارقد...، واستعيد زمني الغابر الجميل...؟
   عادت موجة من التصفيق تدوي عاليا ً، تبعتها موجة زغاريد، وثمة أناشيد أعقبتها حزمة أناشيد...، فهمس الفهد في أذن الأسد بحذر:
ـ اسمع...، هذا هو رغاء الإبل، يتبعه ثغاء النعاج، ممتزجا ًبنهيق الحمير، وصهيل الخيول، مع نغمات لشحيح البغال، وخوار الثيران، وبغام الظباء ..
فهمس الأسد:
ـ وها هو عواء الذئاب، ونباح الكلاب، وزقاء الديكة، وضغاء السنانير، وهدير الفحول، وصفير النسور، وصوصأة الجراء، وقوقأة الدجاج، ونعيب الغربان والبوم، مخلوطا ً بنزيب ذكور الظباء، وكشكشة الأفاعي وهي تحك جلدها بالأرض، مع فحيحها وهو يخرج من أفواهها كأنها في احتفال أو في عيد!
فقالت اللبؤة للأسد:
ـ  أغلق فمك...، فقد نطرد من القفص!
    ذلك لأنه تذكر سنوات السرداب التي أمضاها مع الفهد، فهمس في أذنه شارد الذهن:
ـ انظر....، ماذا فعلت الأقفاص بنا؟ كنا نظن إن البرية هي حريتنا، وقد سلبت منا، وها نحن نراها جحيما ً، وكنا نستبسل في تحطيم قضبان أقفاصنا وها نحن نعمل من اجل ديمومتها!
ضحك الفهد:
ـ بل قل العكس: ماذا فعلنا بها؟ فبدل أن تبقى المعادن طليقة في الأرض قيدناها، وجعلناها طوع إرادتنا!
ـ غريب...، كأنك لم تعد تؤمن بشيء.....؟
ـ ولم اعد أؤمن باللاشيء...؟
   ابتعد الفهد خطوات عن الطريق العام، نحو مغارته، مع القط الأسود، اثر مرور جحافل من القوات الضاربة، ومن النمل الآلي، مع اسراب من الغربان والحيتان الطائرة:
ـ ماذا يفعلون...؟
 ـ يمهدون الطريق ....، ويتأكدون من سلامته.
    فكر الفهد: للآسف... لم اعد أرى ما يحدث أمامي. معترضا ً: على م َ الأسف....، بدل الشعور بالمسرة.  لكن أصابعه قالت له:
ـ لا تغامر...، ولا تدع فمك يعمل كما تعمل بعض البراكين!
ـ ليس لدي ّ ما اخسره، أجدادي قالوا: الذي لا يمتلك شيئا ً لا يخاف من اللصوص، ولا من القتلة!
ـ مع ذلك...، فالماء هو الماء، والهواء هو الهواء.
مر دب يغني بصوت ناعم:
ـ من الجبل إلى الوادي، ومن الوادي إلى التلال، ومن القفص إلى المحرقة!
فضحك الفهد:
ـ ومن الرماد إلى الحديقة!
ـ آ.....، أيها الرفيق، فرصة سعيدة أن أراك...!
ـ أنا أكثر سعادة! هل مازلت على قيد الحياة...؟
ـ لا! وأنت...؟ فالأمور حسمت، يا سيدي، فالذي سيأتي مضى منذ زمن بعيد!
ـ ماذا تقول...؟
ـ لقد اعتقونا....، وسمحوا لنا أن نحلم، حتى إننا، سنرى السيد المدير نفسه!
ـ في الحلم ...؟
ـ طبعا ً، طبعا ً ....، وإلا ماذا كنا فعلنا...؟
ـ صحيح .... غير انتظار مرور موكب سعادته إلى الأبد...، هل أتى، هل مر....؟
ـ لقد مر....! الم تره...؟
ـ مر ....، متى...؟
ـ كنت اعتقد انك رأيته..
ـ لا...
فسأل الفهد جاره القط الأسود:
ـ هل مر موكب سيادته...؟
ـ منذ دهر!
وسأل اللبؤة، بصوت مذعور:
ـ هل مر حقا ً...؟
ـ أنا لا استطيع التكلم إن لم يأذن لي سيدي الأسد....
أجابها الأسد:
ـ آ ...، ماذا فعلت بك الشفافية؟
  فصرخ الفهد في وجه الأسد:
ـ لا تشتم بذرتك، ومأواك، ومدفنك! ولكن اجبني: هل مر موكب سعادة المدير حقا ً...؟
    لم يجب. وساد الصمت برهة امتدت ...، فهمس الفهد يخاطب أصابعه:
ـ دوّني...!
ردت:
ـ قبل قليل طلبت مني أن أبعثر الأصوات...، والآن تطلب مني أن اجمعها...؟
ـ سيان....، يا أصابعي، فانا اجهل من يعاقب من...؟
أجاب القط الأسود وهو ينسحب إلى مغارته:
ـ آن لك يا جاري أن تمحو ما حدث لنا في هذا النهار...
     لم يقدر الفهد أن يمنع نفسه من الضحك حد التمرغ بالتراب:
ـ وسيأتي الليل، لكن من ذا باستطاعته أن يطرد كوابيس النهار؟!
19/5/2015

تزوير- د.إحسان فتحي

تزوير

الأعزاء الفنانين العراقيين والأصدقاء
تحيات طيبة
 
د.إحسان فتحي
كما ذكرت مرارا، فان عصابات التزوير تعمل بتواصل وكثافة على أمل أن تعثر على مغفل هنا او هناك. ويبدو أن هناك وفرة لاباس بها من الساذجين والمغفلين والا فلم هذا الإنتاج التزويري المستمر؟  وبغياب أي رادع من أجهزة الدولة فان خرق القانون اصبح اسهل من النزهة. وتهدف هذه العصابات وبعض (الفنانين) العراقيين الذين فقدوا ضميرهم، الى استهداف كبار الفنانين من الرواد المتوفين، ذلك لقلة وجود الخبراء الذين يستطيعون حسم الشك في أصالة عمل فني كما هو الحال في بقية الدول، حيث يوجد خبير عن فنان معين مثلا، وهذا يقضي اغلب سنوات عمره في توثيق وتحليل مسيرة هذا الفنان، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عنه. يعرف كل تواقيعه ويعلم بجميع أعماله وتواريخها، ويوثقها توثيقا شاملا مملا، ومن ثم يستطيع الحسم والبت بشكل نهائي. كما إن هناك لجان متخصصة ومرخصة من الدولة وأعضائها من خبراء في الفن ومؤرخين وأكاديميين وحتى علماء لفحص العمل الفني والتأكد من أصالته. هذا الأمر مفقود تماما عندنا وعند اغلب الدول العربية.
ولحسن حظنا، فان الأغلبية الساحقة من المزورين العراقيين هم من الدرجة العاشرة تقنيا، فهم يجهلون ابسط (قواعد) التزوير كالتوقيع والتاريخ والأسلوب وغيرها الكثير. لكنهم مع ذلك يستهدفون أولا جواد سليم، وفايق حسن، وعبد القادر رسام، وحافظ ألدروبي، وخالد الجادر، وكاظم حيدر، وإسماعيل فتاح، ونجيب يونس، وغيرهم. أنا شخصيا اكتشف في عمان لوحتين او ثلاثة شهريا اغلبها مزور. ويساعدني في ذلك هو التوثيق المفصل ( حتى درجة الإعياء) الذي قمت به في تسجيل أعمال الرواد وغيرهم أيضا. فمن الصعب جدا ان تنبع فجأة لوحة منسوبة لجواد سليم مثلا دون أن نعرف عنها. ذلك لان امام المزور خيارين لا ثالث لهما: أما أن ينسخ لوحة لجواد سليم تماما ويزور توقيعها، اوان يرسم لوحة جديدة ينسبها الى جواد سليم وموقعة بتوقيع مزور وبتاريخ مفتعل ولكنها مرسومة ب(روحية واسلوب جواد). في كلا الخيارين سيقع المزور في مأزق وسيكتشف عمله المزور فورا، ذلك لانه من الصعوبة بمكان، ولكن ليس من المستحيل في بعض الاحيان النادرة، ان ينجح اي شخص في تقمص روحية الفنان المتوفى. إن جميع الحيل البائسة التي يستعملها المزورون باتت معروفة الآن، كالتعتيق المتعمد، والمسامير الصدئة، والأطر الخشبية القديمة، وغيرها، لم تعد تنفع.
لكن هناك وفرة جيدة من المغفلين في كل أنحاء العالم حيث يتواجد العراقيون الذين يحنون لعمل فني عراقي يزين صالاتهم ويدفعون عشرات الآلاف من الدولارات دون أن يتأكدوا أولا من صحة أصالتها، فهي في أحسن الاحوال لا تساوي قرشا واحدا!
أترككم مع عمل منسوب الى عبد القادر رسام وهو في الحقيقة نسخة من بورتريت  للفنان الاسكتلندي المعروف، ديفيد روبريت!  إلى أي درجة من الغباء وصل هؤلاء؟




مسرح مع عملاق المسرح العراقي سامي عبد الحميد-د. وريا عمر أمين




مسرح
مع عملاق المسرح العراقي سامي عبد الحميد

د. وريا عمر أمين

الفنان الكبير الممثل والمخرج و الباحث الاكاديمي المبدع و  صاحب الرؤية الخصبة  البروفيسور سامي عبد الحميد   احد رواد و عمالقة و اعمدة المسرح العراقي.  من مواليد مدينة السماوة عام 1928.
بدأ اهتمامه بالتمثيل وهو في مرحلة مبكرة من حياته عندما كان طالبا في ثانوية الديوانية، حيث شارك في تمثيل مسرحيتي: البخيل، وفي سبيل التاج.
 انتقل   الى بغداد و التحق بكلية الحقوق.
عام 1950 وبعد ان أنهى دراسته في كلية الحقوق التحق بمعهد الفنون الجميلة،
التقى في بغداد الفنان يوسف العاني، الذي كان يترأس حينذاك فرقة (جبر الخواطر) المسرحية، وقدم مع  زميل له مسرحية  "تاجر البندقية" أخراج الفنان الراحل ابراهيم جلال الذي اكتشف المواهب الفنية لسامي عبدالحميد وشجعه على دراسة التمثيل.
 عام 1952 ولدت لدى الثلاثي ابراهيم جلال، ويوسف العاني، وسامي عبد الحميد فكرة تأسيس فرقة المسرح الحديث، أيمانا منهم بأن المسرح وسيلة لنشر الثقافة، واداة للتوعية أكثر منه وسيله للترفيه والتسلية.
سافر الى انكلترا  وحصل على شهادة الدبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن.
ثم حصل على شهادة الماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون الولايات المتحدة.
  قدم عبر مسيرته الفنية الطويلة  أعمالا مسرحية متميزة، فضلا عن عشرات الأعمال السينمائية والإذاعية والتلفزيونية.
 من اشهر ما أخرجه من مسرحيات: ثورة الزنج، وملحمة كلكامش، وبيت برناردا، والبا، وانتيغوني، والمفتاح، وفي انتظار غودو، وعطيل في المطبخ، وهاملت عربيا، والزنوج، والقرد الكثيف الشعر.
كتب عشرات البحوث أهمها: الملامح العربية في مسرح شكسبير، والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، والعربية الفصحى والعرض المسرحي، وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي.
الف عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: فن الإلقاء، وفن التمثيل، وفن الإخراج،
 ترجم عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لالكسندر داين. وتصميم الحركة لاوكسنفورد. والمكان الخالي لبروك.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والعالمية التي تخص المسرح.  كما شارك في مهرجانات مسرحية ممثلا ومخرجا أو ضيفا منها: مهرجان قرطاج، ومهرجان المسرح الأردني، ومهرجان ربيع المسرح في المغرب، ومهرجان كونفرسانو في ايطاليا، ومهرجان جامعات الخليج العربي، وأيام الشارقة المسرحية.
رئيس اتحاد المسرحيين العربوعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين.
 وهو الان أستاذ متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد.
نتاجاته
1 -  افلامه
فيلم (من المسؤول؟ - 1956) إخراج : عبد الجبار ولي .
فيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج : كامل العزاوي. (أول فيلم عراقي ملون) .
فيلم (المنعطف 1975) إخراج : جعفر علي.
فيلم (الأسوار 1979) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (المسألة الكبرى)  1982 إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (كرنتينا) للمخرج : عدي رشيد.
2 - مسرحياته
مسرحية (النخلة والجيران) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
مسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
.مسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل : عوني كرومي.
مسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي : غريغوري غورين - إخراج : فاضل خليل.
مسرحية (قمر من دم) إخراج : فاضل خليل
مسرحية (غربة): اخراج كريم خنجر

الثلاثاء، 19 مايو 2015

مجلة الأدب العربي المعاصر : متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية)

مجلة الأدب العربي المعاصر : متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية): د غالب المسعودي ا لمتاهة ألأرض التي يتوه فيها السالك ولايكاد يعرف فيها طريقاً , ويراد بها في ألأساطير مبنى التّيه ذو الممرات ال...

لم أفق مني-نجاح زهران




لم أفق مني
نحو سطوة اللهب أستدير لعروج النور من شقوق الفعل
كل بحر مسجور بتمجيد التسبيح على فضة الملائكة
فقد علمتني الأرض أن السماء طوافة على السطر الخامس من الكون
ولم أزل أفتح سريرتي للرد على إغواء مستطرد قد توقف بي
من بصيرة الجنة ...
لكن بلا طائل
*
ما تبقى من لمعان الغفران يؤذي صورتي
مفتونة بشفة الإرتواء لعبور رياض التسمية
ربما ذلك السفر بين العطش السريع
يرحل بي نحو حدود النارنج
وأفواه تركت مقاسات التوحد لأصابع التزكية
*
يبعثرني المباح
سهوة تلق بخميرتي من جذب التفسيرات النبيلة
لحنين لم تستيقظ عيوني عليه و ما تبقى من حُمرة التفاحة الآثمة
*
صورة حريق إدعى إهتمامه بأسعار الصلاة
أسئلة تضمر رأسمالة إنساني
ومصيدة آفلة بالثواب
تحسب الربح في مخزوني
لكنك لم تأت سوى من غفلة جوعي
بإحتمالات ظنك من اليقين
لترتفع خيّل نيتك بحصاري
وأنا بهوامش الطمع من حاجتك
لخيباتٍ طالت إستيفاء أنفاسي في سبيل رغباتك
*
لم أفق مني
أنا لعبة الأسواق
أتيت من مكر التعرية لروحك المتصحرة
من نفحة شجر تأوي مطري
من ثمرة نكزت مصوة الرطب على فيض الإنتاج
تمد شطاطها لسحابة دنت من الأرض
ليس لي فيها بوصلة حب
وقد بلغ الإحتواء سماعة الذِّكر
لم أعهد بهم رئة تُثبت الله بين دروبهم
لا إيثار يغتسل بمدام السماء
تسحب شروع عنترة ببأس الندِّ
عن صدود الجنةِ
نجاح زهران